جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

اتجاهه العلمی‏

زمان مطالعه: 2 دقیقه

و بین هذه الامور و فی ذلک العصر کانت نشأة أبی‏حنیفة، و هو من أولئک القوم الذین نالهم الاذی فی تلک المدة، و کان یشعر بما یشعر به أبناء جنسه، و یعظم علیه إهانتهم و تعذیبهم، و قد شاهد فی الکوفة و غیرها تلک الاوضاع الشاذة، و السیرة المخالفة للاسلام، و بالطبع ان نفسه کانت تتأثر.

و بعد أن تحول الحکم من الأمویین إلی العباسیین، و الموالی هم الذین شاطروا فی هذا الانقلاب، بل کان العباسیون یعدونهم من خلص أنصارهم، و رجال دعوتهم فاتجهوا إلیهم و نصروهم، فکان النشاط الذی أحرزه الموالی یسترعی الأنظار، و یبعث علی العجب، خصوصاً حینما نراهم یلتفون حول الإمام أبی‏حنیفة و یعتزون بشخصیته بعدما أصبح یترأس حلقة علمیة خلفها له استاذه حماد، و هو من الموالی.

و أبوحنیفة هو ذلک الرجل الذی عرف بقوة النفس، و علو الهمة و کان ذا فطنة و لباقة، و له سیرة خاصة فی معالجة مشاکل الحیاة، فتراه یقتحم مواقع الخطر و یزج نفسه فیها، فتحدث الناس عنه و اشتهر اسمه و کان مع ذلک علی جانب عظیم من المداراة لخصومه، فقد کانوا یسمعونه السب و یقرعون سمعه بالنقد المر، و کان حسن المعاشرة لأصحابه یصلهم برفده، و یساعدهم بمعروفه، و له ثروة تساعده علی ذلک و تمهد له الطریق. و لما هجاه مساور بقوله:

کنا من الدین قبل الیوم فی سعة++

حتی بلینا بأصحاب المقاییس‏

قاموا من السوق إذ قامت مکاسبهم‏++

فاستعملوا الرأی بعد الجهد و البؤس‏

فلقیه ابوحنیفة فقال: هجوتنا یا مساور، نحن نرضیک فوصله بدراهم فقال مساور:

إذا ما الناس یوماً قایسونا++

بآبدة من الفتیا طریفه‏

أتیناهم بمقیاس صحیح‏++

تلاد من طراز أبی‏حنیفه‏

إذا سمع الفقیه بها وعاها++

و اثبتها بحبر من صحیفه‏

فأجابه أصحاب الحدیث:

إذا ذو الرأی خاصم عن قیاس++‏

و جاء ببدعة هنة سخیفه‏

أتیناهم بقول الله فیها++

و آثار مبرزة شریفه‏

إلی آخر الابیات التی ذکرها ابن‏قتیبة(1) و ابن عبد ربه(2) و لا یسع المجال لذکر ما نتج من وراء ذلک الخلاف بین أهل الحدیث و أهل الرأی من هجاء و مناوشات، و کانت السلطة تشجع تلک الحرکة، و تضاعف أسباب الخلاف من وراء الستار لغایة فی نفوسهم.

و علی أی حال فقد اتجه أبوحنیفة إلی الفقه بعد أن قضی مدة من حیاته التجارة ثم قرأ الکلام، و درس علی مشایخ عصره، و حضر علی عطاء بن رباح فی مکة و هو من الموالی، و علی نافع مولی ابن‏عمر فی المدینة، و أخذ عن عاصم بن أبی‏النجود و عطیة العوفی، و عبدالرحمن بن هرمز مولی ربیعة ابن الحارث، و زیاد بن علاقة، و هشام بن عروة و آخرین، ولکنه لزم واحداً منهم ملازمة تامة و تخرج علیه و هو حماد بن أبی‏سلیمان الأشعری، و هو الذی اختص به أبوحنیفة و حضر درسه و تخرج علیه إلی أن مات سنة 120 ه و عمر أبی‏حنیفة أربعون سنة و قد أکثر ابوحنیفة الروایة عنه.

و یحدث أبوحنیفة عن صلته بشیخه حماد بقوله: قدمت البصرة فظننت انی لا أسأل عن شی‏ء إلا أجبت عنه فسألونی عن أشیاء لم یکن عندی فیها جواب، فجعلت علی نفسی أن لا أفارق حمادا حتی یموت، فصحبته ثمانی عشرة سنة.

و لم تکن ملازمته لحماد بحیث لم ینقطع عنه و لم یأخذ عن غیره لأنه کان کثیر الرحلة إلی بیت الله الحرام حاجاً، و التقی هناک بکثیر من التابعین و سمع منهم و اجتمع بأئمة أهل البیت، و روی عنهم کزید بن علی و الإمام محمد الباقر و ابنه الصادق و عبدالله بن حسن بن حسن.


1) المعارف ص 216.

2) العقد الفرید ص 408.