(ثم ضرب له) أی لکل ذی روح (فی الحیاة أجلا موقوتاً، و نصب له أمداً محدداً یتخطی إلیه بأیام عمره) شبه العمر بالمشی، والأیام بالخطی إلی الموت، و فی نهج البلاغة: «من کانت مطیته اللیل والنهار، فإنه یسار به، و إن کان واقفاً، و یقطع المسافة، و إن کان مقیماً وادعاً» أی ساکناً مستریحاً (و یرهقه بأعوام دهره) أی أن الأمد المحدد یعجل بالحی و یسرع به إلی الموت بطی السنوات و مضی الأعوام. و کل ذلک بمشیئة الله تعالی، فهو الذی یحیی و یمیت فی أجل مسمی، لا یقدّم ولا یؤخر.
و قال المادیون: نشأت الحیاة من مواد کیماویة، تفاعل بعضها مع بعض من باب الصدفة والاتفاق، أما الموت فهو عبارة عن الخلل یطرأ علی الترکیب المادی الکیماوی، فیبطل تفاعل العناصر و معطیاتها تماماً کما یحدث للساعة والهاتف مثلا.
و نسأل المادیین: إذا کانت الحیاة نتیجة لتفاعل کیماوی فلماذا لا یخلق علماء الطبیعة الحیاة؟ لقد حاولوا و جربوا مرات و مرات، ففشلوا فشلا ذریعاً حتی أکد العدید منهم أن أنواع الحیاة الموجودة فوق الأرض لا یمکن تفسیرها طبقاً لخواص المواد الطبیعیة. و من أراد التوسع والتفصیل فلیقرأ فصل المادة والحیاة فی کتابنا شبهات الملحدین والإجابة عنها.
و أیضاً لو نشأت الکائنات الحیة بالصدفة لتشابه الخلق بین أفراد الإنسان، و تعذر الفارق الممیز بین فرد و آخر، و هل من عاقل علی وجه الأرض یصدّق أن الصدفة والطبیعة العمیاء هی التی فرقت و میزت بین أفراد الإنسان باختلاف الصور والملامح والأصوات و بصمات الأصابع و غیرها، علماً بأن
مواد الجسم و خلایاه، و تفاعلها واحدة فی کل فرد من أفراد الإنسان دون أدنی تفاوت بین عبقری وغبی و أسود و أبیض، و هنا یکمن سر الإعجاز.
أما الموت فإن العلم الطبیعی یحدد عمر المادة تبعاً لماهیتها و استعدادها لأمد الإستمرار والبقاء، و هذا لا یصدق علی الإنسان بحال حیث رأینا بالحس والعیان «الوباء یعم و مع ذلک یفتک بالشاب القوی، و یترک الشیخ الهزیل، و کم من ضربة قتلت هذا دون ذاک، ولو کانت هذه أسباباً مطردة لظهر أثرها فی الجمیع دون استثناء» علی حد تعبیر الشیخ محمد عبده. ولا تفسیر لذلک إلا الأجل المقدر بعلم الله. والخلاصة لا تفسیر إطلاقاً لما فی باطن الإنسان من غرائز و عناصر و ملکات و فی ظاهره من صفات و علامات إلا بقوة تقول للشیء کن فیکون، لأن الفکرة المضادة لهذه القوة جنون و حماقات کما قال فولتیر.