الاستحسان فی اللغة: عد الشیء حسنا(1)
و فی الاصطلاح: عرف بعدة تعریفات(2) منها:
ما عرفه الکرخی من الحنفیة: هو أن یعدل الانسان عن أن یحکم فی المسألة بمثل ما حکم به فی نظائرها الی خلافه لوجه یقتضی العدول عن الأول(3)
و عرفه البزدوی: هو العدول عن موجب قیاس الی قیاس أقوی منه، أو هو تخصیص قیاس بدلیل أقوی منه(4)
و عرفه بعضهم: هو العدول بحکم المسألة عن نظائرها لدلیل شرعی خاص(5)
و یلاحظ أن هذه التعریفات تشیر الی أن الاستحسان یطلق باطلاقین هما:
الأول: أنه قیاس خفیت علته لبعده عن الذهن فی مقابلة قیاس ظهرت علته لتبادرها الیه.
الثانی: استثناء مسألة جزئیة من أصل کلی دلیلا کان أو قاعدة لدلیل خاص یقتضی هذا الاستثناء من نص أو اجماع أو ضرورة أو عرف أو مصلحة أو غیرها(6)
أما النسبة للاطلاق الأول هو أن بعض المسائل التی لم یرد فیها نص أو اجماع فیکون لها شبه بأصلین مثبت لکل منها حکم شرعی، و أحد الشبهین قریب یتبادر الی الأذهان. و الآخر بعید بالنسبة الی الشبه الأول فیجتمع فیها قیاسان متعارضان، أحدهما ظاهر جلی و الآخر خفی یسمی استحسانا و یسمی الحکم الثابت به حکما مستحسنا و ثابتا علی خلاف القیاس الأصولی المعروف.
أما الاستحسان بالنسبة للاطلاق الثانی، فیتضح اذا عرضت حادثة للمجتهد تندرج تحت دلیل من الأدلة الشرعیة العامة أو قاعدة من القواعد الکلیة، الا أنه وجد تحت دلیل خاص بها من نص أو اجماع اقتضی استثنائها أو اعطائها حکما مخالفا للحکم العام و القاعدة الکلیة، فاذا عدل عن اعطاء هذه المسألة حکم نظائرها المندرجة تحت الدلیل العام أو القاعدة الی حکم آخر نظرا للدلیل الخاص الذی وجده المجتهد کان العدول هو الاستحسان(7)
حجیته:
اختلف العلماء فی الاحتجاج بالاستحسان و فی عده دلیلا و مصدرا من مصادر الأحکام الشرعیة فذهب الامام أبوحنیفة و مالک و أحمد: الی أنه حجة شرعیة تثبت بها الأحکام کسائر الأدلة الأخری.(8)
و ذهب الامام الشافعی و غیره من الأصولیین الی أنه لیس دلیلا شرعیا، حتی نقل عن الامام الشافعی أنه قال: (الاستحسان تلذذ و قول بالهوی) و قال: (من استحسن فقد شرع)(9)
و الذی یبدو: عند التحقیق أن الخلاف و النزاع لیس حقیقیا لأن الاستحسان ان کان هو القول بما یستحسنه الانسان و یشتهیه من غیر دلیل شرعی فهو باطل بالاتفاق، و لا یقول به مسلم، و أما ان کان الاستحسان: هو العدول عن موجب دلیل الی موجب دلیل آخر أقوی منه فهذا ما لا ینکره أحد، و لا ینبغی أن یکون محل خلاف و نزاع. فالاستحسان اذن کما عرفه علماء الحنفیة و استعملوه حق باتفاق جمهور العلماء. و الخلاف فیه راجع الی التسمیة، فالحنفیة یطلقون علی هذا الدلیل الاستحسان، و المخالفون لهم لا یسمونه بهذه التسمیة، و انما یجعلونه دلیلا مندرجا تحت أدلة أخری و لا مشاحة فی الاصطلاح(10)
أنواعه(11)
و یتنوع الاستحسان الی ستة أنواع تبعا للدلیل الذی یثبت به و هی:
1- الاستحسان بالنص.
2- الاستحسان بالاجماع.
3- الاستحسان بالعرف.
4- الاستحسان بالضرورة.
5- الاستحسان بالمصلحة.
6- الاستحسان بالقیاس الخفی.
والذی یعنینا من هذه الأنواع هنا هو الاستحسان بالنص لأنی قد وجدت فی فقه الامام جعفر الصادق ما یدل علی احتجاجه به.
و الاستحسان بالنص: و هو أن یرد من الشارع نص خاص فی جزئیة یقتضی حکما لها علی خلاف الحکم الثابت لنظائرها بمقتضی الأصل الکلی(12)
فالقاعدة العامة و الأصل الکلی، یقتضیان بطلان بیع المعدوم، ولکن استثنی السلم و هو بیع الانسان ما لیس عنده وقت العقد، بنص خاص.
و مثله أیضا خیار الشرط فقد جاز استحسانا لورود النص فی السنة النبویة بجوازه الی ثلاثة أیام استثناء من الأصل الکلی فی العقود القاضی بلزومها(13)
و فیما یأتی ذکر النموذج الآتی:
1) مختار الصحاح: 137.
2) روضة الناظر: 1 / 407، الآمدی: 4 / 209، کشف الأسرار: 4 / 1134، المسودة: 455.
3) کشف الأسرار: 4 / 1124.
4) نفس المصدر.
5) الوجیز: 193.
6) أصول الفقه لبدران أبیالعینین: 297.
7) أصول الفقه لبدران أبیالعینین: 298، أصول الفقه لزکی شعبان: 153.
8) الآمدی: 4 / 209، روضة الناظر: 85، أصول السرخسی: 2 / 199، کشف الأسرار للنسفی: 2 / 299.
9) الآمدی: 4 / 209.
10) ینظر أصول الأحکام و طرق الاستنباط: 121 و ما بعدها، الوجیز: 197.
11) ینظر تفصیل ذلک فی: الوجیز: 195 و ما بعدها، مسائل من الفقه المقارن: 44 أصول الأحکام: 129.
12) الوجیز: 196،195.
13) المصدر السابق.