وزود الامام زینالعابدین علیهالسلام أبناءه ببعض الوصایا التربویة التی هی خلاصة تجاربه فی هذه الحیاة لتکون منهجا یسیرون علیها، و فیما یلی بعض وصایاه.
1 – أوصی علیهالسلام بعض ابنائه بهذه الوصیة القیمة التی القت الأضواء علی الأصدقاء و الأصحاب، و الزمت بالاجتناب عمن یتصف منهم بالنزعات الشریرة خوفا من سریان العدوی و التلوث الی من یصادقهم، و هذا نص وصیته:
«یا بنی انظر خمسة فلا تصاحبهم، و لا تحادثهم، و لا ترافقهم فی طریق، فقال له ولده: من هم؟ قال (ع) ایاک و مصاحبة الکذاب فانه بمنزلة السراب یقرب لک البعید، و یبعد لک القریب، و ایاک و مصاحبة الفاسق فانه بایعک بأکلة أو أقل من ذلک، و ایاک و مصاحبة البخیل فانه یخذلک فی ماله، و أنت أحوج ما تکون الیه، و ایاک و مصاحبة الأحمق فانه یرید أن ینفعک فیضرک، و ایاک و مصاحبة القاطع لرحمة فانی وجدته ملعونا فی کتاب
الله…»(1) ان مزاملة هؤلاء الأصناف تجر الویل و الخسران، و تعود بالأضرار البالغة علی من یصادقهم، و ما أکثر هؤلاء الأصناف فی المجتمع قدیما و حدیثا، و ما اندر الأزکیاء و الأصفیاء الذین ینتفع بمصاحبتهم.
2 – و من جملة وصایاه الرفیعة لأبنائه هذه الوصیة الحافلة بالنصائح الجلیلة و هذا نصها:
«یا بنی اصبر علی النائبة، و لا تتعرض للحقوق، و لا تجب أخاک الی شیء مضرته علیک اعظم من منفعته لک…»(2)
لقد أوصی الامام الحکیم ولده بالصبر علی النوائب، و الأحداث التی تداهمه و عدم الانهیار أمامها، فان ذلک مما یؤدی الی تماسک الشخصیة، و صلابتها، کما أوصی (ع) بعدم التعرض و التعدی علی حقوق الناس، فان ذلک اضمن لسلامة الشخص من الاعتداء علیه و مقابلته بالمثل، کما أوصاه بعدم اجابة الصدیق الی أمر یعود علیه بالضرر و الخسران.
3 – و من وصایاه لبعض أولاده هذه الوصیة الرائعة، و هی:
«یا بنی ان الله لم یرضک لی فأوصاک بی، و رضینی لک فحذرنی منک، و اعلم أن خیر الآباء للأبناء من لم تدعه المودة الی التفریط فیه، و خیر الأبناء للآباء من لم یدعه التقصیر الی العقوق له..»(3)
و حفلت هذه الوصیة بالنقاط التالیة:
أ – ان الأبناء لا یکنون فی أعماق نفوسهم لآبائهم من المودة و العطف مثل ما یکنه الآباء لهم، و لذلک أکد تعالی فی غیر آیة من کتابه المجید بلزوم رعایتهم و طاعتهم.
ب – ان الله تعالی حذر الآباء من أبنائهم من مصادر الفتنة و الشقاء لهم.
ج – ان التربیة الناجحة للأبناء هی أن لا یفرط الآباء بالمودة و الحنان لهم فان ذلک مما یودی الی ضعف شخصیة الطفل، و عدم استطاعته علی الصمود أمام الأحداث، و قد أکد هذه الظاهرة علماء التربیة و النفس.
د – ان أفضل الأبناء هم الذین یقومون بخدمة آبائهم و الاحسان الیهم و بذلک یخرجون من حدود التقصیر و العقوق لهم.
4 – و من وصایاه القیمة هذه الوصیة التی خص بها ولده الامام الباقر علیهالسلام، و قد حذره فیها من مصاحبة الأحمق، و قد جاء فیها:
«یا بنی ایاک من مصاحبة الأحمق أو تخالطه، واهجره، و لا تحادثه فان الأحمق هجنة عیاب، غائبا کان أو حاضرا، ان تکلم فضحه حمقه، و ان سکت قصر به عیه، ون عمل أفسد، و ان استرعی اضاع، لا علمه من نفسه یغنیه، و لا علم غیره ینفعه، و لا یطیع ناصحه، و لا یستریح مقارنه، تود أمه أنها ثکلته، و امرأته انها فقدته، و جاره بعد داره، و جلیسه الوحدة من مجالسته، ان کان اصغر من فی المجلس أعنی من فوقه، و ان کان أکبرهم أفسد من دونه…»(4) لقد عرض الامام علیهالسلام الی لزوم الابتعاد عن الأحمق، و ذلک لما فی الاتصال به من المضاعفات السیئة التی تجر الویل و العطب و قد أدلی علیهالسلام بعیوب الأحمق و نقائصه.
5 – و من وصایاه الرائعة التی نصح بها ابناءه هذه الوصیة:
«جالسوا أهل الدین و المعرفة، فان لم تقدروا علیهم فالوحدة آنس و اسلم فان ابیتم الا مجالسة الناس فجالسوا أهل المروآت فانهم لا یزمتون فی مجالسهم..»(5)
هذه بعض وصایاه التربویة لأبنائه، و قد وضع فیها المناهج السلیمة لسلوکهم و مسیرتهم فی هذه الحیاة.
1) تحف العقول (ص 279) البدایة و النهایة 9 / 105، وسائل الشیعة.
2) البیان و التبیین 2 / 76، العقد الفرید 3 / 88.
3) العقد الفرید 3 / 89.
4) وسائل الشیعة 5 / 421.
5) رجال الکشی (ص 419).