و فیه ثلاث مسائل:
المسألة الأولی: رفع الحدث بماء الورد:
مذهب الامام جعفر الصادق: أن ماء الورد یجزئ برفع الحدث اذ أصله ماء. نقل ذلک عنه صاحب البحر الزخار(1)
و الحجة لهم:
1- قوله تعالی: «فلم تجدوا ماء فتیمموا صعیدا طیبا»(2)
وجه الدلالة:
أن ماء الورد أصله ماء فلا یجوز العدول عنه الی التیمم مع وجوده،
لأن الانتقال الی التیمم مقید بعدم وجود الماء قیاسا علی ماء البحر(3)
2- و من المعقول: أنه کما یمکن ازالة النجاسة الحسیة بماء الورد لکونه سائلا مزیلا یمکن ازالة النجاسة المعنویة به أیضا.
و ذهب جمهور الفقهاء الی أنه: لا یجوز رفع الحدث بماء الورد. و نقل بعضهم الاجماع علی ذلک(4)
المسألة الثانیة: مسح الرأس:
أجمع العلماء علی وجوب مسح الرأس فی الوضوء(5)
و اختلفوا فی المقدار الواجب مسحه.
مذهب الامام جعفر الصادق: أنه یکفی مقدم الرأس. نقل ذلک عنه صاحب البحر الزخار و غیره(6)
روی ذلک عن زید بن علی و الباقر و الناصر و داود و الیه ذهب أحمد فی روایة، و قالوا: هو حکم عام للرجال و النساء فلا یجوز لها أن تمسح علی الخمار.
و قال أبوحنیفة و هو روایة عن أحمد: الواجب مسحه مقدار الناصیة و هو الرابع(7)
والحجة لهم:
قوله تعالی: «و امسحوا برءوسکم»(8)
وجه الدلالة:
أن الآیة مجملة فالمسح الوارد فیها یطلق علی الکثیر و القلیل. وقد بینت السنة النبویة المقدار الواجب مسحه و هو مقدم الرأس و قد روی عن أنس رضی الله عنه أنه قال: رأیت رسول الله صلی الله علیه و سلم یتوضأ و علیه عمامة قطریة فأدخل یده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه و لم ینقض العمامة(9)
فظاهر الحدیث الاقتصار علی مسح مقدم الرأس و عدم التکمیل لا علی بقیة الرأس و لا علی العمامة.
و قال أکثر العترة و مالک و المزنی و روایة عن أحمد: ان الواجب مسح جمیع الرأس(10)
المسألة الثالثة: حکم غسل الفرجین (القبل و الدبر) فی الوضوء:
مذهب الامام جعفر الصادق: ان الفرجین لیسا من أعضاء الوضوء.
نقل ذلک عنه صاحب الروض النضیر(11)
روی ذلک عن جمهور الزیدیة: الباقر و الناصر و القاسم و الداعی. و هو رأی علماء الأمة(12) و لم یذکر عن أحد من الأئمة الأربعة غسل الفرجین لا فی أعضاء الوضوء و لا فی فرائضه و لا فی سننه(13)
و الحجة لهم:
1- قوله تعالی: «فاغسلوا وجوهکم»(8)
وجه الدلالة:
ان الله تعالی أوجب الابتداء بغسل الوجه اذ الفاء تقتضی الترتیب و التعقیب فعقب الله تعالی ارادة القیام للصلاة بغیل الوجه من غیر امهال. و لم یذکر الفرجین.
2- ما روی عن النبی صلی الله علیه و سلم أنه قال للذی سأله عن کیفیة الوضوء «توضأ کما أمرک الله اغسل وجهک و ذراعیک»(14)
و لم یذکر فی الحدیث غسل الفرجین.
و قال بعض الفقهاء: ان غسل الفرجین بعد ازالة النجاسة أو عند ارادة الوضوء من الریح فرض من فروض الوضوء و هذا مذهب المهدی و الهادی و أولاده(15)
و الحجة لهم:
ما روی عن ابنعباس قال: نزلت هذه الآیة فی أهل قباء «فیه رجال یحبون أن یتطهروا و الله یحب المطهرین»(16)
فسألهم رسول الله صلی الله علیه و سلم، فقالوا: انا نتبع الحجارة الماء(17)
فالفرجان اذن من أعضاء الوضوء لحدیث أهل قباء اذ الطهور اسم لغسل هذه الأعضاء فکانا کالوجه، ثم هما عضوان یغسلان للصلاة فکانا کالوجه(18)
و قد رد الشوکانی علی من جعل الفرجین من أعضاء الوضوء و أوجب غسلهما بقوله (جعل الفرجین عضوا من أعضاء الوضوء لم یثبت
عن عالم من علماء الاسلام قط، لا من الصحابة و لا من التابعین و لا من تابعیهم و لا من أهل المذاهب الأربعة و لا من الأئمة أهل البیت و ذکر المصنف له فی کتابه هذا قد تبع من تقدمه من المصنفین فی الفروع من أهل الدیار و کلهم یجعل ذلک مذهبا للهادی و هو أجل قدرا من أن یقول به و لیس فی کتبه حرف من ذلک قط و لا أظن هذه المقالة الا صادرة من بعض الموسوسین فی الطهارة و أهل العلم بریئون عنها کما أن الشریعة المطهرة بریئة منها، و لیس فی الکتاب و لا فی السنة حرفا یدل علی ذلک)(19)
و حدیث أهل قباء ضعیف بجمیع طرقه حیث أورد الحافظ ابنحجر تضعیف البزار له حیث قال: لا نعلم أحد رواه عن الزهری الا محمد بن عبدالعزیز و لا عنه الا ابنه، و محمد بن عبدالعزیز ضعفه أبوحاتم فقال: لیس له و لا لأخویه عمران و عبدالله حدیث مستقیم.
و ضعف هذا الحدیث عبدالله بن شیب(20) و لیس فیه ذکر اتباع الاجمار الماء و هو حدیث ضعیف بجیمع طرقه فلا تقوم به حجة.
1) البحر الزخار: 2 / 37.
2) سورة النساء: 43.
3) المغنی: 1 / 8 – 7.
4) الاختیار: 1 / 14؛ المجموع: 1 / 93؛ السراج الوهاج شرح المنهاج: 8؛ البیان الشافی: 1 / 68؛ المنتقی: 1 / 59؛ مغنی المحتاج: 1 / 18؛ کشاف القناع: 1 / 27.
5) شرح مسلم: 3 / 107؛ المغنی: 1 / 111.
6) البحر الزخار: 2 / 64؛ الروض النضیر: 1 / 198 – 132.
7) المصادر السابقة؛ الهدایة: 1 / 2؛ المبسوط: 1 / 63؛ البنایة: 1 / 47؛ المغنی: 1 / 112؛ الاستذکار: 1 / 169؛ نیل الأوطار: 1 / 192.
8) سورة المائدة: 6.
9) سنن أبیداود: 1 / 36؛ سنن ابنماجه: 1 / 187.
10) القرطبی: 6 / 88؛ شرح الدردیر: 1 / 24؛ المجموع: 1 / 4؛ المغنی: 1 / 125؛ الاستذکار: 1 / 167؛ بدایة المجتهد: 1 / 11؛ نیل الأوطار: 1 / 192؛ الصابونی: 1 / 886.
11) الروض النضیر: 1 / 156.
12) المصدر السابق.
13) الهدایة: 1 / 12؛ شرح الزرقانی: 1 / 51؛ السراج الوهاج: 16؛ البحر الزخار: 1 / 53؛ السیل الجرار: 1 / 75.
14) نصب الرایة للزیلعی: 1 / 367؛ المجموع: 1 / 411.
15) البحر الزخار: 1 / 52؛ ضوء النهار: 2 / 183 و ما بعدها.
16) سورة التوبة: 108.
17) سنن أبیداود: 1 / 11؛ سنن ابنماجه: 1 / 127.
18) البحر الزخار: 1 / 53.
19) السیل الجرار: 1 / 75 و ما بعدها.
20) تلخیص الحبیر: 1 / 112.