قلنا فیما سبق ان اللفظ باعتبار دلالته علی المعنی ینقسم الی منطوق و مفهوم.
فالمنطوق: ما فهم من دلالة اللفظ قطعا فی محل النطق(1)
و المفهوم: ما فهم من اللفظ فی غیر محل النطق(2)
و ینقسم المفهوم الی قسمین: مفهوم الموافقة و مفهوم المخالفة.
فمفهوم الموافقة: هو ما یکون مدلول اللفظ فی محل السکوت موافقا بمدلوله فی محل النطق(2)
أو هو دلالة اللفظ علی ثبوت حکم المنطوق للمسکوت عنه لاشتراکهما مع المنطوق فی علة الحکم المفهومة بمجرد فهم اللغة من غیر احتیاج الی نظر و اجتهاد(3)
و یسمی (فحوی الخطاب) ان کان المسکوت عنه أولی من المنطوق مثل قوله تعالی: «فلا تقل لهما أف»(4)
فان تحریم ضرب الوالدین و شتمهما أولی من تحریم التأفف المنطوق لکونهما أشد من التأفیف فی الایذاء.
و یسمی (لحن الخطاب) اذا کان المسکوت عنه مساویا للمنطوق. مثل قوله تعالی: «ان الذین یأکلون أموال الیتامی ظلما انما یأکلون فی بطونهم نارا و سیصلون سعیرا»(5)
فاتلاف أموال الیتامی بالاحراق و غیره مساو لاتلاف أموالهم بالأکل.
و یسمی مفهوم الموافقة بالقیاس الجلی(6)
و قد اتفق العلماء علی صحة الاحتجاج بمفهوم الموافقة الا ما نقل
عن داود الظاهری أنه قال: لیس بحجة(7)
أما مفهوم المخالفة: فهو ما یکون مدلول اللفظ فی محل السکوت مخالفا لمدلوله فی محل النطق أو هو دلالة اللفظ فی محل النطق علی ثبوت نقیض الحکم المذکور للمسکوت عنه.
و یسمی دلیل الخطاب لأن دلیله من جنس الخطاب أو لأن الخطاب دل علیه، و سمی بمفهوم المخالفة، لأن حکم المسکوت عنه مخالف لحکم المنطوق به(8)
أنواعه:
و مفهوم المخالفة عند القائلین به أنواع کثیرة أشهرها ما یلی:
1- مفهوم الصفة: و هو دلالة اللفظ المقید بالصفة علی ثبوت نقیض حکم المنطوق لما لا توجد فیه هذه الصفة. مثاله قوله صلی الله علیه و سلم: «مطل الغنی ظلم»(9)
2- مفهوم الشرط: و هو دلالة اللفظ المقید بالشرط علی ثبوت نقیض حکم المنطوق لما لم یتحقق فیه الشرط.
مثاله: قوله تعالی: «و من لم یستطع منکم طولا أن ینکح المحصنات المؤمنات فمن ما ملکت أیمانکم من فتیاتکم المؤمنات»(10)
3- مفهوم الغایة: و هو دلالة اللفظ المقید علی ثبوت نقیض حکم المنطوق لما لم. تتحق فیه الغایة و ذلک بأن جاوزها.
مثاله: قوله تعالی: «فان طلقها فلا تحل له من بعد حتی تنکح زوجا
غیره»(11)
4- مفهوم العدد: هو تعلیق الحکم بعدد مخصوص یفهم منه ثبوت نقیض الحکم فیما عدا ذلک العدد زائدا کان أو ناقصا.
مثاله (فاجلدوهم ثمانین جلدة)(12)
5- مفهوم اللقب: هو دلالة تعلیق الحکم باسم جامد یدل علی نفی ذلک الحکم عن غیره.
مثاله قوله تعالی:: (حرمت علیکم أمهاتکم و بناتکم و أخواتکم و عماتکم و خالاتکم……. الآیة)(13)
مفهوم المخالفة عدم تحریم غیر المذکورات فی الآیة(14)
و اتفق الأصولیون علی الاحتجاج بمفهوم المخالفة فی مفهوم: الوصف أو الشرط أو العدد أو الغایة فی غیر النصوص الشرعیة. أی فی عقود المتعاقدین و تصرفاتهم و أقوال الناس و عبارات المؤلفین و مصطلحات الفقهاء و اختلفوا فی الاحتجاج بهذه الأقسام فی النصوص الشرعیة.
فذهب الجمهور الی الاحتجاج به.
و ذهب الحنفیة الی أن مفهوم المخالفة لیس حجة.
و اتفق الأصولیون أیضا علی عدم الاحتجاج بمفهوم اللقب خلافا للدقاق و أصحاب أحمد(15)
و یشترط فی العمل بمفهوم المخالفة عند القائلین به أمور کثیرة ترجع الی شرط واحد و هو: أن لا یکون للقید الذی قید به حکم المنطوق فائدة أخری غیر انتفاء الحکم عند انتفاء القید فان کان له فائدة أخری خلاف ذلک فلا یکون معتبرا و لا یصح العمل به.
و ذلک کأن یکون المقصود من القید الامتنان و خرج مخرج الغالب و یکون المقصود منه بیان الواقع من حال الناس للتغییر و التشنیع أو قصد منه المبالغة و التکثیر أو الحث علی الامتثال(16)
و یوجد فی فقه جعفر ما یدل علی احتجاجه بمفهوم المخالفة و هو مذهب الجمهور کما فی النموذج الآتی:
1) الأحکام للآمدی: 3 / 93.
2) المصدر السابق.
3) أصول الفقه لزکی الدین شعبان: 370.
4) سورة الاسراء: 23.
5) سورة النساء: 10.
6) الأحکام للآمدی: 3 / 94؛ شرح المحلی علی جمع الجوامع: 1 / 240؛ غایة الوصول: 36 / 37.
7) الأحکام للآمدی: 3 / 96؛ المختصر فی أصول الفقه علی مذهب الامام أحمد بن حنبل لابن اللحام: 132.
8) الأحکام للآمدی: 3 / 99؛ أصول الأحکام: 298.
9) البخاری هامش الفتح: 5 / 39؛ مسلم هامش النووی: 10 / 282.
10) سورة النساء: 25.
11) سورة البقرة: 230.
12) سورة النور: 4.
13) سورة النساء: 23.
14) الأحکام للآمدی: 3 / 99؛ المختصر فی أصول الفقه لابن اللحام: 134 – 133؛ الوجیز: 311 و ما بعدها؛ أصول الفقه لزکی الدین شعبان: 370؛ مسائل من الفقه المقارن: 1 / 18؛ تیسیر أصول الفقه: 153 و ما بعدها.
15) الأحکام للآمدی: 3 / 137 – 103؛ الأحکام لابن حزم: 7 / 2؛ تیسیر التحریر: 1 / 101؛ أصول الفقه لعبد الوهاب خلاف: 147.
16) أصول الفقه لزکی الدین شعبان: 373 – 372.