لیست العدالة شرطا لوجود الاجتهاد، و لا لعمل المجتهد برأیه، فان المجتهد یحرم
علیه الرجوع الی غیره عادلا کان أو فاسقا. و انما هی شرط أساسی لتنفیذ حکمه فی حق الغیر و أخذ الفتوی عنه و لو ان انسانا بلغ من العلم کل مبلغ، و عرف احکام الله علی حقیقتها لا یجوز الرجوع الیه فی القضاء و الافتاء، علی الرغم من صدقه و اصابته فی أقواله، لأن العدالة شرط تعبدی غیر منوط باصابة الواقع و موافقته، تماما کعدالة أمام الجماعة فی الصلاة التی لا تناط بحسن التجوید، و معرفة الشروط و الأجزاء. و اذا وجد مجتهدان أحدهما أعلم من الآخر، ولکنه غیر عادل، و الآخر عادل تعین الرجوع الی العادل ترجیحا لجانب العدالة علی العلم، و لا نعرف أحدا تشدد فی شرط العدالة و اعتبارها کما تشدد الشیعة. و لهم فی ذلک روایات کثیرة عن أهلالبیت، منها قول الامام جعفر الصادق: «اما من کان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدینه، مخالفا لهواه، مطیعا لأمر مولاه، فللعوام ان یقلدوه».
فصیانة النفس، و المحافظة علی الدین، و مخالفة الهوی، و طاعة المولی جل و علا شرط جوهری لجواز المتابعة، و تنفیذ الحکم و الفتوی. و قد فرغ الشیعة علی ذلک فروعا، منها ان صاحب الحق لا یجز له ان یرفع دعواه لغیر العادل اذا استطاع الحصول علی حقه بدون ذلک و أذا رجع الی غیر العادل، و الحال هذی، و حکم له بالحق فلا یجوز له ان یأخذ الشیء المحکوم، و ان کان حقا، لقول الامام جعفر الصادق: «فانما یأخذ سحتا، و ان کان حقا ثابتا له».
و هناک مسائل أخری تتصل بالبحث، مثل الاجتهاد بأصول الدین، و تبدل رأی المجتهد، و ذهوله عن الدلیل الذی کان قد اعتمد علیه من قبل، و ما الی ذلک مما تکلم عنه علماء الشیعة باسهاب فی کتب الاصول، و ترکنا التعرض له رغبة فی الاختصار، و لأن غرضنا الأول بیان أقسام الاجتهاد. و الجائز منه و غیر الجائز عند الشیعة، لتصحیح الخطأ الشائع من ان باب الاجتهاد موصد عند السنة قدیما و حدیثا، و مفتوح عند الشیعة بشی أنواعه.