(وزودنا من التقوی ضد غوایته) قیل فی معنی التقوی: إنها البعد عن مواطن الریب و اتقاء الشبهات، أی أن التقی هو الدی لا یقدم علی أی عمل
إلا بعد علم الیقین أنه حلال محلل، و یبتعد عن کل ما فیه شائبة التحریم و شبهته. و نحن نلتقی مع هذا القول حیث نری أن التقی هو العادل الذی یفعل الواجبات، و یترک المحرمات بنیة صادقة و قلب سلیم لقوله تعالی: «اعدلوا هو أقرب للتقوی- 8 المائدة» و قوله: «سیجنبها الاتقی- 17 اللیل» أی یتجنب نار الجحیم (واسلک بنا من التقی خلاف سبیله من الردی) اهدنا الصراط المستقیم، وابتعد بنا عن صراط الضالین (أللهم لا تجعل له فی قلوبنا مدخلا) من أعطی قلبه للشیطان فقد ألغی وجوده، و أصبح ألعوبة بیده.
(ولا توطنن له فیما لدینا منزلا) یستحیل أن تستقیم الحیاة فی أی مجتمع یتحرک فیه الأشرار والقراصنة بحریة و بلا رادع وز اجر من أنصار الحق والعدل، و من هنا جاءت السمؤولیة الاجتماعیة والجهاد و استنقاذ المجتمع من الفوضی والفتن، قال سبحانه: «و قاتلوهم حتی لا تکون فتنة- 193 البقرة» واشتهر عن النبی الکریم: «الساکت عن الحق شیطان أخرس… من رأی منکم منکراً فلیغیره بیده، فإن لم یستطع فبلسانه، فإن لم یستطع فبقلبه، و ذلک أضعف الإیمان». (و ما سوّل لنا من باطل فعرفناه…) سوّل: سهّل وزین، و قول الإمام (ع) «فعرفناه» یشیر إلی أن الإنسان الطیب قد یضلل و یخدع بالتمویهات الکاذبة والدعایات المغرضة، فیظن الشر بأهل الخیر والخیر بأهل الشر، والإمام (ع) یرجو الله سبحانه أن یمده بالفهم والوعی لیمیز بین أهل الصدق والکذب والأمانة والخیانة… وقد تمثلت أمام ناظری و أنا أشرح هذه الفقرة من الدعاء، الأضالیل والاباطیل التی تبثها و تذیعها وسائل الإعلام فی هذا العصر لتخدع السذج والبسطاء… ولکن الله سبحانه فضح حملة الشعارات الزائفة والأجهزة المأجورة، و لم یعد لها من أثر یذکر إلا بما وصفها الشاعر: «سلع تباع و تشتری و تعار».
(والهمنا ما نعده) للخائنین من الرفض والتکذیب (وایقظنا عن سنة الغفلة…) سنة: النعاس والفتور، والمعنی نبهنا و ذکرنا بطاعتک و معصیة، الشیطان فی أوقات النعسة والغفلة (و أحسن بتوفیقک عوننا علیه) أی نستعین بالله علی أنفسنا کیلا تستجیب لدعوة الغی والضلال (و أشرب قلوبنا إنکار عمله) املأ قلوبنا بحب الخیر و کراهیة الشر (والطف لنا بنقض حیله) هب لنا نوراً نستضیء به فی ظلمات الشبهات والشکوک (و حول سلطانه عنا) اجعلنا من عبادک المؤمنین الذین لا سلطان علیهم للشیطان الرجیم (واقطع، رجاءه منا) أبداً لا ییأس الشیطان، و یقطع الرجاء إلا من القوی فی دینه و عقله و شخصیته (وادرأه عن الولوع بنا) ادرأه: ادفعه، والولع: الحب والتعلق، ولا یحب الشیطان إلا من استمع له، واغتر بحیله و علله.
ألّلهمّ صلّ علی محمّدٍ و آله، واجعل آبائنا و أمّهاتنا و أولادنا و أهالینا و ذوی أرحامنا و قراباتنا و جیراننا من المؤمنین والمؤمنات… منه فی حرزٍ حارزٍ، و حصنٍ حافظٍ، و کهفٍ مانعٍ؛ و ألبسهم منه جنناً واقیةً، و أعطهم علیه أسلحةً ماضیةً.
ألّلهمّ واعمم بذلک من شهد لک بالرّبوبیّة و أخلص لک بالوحدانیّة، وعاداه لک بحقیقة العبودیّة، واستظهر بک علیه فی معرفة العلوم الرّبّانیّة.
ألّلهمّ احلل ما عقد، وافتق ما رتق،
وافسخ ما دبّر، و ثبّطه إذا عزم، وانقض ما أبرم.
ألّلهمّ واهزم جنده، و أبطل کیده، واهدم کهفه، و أرغم أنفه.
(واجعل آباءنا و أمهاتنا…) ابتدأ الإمام (ع) دعاءه هذا متعوذاً من الشیطان، بضمیر المتکلم و من معه- علی سبیل الإجمال- ثم فصّل بذکر الذین أشرکهم فی الدعاء، و هم الأولاد والآباء و سائر الأرحام والجیران والخلان و کل من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، طلب للجمیع الصلاح والفلاح، لتبقی الصلة فیما بینه و بینهم قائمة و دائمة دنیا و آخرة حیث لا قرابة ولا صداقة یوم الفصل إلا بین المؤمنین المتقین، قال سبحانه: «الأخلاء یومئذ بعضهم لعبض عدو إلا المتقین- 67 الزخرف».
و إذا کانت ملة الکفر واحدة فملة الإیمان کذلک… وقد دعا رسول الله (ص) أول ما دعا عشیرته الأقربین بأمر من الله الذی خاطبه بقوله: «و أنذر عشیرتک الأقربین واخفض جناحک لمن اتبعک من المؤمنین- 214 البقرة» و لما ردوا علیه دعوته التمس قبولها عند الأبعدین عنه، فاستجابوا له، و فدوه بالمهج، و کان الآباء یبارزون الأبناء، و هؤلاء یتربصون بؤلائک، و بهذا کانوا أقرب له و ألصق به دنیا و آخرة، من القرابات و أولی الأرحام الکفرة، و فی نهج البلاغة: «إن ولی محمد من أطاع الله و إن بعدت لحمته، و إن عدو محمد من عصی و إن قربت قرابته… رب قریب أبعد من بعید، و رب بعید أقرب من قریب».