جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

الذین یؤمنون بالتناقضات

زمان مطالعه: 2 دقیقه

من درس و تتبع آراء الناس و معتقداتهم، یجد کثیراً منهم یؤمنون بالمتناقضات، و یخلعون علی الشیء الواحد الصفة و نقیضها فی آن واحد، ذاهلین عن بدیهة العقل والواقع، و من باب المثال، إذا نازلة نزلت بمجرم فاسق فأزعجته، قال بعض الذین یظهرون أمام الناس بمظهر العلم بدین الله: هذا عقاب منه تعالی علی معصیته. و إذا نزلت هذه المصیبة نفسها ببریء مؤمن فنقضت قواه- هوّنوا علیه و قالوا له: هذه تحفة من الله ینعم بها علی الصفوة من عباده لیزیدهم أجراً علی أجر. أما سمعت و قرأت حدیث البلاء موکل بالمؤمن، و أن أشد الناس بلاء الأنبیاء، ثم الذین یلونهم الأمثل فالأمثل! و هذا عین الضیاع والتناقض، إذ یستحیل أن یکون الشیء الواحد علة کاملة لوجود الشیء و عدمه أو ضده فی آن واحد.

و نحن لا نشک إطلاقاً فی أن للحق و کلمته ثمنها من نفس قائلها و أهله، أو من ماله و عرضه و إلا لم یکن له من فضل، ولکن نرفض بقوة و إصرار أن تکون الدنیا عند الله سبحانه دار حساب و جزاء، کیف و هو القائل، تقدست کلمته: «و لو لا أن یکون الناس أمّة واحدة لجعنا لمن یکفر بالرحمن لبیوتهم سقفاً من فضة و معارج علیها یظهرون- 33 الزخرف».

والواقع الظاهر للعیان والوجدان أن ما من أحد یمر بهذه الحیاة و یخرج بلا نوائب و آلام حتی الذین ملکوا واترفوا، فإن وراء مظاهرهم ناراً تلظی فی قلوبهم، أما الأنبیاء والصلحاء فهم الأشد بلاء کما أشرنا. و یبدو أن مصائب الحیاة تعم و تشمل جمیع الأحیاء، و آخر ما قرأت فی هذا الباب نادرة طریفة نشرها الفیلسوف زکی نجیب محمود فی جریدة الأهرام ت5/ 9/ 1975، قال: إن أستاذاً للفلسفة أمریکیاً زارنی، و طلب منی أن أصحبه فی جولة للنزهة، فذهبنا و جلسنا فی جزیرة حیث یسبح البط هادئاً فی البحیرة الساکنة، و قد کنت ساعتها مکدوداً، فقلت: ما أسعد هذا البط فی هدوئه، لا تزعجه شواغل الحیاة، ولا یعکر صفوه تنازع و تقاتل، ولکنی ما کدت أختم عبارتی حتی انقسم البط شطرین، ودارت معرکة لم أدر سببها، و أخذ بعضه یلاحق بعضاً ضرباً بالأجنحة و صراخاً زاعقاً. فضحک صاحبی و قال: لقد جاءک الجواب مسرعاً.