فی الغالب أن یکون للمساجد أوقاف کحانوت، أو دار، أو أشجار أو قطعة أرض، ینفق ریعها علی اصلاح المسجد و فرشه و خادمه، و بدیهة أن هذا النوع لا یترتب علیه احکام المسجد من الاحترام، و أفضلیة الصلاة فیه، للفرق بین الشیء نفسه، و بین أمواله و أملاکه التابعة له.
و أیضا فرق بینهما من جهة البیع، فکل من منع من بیع المسجد الخراب له أن یجیز بیع الأوقاف التابعة له، اذ لا ملازمة شرعیة، و لا غیر شرعیة بینهما، لأن المسجد وقف للعبادة، و هی روحیة خالصة، أما الدکان فوقف لأجل المنفعة المادیة، و لذا کان المسجد من نوع الوقف العام، بل هو أظهر أفراده، أما أوقافه فهی من الأوقاف الخاصة به وحده. اذن یجوز بیع أوقاف المسجد، و أوقاف
المقبرة و المدرسة بلا ریب، حتی و لو قلنا بعدم جواز بیع المدرسة و المقبرة. ولکن هل یجوز بیع الاعیان التابعة للوقف مطلقا، حتی مع عدم وجود سبب مبرر کالخراب، أو ضآلة الناتج، أو لا بد فیها من وجود المبرر شأنها فی ذلک شأن الوقف علی الذریة و ما الیه من الأوقاف الخاصة؟
الجواب:
ان هذه الأعیان علی قسمین: الأول ما ینشئه المتولی من ریع الوقف، کأن یکون للمسجد بستان، فیؤجره المتولی، و یشتری أو یبنی المتولی بناتجه دکانا، لفائدة الوقف، أو یوجد الدکان بتبرعات المحسنین – اذا کان الأمر کذلک یجوز البیع و الاستبدال، مع المصلحة، سواء أوجد سبب من الأسباب التی ذکرها الفقهاء لجواز البیع، أم لم یوجد، لأن هذه الأعیان لیست وقفا، و انما هی ناتج و مال للوقف، فیتصرف فیه المتولی تبعا للمصلحة، تماما کما یتصرف بثمر البستان الموقوف لمصلحة المسجد.(1) اللهم الا أن یتولی الحاکم الشرعی انشاء وقف العقار الذی اشتراه المتولی، و حینئذ لا یباع العقار الا مع وجود سبب یبرر البیع. أما وقف الناظر فلا أثر له بدون اذن الحاکم، لأنه ولی من أجل رعایة الوقف و استثماره، لا لانشاء الأوقاف و ایجادها.
القسم الثانی الأعیان التی ینشیء وقفها المحسنون لمصلحة المسجد أو المدرسة، کمن أوصی بداره أو دکانه أو ارضه أن تکون وقفا للمسجد أو المدرسة، أو انشأ هو الوقف نفسه، فهذه العین تعطی حکم الأوقاف الخاصة،
یجوز فیها البیع لسبب من أسباب الجواز: کالخراب و ضآلة العائد الملحق بالعدم. و بدونه لا یجوز.. و لم أجد فیما لدی من کتب المذاهب الأربعة من ذهب الی هذه التفرقة الموضوعیة.
و قد استوحیتها مما ذکره الشیخ الانصاری فی کتاب المکاسب، و هو یتکلم عن حکم حصیر المسجد، قال ما نصه: «فرق بین ما یکون ملکا طلقا، کالحصیر المشتری من مال المسجد، فهذا یجوز للناظر بیعه مع المصلحة، و لو لم یخرج من حیز الانتفاع، بل کان جدیدا غیر مستعمل، و بین ما یکون من الأموال وقفا علی المسجد، کالحصیر الذی یشتریه الرجل، و یضعه فی المسجد، و الثوب الذی للبیت الحرام، فمثل هذا یکون ملکا للمسلمین لا یجوز لهم تغییره عن وضعه الا فی مواضع یسوغ فیها بیع الوقف».
و اذا جاز للناظر ان یبیع الحصیر الجدید الذی کان قد اشتراه من مال المسجد جاز له فی غیره بلا ریب.. و یدل علی عدم الفرق قول الشیخ نفسه بعد أسطر من العبارة السابقة، حیث قال: «ان حکم الحمامات و الدکاکین التی انشئت لتحصیل المنافع بالایجار و نحوه غیر حکم المساجد و المقابر و المشاهد».
و مثل ذلک تماما قول النائینی فی تقریرات الخوانساری:
«و اذا هدم، أو هجر المسجد، و لم یعد بحاجة الی أوقاف و لا غیرها صرف الوقف الخاص به الی وجوه البر، و الأولی صرفه الی مسجد آخر» و کذلک اذا کان الوقف علی مدرسة خاصة، أو مصح خاص، و خرب، فانه یصرف الی الخیر و البر، أو الی النظیر و المثیل.
1) ینبغی الانتباه للفرق بین العقار الذی نشتریه من ناتج الوقف، و بین أن نبیع الوقف الخرب و نشتری بثمنه عقارا آخر، فان الثانی یأخذ حکم الأول فی هذه الحال، أما العقار الذی نشتریه من ناتج الوقف فلا یأخذ حکم الوقف.