الرضاع لا یؤثر التحریم و ینشره الا اذا توافرت الشروط التالیة:
1- ان اللبن الذی یرضعه الطفل یجب أن یکون من امرأة متزوجة زوجا شرعیا، و اختلفوا اذا کان لبنها من وطء شبهة: هل ینشر التحریم تماما کالزواج؟
ذهب المشهور بشهادة صاحب الحدائق و الجواهر الی الحاق الشبهة بالزواج الشرعی فی التحریم. قال صاحب الجواهر: «نکاح الشبهة کالعقد الصحیح، وفاقا للأکثر، بل لم نجد فیه خلافا محققا». و قال صاحب الحدائق: «المشهور الحاق اللبن الذی عن نکاح الشبهة باللبن الذی عن النکاح الصحیح، لأن نکاح الشبهة موجب للنسب، کالنکاح الصحیح، و اللبن تابع للنسب».
و هذا هو الصواب، فان من تتبع مصادر الشریعة، و أقوال الفقهاء یجد أن النکاح الصحیح اسم لمعنی عام یشمل الزواج، و وطء الشبهة.. هذا الی أن قوله تعالی: (و امهاتکم اللاتی أرضعنکم) یشمل کل مرضعة، سواء أکانت زوجة شرعیة، أو موطوءة بشبهة، أو زانیة، أو غیر متزوجة، خرجت الزانیة و غیر المتزوجة بالدلیل، فبقیت الزوجة و الموطوءة بشبهة علی حکم العموم، و مهما یکن، فقد اجمعوا – الا من شذ – علی أنه لا أثر للبن الذی تدره المرأة من غیر نکاح ثیبا کانت أو بکرا، و لا للبن الذی تدره بسبب الزنا، اذ لا حرمة لماء الزانی، و لا للبن الذی تدره من غیر حمل أو ولادة، حتی و لو کانت متزوجة زواجا شرعیا، و یدل علیه أن الامام الصادق علیهالسلام سئل عن امرأة در لبنها من غیر ولادة، فأرضعت ذکرانا و اناثا، أیحرم من ذلک ما یحرم من الرضاع؟ قال: لا.
و اختلفوا فی اللبن الذی تدره الحامل قبل أن تلد: هل ینشر الحرمة؟ و لهم فی ذلک قولان، أصحهما أنه لا أثر للبن الحمل، لان انتشار الحرمة علی خلاف الأصل، فیقتصر فیه علی موضع الیقین، و هو الوضع، و بهذا قال صاحب الجواهر، و نقل الاجماع علیه عن کتاب الخلاف للشیخ، و الغنیة لابن زهرة،
و السرائر لابن ادریس.. و یومیء الیه قول الامام الصادق علیهالسلام: «ما أرضعت امرأتک من لبن ولدک ولد امرأة أخری». فقوله علیهالسلام لبن ولدک یصدق علی ما بعد الوضع، لا قبله.
ثم أنه لا یشترط بقاء المرضعة فی عصمة صاحب اللبن، فلو طلقها، أو مات عنها، و هی حامل منه، أو مرضع، ثم ارضعت ولدا تثبت الحرمة مع توافر سائر الشروط، حتی و لو تزوجت، و دخل بها الثانی، قال صاحب الجواهر:
«لا یعتبر فی نشر الحرمة بقاء المرأة فی حبال الرجل قطعا و اجماعا، فلو طلق الزوج، و هی حامل منه، ثم وضعت بعد ذلک أو طلقها، و هی مرضع، أو مات عنها کذلک فأرضعت ولدا نشر هذا الرضاع الحرمة، کما لو کانت فی حباله، و الاجماع علی ذلک.. و لا فرق بین أن یرتضع فی العدة أو بعدها، و لا بین أن یستمر اللبن أو ینقطع ثم یعود.. و کذا لو تزوجت و دخل بها الزوج الثانی، و لم تحمل منه، أو حملت منه، مع کون اللبن بحاله، و لم تحدث فیه زیادة فانه للأول أیضا بلا خلاف».
2- الشرط الثانی للتحریم أن یمتص الرضیع اللبن من الثدی، فلو وجر فی حلقه، أو شربه بطریق غیر الامتصاص مباشرة لم تثبت الحرمة، قال صاحب الشرائع و الجواهر: «لابد من ارتضاعه من الثدی فی قول مشهور، تحقیقا لمسمی الارتضاع، فلو وجر فی حلقه، أو وصل الی جوفه بحقنة، و ما شاکلها لم تنتشر الحرمة، لعدم صدق الارتضاع و لخبر زرارة عن الصادق علیهالسلام: «لا یحرم من الرضاع الا ما ارتضع من ثدی واحد».. و کذا لو جبن فأکله جبنا بلا خلاف بیننا، و کذا لو مزج اللبن بغیره، کما لو ألقی فی فم الصبی مائع فرضع فامتزج حتی خرج عن کونه لبنا، أما اذا لم یخرج اللبن عن الاسم بالامتزاج فیجری علیه حکم
اللبن الذی یوجب التحریم».
3- اجمعوا بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق و المسالک علی أنه یشترط فی نشر التحریم أن یستوفی المرتضع عدد الرضعات المطلوبة بکاملها قبل أن یکمل الحولین من عمره، و لا أثر لرضاعه بعدهما قل أو اکثر، حتی لو افترض أنه بقی له رضعة واحدة من العدد المطلوب فأکملها بعد الحولین بلا فاصل، أو رضع بعدهما اشهرا لم تنتشر الحرمة، لقوله تعالی: (و الوالدات یرضعن أولادهن حولین کاملین لمن أراد أن یتم الرضاعة)، و للحدیث الشریف لا رضاع بعد فطام، و للروایة عن الامام الصادق علیهالسلام: الرضاع قبل الحولین.
و اختلفوا فی سن ولد المرضعة الاصیل الذی حصل اللبن بسببه: هل یشترط أن یکون أیضا فی الحولین تماما کالمرتضع أو لا؟
قال صاحب الشرائع و المسالک: لا یشترط ذلک، و لا تجب مراعاة الحولین فی ولد المرضعة.
و نحن علی رأی صاحب الجواهر الذی اشترط أن لا یتجاوز الحولین، و أوجب مراعاتهما فی ولد المرضعة، لأن هذا الولد الأصیل اذا أتم الحولین، ثم ارضعت غیره بعدهما یصدق علی ارضاعها لهذا الغیر أنه ارضاع بعد الفطام، أی بعد فطام الأصیل. و بدیهة انه لارضاع بعد فطام بالاتفاق.
و اذا حصلت الرضعات المطلوبة، و شککنا: هل کانت قبل أن یکمل المرتضع الحولین، أو بعدهما، اذا کان الأمر کذلک فلا تنتشر الحرمة، لأن الشک فی الشرط شک فی المشروط، فیبقی أصل الاباحة و عدم الحرمة.
4- اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر و المسالک و الحدائق و غیرهم علی أن الرضاع کیف اتفق لا ینشر الحرمة، بل له نحو خاص، و قد جاء بیانه و تحدیده
بثلاثة أشیاء: الأول بما یترکه الرضاع من التأثیر فی جسم الطفل، و هو أن ینبت اللحم، و یشتد العظم، الثانی بالعدد، و هو أن یرضع الطفل خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة، لا یفصل بینها رضاع من امرأة أخری، و هذا هو معنی قول الفقهاء: لابد من التوالی بین الرضعات، الثالث التحدید بالزمان، و هو أن یرضع من امرأة واحدة یوما و لیلة، أی 24 ساعة.
و یدل علی الأول الاجماع المعلوم علی حد تعبیر صاحب الجواهر، و الحدیث المروی عن الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله و سلم فی کتبنا: الرضاع ما انبت اللحم، و شد العظم. و أیضا ما استفاض – ما زال الکلام لصاحب الجواهر – عن الامام الصادق علیهالسلام: لا یحرم من الرضاع الا ما أنبت اللحم، و شد العظم، و سئل: هل یحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاث؟ فقال: لا الا ما أنبت اللحم، و شد العظم.
و یدل علی الثانی و الثالث قول الامام الصادق علیهالسلام: لا یحرم من الرضاع الا رضاع یوم و لیلة، أو خمس عشرة رضعة.
و قال أبوه الامام الباقر علیهماالسلام: لا یحرم الرضاع أقل من رضاع یوم و لیلة، أو خمس عشرة رضعة متوالیات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد، لم یفصل بینها رضعة امرأة غیرها، فلو أن امرأة ارضعت غلاما، أو جاریة عشر رضعات لم یحرم نکاحهما.
و لابد أن یکون غذاء الطفل فی الیوم و اللیلة منحصرا بلبن امرأة واحدة لا یتخلله فی هذه المدة طعام أو رضاع من امرأة اخری، و أیضا لابد أن تکون الرضعة فی العدد کاملة تروی الطفل، و ان یرضع کلما احتاج الی الرضاع.
و تسأل: ان قولک: «لا یتخلله طعام» لا یتفق مع قول صاحب المسالک: «لو
فصل بین الرضعات بمأکول أو مشروب لم یضر فی التوالی قطعا: و کذا لا یضر شربه اللبن بغیر رضاع، و انما یضر و یقطع التوالی ارضاع امرأة أخری».. و أیضا لا یتفق مع قول صاحب الجواهر، «لا یضر الفصل بالأکل و نحوه، بل بوجود اللبن بفمه بلا خلاف أجده فیه».
و نجیب بأن صاحبی المسالک و الجواهر أرسلا هذا القول دون أن یستدلا علیه بنقل أو عقل.. و دلیلنا علی أن الاکل یمنع من نشر الحرمة أنه یؤثر فی نبات اللحم و اشتداد العظم.. و معه لا یستند النبات و الاشتداد الی الرضاع وحده کما هو المطلوب شرعا، هذا بالنسبة الی الانبات و الاشتداد. و أما بالنسبة الی العدد و الیوم و اللیلة فلأن الأکل فاصل اجنبی. و قول الامام علیهالسلام «لم یفصل بینها رضعة غیرها» لا یدل علی جواز الفصل بالأکل، بل هو علی العکس أدل، لأنه اذا اضرت الرضعة من امرأة اخری فبالاولی أن یضر الأکل و یمنع من التحریم، لأن کلا منهما فاصل، و کلا منهما یؤثر فی انبات اللحم، و اشتداد العظم، و الجمود علی ظاهر اللفظ یخالف ما علیه أهل الاجتهاد و البصیرة النیرة.. و قد وردت روایات شاذة و متروکة فی باب الرضاع تردد بسببها بعض الفقهاء فرد علیه صاحب الجواهر بما نصه بالحرف الواحد: «لو ساغ للفقیه التردد بکل ما یجد، أو الجمود علی کل ما یرد ما اخضر للفقه عود، و لا قام للدین عمود، نسأل الله تعالی تنویر البصیرة و صفاء السریرة».(1).
و قال کثیر من الفقهاء: ان کل واحد من الثلاثة، أی نبات اللحم و اشتداد العظم، و خمس عشرة رضعة، و یوم و لیلة، کل منها أصل برأسه، فاذا أرضعته
یوما و لیلة دون أن یتم الخمس عشرة رضعة، و دون أن ینبت اللحم و یشتد العظم، أو رضع حتی نبت اللحم و اشتد العظم قبل اکمال العدد، و قبل انقضاء ال 24 ساعة کفی فی ثبوت الحکم.
و الذی نراه أن الاصل هو نبات اللحم و اشتداد العظم، و ان العدد و الزمان علامتان شرعیتان علی النبات و الاشتداد، و دلیلنا صحیحة علی بن رئاب التی ذکرها صاحب الجواهر و الوسائل، و هی أن الامام الصادق علیهالسلام سئل عما یحرم من الرضاع؟ فقال: ما أنبت اللحم و شد العظم. قال السائل: فیحرم عشر رضعات؟ فقال الامام: لا، لأنه ینب اللحم، و لا یشد العظم عشر رضعات.
فقول الامام، لأنه لا ینبت اللحم و لا یشد العظم عشر رضعات واضح و صریح فی أن المدار علی النبات و الاشتداد. و مهما یکن فان النتیجة واحدة، لأنه متی کنا علی یقین من واحد من الثلاثة ثبت الحکم، و اذا شککنا فی واحد منها نرجع الی التقدیرین الآخرین، و اذا شککنا فیها جمیعا فلا حرمة، لأن الأصل هو العدم، حتی یثبت واحد منها.
5- الشرط الخامس حیاة المرضعة عند جمیع الرضعات، فلو افترض أنها ماتت قبل الرضعة الأخیرة، فدب الیها الطفل بعد الموت، و ارتضع من ثدیها لم تثبت الحرمة، لأنه لا یصدق علیها بعد الموت اسم المرضعة.
و تسأل: هل تلحق النائمة و المغمی علیها بالمیتة؟
قال صاحب الجواهر: لا، للاکتفاء بمجرد الحیاة دون اعتبار القصد.
6- أن یکون اللبن لفحل واحد، و الفحل هو زوج المرضعة، و یدل علی هذا الشرط ما جاء فی الروایة السابقة: «أو خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة من لبن فحل واحد». و یتفرع عن هذا الشرط احکام کثیرة:
«منها» اذا ارضعت طفلا بعض النصاب، کثمانی رضعات بلبن رجل، ثم فارقها و تزوجت بغیره، و ولدت من الثانی، و صادف ان اکملت نصاب الرضعات للطفل، و ارضعته سبعا، و کان الطفل فی خلال ذلک یتغذی بالطعام أو بلبن امرأة اخری، اذا کان کذلک لم تنتشر الحرمة بین المرضعة و الرضیع، و لا بینه و بین الزوج الأول، و لا الثانی، ای لا تکون المرأة أما للرضیع، و لا الزوج أبا له.
و «منها» اذا ارضعت المرأة صبیا الرضعات المطلوبة من لبن فحل ثم طلقها هذا، و تزوجت بغیره، و ارضعت صبیة تمام العدد من لبن الثانی فلا تثبت الحرمة بین الرضیعین الصبی و الصبیة، لمکان تعدد الفحل و عدم اتحاده، قال صاحب الجواهر: «لو ارضعت اثنین مثلا بلبن فحلین الرضاع المحرم لم یحرم احدهما علی الآخر علی المشهور بین الفقهاء شهرة عظیمة کادت تکون اجماعا».
و بهذا یتبین أن الاخوة من الأم فی الرضاعة لا تکفی فی نشر الحرمة.
و «منها» اذا ارضعت صبیا و صبیة بلبن زوج واحد ثبتت الحرمة بینهما، سواء أکان رضاعهما فی زمن واحد أو فی وقتین مختلفین، و سواء أکان بلبن ولد واحد أو ولدین.. و لو افترض أن ارضعت مئة بلبن زوج واحد حرم بعضهم علی بعض، لأنهم اخوة من الرضاعة لأب و أم.
و «منها»: ان الفقهاء قد اجمعوا بشهادة صاحب الجواهر علی أنه اذا کان للرجل أکثر من زوجة، و ارضعت احدی الزوجات ذکرا الرضعات المطلوبة، و ارضعت الأخری انثی ثبتت الحرمة بین الذکر و الأنثی، و صارا اخوین من الأب، و بهذا یتبین أن الاخوة من الأب فی الرضاعة تکفی لثبوت التحریم بین الرضیعین الأجنبیین، و لا تکفی الأخوة من الأم وحدها، و یدل علی هذا ما جاء فی صحیح الحلبی أنه سأل الامام الصادق علیهالسلام عن رجل یرضع من امرأة، و هو غلام، أیحل له
أن یتزوج اختها لأمها من الرضاعة؟ فقال الامام علیهالسلام: ان کان المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا تحل، و ان کانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلین فلا بأس بذلک.
و بهذا تخصص قاعدة یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب، و یستثنی منها الأخت من الأم، حیث تحرم الأخت النسبیة منها، و لا تحرم الأخت الرضاعیة.
1) انظر الجزء الخامس من الجواهر، باب الزواج، الشرط الثانی لنشر الحرمة بالرضاع عند شرح قول المصنف «یوم و لیلة». علی أن تصبر و تصمد، و انت تبحث عن هذه العبارة التی نقلناها.