(و قبضه إلی ما ندبه إلیه من موفور ثوابه أو محذور عقابه) لا مفر من الموت، و أیضاً لا مفر من البعث بعد الموت لا لمجرد البعث بل للحساب والمعاملة بالمثل أی (لیجزی الذین أساءوا بما عملوا و یجزی الذین أحسنوا بالحسنی عدلا منه تقدست أسماؤه و تظاهرت آلاؤه) أی نعمه، و أشار الإمام (ع) بکلمة العدل إلی أنه لا یستقیم فی عدل الله أن یستوی مصیر المؤمن والکافر والبر والفاجر، فیفلت المسیء من العقاب، و یحرم المحسن من الثواب، و إذن لا بد من یوم تبیض فیه وجوه، و تسود وجوه. قال إفلاطون: لو لم یکن معاد نرجو فیه الخیرات لکانت الدنیا فرصة الأشرار، و کان القرد أفضل من الإنسان.
وقد وضعت کتاباً خاصاً فی البعث باسم «الآخرة والعقل» طبع العدید
من المرات، ثم عدت إلی هذا الموضوع مراراً فی التفسیرین: الکاشف والمبین و فی ظلال نهج البلاغة و غیر ذلک مما ألفت: و قرأت الکثیر من أقوال المنکرین و أدلتهم، فوجدتها ترتکز علی أمرین:
الأول: ما ذکر ذاکر أنّه شاهد میتاً خرج من قبره، و عاد إلی النشأة الأولی. الجواب: لا أحد یدعی عودة المیت إلی النشأة الأولی (أی الحیاة الدنیا) کی یقال له: ما رأینا میتاً عادت إلیه الحیاة، و إنّما العودة إلی النشأ الأخری، و هی الآن فی عالم الغیب، ولا یجایها سبحانه إلا لوقتها.
الأمر الثانی: مجرد الاستبعاد أن یعود المیت إلی الحیاة. الجواب: لقد وجد الإنسان ولم یک شیئاً، فالذی أوجده من لا شیء یعیده ثانیة، و بکلام آخر کل من یعترف بأن الإنسان وجد بسبب أو بالصدفة، فعلیه أن یعترف حتماً بإمکان وجوده حیاً بعد الموت بالصدفة أو بسبب تماماً کما وجد فی البدایة… أبداً لا مفر من الاعتراف بإمکان الوجودین معاً أو بإنکارهما معاً، علماً بأن إنکار الأول مخالف للحس والعیان، و من اعترف بالوجود الأول و أنکر إمکان الوجود الثانی فقد فصل الشیء عن ذاته، و ناقض نفسه بنفسه، و لذا قال الإمام أمیر المؤمنین (ع): «عجبت لمن أنکر النشأة الأخری و هو یری النشأة الأولی».
(لا یسأل عما یفعل و هم یسألون) کل عاقل یأخذ بشهادة الصادق الأمین، و یعمل بنصیحة الطبیب الخبیر المخلص والعالم المتخصص- بلا سوال و تردد، ولا یخرج عن هذه القاعدة إلا شاذ «والشاذ من الناس للشیطان، کما أن الشاذ من الغنم للذئب» کما قال الإمام (ع). والله سبحانه هو العلم والصدق والعدل والحق، والعلم دلیل لا مدلول، والحق سائل لا مسؤول.
والحمد لله الّذی لو حبس عن عباده معرفة حمده علی ما أبلاهم من مننه المتتابعة و أسبغ علیهم من نعمه المتظاهرة… لتصرّفوا فی مننه فلم یحمدوه، و توسّعوا فی رزقه فلم یشکروه؛ و لو کانوا کذلک لخرجوا من حدود الإنسانیّة إلی حدّ البهیمیّة، فکانوا کما وصف فی محکم کتابه: «إن هم إلاّ کالأنعام بل هم أضلّ سبیلاً».