و فیه أربع مسائل:
المسألة الأولی: التغریب و الحبس فی حد الزنا:
مذهب الامام جعفر الصادق: أن التغریب و الحبس مشروع.(1)
و روی ذلک عن: الخلفاء الأربعة و زید بن علی و ابن أبیلیلی و الثوری و اسحاق و الزهری و الناصر و الیه ذهب مالک و الشافعی و أحمد و أبییوسف.(2)
و الحجة لهم:
1 – قوله تعالی «و الاتی یأتین الفاحشة من نسائکم فاستشهدوا علیهن أربعة منکم فان شهدوا فأمسکوهن فی البیوت حتی یتوفاهن الموت»(3) و الجعل فی البیت حبس.(4)
2 – ما روی عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلی الله علیه و سلم: «خذوا عنی فقد جعل الله لهن سبیلا البکر بالبکر جلد مائة و نفی سنة، و الثیب بالثیب جلد مائة و الرجم».(5)
و قال أبوحنیفة و الهادویة: ان التغریب و الحبس غیر واجبین.
و لکن الحنفیة یجیزون تغریبه بعد الجلد، و ذلک علی وجه التعزیر.(6)
فرع: و نقل عن الامام جعفر الصادق: أنه یکفی فی التغریب الحبس سنة.(7)
و روی ذلک عن علی و زید بن علی و أحد قولی الناصر.(8)
وجه هذا المذهب:
أن التغریب عقوبة و المقصود منها التأدیب و الزجر و المنع عن الوطن و هذا یتحقق بالحبس.
و قال جمهور الفقهاء: لیس هناک حد أعلی للحبس و فوضوا ذلک للقاضی فیحکم بما یراه مناسبا لحال الجانی، فیجوز له استدامة حبس من تکررت جرائمه. و الیه ذهب الحنفیة و المالکیة و الحنابلة و الشافعی فی قول.
و قال الشافعیة فی المشهور من مذهبهم: الحبس سنة تشبیها للحبس بالنفی المذکور فی الحد.(9)
المسألة الثانیة: التعزیر:(10)
مذهب الامام جعفر الصادق: أن الامام مخیر بین التعزیر و التهدید.(11)
و روی ذلک عن: أبیطالب من الزیدیة و هو قول للشافعی.(12)
فاتعزیر یرجع فی تحدید جنسه و قدره الی الحاکم فقد یکون بالضرب و الحبس أو التوبیخ حسب اختلاف مراتب الناس و اختلاف المعاصی و اختلاف الأعصار و الأمصار.یقول الماوردی: للأمیر اذا رأی من الصلاح فی ردع السفلة أن یشهرهم و ینادی علیهم بجرائمهم ساغ له ذلک.(13)
و یقول ابنفرحون: اذا رأی القاضی المصلحة فی قمع السفلة باشهارهم بجرائمهم فعل.(14)
و الحجة لهم:
1 – أن رسول الله صلی الله علیه و سلم عزر بالهجر و ذلک فی حق الثلاثة الذین ذکرهم القرآن، فهجروا خمسین یوما لا یکلمهم أحد(15)
2 – و کذلک عزر – علیه الصلاة و السلام – بالنفی فأمر باخراج المخنثین من المدینة و نفیهم.(16)
و قالت العترة و أبوحنیفة: ان التعزیر واجب کالحد الا أن أباحنیفة
قال: یجب علی الامام ان ظن الانزجار، بدونه و الا کفی التهدید.(17)
المسألة الثالثة: حکم الصبی اذا سرق:
مذهب الامام جعفر الصادق: أن الصبی اذا سرق حکت أنامله.(18)
وجه هذا المذهب:
ان هذه العقوبة من قبیل الزجر و التأدیب. و قد أشار بعض الفقهاء الی عقوبة التهدید بأنها من العقوبات التعزیریة بصورة دون تخصیصها.(19)
و بما أن التهدید و التأدیب من الوسائل التربویة لتهذیب النفوس و خاصة نفوس الصبیان فمثل هذه العقوبة تکون علاجا تربویا ناجحا فی الحد من السرقة عند الصبیان.
و قال جمهور الفقهاء: لا یقام الحد علی السارق الا ذا کان بالغا. و نقل ابنحجر الاجماع علی ذلک. فی سائر الأحکام و الحدود.(20)
و اتفق الفقهاء علی أن الصبی السارق لا یقام علیه الحد، بل یؤدب بما یراه الحاکم.(21)
المسألة الرابعة: أموال أهل البغی:(22)
مذهب الامام جعفر الصادق: جواز أخذ ما فی أیدی البغاة مما أجلبوا به الی موضع القتال من مال و سلاح وغیره لا ما عداه.(23)
و قال الحسن بن یحیی: أجمع آل رسول الله صلی الله علیه و سلم أنه یغنم ما حوی عسکر أهل البغی مما أجلبوا واستعین به علیهم.(17)
و قال أبوحنیفة و محمد و زفر: اذا کانت الحرب قائمة فانه یستعان فی قتالهم بما أخذ من سلاحهم و کراعهم خاصة، فاذا تلف من ذلک شیء فی حال الحرب فلا ضمان فیه فاذا وضعت الحرب أوزارها فلا یؤخذ شیء من أموالهم لا سلاح و لا کراع و یرد علیهم ما بقی مما قاتلوا به فی الحرب.
و قال أبویوسف: ما وجد فی أیدی البغاة من السلاح و الکراع فانه یقسم و یخمس و لم یرد ذلک فی غیر السلاح و الکراع.
و قال الشافعیة: ان أموال البغاة لا تغنم و ان أجلبوا بها الی دار الحرب، و به قال المالکیة.(24)
1) البحر الزخار: 6 / 147.
2) المصدر السابق – الدر المختار: 4 / 14 – شرح المحلی علی المنهاج: 4 / 181، 205 – حاشیه الرملی علی أسنی المطالب: 4 / 306 – غایة المنتهی للکرمی: 3 / 316 – الروض النضیر: 4 / 208 – أقضیة الرسول صلی الله علیه و سلم: 6، 5 – تبصیر الحکام 2 / 373، 260 – السیاسة الشرعیة: 54 – کشاف القناع: 4 / 74 – الزیلعی: 3 / 270 و 4 / 179 -المغنی: 10 / 313.
3) سورة النساء: 15.
4) انظر: مجموعة فتاوی ابنتیمیة: 35 / 398 – و الطرق الحکمیة لابن القیم: 102.
5) مسلم هامش النووی: 11 / 190.
6) بدایة المجتهد: 2 / 364 – معین الحکام: 182 – البحر الزخار: 6 / 147 – الروض النضیر: 4 / 209.
7) البحر الزخار: 6 / 148 – الروض النضیر: 4 / 209.
8) المصدران السابقان.
9) الدر المختار: 4 / 81 و 5 / 389 – حاشیة الجمل علی شرح المنهج: 5 / 164 – غیاث الأمم لامام الحرمین: 226 – معید النعم للسبکی: 23 – فتح القدیر: 6 / 375 – الزیلعی: 4 / 179 – الفتاوی الهندیة: 2 / 188 – الأحکام السلطانیة: 165 -المغنی: 10 / 313 – الانصاف: 11 / 217 – تبصرة الحکام: 2 / 148، 230 – کشاف القناع: 4 / 74، 75.
10) التعزیر: لغة: التأدیب. و أصله من العزیر و هو المنع. و شرعا: تأدیب علی ذنب لا حد فیه و لا کفارة. انظر: معنی المحتاج: 4 / 191 – المبسوط: 9 / 36 – لسان العرب و المصباح المنیر: مادة: أدب، عزر.
11) البحر الزخار: 6 / 211.
12) المصدر السابق – الأم: 6 / 176.
13) الأحکام السلطانیة: 221.
14) التبصرة بهامش فتح العلی: 2 / 146.
15) فتح الباری: 8 / 342 – مسلم: 4 / 2120.
16) فتح الباری: 10 / 333.
17) المصدر السابق.
18) البحر الزخار: 4 / 306.
19) حاشیة الجمل: 5 / 164 – البحر الزخار: 5 / 211.
20) انظر: حاشیة ابنعابدین: 3 / 256 – بدایة المجتهد: 2 / 437 – الأحکام السلطانیة: 228 – الأحکام السلطانیة لأبی یعلی: 268 – فتح الباری: 5 / 277 – بدائع الصنائع: 7 / 67 – الدسوقی علی الشرح الکبیر 4 / 344، 332 – نهایة المحتاج: 7 / 421 – کشاف القناع: 6 / 129 – الفقه فی أسلوبه الجدید: 344.
21) البدائع: 7 / 67 – المهذب: 2 / 277 – غایة البیان: 300 – الفواکه الدوانی: 3 / 292 – الاقناع للجاوی: 4 / 253 – الأشباه و النظائر: 168 – نهایة المحتاج: 7 / 440 – قوانین الأحکام: 371 – مغنی المحتاج: 4 / 192.
22) البغی: قال المستانی من الحنفیة: کل فرقة أظهرت رأیا و دعت الیه و قاتلت علیه و صار لها شوکة و بقعة معینة و شهرت السلاح علی الجماعة کالخوارج و غیرهم.و قال الشافعیة: بأنهم مسلمون خالفوا الامام بخروج علیه و ترک الانصیاع أو منع حق توجه علیهم. و شرط شوکة لهم و مطاع فیهم. انظر مغنی المحتاج: 4 / 132 – روضة القضاة: 3 / 1215.
23) الروض النضیر: 4 / 333.
24) الروض النضیر: 4 / 33 – سبل السلام: 260 – حاشیة الدسوقی: 4 / 300 – التاج و الاکلیل: 6 / 278، 279 – نهایة المحتاج: 7 / 385 – حاشیة ابنعابدین: 3 / 312 – تبیین الحقائق: 3 / 269.