لقد أدرک أبو سلمة الخلّال- أحد الدعاة العباسیین النشطین فی الکوفة و الذی لعب دورا متمیزا فی نجاح الدعوة العباسیة و تکثیر أنصارها فی الکوفة، و ذلک لما امتاز به من لیاقة و علم و دهاء، و ثراء حیث أنفق من ماله الخاص على رجال الدعوة العباسیة، و کانت له علاقة خاصة و اتصالات مستمرة مع إبراهیم الإمام و أدرک بعد موت ابراهیم الإمام بأن الامور تسیر على خلاف ما کان یطمح إلیه أو لعلّه کان قد تغیر هواه و استجد فی نفسه شیء و لاحظ أنّ مستقبل الخلافة سیکون إلى أبی العباس أو المنصور و هما غیر جدیرین بالخلافة أو لطمعه بالسلطة، نراه یکتب للعلویین و فی مقدمتهم الإمام الصادق (علیه السّلام) بأنه یرید البیعة لهم.
لکننا لا نفهم من رسالة- أبی سلمة- للإمام (علیه السّلام) بأنها رسالة ندم أو
اعتراض على النهج العباسی و خدیعتهم للعلویین أو إدانة أسالیبهم فی الاستیلاء على السلطة.
نعم إن الّذی نجده عند مشهور المؤرخین(1) هو أنّ أبا سلمة الخلال أراد نقل الخلافة إلى العلویین و لم یوفق لذلک.
و نجد فی جواب الإمام (علیه السّلام) على رسالة أبی سلمة: أن الإمام (علیه السّلام) قد رفض العرض لا بسبب کون الظروف قلقة و غیر مؤاتیة فحسب بل کان الرفض یشمل أبا سلمة نفسه حیث قال: «مالی و لأبی سلمة و هو شیعة لغیری»(2)
و أکد الإمام (علیه السّلام) رفضه القاطع عند ما قام بحرق الرسالة التی بعثها له أبو سلمة جوابا لأبی سلمة:
قال المسعودی: کاتب أبو سلمة الخلّال ثلاثة من أعیان العلویین و هم جعفر بن محمد الصادق (علیه السّلام) و عمر الأشرف بن زین العابدین، و عبد اللّه المحض، و أرسل الکتب مع رجل من موالیهم یسمى محمد بن عبد الرحمن ابن أسلم مولى لرسول اللّه (صلّى اللّه علیه و اله و سلم). و قال أبو سلمة للرسول: العجل العجل فلا تکونن کواقد عاد و قال له: اقصد أولا جعفر بن محمد الصادق فإن أجاب فأبطل الکتابین الآخرین و إن لم یجب فالق عبد اللّه المحض فإن أجاب فأبطل کتاب عمر و إن لم یجب فالق عمر.
فذهب الرسول إلى جعفر بن محمد أولا، و دفع إلیه کتاب أبی سلمة فقال الإمام (علیه السّلام): «مالی و لأبی سلمة و هو شیعة لغیری؟!. فقال له الرجل:
اقرأ الکتاب، فقال لخادمه: إدن السراج منی فأدناه، فوضع الکتاب على
النار حتى احترق، فقال الرسول: ألا تجبه؟ قال (علیه السّلام): قد رأیت الجواب. عرّف صاحبک بما رأیت»(3)
1) تاریخ الامم و الملوک: 9/ 124. و ابن قتیبة: 128، و الطقطقی: 127.
2) مروج الذهب: 3/ 254، و الآداب السلطانیة: 137.
3) مروج الذهب: 3/ 254.