جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

التعصیب

زمان مطالعه: 5 دقیقه

عرفوا التعصیب هنا بأنه توریث العصبة مع ذی فرض قریب، کما اذا کان للمیت بنت أو أکثر، و لیس له ولد ذکر، أو لم یکن له أولاد أصلا لا ذکور و لا اناث، و له أخت أو أخوات، و لیس له أخ، و له عم، فان مذاهب السنة تجعل أخ المیت شریکا مع البنت أو البنات، فیأخذ مع البنت النصف، و مع البنتین فأکثر الثلث. کما تجعل العم أیضا شریکا مع الأخت أو الأخوات کذلک.

و قال الامامیة: ان التعصیب باطل، و ان ما بقی من الفرض یجب رده علی صاحب الفرض القریب، فالترکة عندهم بکاملها للبنت أو للبنات، و لیس لأخ المیت شی‏ء. و اذا لم یکن له أولاد ذکور و لا اناث، و کان له أخت أو أخوات، فالمال کله للاخت أو الأخوات، و لا شی‏ء للعم، لأن الأخت أقرب منه، و الأقرب یحجب الأبعد.

و مرجع الخلاف بین السنة و الامامیة فی ذلک الی حدیث طاوس، فلقد اعترف به السنة، و أنکره الامامیة. و هو «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقی فللأولی عصبة ذکر»، و روی بلسان آخر: «فما بقی فهو لرجل ذکر» فالبنت صاحبة فرض، و هو النصف، و أقرب رجل الی المیت بعدها أخوه فیعطی النصف الباقی. و کذا اذا لم یکن له ولد أبدا، و له أخت، و لیس له أخ، تأخذ الأخت النصف بالفرض، و النصف الآخر یأخذه عم المیت، لأنه أقرب رجل الیه بعد اخته.

و الامامیة لا یثقون بحدیث طاوس، و ینکرون نسبة الی النبی صلی الله علیه و آله و سلم لأن طاوس ضعیف عندهم، ولو وثقوا به لقالوا بمقالة أهل السنة، کما أن أهل السنة لولا ثقتهم بهذا الحدیث لقالوا بمقالة الامامیة. و بعد أن ابطل الامامیة نسبة الحدیث الی النبی استدلوا علی بطلان التعصیب بالآیة 6 من سورة النساء: (للرجال نصیب مما ترک الوالدن و الأقربون و للنساء نصیب مما ترک الوالدان و الأقربون مما قل منه أو کثر نصیبا مفروضا).

فقد دلت هذه الآیة علی المساواة بین الذکور و الاناث فی استحقاق الارث، لأنها حکمت بالنصیب للنساء کما حکمت به للرجال، مع أن القائلین بالتعصیب قد فرقوا بین النساء و الرجال، و قالوا بتوریث الرجال دون النساء فیما اذا کان للمیت بنت، و أخ و أخت، فانهم یعطون النصف للبنت، و النصف الآخر للأخ،

و لا شی‏ء للأخت، مع أنها فی درجته و مساویة له. و کذا لو کان له أخت، و عم و عمة، فانهم یوزعون الترکة بین البنت و العم دون العمة، فالقرآن یورث النساء و الرجال، و هم یورثون الرجال، و یهملون النساء، و بهذا یتبین أن القول بالتعصیب باطل، لأنه مستلزم للباطل.

و قیل: ان توریث الترکة بکاملها للبنت أو البنات یتنافی مع الآیة 10 من سورة النساء: (فان کن نساء فوق اثنتین فلهن ثلثا ما ترک و ان کانت واحدة فلها النصف، و لابویه لکل واحد منهما السدس مما ترک ان کان له ولد) و کذلک توریث الترکة للأخت وحدها مخالف لنص الآیة 175 من سورة النساء:

(ان امرؤا هلک لیس له ولد و له أخت فلها نصف ما ترک و هو یرثها ان لم یکن لها ولد فان کانتا اثنتین فلهما الثلثان).

حکم القرآن بالنصف للبنت، و بالثلثین للبنتین فأکثر، و حکم أیضا بالنصف للأخت، و بالثلثین للاختین، و خالف الامامیة هذا الحکم صراحة.

و أجاب الامامیة عن الآیة الأولی:

1- ان القرآن فرض الثلثین للبنتین فأکثر، و فرض النصف للبنت المنفردة، و سکت عن الثلث الباقی من نصیب البنات، و النصف الآخر الباقی من نصیب البنت، و لم یبین حکمهما بالخصوص. و لا بد من وجود شخص ما، یرد علیه الباقی من الفرض، و القرآن لم یعین هذا الشخص بالذات، و الا لم یقع الخلاف، و السنة أیضا لم تتعرض له من قریب أو بعید، لأن حدیث «الحقوا الفرائض» غیر صحیح، کما قدمنا فلم یبق ما یدل علی تعیین من یرد علیه الباقی الا الآیة 5 من سورة الأحزاب: (و اولوا الأرحام بعضم أولی ببعض فی کتاب الله) حیث دلت علی أن الأقرب أولی ممن هو دونه فی القرابة. و لیس من شک أن

البنت أقرب الی المیت من أخیه، لأنه تتقرب به بلا واسطة، و الأخ یتقرب الیه بواسطة الأب أو الأم، أو هما معا، فیتعین، و الحال هذه، الرد علی البنت و البنتین دون الأخ.

2- قال الحنفیة و الحنابلة: اذا ترک المیت بنتا أو بناتا، و لم یوجد واحد من أصحاب الفروض و العصبات فالمال کله للبنت، النصف بالفرض و الباقی بالرد. و کذلک للبنتین الثلثان فرضا، و الباقی ردا، و اذا کانت الآیة لا تدل علی نفی الرد علی أصحاب الفروض فی هذه الحالة فکذلک لا تدل علی النفی فی غیرها، لأن الدلالة الواحدة لا تتجزأ.

و قال الحنفیة و الحنابلة أیضا: اذا ترک أما، و لیس معها أحد من أصحاب الفروض و العصبات تأخذ الثلث بالفرض و الثلثین الباقیین بالرد، و اذا أخذت الأم جمیع الترکة فکذلک أیضا یجب أن تأخذها البنت، لأن الاثنین من أهل الفروض (المغنی و میزان الشعرانی باب الفرائض).

3- اتفق الأربعة علی أن المیت اذا ترک أبا و بنتا یأخذ الأب السدس بالفرض، و تأخذ البنت النصف کذلک، و الباقی یرد علی الأب وحده، مع أن الله سبحانه قال: (و لابویه لکل واحد منهما السدس مما ترک ان کان له ولد). فکما أن هذا الفرض فی هذه الآیة لا ینفی أن یکون للأب ما زاد علی السدس، کذلک الفرض فی قوله تعالی: (فلهن ثلثا ما ترک، و لها النصف) لا ینفی أن یکون للبنات ما زاد علی الثلثین، و للبنت ما زاد علی النصف. بخاصة ان فرض البنات و الأبوین وارد فی آیة واحدة، و سیاق واحد.

4- قال الله سبحانه: (و استشهدوا شاهدین من رجالکم فان لم یکونا رجلین فرجل و امرأتان) نصت هذه الآیة علی أن الدین یثبت بشاهدین: و یثبت

أیضا بشهادة رجل و امرأتین، مع أن بعض المذاهب الأربعة أثبته بشاهد و یمین، بل قال مالک: یثبت بشهادة امرأتین و یمین. فکما أن هذه الایة لم تدل علی أن الدین لا یثبت بشاهد و یمین کذلک آیة المیراث لا تدل علی عدم جواز الرد علی البنت و البنات، و الأخت و الأخوات.

و أجاب الامامیة عن الآیة الثانیة، و هی (ان امرؤا هلک لیس له ولد) بأن الولد یطلق علی الذکر و الأنثی، لأن لفظة مشتق من الولادة الشاملة للابن و البنت، و لأن القاسم المشترک بین الانسان و أقاربه هو الرحم و الرحم یعم الذکور و الاناث علی السواء، و قد استعمل القرآن لفظ الاولاد بالذکور و الاناث، فقال عز من قائل: (یوصیکم الله بأولادکم للذکر مثل حظ الانثیین) و قال: (ما کان الله أن یتخذ ولدا) أی لا ذکر و لا انثی و قال: (یا أیها الناس انا خلقناکم من ذکر و انثی). و علیه فکما أن الابن یحجب الأخ کذلک البنت تحجبه، هذا بالاضافة الی أن ما اجیب به عن میراث البنت یجاب به عن میراث الأخت أیضا. ثم أن الامامیة أوردوا علی مذاهب السنة اشکالا عدیدة، و ألزموهم بالزامات یأباها الطبع، و لا تتفق مع القیاس الذی یعملون به.. من ذلک ما جاء فی کتاب الجواهر من أنه لو کان للمیت عشر بنات و ابن، فیأخذ الابن فی مثل هذه الحال السدس، و البنات خمسة أسداس، و لو کان مکان الابن ابن عم للمیت، أی انه ترک عشر بنات و ابن عم، فعلی القول بالتعصیب یأخذ ابن العم الثلث و البنات الثلثین، و علیه یکون الابن اسوأ حالا من ابن العم.

هذا، الی أن الانسان أرأف بولده منه باخوته، و هو یری أن وجود ولده ذکرا کان أو انثی امتداد لوجوده. و من هنا رأینا الکثیر من أفراد الأسر اللبنانیة الذین لهم بنات فقط یبدلون مذهبهم من التسنن الی التشیع، لا لشی‏ء الا خوفا أن

یشترک مع أولادهم الأخوان أو الأعمام.

و یفکر الآن الکثیر من رجال السنة بالعدول عن القول بالتعصیب، و الأخذ بقول الامامیة من میراث البنت، تماما کما عدلوا عن القول بعدم صحة الوصیة للوارث، و قالوا بصحتها کما تقول الامامیة، علی الرغم من اتفاق المذاهب الأربعة علی عدم الصحة.