اعلم! أنّه لاخلاف بین الحکماء و المتکلّمین فی کونه ـ تعالى ـ عالماً قدیراً مریداً ـ و هکذا فی سائر الصفات ـ ؛ و لکنّهم تخالفوا فی انّ الصفات عین ذاته؟، أو غیر ذاته؟، أو لا هو و لاغیره(1)؟؛
فذهبت المعتزلة و الفلاسفة إلى الأوّل؛
و جمهور المتکلّمین إلى الثانی؛
و الأشعریّ إلى الثالث.
و الفلاسفة حقّقوا عینیّة الصفات بأنّ ذاته ـ تعالى ـ من حیث إنّه مبدءٌ لانکشاف الأشیاء علیه علمٌ. و لمّا کان مبدأ لانکشاف عین ذاته کان عالماً بذاته ـ و کذا الحال فی
القدرة و الإرادة و غیرهما من الصفات ـ ؛ بخلاف علمنا، فانّا نحتاج فی انکشاف الأشیاء علینا إلى صفةٍ مغائرةٍ زائدةٍ قائمةٍ بنا.
و أمّا المعتزلة فظاهر کلامهم انّها عندهم من الاعتبارات العقلیّة الّتی لاوجود لها فی الخارج. و لیس عینیّة الصفات و عدم زیادتها مجرّد نفی أضدادها عنه ـ تعالى، کما توهّمه جماعةٌ ـ حتّى یکون علمه عبارةً عن نفی الجهل، و قدرته عن نفی العجز ـ و على هذا القیاس فی السمیع و البصیر و غیرهما ـ لیلزم التعطیل؛ و لا أیضاً معنى کونه عالماً قادراً: انّه یترتّب على مجرّد ذاته ما یترتّب على الذات مع الصفة بأن ینوب ذاته مناب تلک الصفة ـ کما ذهبت إلیه جماعةٌ أخرى ـ لیلزم أن لایکون إطلاق العلم و القدرة و غیرهما علیه ـ تعالى ـ على سبیل الحقیقة، فیکون عالماً قادراً سمیعاً بصیراً بالمجاز فیصحّ سلبها عنه!، لأنّه علامة المجاز.
فان قلت: فما معنى قول أمیرالمؤمنین – علیه السلام ـ: «کمال التوحید نفی الصفات عنه»(2)
و فی التوحید(3) عن أبی جعفرٍ – علیه السلام ـ انّه قال: «من صفة القدیم انّه واحدٌ أحدٌ صمدٌ أحدیّ المعنى و لیس بمعانٍ کثیرةٍ مختلفةٍ،
قال: قلت: جعلت فداک! یزعم قومٌ من أهل العراق انّه یسمع بغیر الّذی یبصر، بصیرٌ بغیر الّذی یسمع(4)؟
فقال: کذبوا و الحدوا و شبّهوا!، تعالى(5) عن ذلک!، انّه سمیعٌ بصیرٌ بما یبصر و یبصر بما یسمع»؛
فما وجد فی بعض الأخبار من نفی الصفات محمولٌ على الصفات الزائدة ـ کما هو مذهب الأشاعرة ـ جمعاً بین الأخبار. فما تمسّک به الفاضل رجبعلی فی رسالته الفارسیّة فی نفی الصفات مطلقاً(6)؛
ساقطٌ، لعدم فرقه بین المفهوم و المصداق!، و لعدم علمه بأنّ العلم و القدرة ـ و نظائرهما من الصفات ـ کمالاتٌ للوجود و للأشیاء بما هی موجودةٌ، و إنّ کلّ کمالٍ یلحق للأشیاء بواسطة الوجود فهو للوجود التامّ الإلهیّ أوّلاً و بالذات. فکلّ ما هو ثابتٌ، له ـ تعالى ـ على نحوٍ أشرف، بل لیس فی الوجود إلّا ذاته و صفاته و أفعاله.
و لمّا کان أکثر إطلاق الصفات انّما کان على العوارض للذات و لایقال للمعانی الذاتیّة للشیء انّها صفاتٌ لها، وقع نفی الصفات عنه ـ سبحانه ـ بهذا المعنى، فکثیراً مّا یقع الإشتباه من هذا؛ فتأمّل تفهم!.
و قد سبق الکلام فی تحقیق هذا المرام بما لامزید علیه؛ فلیراجع إلیه!.
قوله – علیه السلام ـ: «عفوٌّ غفورٌ».
«العفوّ»: فعولٌ من العفو، و هو التجاوز عن الذنب و ترک العقاب علیه. و أصله المحو و المطس؛ یقال: عفت الریح الأثر: إذا درسته و محته و طمسته(7)
و «الغفور» مبالغةٌ فی المغفرة، من: الغفر ـ و هو الستر ـ. و العفو أبلغ من المغفرة(8)، إذ الستر غیر مستلزمٍ لمحو الأثر.
قیل: «و الغفور أبلغ من الغفّار، فانّه مبالغةٌ فی المغفرة المتکرّرة، و الغفور مبالغةٌ فیها حتّى یصل أعلى درجاتها. و للعبد منه ماتقدّم، فـ «الفعّال» ینبىء عن کثرة الفعل و «الفعول» ینبىء عن جودته و کماله و شموله. قال الغزالیّ(9) و غیره(10): «و فی العفوّ مبالغةٌ لیست فی الغفور، فانّ الغفران ینبىء عن الستر و العفو ینبىء عن المحو، و هو أبلغ من الستر؛ لأنّ ستر الشیء قد یحصل مع بقاء أصله، بخلاف المحو، فانّه ازالته جملةً و رأساً؛ و الرؤف ذوالرأفة، و هی شدّة الرحمة. فلذا قیل: الرحمة أعمّ»(11)
و قوله – علیه السلام ـ: «و آتنا فی الدنیا حسنةً ـ… إلى آخره» قد مرّ شرحه فی آخر اللمعة العشرین من دعاء مکارم الأخلاق.
—
و قد وفّقنی اللّه لإتمام هذه اللمعة فی لیلة الجمعة من أوائل شهر ربیع الثانی سنة إحدى و
ثلاثین و مأتین و ألفٍ من الهجرة مع تراکم الغموم و الهموم الکثیرة ـ رفع اللّه تعالى عنّا و عن جمیع الخلیقة ـ.
1) لجمیع ذلک انظر الفصل الّذی عقده صدرالمتألّهین «فی حال ما ذکره المتأخّرون فی أنّ صفاته ـ تعالى ـ یجب أن یکون نفس ذاته» فی «الحکمة المتعالیة» ج 6 ص 125.
2) راجع: «شرح نهج البلاغة» ج 1 ص 77 ؟قلت: معناه نفی الصفات الزائدة. و المراد انّ هذه المفهومات لیست صفاتٌ له ـ تعالى ـ، بل صفاته ذاته و ذاته صفاته، لا أنّ هناک شیئاً هو الذات و شیئاً آخر هو الصفات لیلزم الترکیب فیه ـ تعالى عن ذلک علوّاً کبیراً! ـ ؛ بل جمیع نعوته و صفاته موجودةٌ بوجود ذاته، و حیثیّة ذاته بعینها حیثیّة علمه و قدرته و سائر صفاته. و هذا ممّا أطبق علیه الحکماء و العرفاء من السابقین و اللاحقین، و هو المصرّح به فی أحادیث أئمّتنا المعصومین. قال أبوعلیّ بن سینا: «الأوّل ـ تعالى ـ لایتکثّر لأجل تکثّر صفاته، لأنّ کلّ واحدٍ من صفاته إذا حقّقت تکون الصفة الأخرى بالقیاس إلیه، فتکون قدرته حیاته و حیاته قدرته و تکونان واحدةً، فهو حیٌّ من حیث هو قادرٌ و قادرٌ من حیث هو حیٌّ، و کذلک سائر صفاته»**زیرنویس=العبارة على ما حکاها صدرالمتألّهین توجد فی «التعلیقات» للشیخ الرئیس، راجع: «الحکمةالمتعالیة» ج 6 ص 120.
3) راجع: «التوحید» ص 144 الحدیث 9، و انظر: «بحار الأنوار» ج 4 ص 69، «الکافی» ج 1ص 108 الحدیث 1.
4) المصدر: + قال.
5) المصدر: + اللّه.
6) قال: «و از آنچه بیان کردیم ظاهر مىشود که اللّه ـ تعالى ـ صفت ندارد». و هذه العبارةنقلناها من رسالته الفارسیّة المسمّاة بـ «إثبات واجب»، و هذه الرسالة طبع قسمٌ منها فی«منتخباتى از آثار حکماى إلهى ایران»، راجع: المصدر ج 1 ص 235.
7) و انظر: «نور الأنوار» ص 142.
8) و انظر: «التعلیقات» ص 60، «نور الأنوار» ص 142.
9) لم أعثر على قوله هذا فی «الإحیاء» و لا فی غیره من آثاره الموجودة عندی.
10) کما قال الشیخ الکفعمیّ: «و فی العفوّ مبالغةٌ أعظم من الغفور»، راجع: «المقام الأسنى» ج 1ص 42، «جنّة الأمان» ج 1 ص 323.
11) لتفصیل الکلام حول المذهبین فی أبلغیّة کلٍّ من العفوّ و الغفور راجع: «شرح الصحیفة»ص 260.