الفرق بین بطلان الاجارة، و بین فسخها بأحد الأسباب أن معنی البطلان انعدام العقد، و عدم وجوده من رأس، أما الفسخ فالعقد موجود ولکن أمر رفعه و وضعه بید صاحب الخیار، ان شاء أمضاه، و ان شاء فسخه.
و صرح جماعة من الفقهاء ان خیار المجلس و الحیوان و التأخیر لا یجری شیء منها فی الاجارة، لأن أدلة هذه الخیارات الثلاثة مختصة بالبیع فلا تشمل غیرها، و ذکرنا ما یتعلق بذلک مفصلا فی الجزء الثالث عند الکلام عن کل واحد من هذه الخیارات الثلاثة.. و فیما یلی نشیر الی الخیارات الأخری التی تجری فی الاجارة:
1 – خیار العیب، فاذا وجد المستأجر عیبا فی العین المستأجرة تتفاوت به الأجرة، و لم یکن علی علم به حین الایجار فهو بالخیار بین الفسخ، و بین الامضاء و الرضا من غیر نقصان شیء من الأجرة، و هو المعروف بالارش، لأن أخذ العوض عن العیوب علی خلاف القاعدة، و قد ورد النص بجواز أخذه اذا وجد العیب فی المبیع فیجب الاقتصار علی مورده، و المسوغ لهذا الخیار هو رفع الضرر عن المستأجر. قال صاحب الجواهر: «ذکر الفقهاء أن العقد انما جری علی هذا المجموع، و هو باق، فاما أن یفسخ، و اما أن یرضی بالجمیع – بلا ارش – و انما اثبتنا الارش فی البیع لوجود النص، و لا تقاس علیه الاجارة، أما الضرر الناشیء من العیب فیندفع بالخیار، و هذا هو المعتاد فی جبر الضرر الذی سببه لزوم العقد».
و کذا یستقل المستأجر بالخیار اذا حدث العیب،.و اکتشفه بعد أن استوفی بعض المنفعة، لأن الخیار الناشیء عن الضرر لا یسقط بالتصرف مع الجهل بالضرر.. هذا، اذا لم یسرع المالک فیتدارک العیب الحادث و یزیله بسرعة، بحیث لا یفوت شیئا من المنفعة علی المستأجر.. و اذا اختار الفسخ و زعت الاجرة بالنسبة.
و أیضا یثبت خیار العیب للمؤجر اذا کانت الاجرة عینا شخصیة، أما اذا کانت الاجرة کلیة فی الذمة، و لدی الوفاء سلمه المستأجر الفرد المعیب فللمؤجر المطالبة بالبدل، و لا حق له فی الفسخ. و کذلک الحکم بالنسبة الی العین المستأجرة، فاذا استأجر دابة غیر معینة توصله الی بلد خاص، و أتی المؤجر بدابة عرجاء – مثلا – فله المطالبة بابدالها، و لیس له الفسخ الا اذا وردت الاجارة علی الدابة الشخصیة بالذات.
2 – خیار الشرط، یجوز لکل من المؤجر و المستأجر أن یشترط الخیار لنفسه، و لأجنبی فی فسخ عقد الاجارة ضمن مدة معینة، سواء أوردت الاجارة علی العمل کخیاطة الثوب، أو علی المنفعة کسکنی الدار. و سواء أتعلق الایجار بشخص معین بالذات، أو بحصول العمل مطلقا مجردا عن مباشرة شخص بعینه، کالاستئجار علی بناء حائط دون أن تحصر المباشرة بفرد خاص.
3 – خیار تخلف الشرط، مثل أن یستأجر الدار، و یشترط علی المؤجر بعض الاصلاحات، فاذا امتنع عن الوفاء بالشرط کان للمستأجر الخیار بین فسخ الاجارة، أو امضائها بلا نقص شیء من الأجرة، و کذا اذا اشترط المؤجر علی المستأجر شرطا سائغا مثل أن لا یسکن معه عائلة أخری، أولا یستعمله للتجارة، و ما الی ذاک، فان لم یف المستأجر بالشرط کان المؤجر بالخیار بین فسخ الاجارة، أو امضائها دون زیادة فی الاجرة.
4 – خیار تبعض الصفقة، مثل أن یستأجر دارا من غرفتین فتنهدم احداهما، فان بادر المؤجر الی التعمیر و اعادة کل شیء الی ما کان، بحیث لم یفت شیء من المنفعة علی المستأجر فلا خیار، و الا کان المستأجر بالخیار بین فسخ الاجارة، أو امضائها، و توزیع الاجرة بالنسبة.
5 – خیار الغبن، فانه یثبت للمغبون مؤجرا کان أو مستأجرا، الا اذا اتفقا علی سقوطه.
6 – خیار الرؤیة، مثل أن یستأجر دارا، أو أرضا علی الوصف ولدی التسلیم و التسلم یجد المستأجر أن الوصف یختلف عن الموصوف فیثبت له الخیار، ان شاء فسخ الاجارة، و ان شاء أمضاها دون عوض عن الوصف الفائت، و ایضا یثبت هذا الخیار للمؤجر اذا کانت الاجرة عینا خارجیة رضی بها المؤجر
اعتمادا علی الوصف، ثم تبین العکس، و دلیل هذا الخیار قاعدة لا ضرر.
7 – خیار الفلس، یجوز للمؤجر أن یفسخ الایجار دفعا للضرر اذا أفلس المستأجر، و عجز عن الدفع، و له ابقاء الاجارة، و الانتظار الی میسرة.
8 – خیار تعذر التسلیم، فان علی المؤجر أن یسلم العین المستأجرة بعد عقد الاجارة، و لا یجوز له التأخیر بحال اذا کان المستأجر باذلا للاجرة، فان امتنع المؤجر عن التسلیم، و لم یمکن اجباره علیه کان المستأجر بالخیار بین فسخ الاجارة، و الرجوع بالاجرة دفعا للضرر، و بین أن یبقی علی الاجارة، و یطالب المؤجر بعوض المنفعة و بدلها:
و قد تکلمنا مفصلا عن هذه الخیارات فی الجزء الثالث.. و بالایجاز ان کل خیار یجری فی البیع، لقاعدة لا ضرر فانه یجری فی الاجارة أیضا، و کل خیار یجری فی البیع لنص خاص به کخیار المجلس و الحیوان فلا یجری فی الاجارة.. و هناک خیارات أخری غیر التی ذکرناها قد تجری فی الاجارة، قال صاحب الجواهر: «ربما یمر علیک فی أثناء المباحث خیار لا یندرج فی الخیارات المذکورة، و لا بأس به بعد قیام الدلیل علیه لعدم الحصر العقلی، و لا الشرعی فی الخیارات المذکورة، کما هو واضح».
من هذه الخیارات ما اذا غصب العین المستأجرة غاصب قبل أن یقبضها المستأجر، حیث یثبت له الخیار بین فسخ الاجارة و الرجوع علی المؤجر بما دفعه له، و بین امضائها ومطالبة الغاصب بعوض المنفعة.. أما اذا حصل الغصب بعد ان قبض المستأجر العین فیتعین رجوع المستأجر علی الغاصب وحده بالعوض، و لیس له مطالبة المؤجر بشیء، حتی ولو کان قادرا علی انتزاع العین و تخلیصها من الغاصب، لأن المفروض أن المؤجر قد أدی ما أوجبه علیه عقد
الایجار من التسلیم و الاقباض، فیکون تماما کما لو باع عینا، و بعد أن سلمها للمشتری سرقت منه. أجل، لو کان ذلک قبل القبض کان من مال البائع، لحدیث «کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع» و ألحق الفقهاء الاجارة بالبیع فی هذه الحکم.
و «منها» اذا کانت الأجرة عینا مشخصة بذاتها، و قبل قبضها امتزجت أو اشتبهت بغیرها بحیث لا یمکن افرازها و تعیینها، مثل أن یؤجر الدار بهذا الکیس الخاص من الحنطة، و قبل قبضه یختلط بأکیاس أخری من الحنطة مثله تماما، فیصبح صاحب هذا الکیس المشتبه شریکا مع مالکا الأکیاس بالنسبة، کما أوضحنا ذلک فی الجزء الرابع باب الشرکة، اذا کان الأمر کذلک یثبت الخیار للمؤجر بین فسخ الاجارة أو امضائها، و اذا اختار الامضاء یکون المؤجر شریکا مع غیره.. و قد عبر صاحب الجواهر و صاحب العروة الوثقی عن هذا الخیار بخیار الشرکة.
و اذا حصل الفسخ بأخد الأسباب قبل استلام العین، و استیفاء شیء من المنفعة فلا شیء علی المستأجر، و ان حصل فی اثناء المدة توزع الأجرة المسماة بالنسبة الی ما مضی، و ما بقی، فأجرة ما مضی الی المؤجر، و ما بقی ترجع الی المستأجر، ان کان قد دفعها.