بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الّذی أعاننا على ختم کلامٍ سماویٍّ هو قرآنه، الّذی جعله میزان قسطٍ لایخیب عن الحقّ لسانه و نوراً لایطفأ عن الشاهدین برهانه؛ و الصلاة و السلام على نبیّه الّذی هو قرآنه و کتابه، و على آله و أهل بیته الّذین کلّ واحدٍ منهم ترجمته و بیانه.
و بعد؛ فیقول المستعین فی ختم کتابه إلى توفیقه محمّد باقر بن السیّد محمّد – أسکنهما الله تعالى فی بحبوحة جنانه -: هذه اللمعة الثانیة و الأربعون من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة – علیه و على آبائه و أبنائه ألف سلامٍ و تحیّةٍ -.
وَ کَانَ مِنْ دُعَائِهِ – عَلَیْهِ السَّلاَمُ – عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ.
قال جماعةٌ: «هو علمٌ غیر مشتقٍّ، اسمٌ للکتاب المنزّل على نبیّنا محمّدٍ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، فهو غیر مهموزٍ»؛ و به قرء ابن کثیر؛
و قال قومٌ آخر: «هو مشتقٌّ». و اختلفوا فی مبدء اشتقاقه؛ فقیل: مشتقٌّ من: قرنت الشیء بالشیء: إذا ضمّت أحدهما إلى الآخر. و سمّی به لقران السور و الآیات و الحروف فیه.
<و قال الفرّاء: «هو مشتقٌّ من القرائن، لأنّ الآیات منه یصدّق بعضها بعضاً و تشابه
بعضها بعضاً؛ و هی قرائن». و على القولین هو بلاهمزٍ أیضاً(1)، و نونه أصلیّةٌ.
و قال الزجّاج: «هذا القول سهوٌ!، و الصحیح انّ ترک الهمز فیه من باب التخفیف و نقل حرکة الهمزة إلى الساکن قبلها».
و اختلف القائلون بأنّه مهموزٌ؛ فقال قومٌ – منهم اللحیانیّ(2) -: «هو مصدرٌ لقرأت – کالرجحان و الغفران -. سمّی به الکتاب المقروء من باب تسمیة المفعول بالمصدر».
و قال آخرون – منهم الزجّاج -: «هو وصفٌ على فعلان، مشتقٌّ من القرء بمعنى: الجمع». قال أبوعبیدة: «و سمّی بذلک لأنّه جمع السور بعضها إلى بعضٍ»؛
و قیل: «لأنّه جمع أنواع العلوم کلّها».
و للقرآن أسماء أخر>(3)
اعلم! أنّ معانی القرآن غیر منحصرةٍ فی ظواهر التفسیر؛ قال الشیخ نجم الدین الرازی: «من لایعرف قدر معانی القرآن و حقائقها و یقنع بما ظهر عنده من لغة العرب و أحکام الظاهر فقد خسر حقائق ما أشار إلیه الله -تعالى – بقوله: (قُلْ لَو کَانَ الْبَحرُ مِدَاداً لِکَلِمَاتِ رَبِّی)(4) -… الآیة -»؛
و قال الشیخ محیی الدین الأعرابیّ: «القرآن هو البحر الّذی لاساحل له إذا کان المنسوب إلیه یقصد به جمیع ما یطلبه الکلام، بخلاف کلام المخلوقین»(5)؛
و قال الشیخ صدرالدین القونویّ: «انّ الله -تعالى – رتّب حروف القرآن و کلماته ترتیب مدبّرٍ خبیرٍ، فما فیه حرفٌ بین حرفین أو متقدّمٌ أو متأخرٌ إلّا و هو موضوعٌ بقصدٍ خاصٍّ و علمٍ کاملٍ و حکمةٍ بالغةٍ لاتهتدی العقول إلى سرّها. و من لم یکشف(6) له هذا الطور
لم یعرف سرّ بطون القرآن الّتی ذکرها رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – بقوله: «للقرآن ظهرٌ و بطنٌ إلى سبعة أبطن»(7) – و فی روایةٍ: «إلى سبعین بطناً» -(8)، و لا سرّ قول علیٍّ – علیه السلام -: «لو أذن لی فی تفسیر الفاتحة لحملت منها سبعین وقراً»(9)، و لا سرّ قول الحسن – علیه السلام -: «أنزل الله مأة کتابٍ و أربعة کتب، فأودع الله(10) المأة فی أربعةٍ(11) – و هی التوراة و الإنجیل و الزبور و الفرقان -، و أودع الجمیع فی القرآن، و أودع جمیع ما فی القرآن فی المفصّل، و أودع ما فی المفصّل فی الفاتحة»(12)؛ و نبّه(13) فی تفسیر الفاتحة اندارج الجمیع فی بسم الله الرحمن الرحیم، ثمّ اندراج الإسمین و ما تحت حیطتهما فی اسم الله، ثمّ اندراج کلّ شیءٍ فی حرف الهاء من اسم الله»(14)
و قال الشیخ أبوطالب المکّیّ: «قد أمرنا بطلب فهم القرآن کما أمرنا بتلاوته. فروینا عن نبیّنا – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «إقرؤا(15) القرآن و التمسوا غرائبه»(16)
و قال: «قال ابن مسعود: من أراد علم الأوّلین و الآخرین فلیثوّر القرآن».
و قال: «فی الخبر عن ابن مسعود: «انّ للقرآن ظهراً و بطناً و حدّاً و مطّلعاً». فنقول: ظهره لأهل العربیّة، و بطنة لأهل الیقین، و حدّه لأهل الظاهر، و مطّلعه لأهل الشرف. و هم العارفون و المحبّون و الخائفون، اطّلعوا على لطف المطّلع بعد أن خافوا هول المطلع»(17)
و قال: «قال بعض علمائنا: لکلّ آیةٍ من القرآن ستّون ألف فهمٍ و ما بقی(18) فهمها
أکثر!»(19)
و قال حجّة الإسلام: القرآن غذاء الخلق کلّهم على اختلاف طبقاتهم، و لکن اغتذاؤهم به على قدر درجاتهم. و فی کلّ غذاءٍ مخٌّ و نخالةٌ و تبنٌ، و حرص الحمار على التبن أشدّ منه على الخبز المتّخذ من اللبّ؛ و أنت شدید الحرص على أن لاتفارق درجة البهیمة و لاترتقی إلى الرتبة الإنسانیّة بل الملکیّة!؛ فدونک الاستراح فی ریاض القرآن، ففیه (مَتَاعاً لَکُمْ وَ لاَنْعَامِکُمْ)(20)»(21)؛ انتهى.
أقول: و من طریق العامّة أیضاً عن أمیرالمؤمنین – علیه السلام – قال: «ما من آیةٍ إلّا و لها أربعة معانٍ: ظاهرٌ و باطنٌ و حدٌّ و مطّلعٌ، فالظاهر التلاوة، و الباطن الفهم، و الحدّ هو أحکام الحلال و الحرام، و المطّلع هو مراد الله من العبد بها»(22)؛
و رووا انّه – علیه السلام – سئل: هل عندکم من رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – شیءٌ من الوحی سوى القرآن؟
قال: «لا و الّذی فلق الحبّة و برء النسمة!، إلّا أن یعطی(23) عبداً فهماً فی کتابه»(24)؛
و رووا عن الصادق – علیه السلام – انّه قال: «کتاب الله على أربعة أشیاء: العبارة و الإشارة و اللطائف و الحقائق؛ فالعبارة للعوامّ، و الإشارة للخواصّ، و اللطائف للأولیاء، و الحقائق للأنبیاء»(25)
و من طریق الخاصّة روى العیّاشی(26) بإسناده عن الفضیل بن یسار قال: سألت أباجعفر – علیه السلام – عن هذه الروایة: «ما فی القرآن آیة إلّا و لها ظهرٌ و بطنٌ، و ما فیه إلّا و له حدٌّ و لکلّ حدٍّ مطّلعٌ»، ما یعنی بقوله: لها ظهرٌ و بطنٌ؟
قال: «ظهره تنزیله(27)؛ و بطنه تأویله، منه ما مضى و منه ما لم یکن بعد، یجری کما یجری الشمس و القمر. کلّما جاء منه شیءٌ وقع؛ قال الله -تعالى -: (وَ مَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ)(28)، نحن نعلمه».
أقول: «المطّلَع» – بتشدید الطاء و فتح اللام – بمعنى: مکان الإطّلاع من موضعٍ عالٍ. و یجوز أن یکون بوزن مَصعد – بفتح المیم -، و معناه أی: مصعدٌ یصعد إلیه من معرفة علمه، و محصّل معناه قریبٌ من معنى التأویل و البطن؛ کما انّ معنى «الحدّ» قریبٌ من معنى التنزیل والظهر.
و فی الإصطلاحات القاسانیّ: «المطّلع: هو مقام شهود المتکلّم عند تلاوة آیات کلامه متجلّیاً بالصفة الّتی هی مصدر تلک الآیة»(29)
و قیل: «الظهر هو التفسیر، و البطن هو التأویل، و الحدّ هو مایتناهی إلیه الفهوم من معنى الکلام، و المطّلع ما یصعد إلیه منه فیطّلع على شهود الملک العلّام»(30)
قال بعضهم: «و العلماء فی إمعان عبارات القرآن على ثلاثة أقسامٍ:
أحدهم: قنع بالتفسیر، و هم أدناهم؛
و الثانی: بالتأویل، و هو أوسطهم؛
و الثالث: بالفهم، و هو أجلّهم. فالتفسیر بالدراسة و البحث عن أقاویل السلف، و
التأویل بالهدایة و التوفیق، والفهم بالله -تعالى -، و الرأی بالعقل من القیاس. فأهل الفهم ینطقون بالله کما قال نبیّه – صلّى الله علیه و آله و سلّم – حکایةً عن ربّه -تعالى -: «کنت لسانه الّذی ینطق -… إلى آخر الخبر -»(31) و قال لقمان الحکیم: «ید الله على أفواه الحکماء، فما ینطقون بشیءٍ حتّى تهب لهم»(32)؛ و قرء ابن عبّاس: (وَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبلِکَ مِن رَسُولٍ وَ لاَنَبِیٍّ)(33) «و لامحدَّثٍ»(34)، و هم أهل الفهم عند الله، الّذین ینطقون فی القرآن بالحکمة».
و قال صدر الحکماء و المحقّقین فی مفاتیح الغیب: «الفاتحة العاشرة: فی تحقیق قوله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «إنّ للقرآن ظهراً و بطناً و حدّاً و مطّلعاً». و اعلم! أنّ القرآن کالإنسان منقسمٌ إلى سرٍّ؛ و علنٍ. و لکلٍّ منهما ظهرٌ و بطنٌ و لبطنه بطنٌ آخر إلى أن یعلمه الله، (وَ لاَیَعلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللَّهُ)(28)، و قد ورد أیضاً فی الحدیث: «إنّ للقران ظهراً و بطناً و لبطنه بطنٌ إلى سبعة أبطن»(35)
و هو کمراتب باطن الإنسان من النفس و القلب و العقل و الروح و السرّ و الخفیّ و الأخفى. أمّا ظاهر علنه فهو المصحف المحسوس الممسوس و الرقم المنقوش الملموس؛ و أمّا باطن علنه فهو ما یدرکه الحسّ الباطن و یستثبته(36) القرّاء و الحفّاظ فی خزانة مدرکاتهم – کالخیال و نحوه -، و الحسّ الباطن لایدرکه المعنى صرفاً، بل خلطاً مع عوارض جسمانیّةٍ، إلّا انّه یستثبته بعد زوال المحسوس عن حضوره، فانّ الوهم و الخیال – کالحسّ الظاهر –
لایحضران فی الباطن المعنى الصرف المطلق – کالإنسانیّة المطلقة -، بل على نحو ما یناله الحسّ من خارجٍ مخلوطاً بزوائد و غواشی من کمٍّ و کیفٍ و وضعٍ و أینٍ. فإذا حاول أحدهما أن یتمثّل له الصورة الإنسانیّة المطلقة بلازیادةٍ أخرى لم یمکنه ذلک(37)، بل إنّما یمکنه استثبات الصورة المقیّدة بالعلائق المأخوذة عن أیدی الحواسّ و إن فارق جوهر المحسوس؛ بخلاف الحسّ، فانّه لایمکنه ذلک. فهاتان المرتبتان من القرآن دنیاویّتان أولیّتان ممّا یدرکه کلّ إنسانٍ.
و أمّا باطنه و سرّه فهما مرتبتان أخرویّتان لکلٍّ منهما درجاتٌ، فالأولى منهما ما تدرکه الروح الإنسانیّة الّتی تمکّن(38) من تصوّر المعنى بحدّه و حقیقته منفوضاً عنه اللواحق الغریبة مأخوذاً من المبادی العقلیّة من حیث تشترک فیه الکثرة و تجتمع عنده الأعداد فی الوحدة، و یضمحلّ فیه التعاند و التضادّ و تتصالح علیه الآحاد. و مثل هذا الأمر لایدرکه الروح الإنسانیّ ما لم یتجرّد عن مقام الخلق و لم ینفض عنه تراب الحواسّ و لم یرجع إلى مقام الأمر، إذ لیس من شأن المحسوس من حیث هو محسوسٌ أن یعقل – کما لیس من شأن العقل أن یحسّ بآلةٍ جسمانیّةٍ -، فانّ المتصوّر فی الحسّ مقیّدٌ مخصوصٌ بوضعٍ و مکانٍ و زمانٍ و کیفٍ و کمٍّ؛ و الحقیقة العقلیّة لاتتقرّر فی منقسمٍ مشارٍ إلیه بالحسّ، بل الروح الإنسانیّة تتلقّى المعارف بجوهرٍ عقلیٍّ من حیّز عالم الأمر لیس بمتحیّزٍ فی جسمٍ و لامتصوّرٍ داخلٍ فی حسٍّ أو وهمٍ.
ثمّ لمّا کان الحسّ و مایجری مجراه تصرّفه فیما هو عالم الخلق و العقل تصرّفه فیما هو من عالم الأمر، فما هو فوق الخلق و الأمر جمیعاً فهو محجوبٌ عن الحسّ و العقل جمیعاً، قال الله -تعالى – فی صفة القرآن: (إِنَّهُ لَقُرآنٌ کَرِیمٌ – فِی کِتَابٍ مَکْنُونٍ – لاَیَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ – تَنزِیلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ)(39) فذکر له أوصافاً متعدّدةً بحسب مراتب و مقامات له أعلاها
الکرامة عند الله و أدناها التنزّل(40) إلى العالمین، و لاشکّ انّ کلام الله من حیث هو کلامه قبل نزوله إلى عالم الأمر – و هو اللوح المحفوظ – و قبل نزوله إلى عالم السماء الدنیا – و هو لوح المحو و الإثبات و عالم الخلق و التقدیر – له مرتبةٌ فوق هذه المراتب لایدرکه أحدٌ من الأنبیاء – علیهم السلام – إلّا فی مقام الوحدة عند تجرّده عن الکونین و بلوغه (قَابَ قَوسَینِ أَو أَدْنَى)(41) و تجاوزه عن العالمین الخلق و الأمر – کما قال أفضل الأنبیاء علیهم السلام: «لی مع الله وقتٌ لایسعنی فیه ملکٌ مقرّبٌ و لانبیٌّ مرسلٌ»(42) -. و إنّما یختصّ صاحب هذه المرتبة بتلقّی القرآن بحسب هذا المقام؛ و للإشارة(43) إلى هذا المقام قوله -تعالى -: (وَ مَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ)(28)، و قوله: (أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلاِْسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)(44)، و فی الحدیث: «انّ من العلم کهیئة المکنون لایعلمه إلّا العلماء بالله»(45)؛ و أشیر إلى مقام القلب و الحسّ الباطن بقوله: (إِنَّ فِی ذَلِکَ لَذِکْرَى لِمَنْ کَانَ لَهُ قَلْبٌ أَو أَلْقَى السَّمعَ وَ هُوَ شَهِیدٌ)(46)، و قوله: (لَو کُنَّا نَسمَعُ أَو نَعقِلُ مَا کُنَّا فِی أَصْحَابِ السَّعِیرِ)(47)، و قوله: (فَأَجِرهُ حَتَّى یَسمَعَ کَلاَمَ اللَّهِ)(48)، و قوله: (وَ مَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ)(49) إشارةً إلى مقامات العلماء فی درجات العلم کما قال: (نَرفَعُ دَرَجَاتِ مَنْ نَشَاءُ وَ فَوقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ)(50)، و قوله: (تِلْکَ الرُّسُل فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)(51)، و قوله: (وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعضَکُمْ عَلَى بَعْضٍ فِی الرِّزقِ)(52)
و بالجملة انّ للقرآن درجاتٍ و منازل کما انّ للإنسان مراتب و مقامات؛ و أدنى مراتب القرآن کأدنى مراتب الإنسان – و هو ما فی الجلد و الغلاف، کما انّ أدنى الدرجات للإنسان ما هو فی الاهاب و البشرة -. و لکلّ درجةٍ منه لها حملةٌ یحفظونه و یکتبونه و لایمسّونه إلّا بعد طهارتهم عن حدثهم أو حدوثهم و تقدّسهم عن علائق مکانهم أو إمکانهم؛ و القشر من الإنسان لاینال إلّا سواد القرآن و صورته المحسوسة، ولکن الإنسان القشریّ من الظاهریّة لایدرک إلّا المعانی القشریّة.
و أمّا روح القرآن و لبّه و سرّه فلایدرکه إلّا أولوا الألباب، و لاینالوه بالعلوم المکتسبة من التعلّم أو(53) التفکّر، بل بالعلوم اللدنّیّة»(54)؛ انتهى کلامه.
و هو تحقیقٌ حسنٌ یرجع إلى ماذکرناه لک من أن لکلّ شیءٍ حقیقةً و روحاً تحفظ فی کلّ المواطن و المواقف و لها خواصٌّ و آثارٌ بحسبها، و لها قوالب مختلفة و صور شتّى بعضها جسمانیٌّ و بعضها روحانیٌّ – کما فصّلناه لک فی اللمعة السابقة؛ فتذکّر!-.
لمعةٌ عرشیّةٌ
اعلم! أنّ المقاصد الإلهیّة و الأغراض الرحمانیّة من التنزیلات السماویّة تکمیل النوع الإنسانیّة و دعوتهم إلى الحضرة الأحدیّة؛ و لذلک انحصرت فصول القرآن و أبوابه و سوره فی مقاصد ستّة، ثلاثةٌ منها هی کالدعائم و الأصول المهمّة، و ثلاثةٌ أخرى هی کالروادف المتمّمة.
أمّا الثلاثة المهمّة فهی:
تعریف المدعوّ إلیه؛
و تعریف الصراط المستقیم – الّذی یجب ملازمته فی السلوک إلیه -؛
و تعریف الحال عند الوصول؛
فالأوّل معرفة المبدء؛
و الآخر معرفة المعاد؛
و الأوسط معرفة الطریق. و إلى هذه الثلاثة أشار أمیرالمؤمنین – علیه السلام – بقوله: «رحم الله امرءً أعدّ لنفسه و استعدّ لأمسه، و علم من أین و فی أین و إلى أین»(9)
و أمّا الثلاثة الرادفة المتمّمة:
فأحدها: تعریف أحوال المحبّین المبعوثین للدعوة و لطائف صنع الله فیهم و دقائق تأدیبه و تربیته لهم، و الغرض منه الاعتبار و الترهیب؛
و ثانیها: حکایة أقوال الجاحدین و کشف فضائحهم و تجهیلهم و تسفیه عقولهم فی تحرّیهم طریق الهلاک بالمجادلة و المحاجّة على الحقّ، و المقصود منه:
أمّا فی جنبة الباطل فالإفضاح والتحذیر و التنفیر،
و أمّا فی جنبة الحقّ فالإیضاح و التثبیت و التقریر؛
و ثالثها: تعریف عمارة المراحل إلى الله و کیفیّة أخذ الزاد و الإستعداد للمعاد، و المقصود منه معرفة کیفیّة معاملة الإنسان مع أعیان هذه الدنیا، و انّها یجب أن یکون مثل معاملة المسافر مع أعیان مراحل سفره البعیدة الّتی یطلب فیه تجارةً عظیمةً و یخطر فیه مخاطرةً شدیدةً فخیمةً – أی: نسبةً بسفر الآخرة إلى سائر الأسفار ربحاً و خسراناً -، و فی ربحه سعادة الأبد و فی خسرانه هلاک السرمد. فهذه ستّة أقسامٍ:
القسم الأوّل: تعریف المدعوّ إلیه، و هو المعروف بعلم الربوبیّة. و یشتمل هذه المعرفة على معرفة الذات و معرفة الصفات و معرفة الأفعال؛
أمّا معرفة الذات فهی أضیقها مجالاً و أعسرها مسلکاً و مقالاً و أعصاها على الفکر و أبعدها عن قبول الذکر، و لذلک لایشتمل القرآن منها إلّا على تلویحاتٍ و رموزٍ و إشاراتٍ، و یرجع أکثرها لأهل الفکر و العقل إلى التقدیس المحض و التنزیه المطلق – کقوله تعالى:
(لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ)(55)، و کسورة الإخلاص -، و إلى التعظیم المطلق – کقوله: (سُبْحَانَ رَبِّکَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا یَصِفُونَ)(56)، و کقوله: (بَدِیعُ السَّمَاوَاتِ وَ الاَرْضِ)(57) -؛
و أمّا الصفات فالمجال فیها أفسح و نطاق النطق فیها أوسع، و لذلک أکثر آیات القرآن مشتملٌ على تفاصیلها – کالحیاة و العلم و القدرة و السمع و البصر و الکلام و الحکمة -؛
و أمّا الأفعال فبحرٌ متّسعٌ أکنافه و لاینال بالاستقصاء أطرافه، بل لیس فی الوجود إلّا الله و صفاته و أفعاله؛ فکلّ ما سواه فعله. لکن القرآن مشتملٌ على الجلیّ منها الواقع فی عالم الشهادة – کذکر السماوات و الکواکب و الأرضین و الجبال و البحار و السحب و الأمطار و الحیوان و النبات و إنزال ماء الفرات و سائر أسباب الحیاة و الممات -، و هی الّتی ظهرت للحسّ؛ و أشرف أفعاله و صنائعه و أدلّها على جلاله و عظمته ممّا لایظهر للحسّ، بل هی من عالم الملکوت – و هی الملائکة و الروحانیّات، فانّها جمیعاً خارجٌ عن عالم الملک و الشهادة -؛ فهذه جمل القسم الأوّل الواجب على کلّ مسلمٍ تحصیل العلم بها؛
القسم الثانی: تعریف طریق السلوک إلى الله. و ذلک بالتبتّل، کما قال الله -تعالى -: (وَ تَبَتَّلْ إِلَیْهِ تَبْتِیلاً)(58) أی: انقطع إلى الله، و الإنقطاع إلیه لایکون إلّا بالإقبال علیه و الإعراض عن غیره؛
القسم الثالث: تعریف الحال عند میعاد الوصال، و هو یشتمل على ذکر الروح و النعیم الّذی یلقاه الواصلون. و العبارة الجامعة لأنواع روحها و ریحانها: الجنّة، و أعلاها لذّةً النظر إلى وجه الله. و کذا یشتمل على ذکر الخزی و العذاب و البعد الّذی یلقاه المحجوبون عنه بإهمال السلوک؛ و العبارة الجامعة لأصناف آلامها: الجحیم. و أشدّها ألماً ألم الحجاب و الإبعاد، و لذلک قدّمه فی قوله -تعالى -: (کَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ یَومَئِذٍ لََمحْجُوبُونَ – ثُمَّ إِنَّهُمْ
لَصَالُوا الْجَحِیمِ)(59)
و یشتمل أیضاً على ذکر مقامات الفریقین و حالاتها، و عنها یعبّر ب-: الحشر و النشر و الحساب و المیزان و الصراط و الکتاب؛
القسم الرابع: أحوال السالکین لسبیل الله الواصلین إلیه و الناکبین الضالّین؛
أمّا الأوّل: فهی قصص الأنبیاء و الأوصیاء الماضین؛
و أمّا الثانی: فهی حکایات الکفّار و المشرکین و الشیاطین، و فائدة هذا القسم: الترغیب و الترهیب و الإعتبار و الإستبصار؛
القسم الخامس: محاجّة الکفّار و إیضاح مخازیهم و کشف أباطیلهم و مخابیلهم بالبرهان الواضح و الحجّة القاطعة، و الغرض منها إظهار الحقّ و إزهاق الباطل و قطع أعذار الجحدة و المکذّبین و إزاحة علل المظلّین و المنافقین؛
القسم السادس: تعریف عمارة المنازل للطریق و کیفیّة التأهّب للزاد و الإستعداد للمرجع و المعاد و إعداد القوّة و السلاح الّذی یدفع به سرّاق المنازل و قطّاع الطریق. و بیانه: إنّ الدنیا – کما مرّ – منزلٌ من منازل السائرین إلى الله، و البدن مرکبٌ، و من ذهل عن تدبیر المنزل و المرکب لم یتمّ سفره؛ و ما لم ینتظم أمر المعاش فی الدنیا لایتمّ أمر التبتّل و الإنقطاع إلى الله -تعالى – الّذی هو السلوک، و لایتمّ ذلک حتّى یبقى بدنه سالماً و نسله دائماً، و یتمّ کلاهما بأسباب الحفظ لوجودهما و أسباب الدفع لمفسداتهما و مهلکاتهما.
أمّا أسباب الحفظ لوجودهما: الغذاء لیحفظ شخصه، و النکاح لیبقى نوعه، و هو أیضاً موقوفٌ على الغذاء – لأنّ بقاء النوع بعد بقاء الشخص، و بقاؤه موقوفٌ على الغذاء، و الموقوف على الموقوف على الشیء موقوفٌ على ذلک الشیء؛ فالجمیع موقوفٌ على الغذاء -. و للغذاء أسبابٌ لایحصل إلّا بالتمدّن و الإجتماع؛ و لهذا قیل: «انّ الإنسان مدنیٌّ بالطبع»(60)
ثمّ لوترک الأمر فیه من تعریف قانونٍ مضبوطٍ مرجوعٍ إلیه فی الإختصامات لتحاربوا و
تغالبوا، فتقاتلوا و فسد الجمیع و انقطع النسل و اختلّ النظام، لما جبّل علیه کلّ أحدٍ من أنّه یشتهی لما له و یغضب على ما علیه؛ و ذلک القانون هو الشرع. فالقرآن مشتملٌ على شرح قوانین الشریعة و ضوابط الإختصاص فی آیات المناکحات و المدنیّات و المواریث و قسمة الزکوات و الغنائم و أبواب العتق و الکتابة و الإسترقاق، و أسباب الدفع لمفسداتهما، فهی العقوبات الزاجرة عنها – کقتال الکفّار و أهل البغی و الحدود و الغرامات و القصاص و الدیات و الکفّارات -؛
أمّا القصاص فدفعاً للسعی فی إهلاک الأنفس و الأطراف؛
و أمّا الحدود – کحدّ السرقة و الزنا و غیرهما – فدفعاً لما یستهلک الأموال الّتی هی من أسباب المعاش و الأنساب – الّتی هی طریق الحرث و النسل -؛
و أمّا جهاد الکفّار و أهل البغی فدفعاً لما یفسد به إعتقاد أهل الحقّ أو یتشوّش بسبب مروق المارقین عن ضبط السیاسة الّتی یتولّاها حارس السالکین و کافل المحقّین نائباً عن رسول ربّ العالمین؛ و اشتمال القرآن على الآیات الواردة فی هذا الجنس ممّا لایخفى علیک. و یشتمل هذا القسم على ما یسمّى: «علم الحلال و الحرام و حدود الأحکام»، و هذا العمل یتولّاه الفقهاء؛ و هو علمٌ یعمّ إلیه الحاجة لتعلّقه بصلاح الدنیا أوّلاً ثمّ بواسطته بصلاح الآخرة.
فهذه مجامع ما ینطوی علیه سور القرآن و آیاتها؛ و إن جمعت الأقسام مع شعبها المقصودة فی سلکٍ واحدٍ وجدتها عشرة أنواعٍ:
ذکر الذات؛
و ذکر الصفات؛
و ذکر الأفعال؛
و ذکر المعاد؛
و ذکر الصراط المستقیم – أعنی: بین جانبی التزکیة و التخلیة -؛
و ذکر أحوال الأعداء؛
و ذکر محاجّة الکفّار؛
و ذکر الحدود؛
و ذکر الأحکام(61)
وصلٌ عرشیٌّ
اعلم! أنّ للتلاوة آداباً؛ منها ظاهریّةٌ کالطهارة من الأحداث و الأخباث الظاهرة، و الإستعاذة، و تعظیم المصحف، و الدعاء أوّلاً و آخراً بما وردت به روایاتٌ من طرق العامّة و الخاصّة – کما هو مذکورٌ فی کتب الأدعیة -، و غیر ذلک؛
و منها باطنیّةٌ کتطهیر القلب عن خبائث المعاصی و أرجاس العقائد الفاسدة، قال الله -تعالى -: (لاَیَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)(62)
و قد مرّت الإشارة إلى أنّ للقرآن مراتب و درجاتٍ، و له ظهراً و بطناً؛ فکما انّ ظاهر جلد المصحف و ورقه محروسٌ عن ظاهر بشرة اللامس إلّا إذا کان متطهّراٌ، فباطن معناه أیضاً محجوبٌ عن باطن القلب إلّا إذا کان متطهّراً عن کلّ رجسٍ مستنیراً بنور التوبة. و کما لایصلح لمسّ نقوش الکتابة کلّ یدٍ فلایصلح لنیل معانیه کلّ قلبٍ إلّا القلوب الصافیة؛ و لایصل إلیها (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِیمٍ)(63)، و لایمتدّ إلیها إلّا أیدی النفوس الزکیّة الذکیّة؛ و کحضور القلب و ترکه حدیث النفس، و هذه الصفة تتولّد عمّا قبلها – و هو طهارة القلب عن شوائب الأغراض النفسانیّة -، فانّ من أخرج عن قلبه محبّة الباطل فیدخل فی قلبه الأنس بالحقّ؛
و کالتدبّر، و هو غیر حضور القلب، إذ ربّ وقتٍ لایشغل الإنسان قلبه بغیر القرآن و لکن یقتصر على سماع القرآن من نفسه من غیر تدبّرٍ. و المقصود الأصلیّ فیه هو التدبّر و
التفکّر؛ و قد مرّ انّه روح کلّ عبادةٍ؛ و عن أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: «لاخیر فی عبادةٍ لافقه فیها، و لا فی قراءةٍ لاتدبّر فیها»(64)
و إذا لم یتمکّن من التدبّر إلّا بتردیده فلیردّد – إلّا أن یکون فی الصلاة خلف إمامٍ -. و روی انّه – صلّى الله علیه و آله و سلّم – قرأ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ)، فردّدها عشرین مرّةً!، و إنّما ردّدها لتدبّره فی معانیها(65)؛
و عن أبی ذرّ قال: «قام رسول – صلّى الله علیه و آله و سلّم – بنا لیلةً، فقام بآیةٍ یردّدها حتّى أصبح!، و هی: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُکَ)(66) -… الآیة(67) -؛
و عن الزهریّ: «کان علیّ بن الحسین – علیه السلام – إذا قرأ: (مَالِکِ یَومِ الدِّینِ)(68) یکرّرها حتّى کاد أن یموت!»؛(69)
و قال – صلّى الله علیه و آله و سلّم – لما أنزل علیه قوله -تعالى -: (إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَ الاَرْضِ وَ اخْتِلاَفِ الَّلیْلِ وَ النَّهَارِ)(70) -… الآیة -: «ویلٌ لمن قرأها و لم یتفکّر فیها!»(71)؛
و قام تمیمٌ الرازی لیلةً بقوله: (أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ اجْتَرَحُوا السَّیِّئَاتِ)(72) -… الآیة(73) -؛
و قام سعید بن جبیر لیلةً بقوله -تعالى -: (وَ امْتَازُوا الْیَومَ أَیُّهَا الُْمجْرِمُونَ)(74) -(75) !.
فکلّ ما جرى به لسانک فی غفلةٍ فأعده و لاتعدّه من عملک، لأنّ الترتیل فی الظاهر للتمکّن من التدبّر؛
و کالتخلّی من موانع الفهم، و هو تطهیر القلب عن درن المعاصی و خبث الصفات الذمیمة، فلفهم معانی القرآن موانع غیر ما ذکر، إذ القلب لإدراک حقائق الأشیاء بمنزلة المرآة لانطباع صورها المرئیّة. و کما انّ حجب المرآة بعضها داخلیّةٌ – کالطبع و الرین و عدم الصقالة – و بعضها خارجیّةٌ – کوجود الحائل و عدم المحاذاة شطر المطلوب -، فکذلک حجب القلب عن الفهم بعضها فی داخله و بعضها فی خارجه؛
أمّا الحجاب الداخلیّ فبعضها من باب الأعدام و القصورات – کالطفولیّة و البلاهة و الجهل البسیط -؛ و بعضها وجودیّةٌ – کالمعاصی و الرذائل -، فمن یکون مصرّاً على ذنبٍ و متّصفاً بکبرٍ أو حسدٍ فیمتنع عظمة الحقّ من أن یتجلّى فیه؛ فانّ ذلک ظلمة القلب و صداه، و به حجب الأکثرون!.
و کلّما کانت الشهوات أشدّ تراکماً کانت معانی القرآن أشدّ احتجاباً، فالقلب مثل المرآة، و الشهوات مثل الصدء، و معانی القرآن مثل الصور الّتی یتراءى فیها، و الریاضة للقلب بإماطة الشهوات مثل تصقیل الجلاء للمرآة؛ قال الله -تعالى -: (وَ مَا یَتَذَکَّرُ إِلاَّ مَنْ یُنِیبُ)(76)، (وَ مَا یَذَّکَّرُ إِلاَّ أُولُوا الاَلْبَابِ)(77)، و الّذی آثر غرور الدنیا على نعیم الآخرة
فلیس من ذوی الألباب، فکیف ینکشف له أسرار الکتاب؟!.
و أمّا الحجاب الخارجیّ فکذلک بعضها عدمیّةٌ – کعدم التفکّر -، و بعضها وجودیّةٌ – کوجود الإعتقادات العامّیّة التقلیدیّة، أو الجهلیّات الفلسفیّة -، و هذا بمنزلة الغلاف للمرآة أو الحاجز – کالجدار و الجبل -. و هذه الحجب الوجودیّة ممّا أسدلها الشیطان على قلوب بنی آدم، فعمیت علیهم أسرار معانی القرآن.
و قیل: «موانع الفهم هی الأکنّة الّتی تمنع من الفقه، قال الله -تعالى -: (وَ جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَکِنَّةً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذَانِهِمْ وَقْراً)(78)»؛
و کالتخصّص، و هو أن یقدّر العبد انّه هو المقصود بکلّ خطابٍ، فإذا سمع فی القرآن أمراً و نهیاً أو وعداً أو وعیداً قدّر أن الخطاب معه، فلیعمل بمؤدّاه؛ و إن سمع قصص الأوّلین و الأنبیاء -علیهم السلام – فلیذعن انّ اللفظ غیر مقصودٍ، بل الإعتبار.
فلیعتبر کیف لایقدّر هذا و القرآن ما نزّل على الرسول – صلّى الله علیه و آله و سلّم – خاصّةً!، بل (شِفَاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِینَ)(79) و لهذا أمر الله الکافّة بشکر هذه النعمة العمیمة، فقال: (وَ اذْکُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَیْکُمْ وَ مَا أَنْزَلَ عَلَیْکُمْ مِنَ الْکِتَابِ وَ الْحِکْمَةِ یَعِظُکُمْ)(80)، و قال: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَیْکُمْ کِتَاباً فِیهِ ذِکْرُکُمْ)(81)، و قال: (وَ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَ هُدىً)(82)؛
و کالاستشعار بعظمة الکلام باستشعار تعظیم المتکلّم، فتحضر فی قلبک العرش و الکرسیّ و السماوات و الأرض و مابینهما، و تتذکّر انّ الخالق لجمیعها واحدٌ و انّ الکلّ فی قبضة قدرته ومردودون بین فضله و رحمته، و انّک ترید أن تقرأ و تنظر به إلى صفة ذاته و تطالع جمال علمه و حکمته، و تعلم انّه لولا أنوار کلامه العزیز و عظمته غشیت بکسوة الحروف و الأصوات لعظمته و سلطانه؛ فالله لطیفٌ بعباده حیث أنزل إلیهم نور کلامه فی
لیالی الأکوان الطبیعیّة و حجب الصفات البشریّة. و لولا أن یثبّت الله موسى – علیه السلام – لما أطاق سماع کلامه، کما لم یطق الجبل مبادی تجلّیه حیث صار دکّاً دکّاً(83) !.
ثمّ العجب انّ هذا الکلام مع نزوله فی طیّ هذه الحجب الجسمانیّة لم یمنع عن مشاهدة أنوار الحکمة و لمعات جمال الأحدیّة، بل تنوّرت الحروف و الأصوات بنور المتکلّم و تشرّفت الکتابة و الأرقام بشرفه؛ فکان الصوت للحکمة جسداً و مسکناً و نور الحکمة للصوت نفساً و روحاً. فکما انّ أجساد البشر تکرّم بکرامة الروح، فکذلک أصوات الکلام تکرّم و تشرّف بشرف الحکمة الّتی فیها؛ فتبصّر!.
و کالتأثّر و الوجد، و هو أن یتأثّر باطنه و یتنوّر قلبه بأنوار الکلام و یتفنّن أحواله بحسب اختلاف الآیات، فیکون له بحسب کلّ فهمٍ وجدٌ و حالٌ – من الحزن و الخوف و الخشیة و الرجاء و الفرح -؛ فانّ الشوق و الوجد مقناطیس القرب من عالم التوحید و الملکوت، و من اشتدّ شوقه اشتدّ انجذابه و اتّصاله.
و تأثّر العبد بالتلاوة و التدبّر هو أن یصیر قلبه بصفة الآیة المذکورة و یتخلّق بها، فعند الوعد یتضأّل من خیفته کأنّه یکاد یموت!؛ و عند التوسیع و وعد المغفرة یستبشر کأنّه یطیر من الفرح!؛ و عند ذکر صفات الله و أسمائه یتطأطأ خضوعاً لجلاله و عظمته؛ و عند ذکر الکفّار ما یستحیل علیه – کذکرهم لله ولداً و صاحبةً! – یغضّ صوته و ینکسر فی باطنه حیاءً من قبح مقالتهم؛ و عند ذکر الجنّة ینبعث من باطنه شوقاً إلیها؛ و عند وصف النار ترتعد فرائضه خوفاً منها.
و لمّا قال رسول الله – صلّى الله علیه وآله و سلّم – لعبد الله بن مسعود: «اقراء علیّ» قال: افتتحت سورة النساء، فاذا بلغت إلى قوله -تعالى -: (فَکَیْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنَا بِکَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِیداً)(84) رأیت عینیه تذرفان بالدمع!، فقال لی: «حسبک
الآن»(85)؛ و هذا لأنّ مشاهدة تلک الحال استغرقت قلبه بالکلّیّة.
و قد کان فی الخائفین من خرّ مغشیاً علیه عند آیات الوعید!، و منهم من مات فی سماع تلک الآیات!. فینبغی لتالی القرآن أن یتّصف ذاته بتمثّل هذه الأحوال حتّى یخرج عن أن یکون حاکیاً فی کلامه، فاذا قال: (إِنِّی أَخَافُ إِنْ عَصَیتُ رَبِّی عَذَابَ یَومٍ عَظِیمٍ)(86)، فإذا لم یکن خائفاً کان حاکیاً؛ و إذا قال: (عَلَیْکَ تَوَکَّلْنَا وَ إِلَیْکَ أَنَبْنَا)(87) و لم یکن حاله التوکّل و الإنابة کان حاکیاً؛ وإذا قال: (وَ لَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَیْتُمُونَا)(88) فلیکن حاله الصبر على الأذى و العزیمة علیه حتّى یجد حلاوة التلاوة و فضیلة التدبّر و حسن التخلّق. فان لم یکن بهذه الصفات و لم یتردّد قلبه بین هذه الحالات کان حظّه من تلاوة القرآن حرکة اللسان مع صریح اللعن على نفسه فی قوله -تعالى -: (أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِینَ)(89)، و فی قوله: (وَ هُمْ فِی غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ)(90)، و فی قوله: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِکْرِنَا وَ لَمْ یُرِدْ إِلاَّ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا)(91) -… إلى غیر ذلک من الآیات -؛ و کان داخلاً فی مصداق قوله: (وَ مِنْهُمْ أُمِّیُّونَ لاَیَعْلَمُونَ الْکِتَابَ إِلاَّ أَمَانِیَّ)(92) – یعنی: التلاوة المجرّدة -، و فی قوله: (وَ کَأَیِّنْ مِنْ آیَةٍ فِی السَّمَاوَاتِ وَ الاَرْضِ یَمُرُّونَ عَلَیْهَا وَ هُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)(93) و بالجملة فلیکن حاله حال قومٍ وصفهم الله بقوله: (الَّذِینَ إِذَا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذَا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آیَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِیمَاناً وَ عَلَى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ)(94) إذ القرآن إنّما یراد لاستجلاب هذه الإحوال، إذ بهذه الأحوال یزید القرب و المنزلة عند الله و مشاهدة جلاله و عظمته؛ و هی أشدّ مراتب المعرفة. فالمعرفة هی المبدء و الغایة، لأنّها عین المعروف بها إذا کملت و تمّت.
و لیظهر أثر کلّ ذلک على جوارحک من بکاءٍ عند الحزن و عرق جبینٍ عند الحیاء و اقشعرار جلدٍ و ارتعاد فرائض عند الهیبة و الإجلال و انبساطه فی الأعضاء و اللسان و الصوت عند الاستبشار و انقباضٍ فیها عند الاستشعار، فإذا فعلت ذلک اشترک فی نیل حظّ القرآن جمیع أجزائک و فاضت آثار القراءة على عوالمک الثلاث – أعنی: عالم الملکوت، و عالم الجبروت، و عالم الشهادة -؛ لأنّک مرکّبٌ من العوالم الثلاث، و فیک من کلّ عالمٍ جزءٌ.
و یستحبّ البکاء و التباکی لمن لایقدر علیه – و الحزن و الخشوع – بالکتاب و السنّة، قال الله -تعالى -: (وَ یَخِرُّونَ لِلاَْذْقَانِ یَبْکُونَ وَ یَزِیدُهُمْ خُشُوعاً)(95)؛ و عن أبی عبدالله – علیه السلام -: «إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرأوه بالحزن»(96)
لمعةٌ عرشیّةٌ
اعلم! أنّ أنوار المعرفة تفیض من عالم الملکوت، فمفیضه سرّ القلب – لأنّه من الملکوت -؛ و أمّا آثارها – من الخشیة و الخوف و السرور و الهیبة و سائر الأحوال – فانّها تهبط من عالم الجبروت، فمهبطه الصدر الّذی هو من عالم الجبروت، و هو عالمٌ آخر من عالمک.
و کنّینا عن الأوّل بالقلب، لأنّ عالم الجبروت بین عالم الملکوت و عالم الشهادة، کما انّ الصدر بین القلب و الجوارح.
فأمّا البکاء و الشهقة و الإقشعرار و الإرتعاد فیه فینزل فی عالم الشهادة، و مهبطه الجوارح – لأنّها من عالم الشهادة -.
و ما أراک تفهم من القلب غیر اللحم الصنوبریّ الشکل، و من الصدر إلّا العظام المحیطة به، فانّک لاتدرک من کلّ شیءٍ إلّا غلافه و قشره!. و ما أبعدک!!، فانّ هذا یوجد للمیّت و
البهیمة و ماینزّل علیه شیءٌ – لاأنوار المعارف و العلوم و لاآثارها من الخشیة و الهیبة -.
و إن أردت أن تستنشق شیئاً من روائح هذه الأسرار فعلیک بباب التوحید، فانّ من لم یدرک من الفعل إلّا النقوش أو الألوان أو الروائح أو الطعوم فلم یکن یعتقد الفاعل إلّا نقّاشاً أو صبّاغاً أو عطّاراً أو طاعماً!. فینبغی أن تتدبّر فی الفعل تدبّراً کاملاً بحدّه و حقیقته لیشهد فی الفعل الفاعل دون الفعل، و من عرف الحقّ رآه فی کلّ شیءٍ – إذ کلّ شیءٍ فمنه و إلیه و به و له -، فهو الکلّ على التحقیق فی وحدةٍ؛ و من لایراه فی کلّ مایراه فکأنّه ما عرفه؛ قال أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: «ما رأیت شیئاً إلّا و رأیت الله فیه»(97) و من عرفه عرف انّ کلّ شیءٍ ما خلا الله باطلٌ(98)، و انّ (کُلّ شَیْءٍ هَالِکٌ إِلاَّ وَجْهَهُ)(99) أی: هالکٌ إن أعتبر شیئیّته و وجوده لنفسه، لا أن یعتبر وجوده من حیث انّه موجودٌ بالله و بقدرته؛ فیکون له بطریق التبعیّة ثباتٌ و بطریق الأصالة بطلانٌ محضٌ. و هذا البطلان غیر بطلان المهیّات و الأعیان الثابتة إذا أخذت من حیث هی أو مجرّدةً عن الوجود، فانّها من تلک الحیثیّة باطلة الوجود غیر ثابتة الشیئیّة؛ بخلاف الهویّات الوجودیّة، فانّها مأخوذةٌ على وجه الإستقلال باطلاتٌ صرفةٌ؛ و هذا مفتاحٌ من مفاتیح علوم المکاشفة!.
وصلٌ عرشیٌّ
اعلم! أنّ القرآن کالشمس، و فیضان أسرار المعرفة منه على القلب کفیضان أنوار الشمس على الأرض، و سریان آثار الخشیة و الخوف و الهیبة و سائر الأحوال منه على الصدر کسریان حرارة الشمس فی باطن الأرض تابعاً لإشراق الأنوار؛ فانّ الخشیة أثر نور
المعرفة – و (إنَّمَا یَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(100) -. و انتشار الحرکات و التغیّرات إلى الجوارح – من البکاء و العرق و الاقشعرار و الارتعاد منبعثاً من آثار الخشیة و سائر أحوالها- کحرکة أجزاء الأرض بتصاعد الأبخرة و الأدخنة منها بتصعید الحرارة؛ فالحرکة تبع الحرارة، و الحرارة تبع النور، و النور تبع المحاذاة بین الأرض و الشمس. فاجتهد أن تحاذی بوجه قلبک شطر شمس القرآن و تستضیء بأنواره؛
و کالترقّی بقلبه إلى أن یسمع الکلام من الله، لا من نفسه – و قد مرّ معنى سماع الکلام من الله فی مفتتح الکتاب -. و الغرض هیهنا الإشارة إلى درجات القراءة؛ و هی ثلاثٌ؛
أدناها: أن یقرأ العبد کأنّه یقرأ على الله واقفاً بین یدیه و هو ناظرٌ إلیه، فیکون حاله عند هذا التقدیر السؤال و التملّق و التضرّع و الإبتهال؛
الثانیة: أن یشهد بقلبه کأنّ ربّه یخاطبه بألطافه و یناجیه بإنعامه و إحسانه، فمقامه الحیاء و التعظیم و حاله الاصغاء و الفهم؛
و أعلاها: من یرى فی الکلام المتکلّم و فی الکلمات الصفات، فلاینظر إلى نفسه و لا إلى تعلّق الإنعام به من حیث انّه منعمٌ علیه، بل یکون مقصور الهمّ على المتکلّم موقوف الفکر علیه – کأنّه مستغرقٌ بمشاهدة المتکلّم عن غیره -. و هذه درجة المقرّبین؛ و ما قبله فهو درجات الیمین؛ و ما خرج عن هذا فهو درجات الغافلین.
و عن درجة المقرّبین أخبر الإمام الهمام جعفر بن الصادق – علیه السلام -، فقال: «و الله لقد تجلّى الله لخلقه فی کلامه و لکنّهم لایبصرون!»(101)؛
و قد سألوه عن حالةٍ لحقته فی الصلاة حتّى خرّ مغشیاً علیه!، فلمّا سرى عنه قیل له فی ذلک؟؛ فقال – علیه السلام -: «مازلت أردّد هذه الآیة حتّى سمعتها من المتکلّم بها
فلم یثبت جسمی لمعاینة قدرته»(102) قال شیخنا البهائیّ فی المفتاح(103): «لسان(104) الصادق – علیه السلام – کان فی ذلک الوقت کشجرة الطور عند (إِنِّی أَنَا اللَّهُ)(105)؛ و قیل بلسان الفارسیّ(106):
روا باشد أنا الحق(107) از درختى++
چرا نبود روا از نیک بختى(108)
و فی مثل هذه الدرجة تعظم الحلاوة و لذّة المناجاة، و لذلک قال بعض الحکماء: «کنت أقرأ القرآن فلاأجد له حلاوةً حتّى تلوته کأنّی أسمعه من رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – یتلوه على أصحابه!، ثمّ رفعت إلى مقامٍ فوقه فکنت أتلوه کأنّی أسمعه من جبرئیل – علیه السلام – یلقیه على رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – !، ثمّ جاء بمنزلةٍ أخرى فأنا الآن أسمعه من المتکلّم!!؛ فعندها وجدت لذّةً و نعیماً لاأصبر عنه»(109)؛
و کذلک قال بعضهم: «کابدت القرآن عشرین سنةً و تنعّمت به عشرین سنةً»(110) و عند ذلک یکون العبد متمثّلاً بقوله: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)(111)، و لقوله: (لاَتَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ)(112) بل التوحید الخالص أن لایرى فی کلّ شیءٍ إلّا الله الواحد القهّار و التبرّی من حوله و قوّته، و من الإلتفات إلى نفسه بعین الرضا و التزکیة. فإذا تلى آیات الوعد و المدح للصالحین فلایشهد لنفسه عند ذلک، بل للموقنین و المحسنین و یتشوّق أن یلحقه الله بهم؛ و
إذا تلى آیات المقت و الذمّ للعصاة یشهد نفسه هناک.
و الوجه فی هذا: انّ الإنسان لمّا کان من شأنه أن یتطوّر بأطوار الوجود و یتحرّک من حضیض النقص إلى ذروة الکمال و المتحرّک فی کلّ مقولةٍ یجب أن یکون حاله بحسب تلک المقولة ما بین محوضة الفعل و صرافة القوّة – إذ متى حصلت له فعلیّة تلک المقولة انقطعت حرکته -، فکذلک النفس فی تدرّجها إلى مراتب الکمال یجب أن یکون منکسرة البال خائفةً خاشیةً وجلةً غیر راضیةٍ بشأنها و حالها الّتی فیها، حتّى یقع لها الترقّی إلى حالةٍ فوقها؛ فإذا رأى الإنسان نفسها بصورة التقصیر کان رؤیته سبب قربه، فانّ من أشهد البعد فی القرب لطف له الخوف حتّى یسوقه إلى درجةٍ أخرى فی القرب وراءها، و من أشهد القرب فی البعد مکر به الأمن و یفضیه إلى درجةٍ أخرى فی البعد أسفل ممّا کان فیه؛ و مهما کان أشهد نفسه بعین الرضا صار محجوباً بنفسه. و إذا جاوز حدّ الإلتفات إلى نفسه و لم یشاهد إلّا الله فی تلاوته انکشف له الملکوت.
و بعد أن یتبرّى القارىء عن حول النفس و قوّتها و لم یلتفت إلیها تقع له مکاشفاتٌ بحسب أحوال المکاشف، فحیث یتلوا آیات الرجاء یغلب على حاله الإستبشار و ینکشف له صورة الجنّة – کأنّه یراها عیاناً! -، و إن غلب علیه الحزن کوشف بالنار حتّى یرى أنواع عذابها!. و ذلک لأنّ کلام الله مشتملٌ على السهل اللطیف و الشدید العسوف، و المرجوّ و المخوف، و ذلک بحسب أوصافه – إذ منها الرحمة و اللطف و الإنتقام و البطش -. فبحسب مشاهدة الکلمات و الصفات ینقلب القلب فی إختلاف الحالات، و بحسب کلّ حالةٍ منها یستعدّ للمکاشفة بأمرٍ یناسبها، إذ یستحیل أن یکون حال المستمع واحداً و المسموع مختلفاً فیه – إذ فیه کلام راضٍ و کلام غضبانٍ و کلام منعمٍ و کلام منتقمٍ و کلام جبّارٍ و کلام متکبّرٍ لایبالی و کلام حنّانٍ متعطّفٍ لایهمل -.
فهذه عشرة آدابٍ للمتأمّل التالی للقرآن نقلنا من الإحیاء من غیر کثیر تفاوتٍ مع زوائد وشّحناها و أردفناها زیادةً فی الإستبصار و تکثیراً لفوائد أهل النظر و الإعتبار.
و لکن المتّبع ما ورد عن أهل بیت الأطهار؛ روى فی الکافی(113) بإسناده عن أبی بصیرٍ انّه قال لأبی عبدالله – علیه السلام -: «جعلت فداک! أقرء القرآن فی شهر رمضان فی لیلةٍ؟
فقال: لا!
قال: فی لیلتین؟
قال: لا!
قال: و فی ثلاثٍ؟
قال: ها! و أشار بیده؛ ثمّ قال: یا أبا محمّدٍ! انّ لرمضان حقّاً و حرمةً، و لایشبهه شیءٌ من الشهور. و کان أصحاب محمّدٍ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – یقرأ أحدهم القرآن فی شهرٍ أو أقلّ، انّ القرآن لایقرأ هذرمةً و لکن یرتّل ترتیلاً؛ و إذا مررت بآیةٍ فیها ذکر الجنّة فقف عندها و سل الله -تعالى – الجنّة، و إذا مررت بآیةٍ فیها ذکر النار فقف عندها و تعوّذ بالله من النار».
– بیانٌ: «الهاء»: کلمة إجابةٍ یعنى بها: نعم؛ و «الهذرمة»: السرعة فی القراءة -.
و فی مصباح الشریعة عن الصادق – علیه السلام – انّه قال: «من قرء القرآن و لم یخضع له(114) و لم یرقّ علیه و لم ینشىء حزناً و وجلاً فی سرّه فقد استهان بعظم شأن الله و خسر خسراناً مبیناً!. فقارىء القرآن یحتاج(115) إلى ثلاثة أشیاء:
قلبٍ خاشعٍ؛
و بدنٍ فارغٍ؛
و موضعٍ خالٍ. فإذا خشع لله قلبه فرّ منه الشیطان الرجیم(8)؛ و إذا(116) تفرّغ نفسه من الأسباب تجرّد قلبه للقراءة فلایعترضه(117) عارضٌ فیحرمه نور القرآن و فوائده؛ و إذا(116) اتّخذ
مجلساً خالیاً و اعتزل من(118) الخلق بعد أن أتى بالخصلتین الأولیین(119) استأنس روحه و سرّه بالله و وجد حلاوة مخاطبات الله عباده الصالحین و علم لطفه بهم و مقام اختصاصه لهم بفنون کراماته و بدائع إشاراته؛ فاذاً(120) شرب کأساً من هذا المشرب. فحینئذٍ(121) لایختار على ذلک الحال حالاً و لا على ذلک الوقت وقتاً، بل یؤثره على کلّ طاعةٍ و عبادةٍ، لأنّ فیه المناجاة مع الربّ بلاواسطةٍ»(122)
فانظر کیف تقرأ کتاب ربّک و منشور ولایتک، و کیف تجیب أوامره و نواهیه، و کیف تمتثل حدوده، فانّه کتابٌ عزیزٌ (لاَیَأْتِیهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَینِ یَدَیْهِ وَ لاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَکِیمٍ حَمِیدٍ)(123)
فرتّله ترتیلاً، و قف عند وعده و وعیده، و تفکّر فی أمثاله و مواعظه، و احذر أن تقع من إقامتک حروفه فی إضاعة حدوده. روى ثقةالإسلام(124) بسنده عن عبدالله بن سلیمان قال: «سألت أبا عبدالله – علیه السلام – عن قول الله -عزّ و جلّ -: (وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِیلاً)(125) ؟ قال: قال أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: بیّنه تبییناً(126) و لاتهذّه هذّ الشعر و لاتنثره نثر الرمل، و لکن افزعوا به(127) قلوبکم القاسیة، و لایکن همّ أحدکم آخر السورة».
و اعلم! أنّ «هذاء القراءة» – و هو الإسراع فیها – إذا أفضى إلى لفّ الکلمات و عدم إقامة الحروف لایجوز، لأنّه لحنٌ.
قال بعضهم: «و کمال الترتیل تفخیمٌ، و الإنابة عن حروفه، و أن لایدغم حرفاً فی حرفٍ»؛
و قیل: «هذا أقلّه!، و أکمله أن یقرأه على منازله، فان قرأ تهدیداً لفظ بالمتهدّد، أو تعظیماً لفظ به على التعظیم».
وصلٌ
اعلم! أنّ لأصحاب المسالک التفسیریّة أربعة مقاماتٍ؛
فمن مسرفٍ فی رفع الظواهر، کأکثر المعتزلة و المتفلسفة حیث انتهى أمرهم إلى تغییر جمیع الظواهر فی الخطابات الشرعیّة الواردة فی الکتاب و السنة إلى غیر معانیها الحقیقیّة – کالحساب و المیزان و الصراط و الکتاب و مناظرات أهل الجنّة و أهل النار فی قول هؤلاء: (أَفِیضُوا عَلَینَا مِنَ الْمَاءِ أَو مِمَّا رَزَقَکُمُ اللَّهُ)، و قول هؤلاء: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْکَافِرِینَ)(128) -، و زعموا انّ ذلک لسان الحال!؛
و من مقترٍ غالٍ فی حسم باب العقل، کالحنابلة -: أتباع ابن حنبل – حتّى منعوا تأویل قوله: (کُنْ فَیَکُونُ)(129) و زعموا انّ ذلک خطابٌ بحرفٍ و صوتٍ یتعلّق بهما السماع الظاهریّ یوجد من الله فی کلّ لحظةٍ بعدد کلّ مکوّنٍ!؛ حتّى نقل عن بعض أصحابه انّه کان یقول: «حسم باب التأویل إلّا لثلاثة ألفاظ: قوله – علیه السلام -: «الحجر الأسود یمین الله فی الأرض»(130)، و قوله: «قلب المؤمن بین إصبعین من أصابع الرحمن»(131)، و قوله: «إنّی لأجد
نفس الرحمن من جانب الیمن»(132)
و من الناس من أخذ فی الاعتذار عنه ب-: «أنّ غرضه فی المنع من التأویل رعایة إصلاح الخلق و حسم الباب للوقوع فی الرخص و الخروج عن الضبط، فانّه إذا فتح باب التأویل وقع الخلق فی الخرق و العمل بالرأی، فیخرج الأمر عن الضبط و یتجاوز الناس عن حدّ الإقتصاد فی الإعتقاد»(133)
و قال أبوحامد الغزالیّ: «لابأس بهذا الزجر، و یشهد له سیرة السلف بأنّهم کانوا یقولون: «إقرؤوها(134) کما جاءت»، حتّى قال مالک لمّا سئل عن الإستواء: «الإستواء معلومٌ و الکیفیّة مجهولةٌ و الإیمان به واجبٌ و السؤال عنه بدعةٌ!»(135)
و أمّا المقام الثالث فهو لطائفةٍ ذهبوا إلى الإقتصاد فی باب التأویل، ففتحوا هذا الباب فی أحوال المبدء و سدّوها فی أحوال المعاد. فأوّلوا أکثر ما یتعلّق بصفات الله – من الرحمة و العلوّ و العظمة و الإتیان و الذهاب و المجیء – و ترکوا ما یتعلّق بالآخرة على ظواهرها و منعوا التأویل فیها؛ و هم الأشعریّة -: أصحاب أبی الحسن الأشعریّ -.
و زاد المعتزلة علیهم حتّى أوّلوا من صفات الله ما لم یأوّله الأشاعرة!، فأوّلوا السمع إلى مطلق العلم بالمسموعات، و البصر إلى العلم بالمبصرات؛ و کذا أوّلوا حکایة المعراج و زعموا انّه لم یکن بجسدٍ!. و أوّل بعضهم عذاب القبر و الصراط و جملةً من أحکام الآخرة، و لکن أقّروا بحشر الأجساد بالجنّة و اشتمالها على المأکولات و المشروبات و المنکوحات و الملاذّ الحسّیّة و بالنار و اشتمالها على جسمٍ محسوسٍ یحرق الجلود و یذیب الشحوم.
و من ترقّیهم إلى هذا الحدّ زاد المتفلسفون و الطبیعیّون، فأوّلوا کلّ ما ورد فی الآخرة و ردّوها إلى آلامٍ عقلیّةٍ روحانیّةٍ، و أنکروا حشر الأجساد؛ و قالوا ببقاء النفوس مفارقةً إمّا معذّبةً بعذابٍ ألیمٍ، و إمّا منعمةً براحةٍ و نعیمٍ لایدرک بالحسّ. و هؤلاء هم المسرفون عن حدّ الإقتصاد الّذی هو بین برودة جمود الحنابلة و حرارة انحلال المأوّلة.
و أمّا الإقتصاد الّذی لایفوته الغالی و لایدرکه المقصّر فشیءٌ دقیقٌ غامضٌ لایطّلع علیه إلّا الراسخون فی العلم و الحکمة و المکاشفون الّذین یدرکون الأمور بنورٍ قدسیٍّ و روحٍ إلهیٍّ، لا بالسماع الحدیثیّ و لابالفکر البحثیّ».
أقول: و کما انّ إقتصاد الفلک فی طرفی التضادّ هو عبارةٌ عن الخروج عن الأضداد – لاکاقتصاد الماء الفاتر الواقع فی جنس الحرارة و البرودة الجامع لطرفیها الممتزج منها – فکذا إقتصاد الراسخین فی العلم لیس کإقتصاد الأشاعرة، لأنّه ممتزجٌ من التنزیه فی البعض و التشبیه فی البعض – کمن یؤمن ببعضٍ و یکفر ببعضٍ! -. و أمّا إقتصاد هؤلاء فهو أرفع من القسمین و أبعد من جنس الطرفین، حیث انکشف لهم بنور المتابعة و الإقتباس عن مشکاة النبوّة أسرار الآیات و حقائق الصفات على ما هی علیها من غیر تشبیهٍ و تعطیلٍ، و تنوّر باطنهم بنورٍ قذف الله فی قلوبهم و شرح به صدورهم؛ فلم ینظروا فی معانی الألفاظ من جهة السماع المجرّد و التقلید المحض، و إلّا لأمکن التخالف بینهم و التناقض فی معتقداتهم و التنافی بین مطالبهم و مسلّماتهم کما لسائر الفرق حیث وقع التدافع بین آراء کلّ فرقةٍ منهم بواسطة تخالفٍ مّا وصل إلیهم من الروایات، کما وقع التناقض بین طائفةٍ و طائفةٍ حیث طعن کلّ لاحقٍ منهم السابق و أنکر کلّ طائفةٍ ما اعتقده الأخرى! – کما هو عادة أهل النظر و أصحاب البحث و الفکر من المعارضات و المناقضات!، (کُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا)(136) -.
و أمّا طریقة أهل الله فلاخلاف فیها کثیراً، لأنّ مأخذ علومهم و معارفهم من عند الله،
(وَ لَو کَانَ مِنْ عِندِ غَیرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اخْتِلاَفاً کَثِیراً)(137)، (وَ مَنْ لَمْ یَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)(138)
تتمّةٌ متمّمةٌ
یستحبّ التوسّط فی القراءة بین الإخفاء و الجهر، کما قال -تعالى -: (وَ لاَتَجْهَرْ بِصَلاَتِکَ وَ لاَتُخَافِتْ بِهَا وَ ابْتَغِ بَینَ ذَلِکَ سَبِیلاً)(139)، فعن الصادق – علیه السلام -: «الجهر: رفع الصوت عالیاً، و المخافة: ما لم تسمع نفسک»(140)؛
و عن أبی بصیر قال: «قلت لأبی جعفر – علیه السلام -: إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتی جاءنی الشیطان فقال: إنّما ترائی بهذا أهلک و الناس!،
قال: یا أبا محمّد! إقرء قراءةً ما بین القراءتین تسمع أهلک و رجّع بالقرآن صوتک، فانّ الله -عزّ و جلّ – یحبّ الصوت الحسن یرجّع(141) ترجیعاً»(142)
و یستحب تحسین الصوت بالقراءة کما وردت به أخبارٌ کثیرةٌ من طرق العامّة و الخاصّة، قال السیوطیّ فی الإتقان: «أخرج البزّاز(143) و غیره حدیث: «حسن الصوت زینة القرآن»، و فیه أحادیث صحیحةٌ کثیرةٌ»(144)؛ انتهى.
و عن أبی بصیر عن أبی عبدالله – علیه السلام – فی قوله -تعالى -: (وَ رَتِّلِ الْقُرآنَ
تَرتِیلاً)(145) قال: «هو أن تتمکّث فیه و تحسّن به صوتک»(146)؛
و عن الحسن بن عبدالله التمیمیّ عن أبیه عن الرضا – علیه السلام – قال: «قال رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: حسّنوا القرآن بأصواتکم، فانّ الصوت الحسن یزید القرآن حسناً»(147)؛
و روى ثقة الإسلام فی الکافی(148) بسنده عن أبی عبدالله – علیه السلام – قال: «قال النبی – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: لکلّ شیءٍ حلیةٌ و حلیة القرآن الصوت الحسن»؛
و فی روایة عبدالله بن سنان عن رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «لم یعط أمّتی أقلّ من ثلاثٍ: الجمال و الصوت الحسن و الحفظ»(149)؛
و فی روایة أبی بصیر عن رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «إنّ من أجمل الجمال الشعر الحسن و نغمة الصوت الحسن»(150)؛
و فی روایةٍ عن أبی عبدالله – علیه السلام -: «ما بعث الله نبیّاً إلّا حسن الصوت»(151)؛
و فی روایةٍ أخرى عن أبی عبدالله قال: «کان علیّ بن الحسین – صلوات الله علیه – أحسن الناس صوتاً بالقرآن. و کان السقّاؤون یمرّون فیقفون ببابه یسمعون قراءته»(152)؛
و عن علیّ بن محمّد النوفلیّ عن أبی الحسن – علیه السلام – قال: «ذکرت الصوت عنده، فقال: انّ علیّ بن الحسین – علیه السلام – کان یقرء فربّما مرّ به المارّ فیصعق من حسن صوته، و إنّ الإمام لو أظهر من ذلک شیئاً لما احتمله الناس!،
قلت: و لم یکن رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – یصلّی و یرفع صوته بالقرآن؟!،
فقال: انّ رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – کان یحمل الناس من خلقه ما یطیقون»(153)؛
و روى معاویة بن عمّار فی الصحیح قال: «قلت لأبی عبدالله – علیه السلام -: الرجل لایرى انّه صنع شیئاً فی الدعاء و فی القرآن حتّى یرفع صوته؟
فقال: لابأس، انّ علیّ بن الحسین – علیهما السلام – أحسن الناس صوتاً بالقرآن، فکان یرفع صوته حتّى یسمعه أهل الدار؛ و انّ أباجعفر – علیه السلام – کان أحسن الناس صوتاً بالقرآن فقال إذا قام اللیل و قرأ رفع صوته، فیمرّ به مارّ الطریق من الساقین و غیرهم فیقومون فیستمعون إلى قراءته»(154)؛
و فی الفقیه(155): «سأل رجلٌ علیّ بن الحسین – علیهما السلام – عن شراء جاریةٍ لها صوتٌ؟
فقال: ما علیک لو اشتریتها فذکرتک الجنّة»؛ قال: «یعنی بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل الّتی لیست بغناءٍ. فأمّا الغناء فمحظورٌ»(156)
و فی الکافی(157) و التهذیب(158) عن أبی عبدالله – علیه السلام – قال: «أجر المغنیة الّتی تزفّ العرائس لیس به بأسٌ، لیست بالّتی یدخل علیها الرجال». و فی معناه أخبارٌ أخر.
و کلام الفقیه و غیره یعطی انّ بناء الحلّ و الحرمة على ما یتغنّى به، و الحدیث الأخیر یعطی انّ لسماع صوت الإجنبیّة مدخلاً فی الحرمة.
قال فی مجمع البیان(159): «الفنّ السابع: فی ذکر ما یستحبّ للقاری من تحسین اللفظ و تزیین الصوت بقراءة القرآن»، و نقل روایاتٍ من طریق العامّة حتّى نقل روایة عبدالرحمن بن السائب قال: «قدم علینا سعد بن أبی وقّاص فأتیته مسلّماً علیه، فقال: مرحباً بابن أخی، بلغنی انّک حسن الصوت بالقرآن؟
قلت: نعم، و الحمد لله!،
قال: فانّی سمعت رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – یقول: انّ القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فابکو فإن لم تبکوا فتباکوا؛ و تغنّوا به، فمن لم یتغنّ بالقرآن فلیس منّا».
و قال: «و تأوّل بعضهم(160) بمعنى استغنوا به، و أکثر العلماء على أنّه تزیین الصوت و تحزینه»(135)؛ انتهى.
و هذا یدلّ على أنّ تحسین الصوت بالقرآن و التغنّی به مستحبٌّ عنده، و انّ خلاف ذلک لم یکن معروفاً بین القدماء؛ و کلام السیّد المرتضى فی الغرر و الدرر لایخلو عن إشعارٍ واضحٍ بذلک(161)
و فی روایة عبدالله بن سنان: «إقرؤوا القرآن بألحان العرب و أصواتها. و إیّاکم و لحون
أهل الفسق(162) و أهل الکبائر، فانّه سیجیء من بعدی أقوامٌ یرجّعون القرآن ترجیع الغناء و النوح و الرهبانیّة لایجوز تراقیهم، قلوبهم مقلوبةٌ و قلوب من یعجبه شأنهم»(163)
و المستفاد من غیر واحدٍ من الأخبار المذکورة جواز التغنّی و الترجیع و التحزین و حسن الصوت فی القرآن، بل استحبابها. و الظاهر انّ شیئاً من حسن الصوت و التحزین و الترجیع لایوجد بدون الغناء – على ما استفید من کلام أهل اللغة و غیرهم -؛ و الغناء على المشهور هو مدّ الصوت المشتمل على الترجیع المطرب(164)؛ و بعضهم على الإطراب.
و من العامّة من فسّر بتحسین الصوت؛ و منهم من قال: «من رفع صوتاً و والاه فهو غناءٌ». و لعلّ الإطراب و الترجیع مجتمعان غالباً.
و بالجملة لاخلاف عندنا فی تحریم الغناء فی الجملة، و الأخبار الدالّة علیه متضافرةٌ؛ و لکن لعدم ورود الشرع بما یضبط فالمرجع فیه إلى العرف. قال شارح اللمعة(165): «و الغنآء – بالمدّ(166) – هو: مدّ الصوت المشتمل على الترجیع المطرب، أو ما سمّی فی العرف غناءً و إن لم یطرب – سواءٌ کان فی شعرٍ أم قرآنٍ أم غیرها -. و استثنى منه المصنّف و غیره الحداء للإبل؛ و آخرون – و منهم المصنّف فی الدروس – فعله للمرأة فی الأعراس إذا لم تتکلّم بباطلٍ و لم تعمل بالملاهی و لوبدفٍّ فیه صنجٌ لابدونه، و لم یسمع صوتها أجانب الرجال، و لابأس به»؛ انتهى.
و قال صاحب المفاتیح(167): «الّذی یظهر لی من مجموع الأخبار الواردة فی الغناء و یقتضیه
التوفیق بینها: إختصاص حرمته و حرمة ما یتعطّونه(168) من الأجر و التعلیم و الإستماع و البیع و الشرى کلّها بما کان على النحو(169) المتعارف فی زمن بنی أمیّة من دخول الرجال علیهنّ و استماعهم لصوتهنّ و تکلّمهنّ بالأباطیل و لعبهنّ بالملاهی – من العیدان و القضیب و غیرها-؛ و بالجملة ما اشتمل على فعل محرّمٍ(8) دون المروّات، و إن کان مباحاً فلاینبغی لهم منه إلّا ما فیه غرض حقٍّ ممّا ورد فی المعتبرة بالإذن فیه، بل الأمر به»؛ انتهى کلامه.
و هو – کما ترى – مخالفٌ لما أجمع علیه الأصحاب!.
و قال صاحب الکفایة(170) بعد نقل الأخبار المذکورة: «و حینئذٍ نقول: یمکن الجمع بین هذه الأخبار و الأخبار الکثیرة الدالّة على تحریم الغناء بوجهین:
أحدهما: تخصیص تلک الأخبار بما عدا القرآن، و حمل ما یدلّ على ذمّ التغنّی بالقرآن على قراءةٍ تکون على سبیل اللهو – کما یصنعه الفسّاق فی غنائهم -. و یؤیّده روایة عبدالله بن سنان المذکورة، فانّ فی صدر الخبر الأمر بقراءة القرآن بالألحان – و اللحن: هو الغناء – ثمّ بعد ذلک المنع من القراءة بلحون أهل الفسق، ثمّ قوله: «سیجیء من بعدی أقوامٌ یرجّعون القرآن ترجیع الغناء»(171)؛
و ثانیهما: أن یقال: المذکور فی تلک الأخبار الغناء، و المفرد المعرّف باللام لایدلّ على العموم لغةً، و عمومه إنّما یستنبط من حیث إنّه لاقرینة على إرادة الخاصّ. و إرادة بعض الأفراد من غیر تعیینٍ ینافی غرض الإفادة و سیاق البیان و الحکمة، فلابدّ من حمله على الإستغراق و العموم. و هیهنا لیس کذلک، لأنّ الشایع فی ذلک الزمان الغناء على سبیل اللهو- من الجواری المغنیات و غیرهنّ – فی مجالس الفجور و الخمور و العمل بالملاهی و
التکلّم بالباطل و إسماعهنّ الرجال و غیرهم. فحمل المفرد على تلک الأفراد الشایعة فی ذلک الزمان غیر بعیدٍ. و یؤیّده ما رواه عبدالله بن جعفر الحمیریّ فی کتاب قرب الإسناد(172) عن علیّ بن جعفر بإسنادٍ لایبعد إلحاقه بالصحاح عن أخیه قال: سألته – علیه السلام – عن الغناء فی الفطر و الأضحى و الفرح یکون(173) ؟
قال: «لابأس ما لم یعص به»؛
و فی کتاب علیّ بن جعفرٍ(174) قال: سألته عن الغناء هل یصلح فی الفطر و الأضحى و الفرح یکون(173) ؟
قال: «لا بأس به ما لم یؤمر به»؛
و یؤیّده أیضاً روایة أبیبصیر فی الصحیح قال: قال أبو عبدالله – علیه السلام -: «أجر المغنیة الّتی تزفّ العرائس لیس به بأسٌ، لیست بالّتی یدخل علیها الرجال»(175)، إذ فیه دلالةٌ على انّ منشأ المنع دخول الرجال علیها، ففیه إشعارٌ بأنّ منشأ المنع فی الغناء بعض الأمور المحرّمة المقترن به – کالإلتهاء و غیره -.
و روى أبوبصیر أیضاً قال: سألت أبا جعفر – علیه السلام – عن کسب المغنیات؟ فقال: «الّتی یدخل علیها الرجال حرامٌ، و الّتی تدعى إلى الأعراس لیس به بأسٌ»(176)؛
و تؤیّده أیضاً روایة عبدالله بن سنان المذکورة، فانّ فی صدر الخبر الأمر بقراءة القرآن بألحان العرب ثمّ المنع من القراءة بلحون أهل الفسق ثمّ ذمّ من یرجّع فیها ترجیع الغناء. و
یؤیده أیضاً قوله – علیه السلام – فی روایة أبی بصیر: «إنّ الله -عزّ و جلّ – یحبّ الصوت الحسن یرجّع فیه ترجیعاً»(177)؛
و یؤیّده أیضاً ما یدلّ على صوت الحسن من غیر تقییدٍ.
و فی عدّةٍ من تلک الأخبار الدالّة على منع الغناء إشعارٌ بکونه لهواً باطلاً؛ و صدق ذلک فی القرآن و الدعوات و الأذکار المقروءة بالأصوات العلیّة المذکّرة للاخرة المهیّجة للأشواق إلى عالم القدس محلّ تأمّلٍ!. على أنّ التعارض وقع بین أخبار الغناء و الأخبار الکثیرة المتواترة الدالّة على فضل قراءة القرآن و الأدعیة و الأذکار مع عمومها لغةً و کثرتها و موافقتها للأصل، و النسبة بین الموضعین عمومٌ من وجهٍ، فإذن لاریب فی تحریم الغناء على سبیل اللهو و الاقتران بالملاهی و نحوهما. و إن ثبت إجماعٌ فی غیره کان متّبعاً، و إلّا بقی حکمه على أصل الإباحة؛ و طریق الإحتیاط واضحٌ»؛ انتهى کلامه.
أقول: إحتمال التقیّة فی بعض الأخبار الّذی ذکره قائمٌ، فالمصیر إلى ما ذکرناه لک أوّلاً أولى. مع أنّه فسّر بعضهم «تحسین الصوت و ترجیعه و التغنّی به فی القرآن»: بتجوید اللفظ و تقویم الحروف و حسن الأداء و تلطیف النطق بالحرف على صیغته و کمال هیئته من غیر إسرافٍ و لاتعسّفٍ و لاإفراطٍ و لاتکلّفٍ و لاتمطیطٍ له – کما یفعله أهل الفسق و أرباب الألحان الموسیقیّة -.
و لقد نقل الفاضل الشارح من بعض مشایخه: «من لیس له حسن صوتٍ و لا دربةٌ(178) له بالألحان إلّا انّه کان جیّد الأداء قیّماً بالألفاظ، فکان إذا قرء طرب المسامع و أخذ من القلوب بالمجامع»(179)
و أیضاً قال: «أخبرنی(180) جماعةٌ من شیوخی و غیرهم إخباراً بلغ التواتر عن شیخهم
الإمام تقی الدین محمّد بن أحمد الصائغ المصریّ – و کان استاذاً فی حسن الأداء و تجوید القراءة – انّه قرء یوماً فی صلاة الصبح: (وَ تَفَقَّدَ الطَّیْرَ فَقَالَ مَا لِی لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ)(181) و کرّر هذه الآیة، فنزل طائرٌ فوقع على رأس الشیخ یستمع قراءته حتّى أکملها، فنظروا إلیه فاذا هو هدهدٌ!!»(182)
قال – علیه السلام -:
اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَعَنْتَنِی عَلَى خَتْمِ کِتَابِکَ الَّذِی أَنْزَلْتَهُ نُوراً، وَ جَعَلْتَهُ مُهَیْمِناً عَلَى کُلِّ کِتَابٍ أَنْزَلْتَهُ، وَ فَضَّلْتَهُ عَلَى کُلِّ حَدِیثٍ قَصَصْتَهُ. وَ فُرْقَاناً فَرَقْتَ بِهِ بَیْنَ حَلاَلِکَ وَ حَرَامِکَ، وَ قُرْآناً أَعْرَبْتَ بِهِ عَنْ شَرَائِعِ أَحْکَامِکَ وَ کِتَاباً فَصَّلْتَهُ لِعِبَادِکَ تَفْصِیلاً، وَ وَحْیاً أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِیِّکَ مُحَمَّدٍ – صَلَوَاتُکَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ – تَنْزِیلاً.
«الکتاب» إمّا فعالٌ بنی للمفعول – کاللباس -؛ و <إمّا مصدرٌ سمّی به المفعول مبالغةً - کالخلق بمعنى: المخلوق -. و هو من: الکتب - الّذی هو: ضمّ الحروف بعضها إلى بعضٍ -، و أصله الجمع و الضمّ فی الأشیاء الظاهرة للحسّ البصریّ؛ و منه الکتیبة، للعسکر>(183) و قال الزمخشریّ: «الکتاب أصله المصدر – کالبناء -، ثمّ وسّع فأطلق على المکتوب»(184) و إذا أطلق الکتاب عند أهل الشرع فالمراد کتاب الله، و إذا أطلق عند النحاة فالمراد کتاب سیبویه، و الکتاب المبین هو اللوح المحفوظ.
و بالجملة خیر أنیسٍ فی هذا الزمان الّذی لایوجد فیه صدیقٌ صادقٌ و أنیسٌ موافقٌ هو الکتاب، یفرح عنک إذا مللت و یفیدک إذا استفدت و لایغتابک إذا هجرت و لایملّ عنک إذا
رغبت!. أنیسک فی الوحدة و جلیسک فی الخلوة و رفیقک فی الغربة و شفیقک فی الکربة، یرفعک إلى الدرجة العلیا و یوصلک إلى النعمة العظمى و یعلّمک ما لم تعلم و یغذّی روحک بالوجه الأتمّ.
سئل بعض أفاضل الملوک عن مشتهاه؟، فقال: «کتابٌ أنظر فیه و محتاجٌ أنظر له و حبیبٌ أنظر إلیه!».
و حکی انّه انزوى عالمٌ، فقیل له: «لم لاتجالس أصحابک تستأنس بهم؟
فقال: أجالس من هو أکثر خیراً و نفعاً منهم!
فقیل له: و من هم؟
قال: رسول الله و الأئمّة -علیهم السلام – و العلماء الأعلام!
قیل: و کیف ذلک؟
قال: أنظر فی الکتاب و أطالع ما زبر من أقوالهم، فکأنّی أجالسهم!».
و قیل: «القرآن بمعنى: الضمّ و الجمع، کما انّ الفرقان بمعنى: الفرق و التفصیل؛ قال الله -تعالى -: (إِنَّ عَلَینَا جَمعَهُ وَ قُرْءَانَهُ – فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ – ثُمَّ إِنَّ عَلَینَا بَیَانَهُ)(185) و الأوّل إشارةٌ إلى العلم الإجمالیّ المعروف عند العلماء بالعقل البسیط، و هو العلم بجمیع الموجودات على وجهٍ بسیطٍ إجمالیٍّ، و ذلک هو العقل الفعّال فیه تفاصیل العلوم النفسانیّة؛
و الثانی إشارةٌ إلى العلم النفسانیّ.
و الثانی – المتکثّر بصورٍ عقلیّةٍ – حاصلةٌ فی النفوس الفاضلة. و ربّما یحصل الثانی دون الأوّل، لکن الأوّل لاینفکّ عن الفرقان، دون العکس. فهذا المصحف الّذی بین أظهرنا قرآنٌ بوجهٍ و فرقانٌ بوجهٍ؛ کما هو کلام الله بوجهٍ و کتابه بوجهٍ».
اعلم! أنّ تحقیق الکتاب على وجه الصواب یحتاج إلى بسط کلامٍ فی هذا الباب. <قال أهل الکشف و الشهود: انّ کلام الله غیر کتابه، و فرّقوا بینهما بأنّ أحدهما - و هو الکلام -
بسیطٌ، و الآخر – و هو الکتاب – مرکّبٌ؛
و بأنّ الکلام من عالم الأمر و هو دفعیٌّ، و الکتاب من عالم الخلق و هو تدریجیٌ. و عالم الأمر خالٍ عن التضادّ و التکثّر و التجدّد و التغیّر – لقوله: (وَ مَا أَمرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ کَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)(186)، و قوله: (إِنَّمَا قَولُنَا لِشَیْءٍ إِذَا أَرَدنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ)(187) -؛ و أمّا عالم الخلق فمشتملٌ على التضادّ و التکثّر – (وَ لاَرَطْبٍ وَ لاَیَابِسٍ إِلاَّ فِی کِتَابٍ مُبِینٍ)(188) -؛
و انّ الکلام إذا تشخّص صار کتاباً، کما انّ الأمر إذا تشخّص کان فعلاً>(189) – کما قال: (خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَ مِنَ الاَرضِ مِثلَهُنَّ یَتَنَزَّلُ الاَمرُ بَینَهُنَّ)(190) -. فالفرق بین الکلام و الکتاب بوجهٍ کالفرق بین الأمر و الفعل؛ فالفعل زمانیٌّ متجدّدٌ – کما تقرّر فی موضعه – و الأمر بریءٌ عن التغیّر و التجدّد؛
و الکلام غیر قابلٍ للنسخ و التبدیل، بخلاف الکتاب – (یَمحُوا اللَّهُ مَا یَشَاءُ وَ یُثبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْکِتَابِ)(191) -.
و أقول: و لأحدٍ أن یقول: انّ الکلام و الکتاب واحدان بالذات متغایران بالإضافة، و هذا إنّما ینکشف بمثالٍ فی الشاهد؛ و هو: انّ الإنسان لکونه على مثال الرحمن إذا تکلّم بکلامٍ و کتب کتاباً یصدق على کلامه معنى الکتابة و یصدق على کتابته معنى الکلام.
بیان ذلک: إنّ أحداً إذا تکلّم و شرع فی تصویر الألفاظ فی الهواء الخارج من جوفه و باطنه بحسب الإستدعاء الباطنیّ النفسانیّ تنفّس و انتقش ذلک – و هو المسمّى بالنفَس الإنسانیّ الّذی هو بإزاء النفَس الرحمانیّ، و هو الإنبساطیّ المنبعث عن الباری بالإرادة الذاتیّة بحسب الإقتضاء الرحمانیّ للفیض السبحانیّ – و تصوّر بصور الحروف الثمانیة و العشرین و مایترکّب منها، کما ینشأ من الوجود الإنبساطیّ صور الحقائق و الوجودات
المقیّدة. و ذلک الفیض الوجودیّ – المسمّى عند أکابر الصوفیّة بالحق المخلوق به و الوجود المطلق – هو غیر الوجود المقیّد، و غیر الوجود الخاصّ بالهویّة الأحدیّة -تعالى عن الشبه و الشرک -؛ کما مرّ تحقیق ذلک فیما سبق.
فإذا تقرّر هذا فنقول: صور الألفاظ لها نسبةٌ إلى الفاعل – أی: ما صدرت عنه – و نسبةٌ إلى القابل – أی: ما حصلت فیه -، فهی بأحد الإعتبارین کتابةٌ و بالإعتبار الآخر کلامٌ. فالصور اللفظیّة القائمة بلوح الهواء الخارج من الباطن إذا أضیفت إلیه إضافة الصورة إلى المادّة القابلة کانت کتابةً، و حینئذٍ یحتاج إلى مصوّرٍ و ناقشٍ غیره – إذ القابل شأنه القوّة و الإستعداد، فلامحالة یفتقر إلى فاعلٍ یخرجه من القوّة إلى الفعل؛ کالنفس الناطقة فی مثالنا هذا -. فبهذا الإعتبار یکون المتکلّم بهذه الحروف و الألفاظ کاتباً و النفس الهوائیّ لوحاً بسیطاً و هذه الحروف و الألفاظ أرقاماً کتابیّةً و نقوشاً و صوراً مبصرةً مشاهدةً بالبصر؛ و إذا أضیفت إلیه – إضافة الصورة إلى الفاعل المدیم الحافظ إیّاها – کانت کلاماً و الهواء المأخوذ کذلک کان شخصاً متکلّماً ناطقاً، لاستقلاله بتصویر الحقائق من غیر فاعلٍ مبائن الذات عنه، لأنّ الجهات الفاعلیّة و القابلیّة إذا کانت على ترتیب طولیٍّ کان مرجعهما أمراً واحداً، بخلاف جهتی الفعل و القبول المتجدّدین، فإنّهما مختلفان لامحالة – کما حقّق فی مقامه -.
فإذا ظهرت لک صحّة کون الصور اللفظیّة المرتسمة فی الهواء کتابةً و کلاماً و کون الهواء أیضاً کاتباً و متکلّماً و بأحد الإعتبارین یفتقر إلى مصوّرٍ – و هی النفس الکاتبة – و بالإعتبار الآخر لایفتقر – لأنّه شخصٌ برأسه -، فقس الحال فیما فوق ذلک الشخص الهوائیّ- کالنفس الناطقة – و ما تحتها – کالقرطاس -. فالنفس المرتسمة فیها الصور العقلیّة و العلوم النفسانیّة لوحٌ کتابیٌّ بأحد الإعتبارین. و بهذا الإعتبار له وجهٌ إلى مصوّرٍ عقلیٍّ و قلمٍ علویٍّ یصوّرها بتلک العلوم و الصور، و بالإعتبار الآخر جوهرٌ متکلّمٌ ناطقٌ؛ و له وجهٌ إلى قائلٍ یقبل منها الصور و یسمع عنها الکلام؛ فافهم ما ذکرته لک فی هذا المقام؛ فإنّه عزیز المرام!.
فصحیفة وجود العالم الخلقیّ التجدّدیّ هو کتاب الله الحقیقیّ، و آیاته أعیان الموجودات؛ (إِنَّ فِی اخْتِلاَفِ اللَّیلِ وَ النَّهَارِ لاَیَاتٍ لِقَومٍ یَعْقِلُونَ)(192)
و أمّا کلمات الله التامّات فهی الهویّات العقلیّة النوریّة الّتی وجودها عین الشعور و الإشعار و العلم و الإعلام، و کما انّ کتاب الله مشتملٌ على آیات تلک الکتاب المبین فکلام الله أیضاً مشتملٌ على الآیات؛ (تِلکَ آیَاتُ اللَّهِ نَتلُوهَا عَلَیکَ بِالْحَقِّ)(193)
و اعلم! أنّ النازل على أکثر الأنبیاء – علیهم السلام – من الله هو کتابه، لا کلامه، و هذا القرآن الّذی أنزل على محمّدٍ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – کلام الله و کتابه جمیعاً باعتبارین(194)؛ و أمّا سائر الکتب السماویّة المنزّلة على سائر المرسلین – سلام الله علیهم أجمعین – فإنّها لیست بکلامٍ، بل کتبٌ یدرسونها و یکتبون بأیدیهم.
فهذا المنزّل بما هو کلام الله نورٌ من أنوار الله المعنویّة النازلة من عنده على قلب من یشاء من عباده المحبوبین – لقوله: (وَ لَکِنْ جَعَلنَاهُ نُوراً نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)(195) -، و بما هو کتاب نقوشٍ و أرقامٍ فیها آیات أحکامٍ نازلةٍ من السماء نجوماً على صحائف قلوب المحبّین و ألواح نفوس السالکین و غیرهم یکتبونها فی صحائفهم و ألواحهم الحسّیّة بحیث یتلوها کلّ تالٍ و یقرأها کلّ قارىءٍ و یتکلّم بها کلّ متکلّمٍ، و بها یهتدون و بما فیها یعلمون. و یتساوی فی هداه الناس العوامّ و الخواصّ و الأنبیاء -علیهم السلام – و الأمم – کقوله: (هُدىً لِلْنَاسِ وَ بَیِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَ الْفُرقَانِ)(196)، و قوله: (وَ أَنْزَلَ التَّورَاةَ وَ الاِنْجِیلَ – مِنْ قَبلُ هُدىً لِلنَّاسِ)(197)، و قوله: (وَ عِنْدَهُمُ التَّورَاةُ فِیهَا حُکمُ اللَّهِ)(198) -.
و أمّا القرآن العظیم الکریم ففیه عظائم الأمور الإلهیّة الّتی لایصل إلى درکها إلّا أهل الله
خاصّةً – لقوله: (وَ عَلَّمَکَ مَا لَمْ تَکُنْ تَعلَمَ وَ کَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَیکَ عَظِیماً)(199) -؛ و فیه کرائم أخلاق الله الّتی تخلّق بها رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، لقوله: (وَ إِنَّکَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِیمٍ)، و کان خلقه القرآن – کما روی انّه سئل بعض أزواج رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – عن خلقه؟
فقالت: «کان خلقه القرآن»(200) -(201)
تبصرةٌ
قیل: «اعلم! أنّ الکلام – على ما حقّقه بعض المحقّقین – حقیقةٌ فی الملفوط المسموع المرکّب من الحروف و الأصوات. و قد یراد به التکلّم، و هو إلقاء الکلام بالقدرة و الإختیار. و الأخیر صفة المتکلّم، و الأوّل لیس صفةً له و لاقائماً به، بل قائمٌ بالهواء. و التکلّم و الکلام و إن کان فینا مفتاقاً إلى آلةٍ و جارحةٍ و لکن لیست من مقتضاه، بل الحاجة من مقتضى نقصنا و عجزنا عن الإقتدار بإلقائه بدونها – کسائر صفاتنا -؛ فلاامتناع فی توصیف من جلّ و علا عن العجز و النقصان به، لإلقائه بالقدرة الکاملة و الحکمة الشاملة بأبلغ وجهٍ کلامه إلى المستمعین، فانّ ذلک من مقتضى عموم قدرته -سبحانه -. و قد أخبر الأنبیاء -علیهم السلام – بکونه -سبحانه – متکلّماً، و أتوا بکلامه مستشهداً بالمعجزات على صدقهم فی دعواهم، و کلّ ما أخبروا به تجب تصدیقهم من غیر تأویلٍ و لاصرفٍ عن الظاهر مادام الإمکان، و مع خروجه عن حدّه عند اللبّ الصریح یفتح علیه باب التأویل – تنزیهاً لساحة عزّهم عن الکذب القبیح أو الإغراء بالقبیح -. و کیف یتأتّى مثل ذلک عن مشفقٍ نصیحٍ؟!، فینبغی وجدان محملٍ صحیحٍ للکلام الفصیح صوناً لجنابهم عن الجزاف و
الإعتساف. فیقال حینئذٍ: انّ توصیفه -سبحانه – بعد إخبار الأنبیاء قد صار من المجمع علیه بین الملیّین و إن إختلفوا فی معناه».
و التحقیق – کما قاله بعض المحقّقین -: انّ المتکلّم من قام به التکلّم – أعنی: إلقاء الکلام – لا من قام به الکلام، فانّ الأخیر عارضٌ للهواء الحامل للأصوات المقطّعة، لا للمتکلّم.
و الأشاعرة توهّموا انّ الصفة هو الکلام بمعنى ما یتکلّم به، و المتکلّم عندهم هو من قام به الکلام. و بهذا المعنى أطلقوا القول بقدم القرآن و عاندوا و کفّروا من قال بحدوثه و صیّروه مبتدعاً!. ثمّ لمّا رأوا انّ الکلام بهذا المعنى لیست حقیقته إلّا الأصوات و الحروف الحادثة – الّتی یأبی العقل عن قدمها و قیامها بذاته – اخترعوا أمراً آخر و سمّوه بالکلام النفسیّ، و جعلوه مدلول الکلام اللفظیّ(202) و صیّروه غیر العلم بمدلول الألفاظ و غیر إرادة ألفاظ الکلام و غیر القدرة على ذلک و غیر حدیث النفس بذلک؛ و قالوا انّه أمرٌ واحدٌ فی نفسه لیس بخبرٍ و لاأمرٍ و لانهیٍ؛ و لایوصف بماضٍ و لاحالٍ و لااستقبالٍ؛ قالوا: و حقیقة الکلام إنّما هو هذا المعنى؛ و سمّی اللفظیّ به لکونه دالّاً علیه. و قالوا: الکلام معانٍ نفسیّةٍ قائمةٍ بذاته -تعالى -؛
و عن الحنابلة انّهم ذهبوا إلى أنّ کلامه -تعالى – حروفٌ و أصواتٌ، و هی قدیمةٌ؛ بل عن بعضهم انّه قال بقدم الجلد و الغلاف(203) !؛
و عن الکرامیّة انّهم ذهبوا إلى أنّ کلامه -تعالى – صفةٌ له مؤلّفٌ من الحروف و الأصوات الحادثة القائمة بذاته -تعالى -.
و لظهور بطلان مذاهب هؤلاء اخترعت جماعة الأشاعرة ما اخترعوه.
و عن المعتزلة و جماعةٍ من الإمامیّة انّه خلق أصواتٍ و حروفٍ دالّةٍ على المعانی فی
جسمٍ من الأجسام؛ و استدلّوا لما ذهبوا إلیه بوجوهٍ؛
منها: دعوى الضرورة من الدین فی تسمیة الکلام المنتظم المؤلّف من الحروف المفتتح بالحمد و المختتم بالمعوذات قرآناً و کلام الله -تعالى -، و على ذلک کان السلف و أکثر الخلف؛
و منها: صدق خواصّ القرآن على ما عندنا، لکونه شفاءً و ذکراً عربیّاً مسموعاً بالأسماع مکتوباً فی المصاحف مقروناً بالتحدّی مفصّلاً إلى الصور و الآیات قابلاً للنسخ وارداً عقیب إرادةٍ. و دعوى الإشتراک على خلاف الأصل، بل لو اضطرّ فالمجاز خیرٌ من الإشتراک؛
و منها: انّه لوکان أزلیّاً للزم الکذب فیما أخبر به بالماضی – مثل: (إِنَّا أَرسَلْنَا نُوحاً)(204)، و: (فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ)(205) -؛
و منها: انّ حقیقة الکلام منقسمةٌ إلى أمرٍ و نهیٍ و إخبارٍ و استخبارٍ و نداءٍ و غیر ذلک، فلوکان أزلیاً للزم السفه و البعث، و تنزّهت ساحة الحکیم عنها!؛
و منها: انّه لوکان أزلیّاً لکان أبدیّاً – لأنّ ماثبت قدمه امتنع عدمه -، فلزم منه دوام التکالیف فی دار الجزاء؛
و منها: عدم لزوم اختصاص کلامه -سبحانه – بموسى فی الطور؛ إلى غیر ذلک من الواهیات المذکورة فی المطوّلات(206) !.
على أنّ أصل کلامهم -: انّه خلق أصواتٍ و حروفٍ دالّةٍ على المعانی فی جسمٍ من الأجسام – باطلٌ، و إلّا لکان کلّ کلامٍ کلام الله.
و استدلّ الأشاعرة لما ذهبوا إلیه بأنّ المتکلّم حقیقةً من قام به الکلام، لا من أوجد الکلام فی محلٍّ آخر – للقطع بأنّ موجد الحرکة فی جسمٍ آخر لایسمّى متحرّکاً، فکذا
الکلام -؛
و بقول الشاعر:
إِنَّ الْکَلاَمَ لَفِی الْفُؤَادِ وَ إِنَّمَا++
جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِیلاً(207)
و علیه قول الإمام الرازیّ فی المحصّل(208)؛
و بأنّ من یورد صیغة أمرٍ أو نهیٍ أو إخبارٍ أو استخبارٍ أو غیر ذلک یجد أوّلاً معانیها فی نفسه ثمّ یعبّر عمّا فی نفسه بالألفاظ المسمّاة بالکلام اللفظیّ، فالمعنى الأوّل – الّذی یدور فی خلده – یکون مسمّىً بالنفسیّ.
و أجیب عن الأوّل: بأنّ إطلاق المتکلّم حقیقةً لوکان على من قام به الکلام لکان اللازم أن یکون الهواء متکلّماً، و لایخفى بطلانه!، فبقی أن یکون حقیقة التکلّم فی من ألقى الکلام إلى الغیر مخبراً عمّا فی نفسه من الألفاظ المنتظمة المتّسقة بحسب وضع اللغة.
و أمّا التمسّک بقول الشاعر – و هو الأخطل – فلاینبغی أن یکون فی مثل هذا المقام علیه المعوّل!، فانّ اللغة الشائعة الذائعة المتواترة تأبی عنه؛
و یحتمل أن یکون معنى کلام الأخطل على المبالغة و الإغراق، أو بنوعٍ من المجاز – کما هو شأن الشعر – لابیان الحقیقة؛
و أیضاً: من أین ظهر لهم انّه أراد بالکلام ماقالوه ممّا لیس بأمرٍ و لانهیٍ -… إلى آخره -؟!.
و بالجملة إعتقادنا فی الکلام لیس کما زعمته الأشاعرة، ولا کما ذهبت إلیه المعتزلة؛ بل حقیقة التکلّم إنشاء کلماتٍ تامّاتٍ و إنزال آیاتٍ محکماتٍ و أخر متشابهاتٍ فی کسوة الألفاظ و العبارات.
قال صدر الحکماء و المحقّقین فی بعض مباحث شرحه على الکافی(209): «التکلّم لیس إلّا إنشاء ما یدلّ على ضمیر المتکلّم، فالدالّ هو الکلام، و المدلول هو المعانی، و المنشىء لما یدلّ علیها هو المتکلّم، و المتکلّمیّة هی ذلک الإنشاء. فإن أرید بالکلام المعنى المصدریّ – أعنی: المتکلّمیّة – یکون من باب الإضافات و من الصفات الإضافیّة، و إن أرید به الدالّ على المعنى یکون من قبیل الأفعال، و إن أرید به کون الذات بحیث ینشأ منها مایدلّ على المعنى یکون من الصفات الّتی هی غیر زائدةٍ فی حقّه -تعالى – على الذات. لکن الظاهر من کلام الصادق(210) -علیه السلام، حیث قال: قلت: «فلم یزل الله -تعالى – متکلّماً؟
قال: فقال: إنّ الکلام صفةٌ محدثةٌ لیست بأزلیّةٍ، کان الله -عزّ و جلّ – و لایتکلّم»(211) – انّه جعله بمعنى المتکلّمیّة من الصفات الإضافیّة، لأنّ إضافته -تعالى – لاتوجد إلّا مع وجود الفعل، و الفعل حادثٌ، فالإضافة حادثةٌ؛ و لهذا قال: «کان الله -عزّ و جلّ – و لامتکلّم»، أی: الموصوف بالفعل بإضافة المتکلّمیّة»؛ انتهى کلامه.
فإذا عرفت ماذکرناه لک فی تحقیق «الکلام» و «الکتاب» فلنرجع إلى معنى «الکتاب»؛ فنقول: هو أعمّ من هذا المصحف الّذی بیننا و من مصحف العالم الخلقیّ التجدّدیّ الّذی هو کتاب الله الحقیقیّ فی العالم الکبیر – على ما عرفت -، و من المصحف الّذی هو صحیفة وجود الإنسان الکامل فی العالم الصغیر. و قد عرفت سابقاً عدم أشرفیّة هذا المصحف على القسمین الآخرین، فالنزاع الّذی وقع بعضهم فیه فی أنّ هذا القرآن الّذی بیننا أفضل أو کلام الله الناطق – الّذی هو علیّ بن أبیطالب علیه السلام -، لیس بشیءٍ!، لأنّ القرآن إن کان عبارةً عن هذه الألفاظ و النقوش الکتابیّة فلاشکّ لأحدٍ فی أفضلیّة علیٍّ – علیه السلام – عنها؛
و إن کان عبارةً عن الحقیقة فهما واحدٌ؛ فتبصّر!.
و المراد ب- «ختمه»: هو الإحاطة بجمیع أجزائه و حکمه و إشاراته المودعة فیه – کما مرّ، فتدبّر! -.
و قوله – علیه السلام -: «نوراً» منصوبٌ على الحالیّة من الضمیر العائد إلى «الکتاب».
و کونه «نوراً» قیل: «لکونه هدایةً»؛
و قیل: «بما فیه من الآیات الّتی تطرد الشبه المضلّة، مثل قوله -تعالى -: (لَو کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)(212)، و قوله: (لاَ أُحِبُّ الافِلِینَ)(213)، و قوله: (فَاسْئَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا
یَنْطِقُونَ)(214) -. و کلّ ما جاء فی معرض الدلالة فهو من کونه نوراً، لأنّ النور هو منفّر الظلم»؛
و قیل: «هو سبب وقع نور الإیمان فی القلب»؛
و قیل: «لأنّه یدرک به غوامض الحلال و الحرام».
هذا ماذکروه؛ و التحقیق: انّه نورٌ عقلیٌّ ینکشف به أحوال المبدء و المعاد و یتراءى به حقائق الأشیاء، و یهتدى به فی سلوک یوم القیامة و طریق الجنّة، کما قال -تعالى -: (مَا کُنتَ تَدرِی مَا الْکِتَابُ وَ لاَ الاِیمَانُ وَ لَکِنْ جَعَلنَاهُ نُوراً نَهْدِی بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَ إِنَّکَ لَتَهْدِی إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِیمٍ)(195)، و قال -تعالى -: (قَدْ جَاءَکُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ کِتَابٌ مُبِینٌ – یَهدِی بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَ یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ یَهْدِیهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِیمٍ)(215) ففی قوله: (نُور) إشارةٌ إلى مرتبة العقل القرآنیّ البسیط؛ و قوله: (کِتَاب) إشارةٌ إلى مرتبة العلم التفصیلیّ – کما قال: (کِتَابٌ فُصِّلَتْ آیَاتُهُ)(216)، و قال: (کِتَابٌ أُحکِمَتْ آیَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَکِیمٍ خَبِیرٍ)(217)، و قال: (تَفْصِیلُ الْکِتَابِ لاَرَیبَ فِیهِ)(218) -.
و قد مرّ تعریف النور فیما مرّ؛ فتذکّر!.
و قوله – علیه السلام -: «مهیمناً» أی: شاهداً و رقیباً على أنّ الکتب السماویّة السابقة علیه حقٌّ؛ و فیه تلمیحٌ إلى قوله -تعالى – فی المائدة: (وَ أَنْزَلنَا إِلَیکَ الْکِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَینَ یَدَیهِ مِنَ الْکِتَابِ وَ مُهَیْمِناً عَلَیهِ)(219) قال الفاضل الشارح: «و فی «المهیمن» خلافٌ؛ قال الخلیل(220) و أبوعبیدة: «هو اسم فاعلٍ من: هیمن على کذا یهیمن أی: صار رقیباً علیه و حافظاً»؛ و قال الزمخشریّ: «المهیمن: الرقیب على کلّ شیءٍ الحافظ له، مفیعلٌ من الأمن، إلّا أنّ همزته قلبت هاءً»(221)؛ قال صاحب الکشف: «و تحقیقه انّ أیمن – على فیعل – مبالغة أمن من العدوّ، و الزیادة فی الیاء؛ و إذا قلت: من الراعی الذئب عن الغنم مثلاً دلّ على کمال حفظه و رقبته. فالله أمن کلّ شیءٍ سواه على خلقه و ملکه لإحاطة علمه و کمال قدرته. ثمّ استعمل مجرّداً للدلالة بمعنى الرقیب و الحفیظ على الشیء من غیر ذلک المفعول للمبالغة فی کمال الحفظ. و هو أولى من جعله من الأمانة نظراً إلى أنّ الأمین على الشیء حافظٌ له، إذ لاینبىء عن المبالغة، و لا عن شمول العلم و القدرة»؛ و جعله الجوهریّ من: أمن غیره من الخوف، قال: «و أصله آمن»(222)؛ فهو مأمنٌ – بهمزتین -، قلبت الهمزة الثانیة کراهةً لاجتماعهما، فصار مأیمن، ثمّ صیّرت الأولى هاءً – کما قالوا: هراق الماء و إراقه -. کأنّه -تعالى – بحفظه إیّاهم صیّرهم آمنین. و حرف الإستعلاء لتضمین معنى الإطّلاع و نحوه.
و أنت تعلم انّ الإشتقاق على ماذکره العلّامة أولى، و الخروج من القیاس فیه أقلّ»(223)؛ انتهى.
قوله – علیه السلام -: «و فضّلته على کلّ حدیثٍ قصصته». «تفضیل القرآن» على
سائر کلام الله ظاهرٌ من حیث إنّه ینکشف به أحوال المبدء و المعاد و یتراءى به حقائق الأشیاء و الدین الّذی هو أفضل الأدیان و الشرائع الّتی هی أکمل الشرائع.
و کونه أحسن الحدیث لفرط فصاحته و بلاغته الّتی تعجز عن معارضته فصحاء عدنان و بلغاء قحطان. و لإعجازه و اشتماله على جمیع ما یحتاج المکلّف إلیه – کما قال: (وَ لاَرَطْبٍ وَ لاَیَابِسٍ إِلاَّ فِی کِتَابٍ مُبِینٍ)(188) – مع المواعظ و القصص و الترغیب و الترهیب.
و فی قوله – علیه السلام -: «و فرقاناً فرقت به» إشارةٌ إلى وجه تسمیة القرآن بالفرقان.
و قیل: «فیه وجوهٌ أخرى؛
أوّلها: ما مرّ؛
و ثانیها: انّه سمّی به لنزوله متفرّقاً مدّةً من الزمان؛
و ثالثها: انّ التسمیة باعتبار کونه مفروقاً بعضه عن بعضٍ، لأنّه مفصّلٌ بالسور و الآیات؛
و رابعها: بافتراقه عن سائر المعجزات بالبقاء على مرّ الأیّام؛
و خامسها: بفرقه بین الحقّ و الباطل؛
و سادسها: بما رواه ابن سنان عمّن ذکره قال: سألت أبا عبدالله – علیه السلام – عن القرآن و الفرقان، أ هما شیئان أو شیءٌ واحدٌ؟
فقال – علیه السلام -: «القرآن جملة الکتاب و الفرقان محکمه(224)»(225)؛
و قال الراغب: «الفرقان أبلغ من الفرق، لأنّه یستعمل فی الفرق بین الحقّ و الباطل، و تقدیره کتقدیر: رجلٌ قنعانٌ: یقنع به فی الحکم. و هو اسمٌ لامصدرٌ فیما قیل. و الفرق یستعمل فی ذلک و(226) غیره(8) و الفرقان کلام الله، لفرقه بین الحقّ و الباطل فی الإعتقاد و
الصدق و الکذب فی المقال، و الصالح و الطالح فی الأعمال»(227)؛ انتهى.
و قیل: «الفرقان فی الأصل مصدر: فرقت بین الشیئین فرقاً و فرقاناً – من باب قتل – أی: فصّلت، ثمّ أطلق على الفاعل مبالغةً، فهو بمعنى: الفارق».
قوله – علیه السلام -: «و أعربت» أی: أفصحت و کشفت و أظهرت.
و «شرائع» الأحکام عبارةٌ عن ظرائفها.
و «الوحی»: الإشارة و الکتابة و الکتاب و الرسالة و الإلهام و الکلام الخفیّ، و کلّما ألقیته إلى غیرک لتعلّمه. و هو مصدر: وحى إلیه یحی – من باب وعد -، و أوحى إلیه – بالألف – مثله؛ ثمّ غلب استعماله فیما یلقى إلى الأنبیاء من عندالله -تعالى -. و قد استوفینا الکلام علیه فی شرحنا للسند؛ فتذکّر!.
وَ جَعَلْتَهُ نُوراً نَهْتَدِی مِنْ ظُلَمِ الضَّلاَلَةِ وَ الْجَهَالَةِ بِاتِّبَاعِهِ، وَ شِفَاءً لِمَنْ أَنْصَتَ بِفَهَمِ التَّصْدِیقِ إِلَى اسْتِمَاعِهِ، وَ مِیزَانَ قِسْطٍ لاَیَحِیفُ عَنِ الْحَقِّ لِسَانُهُ.
و «النور» قد مرّ معناه.
و جعل القرآن «نوراً»، لأنّه مظهر نور الحقّ و العرفان، و منوّر قلوب أهل الإیمان و الصراط المستقیم و الممیّز الحقّ عن الباطل.
و کذا «الظُلَم» أیضاً قد مرّ معناه. و جمعه لتعدّد فنون الظلال و الجهل.
<و المراد ب- «ظلم الظلالة»: ظلم الکفر و الإنهماک فی الغیّ؛
و ب- «ظُلَم الجهالة»: ظُلَم المعاصی و الشبهات>(228) و جعله نوراً، لأنّ مثَل العلم فی عالم
العقل مثَل الضوء فی عالم الحسّ – کما انّ الجهل مثل الظلمة -. فکما انّ بالنور یهتدی الإنسان فی عالم الحسّ فکذا بنور العلم یهتدی فی عالم العقل.
و «اتّباع» القرآن: تلاوته و العمل به.
و «الشفاء»: البرء من الداء. جعله «شفاءً» إذ به یقع النجاة عن الأمراض النفسانیّة و الأسقام الباطنیّة و الآلآم الأخرویّة من الجهل و الحسد و الکبر و النفاق و الریاء و الرعونة و الشهوة و حبّ الجاه و سائر المهلکات و الأمراض الّتی إذا استحکمت عییت الأطبّاء الروحانیّین من علاجها؛ قوله -تعالى -: (قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفَاءٌ وَ الَّذِینَ لاَیُؤْمِنُونَ فِی آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَیْهِمْ عَمىً أُولَئِکَ یُنَادَونَ مِنْ مَکَانٍ بَعِیدٍ)(229)، یعنی: إنّ القرآن هدىً و شفاءٌ بالقیاس إلى قومٍ – و هم الّذین لم یفسد قرائحهم و لم یتغیّر فطرهم الأصلیّة الّتی فطرهم الله علیها -، و هو بعینه ضلالٌ بالقیاس إلى من فسدت قریحته و تغیّرت فطرته، کما انّ نور الشمس یقوی الأبصار و هو عمىً للخفافیش – کما فی قوله: (فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)(230) -.
و «الإنصات»: السکوت للإستماع.
و «الباء» من قوله: «بفهم التصدیق» <للملابسة؛ أی: «أنصت» ملتبساً «بفهم التصدیق». و إضافة «الفهم» إلى «التصدیق» لامیّةٌ، إذ المراد الفهم الملتبس بالتصدیق المقارن له، فهی بمعنى «اللام» الدالّة على الإختصاص.
و قیل: «الإضافة بیانیّةٌ».
و «استمع» له استماعاً: قصد و تعمّد أن یسمعه>(231)، یعنی: جعلت القرآن شفاءً عن الجهل و الضلالة لمن سکت و استمع و صدق بمضمونه؛ کما هو شأن المؤمنین، قال الله -تعالى -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذَا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذَا تُلِیَتْ عَلَیهِمْ آیَاتُهُ زَادَتْهُمْ
إِیمَاناً وَ عَلَى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ)(94)
و «المیزان» قد مرّ معناه.
و «القسط» العدل؛ و بالفتح: الجور، و القاسط: الجائر.
و «الحیف»: المیل، یقال: حاف یحیف حیفاً: مال عن الحقّ.
و «لسان» المیزان: عذبته الکائنة فی وسط العمود الّتی یعرف بها التعادل و الرجحان. سمّیت لساناً لشبهها باللسان فی الصورة، أو لدلالتها على الإستواء فی الوزن و عدمه کما یدلّ اللسان بالنطق على ما فی الضمیر. و جعل القرآن میزان قسطٍ ظاهرٌ إذا کان المراد بالقرآن هو الکتاب الّذی بین أظهرنا – إذ به ینکشف أحوال المبدء و المعاد و طریق المعاش و سلوک یوم القیامة و سبیل الجنّة؛ و بالجملة هو الصراط المستقیم -؛ و إذا کان المراد الإنسان الکامل فأظهر؛ فتبصّر!.
قال صدر الحکماء و المحقّقین: «فاعلم! أنّ الله -تعالى – قد وضع لنا میزاناً مستقیماً أنزل من السماء لنعرف(232) بها موازین النقود العقلیّة و مکائیل الأغذیة الروحانیّة و الأرزاق المعنویّة و نفهم(233) حقّها من باطلها و رابحها(234) فی سوق الآخرة من زیّفها، و علّمنا بتعلیم رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – کیفیّة الوزن بها و معرفة أقسامها الخمسة و مستقیمها عن مائلها؛ فعرفناها اتّباعاً لله و تعلّماً من کتابه المنزّل على رسوله و نبیّه الصادق المصدّق حیث قال: (وَ زِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِیمِ)(235) -(8)
فان قال قائلٌ: فما القسطاس المستقیم؟
قلنا: هی الموازین الخمسة الّتی أنزلها الله -تعالى – فی کتابه و علّم أنبیاءه الوزن بها؛ فمن تعلّم من کتابه و رسوله الوزن بها فقد اهتدى، و من عدل عنها إلى الرأی و عمل بالقیاس
فقد ضلّ و تردّى و غوى و هوى(236)
فان قلت: أین المیزان فی القرآن؟، و هل هذا إلّا إفکٌ و بهتانٌ!؟
قلنا: أ لم تسمع قوله -تعالى – فی سورة الرحمن: (وَ السَّمَاءَ رَفَعَهَا وَ وَضَعَ الْمِیزَانَ – أَلاَّ تَطْغَوا فِی الْمِیزَانِ – وَ أَقیِمُوا الْوَزنَ بِالْقِسْطِ وَ لاَتُخْسِرُوا الْمِیزَانَ)(237) ؟، و قوله فی الحدید: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ وَ أَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ وَ الْمِیزَانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)؟(238) أ تزعم انّ المیزان المقرون بالکتاب هو میزان البرّ و الشعیر و الذهب و الفضّة؟!، أ تتوهّم انّ المیزان المقابل وضعه برفع السماء فی قوله: (وَ السَّمَاءَ رَفَعَهَا وَ وَضَعَ الْمِیزَانَ)(239) هو الطیّار و القبّان؟!، ما أبعد الحسبان و أبعد هذا البهتان؟!. فاتّق الله و لاتتعسّف فی التأویل و اعلم – یقیناً! – انّ هذا المیزان هو میزان معرفة الله -سبحانه – و معرفة ملائکته و کتبه و رسله و ملکه و ملکوته لتعلّم(240) کیفیّة الوزن به من أنبیائه – علیهم السلام – کما تعلّموهم من ملائکته. فالله هو المعلّم الأوّل، و الثانی جبرئیل، و الثالث(241) رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، و الخلق(242) کلّهم یتعلّمون من الرسول، ما لهم طریقٌ فی المعرفة سواه.
فان قلت: فبم یعرف ذلک المیزان أ(243) صادقٌ أم(244) کاذبٌ؟
قلت: بیان صدق موازین القرآن معلومٌ من نفس القرآن بتعلیم النبیّ و الأئمّة – علیهم السلام -، فکما انّک تعرف میزان الذهب و الفضّة و صدقه و معرفة فرض دَینک إذا کان علیک دَینٌ حتّى تقضیه تامّاً من غیر نقصانٍ، أو کان لک على غیرک دَین حتّى تأخذه عدلاً من غیر رجحانٍ – فدخلت سوقاً من أسواق المسلمین و أخذت میزاناً من الموازین فقضیت أو استقضیت الدین حقّاً و عدلاً، فإن عرض لک شکٌّ فی بعض الموازین أخذته و رفعته و
نظرت إلى کفّتی المیزان و لسانه فإذا استوى انتصاب اللسان من غیر میلٍ إلى أحد الجانبین و رأیت مع ذلک تقابل الکفّتین عرفت انّه میزانٌ صحیحٌ صادقٌ، فلوقیل لک: هب! انّ اللسان قد انتصب على الإستواء و انّ الکفّتین تحاذیتا بالسواء، فمن أین تعلم أنّ المیزان صادقٌ؟
تقول فی جوابه: انّی أعلم ذلک علماً ضروریّاً یحصل لی من مقدّمتین: إحداهما تجربیّةٌ و الأخرى حسّیّةٌ، فالتجربیّة: انّ الثقیل یهوی إلى أسفل و انّ الأثقل أشدّ هویّاً، و الحسّیّة: انّ هذا المیزان لم یهو إحدى کفّتیّه، بل حاذت الأخرى محاذاة مساواةٍ؛ فبهاتین المقدّمتین یلزم قلبی نتیجةً ضروریّةً – و هی استواء هذا المیزان و انّ إحدى الکفّتین لوکانت أثقل لکانت أهوى -؛
ثمّ إن قیل لک: فبم تعرف الصنجة و المثقال، فلعلّه أخفّ أو(53) أثقل من المثقال؟
فتقول: إن شککت فأخذ عیاره من صنجةٍ معلومةٍ عند الأداء قابلتها بها، فإذا ساوى علمت انّ المساوی للمساوی لشیءٍ(245) مساوٍ له،
فان قیل لک: هل تعلم واضع هذا المیزان؟
تقول: لا! و ما الحاجة إلیه و قد عرفت صحّته بالمشاهدة و العیان(246)، آکل البقلة و لا أسأل من المبقلة!، فانّ واضع(247) المیزان لایراد لعینه بل یراد لصحّة المیزان و کیفیّة الوزن به، فانّ ذلک یطول و لایظفر به فی کلّ حینٍ مع أنّی لفی غنیةٍ(248) عنه -؛
فکذلک(249) الحال فی معرفة میزان المعارف الإلهیّة و کیفیّة الوزن به. و جمیع ما ذکر فی میزان الذهب و غیره حکایاتٌ و مثلٌ یوجد حقائقها لهذا(250) المیزان»(251) -… إلى آخر ما
ذکره -.
و قد عرفت مراراً فی هذا الکتاب انّ حقیقةً واحدةً لها أحکامٌ مختلفةٌ بحسب المواطن و المواقف المتعدّدة، فالمیزان کذلک – کما مرّ، فتذکّر! -.
ثمّ قال الصدر المذکور: «إذا علمت هذا فاعلم!: أنّ موازین القرآن فی الأصل ثلاثةٌ:
میزان التعادل؛
و میزان التلازم؛
و میزان التعاند؛
لکن میزان التعادل ینقسم إلى ثلاثة أقسامٍ:
الأکبر؛
و الأوسط؛
و الأصغر؛ فیصیر الجمیع خمسةً.
الأوّل: المیزان الأکبر؛ و هو میزان الخلیل – علیه السلام – الّذی قد استعمله مع نمرود، فمنه علمنا(252) أخذ المیزان بواسطة القرآن. و ذلک انّ نمرود ادّعى الألوهیّة و کان الإله عندهم بالإتّفاق عبارةً عن القادر على کلّ شیءٍ، فقال الخلیل – علیه السلام -: الإله إلهی، لأنّه الّذی یحیی و یمیت و هو القادر علیه(253)، فقال: (أَنَا أُحْیِی وَ أُمِیتُ) – یعنی: انّه یحیی النطفة بالوقاع و یمیت الإنسان بالقتل -؛ فعلم إبراهیم انّ ذلک یعسر علیه فهمه، فعدل إلى ما هو أوضح عنده، فقال: (فَإِنَّ اللَّهَ یَأْتِی بِالشَّمسِ مِنَ الْمَشرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِی کَفَرَ)(254) و قد أثنى الله -تعالى – علیه فقال: (وَ تِلکَ حُجَّتُنَا آتَینَاهَا إِبْرَاهِیمَ عَلَى قَومِهِ)(255) -… الآیة -.
فعرف من هذا انّ الحجّة و البرهان فی قول إبراهیم و میزانه، فنظرت(256) فی کیفیّة وزنه کما نظرت فی میزان الذهب و الفضّة، فرأیت فی حجّته أصلین قد ازدوجا فیتولّد منهما نتیجةٌ هی المعرفة – إذ(53) القرآن مبناه على الحذف و الإیجاز -. و کمال صورة هذا المیزان أن تقول(257): کلّ من یقدر على اطّلاع الشمس فهو الإله، فهذا أصلٌ؛ و إلهی هو القادر على الإطّلاع، هذا أصلٌ آخر؛ فیلزم من مجموعهما بالضرورة: إنّ إلهی هو الإله دونک یا نمرود!.
فانظر الآن هل یمکن أن یعترف بالأصلین معترفٌ ثمّ یشکّ فی النتیجة(258) ؟، أو هل یتصوّر أن یشکّ فی هذین الأصلین شاکٌّ؟!. فالأوّل – و هو کون الإله قادراً على کلّ شیءٍ و اطّلاع الشمس من جملتها – معلومٌ بالوضع المتّفق علیه، و الثانی – و هو قوله: القادر على الاطّلاع هو الله دونک – معلومٌ بالمشاهدة.
فان قلت: هذه لازمةٌ(259) بالضرورة هیهنا – إذ لایمکننی(260) أن أشکّ فی هذین الأصلین و لا فی لزوم هذه النتیجة -، و(261) لکنّنی لاتنفعنی إلّا فی هذا الموضع و على الوجه الّذی استعمله الخلیل – علیه السلام -، فکیف أزن بهما سائر المعارف الّتی یشکل علیّ و أحتاج إلى تمیّز(262) الحقّ فیها من الباطل؟!
قلنا: من وزن الذهب بمیزانٍ صحیحٍ یمکنه أن یزن به الفضّة و سائر الجواهر، لأنّ المیزان عرف صحّته لا لأنّه ذهبٌ بل لأنّه ذو مقدارٍ. و کذلک هذا المیزان کشف لنا عن هذه المعرفة لا لعینها، بل لأنّها حقیقةٌ من الحقائق. فتأمّل فی أنّه کیف لزم(263) النتیجة منه!، و خذ(264) روحه و جرّده عن هذا المثال الخاصّ حتّى تنتفع به حیث أردت.
و إنّما لزم لأنّ هذا الحکم على الصفة حکمٌ على الموصوف بالضرورة، فکذلک فی کلّ
مقامٍ حصلت لی معرفةٌ بالصفة للشیء و حصلت معرفةٌ أخرى بثبوت حکمٍ لتلک(265) الصفة فیتولّد منهما معرفةٌ ثالثةٌ بثبوت الحکم على الموصوف بالضرورة، فإن شککت فیه فخذ عیاره بالصنجة المعروفة عندک – کما تفعل فی میزان الذهب و الفضّة -.
فان قلت: کیف آخذ عیارها(266) کما فعلت فی میزان الذهب؟، و أین الصنجة المعروفة فی هذا الفنّ؟،
قلنا: هی العلوم الضروریّة المستفادّة إمّا من الحسّ، أو التجربة، أو غریزة العقل؛
و الثانی(226): المیزان الأوسط(8) و هو أیضاً للخلیل – علیه السلام – حیث قال: (لاَ أُحِبُّ الافِلِینَ). و کمال صورة هذا المیزان: انّ القمر آفلٌ، و الإله لیس بآفلٍ، فالقمر لیس بإلهٍ. و لکن القرآن مبناه على الإیجاز والحدف و الإضمار. أمّا حدّ هذا المیزان: فهو انّ کلّ شیئین وصف أحدهما بوصفٍ یسلب عن الآخر فهما متباینان – أی: أحدهما مسلوبٌ عن الآخر-.
و کما انّ حکم المیزان الأکبر أنّ الحکم على الأعمّ حکمٌ على الأخصّ فحدّ هذا: انّ الّذی ینفی عنه ما ثبت للاخر فهو مباینٌ لذلک(267)، فالإله ینفى عنه الأفول و القمر یثبت له الأفول، و هذا(268) یوجب التباین بینهما.
و قد علّمنا نبیّنا – صلّى الله علیه و آله و سلّم – بهذا المیزان فی مواضع کثیرةٍ من القرآن إقتداءً بأبیه الخلیل – علیه السلام -؛ فأکتف بالتنبیه على موضعین:
أحدهما: قوله: (فَلَمْ یُعَذِّبُکُمْ بِذُنُوبِکُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ)(269)، و ذلک لأنّهم ادّعوا انّهم أبناء الله -تعالى -، فعلّمه الله کیفیّة إظهار خطائهم بالقسطاس(270) المستقیم؛ و کمال
صورة هذا المیزان: انّ النبیّین لایعذّبون، و انّکم(271) تعذّبون، فإذن لستم أنبیاء(272)، فهما أصلان أحدهما تجربیٌّ(273) و الآخر مشاهدیٌّ، و یلزم(274) منهما ضرورةً نفی النبوّة؛
الثانی: قوله: (قُلْ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّکُمْ أَولِیَاءُ لِلَّهِ)(275) -… الآیة -؛ و ذلک أنّهم کانوا یدّعون الولایة، و کان من المعلوم انّ الولیّ یتمنّی لقاء ولیّه، و کان من المعلوم انّهم ما یتمنّون الموت – الّذی هو سببٌ للقاء الله -، فیلزم انّهم لیسوا بأولیاء الله.
و الثالث: المیزان الأصغر. فمبناه من الله حیث علّمه نبیّه محمّداً – صلّى الله علیه و آله و سلّم – فی القرآن، و ذلک: (وَ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ)(276) -… الآیة -. و وجه الوزن به أن تقول(257): قولهم بنفی إنزال الوحی على البشر قولٌ باطلٌ للإزدواج المنتج بین أصلین: أحدهما: أنّ موسى – علیه السلام – بشرٌ، و الثانی: أنّه منزّلٌ علیه الکتاب؛ فیلزم بالضرورة قضیّةً خاصّةً و هی: انّ بعض البشر منزّلٌ علیه الکتاب(277)، و یبطل بها الدعوى العامّة بأنّه لاینزّل الکتاب على بشرٍ أصلا. أمّا الأصل الأوّل فمعلومٌ بالمشاهدة، و أمّا الثانی فباعترافهم – و کانوا یخفون بعضه و یظهرون بعضه، کما قال تعالى: (تُبدُونَهَا وَ تُخْفُونَ کَثِیراً)(276) -.
و إنّما ذکر هذا فی معرض المجادلة، و من خاصیّة المجادلة انّه یکفى کون الأصلین مسلّمین؛
و الرابع: میزان التلازم. و هو مستفادٌّ من قوله -تعالى -: (قُلْ لَو کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا)(212)، و من قوله: (قُلْ لَو کَاَن هَؤُلاَءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا)(278) أمّا عیاره فمثل قولک: إن کانت الشمس طالعةً فالنهار موجودٌ – و هذا یعلم بالتجربة -، ثمّ تقول(279): لکنّها طالعةٌ – و
هذا یعلم بالحسّ -، فیلزم من الأصلین التجربیّ و الحسّیّ: انّ النهار موجودٌ(8) أمّا حدّ هذا المیزان فانّ کلّ ما هو لازمٌ للشیء تابعٌ له فی کلّ حالٍ، فنفی اللازم بالضرورة یوجب نفی الملزوم، و وجود الملزوم بالضرورة یوجب وجود اللازم؛ أمّا نفی الملزوم و وجود اللازم فلانتیجة لها، و کذا وجود اللازم و وجود الملزوم فکذلک لانتیجة لها، بل هو من موازین الشیطان!؛
الخامس(226): میزان التعاند. أمّا موضعه من القرآن فهو فی قوله تعلیماً للنبیّ(280) – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: (قُلْ مَنْ یَرزُقُکُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَ الاَرضِ قُلِ اللَّهُ وَ إِنَّا أَو إِیَّاکُمْ لَعَلَى هُدىً أَو فِی ضَلاَلٍ مُبِینٍ)(281)، فانّه لم یذکر قوله: (إِنَّا أَو إِیَّاکُمْ لَعَلَى هُدىً أَو فِی ضَلاَلٍ(282)) فی معرض التسویة و التشکیک، بل فیه إضمار أصلٍ آخر و هو: إنّا لسنا على ضلالٍ فی قولنا: انّه یرزقکم من السماء بإنزال الماء و من الأرض بإنبات النبات، فاذاً أنتم ضالّون بإنکار ذلک. و کمال صورة هذا المیزان: (إِنَّا أَو إِیَّاکُمْ لَعَلَى هُدىً أَو فِی ضَلاَلٍ مُبِینٍ) – هذا أصلٌ -، ثمّ نقول: و معلومٌ انّا لسنا على(283) ضلالٍ – و هذا أصلٌ آخرٌ -، فیعلم من إزدواجهما(284) نتیجةٌ ضروریّةٌ و هی: انّکم فی ضلالٍ مبینٍ.
و أمّا عیاره من الصنجات المعروفة، و هو انّ زیداً دخل داراً لیس فیها إثنان، ثمّ دخلها أحدٌ فلم یره، فیعلم ضرورةً انّه فی البیت الثانی. و أمّا حدّ هذا المیزان فهو: انّ کلّ ما انحصر فی قسمین فیلزم من ثبوت أحدهما نفی الآخر، و بالعکس و لکن بشرط أن تکون القسمة منحصرةً لامنتشرةً، فالوزن بالقسمة المنتشرة وزن الشیطان!.
و أمّا(285) موضع استعمال هذا المیزان فی الغوامض فلاینحصر، و لعلّ أکثر النظریّات یدور علیه.
فهذه هی الموازین المستخرجة من القرآن و ألقابها. و لایبعد أن یکون لها أسامی غیر ما ذکرت عند بعض الأمم السالفة على بعثة نبیّنا محمّدٍ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – کانوا قد تعلّموها من صحائف أنبیائهم – علیهم السلام – و من صحف إبراهیم و موسى و لکن قد وقع إبدال کسوتها بأسامی أخر(286)»(287)؛ انتهى کلامه.
و بالجملة میزان کلّ شیءٍ هو المعیار الّذی به یعرف قدر ذلک الشیء على اختلاف أجناس الموزونات و الموازین – کذی الکفّتین و الأسطرلاب و الفرجار و الشاقول و العروض و المنطق و العقل، و غیر ذلک -. و قد تکرّر لک فی هذا الکتاب انّ حقیقةً واحدةً لها أحکامٌ مختلفةٌ و آثارٌ کثیرةٌ و أسامی متعدّدة بحسب المواطن و المواقف المختلفة. و لذا قیل: انّ میزان یوم القیامة – أعنی: ما یوزن به العقائد و الأعمال – هو نفس العقائد الحقّة و الأعمال الصالحة التامّة من وجهٍ و غیرها من وجهٍ آخر؛
و على الأوّل قیل: «المیزان هو کلمة لا إله إلّا الله، لأنّها الفاصلة بین الإسلام والکفر و المائزة بین أهل الجنّة و النار»؛ و علیه أیضاً ورد فی الحدیث: «الصلاة میزانٌ، من وفّى استوفى»(288)؛ هذا فی الأعمال و ذلک فی العلوم.
و على الثانی ورد فی الحدیث: «انّ الموازین القسط هم الأنبیاء و الأوصیاء – علیهم السلام -»(289)، و الشریعة الّتی آتوا بها، (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِینُهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الْمُفلِحُونَ – وَ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِینُهُ فَأُولَئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)(290)
روى الصدوق(291) بإسناده عن هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبدالله – علیه السلام – عن قول الله -عزّ و جلّ -: (وَ نَضَعُ الْمَوَازِینَ الْقِسطَ لِیَومِ الْقِیَامَةِ فَلاَتُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئاً)(292) ؟، قال: هم الأنبیاء و الأوصیاء»؛
و فی روایةٍ أخرى عنهم – علیهم السلام -: «نحن موازین القسط»(9)؛
و فی الإحتجاج(293) عن الصادق – علیه السلام – انّه قیل له: أ و لیس توزن الأعمال؟
قال: «لا! لأنّ الأعمال لیست أجساماً(294)، و إنّما هی صفة ما عملوا. و إنّما یحتاج إلى وزن الشیء من جهل عدد الأشیاء و لایعرف ثقلها و(295) خفّتها، و انّ الله لایخفى علیه شیءٌ.
قیل(296): فما معنى المیزان؟
قال: العدل!
قیل: فما معناه فی کتابه: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِینُهُ)(297) ؟
قال: فمن رجّح عمله».
و فی التوحید(298) عن أمیرالمؤمنین – علیه السلام – فی قوله -تعالى -: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِینُهُ)، و: (مَنْ خَفَّتْ مَوَازِینُهُ)(299) ؟
قال: الحسنات ثقل المیزان و السیّئات خفّة المیزان».
و روی عن ابن عبّاس – رضی الله عنه -: «طول عمود المیزان ما بین المشرق و
المغرب، و کفّته کاطباق الدنیا فی طولها و عرضها، و کفّة الحسنات عن یمین العرش و کفّة السیّئات عن یساره (فِی یَومٍ کَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ)(300)»(45)
فلاتنافی بین هذه الروایات، لما دریت من اختلاف صور الحقائق باختلاف المواطن و النشئات.
وَ نُورَ هُدًى لاَیَطْفَأُ عَنِ الشَّاهِدِینَ بُرْهَانُهُ، وَ عَلَمَ نَجَاةٍ لاَیَضِلُّ مَنْ أَمَّ قَصْدَ سُنَّتِهِ، وَ لاَتَنَالُ أَیْدِی الْهَلَکَاتِ مَنْ تَعَلَّقَ بِعُرْوَةِ عِصْمَتِهِ.
شبّه «الهدى» ب- «النور» فی الدلالة على المطلوب – و التقدیر: هدىً کالنور -؛ ثمّ قدّم المشبّه به على المشبّه و أضیف إلیه – کقوله:
وَ الرِّیحُ تَبْعَثُ بِالْغُصُونِ وَ قَدْ جَرَى++
ذَهَبُ الاَصِیلِ عَلَى لُجَینِ الْمَاءِ(301)
أی: أصیلٌ کالذهب على ماءٍ کاللجین -. و فی نسخةٍ: «نوراً و هدىً».
و «الإطفاء»: الخمود.
و «البرهان»: الحجّة؛ و قیل: «بیان الحجّة و إیضاحها»(302) شبّهه فی الظهور و الإنارة بلهب النار أو سطوع النار، و إثبات الإطفاء له تخییلٌ. و تعدیة «یطفأ» ب- «عن» لتضمینه معنى الذهاب؛ و المعنى: انّ برهان نور هدى القرآن لایخمد عن الشاهدین المحتجّین به.
و «العَلَم» – محرّکاً -: ما یعلم به الطریق.
و «أمَّه» أمّاً – من باب قتل -: قصده.
و «القصد» قیل: «استقامة الطریق، فیحتاج فی إضافته إلى «السنّة» إلى تجریدٍ»؛
و هو کما ترى!.
و قیل: «مصدرٌ بمعنى: الفاعل أضیف إلى الموصوف به»؛
و هذا أیضاً بعیدٌ!. و أبعد منه جعله بمعنى: الإعتماد. و الأولى انّه بمعنى: النحو، أی: قصد نحو طریقته. و فی نسخة الشهید: «سننه»(303) بصیغة الجمع بدلٌ عن: «سنته».
و «الهلکات»: جمع هلَکَة – بفتحتین – بمعنى: الهلاک، إنّما جمعها لتنوّعها. و فی إضافة «الأیدی» إلى «الهلکات» إستعارةٌ مکنیّةٌ تخییلیّةٌ، شبّه «الهلکات» بالأعداء فأثبت لها الأیدی تخییلاً و أسند النیل إلیها ترشیحاً.
و «تعلّق» به: استمسک.
و «العروة»: الحلقة الّتی تکون لأجل أخذ الرواحل و غیرها، و هنا إستعارةٌ.
و «العصمة»: الحفظ و الوقایة؛ أی: من تشبّث بذیل عصمة القرآن لایهلک أبداً.
اللَّهُمَّ فَإِذْ أَفَدْتَنَا الْمَعُونَةَ عَلَى تِلاَوَتِهِ، وَ سَهَّلْتَ جَوَاسِیَ أَلْسِنَتِنَا بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ، فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ یَرْعَاهُ حَقَّ رِعَایَتِهِ، وَ یَدِینُ لَکَ بِاعْتِقَادِ التَّسْلِیمِ لِمُحْکَمِ آیَاتِهِ، وَ یَفْزَعُ إِلَى الاِقْرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ، وَ مُوضَحَاتِ بَیِّنَاتِهِ.
«الفاء» فصیحةٌ.
و «إذ» شرطیّةٌ.
و «أفدتنا»: من الإفادة.
<و «المعونة»: مفعُلةٌ - بضمّ العین -، و هی اسمٌ من المعاونة و المظاهرة. و قیل: «میمها أصلیّةٌ من: الماعون، و وزنها: فعولةٌ».
و «تلوت» القرآن تلاوةً: قرأته.
و «التسهیل»: التلیین.
و «الجواسی» – بالجیم و السین -: جمع جاسی، فاعلٌ من جسأ یجسؤ – من باب منع – جُسوءً – بالضمّ -: إذا یبس و صلب و غلظ. و إضافتها إلى «الألسنة» من باب إضافة الصفة إلى الموصوف>(304)؛ أو الإضافة لامیّةٌ. و فی نسخة الشهید(305): بالحاء المهملة و الشین المعجمة، جمع حاشیة، و هی: الجانب من الثوب و نحوه. و المراد بها أطراف الألسنة و حافّاتها، لأنّ مدار التعبیر علیها.
قوله – علیه السلام -: «بحسن عبارته» أی: بتلبّسه بحسن التکلّم بالقرآن و بیانه، یقال: عبّر عمّا فی نفسه أی: أعرب و بیّن؛ و قیل: «أو التقدیر: بعبارته الحسن، لا: حسن التعبیر».
و قوله – علیه السلام -: «فاجعلنا» جواب «إذ»، فانّه شرطیّةٌ.
و «حقّ رعایة» القرآن الصامت هو العمل بما فیه و الأخذ من أهل بیت النبوّة و الإجتناب عن التأویلات الزائفة، ف- «ربّ تالى القرآن و القرآن یلعنه!»(306)؛ و حقّ رعایة قرآن الناطق هو القیام بوظائف إحترامه و متابعته و التمسّک بذیله.
و قوله: «یدین» عطفٌ على «یرعاه»، أی: اجعلنا ممّن یدین – أی: یطیع – لک بسبب إعتقاده التسلیم – أو: إعتقاده للتسلیم، أو: إعتقادٍ هو التسلیم – لمحکمات القرآن. فقوله: «لمحکم» متعلّقٌ ب- «التسلیم».
<و «المحکم» فی اللغة: المتقن، من: أحکمت الشیء إحکاماً: إذا أتقنته>(307)؛ و فی الإصطلاح یقال على وجوهٍ عدیدةٍ حتّى حکى بعضهم ثلاثین قولاً فی ذلک! – کما مرّ فیما
سبق -. قیل: «المحکمات من القرآن ما لایقبل التأویل، أو یکون ظاهراً فی أحد المعنیین فیشمل النصّ و الظاهر؛ و المتشابه منه ما یتساوی معنیاه، أو یکون المراد مرجوهاً، فیشمل المجمل و المأوّل»؛
و قیل: «دلّ القرآن على أنّ کلّه محکمٌ – و ذلک قوله تعالى: هو الّذی (أَحْکَمَتْ آیَاتُهُ)(217) -، و على أنّه بتمامه متشابهٌ – و هو قوله تعالى: (کِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِیَ)(308) -، و على أنّ بعضه محکمٌ و بعضه متشابهٌ – و ذلک قوله تعالى: (هُوَ الَّذِی أَنزَلَ عَلَیکَ الْکِتَابَ مِنهُ آیَاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَ أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)(28) -.
فالمراد بکون(309) کلّه محکماً: کونه کلاماً متقناً حقّا فصیح الألفاظ صحیح المعانی لایتطرّق إلیه نقصٌ و لااختلافٌ، و کونه بحیث لایتمکّن أحدٌ من الإتیان بمثله لوثاقة مبانیه و بلاغة معانیه؛
و بکون کلّه متشابهاً: کونه یشبه بعضه بعضاً فی الحقّ و الصدق و الحسن و الإعجاز و البراءة من التناقض؛
و بکون بعضه محکماً و بعضه متشابهاً: انّ منه محکماً – و هو ما وضح معناه من غیر إحتمالٍ و لااشتباهٍ -، و منه متشابهاً – و هو نقیضه على أحد الأقوال -»(310)
و طعن بعض الملاحدة فی جعل بعض القرآن محکماً و بعضه متشابهاً، و قال: «کیف یلیق بالحکیم أن یجعل کتابه المرجوع إلیه فی دینه الموضوع إلى یوم القیامة بحیث یتمسّک به صاحب کلّ مذهبٍ؟!، فمثبت الرؤیة یتمسّک بقوله: (وُجُوهٌ یَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ – إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)(311)، و نافیها یتشبّث بقوله: (لاَتُدْرِکْهُ الابْصَارُ)(312)، و مثبت الجهة یحتجّ بقوله:
(یَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوقِهِمْ)(313)، و النافی لها یبرهن بقوله: (لَیسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ)(55)، فکلٌّ منهم یسمّى الآیات الموافقة لمذهبه محکمةً و المخالفة له متشابهةً!. و ربّما آل الأمر فی ترجیح بعضها على بعضٍ إلى وجوهٍ ضعیفةٍ و تراجیح خفیّةٍ، و هذا لایلیق بالحکمة. مع أنّه لوجعله کلّه واضحاً جلیّاً ظاهراً خالصاً عن المتشابه نقیّاً کان أقرب إلى حصول الغرض».
و أجاب الزمخشریّ: «بأنّه لو کان کلّ القرآن محکماً(314) لتعلّق الناس به – لسهولة مأخذه – و لأعرضوا عمّا یحتاجون فیه إلى الفحص و التأمّل من النظر و الإستدلال، و لو فعلوا ذلک لعطّلوا الطریق الّذی لایتوصّل إلى معرفة الله و توحیده إلّا به؛
و لما فی المتشابه من الإبتلاء و التمییز بین الثابت على الحقّ و المتزلزل فیه؛
و لما فی تقادح العلماء و إتعابهم القرائح فی إستخراج معانیه و ردّه إلى المحکم من الفوائد الجلیلة و العلوم الجمّة و نیل الدرجات عند الله؛
و لأنّ المؤمن المعتقد أن لامناقضة فی کلام الله و لاإختلاف إذا ما(315) رأى(141) مایتناقض فی ظاهره و أهمّه طلب ما یوفّق بینه و یجریه على سننٍ واحدةٍ(316) ففکّر و راجع نفسه و غیره ففتح الله علیه و تبیّن مطابقة المتشابه المحکم، إزداد طمأنینةً إلى معتقده و قوّةً فی إیقانه»(317)؛ انتهى.
قال النیشابوریّ: «و هیهنا سببٌ أقوى، و هو: انّ القرآن کتابٌ مشتملٌ على دعوة الخواصّ و العوامّ، و طباع العامّة تنبؤ فی الأغلب عن إدراک الحقائق. فمن سمع منه أوّل الأمر إثبات موجودٍ لیس بجسمٍ و لامتحیّزٍ و لامشارٍإلیه ظنّ أنّ هذا عدمٌ و نفیٌ، و وقع فی التعطیل. فکان الأصلح أن یخاطبوا بألفاظٍ دالّةٍ على بعض ما توهّموه و تخیّلوه مخلوطاً بما یدلّ على الحقّ الصریح؛ فالأوّل هو -: الّذی یخاطب به فی أوّل الأمر – من باب المتشابهات،
و الثانی -: و هو الّذی یکشف لهم آخر الحال – من قبیل المحکمات»(318)
و قال الفاضل الشارح: «و هیهنا سببٌ أقوى من ذلک أیضاً، و هو: انّ فی القرآن المجید من الأسرار الإلهیّة و المعارف الربّانیّة ما لایحتمله کلّ عقلٍ و لاینشرح له کلّ صدرٍ، فلوکان القرآن کلّه محکماً ظاهراً لضلّ کثیرٌ من العقول و زاغ کثیرٌ من القلوب. و لکن جعل بعضه محکماً – و هو ماتشترک العقول على تفاوت مراتبها فی إحتماله و تتّفق القلوب على قبوله -، و بعضه متشابهاً موکولاً علمه إلى أهله – و هم أهل الذکر المأمور بسؤالهم فی قوله تعالى: (فَاسْئَلُوا أَهْلَ الْذِکرِ إِنْ کُنْتُمْ لاَتَعلَمُونَ)(319) – لیبیّنوا للناس معناه و یوضّحوا لهم مقاصده على مقادیر عقولهم و حسب مقاماتهم و تفاوت مراتبهم؛ فیرشدون إلى کلّ مقامٍ أهله و یخفونه عن غیر أهله إذ کانوا أطبّاء النفوس. و کما أنّ الطبیب یرى أنّ بعض الأدویة لبعضٍ(320) تریاقٌ و شفاءٌ و ذلک الدواء بعینه لشخصٍ آخر سمٌّ و هلاکٌ، کذلک کتاب الله -تعالى – و الموضّحون لمقاصده من الأنبیاء الأوصیاء یرون انّ بعض الأسرار الإلهیّة شفاءٌ لبعض الصدور؛ فیلقونها إلیهم؛ و ربّما کانت تلک الأسرار بأعیانها لغیر أهلها سبباً لضلالهم و کفرهم إذا ألقیت إلیهم!؛ و لذلک قال النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «أمرت أن أکلّم الناس على قدر عقولهم»(321) و هذا أقوى الأسباب فی جعل بعض القرآن محکماً و بعضه متشابهاً؛ و الله أعلم!»(322)؛ انتهى کلامه.
أقول: الحقیق بالتحقیق ما ذکرناه لک فی اللمعة الحادیة و الأربعین من أنّ لحقیقةٍ واحدةٍ مظاهر مختلفة و منازل شتّى و قوالب متعدّدة حسب تعدّد النشئات و اختلاف المقامات، و ذلک یصیر سبباً للإختلافات الواقعة فی ظواهر الآیات و الأخبار؛ و إلّا فلاإختلاف بحسب
نفس الأمر عند الخبیر البصیر. و قد أشبعنا الکلام فی هذه اللمعة؛ فتذکّر!.
قوله – علیه السلام -: «و یفزع إلى الإقرار بمتشابهه و موضحات بیّناته»، أی: إجعلنا ممّن یلجأ إلى الإقرار بمتشابهات القرآن و موضحاته – أی: محکماته -. و فی تعبیره «الفزع إلى الإقرار» – أی: الإلتجاء به – إشارةٌ إلى ما ذکرناه لک من صعوبة حصول هذه المرتبة العظیمة للمرء بأن یرى کلّ شیءٍ فی مرتبته و موضعه – المتشابه فی محلّه و المحکم فی موضعه – بلاإختلافٍ فیهما بحسب الواقع.
و قیل: «البیّنة الموضحة من القرآن: ما دلّ على ما فی الکتب السماویّة النازلة على الأنبیاء السالفة – کصفات محمّدٍ صلّى الله علیه و آله و سلّم و غیر ذلک -، فانّه بیّنةٌ و شاهدةٌ على ما فیها مع کمال وضوحه. أو یرید ب- «البیّنة»: الحجّة، و کون القرآن حجّةً على الأعداء من المشرکین واضحٌ فی غایة الوضوح، فانّهم عجزوا عن الإتیان بمثل أقصر سورةٍ منه مع الإقتران بالتحدّی من مثل قوله -سبحانه -: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)(323) حتّى أنّهم اختاروا المقارعة على المعارضة و المقاتلة على المقابلة؛ فلوکانوا قادرین على الإتیان بمثل أقصر سورةٍ منه لترکوا القتال بالمعارضة و الجدال».
اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِیِّکَ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ – مُجْمَلاً، وَ أَلْهَمْتَهُ عِلْمَ عَجَائِبِهِ مُکَمَّلاً، وَ وَرَّثْتَنَا عِلْمَهُ مُفَسَّراً، وَ فَضَّلْتَنَا عَلَى مَنْ جَهِلَ عِلْمَهُ، وَ قَوَّیْتَنَا عَلَیْهِ لِتَرْفَعَنَا فَوْقَ مَنْ لَمْ یُطِقْ حَمْلَهُ.
الضمیر فی «أنزلته» راجعٍ إلى «القرآن».
و «الإجمال»: خلاف التفصیل، من: أجملت الشیء إجمالاً: جمعته من غیر تفصیلٍ، فهو مجملٌ.
قیل: «انّه نزّل مرّتین، فی المرّة الأولى مجملاً و فی الثانیة مفسّراً»؛
و قیل: «انّه نزّل مجملاً أی: لم یبیّن له أسراره و عجائبه المستنبطة منه حال إنزله، بل أوحاه إلیه مجملاً ثمّ ألهمه بعد ذلک علمه بالتمام – کما تدلّ علیه الفقرة الثانیة -»؛
و قیل: «إجماله بالنسبة إلى غیره – علیه السلام – لا إلیه، لیکون هو الّذی یفصّله و یبیّنه»(324)
أقول: هذا ما ذکروه فی هذا المقام(325)، و هو – کما ترى – لایسمن و لایغنی عن شیءٍ!. و الظاهر انّ المراد بإنزاله -تعالى – القرآن على نبیّه مجملاً ثمّ مفصّلاً هو بالنسبة إلى مرتبته العقلیّة القضائیّة و النفسیّة القدریّة – کما لایخفى على أهل البصیرة -.
و «الإلهام»: إلقاء الله -تعالى – الشیء فی النفس بطریق الفیض.
و «عجائب» القرآن: هی ما أودع فیه من أنواع العلوم الّتی إذا أدرکها العقل تعجّب.
و قیل: «المراد نکته و لطائفه المندرجة فی الأسلوب و المبانی و أسراره و دقائقه المطویّة فی المقصود و المعانی الّتی بعضها فوق بعضٍ».
أقول: عجائب قرآن الصامت و الناطق کثیرةٌ – کما ذکرنا نبذاً منها غیر مرّةٍ -، سیّما عجائب الحروفات الّتی وقعت فی أوائل السور؛ کما روی عن الحسین – علیه السلام – انّه سأله رجلٌ عن معنى: (کهیعص)(326) ؟، فقال – علیه السلام -: «لو فسّرتها لک لمشیت على الماء!»(9) إلّا انّه لایمکن التصریح بکلّ أسرارها لعدم الأفهام المستنیرة بنور الهدایة المستضیئة بمشکاة الیقین، و لئلّا تبدوا أسرار الله؛ کما قال ابن عبّاس لرسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: یا رسول الله! أحدّث بما أسمع؟
قال: «نعم! إلّا أن یحدّث بحدیثٍ لاتبلغ عقول القوم ذلک الحدیث فیکون على بعضهم فتنةً!»(327)
و اعلم یا أخی! أنّ العجائب و الأسرار لاتدرک إلّا بتوفیق الله -تعالى -، و لایثبت عند سماعها إلّا خواصّ أصفیاء الله، لأنّ الحجب الترابیّة طمست أنوار البصائر عن شهود عجائب الملکوت و لطائف غیوب الجبروت، فإذا سمعوا الحقائق فکأنّما (یُنَادَونَ مِنْ مَکَانٍ بَعِیدٍ)(229) أو من وراء حجابٍ حدیدٍ!. فهذا سبب کتم الأسرار من الأغیار، کما بلغنا عن علیٍّ – علیه السلام – انّه قال: «لوجمع من خیارکم بأنّه رجلٌ فأحدّثکم من عدوه إلى العشیّ ما سمعت من فیِّ أبی القاسم – علیه السلام – لتخرجنّ من عندی و أنتم تقولون: انّ علیّاً من أکذب الکذّابین و أفسق الفاسقین!»(9)؛ فتبصّر!.
و «مکمَّلاً»: اسم مفعولٍ من باب التفعیل، أو من الإفعال – کما فی نسخة الشهید – من کمل الشیء: إذا تمّت أجزاؤه و کملت محاسنه.
و «ورّثتنا علمه مفسّراً»، قیل: «أی: أمرت نبیّنا – صلّى الله علیه و آله و سلّم – بأن یجعل علم القرآن حال کونه مفسّراً مفصّلاً عندنا بأن یأخذ کلّ خلفٍ منّا عن سلفه. و هذا یدلّ على الإختصاص بهم – علیهم السلام -، <و فی الدعاء تلمیحٌ إلى قوله -تعالى -: (ثُمَّ أَورَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(328)».
قال أمین الإسلام عن الباقر و الصادق -علیهما السلام – انّهما قالا: «هی لنا خاصّةً و إیّانا عنی»(329) و هو(330) أقرب الأقوال فی الآیة، لأنّهم أحقّ الناس بوصف الإصطفاء و الإجتباء و إیراث علم الأنبیاء؛ إذ هم المتعبّدون بحفظ القرآن و بیان حقائقه و العارفون بجلائله و دقائقه»(331) >(332)
أقول: و التحقیق فی ذلک ما ذکرناه لک سابقاً من أنّ کلام الله مشتملٌ على العلم بالله و
صفاته و أفعاله و ملائکته و ملکه و ملکوته و قضائه و قدره و بدایة الخلق و نهایته. و ما من علمٍ حقیقیٍّ إلّا و فی القرآن أصله و فرعه و برهانه و تبیانه و لکن على وجه الإجمال؛ و أمّا الکشف عن رموز آیاته و أسرار بیّناته و تأویل متشابهاته و تبیین مجملاته لمن هو أهله و مستحقّه. فلیس ذلک إلى الرسول – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، بل ذلک شأن الأولیاء و الأوصیاء – علیهم السلام -. فلابدّ فی کلّ زمانٍ من ولیٍّ قائمٍ بحفظ القرآن عارفٍ برموزه و أسراره لیعلّم المؤمنین و یهتدی المهتدین و یکمّل نفوس أتباعه و شیعته المتّقین و ینوّر قلوبهم بنور المعرفة و الیقین؛ فإذن المجمل رسول ربّ العالمین و المفسّر هو أمیر المؤمنین -علیه السلام، لأنّه الموصوف بما ذکرناه، و الأحادیث النبویّة متظافرةٌ فی هذا الباب ذکرها یؤدّی إلى الإطناب -، و بعده من ینوب منابه و یقوم مقامه من أهل البیت -علیهم السلام -، إذ لایخلوا الأرض ممّن یهتدی الناس بنوره و یستضیؤن بضوئه – کما هو مبرهنٌ فی محلّه -. و بما ذکر ظهر معنى قوله: «و ورّثتنا علمه».
و «التفسیر»: التبیین و التوضیح، و المراد به هنا ما یعمّ التأویل قطعاً.
و قد اختلف العلماء فی «التفسیر» و «التأویل»؛ قال بعضهم: «التفسیر یتعلّق بالروایة، و التأویل بالدرایة»؛
و قال قومٌ: «ما وقع مبیّناً فی کتابٍ و معیّناً فی صحیح السنّة سمّی تفسیراً – لأنّ معناه قد ظهر و وضح، و لیس لأحدٍ أن یتعرّض له باجتهادٍ و لاغیره، بل یحمله على المعنى الّذی ورد لایتعدّاه -؛ و التأویل ما استنبطه العلماء العالمون بمعانی الخطاب الماهرون فی الآت العلوم»؛
و قال الطبرسیّ: «التفسیر: کشف المراد عن اللفظ المشکل، و التأویل: ردّ أحد المحتملین إلى ما یطابق الظاهر»(333)؛
و قال الراغب: «التفسیر أعمّ من التأویل؛ و أکثر استعماله فی الألفاظ و مفرداتها، و أکثر
استعمال التأویل فی المعانی و الجمل، و أکثر مایستعمل فی الکتب الإلهیّة؛ و التفسیر یستعمل فیها و فی غیرها»(334)؛
و قال المبرّد و طائفةٌ: «هما بمعنىً»(333)
هذا ما ذکروه. و الظاهر انّ التفسیر یتعلّق بالظواهر، و التأویل بالبواطن.
تبصرهٌ
قال بعض المتأخّرین من أصحابنا(335): «قد تظافرت الأخبار عن الأئمّة الأطهار -علیهم السلام – بالمنع من تفسیر القرآن و الکلام على ظواهره و استنباط الأحکام النظریّة منها للرعیّة، بل علم ذلک کلّه خاصٌّ بالأئمّة -علیهم السلام -. و هم المخاطبون بالقرآن لاغیرهم، و الرعیّة مأمورون بالرجوع إلیهم فی ذلک و طلبه منهم. و لذلک ترى مفسّری أصحابنا المتقدّمین لم یتجاوزوا النصّ – کأبی حمزة الثمالی و علیّ بن إبراهیم و العیّاشی و غیرهم -؛ و أمّا من تأخّر عنهم – کالشیخ الطوسی و الطبرسی – فانّهم نقلوا فی تفاسیرهم ما صحّ عندهم من کلام الأئمّة -علیهم السلام -، و ما لم یکن عندهم فیه شیءٌ نقلوا ما وصل إلیهم فیه من أقوال المفسّرین من العامّة بطریق الحکایة من غیر ترجیحٍ و لاردٍّ، و بیّنوا اللغات و الإعراب لا غیر؛ لأنّ علم القرآن و معرفة تنزیله و تأویله و ظاهره و باطنه و محکمه و متشابهه و ناسخه و منسوخه و عامّه و خاصّه بیّنه الله -عزّ و جلّ – لرسوله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – و بیّنه الرسول لأمیرالمؤمنین و أولاده -علیهم السلام -، و خصّهم به دون غیرهم؛ و أمر الرعیّة بسؤالهم. فإن ورد عنهم فیه شیءٌ فذاک، و إلّا فالسلامة فی السکوت. و من تکلّم فیه من أصحابنا بغیر ما ورد فعن غفلةٍ عمّا ورد فیه
المنع!.
فان قلت: من تکلّم فیه من أصحابنا لمیذکر ذلک على سبیل الجزم، و إنّما ذکره بطریق الإحتمال و الظنّ الراجح؟
قلت: هذا هو القول بغیر علمٍ، و هو منهیٌّ عنه بنصّ الکتاب!؛
فان قلت: إذا منعت من ذلک فکیف تصنع بالآیات الّتی ظاهرها الجبر و التشبیه و غیر ذلک؟!
قلت: کلّ ما فی القرآن من المتشابهات الموافق ظاهرها لما دلّ البرهان على استحالته فقد ورد تأویلها و بیان المراد منها فی السنّة المطهّرة على أحسن وجهٍ و أکمله، فلاداعی إلى تأویلها من عند أنفسنا.
و الأخبار الدالّة على ما قلناه کثیرةٌ، فمن ذلک مارواه الخاصّة و العامّة من قول النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «من فسّر القرآن برأیه فقد کفر»(336)؛
و روى الطبرسیّ فی مجمع البیان(337) عن ابن عبّاس عن رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – انّه قال: «من قال فی القرآن بغیر علمٍ فلیتبوّء مقعده من النار!»؛
و روى فی الکافی(338) عن أبی جعفرٍ – علیه السلام – قال: «ما علمتم فقولوا و ما لم تعلموا فقولوا الله أعلم، انّ الرجل لینتزع الآیة من القرآن یخرّ فیها أبعد ما بین السماء و الأرض»؛
و فی روضة الکافی(339) عن زیدٍ الشحّام قال: دخل قتادة بن دعبلة على أبی جعفرٍ -علیه
السلام – فقال: «یا قتادة! إنّک(340) فقیه أهل البصرة؟
قال: هکذا یزعمون!
فقال أبوجعفر – علیه السلام -:فان کنت تفسّره بعلمٍ فأنت أنت، و إن کنت انّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسک فقد هلکت و أهلکت!، و إن کنت أخذته من الرجال فقد هلکت و أهلکت!. ویحک یا قتادة! إنّما یعرف القرآن من خوطب به» -… و الحدیث طویلٌ أخذنا منه موضع الحاجة -. و الأخبار فی هذا المعنى کثیرةٌ»؛ انتهى ملخّصاً.
و بالجملة الأخبار فی المنع من تفسیر القرآن بالرأی کثیرةٌ؛ روی عن النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – انّه قال: «من فسّر القرآن برأیه فأصاب الحقّ فقد أخطأ!»(341)؛
و عنه – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «من فسّر القرآن برأیه فلیتبوّء مقعده من النار!»(342)؛
و عنه و عن الأئمّة القائمین مقامه – صلوات الله علیهم -: «إنّ تفسیر القرآن لایجوز إلّا بالأثر الصحیح و النصّ الصریح»(343)؛
و فی تفسیر العیّاشی(344) عن أبی عبدالله – علیه السلام – قال: «من فسّر القرآن برأیه إن أصاب لم یؤجر، و إن أخطا فهو أبعد من السماء»… إلى غیر ذلک من الأخبار الواردة فی هذا الباب.
و لایخفى انّ هذه الأخبار بظواهرها تناقض ما ورد من الأمر بالإعتصام بحبل القرآن و إلتماس غرائبه و عجائبه و التعمّق فی بطونه و التفکّر فی تخومه و جولان البصر فیه و تبلیغ
النظر إلى معانیه؛ مثل ما رواه فی الکافی(345) بإسناده و العیّاشی فی تفسیره(346) بإسناده عن الصادق – علیه السلام – عن أبیه عن آبائه -علیهم السلام – قال: «قال رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: أیّها الناس! إنّکم فی دار هدنةٍ، و أنتم على ظهر سفرٍ و السیر بکم سریعٌ!، و قد رأیتم اللیل و النهار و الشمس و القمر یبلیان کلّ جدیدٍ و یقرّبان کلّ بعیدٍ و یأتیان بکلّ موعودٍ، فأعدّوا الجهاز لبعد المجاز!.
قال: فقام المقداد بن الأسود فقال: یا رسول الله! – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، و ما دار الهدنة؟
فقال: دار بلاغٍ و انقطاعٍ، فإذا التبست علیکم الفتن کقطع اللیل المظلم فعلیکم بالقرآن، فانّه شافعٌ مشفّعٌ و ماحلٌ مصدّقٌ. و من جعله أمامه قاده إلى الجنّة، و من جعله خلفه ساقه إلى النار؛ و هو دلیلٌ یدلّ على خیر سبیلٍ. و هو کتابٌ فیه تفصیلٌ و بیانٌ و تحصیلٌ، و هو الفصل لیس بالهزل؛ و له ظهرٌ و بطنٌ، فظاهره حکمٌ و باطنه علمٌ، ظاهره أنیقٌ و باطنه عمیقٌ، له تخومٌ و على تخومه تخومٌ لاتحصى عجائبه و لاتبلى غرائبه!. فیه مصابیح الهدى و منار الحکمة و دلیلٌ على المعرفة لمن عرف الصفة» – و زاد فی الکافی: «فلیجلّ جالٌّ بصره و لیبلغ الصفة نظره ینج من عطبٍ و یخلّص من نشبٍ، فانّ التفکّر حیاة قلب البصیر کما یمشی المستنیر فی الظلمات بالنور؛ فعلیکم بحسن التخلّص و قلّة التربّص».
– بیانٌ: «ماحل» أی: یمحل بصاحبه إذا لم یتبع ما فیه – أعنی: یسعی به إلى الله -؛ و قیل: «معناه: خصمٌ مجادلٌ». و «الأنیق»: الحسن المعجب. و «التخوم» – بالمثنّاة الفوقیّة و المعجمة -: جمع تَخم – بالفتح -، و هو منتهى الشیء. «لمن عرف الصفة» أی: صفة التعریف و کیفیّة الإستنباط. و «العطب»: الهلاک. و «النشب»: الوقوع فیما لامخلص منه -.
و فی العیّاشی(347) بإسناده عنه – علیه السلام – قال: «علیکم بالقرآن، فما وجدتم آیةً نجا بها من کان قلبکم فاعملوا به، و ما وجدتموه ممّا هلک بها من کان قبلکم فاجتنبوا»؛
و فی تفسیر الإمام أبی محمّدٍ الزکیّ(348) – علیه السلام – قال: «قال رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: انّ هذا القرآن هو النور المبین و الحبل المتین و العروة الوثقى و الدرجة العلیا و الشفاء الأشفى و الفضیلة الکبرى و السعادة العظمى، من استضاء به نوّره الله، و من عقد به أموره(349) عصّمه الله، و من تمسّک به أنقذه الله، و من لم یفارق أحکامه رفعه الله، و من استشفى به شفاه الله، و من آثره على ما سواه هداه الله، و من طلب الهدى فی غیره أضلّه الله، و من جعله شعاره و دثاره أسعده الله، و من جعله أمامه الّذی یقتدی به و معوّله الّذی ینتهی إلیه أدّاه الله إلى جنّات النعیم و العیش السلیم»… إلى غیر ذلک ممّا هو فی الکتب المعتمدة مذکورٌ و فی الصحف الموثّقة مسطورٌ.
و الجمع بینهما: انّ من زعم أن لامعنى للقرآن إلّا ما یترجمه ظاهر التفسیر فهو مخبرٌ عن حدّ نفسه، و هو مصیبٌ فی الإخبار عن نفسه، و لکنّه مخطىءٌ فی الحکم بردّ الخلق کافّةً إلى درجته – الّتی هی حدّه و مقامه! -. بل القرآن و الأخبار و الآثار تدلّ على أنّ فی معانی القرآن لأرباب الفهم متّسعاً بالغاً و مجالاً رحباً؛ قال الله -عزّ و جلّ -: (أَ فَلاَیَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)(350)، و قال -سبحانه -: فیه تبیان کلّ شیءٍ(351)، و قال: (مَا فَرَّطْنَا فِی الْکِتَابِ مِنْ شَیْءٍ)(352)، و قال: (لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنهُمْ)(353)؛ و قال النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «إذا جاءکم عنّی حدیثٌ فأعرضوه على کتاب الله، فما وافق
کتاب الله فاقبلوه و ماخالفه فاضربوا به عرض الحائط!»(354) – و کیف یمکن العرض و لایفهم منه شیءٌ؟! -؛
و قال – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «القرآن ذلولٌ ذو وجوهٍ، فاحملوه على أحسن الوجوه»(355)؛
و قال أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: «إلّا أن یؤتى الله عبداً فهماً فی القرآن»(356)؛
و قال – علیه السلام -: «من فهم القرآن فسّر جمل العلم»(357) – أشار به إلى أنّ القرآن مشیرٌ إلى مجامع العلوم کلّها -؛
و عن أبی جعفرٍ – علیه السلام – انّه قال: «انّ الله أنزل فی القرآن تبیان کلّ شیءٍ حتّى و الله ماترک شیئاً یحتاج إلیه العباد، حتّى لایستطیع عبدٌ أن(358) یقول: لو کان هذا أنزل فی القرآن إلّا و قد أنزل الله فیه!»(359)؛
و عنه – علیه السلام -: «ما من أمرٍ یختلف فیه إثنان إلّا و له أصلٌ فی کتاب الله و لکن لاتبلغه عقول الرجال»(360) إلى غیر ذلک من الآیات و الأخبار.
فالصواب أن یقال: من أخلص الإنقیاد لله و لرسوله و لأهل البیت – عل یهم السلام – و أخذ علمه منهم و تتبّع آثارهم و اطّلع على جملةٍ من أسرارهم بحیث حصل له الرسوخ فی العلم و الطمأنینة فی المعرفة و انفتح عینا قلبه و هجم به العلم على حقائق الأمور و باشر روح الیقین و استلان ما استوعره المترفون و أنس بما استوحش منه الجاهلون و حصب الدنیا ببدنه و روحه معلّقةً بالمحلّ الأعلى، فله أن یستفید من القرآن بعض غرائبه و یستنبط منه نبذاً من عجائبه؛ لیس ذلک من کرم الله بغریبٍ و لا من جوده بعجیبٍ!؛ فلیست السعادة وقفاً على قومٍ دون آخرین.
و قد عدّوا -علیهم السلام – جماعةً من أصحابهم المتّصفین بهذه الصفات من أنفسهم – کما قالوا: «سلمان منّا أهل البیت»(361) -. فمن هذه صفته لایبعد دخوله فی الراسخین فی العلم العالمین بالتأویل، بل فی قولهم: «نحن الراسخون فی العلم»(362)
فلابدّ من تنزیل التفسیر المنهیّ عنه على أحد وجهین:
الأول: أن یکون للمفسّر فی الشیء رأیٌ و إلیه میلٌ من طبعه و هواه، فیتأوّل القرآن على وفق رأیه، فیکون قد فسّر برأیه؛ أی: رأیه حمله على هذا التفسیر و لولا رأیه لمایترجّح عنده ذلک الوجه؛
و الثانی: أن یتسارع إلى تفسیر القرآن بمجرّد العربیّة من غیر استظهارٍ بالسماع و النقل فیما یتعلّق بغرائبه و ما فیه من الألفاظ المبهمة، و ما فیه من الحذف و الإضمار و التقدیم و التأخیر، و فیما یتعلّق بالناسخ و المنسوخ و الخاصّ و العامّ و الرخص و العزائم و المحکم و المتشابه -… إلى غیر ذلک من وجوه الآیات -. فمن لم یحکم ظاهر التفسیر و معرفة وجوه
الآیات المفتقرة إلى السماع و بادر إلى استنباط المعانی بمجرّد فهم العربیّة کثر غلطه و دخل فی زمرة من یفسّر بالرأی. فالنقل و السماع لابدّ منه فی ظاهر التفسیر أوّلاً لیتّقى مواضع الغلط، ثمّ بعد ذلک یتّسع التفهّم و الإستنباط، فانّ ظاهر التفسیر یجری مجرى تعلیم اللغة الّتی لابدّ منها للفهم.
و ما لابدّ فیه من السماع فنونٌ کثیرةٌ؛
منها: ما کان مجملاً لاینبىء ظاهره عن المراد به مفصلاً؛ مثل قوله -سبحانه -: (أَقِیمُوا الصَّلاَةَ وَ آتُوا الزَّکَوةَ)(363)، (وَ آتُوا حَقَّهُ یَومَ حَصَادِهِ)(364)، فانّه یحتاج فیه إلى بیان النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – بوحیٍ من الله -سبحانه – فیبیّن تفصیل أعیان الصلوات و أعداد الرکعات و مقادیر النُصُب فی الزکاة و ما تجب فیه من الأموال و ما لایجب؛ و أمثال ذلک کثیرةٌ. فالشروع فی بیان ذلک من غیر نصٍّ و توقیفٍ ممنوعٌ منه؛
و منها: الإیجاز بالحذف و الإضمار، کقوله -تعالى -: (وَ آتَینَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا)(365)، معناه: آیةً مبصرةً فظلموا أنفهسم بقتلها. فالناظر إلى ظاهر العربیّة یظنّ انّ المراد به انّ الناقة کانت مبصرةً و لم تکن عمیاء، و لایدری انّهم بماذا ظلموا و أنهم ظلموا غیرهم أو أنفسهم؟!؛
و منها: المقدّم و المؤخّر – و هو مظنّة الغلط -، کقوله -تعالى -: (وَ لَولاَ کَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَکَانَ لِزَاماً وَ أَجَلٌ مُسَمّىً)(366) معناه: و لولا کلمةٌ سبقت من ربّک و أجلٌ مسمّىً لکان لزاماً، و به ارتفع الأجل و لولاه لکان نصباً کاللزام؛ إلى غیر ذلک ممّا هو مذکورٌ فی الکتب المطوّلة(367)
فظهر ممّا ذکر انّ من لمیحکم ظاهر التفسیر و بادر إلى استنباط المعانی بمجرّد فهم العربیّة
کثر غلطه و دخل فی زمرة من فسّر بالرأی!؛ و کثیرٌ من المفسّرین – غیر العرفاء – منهم!.
و من أخلص الإنقیاد لله و لرسوله و لأهل البیت -علیهم السلام، کما ذکرنا – فی هذا الخطر!. و أمّا العارف الربّانیّ فمأمونٌ من الغلط معصومٌ من معاصی القلب، إذ کلّ ما یقوله حقٌّ و صدقٌّ حدّثه قلبه عن ربّه؛ و قد مرّ أنّ الفهم لاینفکّ عن الکلام الوارد القلبیّ.
قوله – علیه السلام -: «و فضّلتنا على من جهل علمه» أی: جعلت لنا الفضیلة بعلمه على من لم یعلمه، لأنّ فضل العالم على الجاهل – کفضل الحیّ على المیّت و البصیر على الأعمى – ظاهرٌ، خصوصاً فضل العلم بعلم القرآن؛ قال الله -تعالى -: (هَلْ یَستَوِیَانِ مَثَلُ الْفَرِیقَینِ کَالاَْعْمَى وَ الاَصَمِّ وَ الْبَصِیرِ وَ السَّمِیعِ)(368)
و عدم العلم هنا أعمّ من خلوّ النفس من العلم به رأساً، و من الإعتقاد على خلاف ما هو علیه؛ و کذا الجهل أعمّ من أن یکون بسیطاً – و هو عدم العلم عمّا من شأنه أن یکون معلوماً-، أو مرکّباً – و هو إعتقادٌ جازمٌ غیر مطابقٍ للواقع -. و سمّی الأوّل بسیطاً، لأنّه عدم العلم بالشیء فقط؛ و الثانی مرکّباً، لترکّبه من جهلین -: جهلٌ بالشیء و جهلٌ بالجهل به -. و عرّف بعضهم الجهل: «بأنّه اعتقاد الشیء على خلاف ما هو علیه»(369)؛
و ردّ بأنّه قد یکون بالمعدوم، و هو لیس بشیءٍ؛
و أجیب: بأن المعدوم شیءٌ فی الذهن.
و قیل: «الجهل: ضدّ العقل، لأنّ الأشیاء تعرف بأضدادها».
و قوله – علیه السلام -: «و قوّیتنا علیه» أی: جعلتنا قویّاً على علم القرآن وتحمّل أسراره و عجائبه «لترفعنا» بسبب ذلک العلم و التحمّل على «من لم یطق» ذلک العلم و التحمّل.
قال الفاضل الشارح: «تنبیهٌ. قال السیّد الجلیل علیّ بن طاوس – قدّس سرّه -: «قوله – علیه السلام -: «و ورّثتنا علمه»، و قوله: «و فضّلتنا» -… و نحو ذلک من الألفاظ –
ینبغی تبدیله بألفاظٍ تناسب حال الداعی»؛ انتهى. قلت: الأولى تبدیل الضمیر فقط، فیقال فی قوله: «و ورّثتنا علمه»: و ورّثت أوصیاءه علمه مفسّراً، عطفاً على قوله: «إنّک أنزلته على نبیّک مجملاً»؛ ثمّ إعادة سائر الضمائر إلیهم بأن یقال: و فضّلتهم و قوّیتهم علیه لترفعهم؛ لما فی ذلک من إبقاء المعنى على أصله؛ و الله أعلم!»(370)؛ انتهى کلامه.
و أنا أقول: بل الأولى فی الأدعیة المأثورة المحافظة على الألفاظ المنقولة أیضاً.
اللَّهُمَّ فَکَمَا جَعَلْتَ قُلُوبَنَا لَهُ حَمَلَةً، وَ عَرَّفْتَنَا بِرَحْمَتِکَ شَرَفَهُ وَ فَضْلَهُ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ الْخَطِیبِ بِهِ، وَ عَلَى آلِهِ الْخُزَّانِ لَهُ، وَ اجْعَلْنَا مِمَّنْ یَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِکَ حَتَّى لاَیُعَارِضَنَا الشَّکُّ فِی تَصْدِیقِهِ، وَ لاَیَخْتَلِجَنَا الزَّیْغُ عَنْ قَصْدِ طَرِیقِهِ.
«الکاف» للتعلیل.
و الضمیر فی «له» للقرآن.
<و «الحَمَلة» - بفتحتین -: جمع حامل، و هو جمعٌ مطّردٌ لفاعلٍ، وصفٌ لمذکّرٍ عاقلٍ - کظالم و ظلمة، و ساحر و سحرة ->(371)، أی: جعلت قلوبنا حاملةً للقرآن و أسراره و عجائبه. و قیل: «المراد بحمل القلوب له: مطلق حفظه و تعلّمه، فیعمّ غیرهم -علیهم السلام -».
و «التعریف»: التعلیم.
و «الشرف»: العلوّ.
و «الفضل»: الکمال. و ممّا ذکرناه لک سابقاً ظهر وجه تعریفه -سبحانه – شرف القرآن و فضله؛ فتذکّر!.
و «الخطیب»: <فعیلٌ إمّا بمعنى فاعلٍ، أو بمعنى مفعولٍ. و قیل: «المراد: انّ القرآن صار له
خطبةً و وعظاً یخطب به الناس و یعظهم»>(372)
<و «الخُطبة» - بالضمّ -: کلامٌ یتضمّن ترغیب الجمهور فی فعل الخیر و تنفیرهم عن الشرّ>(373)
قوله: «و على آله الخزّان» أی: الحفّاظ للقرآن؛ و هم الأئمّة – علیهم السلام -؛ کما رواه ثقةالإسلام(374) بسندٍ عن جابر قال: سمعت أباجعفر – علیه السلام – یقول: «ما ادّعى أحدٌ من الناس انّه جمع القرآن کلّه کما أنزل إلّا کذّابٌ!، و ما جمعه و حفظه کما نزّله الله -عزّ و جلّ – إلّا علیّ بن أبی طالبٍ و الأئمّة من بعده – صلوات الله علیهم -».
و «الخزّان»: جمع خازن، من: خزنت السرّ و اختزنته: کتمته؛ و: المال: جعلته فی الخزانة، و هی واحدة الخزائن؛ هذا معناه اللغویّ. و فی عرف أهل الحکمة – موافقاً للشریعة الإلهیّة – یراد ب- «الخزانة»: القوّة الحافظة للصور الإدراکیّة – سواءٌ کانت جزئیّةً أو کلّیّةً -. فالخیال عندهم خزانةٌ حافظةٌ لصور المحسوسات(375)؛ و الوهم – الّتی سلطانها فی مؤخّر الدماغ – خزانةٌ للموهومات و ما یلیها من الأوّلیّات؛ و العقل الفعّال عندهم خزانةٌ للعقلیّات و الکلّیّات من العلوم.
إذا علمت هذا فنقول: خزائن علم الله -سبحانه – هی الجواهر العقلیّة و الذوات النوریّة البریئة عن مخالطة الموادّ و الأجرام. و هی کاملةٌ بالفعل فی باب العلم و العقل، و لیس فیها نقصٌ و لاقوّةٌ إنفعالیّةٌ إستعدادیّةٌ، فلاجرم لیس هی نفوساً و لاصوراً منطبعةً فی أجرامٍ؛ لأنّ النفس فی أوّل فطرتها أمرٌ بالقوّة فی باب العقل، فیحتاج فی صیرورتها عقلاً بالفعل إلى مایخرجها من حدّ العقل بالقوّة إلى حدّ العقل بالفعل – إذ الشیء لایخرج نفسه من القوّة إلى الفعل و من النقص إلى الکمال، فیکون بالفعل قبل کونه بالفعل و یکون کاملاً عند
کونه ناقصاً -. و الّذی یکمل النفس و یجعلها عاقلاً بالفعل بعد أن لم یکن عقلاً بالفعل کاملاً فی أصل الفطرة، و إلّا لعاد الکلام فی خروجه من القوّة إلى الفعل و احتیاجه إلى کاملٍ آخر، فیتسلسل الأمر إلى لانهایة؛ و هو محالٌ. فثبت انّ فی الوجود ذواتاً قدسیّةً و جواهر عقلیّةً فیها صور الموجودات کلّها بالفعل على وجهٍ مقدّسٍ عقلیٍّ بها تستکمل النفوس و تصیر عاقلةً بالفعل بعد کونها عاقلةً بالقوّة. و هی واسطةٌ بین الله و بین الخلق فی إفاضة الخیرات و نزول البرکات على الدوام، و هی کلمات الله التامّات الّتی لاتبید و لاتفنی.
و هی مسمّاةٌ بأسامی مختلفةٍ متعدّدةٍ بحسب مواطن و مقامات کثیرةٍ، ففی موطنٍ بالعقول المجرّدة، و فی آخر بالحقیقة المحمّدیّة و عالم أمر الله و قضائه، حتّى ینتهی إلى محمّدٍ المبعوث و سائر خلفائه و أوصیائه من الأئمّة الطاهرة – کما مرّ تحقیق ذلک غیر مرّةٍ -. و عنه أیضاً – علیه السلام – انّه قال: «ما یستطیع أحدٌ أن یدّعی أنّ عنده جمیع القرآن کلّه -: ظاهره و باطنه – غیر الأوصیاء -علیهم السلام -»(376)؛ و الأخبار فی هذا المعنى کثیرةٌ.
قوله – علیه السلام -: «ممّن یعترف بأنّه من عندک» أی: ممّن یقرّ بأنّ القرآن نزل من عندک، لا من عند غیرک – کما قال بعضٌ: (إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِیرُ الاَوَّلِینَ)(377) أی: أکاذیب
السابقین -.
قوله – علیه السلام -: «حتّى لایعارضنا الشکّ فی تصدیقه»، أی: أنت إذا جعلتنا مقرّین بأنّ القرآن من عندک فلایحوم حول قلبنا شکٌّ فی ذلک.
قوله – علیه السلام -: «و لایختلجنا الزیغ عن قصد طریقه»، <أی: لایدخلنا المیل عن طریقة المستوی المائل عن الإفراط و التفریط>(372)، یقال: خلجه و اختلجه: إذا جذبه و انتزعه؛ و منه الخلیج: للنهر الّذی یقطع من النهر الأعظم إلى موضعٍ آخر – و فی الحدیث:
«لیردنّ علیّ الحوض أقوامٌ ثمّ لیختلجنّ دونی»(378)، أی: یجتذبون و یقتطعون -.
و «الزیغ»: المیل من الحقّ إلى الباطل.
و «قصد طریقه» إمّا بمعنى: استقامة طریقه، أو: طریقه المستقیم – من باب إضافة الصفة إلى الموصوف -؛ و هو متعلّقٌ ب- «یختلج»، کما انّ قوله: «فی تصدیقه» متعلّقٌ ب- «لایعارضنا».
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْعَلْنَا مِمَّنْ یَعْتَصِمُ بِحَبْلِهِ، وَ یَأْوِی مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ إِلَى حِرْزِ مَعْقِلِهِ، وَ یَسْکُنُ فِی ظِلِّ جَنَاحِهِ، وَ یَهْتَدِی بِضَوْءِ صَبَاحِهِ، وَ یَقْتَدِی بِتَبَلُّجِ إِسْفَارِهِ، وَ یَسْتَصْبِحُ بِمِصْبَاحِهِ، وَ لاَیَلْتَمِسُ الْهُدَى فِی غَیْرِهِ.
«الإعتصام» بالشیء: التمسّک به.
<و «الحبل» معروفٌ فی الأخبار على ثلاثة أشیاء:
أحدها: الأئمّة -علیهم السلام -، فانّ من تمسّک بهم نجا من بئر الهلکات کالمتمسّک بالحبل؛
و ثانیها: القرآن؛
و ثالثها: دین الحقّ، و کلها متلازمةٌ فی الوجود>(372)
و «الإیواء»: الإلتجاء، قال الله -تعالى -: (سَآوِی إِلَى جَبَلٍ یَعْصِمُنِی مِنَ الْمَاءِ)(379) أی: ألتجأ.
«من المتشابهات» أی: من أجل التفصّی منها و عدم الهلکة بها بسبب التأویلات الزائفة من الحقّ إلى الباطل.
<«إلى حرز معقله». «المعقل»: الحصن و الملجأ، و إضافة «الحرز» إلیه إمّا بیانیّةٌ، أو لامیّةٌ. قیل: «المراد بالحرز - الّذی یلجأ إلیه -: هو محکماته، لأنّ المتشابهات تردّ إلیها و تحمل علیها - کما قال تعالى: (فِیهِ آیَاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَ أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)(28) -. و المراد بکونها أمّ الکتاب - على ما قاله المفسّرون -: رجوع المتشابهات إلیها کرجوع الولد إلى أمّه، و کونها أصله و منشأه(380) >(372) قال الفاضل الشارح: «و المتشابهات الأمور الّتی تشابهت و التبست، فلم یتمیّز الحقّ فیها من الباطل. و لاداعی لتخصیصها بمتشابهات القرآن»(381)؛ انتهى کلامه.
و هو کما ترى!. فانّ معقل القرآن و ملجأه هو العالم من أهل بیت محمّدٍ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، کأنّ القرآن یلجأ إلیه من أیدی الّذین فی قلوبهم زیغٌ، و سیظهر إنشاء الله و یقوی القرآن بالسیف.
قوله: «و اجعلنا ممّن یسکن فی ظلّ جناحه».
«الظلّ»: الفیء الحاصل من الحاجز بینک و بین الشمس مطلقاً؛ و قیل: «مخصوصٌ بما کان منه إلى الزوال، و ما بعده هو الفیء»(382)
و «الجناح» هنا: الجانب، مأخوذٌ من جناح الطائر؛ یقال: أنا فی ظلّ جناح فلانٍ أی: فی ذراه و ستره و حمایته؛ أی: اجعلنا ممّن یطمئنّ بذرى القرآن و ستره و حمایته.
قوله: «و یهتدی بضوء صباحه» أی: اجعلنا ممّن یهتدی بنور صباح القرآن؛ و لایخفى ما فیه من الإستعارة.
و «التبلّج»: الإضاءة، یقال: بلج الصبح یبلُج – بالضمّ – أی: أضاء، و تبلّج و ابتلج مثله.
و «أسفر» الصبح إسفاراً: وضح و انکشف، فإضافة «التبلّج» إلی «الإسفار» بیانیّةٌ؛ شبّه
الاقتداء بالقرآن بإضاءة الصبح فی عدم ضلالة المقتدی فیه و کمال بصیرته. و فی بعض النسخ: «تبلّج أسفاره» – بصیغة الجمع -، و هی جمع: السفرة بمعنى: الکتاب؛ أی: یقتدی بإشراق مکتوبات القرآن و إضاءتها.
و «التمست» الشیء: طلبته.
و «غیر» هنا على أصلها من کونها صفةً مفیدةً لمغائرة مجرورها لموصوفها بالذات، أی: فی کتابٍ غیره مشتملٍ على غیر ما اشتمل هو علیه و مرشدٍ إلى غیر ما أرشد إلیه – کقوله تعالى: (قَالَ الَّذِینَ لاَیَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَیرِ هَذَا أَو بَدِّلْهُ)(86) -.
اللَّهُمَّ وَ کَمَا نَصَبْتَ بِهِ مُحَمَّداً عَلَماً لِلدَّلاَلَةِ عَلَیْکَ، وَ أَنْهَجْتَ بِآلِهِ سُبُلَ الرِّضَا إِلَیْکَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْعَلِ الْقُرْآنَ وَسِیلَةً لَنَا إِلَى أَشْرَفِ مَنَازِلِ الْکَرَامَةِ، وَ سُلَّماً نَعْرُجُ فِیهِ إِلَى مَحَلِّ السَّلاَمَةِ، وَ سَبَباً نُجْزَى بِهِ النَّجَاةَ فِی عَرْصَةِ الْقِیَامَةِ، وَ ذَرِیعَةً نَقْدَمُ بِهَا عَلَى نَعِیمِ دَارِ الْمُقَامَةِ.
«الکاف» للتعلیل، أو التشبیه.
و «الباء» فی «به» للسببیّة؛ أی: و کما أقمت بسبب القرآن محمّداً – صلّى الله علیه و آله و سلّم – للدلالة علیک حالکونه «علماً» أی: یهتدی الناس بسبببه إلیک کما یهتدون بالعلامات إلى الطریق.
و یحتمل أن یکون قوله: «للدلالة» متعلّقاً بقوله: «علماً»، أی: حال کونه علامةً للدلالة علیک. و فی معنى هذه الفقرة من الدعاء قول أمیرالمؤمنین – علیه السلام – من خطبةٍ له: «فبعث محمّداً – صلّى الله علیه و آله و سلّم – بقرآنٍ قد بیّنه و أحکمه لیعلم العباد ربّهم إذ جهلوه، و لیقرّبوا به بعد أن جحدوه، و لیثبتوه بعد إذ أنکروه»(383)
هذا ما ذکر القوم فی معنى هذه الفقرة؛ و نحن نقول: و کما أقمت محمّداً – صلّى الله علیه و آله و سلّم – بسبب القرآن – أی: مرتبته الجمع الجمعیّ – علماً للدلالة علیک، لأنّه – صلّى الله علیه و آله و سلّم، کما عرفت سابقاً – مظهرٌ لاسم الله الجامع، فلجامعیّته الکاملة و مظهریّته التامّة صار علماً دالّاً على الحضرة الأحدیّة – کما قال صلّى الله علیه و آله و سلّم: «من رآنی فقد رأی الحقّ»(384) -. و قد حققّنا لک فی أوّل الکتاب انّ دلالة وجود المحمّدیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – على الحضرة الأحدیّة أکثر بمراتب کثیرة من لفظ الله، لأنّ الوجود الخارجیّ أقوى من الوجود اللفظیّ، و انّ الغرض من وضع الألفاظ و النقوش الکتابیّة لیس إلّا الدلالة على المعانی الذهنیّة الدالّة على الحقائق الخارجیّة.
و قد استوفینا الکلام فی لفظ الجلالة؛ فتذکّر!.
قوله – علیه السلام -: «و أنهجت -… إلى آخره -» أی: أوضحت و أبنت بسبب آل محمّدٍ طرق الرضا إلى جنابک؛ یقال: نهجت الطریق و أنهجته: إذا أوضحته و أبنته. و یظهر من الصحاح انّ الإفعال من هذه الصیغة لازمٌ بمعنى: استبان(385)، و صیغة فَعَل متعدٍّ.
و المراد ب- «آله» – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: أوصیائه من عترته و ذرّیته الّذین هم الکاملون المکمّلون لأمّته، و هم الطرق إلى رضاء الله و رضا نبیّه؛ و فی هذا المعنى عن الصادق – علیه السلام -: «انّ الله أوضح بأئمّة الهدى من أهل بیت نبیّنا عن دینه و أبلج بهم عن سبیل منهاجه، و فتح بهم من باطن ینابیع علمه؛ فمن عرف من أمّة محمّدٍ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إیمانه و علم فضل طلاوة إسلامه»(386)
قوله: «و اجعل القرآن وسیلةً لنا» أی: اجعل مرتبة الجمع الجمعیّ وسیلةً لنا – و قس علیه ما بعده – حتّى یوصلنا إلى «أشرف منازل الکرامة»، أی: أرفعها و أعلاها – من الشرف بمعنى: المکان العالی -، و منازل الکرامة الّتی أعدّها الله -تعالى – لأولیائه و أحبّائه فی دار الآخرة.
قوله – علیه السلام -: «و سلّماً نعرج فیه إلى محلّ السلامة».
<«السلّم»: ما یتوصّل به إلى الأمکنة العالیة، ثمّ جعل اسماً لکلّ ما یتوصّل به إلى شیءٍ رفیعٍ - کالسبب -.
و «عرَج» یعرِج عروجاً – من باب قعد -: ذهب فی صعودٍ>(387)
و «محلّ السلامة»: الجنّة الّتی هی دار السلام بسلامتها من الآفات و البلیّات.
و «السبب»: کلّ شیءٍ یتوصّل به إلى غیره.
و «نُجزَى»: بصیغة المتکلّم المجهول.
و «عَرصَة» الدار – بالفتح -: ساحتها، و هی البقعة الواسعة الّتی لیس فیها بناءٌ؛ أی: اجعل القرآن سبباً و وسیلةً لأن نجزى بسببه النجاة و الخلاص من أهوال عرصة المحشر؛ یعنی: نکون مجزیّین بجزاء الخیر یوم القیامة.
<و «الذریعة»: الوسیلة.
و «قدِم» الرجل على أهله یقدَم – من باب تعب – قدوماً: ورد علیهم من سفرٍ و نحوه.
و «النعیم»: النعمة الوافرة.
و «دار المقامة» أی: دار الإقامة؛ و هی اسم الجنّة، لأنّه لاانتقال عنها أبداً>(388)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ احْطُطْ بِالْقُرْآنِ عَنَّا ثِقْلَ الاَوْزَارِ، وَ هَبْ لَنَا حُسْنَ شَمَائِلِ الاَبْرَارِ، وَ اقْفُ بِنَا آثَارَ الَّذِینَ قَامُوا لَکَ بِهِ آنَاءَ اللَّیْلِ وَ
أَطْرَافَ النَّهَارِ حَتَّى تُطَهِّرَنَا مِنْ کُلِّ دَنَسٍ بِتَطْهِیرِهِ، وَ تَقْفُوَ بِنَا آثَارَ الَّذِینَ اسْتَضَاؤُوا بِنُورِهِ، وَ لَمْ یُلْهِهِمُ الاَمَلُ عَنِ الْعَمَلِ فَیَقْطَعَهُمْ بِخُدَعِ غُرُورِهِ.
و «احطط»: أمرٌ من الحطّ بمعنى: إنزال الشیء من علوٍ، أی: انزل بسبب القرآن عنّا حمل الآثام؛ یعنی: اغفر ذنوبنا.
و «الأوزار»: <جمع وِزر - بالکسر -، و هو الإثم و الثقل؛ و منه سمّی «الوزیر» لتحمّله أثقال الملک>(389)
<و «الشمائل»: جمع شِمال - بالکسر -، و هو: الخُلق.
و «الأبرار»: جمع بَرّ – بالفتح -، و هو: التقیّ و الصادق، أو: المتوسّع فی طاعة الله-تعالى – بالعبادة، و هو خلاف الفاجر أیضاً؛ أی: و هب لنا بسبب القرآن حسن أخلاق المطیعین لک(390)
و «قفوت» أثره قفواً – من باب قال -: تبعته، لأنّک تتبع قفاه؛ و: قفوت به أثره: اتّبعته إیّاه. ف- «الباء» للتعدیّة>(391)
و «الآثار»: الرسوم.
و «آناء اللیل»: ساعاته.
و «أطراف النهار»: نواحیها. و إنّما قدّمت «آناء اللیل» على «أطراف النهار» هنا – و فی قوله تعالى: (وَ مِنْ آنَاءِ اللَّیْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطرَافَ النَّهَارِ)(392) – تنبیهاً على زیادة الإهتمام بشأن العبادة باللیل، لأنّه أشقّ على النفس و أدخل فی الإخلاص و أقرب من المحافظة على الخشوع – لهدوّ الأصوات فیه -.
<و خصّ حالة القیام لأنّها أشرف، قال أبوجعفرٍ - علیه السلام -: «من قرأ القرآن قائماً فی صلاته کتب الله له بکلّ حرفٍ مأة حسنةٍ، و من قرأه فی صلاته جالساً کتب الله له
بکلّ حرفٍ خمسین حسنةً، و من قرأه فی غیر صلاته کتب الله له بکل حرفٍ عشر حسناتٍ»(393) >(389) و یجوز أن یکون «الباء» للسببیّة، أی: قاموا لک و لخدمتک بسبب معرفتهم بأحکام القرآن و بأمرک لهم به. و قیل: «المراد: انّهم أقاموا القرآن على رجلیه، یعنی: أکثروا تلاوته».
<و «الدَنَس» - بفتحتین -: الوسخ، من: دنس الثوب یدنس دنساً - من باب تعب -: إذا اتّسخ، فهو دنسٌ للاثم لتلوّث النفس و درنها به.
و «الباء» من قوله – علیه السلام -: «بتطهیره» للسببیّة. و الضمیر للقرآن>(394)
و إضافة «التطهیر» إلیه من إضافة المصدر إلى الفاعل.
و المراد ب- «تطهیر الله إیّاهم بتطهیر القرآن»: جعله -سبحانه – إیّاه سبباً و وسیلةً لتطهیرهم بکثرة التلاوة و العمل به؛ فالمعنى: بتطهیرٍ ناشٍ من جهة القرآن. و قیل: «یحتمل أن یراد ب- «تطهیر القرآن»: العصمة، أی: طهّرنا بالتطهیر الّذی وقع فی القرآن، من قوله -تعالى -: (إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)(395) فقوله: «حتّى تطهّرنا» متعلّقٌ بقوله: «و احطط»، و قوله: «و تقفو بنا» متعلّقٌ بقوله: «اقف بنا»؛ أی: و حتّى تجعلنا من التابعین لآثار المستضیئین بنور القرآن الغیر المشغولین بالأمل و الرجاء عن العمل بالطاعة أو بالقرآن إلى أن یصیر سبباً لقطعهم عن العمل بسب خدعةٍ ناشئةٍ من غرور الأمل إیّاهم من جهة متاع الدنیا الغرّارة.
و «الغُرور» – بالضمّ -: ما اغترّ به من متاع الدنیا. و الإغترار قد یکون بمعنى الغفلة.
و قد تقدّم الکلام فی «الأمل» غیر مرّةٍ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْعَلِ الْقُرْآنَ لَنَا فِی ظُلَمِ اللَّیَالِی مُونِساً، وَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّیْطَانِ وَ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ حَارِساً، وَ لاَقْدَامِنَا عَنْ نَقْلِهَا إِلَى الْمَعَاصِی حَابِساً، وَ لاَلْسِنَتِنَا عَنِ الْخَوْضِ فِی الْبَاطِلِ مِنْ غَیْرِ مَا آفَةٍ مُخْرِساً، وَ لِجَوَارِحِنَا عَنِ اقْتِرَافِ الاثَامِ زَاجِراً، وَ لِمَا طَوَتِ الْغَفْلَةُ عَنَّا مِنْ تَصَفُّحِ الاِعْتِبَارِ نَاشِراً، حَتَّى تُوصِلَ إِلَى قُلُوبِنَا فَهْمَ عَجَائِبِهِ، وَ زَوَاجِرَ أَمْثَالِهِ الَّتِی ضَعُفَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِی عَلَى صَلاَبَتِهَا عَنِ احْتِمالِهِ.
«الأنس»: خلاف الوحشة، أی: اجعل القرآن فی اللیالی المظلمة لنا مونساً.
و «نزغات الشیطان»: وساوسه المفسدة. و هی جمع: نزغة، فعلةٌ من النزغ، و هو شبیه النخس.
و «الخطرات»: جمع خطرة، و هو الإشراف على الهلاک، أو الإخطار بالبال؛ و حینئذٍ إضافتها إلى «الوساوس» بیانیّةٌ.
و «الوساوس»: جمع وسوسة، و هی حدیث النفس، و الاسم: الوسواس. و هو یطلق على الشیطان الموسوس – کما فی قوله تعالى: (الْوَسوَاسِ الْخَنَّاسِ)(396) بتقدیر الإضافة، أی: ذی الوسواس. و قال البیضاویّ: «الوسواس: الوسوسة، کالزلزال و الزلزلة. و المراد: الموسوس، و سمّی بفعله مبالغةً»(397) -؛ أی: و اجعل القرآن حارساً لنا من الإشرافات على الهلکات الناشئة من أحادیث النفس.
قوله: «و لأقدامنا» عطفٌ على «لنا»، أی: فاجعل القرآن «حابساً» لأقدامنا عن نقلها إلى المعاصی.
و «الحبس»: ضدّ التخلیة.
قوله – علیه السلام -: «من غیر ما آفةٍ».
«ما» زائدةٌ – کما فی بعض النسخ المصحّحة(398) -، یعنی: من غیر أن یکون خرسه عن آفةٍ، بل کفّاً عمّا لاترضاه من القول – کما قال تعالى: (بَیْضَاءَ مِنْ غَیرِ سُوءٍ)(399) -.
و «الزجر»: المنع.
و «الإقتراف»: الإکتساب.
و «الطیّ»: ضدّ النشر.
و قوله: «من تصفّح الاعتبار» بیانٌ ل- «ما»، و هو عبارةٌ عن النظر فی تفاصیل ما یکون سبباً للعبرة من أحوال السلف و قصصهم و أمثالهم؛ یقال: تصفّحت الشیء: إذا نظرت فی صفحاته.
و «حتّى» تعلیلیّةٌ متعلّقةٌ ب- «اجعل».
و الضمیر فی «توصل» خطابٌ لله -تعالى -.
و «فهم عجائبه» أی: علم تفاصیله الّتی من شأنها أن یتعجّب منها – لتنزیلها منزلة إندراج أشیاء غیر متناهٍ فی شیءٍ متناهٍ -.
و «زواجر أمثاله» أی: أمثاله الزواجر، أی: المانعة عن إرتکاب المآثم و اتّباع الأهواء. فالإضافة إمّا لامیّةٌ، أو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
و «الأمثال»: جمع مَثَل – بفتحتین -. و هو فی الأصل بمعنى: المثل و النظیر، ثمّ أطلق على القول السائر الّذی یمثّل مضربه بمورده – کما تقدّم الکلام علیه -. ثمّ استعیر لکلّ حالٍ أو صفةٍ أو قصّةٍ عجیبة الشأن. و إنّما صحّ هذه الإستعارة لأنّهم لم یضربوا مثلاً و لارأوها أهلاً للتمثیل و التشبیه إلّا قولاً فیه غرابةٌ من بعض الوجوه.
<قال بعض العلماء: «ضرب الأمثال فی القرآن یستفادّ منه أمورٌ کثیرةٌ: التذکیر و الوعظ و الحثّ و الزجر و الإعتبار و تقریب المراد للعقل و تصویره بصورة المحسوس، فانّ
الأمثال تصوّر المعانی بصورة الأشخاص لأنّها أثبت فی الذهن لاستعانة الذهن فیها بالحواسّ؛ و من ثمّ کان الغرض من المثل تشبیه الخفیّ بالجلیّ و الغائب بالحاضر و الشاهد.
و أمثال القرآن مشتملةٌ على بیان تفاوت الأجر، و على المدح و الذمّ، و على الثواب و العقاب، و على تفخیم الأمر و تحقیره، و على تحقیق أمرٍ أو إبطاله. قال -تعالى -: (وَ ضَرَبْنَا لَکُمُ الاَمثَالَ)(400)، فامتنّ علینا بذلک لما تضمّنته من الفوائد»؛ انتهى.
و لمّا کانت الأمثال لایدرک حسن بیانها و لطف معانیها و کیفیّة ارتباطها بالمقصود و طریق دلالتها على المطلوب إلّا العلماء الّذین ینتقلون بنور بصیرتهم و ضیاء سریرتهم من ظاهره إلى باطنه و من محسوسه إلى معقوله قال -تعالى -: (وَ تِلْکَ الاَمْثَالُ نَضرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا یَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)(401) و لذلک وقع فی الدعاء سؤال فهمها عطفاً على سؤال فهم عجائبه»>(402)
و عن الصادق – علیه السلام – قال: «أمثال القرآن لها فوائد، فأمعنوا النظر و تفکّروا فی معانیها و لاتمرّوا بها»(9)
و «الرواسی»: جمع الراسیة، أی: الثابتة – و منه: جبالٌ راسیات -؛ من: رسا الشیء یرسو رسواً أی: ثبت.
و «على صلابتها» أی: مع صلابتها؛ و فی نسخةٍ: «عن صلابتها».
و «الصلابة»: مصدر صلُب الشیء – بالضمّ – أی: اشتدّ و قوى، فهو صُلبٌ – بالضمّ -.
و «عن إحتماله» متعلّقٌ ب- «ضعفت»؛ و ضمیره یرجع إلى «الفهم». و فیه إشارةٌ إلى قوله -تعالى -: (لَو أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَیْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْیَةِ اللَّهِ)(403)، و الغرض منها توبیخ الإنسان على قسوة قلبه و عدم تخشّعه عند تلاوة القرآن و تدبّر قوارعه
و زواجره.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَدِمْ بِالْقُرْآنِ صَلاَحَ ظَاهِرِنَا، وَ احْجُبْ بِهِ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ عَنْ صِحَّةِ ضَمَائِرِنَا، وَ اغْسِلْ بِهِ دَرَنَ قُلُوبِنَا وَ عَلاَئِقَ أَوْزَارِنَا، وَ اجْمَعْ بِهِ مُنْتَشَرَ أُمُورِنَا، وَ أَرْوِ بِهِ فِی مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَیْکَ ظَمَأَ هَوَاجِرِنَا، وَ اکْسُنَا بِهِ حُلَلَ الاَمَانِ یَوْمَ الْفَزَعِ الاَکْبَرِ فِی نُشُورِنَا.
«و احجب به» أی: امنع بسبب القرآن «خطرات الوساوس عن» الدخول فی «ضمائرنا» الصحیحة. و «صحّتها» عبارةٌ عن خلوصها من سوء العقائد و سلامتها من مرض الشکوک و الإرتیاب. و لمّا کانت الخطرات إذا دخلت الضمائر أخرجتها عن صحّتها إلى السقم قال: امنعها عن صحّة ضمائرنا. فحاصل الکلام طلب دوام صلاح الظاهر و الباطن؛ أمّا الأوّل فتلاوته و العمل به، و أمّا الثانی فالیقین بما فیه و عدم العجب بالعمل بما فیه.
و «الدَرَن» – بفتحتین -: الوسخ، ف- «درن قلوبنا» أی: أوساخها – من الشکّ و الشرک و العجب و غیرها -.
و «أرو» – بهمزة القطع، على صیغة الأمر من باب الإفعال -: من الرواء أی: الشرب الکامل.
«فی موقف العرض علیک» أی: فی عرصة القیامة.
و «الظمأ»: العطش؛ و قیل: «شدّته».
<و «الهواجر»: جمع هاجرة؛ و هی: نصف النهار عند اشتداد الحرّ، أو عند زوال الشمس مع الظهر، أو من عند زوالها إلى العصر - لأنّ الناس یستکنون فی بیوتهم کأنّهم قد تهاجروا من شدّة الحرّ -. و قال بعضهم: «الهاجرة: نصف النهار فی القیظ خاصّةً». و إضافة «الظمأ» إلیها مجازٌ عقلیٌّ لکونها ظرفاً له - کمکر اللیل و النهار -.
و «الکُِسوة» – بالضمّ و الکسر -: اللباس.
و «الحلل»: جمع حُلّة – بالضمّ -، و هی: إزارٌ و رداءٌ، و لاتسمّى حلّةً حتّى تکون ثوبین
من جنسٍ واحدٍ>(404)
و «الأمان»: الأمن.
و «الفَزَع» – بفتحتین -: الخوف؛ و «یوم الفزع الأکبر»: یوم القیامة؛ و قیل: «الّذی خوفه أعظم و أشدّ من کلّ خوفٍ»(405)؛ و عن أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: «إنّ الفزع الأکبر هو إطباق باب النار حین یغلق على أهلها!، و الفزع الأصغر یکون فی القیامة الصغرى، و هو ظهور القائم – علیه السلام -»(406)
و «فی نشورنا» متعلّقٌ ب- «اکسنا»، أی: اکسنا فی وقت نشورنا – أی: بعثنا – بعد الموت.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْبُرْ بِالْقُرْآنِ خَلَّتَنَا مِنْ عَدَمِ الاِمْلاَقِ، وَ سُقْ إِلَیْنَا بِهِ رَغَدَ الْعَیْشِ وَ خِصْبَ سَعَةِ الاَرْزَاقِ، وَ جَنِّبْنَا بِهِ الضَّرَائِبَ الْمَذْمُومَةَ وَ مَدَانِیَ الاَخْلاَقِ، وَ اعْصِمْنَا بِهِ مِنْ هُوَّةِ الْکُفْرِ وَ دَوَاعِی النِّفَاقِ حَتَّى یَکُونَ لَنَا فِی الْقِیَامَةِ إِلَى رِضْوَانِکَ وَ جِنَانِکَ قَائِداً، وَ لَنَا فِی الدُّنْیَا عَنْ سُخْطِکَ وَ تَعَدِّی حُدُودِکَ ذَائِداً، وَ لِمَا عِنْدَکَ بِتَحْلِیلِ حَلاَلِهِ وَ تَحْرِیمِ حَرَامِهِ شَاهِداً.
و «الجبر»: ضدّ الکسر.
<و «الخَلَّة» - بالفتح -: الحاجة و الفقر؛ من الخَلَل - بفتحتین -، و هو: الفرجة بین الشیئین>(407)
و «العَدَم» أیضاً: الحاجة و الفقر، و کذلک العُدْم – بضم الأوّل و سکون الثانی -.
و «الإملاق»: الإفتقار. فإضافة «العدم» إلى «الإملاق» بیانیّةٌ، أی: خلّتنا الناشئة من
عدمٍ هو الإملاق.
<و «رغُد» عیشه - بالضمّ - رغداً - ککرُم کرماً -، و رغِد رغداً - کسمع سمعاً -: اتّسع و طاب؛ و: هو فی رغدٍ من العیش: أی: رزقٍ واسعٍ طیّبٍ.
و «العیش»: الحیاة المختصّة بالحیوان؛ و یطلق على المعیشة – و هی: ما یعاش به -، و هو المراد هنا>(408)
و «الخِصب» – بالکسر -: نقیض الجدب.
و «الضرائب»: جمع ضریبة، و هی: الطبیعة و السجیّة.
و «المدانی»: جمع الدنیء – بالهمزة – على غیر قیاسٍ، و هو: الخبیس؛ أی: الأخلاق الدنیّة، و هی خلاف معالیها. و فی نسخةٍ: «مذامّ الأفعال».
و «الهوّة»: الوهدة العمیقة؛ و قیل: «بالضمّ: الحفرة»(409) <شبّه الکفر بها بجامع الضیق و الظلمة و عسر الخلاص منها>(389)، فهی إستعارةٌ مکنیّةٌ تخییلیّةٌ.
و «دواعی النفاق»: ما یدعوک إلیه.
و اسم «حتّى یکون» ضمیرٌ عائدٌ إلى «القرآن» و «جبره».
قوله: «قائداً»، قال الخلیل: «القود: أن یکون الرجل أمام الدابّة آخذاً بقیادها، و هو خلاف السوق»(410)
و «الجِنان» – بالکسر -: جمع الجِنّة.
و «الزیاد»: المنع و الطرد.
و «لما عندک -… إلى آخره -» <أی: حتّى یکون القرآن «شاهداً» لنا باستحقاق ما
عندک من الثواب بسبب العمل به من تحلیل حلاله و تحریم حرامه. و قیل: «المراد: اجعله شاهداً و مبیّناً و کاشفاً لنا عن أحکام القرآن الّتی هی عندک من أحکام الحلال و الحرام»>(411)؛
و قیل: «شاهداً لما أمر الله به و أنزله؛ و «هو عند الله -تعالى -» أی: بأمره و تعیینه و حکمه».
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ هَوِّنْ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى أَنْفُسِنَا کَرْبَ السِّیَاقِ، وَ جَهْدَ الاَنِینِ، وَ تَرَادُفَ الْحَشَارِجِ إِذَا بَلَغَتِ النُّفُوسُ التَّرَاقِیَ، وَ قِیلَ مَنْ رَاقٍ؟؛ وَ تَجَلَّى مَلَکُ الْمَوْتِ لِقَبْضِهَا مِنْ حُجُبِ الْغُیُوبِ، وَ رَمَاهَا عَنْ قَوْسِ الْمَنَایَا بِأَسْهُمِ وَحْشَةِ الْفِرَاقِ، وَ دَافَ لَهَا مِنْ ذُعَافِ الْمَوْتِ کَأْساً مَسْمُومَةَ الْمَذَاقِ، وَ دَنَا مِنَّا إِلَى الاخِرَةِ رَحِیلٌ وَ انْطِلاَقٌ، وَ صَارَتِ الاَعْمَالُ قَلاَئِدَ فِی الاَعْنَاقِ، وَ کَانَتِ الْقُبُورُ هِیَ الْمَأْوَى إِلَى مِیقَاتِ یَوْمِ التَّلاَقِ.
و «هوّن»: أمرٌ من: هان یهون هوناً؛ أی: سهّل.
<و «الکرب» - کضرْب -: مصدر کرَبه الأمر یکرُبه کرْباً - من باب قتل -: شقّ علیه>(412)
و «السیاق»: نزع الروح؛ أی: سهّل علینا بسبب کرامة القرآن مشقّة نزع الروح.
و «جهد الأنین» أی: مشقّة الأنین الحاصل من وجع سکرات الموت، من: جهَده الأمر و المرض جهْداً – من باب منع -: بلغ منه المشقّة؛ و: أنَّ المریض من الوجع یئِنّ أنیناً: تأوّه و صوّت من شدّة الألم؛ و هی الّتی تسمّى بالفارسیّة: ناله.
و «الترادف»: التتابع.
و «الحشارج»: جمع حشرجة، و هی الغرغرة عند الموت و تردّد النفس.
و «التراقی»: جمع ترقوة، و هو: العظم الّذی بین النحر و العاتق.
و «قیل من راقٍ» أی: یفعل الرقیّة لدفع الموت و شدائده. و «الرقیّة» تسمّى بالفارسیّة: فسونگر؛ و القائل هم حاضروا المیّت(413) و الإستفهام إمّا إنکاریٌّ – أی: من الّذی یقدر أن یرقبه أو یعوّذه من الموت -، و إمّا على أصله، لأنّ العادة جاریةٌ بطلب الطبیب و الراقی عند الإشراف على الموت. و قیل: «هو من ملائکة الموت، أی: أیّکم یرقی بروحه؟ أ ملائکة الرحمة أم ملائکة العذاب؟»(414)
و قال الفاضل الشارح: «یجوز أن یکون إشتقاقه من الرقی بمعنى: الصعود»(415)؛
و هو بعیدٌ!؛ و یردّه روایة أبی جعفرٍ: «انّ ذلک ابن آدم إذا دخل(416) به الموت قال: هل من طبیبٍ؟»(417)
<و «تجلّى» أی: ظهر و بان؛ أی: انکشف ملک الموت و ظهر لقبض النفوس.
و «الحجب»: جمع حجاب، و هو الستر.
و «الغیوب»: جمع غیب، و هو فی الأصل مصدر غاب الشیء یغیب غیباً – من باب باع -: إذا استتر عن العین؛ ثمّ استعمل فیما غاب عن العلم و العقل، و فیما غاب عن الذُّکر أیضاً>(418) شبه الغیوب بالأماکن المستورة فأثبت لها الحجب على طریقة الإستعارة المکنیّة التخییلیّة.
و «من حجب الغیوب» متعلّقٌ ب- «تجلّى»، أو ب- «القبض»؛ یعنی: انّ القبض من حیث لایراه أحدٌ. و الأخبار متواترةٌ متضافرةٌ فی رؤیة المیّت ملک الموت عیاناً، و یسمّى: وقت
المعاینة.
و «المنایا»: جمع منیّة، و هی الموت.
و «الأسهم»: جمع سهم؛ و إضافة «القوس» إلى «المنایا» من باب إضافة المشبّه به إلى المشبّه.
و کذلک إضافة «الأسهم» إلى «وحشة الفراق»، شبّه ملک الموت بالرامی على الإستعارة بالکنایة، فأثبت له قوساً و أسهماً على التخییل. و إنّما أفرد «القوس» و جمع «الأسهم»، لأنّ الرامی فی الغالب لایرمی إلّا عن قوسٍ واحدٍ و أسهمٍ متعدّدةٍ.
و «وحشة الفراق» إمّا الوحشة الناشئة من فراق الروح عن البدن، أو من فراق الدنیا و نعیمها.
و «دأف لها»، یقال: دفت الدواء أدؤفه دؤفاً – بالدال المهملة -: إذا بللته بماءٍ و خلّطته، فهو مدؤوفٌ.
و «الذُعاف» – بالذال المعجمة المضمومة، على وزن غراب -: السمّ؛ أی: و إذا بلّ ملک الموت للنفوس من سمّ مرارة الموت کأساً من صفتها انّها «مسمومةٌ مذاقها» – أی: موضع ذوقها -.
«الکأس» بالهمزة ساکنةً، و یجوز تحقیقها؛ قال الله -تعالى -: (بِکَأْسٍ مِنْ مَعِینٍ – بَیْضَاءَ)(419)، و قال ابن الأعرابیّ: «لایسمّى الکأس کأساً إلّا و فیها الشراب»(420)؛ و قیل: «لایسمّى الکأس کأساً إلّا إذا کانت مملوّةً»؛ و اعترض على قوله:
شَرِبْنَا وَ أَهْرَقْنَا عَلَى الاَرضِ جُرعَةً++
وَ لِلاَْرضِ مِنْ کَأْسَ الْکِرَامِ نَصِیبُ(421)
و قیل: «الجرعة: هی الحصّة القلیلة من الشرب و نحوه إذا کانت فی القدح، فلایسمّى
کأساً، لأنّه غیر مملوٍّ»؛
و أجیب: «بأنّه مبالغةٌ فی مدح أنفسهم بالکرم، و أنّهم یبقون فی القدح بقیّةً کثیرةً حتّى کأنّه کأسٌ».
أقول: یمکن الجواب بأنّهم أهرقوا الجرعة قبل الشرب إیثاراً للأرض على أنفسهم. و الحقّ ان السؤال تعنّتٌ و الجواب تکلّفٌ! و الأمر هیّنٌ بیّنٌ؛ و الشاعر لایدقّق علیه فی أمثال ذلک.
و الکلام إمّا استعارةٌ تمثیلیّةٌ، أو مکنیّةٌ تخییلیّةٌ مرشّحةٌ. و إیقاع الدؤف على الکأس مجازٌ عقلیٌّ – لکونها ظرفاً للمذوق -.
<و «دنا منّا» أی: قرب.
و «الرحیل»: مصدر رحل عن البلد: إذا سار عنه.
و «الإنطلاق»: الذهاب.
و «القلائد»: جمع قلادة، و هی ما یعلّق فی العنق؛ إشارةً إلى قوله -تعالى -: (وَ کُلُّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِی عُنُقِهِ)(422) >(423)، أی: عمله و ما قدّر له، کأنّه طیّر له من عشّ الغیب و وکر القدر فی عنقه. و قال صاحب الکشّاف: «طائره: عمله؛ و عن ابن عینیة: هو من قولک: طار له سهمٌ: إذا خرج؛ یعنی: ألزمناه ما طار إلیه من عمله. و المعنى: انّ عمله لازمٌ له لزوم القلادة – أو الغلّ – لایفکّ عنه؛ و منه مثل العرب: تقلدّها طوق الحمامة؛ و قولهم: الموت فی الرقاب؛ و هذا ربقةٌ فی رقبته(424)»(425)
العیّاشی(426) عنهما – علیهما السلام – قال: «قدره الّذی قدر علیه»؛
و القمّیّ(427) عن الباقر – علیه السلام -: «خیره و شرّه معه حیث کان لایستطیع فراقه، حتّى یعطى کتابه یوم القیامة بما عمل».
قال الإمام: «قالت حکماء الإسلام: هذه الآیة فی غایة الشرف، و فیها أسرارٌ عجیبةٌ. فالبحث الأوّل: انّه -تعالى – جعل فعل العبد کالطیر الّذی یطیر إلیه، و ذلک لأنّه -تعالى – قدّر لکلّ أحدٍ فی الأزل مقداراً من الخیر و الشرّ. فذلک الحکم الّذی سبق فی علمه الأزلیّ لابدّ و أن یصل إلیه، فذلک الحکم کأنّه طائرٌ یطیر إلیه من الأزل إلى ذلک الوقت؛ و إذا حضر ذلک الوقت وصل إلیه ذلک الطائر وصولاً لاخلاص عنه ألبتّة. و إذا علم الإنسان فی کلّ قولٍ و فعلٍ و لمحةٍ و فکرةٍ انّه کان بمنزلة طائرٍ طیّره الله على منهجٍ معیّنٍ و طریقٍ معیّنٍ و انّه لابدّ و أن یصل إلیه ذلک الطائر، فعند ذلک عرف انّ الکفایة الأبدیّة لاتتمّ إلّا بالعنایة الأزلیّة.
البحث الثانی: انّ هذه التقدیرات إنّما تقدّرت بإلزام الله، و ذلک باعتبار انّه -تعالى – جعل کلّ حادثٍ متقدّمٍ علّةً لحصول الحادث المتأخّر؛ فلمّا کان وضع هذه السلسلة من الله لاجرم کان الکلّ من الله. و عند هذا یتخیّل الإنسان طیوراً لانهایة لها و لاغایة لأعدادها، و انّه -تعالى – طیّرها من وکر الأزل و ظلمات عالم الغیب، و انّها سارت و طارت طیراناً لانهایة لها و لاغایة، و کان کلّ واحدٍ منها متوجّهاً إلى ذلک الإنسان المعیّن فی الوقت المعیّن بالصفة المعیّنة. و هذا هو المراد من قوله: (أَلْزَمنَاهُ طَائِرَهُ فِی عُنُقِهِ).
و البحث الثالث: التجربة تدلّ على أنّ تکریر الأعمال الإختیاریّة یفید حدوث الملکة النفسانیّة الراسخة فی جوهر النفس، ألاَ ترى انّ من واظبت على تکرار قراءة درسٍ واحدٍ صار ذلک العمل ملکةً له؟.
إذا عرفت هذا فنقول: لمّا کان التکریر الکثیر یوجب حصول الملکة الراسخة وجب أن یحصل لکلّ واحدٍ من الأعمال أثرٌ فی جوهر النفس؛ فانّا لمّا رأینا عند توالی القطرات الکثیرة من الماء على الحجر حصلت الثقبة فی الحجر علمنا انّ لکلّ واحدٍ من تلک القطرات أثراً مّا فی حصول تلک الثقب و إن کان ضعیفاً قلیلاً.
و أیضاً: الکتابة فی عرف الناس عبارةٌ عن نقوشٍ مخصوصةٍ، فعلى هذا دلالة تلک النقوش على تلک المعانی دلالةٌ وضعیّةٌ إصطلاحیّةٌ قابلةٌ للنسخ و الزوال، فلوقدّرنا حصول نقوشٍ مخصوصةٍ دالّةٍ على تلک المعانی المخصوصة دلالةً ذاتیّةً جوهریّةً واجبة الثبوت ممتنعة الزوال کان الکتاب المشتمل على النقوش الدالّة بالوضع و الإصطلاح باطلاً.
و إذا عرفت هاتین المقدّمتین فنقول: إنّ کلّ عملٍ یصدر من الإنسان – کثیراً کان أو قلیلاً، قویّاً کان أو ضعیفاً – فانّه یحصل لامحالة فی جوهر النفس الإنسانیّة أثرٌ مخصوصٌ، فان کان الأثر أثر إنجذاب الروح من حضرة الحقّ إلى الإشتغال بالخلق کان ذلک من موجبات الشقاوة و الخذلان إلّا انّ تلک الآثار یخفی مادام الروح یبقى متعلّقاً بالبدن – لأنّ اشتغال الروح بتدبیر البدن یمنع من انکشاف هذه الأحوال و ظهورها -، فإذا انقطع تعلّق الروح عن تدبیر البدن فهناک تحصل القیامة، لقوله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «من مات فقد قامت قیامته»(428) و معنى کون هذه الحالة قیامةً: انّ النفس الناطقة کانت ساکنةً مستقرّةً فی هذا الجسد، فإذا انقطع ذلک التعلّق قامت النفس و توجّهت نحو الصعود إلى العالم العلویّ؛ فهذا هو المراد من کون هذه الحالة قیامتهم.
و عند حصول القیامة بهذا المعنى زال الغطاء و انکشف و قیل له: (فَکَشَفْنَا عَنْکَ غِطَاءَکَ فَبَصَرُکَ الْیَومَ حَدِیدٌ)(429)»(430)؛ انتهى کلامه.
و قد قیل بالفارسیّ:
همه أفعال و أقوال مدخّر++
هویدا گردد اندر روز محشر
چو عریان کردى از هر پیرهن تن++
شود عیب و هنر یکباره روشن
همه پیدا شود آنجا ضمائر++
فرو خوان آیه تبلى السرائر
و قد فصّلنا و حقّقنا هذا المطلب فی اللمعة الأولى؛ فتذکّر!.
و «المأوى»: المنزل.
و «یوم التلاق»: یوم القیامة؛ قال -تعالى -: (لِیُنْذِرَ یَومَ التَّلاَقِ)(431)، لأنّه تتلاقی فیه الأرواح و الأجساد، و أهل السماء و الأرض(413)، و الأعمال و العمّال. و فی الفقرات المذکورة تنبیهٌ على أنّ مرارة الموت حاصلةٌ فی جمیع المراتب، و لذا طلب سهولته فی جمیعها. و إنّما لم یذکر مرتبة سؤال المنکر و النکیر، لأنّها حال الحیاة فی ثانی الحال، لامرتبةً من مراتب الموت؛ و إلیه أشار بقوله: «و کانت القبور هی الماوى إلى میقات یوم التلاق».
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ بَارِکْ لَنَا فِی حُلُولِ دَارِ الْبِلَى، وَ طُولِ الْمُقَامَةِ بَیْنَ أَطْبَاقِ الثَّرَى، وَ اجْعَلِ الْقُبُورَ بَعْدَ فِرَاقِ الدُّنْیَا خَیْرَ مَنَازِلِنَا، وَ افْسَحْ لَنَا بِرَحْمَتِکَ فِی ضِیقِ مَلاَحِدِنَا، وَ لاَتَفْضَحْنَا فِی حَاضِرِی الْقِیَامَةِ بِمُوبِقَاتِ آثَامِنَا.
«و بارک لنا» أی: کثّر الخیر فی وقت نزولنا فی القبر؛ یقال: بارک الله له فی الشیء: جعل فیه کثیر الخیر.
و «الحلول» فی المکان: النزول به.
و «البِلى» – بالکسر و القصر -: مصدر بلى المیّت یبلی بلیً و بلاءً – بالفتح و المدّ -: إذا أفنت الأرض جسده. و المراد ب- «دار البلى»: القبر، لأنّه یبلی البدن و یصیّره رمیماً.
و «المقامة»: مصدرٌ بمعنى الإقامة.
و «الأطباق»: جمع طَبَق – بفتحتین، کسبب و أسباب -، و هو فی الأصل: الشیء الّذی یکون على مقدار الشیء مطبقاً له من جمیع جوانبه – کالغطاء له؛ و منه یقال: أطبقوا على کذا: إذا اجتمعوا علیه متوافقین غیر متخالفین -، ثمّ استعمل فی الشیء الّذی یکون فوق الآخر تارةً، و فیما یوافق أخرى؛ ف- «أطباق الثرى»: ما کان بعضها فوق بعضٍ، فان کلّ سطحٍ طبقةٌ.
و «الثرى» قیل: «هو التراب مطلقاً»؛
و قیل: «التراب الندا»؛ <و قیل: «المراد من «أطباق الثرى»: طبقات الأرض المقابلة لطبقات السماء، کما فی قوله -تعالى -: (سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَ مِنَ الاَرْضِ مِثْلَهُنَ)(190)»؛
و قیل: «فیه إشارةٌ إلى مراتب الإستحالات»؛
و هذان کما ترى!.
و «الفُسحة» – بالضمّ -: السعة.
و «الضیق» بالفتح و الکسر بمعنىً واحدٍ، و هو: خلاف السعة. و قیل: «المفتوح: مایضیق عنه الصدر، و المکسور: مایکون فیه متّسعٌ فیضیق»(432)»>(408)
و «الملاحد»: جمع ملحد، و هو المکان الّذی یضطجع فیه الشخص – أی: ینام بالجنب -؛ و لذا یسمّى الکافر: ملحداً، لأنّه انحرف عن الحقّ على جنبٍ. و الإضافة من قبیل إضافة الموصوف إلى الصفة، أی: الملاحد الضیّقة.
و «لاتفضحنا» أی: لاتکشف مساوینا بسبب مهلکات ذنوبنا فی نظر حضّار «القیامة»؛ <و فی الصحاح: «الحاضر: الحیّ العظیم، یقال: حاضر طیّىءٍ، و هو جمعٌ، کما یقال سامرٌ
للسمّار، و حاجٌّ للحجّاج»(433) أو المعنى: المکان المحضور یوم القیامة؛ قال الخطابیّ: «ربّما جعلوا الحاضر اسماً لمکان الحضور(434)، فیقولون: نزلنا حاضر بنی فلانٍ، فهو فاعلٌ بمعنى مفعولٍ»(435)؛ قال ابن الأثیر: «و منه الحدیث: «هجرة الحاضر» أی: المکان المحضور، و قد تکرّر فی الحدیث»(436) >(437)؛
و قیل: «المراد بحاضر القیامة: خلاف بادیها؛ أی: السعداء، فانّ لأهل المدن و القرى زیادة فضیلةٍ و شرفٍ على البادیة؛ یقال: الحاضر خلاف البادی».
قوله – علیه السلام -: «بموبقات آثامنا» إمّا من إضافة الصفة إلى موصوفها، أو بمعنى اللام.
وَ ارْحَمْ بِالْقُرْآنِ فِی مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَیْکَ ذُلَّ مَقَامِنَا، وَ ثَبِّتْ بِهِ عِنْدَ اضْطِرَابِ جِسْرِ جَهَنَّمَ یَوْمَ الْمَجَازِ عَلَیْهَا زَلَلَ أَقْدَامِنَا، وَ نَوِّرْ بِهِ قَبْلَ الْبَعْثِ سُدَفَ قُبُورِنَا، وَ نَجِّنَا بِهِ مِنْ کُلِّ کَرْبٍ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ شَدَائِدِ أَهْوَالِ یَوْمِ الطَّامَّةِ. وَ بَیِّضْ وُجُوهَنَا یَوْمَ تَسْوَدُّ وُجُوهُ الظَّلَمَةِ فِی یَوْمِ الْحَسْرَةِ وَ النَّدَامَةِ، وَ اجْعَلْ لَنَا فِی صُدُورِ الْمُوْمِنِینَ وُدّاً، وَ لاَتَجْعَلِ الْحَیَاةَ عَلَیْنَا نَکَداً.
و «ارحم بالقرآن» أی: بإعانته.
و «الذلّ»: الصغارة و الحقارة، و هو مفعولٌ ل- «ارحم».
و «المَقام» – بالفتح -: مصدرٌ بمعنى الإقامة، أو اسم مکانٍ بمعنى: موضع القیام؛ و قد
وردت الروایة فیه بالوجهین. و اضافة «الذلّ» إلى «المقام» مجازٌ عقلیٌّ.
و «الإضطراب» قال الفاضل الشارح: «من الضرب فی الأرض، و هو الذهاب فیها. و سمّی الذهاب فی الأرض ضرباً، لضربها بالأرجل»(438)؛
و هو کما ترى!. و الظاهر انّه بمعنى التزلزل، و یؤیّده ما روی فی بعض الأخبار: «انّ الصراط یتزلزل و یرتعد بأهله حتّى تکاد مفاصلهم ینحلّ بعضها من بعضٍ، و الخلائق یتساقطون منه فی النار کالذرّ فلاینجوا إلّا من رحم الله»(9)
<و «الجِسر» - بکسر الجیم و فتحها -: ما یعبّر علیه - مبنیّاً کان أو غیر مبنیٍّ -، و هو الصراط الممدود على متن جهنم>(408) <الّذی ورد فی وصفه: «انّه أدقّ من الشعر و أحدّ من السیف»(439)؛ و: «انّ المؤمن یجوزه کالبرق الخاطف»(440) و قد مرّ انّ الصراط هو الإنسان الکامل؛ و یؤیّده ما رواه المفضّل، قال: سألت أبا عبدالله - علیه السلام - عن الصراط؟ فقال: «هو الطریق إلى معرفة الله -عزّ و جلّ -. و هما صراطان:
صراطٌ فی الدنیا؛
و صراطٌ فی الآخرة. فأمّا الصراط الّذی فی الدنیا فهو الإمام المفترض(441) الطاعة، من عرفه فی الدنیا و اقتدى بهداه مرّ على الصراط الّذی هو جسر جهنّم فی الآخرة، و من لم یعرفه فی الدنیا زلّت قدمه عن الصراط فی الآخرة فتردی فی جهنّم»(442) >(443)
و روی عنه – علیه السلام – أیضاً انّه قال: «الصراط المستقیم أمیرالمؤمنین – علیه السلام -»(444)؛
و فی تفسیر أبی محمّدٍ العسکریّ(445) – علیه السلام -: «الصراط المستقیم صراطان:
صراطٌ فی الدنیا؛
و صراطٌ فی الآخرة. فأمّا الطریق المستقیم فی الدنیا فهو ما قصر عن الغلوّ و ارتفع عن التقصیر، و استقام فلم یعدل إلى شیءٍ من الباطل؛ و الطریق الآخر طریق المؤمنین إلى الجنّة، و(446) هو مستقیمٌ لایعدلون عن الجنّة إلى النار و لا إلى غیر النار سوى الجنّة»؛
و فی الحدیث النبویّ: «الصراط المستقیم أدقّ من الشعر و أحدّ من السیف و أظلم من اللیل!»(447) و تفسیر ذلک: انّ کمال الإنسان فی السلوک إلى الحقّ منوطٌ باستکمال قوّتیه؛ أمّا العلمیّة فبحسب إصابة الحقّ فی الأنظار الدقیقة الّتی هی أدقّ من الشعر فی المعالم الإلهیّة؛ و أمّا العملیّة فبحسب توسّط القوّة الشهویّة و الغضبیّة و الفکریّة فی الأعمال لتحصل ملکة العدالة، و هی أحدّ من السیف. فالأوّل من الصراطین فی کلام الإمام – علیه السلام – إشارةٌ إلى هذین. فللصراط المستقیم فی الدنیا وجهان: أحدهما أدقّ من الشعر، و الآخر أحدّ من السیف؛ و هما مظلمان لایهتدی إلیهما إلّا من جعل الله (لَهُ نُوراً یَمْشِی بِهِ فِی النَّاسِ)(448) و لهذا ورد فی الخبر: «إنّ الصراط ظهر یوم القیامة للأبصار على قدر نور
المارّین علیه، فیکون دقیقاً فی حقّ بعضٍ و جلیلاً فی حقّ آخرین، و انّهم یعطون نورهم على قدر أعمالهم -… الحدیث -»(9)؛ و قد مرّ سابقاً هذا الحدیث. فالمراد من النور: القوّة
النظریّة، أو الولایة الکلّیّة؛ فتفطّن!.
و «المجاز»: الجواز.
و «الزلل»: الزلق.
<و «السدف»: جمع سُدفة - بالضمّ -، و هی: الظلمة؛ و منه حدیث: «کشفت عنهم سدف الریب»(449) - أی: ظلمه -.
و «الطامة»: القیامة، من: طمّ الأمر طمّاً – من باب قتل – أی: علا و غلب، لأنّها>(450) تعلو و تغلب کلّ طامّةٍ. و لذلک وصفها -تعالى – بالکبرى، فقال: (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْکُبْرَى)(451) – أی: العظمى -.
«یوم تسودّ وجوه الظلمة»، المراد به السواد الحقیقیّ؛ و قیل: «هو کنایةٌ عن الخزی»؛
و قیل: «بیاض الوجوه و سوادها کنایتان عن ظهور بهجة السرور و کآبة الخوف فیها»؛
و قیل: «یوسم أهل الحق ببیاض الوجه و إشراق البشرة، و أهل الباطل بضدّ ذلک»؛ و قد استوفینا الکلام علیهما فیما سبق.
و «الحسرة»: شدّة التلهّف على الشیء الفائت.
و «یوم الحسرة»: هو یوم القیامة، لتحسیر جمیع الناس فیه؛ أمّا المسیء فعلى إساءته، و أمّا المحسن فعلى عدم زیادته الإحسان!.
و «الودّ»: المحبّة.
و «النکد»: الشدّة.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِکَ وَ رَسُولِکَ کَمَا بَلَّغَ رِسَالَتَکَ، وَ صَدَعَ بِأَمْرِکَ، وَ نَصَحَ لِعِبَادِکَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَبِیَّنَا – صَلَوَاتُکَ عَلَیْهِ وَ عَلَى آلِهِ – یَوْمَ الْقِیَامَةِ أَقْرَبَ الْنَّبِیِّینَ مِنْکَ مَجْلِساً، وَ أَمْکَنَهُمْ مِنْکَ شَفَاعَةً، وَ أَجَلَّهُمْ عِنْدَکَ قَدْراً، وَ أَوْجَهَهُمْ عِنْدَکَ جَاهاً.
«الصدع»: الکسر، أی: شقّ جماعات الکافرین؛ أو: أجهر بالقرآن و أظهره؛ أو: فرّق بین الحقّ و الباطل بأمرک. و فیه إشارةٌ إلى قوله -تعالى -: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِکِینَ)(452)، أی: أظهر أمرک من غیر خوفٍ عن أحدٍ. <قال أهل البیان: «هو مستعارٌ من صدع الزجاجة. و هی استعارة محسوسٍ لمعقولٍ، فانّ الصدع المستعار - و هو کسر الزجاجة - محسوسٌ، و التبلیغ المستعار له معقولٌ، و الجامع التأثیر. و هو أبلغ من بلغ و إن کان بمعناه، لأنّ تأثیر الصدع أبلغ من تأثیر التبلیغ، فقد لایؤثّر التبلیغ و الصدع یؤثّر جزماً».
و المراد بالقرب فی قوله – علیه السلام -: «أقرب النبیّین»: قرب المنزلة و الرتبة>(453)، لأنّ الله بریءٌ من المکان.
و «أمکنهم» مأخوذٌ إمّا من التمکّن، أو المکانة.
و «الجاه»: القدر و المنزلة. فان قلت: هذا تحصیل حاصلٍ بالنسبة إلى صاحب الدعاء – علیه السلام – !،
قلنا: المراد التثبیت على تلک الصفات – کما قیل فی: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِیمَ)(454) -.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ شَرِّفْ بُنْیَانَهُ، وَ عَظِّمْ بُرْهَانَهُ، وَ ثَقِّلْ مِیزَانَهُ، وَ
تَقَبَّلْ شَفَاعَتَهُ، وَ قَرِّبْ وَسِیلَتَهُ، وَ بَیِّضْ وَجْهَهُ، وَ أَتِمَّ نُورَهُ، وَ ارْفَعْ دَرَجَتَهُ. وَ أَحْیِنَا عَلَى سُنَّتِهِ، وَ تَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَ خُذْ بِنَا مِنْهَاجَهُ، وَ اسْلُکْ بِنَا سَبِیلَهُ، وَ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ، وَ احْشُرْنَا فِی زُمْرَتِهِ، وَ أَوْرِدْنَا حَوْضَهُ، وَ اسْقِنَا بِکَأْسِهِ.
«الشرف»: علوّ المنزلة.
و «البنیان»: البناء و الأساس.
و «البرهان»: الدلیل و الحجّة.
و «المیزان» قد مرّ معناه.
و «قرّب وسیلته» أی: اجعل ما یتوسّل به إلى شفاعة المؤمنین مقرّباً مقبولاً عند حوضه الکوثر. عن ابن عبّاس انّه قال: «لمّا نزلت (إِنَّا أَعْطَینَاکَ الْکَوثَرَ)(455) صعد رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – المنبر فقرأها على الناس، فلمّا نزل قالوا: یا رسول الله! ما هذا الّذی أعطاکه الله؟
قال: نهرٌ فی الجنّة أشدّ بیاضاً من اللبن و أشدّ استقامةً من القدح، حافتاه قباب الدرّ و الیاقوت ترده طیر خضرٍ بها أعناق البخت!،
قالوا: یا رسول الله! ما أنعم هذا الطائر(456) !،
قال: أ فلاأخبرکم بأنعم منه؟
قالو: بلى یا رسول الله!
قال: من أکل الطائر و شرب الماء فاز برضوان الله!»(457)
و فی خبرٍ: «عرضه ما بین أیلة و صنعاء، و انّ الوالی علیه یوم القیامة أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالبٍ – علیه السلام -، یسقی منه أولیاء و یذود عنه أعداءه»(458)؛
و قال النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «لیختلجنّ قومٌ من أصحابی دونی و أنا على الحوض، فیأخذ بهم ذات الشمال فأنادی: یا ربّ أصحابی! أصحابی(459) !، فیقال لی: إنّک لاتدری ما أحدثوا بعدک!»(460)؛
و قد یقال: «إنّ الحوض على باب الجنّة خارجٌ عنها. و ماؤه الموعود من ماء الکوثر الّذی هو النهر الجاری فی وسط الجنّة».
و فسّر ابن عبّاسٍ «الکوثر» ب-: الخیر الکثیر(461)، و بالنبوّة(462)، و بالقرآن(463)، و بخدیجة(464) – رضی الله عنها -، فانّ جمیع أولاده – صلوات الله علیه – منها سوى إبراهیم.
و سئل الإمام الصادق – علیه السلام – عن قول الرجل للرجل: جزاک الله خیراً، ما یعنی به؟
فقال – علیه السلام -: «إنّ خیراً نهرٌ فی الجنّة مخرجه من الکوثر، و الکوثر مخرجه من ساق العرش علیه منازل الأوصیاء و شیعتهم، على حافّتی ذلک النهر جواری نابتاتٌ، کلّما قلعت واحدةٌ نبتت أخرى! سمّی بذلک النهر، و ذلک قوله -تعالى -: (فِیهِنَّ خَیْرَاتٌ حِسَانٌ)(465) فإذا قال الرجل لصاحبه: جزاک الله خیراً فإنّما یعنی بذلک تلک المنازل الّتی قد أعدّها الله -تعالى – لصفوته و خیرته من خلقه»(466)
لمعةٌ عرشیّةٌ
یخطر بالبال انّ مثال الکوثر فی الدنیا هو: العلم و الحکمة، و مثال أوانیه: علماء الأمّة؛ و لذا فسّر بالخیر الکثیر، فانّ الله -عزّ و جلّ – یقول: (وَ مَنْ یُؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِیَ خَیْراً کَثِیراً وَ مَا یَذَّکَّرُ إِلاَّ أُولُوا الاَلْبَابِ)(467) و یؤیّد هذا ما روی عن الصادق – علیه السلام – فی تأویل الآیة: «إنّا أعطیناک نوراً فی قلبک دلّک علیّ و قطعک عمّا سوای»(468)؛ فافهم و اغتنم!.
و بکأسه أی: کأس حوضه، أو کأس النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -.
و قد تقدّم الکلام على «منهاجه» و «سبیله»؛ فلانعیده.
وَ صَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، صَلاَةً تُبَلِّغُهُ بِهَا أَفْضَلَ مَا یَأْمُلُ مِنْ خَیْرِکَ وَ فَضْلِکَ وَ کَرَامَتِکَ، إِنَّکَ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ، وَ فَضْلٍ کَرِیمٍ. اللَّهُمَّ اجْزِهِ بِمَا بَلَّغَ مِنْ رِسَالاَتِکَ، وَ أَدَّى مِنْ آیَاتِکَ، وَ نَصَحَ لِعِبَادِکَ، وَ جَاهَدَ فِی سَبِیلِکَ، أَفْضَلَ مَا جَزَیْتَ أَحَداً مِنْ مَلاَئِکَتِکَ الْمُقَرَّبِینَ، وَ أَنْبِیَائِکَ الْمُرْسَلِینَ الْمُصْطَفَیْنَ، وَ السَّلاَمُ عَلَیْهِ وَ عَلَى آلِهِ الطَّیِّبِینَ الطَّاهِرِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.
«بها» أی: بتلک الصلاة؛ و قد مرّ معنى الصلاة علیه مستوفىً.
و «أفضل»: مفعول ثانٍّ ل- «تبلّغه» مضافٌ إلى قوله – علیه السلام -: «ما یأمل» أی: الرسول، أو المصلّی.
و «الخیر»: ما یختار و یرغب فیه؛ و خیره -تعالى – خیرٌ مطلقٌ – أی: مرغوبٌ فیه على کلّ حالٍ -.
<و «الفضل»: العطاء الّذی لایلزم المعطی، و علیه قوله -تعالى -: (وَ اسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ
فَضْلِهِ)(469)
و جملة «إنّک ذو رحمةٍ واسعةٍ» مستأنفةٌ، تعلیلٌ لما قبلها و تحریکٌ لسلسلة الإجابة>(470)
و «المصطَفَیْن» – بفتح الفاء و سکون الیاء -: جمع المصطفى – أی: المجتبى -. و قد تقدّم الکلام على أمثال هذه الفقرات و المراد منها، فلانعیده خوفاً للإطناب و الإطالة.
و قد وفّقنی الله -تعالى – لإتمام هذه اللمعة البهیّة فی لیلة الإثنین من العشر الأوّل من ذیحجّة سنة إثنین و ثلاثین و مأتین و ألفٍ من الهجرة؛ و الصلاة و السلام على الحضرة المحمّدیّة و أهل بیته المطهّرین عن الأرجاس الطبیعة.
1) و انظر: «لسان العرب» ج 1 ص 129 القائمة 1.
2) و انظر: «تاج العروس» ج 1 ص 218 القائمة 1.
3) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 389.
4) کریمة 109 الکهف.
5) لم أعثر على العبارة فی آثاره المطبوعة، و لا على ما نقله المصنّف من نجمالدین.
6) المصدر: لایکشف.
7) انظر – مع تغییرٍ -: «عوالی اللئالی» ج 4 ص 107 الحدیث 159. و عقد المحقّق المجلسیّ باباًلبیان «انّ للقرآن ظهراً و بطناً…»؛ راجع: «بحارالأنوار» ج 89 ص 78.
8) هیهنا حذف المصنّف قطعةً من المصدر.
9) لم أعثر علیه.
10) المصدر: – الله.
11) المصدر: الأربعة.
12) لم أعثر علیه أیضاً.
13) المصدر: و قد نبّهتک.
14) راجع: «إعجاز البیان» ص 146.
15) مصدر الحدیث: اعربوا.
16) راجع: «بحارالأنوار» ج 89 ص 106، «منیة المرید» ص 368.
17) راجع: «قوت القلوب» ج 1 ص 103.
18) المصدر: + من.
19) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 105، و انظر: «المحجّة البیضاء» ج 2 ص 251.
20) کریمة 33 النازعات / 32 عبس.
21) راجع: «إحیاء علوم الدین» ج 1 ص 218.
22) لم أعثر علیه فی مصادر العامّة.
23) المصدر: یرزق الله.
24) راجع: «المنتقى» – لابنالجارود – ج 1 ص 200 الحدیث 794.
25) لم أعثر علیه فی مصادر العامّة، و انظر: «بحارالأنوار» ج 75 ص 278، «أعلام الدین» ص303، «جامع الأخبار» ص 41، «عوالی اللئالی» ج 4 ص 105 الحدیث 155، منسوباً إلیه أوإلى غیره من أئمّتنا المعصومین – علیهم صلوات الله -.
26) راجع: «تفسیر العیّاشی» ج 1 ص 11 الحدیث 5، و انظر أیضاً: «بحارالأنوار» ج 89 ص 97،«مستدرک الوسائل» ج 17 ص 331 الحدیث 21504.
27) المصدر: – تنزیله.
28) کریمة 7 آل عمران.
29) راجع: «إصطلاحات الصوفیّة» ص 64 الإصطلاح 213.
30) و انظر: «لطائف الاعلام» ص 537 الإصطلاح 1396.
31) راجع: «الکافی» ج 2 ص 352 الحدیث 7، «وسائل الشیعة» ج 4 ص 72 الحدیث 4544، وانظر: «مستدرک الوسائل» ج 3 ص 58 الحدیث 3015، «بحارالأنوار» ج 58 ص 149.
32) لم أعثر علیه فی مصادرنا الروائیّة و التفسیریّة.
33) کریمة 52 الحج.
34) راجع: «تفسیر القرطبی» ج 12 ص 79، و لم أعثر على هذه القراءة فی غیره.
35) راجع: «عوالی اللئالی» ج 4 ص 107 الحدیث 159.
36) المصدر: یستثنیه.
37) المصدر: – لم یمکنه ذلک.
38) المصدر: تتمکّن.
39) کریمات 77، 78، 79، 80 الواقعة.
40) المصدر: التنزیل.
41) کریمة 9 النجم.
42) راجع – مع تغییرٍ یسیر -: «بحارالأنوار» ج 18 ص 360، ج 79 ص 243.
43) المصدر: الإشارة.
44) کریمة 22 الزمر.
45) لم أعثر علیه، لا فی مصادرنا و لا فی مصادر العامّة.
46) کریمة 37 ق.
47) کریمة 10 الملک.
48) کریمة 6 التوبة.
49) کریمة 164 الصافات.
50) کریمة 76 یوسف.
51) کریمة 253 البقرة.
52) کریمة 71 النحل.
53) المصدر: و.
54) راجع: «مفاتیح الغیب» ج 1 ص 115.
55) کریمة 11 الشورى.
56) کریمة 180 الصافّات.
57) کریمة 117 البقرة / 101 الأنعام.
58) کریمة 8 المزمّل.
59) کریمتان 15 / 16 المطفّفین.
60) کما فی «جامع السعادات» ج 1 ص 115.
61) کذا فی النسختین، و تلاحظ علیه انّ الأقسام تسعةٌ لا عشرة.
62) کریمة 79 الواقعة.
63) کریمة 89 الشعراء.
64) راجع: «مستدرک الوسائل» ج 4 ص 241 الحدیث 4598، و انظر: «الجعفریّات» ص 238،«عوالی اللئالی» ج 4 ص 112 الحدیث 173، «الکافی» ج 1 ص 36 الحدیث 3، «مشکاةالأنوار» ص 173.
65) راجع: «المحجّة البیضاء» ج 2 ص 237.
66) کریمة 118 المائدة.
67) راجع: «بحارالأنوار» ج 16 ص 293، «مسند أحمد» ج 5 ص 156، «المحجّة البیضاء» نفس المجلّد و الصفحة.
68) کریمة 4 الفاتحة.
69) راجع: «الکافی» ج 2 ص 602 الحدیث 13، «وسائل الشیعة» ج 6 ص 151 الحدیث7593، «مستدرک الوسائل» ج 4 ص 220 الحدیث 4540، «بحارالأنوار» ج 46 ص 107.
70) کریمة 164 البقرة / 190 آل عمران.
71) لم أعثر علیه. و روى القرطبیّ عنه – صلّى الله علیه و آله و سلّم – انّه قال: «ویلٌ لمن قرأ هذه الآیة فمجّ بها»، ثم أضاف القرطبیّ: «أی: لم یتفکّر فیها»؛ راجع: «تفسیر القرطبی» ج 2ص 201.
72) کریمة 21 الجاثیة.
73) راجع: «المحجّة البیضاء» ج 2 ص 238، و فیه: «و قام تمیم الداری». و قال ابن أبی شیبة: «وکان الربیع یصلّی لیلةً فمرّ بهذه الآیة: (أَمْ حَسِبَ)، فردّدها حتّى أصبح»؛ راجع: «المصنّف»ج 7 ص 145.
74) کریمة 59 یس.
75) راجع: «المحجّة البیضاء» نفس المجلّد و الصفحة.
76) کریمة 13 غافر.
77) کریمة 269 البقرة / 7 آل عمران.
78) کریمة 25 الأنعام / 46 الإسراء / 57 الکهف.
79) کریمة 82 الإسراء.
80) کریمة 231 البقرة.
81) کریمة 10 الأنبیاء.
82) کریمة 43 القصص.
83) تلمیحٌ إلى کریمة 143 الأعراف.
84) کریمة 41 النساء.
85) راجع: «مستدرک الوسائل» ج 4 ص 238 الحدیث 4593، و انظر: «بحارالأنوار» ج 16ص 293.
86) کریمة 15 یونس.
87) کریمة 4 الممتحنة.
88) کریمة 12 إبراهیم.
89) کریمة 18 هود.
90) کریمة 1 الأنبیاء.
91) کریمة 29 النجم.
92) کریمة 78 البقرة.
93) کریمة 105 یوسف.
94) کریمة 2 الأنفال.
95) کریمة 109 الإسراء.
96) راجع: «الکافی» ج 2 ص 614 الحدیث 2، «وسائل الشیعة» ج 6 ص 208 الحدیث 7748،و انظر: «مستدرک الوسائل» ج 4 ص 273 الحدیث 4681، «بحارالأنوار» ج 89 ص 191،«جامع الأخبار» ص 49.
97) لم أعثر علیه، و انظر: «مفتاح الفلاح» ص 367.
98) تلمیحٌ إلى قول لبید: أَلاَ کُلُّ شَیْءٍ مَا خَلاَ اللَّهِ بَاطِلُ راجع: «دیوان لبید» ص 148.
99) کریمة 88 القصص.
100) کریمة 28 فاطر.
101) راجع: «بحارالأنوار» ج 89 ص 107، «عوالی اللئالی» ج 4 ص 116 الحدیث 181، «مفتاح الفلاح» ص 372.
102) راجع – مع تغییرٍ یسیر -: «فلاح السائل» ص 108، «بحارالأنوار» ج 47 ص 58، ج 84 ص247، و انظر أیضاً: «کشف الغایات فی شرح ما اکتنف علیه التجلّیّات» ص 172، «عوارف المعارف» ص 26، «إحیاء علوم الدین» ج 1 ص 259.
103) راجع: «مفتاح الفلاح» ص 372.
104) المصدر: + جعفر.
105) کریمة 30 القصص.
106) المصدر: و ما أحسن قول الشیخ الشبستریّ بالفارسیّة نظماً.
107) مفتاح الفلاح: الله.
108) راجع: «گلشن راز» ص 48 البیت 8.
109) انظر: «المحجّة البیضاء» ج 2 ص 247، «جامع السعادات» ج 3 ص 377.
110) هذا قول ثابت البنانیّ، راجع: «المحجّة البیضاء» ج 2 ص 278.
111) کریمة 50 الذاریات.
112) کریمة 51 الذاریات.
113) راجع: «الکافی» ج 2 ص 617 الحدیث 2، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 6 ص 216 الحدیث7771.
114) المصدر: لله.
115) المصدر: محتاج.
116) المصدر: فإذا.
117) المصدر: و لایعترضه.
118) المصدر: عن.
119) المصدر: بالخصلتین: خضوع القلب و فراغ البدن.
120) المصدر: فإن.
121) المصدر: حینئذٍ.
122) راجع: «مصباح الشریعة» ص 57.
123) کریمة 42 فصّلت.
124) راجع: «الکافی» ج 2 ص 614 الحدیث 1، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 6 ص 207 الحدیث7743، «مستدرک الوسائل» ج 4 ص 270 الحدیث 4671، «النوادر» – للراوندی – ص 30.
125) کریمة 4 المزّمل.
126) المصدر: تبیاناً.
127) المصدر: – به.
128) کریمة 50 الأعراف.
129) تکرّرت هذه الکریمة 8 مرّات فی القرآن الکریم، فانظر 117 البقرة.
130) راجع: «کنز العمّال» الحدیث 34744، «إتحاف السادة المتّقین» ج 2 ص 108، «الأسرارالمرفوعة» ص 113، «کشف الخفاء» ج 1 ص 417، و انظر: «بحارالأنوار» ج 27 ص 2،«عوالی اللئالی» ج 1 ص 51 الحدیث 75، «متشابه القرآن» ج 1 ص 80.
131) راجع: «الدرّ المنثور» ج 2 ص 8، «السنّة» – لابن أبی عاصم – ج 1 ص 99، «تفسیر الطبری»ج 3 ص 126، «تهذیب تاریخ دمشق» ج 6 ص 65، و انظر: «بحارالأنوار» ج 67 ص 39،«عوالی اللئالی» ج 1 ص 48 الحدیث 69، ج 4 ص 99 الحدیث 139.
132) راجع: «إتحاف السادة المتّقین» ج 2 ص 80، «المغنی عن حمل الأسفار» ج 1 ص 103،«کشف الخفاء» ج 1 ص 251، و انظر: «مجموعة ورّام» ج 1 ص 154.
133) هذا کلام الغزالی، راجع: «إحیاء علوم الدین» ج 1 ص 92.
134) المصدر: امرّوها.
135) راجع: نفس المصدر.
136) کریمة 38 الأعراف.
137) کریمة 82 النساء.
138) کریمة 40 النور.
139) کریمة 110 الإسراء.
140) راجع – مع تغییرٍ -: «وسائل الشیعة» ج 6 ص 98 الحدیث 7444، «مستدرک الوسائل» ج4 ص 199 الحدیث 4483، «بحارالأنوار» ج 82 ص 72، «تفسیر العیّاشی» ج 2 ص 319الحدیث 177، «تفسیر القمّی» ج 2 ص 30.
141) المصدر: + فیه.
142) راجع: «الکافی» ج 2 ص 116 الحدیث 13، 14، و لم أعثر علیه فی غیره.
143) لم أعثر علیه فی «مسند البزّاز».
144) راجع: «الإتقان فی علوم القرآن» ج 1 ص 372.
145) کریمة 4 المزمّل.
146) راجع: «وسائل الشیعة» ج 6 ص 207 الحدیث 7746، «بحارالأنوار» ج 82 ص 8.
147) راجع: «وسائل الشیعة» ج 6 ص 212 الحدیث 7759، «بحارالأنوار» ج 76 ص 225،«عیون أخبار الرضا» ج 2 ص 69 الحدیث 322.
148) راجع: «الکافی» ج 2 ص 615 الحدیث 9، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 6 ص 211 الحدیث7756، «مستدرک الوسائل» ج 4 ص 273 الحدیث 4680، «جامع الأخبار» ص 49.
149) راجع: «الکافی» ج 2 ص 615 الحدیث 7، و لم أعثر علیه فی غیره.
150) راجع: «الکافی» ج 2 ص 615 الحدیث 8، و لم أعثر علیه فی غیره أیضاً.
151) راجع: «الکافی» ج 2 ص 616 الحدیث 10، «بحارالأنوار» ج 11 ص 66.
152) راجع: «الکافی» ج 2 ص 616 الحدیث 11، «وسائل الشیعة» ج 6 ص 211 الحدیث7757، «بحارالأنوار» ج 46 ص 70.
153) راجع – مع تغییرٍ -: «الکافی» ج 2 ص 615 الحدیث 4، «مستدرک الوسائل» ج 4 ص 274الحدیث 4685، «بحارالأنوار» ج 89 ص 194، «الإحتجاج» ج 2 ص 395.
154) راجع: «وسائل الشیعة» ج 6 ص 209 الحدیث 7752، «بحارالأنوار» ج 89 ص 194،«مستطرفات السرائر» ص 604.
155) راجع: «من لایحضره الفقیه» ج 4 ص 60 الحدیث 5097.
156) راجع: نفس المصدر، مذیّلاً على الحدیث.
157) راجع: «الکافی» ج 5 ص 120 الحدیث 3.
158) راجع: «تهذیب الأحکام» ج 6 ص 357 الحدیث 143.
159) راجع: «مجمع البیان» ج 1 ص 46، و انظر: «مستدرک الوسائل» ج 4 ص 270 الحدیث4673، «بحارالأنوار» ج 89 ص 191، «جامع الأخبار» ص 49.
160) المصدر: + تغنّوا به.
161) راجع: «الغرر و الدرر» ج 1 ص 32، 36.
162) المصدر: الفسوق.
163) راجع: «الکافی» ج 2 ص 614 الحدیث 3، «وسائل الشیعة» ج 6 ص 210 الحدیث 7754،«الدعوات» ص 24.
164) فانظر: «شرائع الإسلام» ج 4 ص 913، «إرشاد الأذهان» ج 2 ص 156، «تحریر الأحکام»ج 2 ص 209، «جامع المقاصد» ج 4 ص 23، «مسالک الأفهام» ج 3 ص 126.
165) راجع: «شرح اللمعة» ج 3 ص 212.
166) المصدر: + و.
167) راجع: «مفاتیح الشرائع» ج 2 ص 21.
168) المصدر: ما یتعلّق به.
169) المصدر: + المعهود.
170) راجع: «کفایة الأحکام» ص 86، مع تغییرٍ و إضافةٍ.
171) راجع: «الکافی» ج 2 ص 614 الحدیث 3، «وسائل الشیعة» ج 6 ص 210 الحدیث 7754،«الدعوات» ص 24 الحدیث 32، «عوالی اللئالی» ج 4 ص 23 الحدیث 72.
172) راجع: «قرب الإسناد» ص 121، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 17 ص 122 الحدیث22148، «بحارالأنوار» ج 76 ص 255.
173) المصدر: – یکون.
174) راجع: «مسائل علیّ بن جعفر» ص 156 الحدیث 219، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 17 ص122 الحدیث 22148.
175) راجع: «الکافی» ج 5 ص 120 الحدیث 3، «التهذیب» ج 6 ص 357 الحدیث 143،«الإستبصار» ج3 ص 62 الحدیث 5، «وسائل الشیعة» ج 17 ص 121 الحدیث 22146.
176) راجع: «فقه القرآن» ج 2 ص 25، مع تغییرٍ.
177) راجع: «الکافی» ج 2 ص 616 الحدیث 13، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 6 ص 211 الحدیث7758.
178) المصدر: لادریّة.
179) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 404.
180) هذا قول شمسالدین ابن الجزری، لا المصنّف نفسه، راجع: نفس المصدر.
181) کریمة 20 النمل.
182) راجع: نفس المصدر أیضاً.
183) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 405.
184) لم أعثر على قوله هذا، لا فی «تفسیر الکشّاف» و لا فی «أساس البلاغة».
185) کریمات 17، 18، 19 القیامة.
186) کریمة 50 القمر.
187) کریمة 40 النحل.
188) کریمة 59 الأنعام.
189) قارن: «مفاتیح الغیب» ج 1 ص 101، مع تلخیصٍ.
190) کریمة 12 الطلاق.
191) کریمة 39 الرعد.
192) کریمة 164 البقرة.
193) کریمة 252 البقرة، 108 آل عمران، 6 الجاثیة.
194) انظر: «مفاتیح الغیب» ج 1 ص 109.
195) کریمة 52 الشورى.
196) کریمة 185 البقرة.
197) کریمتان 3، 4 آل عمران.
198) کریمة 43 المائدة.
199) کریمة 113 النساء.
200) هذا قول عائشة، راجع: «شرح نهج البلاغة» ج 6 ص 340.
201) هذا تحریر کلام صدرالمتألّهین، راجع: «مفاتیح الغیب» ج 1 ص 110.
202) لتحقیق مذهب الأشاعرة فی مبحث الکلام راجع: «شرح القوشجیّ على تجرید الإعتقاد»ص 316، «أصول الدین» – للبغدادیّ – ص 106، «الدرّة الفاخرة» ص 31.
203) انظر فی ذلک: «جامع الأفکار و ناقد الأنظار» ج 2 ص 423.
204) کریمة 1 نوح.
205) کریمة 16 المزمّل.
206) و لتفصیله راجع: «شرح القوشجیّ على تجرید الإعتقاد» ص 317، «جامع الأفکار و ناقدالأنظار» ج 2 ص 418.
207) البیت للأخطل، انظر: «شرح المقاصد» ج 4 ص 150، «جامع الأفکار» ج 2 ص 427، وانظر: «الفتوحات المکّیّة» ج 1 ص 106.
208) راجع: «تلخیص المحصّل» ص 292.
209) راجع: «شرح أصول الکافی» ج 3 ص 211.
210) المصدر: من کلامه.
211) المصدر: – حیث قال… لا یتکلّم.
212) کریمة 22 الأنبیاء.
213) کریمة 76 الأنعام.
214) کریمة 63 الأنبیاء.
215) کریمتان 15، 16 المائدة.
216) کریمة 3 فصّلت.
217) کریمة 1 هود.
218) کریمة 37 یونس.
219) کریمة 48 المائدة.
220) لم أعثر على قوله هذا فی کتابه، فانظر: «ترتیب کتاب العین» ج 3 ص 1915 القائمة 2، ج 1ص 108 القائمة 1.
221) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 4 ص 87.
222) قال فی مادّة «أمن»: «و منه المهیمن، و أصله: مؤأْمن، لیّنت الثانیة و قلبت یاءً، و قلبت الأولیهاءً»؛ راجع: «صحاح اللغة» ج 5 ص 2071 القائمة 2.
223) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 407.
224) المصدر: المحکم.
225) راجع: «الکافی» ج 2 ص 630 الحدیث 11، «وسائل الشیعة» ج 27 ص 183 الحدیث33552، «بحارالأنوار» ج 89 ص 15، «تفسیر العیّاشی» ج 1 ص 80 الحدیث 185، «عدّةالداعی» ص 297.
226) المصدر: + فی.
227) راجع: «مفردات ألفاظ القرآن» ص 633 القائمة 2.
228) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 413.
229) کریمة 44 فصّلت.
230) کریمة 10 البقرة.
231) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 414، مع تغییرٍ یسیر.
232) المصدر: لیعرف.
233) المصدر: یفهم.
234) المصدر: رائجها.
235) کریمة 35 الإسراء / 182 الشعراء.
236) المصدر: فهوى.
237) کریمات 7، 8، 9 الرحمن.
238) کریمة 25 الحدید.
239) کریمة 7 الرحمن.
240) المصدر: لیعلم.
241) المصدر: ثالث المعلّمین.
242) المصدر: فالخلق.
243) المصدر: – أ.
244) المصدر: أما.
245) المصدر: للشیء.
246) المصدر: + بل.
247) المصدر: واضح.
248) المصدر: غنىً.
249) المصدر: و کذلک.
250) المصدر: بهذا.
251) راجع: «مفاتیح الغیب» ج 1 ص 384، و انظر: «الحکمة المتعالیة» ج 7 ص 54، ج 9ص 300.
252) المصدر: تعلمنا.
253) المصدر: + و أنت لاتقدر علیه.
254) کریمة 258 البقرة.
255) کریمة 83 الأنعام.
256) المصدر: فنظرنا.
257) المصدر: یقول.
258) المصدر: یشکّ بالنتیجة.
259) المصدر: المعرفة.
260) المصدر: لایمکن.
261) المصدر: – و.
262) المصدر: تمییز.
263) فتأمّل انّه لزم.
264) المصدر: تأخذ.
265) المصدر: لذلک.
266) المصدر: عیاره.
267) المصدر: + الآخر.
268) المصدر: فهذا.
269) کریمة 18 المائدة.
270) المصدر: بالقسطاط.
271) المصدر: أنتم.
272) المصدر: أبناء.
273) المصدر: تجریبی.
274) المصدر: فیلزم.
275) کریمة 6 الجمعة.
276) کریمة 91 الأنعام.
277) المصدر: – فیلزم… الکتاب.
278) کریمة 99 الأنبیاء.
279) المصدر: یقول.المصدر: یقول.
280) المصدر: لنبیّه.
281) کریمة 24 سبأ.
282) المصدر: + مبین.
283) المصدر: فی.
284) المصدر: ازدواجها.
285) المصدر: فأمّا.
286) المصدر: بأسماء أخرى.
287) راجع: «مفاتیح الغیب» ج 1 ص 387.
288) راجع: «الکافی» ج 3 ص 266 الحدیث 13، «من لایحضره الفقیه» ج 1 ص 207 الحدیث622، «وسائل الشیعة» ج 4 ص 33 الحدیث 4440، «مستدرک الوسائل» ج 3 ص 33الحدیث 2948.
289) راجع: «الکافی» ج 1 ص 419 الحدیث 36، «بحارالأنوار» ج 7 ص 249، «تأویل الآیات الظاهرة» ص 322.
290) کریمتان 8، 9 الأعراف.
291) راجع: «معانى الأخبار» ص 31 الحدیث 1.
292) کریمة 47 الأنبیاء.
293) راجع: «الإحتجاج» ج 2 ص 351، و انظر: «بحارالأنوار» ج 7 ص 248.
294) المصدر: بأجسامٍ.
295) المصدر: أو.
296) المصدر: قال.
297) کریمة 8 الأعراف / 102 المؤمنون / 6 القارعة.
298) راجع: «التوحید» ص 267 الحدیث 5، و انظر: «بحارالأنوار» ج 90 ص 140.
299) کریمة 8 القارعة.
300) کریمة 4 المعارج.
301) البیت لرشیدالدین الوطواط، و لم أعثر على دیوانه، و انظر: «جامع الشواهد» – الطبعةالحجریّة – ص 295.
302) راجع: «القاموس المحیط» ص 1087 القائمة 1، «صحاح اللغة» ج 5 ص 2078 القائمة 2،«تاج العروس» ج 18 ص 55 القائمة 2.
303) کما حکاه العلّامة المدنیّ من غیر إسناده إلى نسخة الشهید، راجع: «ریاض السالکین» ج 5ص 418.
304) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 419، مع تغییرٍ.
305) و هذه القراءة منسوبةٌ عند المحدّث الجزائریّ إلى نسخة ابن إدریس، انظر: «نورالأنوار»ص. 170.
306) راجع: «جامع الأخبار» ص 48.
307) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 421.
308) کریمة 23 الزمر.
309) المصدر: بکونه.
310) هذا قول العلّامة المدنی، راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 422.
311) کریمتان 22، 23 القیامة.
312) کریمة 103 الأنعام.
313) کریمة 50 النحل.
314) المصدر: کان کلّه محکماً.
315) المصدر: – ما.
316) المصدر: واحد.
317) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 1 ص 412.
318) راجع: «غرائب القرآن» ج 1 ص 299، مع تغییرٍ یسیر.
319) کریمة 43 النحل / 7 الأنبیاء.
320) المصدر: – لبعض.
321) راجع – مع تغییرٍ -: «الکافی» ج 1 ص 23 الحدیث 15، «مستدرک الوسائل» ج 11 ص208 الحدیث 12759، «بحارالأنوار» ج 1 ص 85، «الأمالی» – للصدوق – ص 418الحدیث 6.
322) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 428.
323) کریمة 23 البقرة.
324) کما حکاه العلّامة المدنیّ، راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 431.
325) و انظر: «شرح الصحیفة» ص 335.
326) کریمة 1 مریم.
327) راجع: «مجموعة ورّام» ج 2 ص 227 – مع تغییرٍ -، و لم أعثر علیه فی مصادر العامّة.
328) کریمة 32 فاطر.
329) راجع: «وسائل الشیعة» ج 27 ص 200 الحدیث 33590، «بحارالأنوار» ج 23 ص 212،«المناقب» ج 4 ص 130.
330) مجمع البیان: هذا.
331) راجع: «مجمع البیان» ج 8 ص 245.
332) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 432.
333) راجع: «مجمع البیان» ج 1 ص 39.
334) لم أعثر علیه، فانظر: «مفردات ألفاظ القرآن» مادّة «أول» ص 99 القائمة 2، ثمّ مادّة «فسر»ص 636 القائمة 1.
335) هذا الکلام یشبه کثیراً بمقالات المحدّث الأسترابادیّ، و لم أعثر علیه فی کتابه، و انظر: «الفوائدالمدنیّة» ص 174.
336) راجع: «بحارالأنوار» ج 30 ص 510.
337) راجع: «مجمع البیان» ج 1 ص 40، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 27 ص 204 الحدیث33607، «بحارالأنوار» ج 3 ص 223، «بناء المقالة الفاطمیّة» ص 83، «التوحید» ص 90الحدیث 5.
338) راجع: «الکافی» ج 1 ص 42 الحدیث 4، و لم أعثر علیه فی غیره.
339) راجع – مع تلخیصٍ کما قاله المصنّف -: «الکافی» ج 8 ص 311 الحدیث 485، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 27 ص 185 الحدیث 33356، «بحارالأنوار» ج 46 ص 349.
340) المصدر: أنت.
341) راجع: «وسائل الشیعة» ج 27 ص 205 الحدیث 33610، و لم أعثر علیه فی غیره.
342) راجع: «عوالی اللئالی» ج 4 ص 104 الحدیث 154، و لم أعثر علیه فی غیره أیضاً.
343) راجع: «وسائل الشیعة» ج 27 ص 204 الحدیث 33609، و أیضاً لم أعثر علیه فی غیره.
344) راجع: «تفسیر العیّاشی» ج 1 ص 17 الحدیث 4، و انظر: «بحارالأنوار» ج 89 ص 110.
345) راجع: «الکافی» ج 2 ص 598 الحدیث 2.
346) راجع: «تفسیر العیّاشی» ج 1 ص 2 الحدیث 1، مع تغییرٍ.
347) راجع: «تفسیر العیّاشی» ج 1 ص 5 الحدیث 6، و انظر: «بحارالأنوار» ج 89 ص 94.
348) راجع: «التفسیر المنسوب إلى الإمام العسکریّ» – علیه السلام – ص 449 الحدیث 297، وراجع: «بحارالأنوار» ج 89 ص 31.
349) المصدر: من اعتقد به فی أموره.
350) کریمة 24 محمّد.
351) کذا فی النسختین.
352) کریمة 38 الأنعام.
353) کریمة 83 النساء.
354) لم أعثر علیه بألفاظه، و راجع: «التهذیب» ج 7 ص 275 الحدیث 5، «الإستبصار» ج 3 ص158 الحدیث 5، «وسائل الشیعة» ج 20 ص 463 الحدیث 26100، «الصراط المستقیم» ج2 ص 283، «الصوارم المهرقة» ص 156.
355) راجع: «عوالی اللئالی» ج 4 ص 104 الحدیث 153.
356) راجع – مع تغییرٍ -: «العمدة» ص 314 الحدیث 527.
357) راجع: «الأمالی» – للمفید – ص 275 الحدیث 3، «الخصال» ج 1 ص 231 الحدیث 74،«الغارات» ج 1 ص 82، «کتاب سلیم» ص 613.
358) المصدر: – أن.
359) راجع: «الکافی» ج 1 ص 59 الحدیث 1، «بحارالأنوار» ج 65 ص 237، «تفسیر القمّی» ج2 ص 451.
360) راجع: «الکافی» ج 1 ص 60 الحدیث 6، «التهذیب» ج 9 ص 357 الحدیث 9، «وسائل الشیعة» ج 26 ص 293 الحدیث 33025، «المحاسن» ج 1 ص 267 الحدیث 355.
361) راجع: «بحارالأنوار» ج 22 ص 326، «الإحتجاج» ج 1 ص 259، «التفسیرالمنسوب إلی الإمام العسکریّ» ص 120، «رجال الکشّی» ص 14 الحدیث 33، «الصراط المستقیم» ج 2ص 83.
362) راجع: «الکافی» ج 1 ص 186 الحدیث 6، «التهذیب» ج 4 ص 132 الحدیث 1، «وسائل الشیعة» ج 27 ص 198 الحدیث 33584، «بحارالأنوار» ج 23 ص 189.
363) تکرّرت هذه الکریمة فی القرآن الکریم 9 مرّات، فانظر 43 البقرة.
364) کریمة 141 الأنعام.
365) کریمة 59 الإسراء.
366) کریمة 129 طه.
367) القطعة مأخوذةٌ من کلام المحدّث الکاشانی، راجع: «المحجّة البیضاء» ج 2 ص 256.
368) کریمة 24 هود.
369) راجع: «شرحی الإشارات» ج 1 ص 134.
370) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 443.
371) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 444.
372) قارن: «نورالأنوار» ص 171.
373) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 446.
374) راجع: «الکافی» ج 1 ص 228 الحدیث 1، و انظر: «تأویل الآیات» ص 243.
375) و انظر: الحکمة المتعالیة» ج 8 ص 56.
376) راجع: «الکافی» ج 1 ص 228، و انظر: «بحارالأنوار» ج 89 ص 88، «بصائر الدرجات» ص193 الحدیث 1.
377) کریمة 25 الأنعام / 31 الأنفال / 83 المؤمنون / 68 النمل.
378) راجع: «عوالی اللئالی» ج 1 ص 58 الحدیث 89، «بحارالأنوار» ج 98 ص 154.
379) کریمة 43 هود.
380) کما عن الطبرسیّ، انظر: «مجمع البیان» ج 2 ص 239.
381) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 449.
382) هذا قول أبیالهیثم، راجع: «لسان العرب» ج 11 ص 416 القائمة 1.
383) راجع: «نهج البلاغة» الخطبة 147 ص 204، و انظر: «شرح ابن أبی الحدید» علیه ج 9 ص103، «بحارالأنوار» ج 34 ص 232.
384) راجع: «بحارالأنوار» ج 58 صص 234، 237.
385) حیث قال: «و أنهج الطریق أی: استبان»؛ راجع: «صحاح اللغة» ج 1 ص 346 القائمة 1.
386) راجع: «الکافی» ج 1 ص 203 الحدیث 2، «بصائر الدرجات» ص 412 الحدیث 2، «الغیبة»- للنعمانیّ – ص 224 الحدیث 7.
387) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 453.
388) قارن: نفس المصدر، مع تغییرٍ یسیر.
389) قارن: «نورالأنوار» ص 173.
390) المصدر: – أی… لک.
391) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 454.
392) کریمة 130 طه.
393) راجع: «الکافی» ج 2 ص 611 الحدیث 1، «وسائل الشیعة» ج 6 ص 187 الحدیث 7690،«بحارالأنوار» ج 89 ص 200، «ثواب الأعمال» ص 101، «الدعوات» ص 217الحدیث 588.
394) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 456.
395) کریمة 33 الأحزاب.
396) کریمة 4 الناس.
397) راجع: «تفسیر البیضاوی» ص 815، مع تغییرٍ.
398) و انظر: «شرح الصحیفة» ص 338، «نورالأنوار» ص 173.
399) کریمة 22 طه / 12 النمل / 32 القصص.
400) کریمة 45 إبراهیم.
401) کریمة 43 العنکبوت.
402) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 461.
403) کریمة 21 الحشر.
404) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 466.
405) هذا قول محدّث الجزائریّ، راجع: «نورالأنوار» ص 173.
406) لم أعثر علیه، و انظر: نفس المصدر.
407) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 468.
408) قارن: نفس المصدر.
409) کما عن الزمخشریّ و الجوهریّ، راجع: «أساس البلاغة» ص 709 القائمة 1، «صحاح اللغة»ج 6 ص 2538 القائمة 2.
410) لم أعثر علیه، و عنه: «القود: نقیض السوق، یقود الدابّة من أمامها»؛ راجع: «ترتیب کتاب العین» ج 3 ص 1538 القائمة 1.
411) قارن: «نورالأنوار» ص 174.
412) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 470.
413) و انظر: «نورالأنوار» ص 174.
414) کما حکاه المحدّث الجزائریّ، راجع: نفس المصدر.
415) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 472.
416) المصدر: حلّ.
417) راجع: «الکافی» ج 3 ص 259 الحدیث 32، و انظر: «بحارالأنوار» ج 6 ص 159، «الأمالی»- للصدوق – ص 307 الحدیث 1.
418) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 473.
419) کریمتان 45، 46 الصافّات.
420) کما حکاه الزبیدیّ، راجع: «تاج العروس» ج 8 ص 437 القائمة 1.
421) البیت منسوبٌ إلى الأعشى الکبیر، و لم أعثر على «دیوانه».
422) کریمة 13 الإسراء.
423) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 475، مع تغییرٍ یسیر.
424) هذه الأمثال لم أعثر علیها فی «مجمع الأمثال» و «المستقصى» و «لطائف الأمثال» و غیرها من مصادر أمثال العرب.
425) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 2 ص 440، مع تغییرٍ یسیر.
426) راجع: «تفسیر العیّاشی» ج 2 ص 284 الحدیث 32.
427) راجع: «تفسیر القمّی» ج 2 ص 17، و انظر: «بحارالأنوار» ج 7 ص 312.
428) راجع: «بحارالأنوار» ج 58 ص 7، «إرشاد القلوب» ج 1 ص 18.
429) کریمة 22 ق.
430) راجع: «التفسیر الکبیر» ج 20 ص 169، مع تغییراتٍ.
431) کریمة 15 غافر.
432) راجع: «المصباح المنیر» ص 192.
433) راجع: «صحاح اللغة» ج 2 ص 632 القائمة 2.
434) المصدر: للمکان المحضور.
435) کما حکاه عنه الزبیدیّ، راجع: «تاج العروس» ج 6 ص 290 القائمة 1، و انظر أیضاً: المصدرالمذکور فی التعلیقة الآتیة.
436) راجع: «النهایة» ج 1 ص 399.
437) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 478.
438) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 479.
439) راجع: «الکافی» ج 8 ص 312 الحدیث 486، «بحارالأنوار» ج 70 ص 269، «الأمالی» -للصدوق – ص 177 الحدیث 4، «تفسیر القمّی» ج 1 ص 29، «روضة الواعظین» ج 2ص 499.
440) لم أعثر علیه بالفاظه، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 8 ص 94 الحدیث 10158، «مستدرک الوسائل» ج 4 ص 247 الحدیث 4614، «بحارالأنوار» ج 7 ص 221.
441) المصدر: المفروض.
442) راجع: «بحارالأنوار» ج 8 ص 66، «معانی الأخبار» ص 32 الحدیث 1.
443) قارن: «نورالأنوار» ص 174، مع تغییرٍ یسیر.
444) راجع: «الکافی» ج 1 ص 432 الحدیث 91، «بحارالأنوار» ج 64 ص 57، «معانی الأخبار»ص 32 الحدیث 2.
445) راجع: «التفسیر المنسوب إلى الإمام العسکری» – علیه السلام – ص 44 الحدیث 20، وانظر: «بحارالأنوار» ج 8 ص 69، «معانی الأخبار» ص 33 الحدیث 4.
446) المصدر: الّذی.
447) لم أعثر علیه بالفاظه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 8 ص 65، «تصحیح الإعتقاد» ص 108،«شرح نهج البلاغة» ج 6 ص 264.
448) کریمة 122 الأنعام.
449) راجع: «نهج البلاغة» الخطبة 82 ص 109، «شرح ابن أبی الحدید» علیه ج 6 ص 252.
450) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 481.
451) کریمة 34 النازعات.
452) کریمة 94 الحجر.
453) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 485.
454) کریمة 6 الفاتحة.
455) کریمة 1 الکوثر.
456) المصدر: الطیر.
457) راجع: «بحارالأنوار» ج 8 ص 16، «روضة الواعظین» ج 2 ص 501.
458) راجع: «بحارالأنوار» ج 8 ص 27، مع تلخیصٍ.
459) المصدر: أصیحابی أصیحابی.
460) راجع: «بحارالأنوار» ج 8 ص 27.
461) راجع: «مجمع البیان» ج 10 ص 460.
462) هذا قول عکرمة عند القرطبیّ، راجع: «تفسیر القرطبیّ» ج 20 ص 217، و انظر: «التفسیرالکبیر» ج 30 ص 124، من غیر عزوٍ.
463) هذا قول الحسن عند القرطبیّ أیضاً، راجع: نفس المصدر، و انظر أیضاً: «التفسیر الکبیر»نفس المجلّد ص 126، بلاعزوٍ أیضاً.
464) لم أعثر على هذا القول.
465) کریمة 70 الرحمن.
466) راجع: «الکافی» ج 8 ص 230 الحدیث 298، «بحارالأنوار» ج 8 ص 162، «تأویل الآیات»ص 618.
467) کریمة 269 البقرة.
468) لم أعثر علیه، و لتفصیل ما روی فیه من التفسیر راجع: «بحارالأنوار» ج 16 ص 310.
469) کریمة 32 النساء.
470) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 493.