بسم الله الرحمن الرحیم
و به نستعین
الحمد لله الّذی حصّن ثغور المسلمین بحبیبه أشرف المرسلین و حمى حوزة الإسلام و الدین بنبیّه خاتم النبیّین، و الصلاة و السلام علیه و على آله سیّما وصیّه الّذی هو قاتل المشرکین.
و بعد؛ فیقول المتحصّن إلى حصن ألطافه السرمدیّة محمّد باقر بن السیّد محمّد من السادات الموسویّة: هذه اللمعة السابعة و العشرون من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة – صلّى الله علیه و على آبائه و أبنائه مادام حمى حوزة الإسلام بالشریعة المحمّدیّة -.
وَ کَانَ مِنْ دُعَائِهِ- عَلَیْهِ آلسَّلاَمُ- لاَهْلِ الثُّغُورِ.
«الثغور» جمع ثَغْر – بفتح الثاء المثلّثة و إسکان العین المعجمة -. و هو <ما یلی دار الحرب و موضع المخافة من فروج البلدان>(1) <و فی النهایة: «هو موضعٌ یکون(2) حدّاً
فاصلاً بین بلاد المسلمین و الکفّار؛ و هو موضع المخافة من أطراف البلاد»(3)
و المراد ب- «أهل الثغور»: المرابطون بها الملازمون لها لحفظها. و یدخل فیهم من کان الثَغْر بلده و کان ساکناً فیه إذا وطّن نفسه على المحافظة. و تسمّى الإقامة بالثغور: رباطاً و مرابطةً>(4)، لأنّ الربط أصله: الشدّ. و لمّا کان کلٌّ من الفریقین یربطون خیولهم فی ثغرهم و کلٌّ معدٌّ لصاحبه فسمّی ملازمة الثغر: رباطاً و مرابطةً.
و الرباط مستحبٌّ استحباباً مؤکّداً دائماً -: مع حضور الإمام و غیبته -.
و أقلّه ثلاثة أیّامٍ، فلا یستحقّ ثوابه و لا یدخل فی النذر و الوقف والوصیّة للمرابطین باقامة دون ثلاثةٍ.
و لو نذره و أطلق وجب ثلاثةٌ بلیلتین بینهما – للاعتکاف -؛ و أکثره أربعون یوماً، فان زاد ألحق بالجهاد فی الثواب، لا أنّه یخرج عن وصف الرباط. و لو أعان بفرسه أو غلامه لینتفع بهما من یرابط أثیب لاعانته على البرّ. و لو نذر المرابطة أو نذر صرف مالٍ إلى أهلها وجب الوفاء بالنذر و إن کان الإمام غائباً لا تتضمّن جهاداً؛ فلا یشترط حضوره.
و قیل: «یجوز صرف المنذور للمرابطین فی البرّ حال الغیبة إن لم یخف الشنعة بترکه لعلم المخالف بالنذر؛ و هو ضعیفٌ»؛ انتهى.
<و ما قیل من: «انّ حماة الثغور إنّما کانوا فی زمانه - علیه السلام - من أهل الخلاف، فکیف ساغ الدعاء لهم؟!»
فجوابه من وجهین:
الأوّل: انّه کان بینهم کثیرٌ من أهل الوفاق و الشیعة – کما هو مشهورٌ و فی الأخبار مسطورٌ -، و حینئذٍ فالدعاء حقیقةً إنّما هو لبعض أهل الثغور؛
الثانی: انّ الدعاء للمخالفین بالقوّة و النصر لحمایة بیضة الإسلام و الذبّ عنها جائزٌ
قطعاً؛ و قد راعى – علیه السلام – هذه الجهة، فلم یذکر إلّا طلب التقویة و الهدایة لهم >(5)
لمعةٌ عرشیّةٌ
اعلم! أنّ کلّ ما فی العالم الکبیر فله مثالٌ و أنموذجٌ فی العالم الصغیر. فکما أنّ فی العالم الکبیر مدائن عظیمةٍ عدیدةٍ و خلائق کثیرةٍ متفاوتةٍ ذوی مذاهب مختلفةٍ فکذا فی العالم الصغیر مدائن متعددةٍ و خلائق متکثّرةٍ بعضها ملکیّةٌ شبیهةٌ بضربٍ من الملائکة، و بعضها شیطانیّةٌ شبیهةٌ بضربٍ من الشیاطین، و بعضها شهویّةٌ کالبهائم، و بعضها عصبیّةٌ کالسباع، و الجمیع خُلقت لیکون مطیعةً لأمر الله مسخّرةً للقوّة العاقلة؛ و هی مکلّفةٌ بالمجاهدة مع هذه النفس الأمّارة و قواها الجسمیّة و الشهویّة و الغضبیّة و الوهمیّة الفاسقة و الظالمة و الکافرة – الّتى هی الشیاطین بالنسبة إلى النفس الناطقة الفاضلة-، لقول النبیّ- صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «أعدى عدوّک نفسک الّتی بین جنبیک»(6)؛
و قوله – علیه السلام -: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأکبر». روى الشیخ الطوسیّ(7) بالسند المتّصل إلى رئیس المحدّثین محمّد بن علیّ بن بابویه عن الکاظم عن أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: «انّ رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – بعث سریّةً، فلمّا رجع قال: مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر و بقی علیهم الجهاد الأکبر!
قیل: یا رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، و ما الجهاد الأکبر!
قال: جهاد النفس!. ثمّ قال: أفضل الجهاد من جاهد نفسه الّتى بین جنبیه».
فالقوّة العقلیّة الّتی أرسلت و جاءت من عالم الملکوت مبعوثةً على عالم البدن و جنوده و قواه مأمورةٌ من قبل الله – تعالى – بمعاداة الشیطان و مطاردة حزبه و جنوده – فی قوله عزّ و جلّ: (یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّکُمُ الحَیَاةُ آلدُّنیَا وَ لاَ یَغُرَّنَّکُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ – إنَّ الشَّیطَانَ لَکُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخَذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا یَدعُوا حِزْبَهُ لِیَکُونُوا مِنْ أَصحَابِ السَّعِیرِ)(8) -. و الإنسان بقوّته العقلیّة مأمورٌ باتّخاذ الشیطان و حزبه عدوّاً له و بالمناقضة معها و المغالبة علیها. و لا یمکن الغلبة علیها إلّا بتسخین القوى البدنیّة و فتح هذه البلدة الّتی هی فیها (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوهَا)(9) من الأخلاق السلیمة و الصفات الملکیّة الحاصلة بتأییدٍ من الحضرة الأحدیّة؛ فلا یزال المطاردة و المقاتلة بین جنود الملائکة و جنود الشیاطین قائمةً فی معرکة النفس الإنسانیّة إلى أن ینفتح المملکة الآدمیّة لأحدهما فیستوطن فیها. و النفس الإنسانیّة- لصفائها و لطافتها- صالحةٌ بحسب أصل الفطرة لقبول آثار الملکیّة والشیطانیّة لتقلّبها فی النشآت و تطوّرها بالأطوار و تلوّنها بالألوان المختلفة، کالإناء الزجاجیّ اللطیف الّذی یتلوّن بلون ما فیه؛ کما فی قول الشاعر:
رَقَّ الزُّجُاجُ وَ رَقَّتِ الْخَمرُ++
فَتَشَابَهَا وَ تَشَاکَلَ الأَمْرُ
فَکَأَ نَّمَا خَمرٌ وَ لاَ قَدَحٌ++
وَ کَأَ نَّمَا قَدَحٌ وَ لاَ خَمرُ(10)
و قال آخر:
از صفاى مى و لطافت جام++
در هم آمیخت رنگ جام و مدام
همه جامست و نیست گوئى مى++
یا مدامست و نیست گوئى جام
فهی فی أوّل الفطرة صالحةٌ للاثار الحقّة و الباطلة صلوحاً متساویاً، و إنّما یترجّح أحد الجانبین على الآخر باتّباع الهوى و الشهوات أو الإعراض عنها. فان اتّبع الإنسان مقتضى شهوته و غضبه ظهر تسلیط الشیطان بواسطة اتّباع الهوى و الشهوات بالأوهام و
الخیالات الفاسدة الکاذبة، فصارت المملکة أقطاع الشیطان و صار القلب عشّه و مسکنه و الهوى مرتعه و مرعاه! – لمناسبةٍ بینهما -، و إن جاهد الشهوات و لم یسلّطها على نفسه فقابل بصفوف جنود الملائکة صفوف جنود الشیاطین فیقابل الصفّان و یقاتل الجندان و تدافع الحزبان، فدفع کلٌّ من حزب الله ما یقابله من حزب الشیطان. فبقوّة البرهان الیقینیّ بوجود النشأة العاقبة عارض الأوهام الکاذبة و الظنون الباطلة الداعیّة إلى الشهوات و الرکون إلى زخارف الدنیا و الإخلاد إلى أرض البدن و الاقتصار على هذه النشأة الزائلة؛
و بقوّة البصر عارض الهوى؛
و بقوّة الخوف عن سوء العاقبة عارض الأمن من مکر الله؛
و بقوّة الرجاء عارض القنوط من رحمة الله؛
و بالعزیمة طرد الکسل؛ و هکذا ینفتح المملکة للقوّة العاقلة.
ثمّ اعلم! أنّ رأس جمیع الصفات الملکیّة و رئیسها المطاع لحزب الله و جنود الرحمن هو نور العلم و روح المعرفة و البرهان، و رأس جمیع الصفات المهلکة الشیطانیّة و رئیسها المطاع لجنود الشیطان کلّها هو ظلمة الجهل و الغوایة؛ فما سعد من سعد إلّا بسبب نور العلم و توابعه، و ما هلک من هلک إلّا بسبب ظلمة الجهل و توابعه.
و قد عرفت سابقاً انّ عداوة الکفّار الباطنیّة بالذات والجبلّة، و حرب الکفّار الظاهریّة و عداوتهم بالعرض و العادة، و الخطب فى عداوة الکفّار الباطنیّة أجلّ و الخطر فیه أعظم! و الأمر بجهادهم آکد و أفخم!. فحمل الثغور على الثغور الباطنیّة أولى و أهم، و حمل أهلها على جنود الله و حزبه الملکیّة أحرى و أتمّ.
و علیک بتطبیق جمیع فقرات الدعاء على الأمور المذکورة إن کنت من أهل البصیرة!.
قال – علیه السلام-:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ حَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِینَ بِعِزَّتِکَ، وَ أَیِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِکَ، وَ أَسْبِغْ عَطَایَاهُمْ مُنْ جِدَتِکَ.
<«الحصن»: هو المکان الّذی لا یقدر علیه - لارتفاعه و امتناعه -.
و «العزّة» الامتناع و الشدّة والغلبة.
و «رجلٌ» عزیزٌ: منیعٌ لا یغلب و لا یقهر.
و «أیّد» – کسدّد – أی: قوّ، یقال: أیّده الله تأییداً: قوّاه، من: آد یإید أیداً؛ أی: قوى و اشتدّ.
و «حماة»: جمع حام>(11) – کرام و رماة، و غاز و غزاة-، من: حمیت المکان من الناس حمیاً- من باب رمی، و حِمیة، بالکسر -: منعته منهم، و الاسم: الحمایة.
و «القوّة»: خلاف الضعف.
< و «أسبغ» الله النعمة: أفاضها و أتمّها. و أصله من: سبَغ الثوب سُبُوغاً - من باب قعد-: تمّ و کمل.
و «العطایا»: جمع عطیّة، و هی اسمٌ لما تعطیه.
و «الجدة» الثروة>(12) – کما مرّ غیر مرّةٍ -؛ و المعنى؛ احفظ طرق هجوم الکفّار على المسلمین بعزّتک و غلبتک و قوّ مَن کان حامیاً لها بقوّتک و اتمم عطایاهم من غناک الّذی لا فقر بعده، حتّى لا یضرّنا کید الکفّار و هجومهم علینا.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ کَثِّرْ عِدَّتَهُمْ، وَ اشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ، وَ احْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وَ امْنَعْ حَوْمَتَهُمْ، وَ أَلِّفْ جَمْعَهُمْ، وَ دَبِّرْ أَمْرَهُمْ، وَ وَاتِرْ بَیْنَ مِیَرِهِمْ، وَ تَوَحَّدْ بِکِفَایَةِ مُوَنِهِمْ، وَ اعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وَ أَعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ، وَ الْطُفْ لَهُمْ فِی الْمَکْرِ.
«العِدة» – بالکسر – إمّا اسمٌ کالعدد – و هو مقدار ما یعدّ -، و قد تجعل مصدراً – کالعَدّ -؛ و إمّا المراد منها الجماعة قلّت أو کثرت، و منه قولک: أنفذت عدّة کتبٍ أی: جماعة کتبٍ.
أی: کثّر عدد أهل الثغور و جماعتهم. و کذا جمیع الضمائر الآتیة الّتی هی للذکور راجعةٌ إلى «أهل الثغور».
و «شحَذ» السکّین شَحْذاً – من باب منع -: أحدّها.
و «الأسلحة» جمع سلاح، و هو ما یقاتل به فی الحرب؛ أی: اجعلها حادّةً.
و «الحوزة»: الجانب و الناحیة(13)
و «الحومة»: المعظم من الشیء(14)، قال فی القاموس: «حومة البحر و الرمل و القتال و غیرها(15): معظمه أو أشدّ موضعٍ فیه»(16)؛ أی: احفظ حدودهم و نواحیهم الّتی یحام حولها و یطاف دورها، و هی بیضة الإسلام.
و «التألیف»: إیقاع الألفة.
و «الجمع»: الجماعة؛ أی: لا تفرّقهم.
و «تدبیر الأمر» فعله عن فکرٍ و رویّةٍ؛ أی: توجّه لتدبیر أمورهم حیث ما تقتضیه الحکمة و المصلحة.
و «واتر» – بصیغة الأمر، من باب المفاعلة – أی: تابع، یقال: تواترت الخیل: إذا جاءت یتبع بعضها بعضاً. و فی القاموس: «واتر بین أخباره(17) متواترةً و تاراً: تابع»(18)؛ قال الجوهریّ: «و لا تکون المواترة بین الأشیاء إلّا إذا وقعت بینهما فترةٌ، و إلّا فهی متدارکةٌ و متواصلةٌ(19)ومواترة الصوم: أن تصوم یوماً و تفطر یوماً، أو یومین و تأتی به وتراً(20) و
لا یراد به المواصلة، لأنّ أصله من الوتر، و کذلک: واترت الکتب فتواترت أی: جاءت بعضها فی إثر بعضٍ وتراً وتراً من غیر أن تنقطع»(21)؛ انتهى.
و الخبر المتواتر هو أن یتبع الخبر الخبر و لا یکون بینهما فصلٌ کثیرٌ؛ و قیل: «إذا کان الشیء مستمرّاً و توسّطه الفتور و الانقطاع یسمّى بالتواتر – کتقاطر المطر -، و إن لم یتوسّطه الفتور و القطع یسمّى بالمواصلة و المدارکة – کاستمرار الدجلة و الفرات -».
<و «المِیَر» - على وزن سِیَر -: جمع مِیرة - بالکسر -؛ قال الجوهریّ: «المیرة: الطعام یمتاره الإنسان؛ و قد مار أهله یمیرهم میراً»(22) >(23) <و سمّی أمیرالمؤمنین - علیه السلام - لأنّه یمیرهم العلم و یکیله لهم. و فی نسخة الکفعمیّ: «واثر» - بالثاء المثلّثة - بدلاً من «واتر»، من قولهم: استوثرت من الشیء: إذا استکثرت منه >(5)؛ أی: کاثر بین میرهم و طعامهم.
<و «التوحّد»: الانفراد؛ یقال: توحّده الله بعصمته أی: عصمه و لم یکله إلى غیره.
و «کفاه» الأمر کفایةً: قام به مقامه.
و «المؤن»: جمع مؤونة >(23)؛ أی: تفرّد و کن أنت وحدک کافیاً لأمورهم و مهمّاتهم.
و «عَضَدت» الرجل عضْداً – من باب قتل -: أعنته فصرت له عضداً، أی: یمیناً و ناصراً و مقویاً -.
و «نصّره» الله نصراً: أظهره على عدوّه؛ أی: قوّهم و أیّدهم بالنصر و أعنهم بالصبر. أی: کن معاوناً لهم بالصبر على ما هم علیه، لأنّ ثبات القدم و الصبر فی المحاربات یتحقّق الشجاعة؛ فانّ < الصبر ضربان:
جسمیٌّ؛
و نفسیٌّ
فالجسمیّ هو تحمّل المشاقّ بقدر القوّة البدنیّة؛
و النفسیّ هو حبس النفس عن الجزع>(24) و الشکوى؛ و قد تقدّم الکلام علیه.
و «الطف لهم بالمکر» أی: اجعل لطفک شاملاً لهم حتّى سلموا من مکرهم و خدعهم، < أو اجعلهم دقیق الفکر مع أعدائهم- کما روی: «انّ الحرب خدعةٌ!»(25) ->(26)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ عَرِّفْهُمْ مَا یَجْهَلُونَ، وَ عَلِّمْهُمْ مَا لاَ یَعْلَمُونَ، وَ بَصِّرْهُمْ مَا لاَ یُبْصِرُونَ.
اعلم! أنّ أهل اللغة و بعض أهل الأصول و المیزان على أنّ العلم و المعرفة مترادفان؛ و أهل الحکمة و بعض أهل الکلام على أنّهما متفارقان،
<فمنهم من قال: انّها إدراک الجزئیّات والعلم إدراک الکلّیّات؛
و منهم من قال: انّها التصوّر و العلم هو التصدیق.
و هؤلاء جعلوا العرفان أعظم رتبةً من العلم؛ قالوا: لأنّ تصدیقنا باستناد هذه المحسوسات إلى موجودٍ واجب الوجود أمرٌ معلومٌ بالضرورة، فأمّا تصوّر حقیقة الواجب فأمرٌ فوق الطاقة البشریّة، لأنّ الشیء ما لم یعرف لا یطلب ماهیّته. فعلى هذا الطریق کلّ عالمٍ عارفٌ، و لا عکس کلّیّاً(27) و لذلک کان الرجل لا یسمّى عارفاً إلّا إذا توغّل فی میادین العلم و ترقّى من مطالعها إلى مقاطعها و من مبادیها إلى غایاتها بحسب الطاقة البشریّة.
و قال آخرون: «من أدرک شیئاً و انحفظ أثره فی نفسه ثمّ أدرک ذلک الشیء ثانیاً و عرف
انّ هذا ذاک الشیء(28) الّذی أدرکه أوّلاً فهذا هو المعرفة >(29)؛
و قیل: «المعرفة قد تقال فیما یدرک آثاره و إن لم تدرک ذاته؛ و العلم لا یکاد یقال إلّا فیما أدرک ذاته، و لهذا یقال: فلانٌ یعرف الله، و لا یقال: یعلم الله لما کانت معرفته – تعالى – لیست إلّا بمعرفة آثاره دون معرفة ذاته»(30)
و قیل: «المعرفة إدراکٌ متعلّقٌ بالمفرد، و العلم إدراکٌ متعلّقٌ بالنسبة التامّة الخبریّة».
و فرّق بینهما بفروقٍ أخر تقدّم بعضها.
قوله – علیه السلام -: «و بصّرهم ما لا یبصرون»، إمّا من البصیرة بمعنى: العلم و الحیاة؛ أو من التبصیر بمعنى: التعریف و الإیضاح. و ذلک لافتقار المجاهد و المرابط إلى المعرفة بأنواع القتال و عرفان المدارج المخوفة الّتی یرتادها المغتالون، و إلى البصیرة و الایضاح بمکاید العدوّ و مکامنه.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَنْسِهِمْ عِنْدَ لِقَائِهِمُ الْعَدُوَّ ذِکْرَ دُنْیَاهُمُ الْخَدَّاعَةِ الْغَرُورِ، وَ امْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الْمَالِ الْفَتُونِ، وَ اجْعَلِ الْجَنَّةَ نَصْبَ أَعْیُنِهِمْ، وَ لَوِّحْ مِنْهَا لاَبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فیِهَا مِنْ مَسَاکِنِ الْخُلْدِ وَ مَنَازِلِ الْکَرَامَةِ وَ الْحُورِ الْحِسَانِ وَ الاَْنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ بِأَ نْوَاعِ الاَْشْرِبَةِ وَ الاَْشْجَارِ الْمُتَدَلِّیَةِ بِصُنُوفِ الثَّمَرِ حَتَّى لاَیَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالاِْدْبَارِ، وَ لاَ یُحَدِّثَ نَفْسَهُ عَنْ قِرْنِهِ بِفِرَارٍ.
«أنسهم» من: الإنسان الّذى هو مصدر باب الإفعال، مأخوذٌ من النسیان: أی: أغفل قلوبهم عن ذکر دنیاهم حتّى ینمحی تصوّرها عن أذهانهم، فلا یرغبون عن صدق الجهاد عند لقاء العدوّ میلاً إلى زخارف الدنیا المحبوبة للنفوس الأمّارة.
و «الغَرور» – بالفتح -: صیغة مبالغةٍ من «الغُرور» – بالضمّ -.
و «الفَتون» – بالفتح -: من الفتنة، مبالغةٌ فی الفاتن، و هو المضلّ عن الحقّ(31) و هما صفتان للدنیا، لأ نّها تخدع الناس ببهجة منظرها و رونق سرابها و تقترّهم بمساعدتها و إقبالها فیتوهّمون بقاءها و ثباتها مع أ نّها (کَسَرَابٍ بِقِیعَةٍ یَحسَبُهُ الضَّمْآنُ مَاءً)(32) و قد عرفت سابقاً انّ صاحب الهمم العالیة لا یلتفت إلى الدنیا الدنیّة، بل لا یلتفت إلى الآخرة أیضاً! کما قال أمیرالمؤمنین علیه السلام: «ما عبدتک خوفاً من نارک و لا طمعاً فی جنّتک، بل وجدتک مستحقّاً(33) للعبادة فعبدتک»(34) -. و من کان مخدوعاً مغروراً بهذه العجوزة المکّارة یفرّ عند ملاقات العدوّ، کما فرّت الثلاثة عن الزحف مراراً و تخلّفوا عن الغز و کثیراً و آثروا الحیاة الفانیة الدنیویّة على نعیم الباقیة الأخرویّة، و لم یستحیوا من الحضرة الأحدیّة و لا من الحضرة النبویّة – أعاذنا الله تعالى و جمیع الشیعة الإثنا عشریّة من الإنخداع و الإغترار بهذه الدنیا الدنیّة -.
و «المحو»: الإزالة و ذهاب أثر الشیء.
و «الخطرات»: ما یتحرّک فی القلب من رأی أو معنىً.
<و «المال»: ما یملک من کلّ شیءٍ؛ و قیل: «أصله ما یملک من الذهب و الفضّة، ثمّ أطلق على کلّ ما یملک من الأعیان»؛
و عن تغلب: «انّه ما لم یبلغ حدّ النصاب لا یسمّى مالاً»(35)
و «الفَتون» – بفتح الفاء -: الکثیر الفتنة>(36)، صیغة مبالغةٍ فی الفاتن، و هو المضلّ عن
الحقّ.
و «النَصب» بفتح النون، و هو شاهدٌ على أنّ الفتح لغةٌ صحیحةٌ، فلا عبرة بما فی القاموس: «هذا نُصب عینی بالضمّ، و(37) الفتح لحنٌ»(38)؛ أی: اجعل الجنّة منصوبةً حذاء أعینهم لیشاهدونها عیاناً.
<و «لاح» الشیء یلوح: بدأ و ظهر.
و «أعددت» الشیء إعداداً: هیّأته؛ أی: أبد و أظهر لأبصارهم من الجنّة ما هیّأته فیها.
و «المساکن»: جمع مسکَِن – بفتح الکاف و کسرها -، و هو البیت.
و «الخُلد» – بالضمّ – و الخلود: البقاء و الدوام؛ أی: المنازل الدائمة الأبدیّة الّتی لا یکون لساکنها خوف الزوال و الانتقال عنها.
و «الحُور» – على وزن نور -: جمع حوراء و هی المرءة البیضاء، من الحَوَر – بالتحریک – و هو شدّة البیاض؛ و قال أبوعبیدة: «الحوراء: الشدیدة بیاض العین الشدیدة سوادها، من حورت العین حوراً – من باب تعب -: إذا اشتدّ بیاض بیاضها و سواد سوادها»(39)؛
و قیل: «یطلق على من کان سواد عینه و بیاضها فی کمال السوادیّة و البیاضیّة من حیث الصفاء، و أشفاره و أجفانه فی نهایة الحسن و البهاء و لون بدنه و لینته فی غایة البیاض و اللینة و النعامة. و فی عرف أهل الفرس یطلق الحور على الواحد دون الجمع، على خلاف ما فی اللغة»؛ انتهى(40)
و فی الدعاء دلیلٌ على أنّ الحور غیر نساء الدنیا، خلافاً لما روی عن الحسن فی قوله- تعالى -: (وَ زَوَّجنَاهُمْ بِحُورٍ عِیِن)(41): «هنّ عجائزکم ینشأهنّ الله خلقاً آخر»(42)
و «الحِسان» – بکسر الحاء المهملة -: جمع حسنة، أی: جمیلة الصور بهیّة المنظر، وقع هنا صفةً للحور؛ یعنى: الحور اللاتی هنّ حسان الوجوه.
و «الأنهار»: جمع نَهَر – بالتحریک، کسبب و أسباب -، فإذا سکن جمع على نُهُر – بضمّتین -. و أنهر و أنهار: الماء الجاری المتّسع>(43)
و «المطّردة» أی: الجاریة المتتابعة، من تطّرد الأنهار أی: تجری و تتبع بعضها بعضاً.
و «أنواع الأشربة»: أصنافها؛ و فی ذلک إشارةٌ إلى قوله- تعالى -: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِی وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فیِهَا أَنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَیرَ آسِنٍ وَ أَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ یَتَغَیِّرْ طَعْمُهُ وَ أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِینَ وَ أَنهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً)(44) قال یحیی بن معاذ «الأنهار عیونٌ یشربون منها فی الدنیا فیورثهم ذلک شراب الحضرة، و ذلک من عیون الحیاء و عیون الصبر و عیون الوفاء و إن کانت عینها عینةً واحدةً». قال – تعالى -: (عَیْناً یَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ)(45) -… الآیة -، أی: صرفه عباد الله الّذین هم خاصّةٌ من أهل الوحدة الذاتیّة المخصوص محبّتهم بعین الذات دون الصفات لا یفرّقون بین القهر و اللطف و النعمة و البلاء، بل یستقرّ محبّتهم مع الأضداد و یستمرّ لذّتهم فی النعماء و النقماء و الرحمة و الزحمة؛ کما قال أحدهم:
هوَ اَیَ لَهُ فَرضٌ تَعَطَّفَ أَمْ جَفَا++
وَ مَشرَبُهُ عَذبٌ تَکَدَّرَ أَمْ صَفَا
وَ کَلتُ إِلَى الَْمحبُوبِ أَمرِیَ کُلَّهُ++
فَإِنْ شَاءَ أَحیَانِی وَ إِنْ شَاءَ أتْلَفَا(46)
و «المتدلّیة» أی: المعلّقة؛ و قیل: «التدلّی هو الاسترسال مع تعلّقٍ»(47) و فی وصف «الأشجار» ب- «التدلّی» إشعارٌ بکثرة الثمر، لأنّ فروع الشجر لا تتدلّی و لا یسترسل إلّا إذا کثر ثمرها.
و «حتّى» بمعنى: کی التعلیلیّة، أی: کیلاتهمّ أحدٌ منهم بالإدبار؛ یقال: همّ بالشیء همّاً –
من باب قتل-: إذا أراده و لم یفعله و أدبر إدباراً.
و «حدیث النفس»: ما یخطر بالبال.
و «القِرن» – بالکسر -: کفو الإنسان فی الشجاعة. و قیل: «القِرن هنا من قارنه: بارزه و لا قاه فی الحرب». و قوله – علیه السلام: «عن قرنه» متعلّقٌ ب- «فرار» الّذی بعده، أو هو متعلّقٌ ب- «یحدث»، أی: لا یخطر بباله الفرار عن کفوه و قرینه. و تقدیم الجارّ و المجرور عندهم مجوّزٌ، قال ابن هشامٍ: «أجاز السهیلیّ تقدیم الجارّ و المجرور، و استدلّ بقوله – تعالى -: (لاَ یَبْغُونَ عَنهَا حِوَلاً)(48)؛ و قولهم: «أللهُمّ اجعلنا من أمرنا فرجاً و مخرجاً»؛ انتهى.
اللَّهُمَّ افْلُلْ بِذَلِکَ عَدُوَّهُمْ، وَ اقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ، وَ فَرِّقْ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ أَسْلِحَتِهِمْ، وَ اخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ، وَ بَاعِدْ بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ أَزْوِدَتِهِمْ، وَ حَیِّرْهُمْ فِی سُبُلِهِمْ، وَ ضَلِّلْهُمْ عَن وَجْهِهِمْ، وَ اقْطَعْ عَنْهُمُ الْمَدَدَ، وَ انْقُصْ مِنْهُمُ الْعَدَدَ، وَ امْلاَ أَفْئِدَتَهُمُ الرُّعْبَ، وَ اقْبِضْ أَیْدِیَهُمْ عَنِ الْبَسْطِ وَ اخْزِمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ، وَ شَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ وَ نَکِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَ اقْطَعْ بِخِزْیِهِمْ أَطْمَاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ.
«إِفلِل» – بالکسر – أی: اکسر، و بالقطع من أفل بمعناه؛ و فی القاموس: «فلّ القوم: هزمهم»؛
و قیل: مأخوذٌ من الفلول بمعنى: الکَلّ الّذی یقع فی السیف، کما قال الشاعر:
وَ لاَ عَیبَ فِیهِمْ غَیرَ أَنَّ سُیُوفَهُمْ++
بِهِنَّ فُلُولٌ مِن قَرَاعِ الْکَتَائِبِ(49)
و استعمل هنا مجازاً فی ضعف الأعداء و فرارهم؛ أی: اجعل فرار عدوّهم و ضعفهم و عجزهم بسبب ثبات قدمهم، و بسبب حدیث أنفسهم بالفرار عن الکفّار.
و «قلَمت» الظفر قَلْماً – من باب ضرب -: قطعت ما طال منه؛ و قلّمت – بالتشدید – مبالغةٌ؛ أی: اقصر عنهم أیدی قدرة أعدائهم(50) و تشبیه الکفّار بالسبع استعارةٌ مکنیّةٌ، و إثبات الأظفار لهم تخییلیّةٌ، و ذکر القلم – الّذی هو من الملائمات – ترشیحٌ.
و «فرّق بینهم و بین أسلحتهم» أی: بعّد بین الکفّار و آلات حربهم حتّى لا یمکن حصول یدهم إلیها فیستریح أهل الإسلام منهم.
و «الخلع»: النزع والقلع.
و «الوثاق»: جمع وثیقة بمعنى: الشدّ و الإعتماد و الثقة؛ أی: انزع و اقطع جمیع ما شدّ و اعتمد به «أفئدتهم» حتّى لا یبقى فی فؤادهم غیر الجبن و همّ الفرار.
و «الأفئدة»: جمع فُؤاد – بالضمّ مهموز العین-، و هو: القلب.
و «باعد» بین الشیئین: جعل کلّاً منهما بعیداً عن الآخر.
و «الأزودة» جمع زاد – على غیر القیاس -، و هو طعام المسافر الّذی یتّخذ لسفره؛ و قیاس جمعه: ازواد. و فی الحدیث: «أ معکم من أزودتکم شیءٌ؟
قالوا: نعم»(51)
و هذه الضمائر و ما بعدها کلّها راجعةٌ إلى الکفّار؛ أی: فرّق بین الکفّار و بین زادهم الّذى مدار عیشهم علیه حتّى یقع فیما بینهم القحط و السنین، و استریح من شرّهم کافّة المسلمین. و «حیّرهم فی سبلهم» أی: اجعلهم حیارى فی طرقهم.
<و «ظلّ» عنه یضلّ - من باب ضرب - ضلالاً و ضلالةً: زلّ عنه فلم یهتد إلیهم و ذهب فی غیره، فهو ضالٌّ. و أضلّه غیره إضلالاً و ضلّله تضلیلاً للمبالغة؛ و منه: رجلٌ مظلٌّ: ضالٌّ جدّاً.
و «الوجه»: کلّ مکانٍ استقبلته. و تحذف الواو فیقال: جهة – مثل عدة، و منه: (فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)(52) أی: جهته الّتی أمرکم بالتوجّه إلیها -؛ أی: اجعلهم ضالّین عن الطریق المستقیم الّذى هو عن قبل وجههم أو من مقصدهم>(53)
«و اقطع عنهم المدد» أی: احبس عنهم الإمداد. و «مدد الشیء» ما یمدّ به؛ أی: یکثر و یزداد، و خصّ بالجماعة الّذین یعاون و یقوى بهم الجیش فی القتال؛ <یقال: أمدّهم بمددٍ: إذا أعانهم بجماعةٍ یقاتلون معهم؛ و منه قوله - تعالى -: (یُمْدِدْکُمْ رَبُّکُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلَائِکَةِ)(54)
و «العدد»: مقدار ما یعدّ؛ أی: انقص کمّیّتهم و کثرتهم حتّى یقلّوا و یعجزوا عن القتال>(55)؛ أو: انقص منهم العدد حتّى یصیروا معدومین.
و «املأ أفئدتهم الرعب» أی: الفزع و الخوف. <و قد کان من خواصّ هذه الأمّة النصر بالرعب و الخشیة، قال: صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «نصرت بالرعب مسیرة شهرٍ»(56) >(5)
و «اقبض أیدیهم عن البسط» أی: کفّ أیدیهم عن الاضرار بالمسلمین بأن تجعلهم مأوفةً. و یحتمل أن یکون مجازاً عن سلب القدرة عنهم عن التصرّف مطلقاً.
و «أخزم ألسنتهم عن النطق» مأخوذٌ من الخزامة، و هی: ما یجعل فی جانب منخر البعیر لیثقب به؛ أی: اخرس ألسنتهم و اجعلها کأ نّها مخزومةٌ. و فی نسخة: «و اخرس».
و «شرّد بهم مَن خلفهم»: اقتباسٌ من قوله – تعالى – فی سورة الأنفال: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِی الْحَربِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ)(57) «التشرید» الطرد و التفریق؛ أی: فرّق
بسبب قتلهم و إسرهم.
«مَن خلفهم» – أی: الجماعة الّذین یلونهم – من معاونتهم.
و «نکّل» عن الجواب نکولاً أی: جبن و تأخّر و امتنع؛ و قال فی النهایة: «نکّل به تنکیلاً(58): إذا جعله عبرةً لغیره، و النکال: العقوبة الّتی تنکل الناس عن فعل ما جعلت له جزاءً»(59)؛ أی: و اجبن بهم أو افعل بهم من القتل و النکایة و التعذیب ما یوجب نکول من وراءهم من الکفّار، و یکون باعثاً لتأخّرهم و امتناعهم عن قتال المسلمین و قصدهم؛ فهذه الفقرة کالتفسیر لما قبله.
و «الخزی» – بالکسر -: الذلّ و الهوان.
و «الأطماع»: جمع طمع – کأمل و آمال لفظاً و معنىً -؛ أی: اقطع بسبب فضیحتهم و ذلّهم و هوانهم طمع اللاحقین. و فی نسخةٍ: «بخبرهم» بدل «بخزیهم»، أی: بسبب أخبار سوء أحوالهم اجعل أطماع لا حقیهم مقطوعةً.
اللَّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ، وَ یَبِّسْ أَصْلاَبَ رِجَالِهِمْ، وَ اقْطَعْ نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَ أَنْعَامِهِمْ، لاَ تَأْذَنْ لِسَمَائِهِمْ فِی قَطْرٍ، وَ لاَ لاَرْضِهِمْ فِی نَبَاتٍ.
«عقمّ»: أمرٌ من: عَقِمت الرحم عَقَماً – من باب تعب -: إذا لم تقبل الولد. و یتعدّی بالحرکة و الهمزة، فیقال: عقمها الله عقماً – من باب ضرب – و أعقمها اعقاماً و عقّمها تعقیماً – بالتضعیف – للمبالغة؛ و الاسم: العُقم – بالضمّ على وزن قفل -، و قد مرّ معناه و معنى: الرحم.
و «یبس» أیضاً أمرٌ من التیبیس، من: یبس الشیء ییبس – من باب تعب-: إذا جفّ، فهو یابسٌ. و یتعدّی بالهمزة و التضعیف، فیقال: أیبسه و یبّسه تیبیساً.
و «الأصلاب»: جمع صُلب – بالضمّ، و تضمّ اللام للاتّباع -. و هو سلسلة فقرات الظهر.
و قیل: «فی الصلب أربع لغاتٍ: بفتحتین، و بضمّتین، و بالضمّ و السکون، و بصیغة الفاعل»(60)
و المراد ب- «تیبّس أصلابهم: تجفیف منیّهم لینقطع نسلهم. و لمّا کان ماء المنىّ من الأصلاب فاستعمل لفظ الیبس بهذه المناسبة. <و قد اشتهر کون المنىّ من الصلب و الظهر، و لذلک ینسب الولد إلى صلب أبیه و ظهره؛ و نطق بذلک القرآن المجید، قال- تعالی-: (وَ حَلَائِلَ أَبْنَائِکُمُ الَّذِینَ مِنْ أَصْلَابِکُمْ)(61)، و قال- سبحانه-: (وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِنْ بَنِی آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ)(62)
و الوجه فی ذلک على ما ذهب إلیه جمٌّ غفیرٌ: انّ مبدء ماء الرجل من الصلب، لأنّ مادّته من النخاع الآتی من الدماغ. و ینحدر فی فقرات الظهر إلى العصعص- و لذلک قال سبحانه: (فَلْیَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ – خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ – یَخْرُجُ مِنْ بَیْنِ الصُّلبِ وَ التَّرائِبِ)(63) أی: صلب الرجل و ترائب المرءة -.
قوله- علیه السلام -: «و اقطع نسل دوابّهم و أنعامهم».
«النسل»: الولد.
و «الدوابّ»: جمع دابّة، و هی فی الأصل ما دبّ – أی: سار – من الحیوان، و غلب على ما یرکب؛ و هو المراد هنا >(64)
و «الأنعام» بعدها تخصیصٌ بعد التعمیم للاهتمام بشأنها؛ أی: اقطع نسل دوابّهم و أنعامهم مثل قطع نسلهم.
قوله – علیه السلام -: «لا تأذن -… إلى آخره -» أی: لا تجعل السماء ماطرةً علیهم و لا الأرض نابتةً لهم. و ترک العطف فی جملة «لا تأذن» لکمال الارتباط لما قبلها، لأنّها إمّا بدلٌ
منه أو تأکیدٌ و تقریرٌ.
اللَّهُمَّ وَ قَوِّ بِذَلِکَ مِحَالَ أَهْلِ الاِسْلاَمِ، وَ حَصِّنْ بِهِ دِیَارَهُمْ، وَ ثَمِّرْ بِهِ أَمْوَالَهُمْ، وَ فَرِّغْهُمْ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ لِعِبَادَتِکَ، وَ عَنْ مُنَابَذَتِهِمْ لِلْخَلْوَةِ بِکَ حَتَّى لاَ یُعْبَدَ فِی بِقَاعِ الاَرْضِ غَیْرُکَ، وَ لاَ تُعَفَّرَ لاَحَدٍ مِنْهُمْ جَبْهَةٌ دُونَکَ.
توسیط النداء بین المتعاطفین لمزید الضراعة.
و «ذلک» إشارةٌ إلى ما ذکر من قطع حرثهم و نسلهم و مادّة حیاتهم.
و «الَمحالّ» – بفتح المیم و تشدید اللام -: جمع محلّ، و هو المکان الّذى ینزله و یحلّه القوم، من: حلّ البلد و یحلّ به حلولاً – من باب قعد -: إذا نزل به. قیل: «المراد بالمحالّ هی بلاد الإسلام»؛
و بکسر المیم و تخفیف اللام – على وزن کتاب-: الکید و التدبیر و المکر و طلب الأمر بالحیلة و القدرة و القوّة و الشدّة – کما قال تعالى: (وَ هُوَ شَدِیدُ الِْمحَالِ)(65)، أی: ذو مکرٍ قویٍّ و ذو قوّةٍ شدیدةٍ -.
قوله: «و حصّن به»: جعله حصیناً – أی: منیعاً -.
و «الدیار» جمعٌ، و یطلق على البلد أیضاً.
و «ثمّر» الله ما له تثمیراً: أنماه و کثّره؛ أی: تمّم بما سألتک بالنسبة إلى الکفّار أموال المسلمین. و الضمائر کلّها راجعةٌ إلى «أهل الإسلام».
و «فرّغهم -… إلى آخره-» أی: خلّصهم عن الشغل بمحاربتهم للتجرّد لعبادتک. و محاربة الکفّار و إن کانت عبادةً إلّا انّها لیست کعبادةٍ لم یکن فیها قتل النفس، کالصلاة الّتی هی أمّ العبادات و عمود الدین(66) و معراج المؤمن(67) و مناجاة ربّ العالمین.
و «منابذتهم» من: نابذه على الحرب: کاشفه، أی: و فرّغهم عن مکاشفتهم و مقابلتهم حتىّ یکونوا مستعدّین للاشتغال فی الخلوة لعبادتک.
قوله: «حتّى لا یعبد فی بقاع الأرض».
«البقاع»: جمع بُقعة – بالضمّ، و تفتح -، و هی: القطعة من الأرض.
و «لا تُعفَّر» – بصیغة المجهول – من التعفیر، و هو المسح.
<و «الجبهة» من الإنسان قال الخلیل: «هی مستوى ما بین الحاجبین»(68)؛ و قال الأصمعیّ: «هی موضع السجود»(69)، و المعنى: و کی لا یمسح جبهة أحدٍ لأحدٍ إلّا لک- إذ کان السجود یحرم لغیر الله - >(70) والمعنى على طبق ما ذکرناه فی أوّل الدعاء: حتّى لا یعبد فی بقاع أرض البدن غیرک و لا تعفّر لأحدٍ من المسلمین الباطنیّة جبهة دونک؛ و ذلک لما قلناه لک من انّه ما سعد من سعد إلّا بسبب نور العلم و توابعه، و ما هلک من هلک إلّا بسبب ظلمة الجهل و توابعه. فنفس الناطقة الإنسانیّة إذا وقع فیها شیءٌ من نور المعرفة الربوبیّة حمل العقل على تطهیرها بالتقوى و تزکیتها بالریاضة و تفتیشها عن الأخلاق الخبیثة فتستنیر بنور العقل و المعرفة و تستضیء بضیاء الهدایة الربّانیّة حتّى لا یخفى علیها الشرک الخفیّ – الّذی هو أخفى من دبیب النملة السوداء فی لیلة الظلماء على الصخرة الملساء -، و هو التوحید الخالص.
اللَّهُمَّ اغْزُ بِکُلِّ نَاحِیَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِینَ عَلَى مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِکِینَ، وَ أَمْدِدْهُمْ بِمَلاَئِکَةٍ مِنْ عِنْدِکَ مُرْدِفِینَ حَتَّى یَکْشِفُوهُمْ إِلَى مُنْقَطَعِ التُّرَابِ قَتْلاً فِی أَرْضِکَ وَ أسْراً، أَوْ یُقِرُّوا بِأَنَّکَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِی لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ وَحْدَکَ لاَ شَرِیکَ لَکَ.
«اغز» – بالمعجمتین -: من الغزو، یقال: غزّ العدّو غزواً: سار إلى قتالهم و انتهابهم؛ أی: أغز أنْتَ بسبب أهل کلّ ناحیةٍ من المسلمین و معونتهم مغیراً غالباً(71) «على من بإزائهم» من المشرکین، و هو متعدٍّ بنفسه. <و إنّما عدّاه هنا ب- «على» لتضمینه معنى الإغارة و الغلبة. و فی نسخة ابن ادریس بالعین المهملة و تشدید الزاء المعجمعة من «العزّة» بمعنى: الغلبة، و لهذا فسّر «العزیز» بالغالب >(5)
و «الباء» زائدةٌ فی المفعول – نحو: (وَ هُزِّی إِلَیْکِ بِجِذْعِ الْنَّخلَةِ)(72) -، و زیادتها فیه کثیرةٌ لکنّها مع ذلک غیر مقیسةٍ. و یمکن أن یکون الباء صلةً کما قال الزمخشریّ فی الآیة المذکورة: «الباء فی (بِجِذْعِ الْنَّخْلَةِ) صلةٌ للتأکید، کقوله: (وَ لاَ تُلْقُوا بِأَیْدِیُکْم)(73)؛ أو على معنى: إفعلی الهزّ به، کقوله: بجرحٍ فی عراقیبها نصلی»(74)؛ انتهى. یعنى بالوجه الثانی انّه نزل «هزّی» مع کونه متعدیّاً منزلة اللازم للمبالغة، نحو: فلانٌ یعطی و یمنع؛ ثمّ عدّی کما یعدّی اللازم – کقوله: یجرح فی عراقیبها، أی: یفعل الجرح فی عراقیبها -. و المعنى: افعل العزّ بهم؛ و تعدیته ب- «على» إلى المفعول الثانی لما فیه من معنى الرفعة و الشرف.
و فی نسخة الشهید – رحمه الله -: أغز من الغزو – من باب الإفعال، على وزن أکرم -، أی: صیّر جماعات المسلمین غازین غالبین.
و «الإِزآء» – بالکسر و المدّ -: الحذاء؛ قال فی النهایة: «الإزآء: المحاذاة و المقابلة»(75)، أی: على من یحاذیهم و یقابلهم من المشرکین.
و «الإمداد»: الإعانة و التقویة.
و الجارّ و المجرور متعلّقٌ ب- «أمددهم»، فیکون الظرف لغواً؛ أو بمحذوفٍ هو صفة «الملائکة»، فیکون مستقرّاً.
و «مردِفین»: بکسر الدال اسم فاعلٍ، و بفتحها اسم مفعولٍ؛ أی: متوالین یکون بعضهم إثر بعضٍ، <من: أردفته إیّاه إردافاً أی: اتّبعته إیّاه و جعلته له ردیفاً فردفه هو؛ أو من: ردِفته- بالکسر - أی: تبعته و جئت بعده.
و «کشفت» القوم کشفاً – من باب ضرب-: هزمتهم فانکشفوا. و أصله من: الکشف بمعنى: رفع شیءٍ عمّا یواریه و یغطّیه، یقال: کشف الغطاء: إذا رفعه عمّا تحته. و لمّا کان هزم القوم یستلزم رفعهم و إزالتهم عن مواقفهم الّتی واروها و غطّوها بحصولهم و وقوفهم فیها سمّی «الهزم»: «کشفاً». و هو إمّا استعارةٌ بالکنایة، أو تبعیّةٌ.
و الظرف من قوله: «إلى منقطع التراب» متعلّقٌ بمحذوفٍ وقع حالاً من فاعل «یکشفوهم»، و هو الضمیر العائد فیه إلى «المسلمین»، أی: حتّى یکشفوهم مبلّغین و موصلین لهم إلى منقطع التراب؛ أو ب-: «یکشفوهم» مضمّناً معنى الإیصال أو الإنهاء.
و «منقطع» الشیء – بصیغة البناء للمفعول-: حیث ینتهی إلیه طرفه – نحو منقطع الوادی و الرمل و الطریق -.
و «التراب»: الأرض؛ قال الجوهریّ: «جمع التراب: أتربة و تِربان»(76) >(77)؛ و قال الفرّاء و جماعةٌ: «هو جنسٌ لا یثنّى و لا یجمع»(78) و المراد ب- «منقطع التراب» منتهى العمارة.
قوله – علیه السلام -: «قتلاً فی أرضک و إسراً» اى: لأجل قتلهم و إسرهم فیها؛ أو: حال کونهم قاتلین و أسیرین؛ أو: یقتلونهم فی أرضک قتلاً و یأسرونهم إسراً؛ أو من حیث القتل و الإسر. فنصبهما إمّا على المفعول لأجله، أو الحالیّة، أو التمییزیّة. و ذهب بعضهم إلى أنّ نحو ذلک على حذف مضافٍ – و التقدیر: و یکشفونهم کشف قتلٍ و إسرٍ -، فحذف المضاف و أقیم المضاف إلیه مقامه. قال ابن هشامٍ: «و هذا تقدیرٌ حسنٌ سهلٌ»(79)
و قوله – علیه السلام -: «أو یقرّوا» عطفٌ على «یکشفوهم»؛ أو انّه بمعنى: إلى أن – کما قیل: لألزمنّک أو تعطینی حقّی» -.
و «الاقرار»: الاعتراف.
<و «أنت»: ضمیرٌ موضوعٌ للمخاطب على مذهب الجمهور؛
و البصریّون على أنّ الضمیر «أن»، و التاء حرفیّةٌ مبنیّةٌ للمخاطب؛
و الفرّاء على أنّ «أنت» بکماله الضمیر و التاء من نفس الکملة؛
و قیل: «الضمیر هو التاء، أدغمت بأن لتستقلّ لفظاً». و هو هنا ضمیر فصلٍ فائدته التوکید و الاختصاص.
و لا محلّ لها من الإعراب؛ قیل «لأنّه حرفٌ»؛
و قیل «لشدّة شبهه بالحرف فی أنّه لم یؤت به إلّا لمعنىً فی غیره»؛
و قیل: «بل له محلٌّ»؛
فقال الفرّاء: «محلّه مشارکٌ لما قبله»؛
و قال الکسائیّ: «مشارکٌ لما بعده»؛
و قیل: «هو تأکیدٌ للکاف، کما فی قولک: مررت بک أنت»؛
و قیل: «هو مبتدءٌ خبره ما بعده، و الجمله خبر أن».
و قوله: «لا إله» مبنیٌّ مع «لا» فی موضع رفعٍ بالابتداء، و الخبر محذوفٌ- أی: لهم، أو: فی
الوجود، أو: مستحقٌّ للعبادة، أو: ممکنٌ -. و الضمیر بعد «إلّا» فی محلّ رفعٍ على البدل من محلّ «لا إله». و لا یجوز أن یکون فی محلّ نصبٍ على الاستثناء، لأنّه لو کان کذلک لما کان إلّا إیّاه، و جملة «لا إله إلّا أنت» فی محلّ رفعٍ على انّها خبرٌ ثانٍ لاسم «أن»؛ أو صفةٌ للخبر- و هو اسم الجلالة -.
و «وحدک» عند البصریّین منصوبٌ على المصدریّة، أو الحال؛ و عند الکوفیّین على الظرف >(80)
و قوله: «لا شریک لک»: خبرٌ ثالثٌ لاسم «أنّ»، أو: صفةٌ أخرى للخبر. و کلٌّ من هذه الجمل الثلاث مقرّرةٌ للوحدانیّة و مؤکدةٌ لما قبلها من حیث المعنى. و یمکن تخصیص کلٍّ منها بمعنىً، فتکون الأولى لنفی الشریک فی الألوهیّة و مزیحةً لما عسى أن یتوهّم: أنّ فی الوجود إلهاً لکن لا یستحقّ العبادة؛ و الثانیة للاشارة إلى أنّه واحدٌ فی ذاته لا ترکیب فیه؛ و الثالثة للإشارة إلى أنّه لا شریک له فی صفات الألوهیّة و صفات الکمال؛ هکذا ذکره الفاضل الشارح(81)
و قد أشبعنا الکلام علیه فیما سبق فی اللمعة السادسة.
اللَّهُمَّ وَ اعْمُمْ بِذَلِکَ أَعْدَاءَکَ فِی أَقْطَارِ الْبِلاَدِ مِنَ الْهِنْدِ وَ الرُّومِ وِ التُّرْکِ وِ الْخَزَرِ وَ الْحَبَشِ وَ النُّوبَةِ وِ الزَّنْجِ وَ السَّقَالِبَةِ وَ الدَّیَالِمَةِ وَ سَائِرِ أُمَمِ الشِّرْکِ، الَّذِینَ تَخْفَى أَسمَاؤُهُمْ وَ صِفَاتُهُمْ، وَ قَدْ أَحْصَیْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِکَ، وَ أَشْرَفْتَ عَلَیْهِمْ بَقُدْرَتِکَ.
«العموم»: الشمول، یقال: عمّ الشیء عموماً – من باب قعد -: شمل الجمیع، و هذه إشارةٌ إلى ما تقدّم من الدعاء على المشرکین؛ أی: اجعل عامّة هذه البلیّة لأعدائک الظاهریّة و الباطنیّة.
و «الأقطار»: جمع قطر – بالضمّ، مثل: قُفل و أقفال -، و هو: الجانب و الناحیة.
و «البلاد»: جمع بلدة – مثل: قلعة و قلاع -، و هی بمعنی البلد – و هو المصر الجامع -. و فی القاموس: «البلد و البلدة(82): کلّ قطعةٍ من الأرض مستحیزةٍ عامرةٌ أو غامرةٍ»(83)؛ أی: فی
الجوانب و نواحی البلدان الظاهریّة و الباطنیّة.
و «من» بیانیّةٌ.
و «الهند» مملکةٌ عظیمةٌ معروفةٌ من الإقلیم الأوّل، أحد حدّیها الصین و الآخر السند، أکثر أرض الله جبالاً و أنهاراً، خصّت بکرائم النبات و عجیب الحیوان. قال بعضهم: «الهند بحرها درٌّ و جبلها یاقوتٌ و شجرها عودٌ، و ورقها عطرٌ و حشیشها دواءٌ و شتاؤها صیفٌ و صیفها ربیعٌ!»؛
و قیل: «الهند جیلٌ و أمّةٌ من الناس معروفةٌ. أکثر الناس اختلافاً فی الآراء و العقائد، منهم من یقول بالخالق دون النبیّ – و هم البراهمة -، و منهم من یعبد الشمس، و منهم من یعبد القمر، و منهم من یعبد الشجر العظیم، و منهم من یعبد النهر الکبیر و البحر الفخیم(84) -… إلى غیر ذلک(85) -».
و «الروم» أیضاً مملکةٌ عظیمةٌ معروفةٌ، و کان أهلها کفرةً طاغیةً فی أیّام الجاهلیّة. و قال النووی فی التهذیب: «و الروم: هم(86) الّذین تسمّیهم أهل هذه البلاد: الإفرنج»(87)؛ انتهى. و أکثرهم نصارى، و بلادهم بالإقلیم السادس(88) و الغالب على ألوان أهلهم البیاض والشقرة
على شعورهم لغایة البرودة، و الإبل لا تتولّد فیها. و هی بلادٌ واسعةٌ، أنزه النواحى و أخصبها و أکثرها خیراً و أعذبها ماءً و أصحّها هواءً و أطیبها تربةً. و قال الواحدیّ: «الروم جیلٌ من ولد روم بن عیصو بن اسحاق، غلب اسم أبیهم علیهم فصار کالاسم للقبیلة»(89)
<و «الترک» جیلٌ من أولاد یافث بن نوح، یمتازون عن جمیع الأمم بالکثرة و العدد و وفور الشجاعة، عراض الوجوه فطس الأنوف عبل السواعد ضیّق الأخلاق و الأعین، یغلب علیهم الغضب و الظلم و القهر، أقسى خلق الله قلوباً و أشدّهم بطشاً و أقلّهم رأفةً و أصبرهم على تحمّل المشاقّ و المحن! و بلادهم بالإقلیم الثالث أوّلها من وراء نهر جیحون - و هو نهرٌ کبیرٌ یفصل بین بلاد الترک و بین خراسان، و یسمّى نهر خوارزم و نهر بلخ، لأنّ کلّاً منهما فی طرفٍ منه - و یمتدّ بلادهم إلى أقاصی المشرق من حدود الصین>(90)
و «الخَزَر» – بفتحتین -: ضیّق العین، و هم جیلٌ من الترک(91) سمّوا به لضیق أعینهم و صغرها. و فی نسخة ابن ادریس: بوزن حُمُر(92)؛ و المعنى واحدٌ(93)
<و «الحَبَش» - بفتحتین -: جنسٌ من السودان جلّهم نصارى، و یقال لبلادهم: الحبشة. و هی أرضٌ واسعةٌ تمتدّ من طرف بحر الیمن إلى الخلیج البربریّ.
و «النُوبة» – بالضمّ -: جیلٌ من السودان.
و «الزَنِج» – بالفتح و الکسر – مثلهم. و قیل: «النوبة بلدةٌ بشرقیٌ نیل مصر أهلها نصارى، و الزنج بلدةٌ بشرقیّ الحبش شمالها الیمن»(94)؛
و قال صاحب عجانب البلدان: «بلاد النوبة فی جنوبیّ مصرٍ و شرقیّ النیل(95) و غربیّه، و هی بلادٌ واسعةٌ و أهلها أمّةٌ عظیمةٌ، و هم على دین النصرانیّة، قال – صلّى الله علیه و آله و سلّم – «خیر سبیبکم النوبة»(96)؛
و قال القزوینیّ: «جمیع السودان من ولد کوش بن کنعان بن حام. و بلاد الزنج شدیدة الحرّ جدّاً، و سبب سوادهم احتراقهم بالشمس»(97)؛
و قیل: «انّ نوحاً – علیه السلام – دعا على ابنه حام فاسودّ لونه».
و بلادهم قلیلة المیاه و الأشجار، سقوف بیوتهم من عظام الحوت. زعم الحکماء انّهم شرار الناس، و لهذا یقال لهم: سباع الناس؛ أکل بعضهم بعضاً!، فإنّهم فی حروبهم یأکلون لحم العدوّ، و من ظفر بعدوٍّ له اکله!. و الغالب على مزاجهم الطرب، و ذلک لاعتدال دم القلب؛ و قیل: «لطلوع کوکب سهیل علیهم کلّ لیلةٍ، فانّه یوجب الفرح» >(98)
و «السقالبة» بالسین، و تبدّل السین صاداً فیقال: صقالبة؛ قال الخلیل: «کلّ سینٍ و صادٍ تجیء قبل القاف فللعرب فیه لغتان، فمنهم من یجعلها سیناً و منهم من یجعلها صاداً، لایبالون أمتّصلةً کانت بالقاف أو منفصلةً بعد أن یکونا فى کلمةٍ واحدةٍ»(99) و قال فی القاموس: «جیلٌ من الناس، حمر الألوان تتآخم بلادهم بلاد الخزر بین بلغز و قسطنطنیّة»(100)؛(101)
و قیل: «انّهم یلاصقون بلداً فی المغرب»(102)؛
و قال ابن الکلبیّ: «روم و صقلب و أرمن و فرّنج کانوا إخوةً، و هم بنوا النبطی بن کسلواخیم بن یونان بن یافث بن نوح – علیه السلام -؛ سکن کلّ واحدٍ منهم بقعةً من الأرض فسمّیت باسمها»(103)
و «الصقالبةٌ» قومٌ کثیرون صهب الشعور حمر الألوان أولوا صولةٍ شدیدةٍ.
و «الدیالمة» جیلٌ من الکفّار بلادهم أرض الجبال بقرب قزوین. و هم مشهورون بالظلم و الجور حتّى قیل: هم أشدّ جوراً من الترک و الدیلم! لکن بعضٌ منهم لا بأس بهم – مثل عضدالدولة الّذى هو محبٌّ لأهل بیت الرسالة، و تعزیة الإمام الشهید المظلوم و سائر شهداء کربلاء من سننه السنیّة، و کان مقرّ سلطنته شیراز -.
قال الفاضل الشارح: «و اعلم! أنّ السقالبة و الدیالمة جمعان لسقلبیّ و دیلمیّ، و التاء فیهما للدلالة على أنّ واحدهما منسوبٌ؛ قال الرضیّ: «تدخل التاء على الجمع الأقصى دلالةً على أنّ واحدهما منسوبٌ – کالأشاعثة و المَشاهدة فی جمع أشعثیّ و مشهدیّ. و ذلک انّهم لمّا أرادوا أن یجمعوا المنسوب جمع تکسیرٍ وجب حذف یاء النسب، لأنّ یاء النسب و الجمع لا یجتمعان، فلا یقال فی النسبة إلى رجال: رجالیّ، بل رجلیّ -؛ فحذفت یاء النسبة ثّم جمع بالتاء لتکون التاء کالعوض من الیاء – کما عوّضت من الیاء فی نحو: جحاجحة جمع
جحجاح، لأنّ أصل جمعه جحاجیح -، فحذفت الیاء و عوّضت عنها التاء؛ و لذلک لا تثبتان معاً و لا یسقطان معاً»(104)؛ انتهى کلامه.
اللَّهُمَّ الشْغَلِ الْمُشْرِکِینَ بِالْمُشْرِکِینَ عَنْ تَنَاوُل أَطْرَافِ الْمُسْلِمِینَ، وَ خُذْهُمْ بِالنَّقْصِ عَنْ تَنَقُّصِهِمْ، وَ ثَبِّطْهُمْ بِالْفُرْقَةِ عَنِ الإحْتِشَادِ عَلَیْهِمْ.
«الشُغل» – بالضمّ -: اسمٌ من شغله شغلاً – من باب نفع -، و هو خلاف الفراغ؛ أی: أللَّهُمَّ الشغل المشرکین بالمشرکین حالکونهم معرضین عن أطراف المسلمین و نواحیهم.
<و اختلفوا فی أنّ لفظ «المشرکین» هل یتناول الکفّار من أهل الکتاب أم لا؟ قال الأکثرون: نعم، لقوله - تعالى -: (وَ قَالَتِ الْیَهُودُ عُزَیرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ قَالَتِ النَّصَارَى المَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِکَ قَولُهُمْ بِأَفوَاهِهِمْ یُضَاهِؤُنَ قَولَ الَّذِینَ کَفَروُا مِن قَبلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى یُؤْفَکُونَ - اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَ رُهبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وِ الْمَسِیحَ بنَ مَریَمَ وَ مَا أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبحَانَهُ عَمَّا یُشرِکُونَ)(105)، و لقوله- تعالی-: (إِنَّ اللَّهَ لَا یَغفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ یَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ)(106)؛ فلو کان کفر الیهود و النصارى غیر الشرک لاحتمل أن یغفر الله لهم، و ذلک باطلٌ بالاتّفاق؛
و أیضاً: النصارى قائلون بالتثلیث، و هو شرکٌ محضٌ.
و قال الأصم: «کلّ من جحد رسالة محمّدٍ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – فهو مشرکٌ من حیث إنّ تلک المعجزات الّتی ظهرت على یدیه کانت خارجةً عن قدرة غیر الله – تعالى – و هم أنکروها و أضافوها إلى الجنّ و الشیاطین، فقد أثبتوا شریکاً لله – سبحانه – فی خلق هذه الأشیاء الخارجة عن قدرة البشر.
و اعترض علیه: بانّ الیهودیّ مثلاً حیث لا یسلّم انّ ما ظهر على ید محمّدٍ – صلّى الله
علیه و آله و سلّم – من جنس ما لا یقدر العباد علیه لم یلزم أن یکون مشرکاً بسبب إضافة ذلک إلى غیر الله – تعالى -؛
و أجیب بأنّه لا اعتبار باقراره، و إنّما الاعتبار بالدلیل. فإذا ثبت بالدلیل انّ ذلک معجزٌ خارجٌ عن قدرة العباد فمن أضاف ذلک إلى غیر الله کان مشرکاً، کما لو أسند خلق الحیوان و النبات إلى الأفلاک و الکواکب.
احتجّ المخالفون بأنّه – تعالى – فصّل بین المشرکین و أهل الکتاب فی الذکر حیث قال: (مَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِن أَهْلِ الْکِتَابِ وَ لاَ الْمُشرِکِینَ)(107)، (لَمْ یَکُنِ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أهْلِ الْکِتَابِ وَ الْمُشْرِکِینَ)(108)، و العطف یقتضی المغایرة؛
و أجیب بأنّ کفر الوثنیّ أغلظ، و هذا القدر یکفی فی العطف، أو لعلّه خصّ أوّلاً ثمّ عمّم؛ و قد تواتر النقل عن النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «انّ کلّ من کان کافراً یسمّى مشرکاً»(109) فظهر انّ وقوع اسم المشرک علیهم إن لم یکن بحسب اللغة کان بحسب الشرع، و إذا کان کذلک فلا یبعد – بل یجب – اندراج کلّ کافرٍ تحت هذا الاسم>(110)
قوله – علیه السلام -: «و خذهم بالنقص عن تنقّصهم».
<«التنقّص» بمعنى: النقص. و حاصله: خذهم بالنقص فی أموالهم و أبدانهم و «اشغلهم» عن أن ینقّصوا أولیائک؛ و یجوز أخذه من «النقیصة» بمعنى: العیب، أی: خذهم بالنقص حتّى لا ینقصوا أحبّائک و یعیبوهم >(111)
قوله – علیه السلام -: «و ثبّطهم بالفرقة عن الاحتشاد».
«ثبّطه» عن الأمر تثبیطاً: شغله و قعد به عنه.
و «الفُرقة» – بالضمّ -: اسمٌ من افترق القوم افتراقاً: خلاف اجتمعوا.
و «الاحتشاد»: الاجتماع >(112)؛ أی: امنعهم بسبب التفرقة فیما بینهم عن الإجتماع على المسلمین.
اللَّهُمَّ أَخْلِ قُلُوبَهُمْ مِنَ الاَمَنَةِ، وَ أَبْدَانَهُمْ مِنَ الْقُوَّةِ، وَ أَذْهِلْ قُلُوبَهُمْ عَنِ الاْحْتِیَالِ، وَ أَوْهِنْ أَرْکَانَهُمْ عَنْ مُنَازَلَةِ الرِّجَالِ، وَ جَبِّنْهُمْ عَنْ مُقَارَعَةِ الاَْبْطَالِ، وَ ابْعَثْ عَلَیْهِمْ جُنْداً مِنْ مَلاَئِکَتِکَ بِبَأْسٍ مِنْ بَأْسِکَ کَفِعْلِکَ یَوْمَ بَدْرٍ، تَقْطَعُ بِهِ دَابِرَهُمْ وَ تَحْصُدُ بِهِ شَوْکَتَهُمْ، وَ تُفَرِّقُ بِهِ عَدَدَهُمْ.
و «الأمنة» – على وزن الغلبة -: من الأمن، و هو: عدم توقّع مکروهٍ. و فی نسخةٍ على وزن «الرحمة»(113)؛ أی: اجعل قلوبهم خالیةً من الأمن «و أبدانهم من القوّة».
و «اذهل»: أمرٌ من الذهول بمعنى: الغفلة.
و «الاحتیال»: طلب الحیلة و الخدعة مع المسلمین.
<و «الوهن»: الضعف، و هن یهن - من باب وعد - أی: ضعف. و ربّما عدّى بنفسه، فقیل: و هنته فهو موهونٌ، و الأجود أن یعدّى بالهمزة، فیقال: أوهنه - کما وقع فی الدعاء -.
و «الأرکان»: جمع رکن، و هو فی اللغة: الجانب القویّ من الشیء و المراد بها هذا الجوارح: أی: ضعّف جوارحهم.
و «المقارعة»: مفاعلةٌ من القرع، و هو الضرب؛ قرعه قرعاً – من باب نفع -: ضربه. و فی القاموس: «المقارعة(114): أن یقرع الأبطال بعضهم بعضاً»(115)
و «الأبطال»: جمع بَطَل – بفتحتین -، أی: شجاع. و فی روایةٍ فقرة الدعاء هکذا: «و أوهن أرکانهم و هممهم عن منازلة الرجال و جبّنهم عن مقارعة الأبطال؛ أی: أوهن هممهم
عن مقاومة الرجال».
«المنازلة»: إمّا النزول عن الإبل و الرکوب على الفرس لهیئة الحرب و الاشتغال به؛ أو: النزول عن المرکب فی الحرب إظهاراً لشدّة ثبات قدمهم فیه؛ أی: أوهن أعضائهم و جوارحهم عن محاربة مشاتهم مشاة المسلمین.
و «جبّنهم»: أمرٌ من باب التفعیل من الجبن: ضدّ الشجاعة؛ أی: اجعلهم جبناء غیر مشجّعین کفعلک یوم بدرٍ؛ أو: اجعلهم بحیث یکونون عند الخلائق منسوباً إلى الجبن(116)، یقال: جبّنه تجبیناً أی: نسبه إلى الجبن.
و «البعث»: الإرسال.
و «الجُند» – بالضمّ -: العسکر.
و «مِن» فی قوله: «من ملائکتک» ابتدائیّةٌ متعلّقةٌ بمحذوفٍ وقع صفةً ل- «جندٍ»؛ أی: کائناً من ملائکتک.
<و «الباء» من قوله: «ببأسٍ» للملابسة متعلّقةٌ بمحذوفٍ وقع حالاً من «جندٍ» لتخصّصه بالصفة؛ أی: متلبّساً ببأسٍ من بأسک - کقوله تعالى: (اهْبِطْ بِسَلاَمٍ)(117) -، فالظرف مستقرٌّ. و یحتمل أن یکون صلة الفعل من قوله: «و ابعث»- کقولک: بعثت بهدیّتی أو کتابی زیداً -، فیکون الظرف لغواً.
و «البأس»: الشدّة و القوّة، و «بأمر الله» شدّة عذابه؛ أی: اجعل جنود ملائکتک مبعوثین علیهم بشدّةٍ من شدّتک کما فعلته یوم بدرٍ فی إعانة المسلمین و إعزازهم و إزلال المشرکین و قمعهم.
و «بدر»: اسم ماءٍ على ثمانیةٍ و عشرین فرسخاً من المدینة فی طریق المکّة، کان لرجلٍ اسمه بدر بن کلدة فنسب إلیه، ثمّ غلب اسمه. و قیل: هو بئرٌ حفرها رجلٌ من غِفار اسمه بدر
بن قریش بن النضر بن کنانة، فسمّیت باسمه. و حکى الواقدیّ انکار ذلک عن غیر واحدٍ من شیوخ بنی غِفار؛ قالوا: انّما هو منازلنا و میاهنا و ما ملکها أحدٌ قطٌّ یقال له بدر، و إنّما هو علمٌ علیها کغیرها من البلاد.
و قیل: «سمّیت البئر به لصفائها و استدارتها، فکأنّ البدر یرى فیها».
و هو لفظٌ یذکّر و لا یؤنّث.
و کانت وقعة بدرٍ فی السابع عشر من شهر رمضان سنة اثنین من الهجرة(118) قد خرج رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – من المدینة و معه ثلاثمأةٍ و ثلاثة عشر رجلاً من أصحابه – عدد أصحاب طالوت الّذین عبروا معه النهر یوم جالوت-، و کان معهم فرسانٌ – و قیل: «فرسٌ واحدٌ» – حین أقبل المشرکون من قریشً من مکّة بخیلهم و خیلائهم یحادّون الله و رسوله، و هم ألف رجلٍ فی سوابغ الحدید و العدّة الکاملة و الخیول المسوّمة، و فیهم أبوجهل -: رأس المشرکین -. فنصر الله رسوله و أصحابه و هزم الشرک و أصحابه(119)؛ و لذا قال الله – سبحانه – منّةً على الأمّة: (وَ لَقَدْ نَصَرَکُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)(120)، عن ابن عبّاس: «انّه لم تقاتل الملائکة سوى یوم بدرٍ، و فیما سواه کانوا عدداً(121) و مدداً لا یقاتلون و لا یضربون»(122)؛ و لعلّ هذا هو السرّ فی تخصیصه – علیه السلام – «یوم بدرٍ» بالذکر >(123)
قوله – علیه السلام -: «تقطع به دابرهم»، هذه الجملة فی محلّ جرٍّ على أنّه صفةٌ أخرى ل- «بأس»، و الضمیر عائدٌ إلى «الجند»؛ أی: تقطع بسبب إرسال الملائکة و الجند دابرهم –
أی: عقبهم و آخرهم و أصلهم و من بقى منهم(124) -. و «قطع الدابر» کنایةٌ عن الاستیصال بحیث لم یترک منهم أحدٌ.
و «تحصد»: من الحصاد، و هو قطع الزرع؛ یقال: حصَدت الزرع حصْداً – من بابی ضرب و قتل -: قطعته، فهو محصودٌ و حصیدٌ؛ و منه قوله – تعالى -: (مِنهَا قَائِمٌ وَ حَصِیدٌ)(125)، قیل: قرء «حصیداً» – بالنصب – لأنّ الحصید لا یکون إلّا بالحدید، أی: فمن القرى قائمٌ معمورٌ و منها کالحصید – أی: مخروبةٌ غیر معمورةٍ -، لأنّ الحصیدة الحقیقیّ لا یکون إلّا بالحدید. فعلى هذا یکون «حصیداً» منصوباً بنزع الخافض، و تکون هذه الآیة تفصیلاً لما قبلها.
و «الشوکة»: شدّة البأس و القوّة فی السلاح؛ و قال الزمخشریّ: «الشوکة: الحدّة مستعارةٌ من واحدة الشوک»(126)؛ أی: تستأصل به حدّتهم و شدّة بأسهم و قوّتهم.
و «فرّقت» الشیء تفریقاً: بددته تبدیداً.
اللَّهُمَّ وَ امْزُجْ مِیَاهَهُمْ بِالْوَبَاءِ، وَ أَطْعِمَتَهُمْ بِالاَْدْوَاءِ، وَ ارْمِ بِلَادَهُمْ بِالْخُسُوفِ، وَ أَلِحَّ عَلَیْهَا بِالْقُذُوفِ، وَ افْرَعْهَا بِالْمُحُولِ، وَ اْجعَلْ مِیَرَهُمْ فِی أَحَصِّ أَرْضِکَ وَ أَبْعِدْهَا عَنْهُمْ، وَ امْنَع حُصُونَهَا مِنْهُمْ، أَصِبْهُمْ بِالْجُوعِ الْمُقِیمِ وَ السُّقْمِ الاَْلِیمِ.
«امزج»: أمرٌ من مزجت الشیء بالشیء مزجاً- من باب قتل-: خلطته.
<و «المیاه»: جمع ماء، لأنّ أصله ماه؛ و قیل: «موه، تحرّکت الواو و انفتح ما قبلها فقلبت ألفاً و قلبت الهاء همزةً لاجتماعها مع الألف، و هما حرفان حلقیّان، و وقوعهما طرفاً. و لهذا یردّ إلى أصله فی الجمع و التصغیر، فیقال: میاه و مُویه. و یجمع على: أمواه أیضاً- مثل باب و
أبواب -.
و ربّما قالوا: میاء و أمواء – بالهمز – کما وقع فی نسخة ابن ادریس.
و «الوباء» – بالقصر و المد – قیل: «هو مرضٌ عامٌ»؛
و قیل: «موتٌ ذریغٌ»؛
و قیل: «هو الطاعون»؛
و قیل: «الوباء: تغیّر الهواء بالطواری العلویّة- کاجتماع کواکب ذات أشعّةٍ – و السفلیّة – کالملاحم و انفتاح القبور و صعود أبخرةٍ فاسدةٍ -. و أسبابه مع ما ذکر تغیّر فصول الزمان و العناصر و انقلاب الکائنات. و علاماته الحمى و الجدری و النزلة و الحکّة الأورام. و منه الطاعون، و هو قراحّ یقع غالباً فی المراق السخیفة – کخلف الأذن و الإبط و المغابن»؛ انتهى.
و «الأطعمة»: جمع طعام.
و «الأدواء»: جمع داء، و هو المرض؛>(127) أی: و اجعل أطعمتهم ممزوجةً بالأمراض و العلل.
و «خسف» المکان خسفاً و خسوفاً- من باب ضرب-: ذهب فی الأرض و غار؛ و: الشیء: نقص؛ و الخسف: النقیصة؛ و: خسفه الله یتعدّی، قال- تعالی-: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَ بِدَارِهِ الاَرْضَ)(128)
و «ألحّ» أی: ضاق، من قولهم: مکانٌ لاح أی: ضیّقٌ؛ أو من: ألحّ الرجل على الشیء إلحاحاً: دام علیه.
و «القذوف»: جمع قذف، و هو الرمی بالحجارة؛ أی: اجعل القذوف علیها دائمةً مواظبةً لها لا ینقطع عنها.
و «افرَعْها» – بهمزة الوصل و فتح الراء و سکون العین المهملتین – <بمعنى: التفریق؛
أی: فرّقها. و فی نسخة ابن ادریس(129) بالمعجمة من باب الإفعال؛ أی: اخلها من نعمک. و فی نسخة الکفعمیّ بالقاف و العین المهملة من القرع و الطرق بالقوارع- أی: الشدائد(130) – >(111)
و «المحول»: جمع مَحْل، و هو الجدب و القحط.
و «المیر»: جمع میرة – بالکسر -، و هی الطعام الّذى یجلب من بلدٍ إلى بلدٍ؛ أی: قوتهم و مطعومهم.
<و «الحصّ» فی الأصل: حلق الشعر، و منه: الحاصّة - و هو داءٌ یتناثر منه شعر الرأس، و یقال: حصّت البیضة رأسه: إذا ذهبت شعره، و انحصّ شعره انحصاصاً أی: تناثر و ذهب، و رجلٌ أحصّ بین الحصص أی: قلیل شعر الرأس(131) -. ثمّ استعیر فی الجدب و قلّة الخیر و عدم النبات، فقیل: سنةٌ حصّاء أی: جرداء مجدبة لا خیر فیها >(132) و استعمال أفعل التفضیل فی المفعول و إن کان غیر قیاسٍ إلّا انّ المسموع منه کثیرٌ – نحو: أعذر و أشهر و ألوم، أی: أکثر معذوریّةً و مشهوریّةً و ملومیّةً -. و کلامه – علیه السلام – حجّةٌ لا یحتاج فیه إلى السماع من غیره.
و «أبعدها»: أمرٌ من الإبعاد. و الضمیر المؤنّث عائدٌ إلى «میرهم»، أی: و اجعل مطعوماتهم بعیدةً عنهم.
<و «امنع»: اسم تفضیلٍ من: منع الحصص مناعةً - على وزن ضخم ضخامةً -، أی: صار منیعاً.
و«الحصون»: جمع حِصن -بالکسر-، و هو: کلّ موضعٍ حصینٍ لا یوصل إلى جوفه؛ أی: و اجعل میرهم فی أشدّ حصون أرضک مناعةً حتّى لایقدروا على الوصول إلیها. و فی نسخةٍ:
«و امنع حصونها منهم» – على صیغة فعل الأمر>(133) و نصب الحصون-، أی: امنع قلاع أرضک منهم کی لا یتحصّنوا بها، و اجعل الحصون منیعةً محکمةً کی لا یقدروا على فتحها و أخذها.
و جملة قوله – علیه السلام -: «أصبهم بالجوع المقیم» مؤکّدةٌ لمعنى ما قبلها، و لذلک جاء بها مفصولةً من غیر عاطفٍ – لکمال الاتّصال -.
و «السَُقَْم» – بالضمّ و الکسون، و بفتحتین -: المرض.
و «الألیم»: فعیلٌ بمعنى مفعَل – بفتح العین -، لأ نّه من ألمه یؤلمه إیلاماً فهو مؤلمٌ؛ و ألم هو ألماً- من باب تعب – فهو ألیمٌ – کما تقول: أوجعه یوجعه إیجاعاً فهو موجعٌ، و وجع هو وجعاً فهو وجیعٌ -، وصف به «السقم» للمبالغة کما وصف الله به العذاب فی قوله – سبحانه -: (وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)(134)
اللَّهُمَّ وَ أیُّمَا غَازٍ غَزَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِکَ، أَوْ مُجَاهِدٍ جَاهَدَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ سُنَّتِکَ لِیَکُونَ دِینُکَ الاَْعْلَى وَ حِزْبُکَ الاَْقْوَى وَ حَظُّکَ الاَْوْفَى فَلَقِّهِ الْیُسْرَ، وَ هَیِّىءْ لَهُ الاَْمْرَ، وَ تَوَلَّهُ بِالنُّجْحِ، وَ تَخَیَّرْ لَهُ الاَْصْحَابَ، وَ اسْتَقْوِ لَهُ الظَّهْرَ، وَ أَسْبِغْ عَلَیْهِ فِی النَّفَقَةِ، وَ مَتِّعْهُ بِالنَّشَاطِ، وَ أَطْفِ عَنْهُ حَرَارَةَ الشَّوْقِ، وَ أجِرْهُ مِنْ غَمِّ الْوَحْشَةِ، وَ أَنْسِهِ ذِکْرَ الاَْهْلِ وَ الْوَلَدِ. وَ أْثُرْ لَهُ حُسْنَ النِّیَّةِ، وَ تَوَلَّهُ بِالْعَافِیَةِ، وَ أَصْحِبْهُ السَّلاَمَةَ، وَ أَعْفِهِ مِنَ الْجُبْنِ، وَ أَلْهِمْهُ الْجُرْأَةَ، وَ ارْزُقْهُ الشِّدَّةَ وَ أَیِّدْهُ بِالنُّصْرَةِ، وَ عَلِّمْهُ السِّیَرَ وَ السُّنَنَ، وَ سَدِّدْهُ فِی الْحُکْمِ، وَ اَعْزِلْ عَنْهُ الرِّیَاءَ، وَ خَلِّصْهُ مِنَ السُّمْعَةِ وَ اجْعَلْ فِکْرَهُ وَ ذِکْرَهُ وَ ظَعْنَهُ وَ إِقَامَتَهُ فِیکَ وَ لَکَ.
قال الفاضل الشارح: «الواو عاطفةٌ للإشعار بأنّ ما بعدها من تتمّة الدعاء الأوّل.
و«أی»: اسم شرطٍ بدلیل «الفاء» الرابطة فی الجواب.
و «ما» مزیدةٌ لتأکید ابهامٍ، أی: و شیاعها؛
و قیل: «نکرةٌ، و «غازٍ» بدلٌ منها. و «أیّما» مرفوعٌ على الابتدائیّة.
و اختلف فی الخبر؛ فقیل: «هو جملة الشرط، لعدم خلوّها من الضمیر فی حالٍ، بخلاف جملة الجواب فی نحو: أیّهم قام قمت. و کلمة الشرط إذا ارتفعت على الابتداء فلابدّ لها من ضمیرٍ، فیتعیّن کون الخبر جملة الشرط دون جملة الجواب. و هو اختیار الأندلسیّ و محقّقی المتأخّرین.
و قیل: «هو جملة الشرط و جملة الجواب معاً، لصیرورتها بسبب کلمة الشرط کالجملة الواحدة»؛
و قیل: «هو جملة الجواب فقط»؛
و قیل: «اسم الشرط مبتدءٌ لا خبر له».
و ما وقع لبعض المبتدئین من انّ «أی» من «أیّما» موصولةٌ و جملة «غازٍ غزاهم» صلتها؛ و «الفاء» فی قوله: «فلقّه» رابطةٌ لشبه الشرط بشبه الجواب؛
غلطٌ صریحٌ!، لأنّ «أیّاً» الموصولة لا تضاف إلى نکرةٍ – کما نصّ علیه الجمهور -؛ و هی هنا مضافةٌ إلیها، فتعیّن شرطیّتها.
و تجویز بعضهم إضافة الموصول إلى النکرة – نحو: یعجبنی أیّ رجلٍ عندک – مورودٌ بأنّها حینئذٍ نکرةٌ، و الموصولات معارفٌ»(135)؛ انتهى.
و «الغازی» أخصّ من «المجاهد»، لأنّ الغزو لا یکون إلّا فی بلاد العدوّ بخلاف الجهاد، فانّه مطلقٌ؛ فکلّ غازٍ مجاهدٌ دون العکس.
و «الأتباع»: جمع تَبَع – بفتحتین -، و هو فی الأصل من: تبع زیدٌ عمراً تبعاً – من باب
تعب -: إذا مشى خلفه، ثمّ أطلق على مطلق الائتمام بالشیء و الاقتداء به – فعلاً أو اعتقاداً -. و یجوز جمعه على «أتباع» – کسبب و أسباب -.
و «السنّة»: الطریقة.
و «لیکون»: ظرفٌ لغو متعلّقٌ ب- «غزاهم» و «جاهدهم» على سبیل التنازع.
و «الأعلى»: اسم تفضیلٍ من علا یعلو بمعنى: ارتفع. و تعریفه ب- «لام» الجنس لافادة القصر؛ أی: لیکون التفضیل فی العلوّ مقصوراً على دینک لا یتجاوزه، و صورة التفضیل لمجرّد التأکید. و لا فضل لغیر دینه – تعالى -.
<و «الحِزب» - بالکسر -: الطائفة من الناس، و «حزب» الرجل: جنده و أصحابه. و هو اسم جمعٍ لا واحد له من لفظه - کالقوم و الرهط -. و إذا أخبر عنه فقد یعتبر لفظه فیخبر عنه بالمفرد - کعبارة الدعاء -، و قد یعتبر معناه فیخبر عنه بالجمع - کقوله تعالى: (فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ)(136) -.
و «الأقوى»: أفعل تفضیلٍ من القوّة: خلاف الضعف.
و «الحظّ» یطلق على معنیین: أحدهما: الجَدّ – بالفتح – بمعنى: البخت و الإقبال؛ و الثانی: النصیب، و هو الحصّة.
و «الأوفى»: اسم تفضیلٍ من «وفى» الشیء یفی: إذا تمّ و کمل >(137)
و قوله – علیه السلام -: «فلقّة الیسر»: خبرٌ ل- «أیّما»، و الضمیر راجعٌ إلى «غازٍ»؛ و کذا الضمائر الآتیة.
و «التهیئة»: الإعداد، یقال: هیّأت الشیء: أعددته و رتّبته. و أصلها إحداث هیئة الشیء – و هی صورته و شکله -؛ أی: أعد لذلک الغازی کلّ أمره و یسّر له کلّ عسیره.
و «النُجح» – بالضمّ -: اسمٌ من أنجح الله حاجته إنجاحاً: قضاها؛ أی: کن متولّیاً لحصول مطالبه و قضاء حوائجه.
و «تخیّر له الأصحاب» – بصیغة الأمر – بمعنى: الاصطفاء، أی: اصطف له الأصحاب للإعانة.
و «استقو له الظهر» أی: اطلب له الظهر القویّ؛ أی: یسّر له راحلةً قویّةً، من استقویت الدابّة: طلبت أن تکون قویّةً – کما یقال: استکرم الشیء أی: طلبه کریماً -. <و ما قیل: «انّ معناه: قوّ ظهره؛ أو: کن له ظهیراً و مقویاً»؛
فیأباه الاستقواء>(138)
و «أسبغ علیه فی النفقة».
و «فی» للظرفیّة المجازیّة، أی: أوقع الإسباغ و الزیادة فی نفقة الغازی – أی: فی زاده و سائر ما یحتاج إلیه -.
و «متّعه بالنشاط» أی: و اجعله متمتّعاً منتفعاً بالفرح و السرور؛ و هذه کنایةٌ عن الفتح و الظفر على الخصم.
و «أطف عنه حرارة الشوق» أمرٌ من باب الإفعال مخفّف أطفىء – بیاءٍ مهموزةٍ من الإطفاء – بمعنى: الإخماد، و التخفیف فی ألفاظ الفصحاء بابٌ واسعٌ؛ أی: أخمد نار شوقه بسبب حصول مطلبه.
و ذکر السیّد السند الداماد وجوهاً أخرى لا تخلوا من تکلّفٍ و تعسّفٍ، فجعله تارةً من قولهم: «طفا فوق الماء أی: لم یرسب فیه؛
و تارةً من: طفا الظبی یطفو: إذا خفف على الأرض و اشتدّ عدوه؛
و تارةً من: الطفاوة بمعنى: الشیء الیسیر»(139)؛ انتهى.
<و «الشوق»: قیل: «هو اهتیاج القلب إلى لقاء المحبوب»؛
و قیل: «وجدان لذّة المحبّة اللازم لفرط الإرادة الممزوج بألم المفارقة».
و «أجاره»: أمنه و حفظه.
و «الغمّ»: ما یلحق الإنسان بسبب مکروهٍ نزل به حتّى کأنّه یغمى علیه.
و «الوحشة»: الخلوة و الإنفراد عمّن یأنس به >(140)؛ أی: انقذه و آمنه من غمّ الوحشة حتّى لا تصیر الوحشة سبباً للتفرقة و السآمة عن الجهاد.
و «أنسه ذکر الأهل و الولد» أی: امح عن قلبه و خاطره ذکر أهله و ولده حتّى لا یضعف عن الجهاد.
و «اثُر له حسن النیّة» – بوصل الهمزة و ضمّ الثاء المثلّثة، على وزن اقتل – بمعنى: النقل و الروایة؛ أی: ألهمه و أرشده إلى فضائل حسن النیّة حتّى یحسن و تصدق نیّته فی الغزو و الجهاد و یخلص لله – تعالى -.
<فقول بعضهم: «انّ معنى: «و اثر»: إختر»؛
غیر صحیحٍ! لاتّفاق السنخ على ضبط «و اثر» بوصل الهمزة؛ و لو کان بمعنى: إختر لضبط بقطع الهمزة و مدّها و کسر الثاء المثلّثة – على وزن قاتل – بصیغة الأمر من: آثره إیثاراً: اختاره. و أصله بمعنى: «أأثر» – بتخفیف الهمزة من باب أکرم، فلیّنت الهمزة الثانیة استثقالاً لاجتماع الهمزتین. و لم یسمع أثره أثراً – من باب قتل – بمعنى: آثره إیثاراً، فلا معدل عمّا ذکرناه >(12)
و قیل: «اثر من: المآثر، و هی الصفات الحسنة؛ أی: اجعل الصفات الحسنة و ذکر الخیر دائماً له، یعنی بسبب حسن النیّة أدم ذکر خیره بین الناس».
و فی نسخةٍ بدل «و اثر»: «و أدم».
و قوله: «بالعافیة» أی: کن له ولیّاً بإلباسه العافیّة، و هی: دفاع الله عن العبد.
و «أصحبته» الشیء إصحاباً: جعلته له صاحباً؛ أی: و اجعل السلامة – و هی الخلوص من الآفات و البلیّات – لازمةً له لزوم الصاحب لصاحبه.
و قیل: «أصحبه إمّا بسقوط الألف فی الدرج؛ و إمّا بثبوته و بقائه بأن یکون الأمر من
باب الإفعال».
و «أعفه من الجبن» أی: احفظه من الخوف.
و «ألهمه الجرأة» أی: ألق فی روحه الجرأة، و هی بالمدّ بمعنى: الاقدام فی الحروب؛ و فی الصحاح: «الجرأة – مثل الجرعة -: الشجاعة(141)، والجریء المقدام، تقول منه: جرُؤَ الرجل جرآءةً بالمدّ»(142) و صاحب القاموس لم یفرق بین الجرأة و الجرآءة – ککراهة – فی أ نّهما بمعنى: الشجاعة(143) و قیل: «الشجاعة مخصوصةٌ بالإنسان و الجرأة أعمّ، و لذا قیل: للأسد جرأةٌ لا شجاعةٌ»؛
و هو کما ترى!
و «ارزقه الشدّة» أی: أعطه القوّة فی البدن و النفس لیکون شدیداً على الکفّار- کما قال تعالى: (أشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ)(144) -.
و «أیّده بالنصرة» أی: قوّه بالفتح و النصرة على عدوّه.
و «علّمه السیر و السنن».
<«السیر»: جمع سیرة، و هی فی اللغة: الطریقة، یقال: سار فی الناس سیرةً حسنةً أو قبیحةً. و المراد ب- «السیر» هنا أحکام الجهاد >(145) و السنن النبویّة؛ أی: علّمه التدبیر و الطریقة فی أمور المحاربة و الجهاد مع الکفرة الظاهریّة و الباطنیّة.
و «سدّده فی الحکم» أی: وفّقه للسداد – و هو الصواب – فی الحکم حتّى لا تصدر عنه مخالفة الشرع.
و «أعزل عنه الریاء و خلّصه من السمعة» أی: اصرف عنه و خلّصه من قصد الریاء و
السمعة فی علمه لیکون خالصاً لله. و المراد ب- «الریاء» و «السمعة» ما یرى الناس و یسمعهم؛ و فی الحدیث عن النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – انّه قال: «انّ أخوف ما أخاف علیکم الشرک الأصغر!
قالوا: و ما الشرک الأصغر یا رسول الله؟
قال: الریاء! یقول الله – عزّ و جلّ – یوم القیامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الّذین کنتم تراءون فی الدنیا هل تجدون عندهم ثواب أعمالکم؟»(146)؛
و عنه – صلّى الله علیه و آله و سلّم – انّه قال: «الریاء أخفى من دبیب النملة السوداء فی اللیلة الظلماء علی الصخرة السوداء!»(147)؛
و عن أبی عبدالله – علیه السلام – فی قول الله – عزّ و جلّ -: (فَمَنْ کَانَ یَرجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْ یَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَ لاَ یُشْرِکْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(148)، قال: «الرجل یعمل شیئا من الثواب لا یطلب وجه الله، إنّما یطلب تزکیة الناس یشتهی أن یسمع به الناس؛ فهذا الّذی أشرک بعبادة ربّه»(149)؛ و قد سبق الکلام علیه.
و «اجعل فکره و ذکره و ظعنه و اقامته فیه و لک».
«ظعَن» ظَعْناً – من باب نفع – أی: ارتحل.
و «الإقامة» مصدر أقام بالمکان، أی: مکث فیه؛ قال – تعالى -: (یَومَ ظَعْنِکُمْ وَ یَومَ
إِقَامَتِکُمْ)(150)
و «فیک» متعلّقٌ ب- «الفکر» و «الذکر».
و «لک» متعلّقٌ ب- «الظعن» و «الإقامة» على أسلوب اللفّ و النشر المرتّب؛ أی: کائناً فی سبیلک و لأجل رضاک. و هذا یدلّ على أن لا سعادة فی التحقیق أحسن و أعظم من العبادة لوجه الله – تعالى -.
فَإِذَا صَافَّ عَدُوَّکَ وَ عَدُوَّهُ فَقَلِّلْهُمْ فِی عَیْنِهِ، وَ صَغِّرْ شَأْنَهُمْ فِی قَلْبِهِ، وَ أَدِلْ لَهُ مِنْهُمْ، وَ لاَ تُدِلْهُمْ مِنْهُ، فَإِنْ خَتَمْتَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، وَ قَضَیْتَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ فَبَعْدَ أَنْ یَجْتَاحَ عَدُوَّکَ بِالْقَتْلِ، وَ بَعْدَ أَنْ یَجْهَدَ بِهِمُ الاَْسْرُ، وَ بَعْدَ أَنْ تَأْمَنَ أَطْرَافُ الْمُسْلِمِینَ، وَ بَعْدَ أَنْ یُوَلِّیَ عَدُوُّکَ مُدْبِرِینَ.
«الفاء» للتفریع و الترتیب.
و «صافّ» – بتشدید الفاء -، أی: قابل؛ أی: إذا صاروا ذوی صفوفٍ و مقابلةٍ فاجعلهم قلیلین فی عین الغازی.
و «الشأن»: الأمر و الحال، و هنا: ما هم علیه من شدّة البأس و قوّة الشوکة و کثرة العدد، أی: حقّر شأنهم فی قلب الغازی حتّى یصیر سبباً لجرأته و ثبات قدمه و تقلیلهم فی عینه و تصغیرهم فی قلبه بأن یراهم قلیلاً و یعدهم محقّرین لیقوی قلبه عن محاربتهم و لا یهابّهم، کما فعل – تعالى – ذلک یوم بدرٍ فقلّل المشرکین فی أعین المسلمین تثبیتاً لهم، حتّى قال ابن مسعود لمن فی جنبه: «أ تراهم سبعین؟
فقال: أراهم مأةً؛
قال: فأسرنا منهم رجلاً فقلنا له: کم کنتم؟
فقال: ألفاً!»(151)
<قال صاحب الکشّاف: «فإن قلت: بأىّ طریقٍ یبصرون الکثیر قلیلاً؟
قلت: بأن یستر الله عنهم بعضه بساترٍ أو یحدث فی عیونهم(152) ما یستقلّون به الکثیر، کما أحدث فی أعین الحول ما ترون به الواحد اثنین»(153)
و «أدل له منهم و لا تدلهم منه» أی: اجعل الغلبة و النصرة لهم علیه؛ و قد مضى شرحه فی دعاء أهل الولایة.
«فان ختمت له بالسعادة» أی: ختمت له عمره و حیاته بالسعادة. و إنّما حذف المفعول لتعیّنه، و لأنّ الغرض هو ذکر المختوم به >(154) و لا عبرة بنسخة: «حتمت» – بالحاء المهملة -.
و «قضیت له بالشهادة» أی: حکمت، أو أمضیت الحکم، أو أتممت، أو أکملت له عمره؛ فانّ «القضاء» یکون بمعنى الجمیع.
«فبعد أن یجتاح عدوّک بالقتل».
«الفاء» رابطةٌ لجواب الشرط، و الظرف متعلّقٌ بمحذوفٍ؛ أی: فلیکن ذلک – من الختم له بالسعادة و القضاء له بالشهادة – بعد أن یحتاج عدوّک – أی: یهلک عدوّک و یستأصله – بالقتل، من «الاجتیاح – بتقدیم الجیم على الحاء المهملة – بمعنى: الإهلاک و الاستیصال؛ قال ابن الأثیر فی النهایة: «فی الحدیث(155): انّ أبی یرید أن یجتاح مالی، أی: یستأصله و یأتی علیه أخذا و انفاقاً. و هو افتعالٌ من الجائحة، و هی الآفة الّتی تهلک الأموال و الثمار. و کلّ مصیبةٍ عظیمةٍ و فتنةٍ مبیرةٍ: جائحةٌ»(156)
«و بعد أن یجهد بهم الأسر»، قیل: «الواو هنا بمعنى: أو، کما یدلّ علیه سیاق الکلام»؛ و قیل: «بمعناه، فانّ الشیء قد تعطف على لا حقه، فیجوز أن یکون الأسر قبل القتل. و
قدّمه فی الذکر للاعتناء به و الاهتمام بوقوعه. و أمّا البعدیّة فهی متعلّقةٌ بالختم و القضاء – کالاولى – بالاجتیاح حتى یکون مفادّها الترتیب».
و «الجَُهد» بضمّ الجیم من: جَهده الأمر و المرض جَهْداً – من باب نفع -: بلغ منه المشقّة؛ و بفتح الجیم بمعنى: الکدّ و التعب.
و «الأسر»: الأخذ بالقهر. و فی نسخة ابن ادریس(157) بدل: «یجهد بهم»: «یدیخهم» – من داخ لنا أی: ذلّ و خضع»؛ و قال الکفعمیّ(158): «من داخ البلاد: قهرها؛ و کذلک: دوخها تدویخاً فداخت له»(159)؛ و فی القاموس: «داخ: ذلّ؛ و: البلاد: قهرها و استولى على أهلها، کدوخها و دیّخها»(160)
و «بعد أن تأمن أطراف المسلمین» أی: و بعد أن تکون نواحی المسلمین و أمصارهم مأمونةً من شرّهم و فسادهم.
و «بعد أن یولّى عدوّک مدبرین».
<«تولّى» أی: انصرف ذاهباً؛ و قیل: «ذهب هارباً».
و «أدبر» بمعنى: ولّى. و اشتقاقة من: «الدُُبُْر» – بالضمّ و بضمّتین -، و هو من کلّ شیءٍ عقبه و مؤخّره.
و «مدبرین»: حالٌ مؤکّدةٌ لعاملها معنىً، لأنّ الإدبار و التولیة بمعنىً. و إنّما یقال: ولّى مدبراً: إذا انهزم؛ و منه قوله – تعالى -: (وَلَّى مُدْبِراً)(161) أی: ذهب منهزماً، لأنّ تولیة الدبر کنایةٌ عن الانهزام. و قیل «لا یقال: ولّى مدبراً إلّا إذا رجع إلى ورائه، حتّى لو انهزم یمیناً أو شمالاً لا یقال انّه ولّى مدبراً» >(162)؛
و هذا هو الصحیح الّذی یقتضیه معنى الإدبار؛ و المعنى: یهزم ذلک الغاز المجاهد الکفّار حال کونهم مدبرین.
اللَّهُمَّ وَ أَیُّمَا مُسْلِمٍ خَلَفَ غَازِیاً أَوْ مُرَابِطاً فِی دَارِه، أَوْ تَعَهَّدَ خَالِفِیهِ فِی غَیْبَتِهِ، أَوْ أَعَانَهُ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ أَمَدَّهُ بِعِتاَدٍ، أَوْ شَحَذَهُ عَلَى جِهَادٍ، أَوْ أَتْبَعَهُ فِی وَجْهِهِ دَعْوَةً، أَوْ رَعَى لَهُ مِنْ وَرَائِهِ حُرْمَةً، فَآجِرْ لَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ وَزْناً بِوَزْنٍ وَ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَ عَوَّضْهُ مِنْ فِعْلِهِ عِوَضاً حَاضِراً یَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْعَ مَا قَدَّمَ وَ سُرُورَ مَا أَتَى بِهِ، إِلَى أَنْ یَنْتَهِیَ بِهِ الْوَقْتُ إِلَى مَا أَجْرَیْتَ لَهُ مِنْ فَضْلِکَ، وَ أَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ کَرَامَتِکَ.
«خلف» – بالتخفیف – من: خلف فلانٌ فلاناً – من باب قتل – خلافةً: إذا صار خلیفةً(131)؛ أی: لم یخرج إلى الغزو بل أقام فی دار غازٍ أو مرابطٍ خلیفةً بأن یکفی مهمّه و مهمّ أهله فی غیبته. و فی نسخة ابن ادریس بالتشدید، و الأصحّ الأوّل. قال فی النهایة: «یقال: خلفت الرجل خلافةً(163) فی أهله: إذا أقمت بعده فیهم(164) أیضاً(165)؛ و منه الحدیث «أیّما مسلمٍ خلف غازیاً فی خالفیه»، أی: فیمن أقام بعده من أهله و تخلف عنه»(166)
و «المرابط»: اسم فاعلٍ من رابطه مرابطةً و رباطاً – من باب قاتل -: إذا لازم ثغر الدوّ.
«فی داره» أی: دار کلّ واحدٍ من الغازی و المرابط.
و «تعهّد خالفیه» أی: تفقّد و تحفّظ حال مخلفی کلّ واحدٍ من الغازی والمرابط حسبةً لله فی حال غیبته.
و «تعهّدت» الشیء أی: حفظته و تفقّدته؛ <قال صاحب المحکم: «تعهّد الشیء و
تعاهده و اعتهده: تفقّده و أحدث العهد به»(167)؛ و قال ابن فارسٍ: «و لا یقال(168): تعاهدته، لأنّ التفاعل لا یکون إلّا عن اثنین»(169)؛ و قال الفارابیّ: «تعهّدته أفصح من تعاهدته(170)»(171)
و «خالفیه»: جمع خالف، من: خلف عن أصحابه أی: تخلّف؛ یرید: من أقام بعده من أهله و تخلف عنه >(172)
و «عَِتاد» – بکسر العین أو بفتحه-: ما أعدّه الرجل من السلاح و الدوابّ و آلة الحرب؛ و العُتاد – بالضمّ -: العدّة؛ و عتاد المرء: أهبته و آلته لغرضه.
و «الشحذ»: السوق الشدید و الحاحٌ فی السؤال؛ و معنى «شحذه»: رغّبه و حرّصه على الجهاد.
«أو اتبعه» أی: لحقه و تابعه.
«فی وجهه» أی: فی جهته الّتی توجّه الغازی إلیها بجهاد العدوّ. و «الوجه» و «الجهة» بمعنىً. و «الهاء» عوضٌ عن الواو.
و «دعوة» أی: مرّةً من الدعاء؛ أی: دعا له مواجهةً أو عقّبه بالدعاء، یعنی: یدعو له بالظفر و العود سالماً. و قد یظنّ انّ «الدعوة» لم یجىء بمعنى: الدعاء، و هو ظنٌّ باطلٌ!، و قد جاء هنا غیر مرّةٍ، و سیجیء فی الدعاء بعد هذا.
و «من ورائه» أی: من خلفه.
و «الحرمة» قال فی القاموس: «ما لا یحلّ انتهاکه»(173)؛ و قیل: «ما یحب القیام به و حرم
التفریط فیه»؛ أی: تعهّد أموره فی الغیبة بأن سعى فی توقیره و تعظیمه و تسدید عهده و ستر
عیوبه.
و «آجر» – بالمدّ -: أمرٌ من أجریت الشیء: جعلته جاریاً، و فی نسخة ابن ادریس: «و أجُر له»(174) بوصل الهمزة و ضمّ الجیم من آجره الله أجراً – من باب قتل – أی: أثابة؛ و یقال: أجِره یأجِره – بالکسر – من باب ضرب أیضاً. و عدّاه ب- «اللام» لتضمینه معنى: و أوجب.
<و «الأجر»: الجزاء على العمل.
و «وزن» الشیء: مقداره فی الخفّة و الثقل. و انتصاب «وزناً» على الحال من المضاف و المضاف إلیه من قوله: «مثل أجره».
و «بوزنٍ» بیانٌ ل- «وزناً»؛ قال ابن هشامٍ: «فیتعلّق بمحذوفٍ استونف للتبیین»(175)؛ انتهى.
و التقدیر: هو بوزنٍ، فیکون ظرفاً مستقرّاً متعلّقاً بمحذوفٍ؛ أی: هو کائنٌ بوزنٍ؛ إذ لا یطلق الاستیناف إلّا فی الجمل. و فیه معنى المفاعلة – أی: متساویین فی الوزن، کقولهم: بعته یداً بیدٍ أی: متقابضین، و أخذته رأساً برأسٍ أی: متماثلین -.
قال بعض المحقّقین: «و تحریره انّ الأصل فی هذه الأمثلة أن یکون المنصوب منها مرفوعاً على الابتداء باعتبار مضافٍ – أی: ذو وزنٍ بذی وزنٍ، و ذو یدٍ بذی یدٍ، أی: المقدار بالمقدار و النقد بالنقد -. ثمّ لمّا کان ذلک فی معنى: «متساویین» و «متقابضین» انمحى عنه معنى الجملة لما فهم منه معنى المفرد، فلمّا قامت الجملة مقام المفرد فی تأدیة معناه أعرب ما قبل الإعراب منها – و هو الجزء الأوّل – إعراب المفرد الّذی قامت مقامه» >(176)؛ انتهى.
و قس على ذلک قوله – علیه السلام -: «و مثلاً بمثلٍ»، و هو من عطف العامّ على الخاصّ، فانّ «المثل» بمعنى الشبیه، و هو أعّم من أن یکون شبیهاً فی الکمّ أو الکیف أو غیر ذلک؛ و «الوزن» خاصٌّ بالکمّ. و کلٌّ من هاتین الحالین مؤکّدةٌ لصاحبها فی التماثل؛ هکذا
ذکره الفاضل الشارح(177)
و «عوّضه» أی: أعطه عوضاً من فعله، لا مطلق العوض، بل؛
«عوضاً حاضراً یتعجّل به» – أی: بذلک العوض – «نفع ما قدّم و سرور ما أتى به»، أی: الشیء الّذى قدّمه. و «سرور» الشیء: الّذی أتاه. و المراد بالشیء المقدّم: المأتی، مثل خلافته للغازی و المرابط فی داره و تعهّد خالفیه فی غیبته، و غیر ذلک. و «نفعه» و «سروره» عبارةٌ عن العوض الحاضر؛
و «النفع»: ضدّ الضرّ؛
و «السرور»: خلاف الحزن.
قوله – علیه السلام -: «إلى أن ینتهی به الوقت -… إلى آخره -» یعنی: أوصل إلیه العوض قبل أن توصله إلى النعم المقیم فی الآخرة. و هذه الفقرة کالتأکید للفقرة الأولى.
اللَّهُمَّ وَ أَیُّمَا مُسْلِمٍ أَهَمَّهُ أَمْرُ الاِْسْلاَمِ وَ أَحْزَنَهُ تَحَزُّبُ أَهْلِ الشِّرْکِ عَلَیْهِمْ، فَنَوَى غَزْواً أَوْ هَمَّ بِجِهَادٍ فَقَعَدَ بِهِ ضَعْفٌ، أَوْ أَبْطَأَتْ بِهِ فَاقَةٌ، أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ حَادِثٌ، أَوْ عَرَضَ لَهُ دُونَ إِرَادَتِهِ مَانِعٌ فَاکْتُبِ اسْمَهُ فِی الْعَابِدِینَ، وَ أَوْجِبْ لَهُ ثَوَابَ الُْمجَاهِدِینَ، وَ اجْعَلْهُ فِی نِظَامِ الشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِینَ.
«أهمّه» أی: أحزنه و أقلقه، و همّه همّاً – من باب قتل – مثله، أی: کلّ مسلمٍ أقلقه شأن الإسلام.
و «أحزنه» أی: أحدث له حزناً.
<و «تحزّب» القوم: صاروا أحزاباً، أی: فرقاً و طوائف؛ و کلّ حزبٍ من قبیلةٍ یجتمعونلقتالٍ نحوه. و قال الجوهریّ: «تحزّبوا: تجمّعوا»(178)
و الضمیر فی «علیهم» عائدٌ إلى «المسلمین»، لدلالة «أمر الإسلام» علیه >(179)؛ أی: أحزنه صیرورة أهل الشرک حزباً حزباً و فوجاً فوجاً لاستعداد قتال المسلمین.
«فنوى» أی: قصد ذلک المسلم عزماً، أو «همّ» و أراد جهاداً؛
«فقعد به» أی: قعده عن ذلک الجهاد.
«ضعفٌ أو أبطأت به فاقةٌ»، «الباء» للتعدیة؛ أی: صیّرته الفاقة و الفقر و فقد أسباب الجهاد مبئطاً مقصّراً دون بلوغ إرادته.
و قیل: «الباء زائدةٌ، فمعنى: أبطأته الفاقة: صیّرته الفاقة بطیئاً، یقال: ما أبطأک عنّی أی: ما سبب بطوءک عنّی».
و «أخّره عنه» أی: عن الجهاد.
«حادثٌ أو عرضٌ له عند إرادته الجهاد مانعٌ أو قبل حصول مراده مانعٌ»، من باب اطلاق المصدر على اسم المفعول.
«فاکتب اسمه فی العابدین» هذا جوابٌ ل- «أیّما»؛ و الضمیر راجعٌ إلى «المسلم».
و «فی» إمّا بمعنى: «مع» – نحو: (ادْخُلُوا فِی أُمَمٍ)(180) أی: مع أسماء العابدین -، أو للظرفیّة المجازیّة – أی: فی جملة أسمائهم -. و فی نسخةٍ «فی الغازین»، و هو الأنسب>(181)
و «أوجب» أی: أثبت و ألزم له ثواب المجاهدین الغازین فی سبیل الله ربّ العالمین؛ و هو الموعود به فی القرآن المبین: (مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُیُونٍ – وَ کُنُوزٍ وَ مَقَامٍ کَرِیمٍ)(182)
و «اجعله» أی: ذلک المسلم فی نظام الشهداء – أی: فی سلکهم و عدادهم – <لعقد قلبه و نیّته على الشهادة؛ و لذا قال الصادق - علیه السلام -: «انّه لا أخرج نفسی من شهداء الطفوف و لا أعدّ ثوابی أقلّ منهم، لأنّ من نیّتی النصرة لو شهدت ذلک الیوم. و کذلک شیعتنا
هم الشهداء و إن ماتوا على فراشهم»(183) >(184)
و «الصالحین»: عطفٌ على «الشهداء»، من عطف العامّ على الخاصّ؛ و الحاصل: من نوى الغزو و الجهاد و لم یفعله لعذرٍ أعط له ثواب المجاهدین و اکتب اسمه فی العابدین. روى ثقة الإسلام فی الکافی(185) بسندٍ صحیحٍ عن أبی عبدالله – علیه السلام – قال: «انّ العبد المؤمن الفقیر لیقول: یا ربّ! ارزقنى حتّى أفعل کذا و کذا من البرّ و وجوه الخیر؛ فإذا علم الله – عزّ و جلّ – ذلک منه بصدق النیّة(186) کتب الله له من الأجر مثل ما یکتب له لو عمله، إنّ الله واسعٌ کریمٌ».
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِکَ وَ رَسُولِکَ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، صَلاَةً عَالِیَةً عَلَى الصَّلَوَاتِ، مُشْرِفَةً فَوْقَ التَّحِیَّاتِ، صَلاَةً لاَ یَنْتَهِی أَمَدُهَا، وَ لاَ یَنْقَطِعُ عَدَدُهَا کَأَتَمِّ مَا مَضَى مِنْ صَلَوَاتِکَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلِیَائِکَ، إِنَّکَ الْمَنَّانُ الْحَمِیدُ الْمُبْدِئُ الْمُعِیدُ الْفَعَّالُ لِمَا تُرِیدُ.
«عالیةٌ على الصلوات» أی: مرتفعةٌ فائقةٌ علیها فی الشرف و الرتبة.
«مشرفةً» – بالفاء – أی: مرتفعةً عالیةً، من أشرف الموضع أی: ارتفع. و لا عبرة بنسخة: «مشرقةً» – بالقاف -.
<و «التحیّات»: جمع تحیّة، و هی تفعلةٌ من الحیاة - یقال: حیّاک الله أی: أبقاک حیّاً -، ثمّ استعملت التحیّة فی مطلق الدعاء و السلام.
و «انتهى» الأمر: بلغ النهایة، و هو أقصى ما یمکن أن یبلغه.
و «الأمد»: المدّة.
و «انقطع» الکلام: وقف.
و «عددها» أی: عدّها و احصاؤها، أو مبلغها و مقدارها؛ و هما صفتان لل- «صلاة». و فی نسخةٍ: «مددها» بدل: «أمدها».
و قوله: «کأتمّ ما مضى» ظرفٌ مستقرٌّ متعلّقٌ بمحذوفٍ إمّا صفةٌ ثانیةٌ لل- «صلاة»، أو حالٌ منها لتخصّصها بصفةٍ أو نعتٍ لمصدرٍ مؤکّدٍ محذوفٍ؛ أی: صلاةً کأتمّ ما مضى، أو صلاةً مثل أکمل صلاتک.
و «ما» نکرةٌ موصوفةٌ، أو موصولةٌ.
و «من» بیانیّةٌ، أی: کأتمّ الّذی مضى من صلاتک >(187)
قوله – علیه السلام -: «إنّک المنّان الحمید -… إلى آخره -» تعلیلٌ لاستدعاء الإجابة من حیث إنّ اتّصافه بالصفات المذکورة مستدعٍ لها. و قصر الصفات علیه لا ظهار اختصاص دعائه – علیه السلام – به – تعالى – و الانقطاع عمّا سواه و توجّهه إلیه.
و «المنّان» صیغة مبالغةٍ بمعنى: کثیر الإنعام، من المنّ بمعنى: العطاء.
و «الحمید»: المحمود على کلّ حالٍ، فعیلٌ بمعنى مفعولٍ.
و «المبدىء»: المنشىء و الموجد من غیر سابقٍ مثالیٍّ(188)؛ و سمّی «ابداءً» لتعلّقه بالأشیاء ابتداءً.
و «المعید»: هو الّذی یعید الخلائق بعد الفناء، قال – تعالى -: (کَمَا بَدَءْنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُعِیدُهُ)(189)، (إِنَّهُ هُوَ یُبْدِىءُ وَ یُعِیدُ)(190)
و «الفعّال لما یرید» هو الّذی لا یتخلّف عن إرادته مرادٌ و لا یمنعه عنه مانعٌ، إذ لا حکم لأحدٍ علیه ألبتّة. کیف و کلّ الموجودات مفتقرةٌ إلیه و وجودهم مستفیضٌ منه، و لم یشرکه فی ملکه أحدٌ!؛ لکن البرهان قائمٌ على أنّه – سبحانه – لا یرید الشرک و الکفر، فلا دلیل
للأشعریّ فی أمثال هذه؛ و قس علیه نظائره.
هذا آخر اللمعة السابعة و العشرین، و قد وفّقنی الله – تعالى – لإتمام تألیفها فی یوم الأربعاء من عشر الأوّل لشهر جمادى الأولى سنة إحدى و ثلاثین و مأتین بعد الألف من الهجرة النبویّة – علیه و على آله صنوف الآلآء و التحیّة -.
1) قارن: «نور الأنوار» ص 142.
2) النهایة: الموضع الّذی یکون.
3) راجع: «النهایة» ج 1 ص 213.
4) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 183.
5) قارن: «نور الأنوار» ص 143.
6) راجع: «بحارالأنوار» ج 67 ص 36، «عدّة الداعی» ص 314، «عوالی اللئالی» ج 118الحدیث 187، «مجموعة ورّام» ج 1 ص 59.
7) لم أعثر علیه فی آثار الشیخ – رحمه الله -، و انظر: «الکافی» ج 5 ص 12 الحدیث 3، «وسائل الشیعة» ج 15 ص 163 الحدیث 20216، «الإختصاص» ص 240، «الأمالی» – للصدوق -ص 466 الحدیث 8.
8) کریمتان 6 / 5 فاطر.
9) کریمة 40 التوبة.
10) انظر: «الحکمة المتعالیة» ج 2 ص 345.
11) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 185.
12) قارن: نفس المصدر.
13) وانظر: «التعلیقات» ص 61.
14) لنقد هذا المعنى راجع: «شرح الصحیفة» ص 265.
15) المصدر: غیره.
16) راجع: «القاموس المحیط» ص 1041 القائمة 1.
17) المصدر: + و واتره.
18) راجع: «القاموس المحیط» ص 456 القائمة 1.
19) المصدر: مدارکةٌ و مواصلةٌ.
20) المصدر: + وتراً.
21) راجع: «صحاح اللغة» ج 2 ص 843 القائمة 2.
22) راجع: «صحاح اللغة» ج 2 ص 821 القائمة 2.
23) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 188.
24) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 189.
25) راجع: «الکافى» ج 7 ص 460 الحدیث 1، «من لا یحضره الفقیه» ج 4 ص 378 الحدیث5794، «التهذیب الأحکام» ج 6 ص 162 الحدیث 1، «وسائل الشیعة» ج 23 ص 273الحدیث 29559، «الإرشاد» ج 1 ص 163.
26) قارن: «نورالأنوار» ص 143.
27) المصدر: – کلّیّاً.
28) المصدر: – الشیء.
29) قارن: «الحکمة المتعالیة» ج 3 ص 511.
30) کما حکاه العلّامة المدنیّ، راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 189.
31) وانظر: «شرح الصحیفة» ص 267.
32) کریمة 39 النور.
33) المصدر: أهلاً.
34) راجع: «بحارالأنوار» ج 67 ص 186، «عوالی اللئالی» ج 1 ص 404 الحدیث 63،«القصص» – للجزائریّ – ص 211، وانظر: «الألفین» ص 128.
35) لم أعثر علیه فی مصادر اللغة ک- «صحاح اللغة» و «المصباح المنیر» و «تاج العروس».
36) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 192.
37) المصدر: أو.
38) راجع: «القاموس المحیط» ص 141 القائمة 1.
39) کما حکاه عنه ابن منظور، راجع: «لسان العرب» ج 4 ص 219 القائمة 2.
40) المصدر: – و قیل… انتهى.
41) کریمة 54 الدّخان / 20 الطور.
42) کما حکاه عنه الرازی، بنصّه، راجع: «التفسیر الکبیر» ج 27 ص 253.
43) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 193.
44) کریمة 15 محمّد.
45) کریمة 6 الإنسان.
46) انظر: «رساله تشریقات» فی «مجموعه رسائل و مصنّفات عبدالرزّاق کاشانی» ص 384.
47) هذا قول علّامة المدنیّ، راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 195.
48) کریمة 108 الکهف.
49) البیت لنابغة الذبیانیّ، راجع: «دیوانه» ص 15.
50) وانظر: «شرح الصحیفة» ص 268.
51) لم أعثر علیه، و ورد: «هل معکم من أزوادکم شیءٌ؟»، راجع: «مسند أحمد» ج 3 ص 432، ج4 ص 206. والحدیث فی هذه الصورة لایکون شاهداً لما نحن فیه.
52) کریمة 115 البقرة.
53) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 201.
54) کریمة 125 آل عمران.
55) قارن: نفس المصدر.
56) راجع: «الخصال» ج 1 ص 201 الحدیث 14، «المناقب» ج 1 ص 126، «بحارالأنوار» ج 20ص 28، «وسائل الشیعة» ج 3 ص 350 الحدیث 3840.
57) کریمة 57 الأنفال.
58) المصدر: + و نکل به.
59) راجع: «النهایة» ج 5 ص 117.
60) وانظر: «تاج العروس» ج 2 ص 147 القائمة 2.
61) کریمة 23 النساء.
62) کریمة 172 الأعراف.
63) کریمات 7 / 6 / 5 الطارق.
64) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 206.
65) کریمة 13 الرعد.
66) إشارةٌ إلى قول سیّدنا أبی جعفر الباقر: «الصلاة عمود الدین»، راجع: «وسائل الشیعة» ج 4ص 27 الحدیث 4424، وانظر: «الأمالی» – للصدوق – ص 641، «دعائم الإسلام» ج 1 ص133، «عوالی اللئالی» ج 1 ص 322 الحدیث 55.
67) انظر: «بحارالأنوار» ج 81 ص 255.
68) راجع: «ترتیب کتاب العین» ج 1 ص 261 القائمة 1.
69) کما حکاه ابن منظور من غیر اسناده إلى الأصمعیّ، راجع: «لسان العرب» ج 13 ص 483القائمة 1، أمّا الفیومیّ فنقل کلا المعنیین عن الخلیل و الأصمعیّ، راجع: «المصباح المنیر» ص125.
70) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 213، مع تغییرٍ یسیر.
71) کذا فی النسختین.
72) کریمة 25 مریم.
73) کریمة 195 البقرة.
74) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 2 ص 507.
75) راجع: «النهایة» ج 1 ص 47.
76) راجع: «صحاح اللغة» ج 1 ص 90 القائمة 2.
77) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 217.
78) لم أعثر علیه فی مصادر اللغة ک- «صحاح اللغة» و «لسان العرب» و «المصباح المنیر» و «تاج العروس».
79) لم أعثر على العبارة فی «المغنی»، و یمکن أن تکون منقولةً من غیره من آثاره.
80) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 219.
81) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 220.
82) المصدر: + مکّة – شرّفها الله تعالى – و.
83) راجع: «القاموس المحیط» ص 258 القائمة 1.
84) کما حکاه العلّامة المدنیّ، انظر: «ریاض السالکین» ج 4 ص 222.
85) وانظر: «الملل و النحل» ج 2 ص 258.
86) المصدر: – هم.
87) راجع: «تهذیب الأسماء و اللغات» المجلد الأوّل من القسم الثانی ص 130 القائمة 1.
88) أمّا أبوالفداء فذکر بعض بلاد الروم من الإقلیم السادس و بعضها الأخر من الإقلیم الرابع أوالخامس، راجع: «تقویم البلدان» صص 384 / 382 / 380.
89) راجع: نفس ما نقلناه آنفاً عن «تهذیب الأسماء و اللغات».
90) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 223.
91) أمّا المحقّق الداماد فلم یجزم هذا الجزم، «جیلٌ من الناس کأنّهم من الترک»: راجع: «شرح الصحیفة» ص 270.
92) کما حکاه المحقّق الداماد، راجع: نفس المصدر.
93) وانظر: «نورالأنوار» ص 144.
94) کما حکاه المحقّق الفیض والمحدّث الجزائریّ، راجع: «التعلیقات» ص 63، «نورالأنوار» ص144.
95) وانظر: «تقویم البلدان» ص 153.
96) لم أعثر علیه، لا فی مصادرنا و لا فی مصادر العامّة.
97) لم أعثر على العبارة فی «عجائب المخلوقات» للقزوینی المطبوع فی نهایة «حیاة الحیوان الکبرى»، نعم! قال فی تأثیر مسامّة الشمس للبلدان: «… کبلاد السودان… سواد محترقین وتجعل وجوههم من شدّة الحرارة قحلة…»، راجع: نفس المصدر ص 20.
98) هذا تحریر کلام العلّامة المدنیّ و تهذیبه، قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 224.
99) کما حکاه عنه ابن منظور فی «لسان العرب» مادّة «سقع» ج 8 ص 159 القائمة 1. أمّا العبارةفلم توجد فی نفس المادّة من «کتاب العین» و لا فی غیرها من الموادّ، انظر: «ترتیب کتاب العین» ج 2 ص 834 القائمة 2.
100) قال فی مادّة «سقلب»: جیلٌ من الناس»، ثمّ قال فی مادّة «صقلب»: «جیلٌ تتآخم بلادهم بلادالخزر بین بلغز و قسطنطنیّة»، راجع: «القاموس المحیط» ص 103 القائمة 2 ثمّ ص 111القائمة 1.
101) کما حکاه المحدّث الجزائریّ، راجع: «نورالأنوار» ص 144.
102) کما حکاه المحقّق الداماد، راجع: «شرح الصحیفة» ص 271.
103) کان أکثر الظنّ انّ العبارة منقولةٌ من «جمهرة النسب» لإبن الکلبیّ، ولکن ما وجدتها فیه بعدأن فصحت طبعتین منها: طبعة محمود فردوس العظم و هی روایة محمّد بن حبیب عن ابن الکلبیّ – المطبوعة بدمشق -، و طبعة عبدالستّار أحمد فرّاج و هی روایة أبی سعید السکریّ عنه – المطبوعة بکویت -.
104) راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 226.
105) کریمتان 31 / 30 التوبة.
106) کریمة 116 / 48 النساء.
107) کریمة 105 البقرة.
108) کریمة 1 البیّنة.
109) لم أعثر علیه، وانظر: «الکافی» ج 2 ص 387 الحدیث 14، «وسائل الشیعة» ج 28 ص 356الحدیث 34958.
110) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 228.
111) قارن: «نورالأنوار» ص 144.
112) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 231.
113) و هذا ضبط نسخة ابن ادریس على ما حکاه العلّامة المدنیّ، راجع: نفس المصدر.
114) هیهنا حذف المصنّف قطعةً من کلام القاموس.
115) راجع: «القاموس المحیط» ص 693 القائمة 1.
116) و هذا المعنى هو مختار محقّق الداماد و محدّث الجزائریّ، راجع: «شرح الصحیفة» ص 272،«نورالأنوار» ص 144.
117) کریمة 48 هود.
118) راجع: «الکامل فی التاریخ» ج 2 ص 118.
119) لتفصیل أخبار هذه الغزوة راجع: «الطبقات الکبرى» ج 2 ص 11، «السیرة النبویّة» ج 2ص 143، «تاریخ الطبریّ» ج 2 ص 177، «تفسر الکشّاف» ج 2 ص 143.
120) کریمة 123 آل عمران.
121) المصدر: عدّة.
122) راجع: «بحارالأنوار» ج 19 ص 208، «شرح نهج البلاغة» ج 14 ص 161.
123) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 233.
124) وانظر: «شرح الصحیفة» ص 272.
125) کریمة هود 100.
126) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 2 ص 144.
127) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 242.
128) کریمة 81 القصص.
129) وانظر: «ریاض السالکین» ج 4 ص 243.
130) کما جاء المحقّق الفیض بالقراءات الثلاث و معانی کلّ واحدٍ منها من غیر اسناد الأخیرین إلی نسختی ابن ادریس و الکفعمیّ، راجع: «التعلیقات» ص 64.
131) وانظر: «نورالأنوار» ص 144.
132) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 243.
133) راجع: نفس المصدر والمجلّد ص 244.
134) تکرّرت هذه الکریمة فی القرآن الکریم 12 مرّاة، منها: 10 البقرة /.
135) راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 246.
136) کریمة 56 المائدة.
137) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 249.
138) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 251.
139) راجع: «شرح الصحیفة» ص 273.
140) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 253.
141) هیهنا حذف المصنّف قطعةً من کلام الجوهریّ.
142) راجع: «صحاح اللغة»ت ج 1 ص 40 القائمة 1.
143) حیث قال: «الجرأة کالجرعة… و الکراهة…: الشجاعة»، ارجع: «القاموس المحیط» ص 47القائمة 1.
144) کریمة 29 الفتح.
145) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 256.
146) راجع: «بحارالأنوار» ج 69 ص 266، «عدّة الداعی» ص 228، وانظر: «مستدرک الوسائل»ج 1 ص 106 الحدیث 108، «عوالی اللئالی» ج 2 ص 74 الحدیث 199، «شرح نهج البلاغة» ج 2 ص 179.
147) لم أعثر علیه فی طرقنا، و راجع: «شرح السنّة» ج 14 ص 324، «الکاف الشاف» ص 105.
148) کریمة 110 الکهف.
149) راجع: «الکافی» ج 2 ص 293 الحدیث 4، «وسائل الشیعة» ج 1 ص 71 الحدیث 159،«بحارالأنوار» ج 81 ص 348، «منیة المرید» ص 318.
150) کریمة 80 النحل.
151) راجع: «متشابه القرآن» ج 1 ص 11 مع تغییرٍ فی الألفاظ، وانظر أیضاً: التعلیقة الآتیة.
152) الکشّاف: أعینهم.
153) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 2 ص 161.
154) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 260.
155) المصدر: فیه.
156) راجع: «النهایة» ج 1 ص 311، مع حذف بعض کلماته.
157) کما حکاه المحقّق الداماد، راجع: «شرح الصحیفة» ص 275.
158) کما حکاه المحقّق الداماد أیضاً، راجع: نفس المصدر.
159) و لتحلیل معانی هذه القراءات الثلاث انظر: «التعلیقات» ص 64.
160) راجع: «القاموس المحیط» ص 242 القائمة 2.
161) کریمة 10 النمل / 31 القصص.
162) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 265.
163) المصدر: – خلافةً.
164) هیهنا حذف المصنّف قطعةً من کلام المصدر تبلغ ثلاث و رقات.
165) المصدر: – أیضاً.
166) راجع: «النهایة» ج 2 ص 69.
167) راجع: «المحکم» ج 1 ص 63.
168) مجمل اللغة: لا یقولون.
169) راجع: «معجم مقائیس اللغة» ج 3 ص 418.
170) قال: و تعهّد ضیعته، و هو أفصح من تعاهد.
171) راجع: «دیوان الأدب» ج 2 ص 443 القائمة 2.
172) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 267.
173) راجع: «القاموس المحیط» ص 1008 القائمة 2.
174) کما حکاه العلّامة المدنیّ، راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 268.
175) لم أعثر على العبارة فی «مغنی اللبیب» و اخواته ک- «شرح شذور الذهب» و «شرح قطرالندى».
176) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 269.
177) راجع: نفس المصدر.
178) راجع: «صحاح اللغة» ج 1 ص 109 القائمة 1.
179) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 272.
180) کریمة 38 الأعراف.
181) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 273.
182) کریمتان 58 / 57 الشعراء.
183) لم أعثر علیه.
184) قارن: «نور الأنوار» ص 144.
185) راجع: «الکافی» ج 2 ص 85 الحدیث 3، وانظر: «وسائل الشیعة» ج 1 ص 49 الحدیث 93،«بحارالأنوار» ج 69 ص 51، «التمحیص» ص 47 الحدیث 72، «المحاسن» ج 1 ص 261الحدیث 320.
186) المصدر: نیّةٍ.
187) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 276.
188) وانظر: «نورالأنوار» ص 145.
189) کریمة 104 الأنبیاء.
190) کریمة 3 البروج.