ذکر فقهاء السنة و الشیعة مسألة میراث الغرقی و الحرقی و المهدوم علیهم و أمثالهم، و اختلفوا فی توریث بعضهم من بعض، اذا اشتبه الحال، و لم یعلم تقدم موت أحدهما علی موت الآخر.
فذهب الأئمة الأربعة، ابوحنیفة و مالک و الشافعی و ابنحنبل الی أن بعضهم لا یرث بعضا، بل تنتقل ترکة کل واحد لباقی ورثته الاحیاء، و لا یشارکهم فیها ورثة المیت الآخر، سواء أکان سبب الموت و الاشتباه الغرق أم الهدم أم القتل أم الحریق أم الطاعون.
أما الشیعة الامامیة فکان لاجتهادهم أثر بلیغ فی هذه المسألة، فقد شرحها فقهاء العصر الاخیر شرحا وافیا، و فرعوا عنها صورا لم تخطر فی ذهن أحد من رجال التشریع قدیما و حدیثا، فقبل أن یتکلموا عن میراث الغرقی، و المهدوم علیهم بالخصوص تکلموا عنهم و عن أمثالهم بوجه یشمل کل حادثین علم بوجودهما، و لم یعلم المتقدم من المتأخر، و کان تأثیر أحدهما فی حال السبق و التقدم غیر تأثیره فی حال التأخیر و التخلف عن الآخر. ان المجتهدین من فقهاء
الشیعة المتأخرین یرون مسألة میراث الغرقی و غیرهم مسألة جزئیة لکلیة کبری، و فردا من أفراد قاعدة عامة لا تختص بمسألة دون مسألة، و باب دون باب من أبواب الفقه، بل تشمل کل حادثین حصلا، و اشتبه المتقدم من المتأخر، سواء أکان الحادثان أو احدهما من نوع العقود، أم من الارث أم من الجنایات، أم غیر ذلک، فیدخل فی القاعدة ما لو حصل عقدا بیع، أحدهما اجراه المالک الأصیل بنفسه مع عمر علی شیء خاص من ممتلکاته، و الثانی أجراه وکیله فی بیع ذلک الشیء مع زید، و لم یعلم أی العقدین متقدم لیحکم بصحته و أیهما متأخر لیحکم بفساده؟ و هکذا کل حادثین یرتبط عدم تأثیر أحدهما بتقدم الآخر علیه مع فرض أنه لیس فی البین دلائل تدل علی وقوع الحادثین فی لحظة واحدة، أو سبق أحدهما علی الآخر، فلیست مسألة الغرقی و غیرهم مسألة مستقلة بذاتها، و انما هی من جزئیات قاعدة عامة. لذلک نری المجتهدین من فقهاء الشیعة الامامیة صرفوا الکلام قبل کل شیء الی القاعدة نفسها. و بیان حکمها، و بعد هذا تکلموا عن میراث الغرقی و غیرهم، و ان حکمهم هل هو ححکم القاعدة العامة أو أن هناک ما یوجب استثناء حکم الغرقی عن القاعدة، و لا ریب أن تحریر البحث علی هذا النحو أجدی نفعا، و أکثر فائدة.
و حیث ان معرفة هذه القاعدة تتوقف علی معرفة أصلین آخرین یتصلان اتصالا وثیقا بها، لذلک نختصر الکلام عنهما بمقدار ما تدعو الضرورة لمعرفة القاعدة المقصودة بالذات، علی انهما لا یقلان عنها نفعا. و الاصلان هما أصل عدم وقوع الحادث الذی شک فی وقوعه، و أصل تأخر الحادث الذی علم وقوعه.