أن ما منی به المجتمع من المآسی و الویلات، قد غاب عن أذهان الحکام و المتسلطین، و اذا ما دس الیهم بعض ما تعانیه الأمة، فانه یحمل علی السخریة و الاستهزاء، لعدم لمس الواقع بعین البصیرة.
ان من بایعه الناس و أمره علی رقابهم، قد داس علی رقابهم، اذ یقف طالب حاجة علی باب السلاطین کالمسکین المتسول، یترحم انسانا للاذن له فی الدخول علیه.
و هناک الطامة الکبری من الحجاب و الحراس و…
و من یحلم بلقاء رئیسه أو سلطان عصره؟! و هل یلیق بشأن الرؤساء الاحتکاک بالأمة عن کثب؟!
و هذا ما أراد تفادیه الأئمة علیهمالسلام من البعد بین الحاکم و المحکوم، بین الامام و المأموم.
ان علاقة الامام الصادق علیهالسلام بل الأئمة کافة فی حیاة الأمة الاسلامیة، جعلتهم أهلا للولایة، حیث أن الثقة بهم لا تتأتی بمجرد کونهم من سلالة الرسول صلی الله علیه و آله و سلم و من العلماء الأبرار، اذا لم یبرز ذلک من خلال تصرفاتهم و علاقاتهم مع شعوبهم و اخوتهم فی دینهم، یعیشون معاناتهم و آلامهم و مکافحاتهم.
فلذا کان الامام الصادق علیهالسلام کالأب الشفوق، یسأل عن أصحابه فردا فردا، و عن أحوالهم و أعمالهم و… حتی کأن أصحابه ثمرة قلبه، یتأوه و یتحسر لعدم لقیاهم، فقال یوما – عندما وضعه المنصور تحت الاقامة
الجبریة – لعنبسة بن مصعب: «أشکو الی الله وحدتی و تقلقلی من أهل المدینة، حتی تقدموا و أراکم، و أسر بکم، فلیت هذا الطاغیة أذن لی فاتخذت قصرا فسکنته، و اسکنتکم معی، و أضمن له ألا یجیء من ناحیتنا مکروه أبدا»(1)
و قد تجلت علاقة الأمة بالأئمة علیهمالسلام من خلال قول الکاظم علیهالسلام لهارون الرشید «أنت امام الأجسام و أنا أمام القلوب».
و من خلال قول عبدالله بن الحسن عندما أتی الی الامام الصادق علیهالسلام یطلب منه المبایعة الی ولده محمد، فقال له: انک اذا أجبت لم یختلف عن ابنی أحد من أصحابک، و لم یختلف علیه اثنان من قریش و لا من غیرهم.
فلذا أول محاولة للسلطة کانت هی ابعاد الامام علیهالسلام عن الاتصال بالأمة، من السجن، الی التهجیر، کما أبعد علیهالسلام الی الکوفة من قبل المنصور، و لما رأی خطأه فی ذلک، اذ أن القلوب قد تهافتت نحوه، أرجعه الی المدینة.
و هذا الترابط الوثیق بین الامام علیهالسلام و شیعته، مکنه من بناء کتلة واعیة صالحة من مجموع هذه الأمة، فحصنهم بالورع و التقی، حتی أضحت هذه الکتلة هی القائد و الرائد فی مسیرة الأمة الاسلامیة تستطیع بمجرد قرع طبول الحرب، أن تصطف متأهبة لساعة الصفر.
1) معجم رجال الحدیث ج 13 / 162.