بعد أن مهدنا بذکر الأصلین: عدم وقوع الحادث، و تأخر وقوع الحادث الواحد.. نشرع ببیان حکم القاعدة العامة المقصودة بالذات من هذا البحث، و هی العلم بوقوع حادثین یرتبط تأثیر أحدهما بتقدمه علی الآخر مع الجهل بالمتقدم منهما کوقوع عقدین أجری أحدهما الأصیل، و الآخر أجراه الوکیل، و کحصول الولادة و الهبة، کما قلنا فیما تقدم، و کموت متوارثین لا یعرف أیهما توفی قبل
صاحبه.
و یختلف حکم هذه القاعدة باختلاف علم القاضی بزمن وقوع کل واحد من الحادثین أو عدم علمه بزمان حدوثهما أو علمه بزمن حدوث أحدهما خاصة، فالحالات ثلاث:
1- أن یعلم القاضی من أقوال المتداعیین أو من الوقائع تاریخ کل واحد من الحادثین، فیحکم و الحال هذه بموجب علمه.
2- أن یجهل القاضی تقدم أحد الحادثین علی الآخر، ولکن یحصل له العلم بتاریخ حدوث أحدهما دون الآخر کما لو علم بأن بیع الفرص حصل فی الیوم الثانی من شهر حزیران و لا یدری هل وقع العیب فی الیوم الأول منه کی یجوز الرجوع أو الیوم الثالث کی لا یجوز؟ و العمل فی هذه الحال هو الحکم بتقدم معلوم التاریخ، و تأخر المجهول لأن أصل تأخر الحادث الذی تقدم ذکره لا یجری فی معلوم التاریخ فان العلم یمنع من الأخذ بالأصل. أما الحادث الذی جهلنا زمن حدوثه فیجری فیه أصل تأخر الحادث لأن هذا الأصل یعتمد علیه فی مقام الجهل.
و الخلاصة أنه اذا وقع حادثان أحدهما معلوم التاریخ و الآخر مجهول التاریخ یحکم بقول مطلق بتقدم المعلوم و تأخر المجهول سواء أکان الحادثان من نوع واحد کموت شخصین، أو وقوع عقدین أو کان الحادثان متغایرین.
3- أن لا یعلم القاضی زمن حدوثهما، و لا زمن حدوث أحدهما خاصة أی أن یکونا مجهولی التاریخ، و حینئذ لا أصل یعین تقدیم أحدهما و تأخیر الآخر، لأن أصل تأخیر أحدهما عن الثانی لیس بأولی من أصل تأخیر الثانی عن صاحبه – بعد أن کان کل منهما مجهول التاریخ – فأصل تأخر الحادث انما یؤخذ به
اذا کان الحادث واحدا أو کان متعددا، ولکن أحدهما معلوم التاریخ لا یجری فیه الأصل، و الآخر مجهول یجری فیه الأصل، أما اذا کانا مجهولین و لا میزة لأحدهما علی الآخر فیسقط الاعتماد علی الأصل بکل منهما لمکان المعارضة.