طرق الاستنباط: هی القواعد التی یستعان بها علی فهم الأحکام
و استخراجه من النصوص الشرعیة.
و لقد ورد أن أول من صنف هذه القواعد. و أول من دون فی أصول الفقه هو الامام محمد الباقر ابنعلی زینالعابدین رضی الله عنه و ان ابنه الامام جعفر الصادق رضی الله عنه قد ولیه فی التدوین، و لقد أملیا علی أصحابهما قواعده، و جمعوا فی مسائل رتبها المتأخرون علی ترتیب المصنفین فیه بروایات متصلة الاسناد الیهما.
و قیل: ان أول من جمع علم الأصول فی سفر علی حدة بعد أن کانت متفرقة فی بطون الکتب هو الامام أبویوسف.
و علی فرض صحة ما نقل عن الامام محمد الباقر و الامام جعفر الصادق و أبییوسف رضی الله عنهم فان تألیفاتهم و أسفارهم لم تصل الینا.
و القول المعتمد علیه: أن أول من صنف قواعد أصول الفقه فی کتاب مستقل وصل الینا نقرؤه هو الامام الشافعی فی کتابه (الرسالة) الذی صنفه فی بغداد تحقیقا لرغبة الامام عبدالرحمن بن مهدی، ثم راجعه و أعاد تصنیفه فی مصر، و رواه عنه صاحبه الربیع المرادی.
فکانت هذه الرسالة کأول حجر وضع فی أساس أصول الفقه، و لم یقف التدوین فی ألاصول الفقه بعد الامام الشافعی، بل تتابع بعده التألیف، بجاء علماء زادوا علیه حتی تکامل بنیان هذا الصرح من العلم.
و ما روی عن الامام الباقر و الصادق رضی الله عنهما من أنهما قد المناحرون بعض قواعد الأصول.. فهذا یدل علی معرفتهما بعلم أصول الفقه، و لا نزاع فی معرفة الأئمة لقواعد الاستنباط، فما من مجتهد الا و له قواعد یسیر علی ضوئها. ولکن هذه القواعد لم تکن مدونة و منسقة علی هیئة علم مستقل، و انما کانت مرکزة فی نفوس المجتهدین، و مختمرة فی أذهانهم و ذلک لتبحر هم فی اللغة العربیة، و استقرائهم المصطلحات الشرعیة الواردة فی الکتاب و السنة. فمثلهم فی ذلک کمثل العربی قبل تدوین علم النحو، فانه کان ینطق بالفاعل مرفوعا و المفعول منصوبا، و ان لم یعرف هذا أو ذلک فاعل أو مفعول.
فقواعد علم الأصول کانت موجودة منذ أن وجد الاجتهاد فی الفقه، فکانت موجودة فی أذهان الصحابة و التابعین، و من جاء بعدهم، فالامام الشافعی لم یکن مبتدعا لقواعد لم تکن، بل یرجع الفضل الیه فی أنه جمع ما تفرق و ضم ما تناثر و دون ذلک فی مؤلف مترابط الأجزاء متناسق الصور مستمدا ذلک من ثروة أسلافه صحابة و تابعین(1)
و هذا و أن المجتهد لا یستطیع أن یستنبط الحکم من النصوص الشرعیة الا بعد أن یعرف المعنی و یدرک مرامی الألفاظ، و مدی دلالتها علی معانیها، و فهم الاعتبارات المتعددة لهذه الدلالة.
فاللفظ باعتبار وضعه للمعنی ینقسم الی: خاص: و عام، و مشترک.
و ینقسم اللفظ من حیث استعماله فی المعانی الی: حقیقة و مجاز، و من حیث تناوله الأحکام یکون المتناول اما منطوقا أو مفهوما. و من حیث مراتب الوضوح و الخفاء فی دلالة اللفظ عل المعنی ینقسم الی واضح و مبهم.
ثم ان الأدلة الشرعیة قد تبدو – بحسب الظاهر – متعارضة و لدفع هذا التعارض طرق کالنسخ و غیره(2)
و قد احتوت مباحث علم أصول الفقه قواعد استنباط الأحکام الشرعیة و من المعلوم أن الامام جعفر الصادق رضی الله عنه قد عاش فی عصر لم تدون قواعد الأصول فیه. و انما جری تدوینها بعده. و انما کانت هذه القواعد مستقره فی نفوسهم و أذهانهم یسیرون علی ضوئها فی استنباط الأحکام.
و لقد وجد فی فقه الامام الصادق ما یدل علی اعتماده لهذه القواعد فی الاستنباط. و لقد عثرت فی فقهه علی القواعد الآتیة. و التی ستتضمن ثلاثة مطالب.
1) انظر تفصیل ذلک فی: أصول الفقه لأبی زهرة: 11 و ما بعدها؛ أصول الفقه لزکی الدین شعبان: 279 و ما بعدها؛ أصول الفقه لبدران أبوالعینین: 11 و ما بعدها.
2) انظر تفصیل ذلک فی: أصول الفقه الاسلامی فی نسخه الجدید: 257؛ أصول الأحکام و طرق الاستنباط: 261؛ فقه الامام الزهری: 149.