یطالعنا التاریخ بحوادث مؤلمة، و نزاع بین طوائف المسلمین عامة و بین الشیعة و السنة بصورة خاصة، فاذا أردنا ان نبحث عن الأسباب التی أدت إلی حدوث تلک المنازعات نجدها سیاسیة قبل أن تکون دینیة، و قد اتضح لنا فی الابحاث السابقة أن تدخل اولی النفوذ و السلطة هو الذی جر الأمة إلی تلک المنازعات، و أوقعهم فی ورطة الاختلاف، و نشوء تلک المعارک التی اضطرمت نارها، و تنوعت أسبابها بصورة ظاهرة، و یعود ذلک إلی سبب رئیسی هو عامل السیاسة.
فذهبت آلاف من النفوس، و اتسعت بذلک شقة الخلاف، و فتحت باب الظنون و الاتهامات، و نحن لا یتعلق لنا غرض بذکر الخلاف بین جمیع طوائف المسلمین لانا نعلم ان هذا الخلاف قدیم عمیق، و من المؤسف ان کثیراً من قادة المسلمین لم یلتفتوا إلی ما وراء ذلک من خطر یهدد کیان الأمة، و یقضی علی وحدتها التی هی أقوی جهاز تستطیع به الانتصار علی خصومهم، الذین وقفوا لهم یتحینون فرص الوثبة للتشفی منهم، و قد مرت الاشارة إلی ذلک.
و حیث کان بحثنا عن المذهب الجعفری و عوامل انتشاره، فنحن لا نتعرض إلا بالاشارة لأسباب الخلاف المتکون بین السنة و الشیعة، و قد مرت علیه قرون و قرون، و لم تسعد الامة یوماً ما برفع سوء التفاهم و ازالة تلک الحواجز التی تقف بینها و بین وحدتها التی أمر الله سبحانه و تعالی جمیع المسلمین بالمحافظة علیها، و عالج الدین الاسلامی مشاکل الخلاف و بینها بأدق صورة.
فنحن نری أن هذا الخلاف القائم بنیالطائفتین یتکون من عاملین رئیسیین هما:
1- الخلاف فی الخلافة الإسلامیة و من هو المتأهل اهلیة صالحة للولایة العامة و الرئاسة الشاملة، و هی لا تحصل إلا لمن خصه الله بالکمال، و خلصه من شوائب النقص فی الأقوال و الأفعال، و نزهه عن الظلم للرعیة، حتی یقیم الحدود و (الله أعلم حیث یجعل رسالته) و الشیعة لا یرون تحقق تلک الشروط و حصول هاتیک الصفات إلا فی من اختاره الله و أمر نبیه بالنص علیه.
2- عوامل السلطة فان الطبقة التی سیطرت علی نظام الحکم رأت من
نفسها عدم انطباق تلک الشروط علیها، و الشیعة لا یرون قیمة لسلطان لا یتمسک حق التمسک بالشرع، و لا یتنزه عن الظلم و لا یتورع عن المحارم، و لیس له قابلیة تحمل أعباء الخلافة الإسلامیة، و إن من هؤلاء الذین تربعوا علی دست الحکم یریدون أن یکسبوا ثقة الامة و یرکزوا أنفسهم بالسلطتین الروحیة و الزمنیة فینالوا الثقة التامة، و یصبحوا امراء المسلمین بحق مع عدم انطباق ما یؤهلهم لذلک، فهم إذاً یرون الشیعة حزباً معارضاً، و عقیدتهم لا تتمشی مع أغراضهم، فکانوا لا یعارضون العقائد، ما دامت لا تعارض سیاستهم و أغراضهم الخاصة، و الناس فی ذلک العصر کانوا یسیرون فی حریة العقیدة، و حریة العبادة بأمن تحت ظلال السلطة و أمام القانون.
اما إذا کانت العقیدة مخالفة لرأیهم أو أن لها دخلا فی سیاسة الدولة، فلا یسمح القانون باظهارها، و لا تقعد السلطة عن مقاومتها، و من الواضح ان عقائد الشیعة تخالف دستور الحکومة فی أغلب الاشیاء التی تخرج عن مقاییس حریة الرأی أو سلامة النیة و القصد الحکیم و العقائد الصحیحة، و من هذا التجأ القانون إلی عدم المساواة فی العقائد من جهة، و إلی مساواتها من جهة أخری، فلذا تری مواقف الحکومة مختلفة اختلافاً کلیاً، و تقف فی أکثر حالاتها موقف الحیرة خوفاً من انتشار العقائد التی لها أثرها عند المفکرین فتصبح الأقلیة اکثریة، و لا یمکنها الوقوف أمام جارف الانکار، فهی تلتجیء أبداً إلی خلق مشکلات تفرق بها کلمة الأمة لتثیر الشحناء، و تشغل الافکار.