اضطربت کلمات الاعلام فی تعریف القضاء، فذکر الشیخ المفید فی معنی القضاء:الخلق و الامر ولاء و الحکم و الفراغ من الامر(1)و تکاد تتفق کلماتهم ان القضاء و القدر انما یتعلق فی الامور التکوینیة کالصحة
و المرض و الحیاة و الموت و ما شابه، دون التشریعیة کالوجوب و الحرمة و ما شابه، و ان القضاء الالهی لا یتخلف، و اتفقت کلمة الطائفة بأن البداء ممکن، بل حاصل، و ان ذلک لا ینافی علمه سبحانه، و قد شنع المخالفون علی ذلک.
و تحقیق المقال بالایجاز:هو أن المستفاد من روایات أهل البیت علیهمالسلام أن لله سبحانه و تعالی قضاء لا یتخلف، و قدرا معلقا علی حصول علته و أسبابه، و بدأ بمعنی ظهر للعباد ما أراده سبحانه بعد أن خفی علیهم ارادة الله سبحانه علی نحو التجوز.
بیان ذلک:ان الآیة فی نفسها تدل علی أن ما یتحقق فی الخارج من الامور التکوینیة یمر بمراحل ثلاث:
المرحلة الاولی:مرحلة المشیئة، و هی المرحلة الاصلیة و عبر عنها سبحانه ب«اللوح المحفوظ» و «أمالکتاب» أی الاصل المکتوب له.
المرحلة الثانیة:مرحلة القدر و هی غیر ثابتة، بل مقدرة علی شرائط و أسباب ان تحقق القضاء، فمد الاجل مثلا معلق علی الصدقة، فان تحققت مد فی الاجل، و الا فلا.
و هذا یعبر عنها بمرحلة المحو و الاثبات؛ لانه سبحانه یمحو و یثبت ما یشاء بعد تحقق تلک الشرائط أو عدمها.
المرحلة الثالثة:مرحلة التحقق فی الخارج بعد تحقق تلک الشرائط و الاسباب، و هذه یعبر عنها بالامضاء، و هذه هی مرحلة الاعجاز، فلولا امضاء الله سبحانه لما أثرت تلک الشرائط و الاسباب، و له سبحانه أن یوقف تأثیرها بالاعجاز، و لولاه لم یکن الاعجاز.
و المحصل:ان هذه المراحل کلها تحت قدرته تعالی، و لیس للعباد طریق الی معرفة المرحلة الاولی الا بعد تحقق المرحلة الاخیرة.
و یوضح هذه المراحل باختصار روایة الامام الصادق علیهالسلام:«ان الله اذا أراد شیئا قدره، و اذا قدره قضاه، و اذا قضاه أمضاه»(2)
و أوضحه الامام الرضا بقوله علیهالسلام:«ان الله اذا شاء شیاء أراده،و اذا أراده قدره، و اذا قدره قضاه، و اذا قضاه أمضاه»(3)
و أجاب الامام الرضا علیهالسلام عن سؤال یونس:فما معنی شاء؟
قال علیهالسلام:«ابتدأ الفعل».
قلت:فما معنی أراد؟
قال:«الثبوت علیه».
قلت:فما معنی قدر؟
قال:«تقدیر الشیء من طوله و عرضه».
قلت:فما معنی قضی؟
قال:«اذا قضی أمضاه، فذلک الامر الذی لا مرد له»(4)
فالمشیئة هی المرحلة الاولی و قد تتعقبها الارادة أولا، و الارادة الالهیة هذه هی القدرة التی تعم الکون جمیعا، و بها تتحقق المعجزات.
و بعد الارادة تأتی مرحلة القدر، أی تقدیر الامور علی أساسها و علیها البناء، فان فی فقدان علة منها یتغیر القدر.
و المرحلة الاخیرة هی مرحلة التحقق، حیث تتحقق العلة التامة بالقضاء و الامضاء الذی لا یتخلف.
و یزید ذلک وضوحا ما رواه الصدوق (ت 381 ه) باسناده عن ابن نباتة، قال:ان أمیرالمؤمنین علیهالسلام عدل من عند حائط مائل الی حائط آخر، فقیل له:«یا أمیرالمؤمنین تفر من قضاء الله؟ قال:أفر من قضاء الله الی قدر الله عزوجل»(5)
فان الله سبحانه قدر للحائط المائل تقدیرا یخالف تقدیره للحائط الغیر المائل، فان الاسباب لانهدام الحائط الغیر المائل تکاد تکون منعدمة، و هی فی المائل تکاد تکون متکاملة و یکاد أن یتعقبه القضاء.
فتلخص:أن الامور التکوینیة تمر بمراحل المشیئة و الارادة، ثم التقدیر، ثم القضاء، و به تتحقق الامور فی الخارج، و قد یستعمل القضاء فی الروایات بمعناه اللغوی.
1) بحارالانوار 98:5.
2) بحارالانوار 121:5.
3) بحارالانوار 122:5.
4) الکافی 15:1 و بحارالانوار 122:5.
5) بحارالانوار 114:5.