قد أملت الظروف السیاسیة الساخنة و ساهمت فی ایجاد بعض
التصورات و الارهاصات عند أصحاب الإمام (علیه السّلام) اسوة بباقی الناس، و قد لاحظ هؤلاء بأن الظرف مناسب لتفجیر الوضع و استلام الحکم لضخامة ما کانوا یشاهدونه من شعبیة الإمام و کثرة الناس التی توالیه. جاءت التصوّرات و التساؤلات عن ضرورة الثورة عند ما ورد إلى الإمام کتاب أبی مسلم الخراسانی، فعن الفضل الکاتب قال کنت عند أبی عبد اللّه (علیه السّلام) فأتاه کتاب أبی مسلم فقال (علیه السّلام): لیس لکتابک جواب اخرج عنا- و قد مرّ جواب الإمام على العرض الذی تقدم به أبو مسلم- فجعلنا یسار بعضنا بعضا فقال: «أیّ شیء تسارّون یا فضل؟ إن اللّه عز ذکره لا یعجل لعجلة العباد، و لإزالة جبل عن موضعه أیسر من زوال ملک لم ینقض أجله». ثم قال: إن فلان بن فلان، حتى بلغ السابع من ولد فلان.
قلت: فما العلامة فیما بیننا و بینک جلعت فداک؟ قال: «لا تبرح الارض یا فضل حتى یخرج السفیانی، فإذا خرج السفیانی فأجیبوا إلینا- یقولها ثلاثا- و هو من المحتوم»(1)
و ینقل المعلى بأنه جاء إلى الإمام بکتب کثیرة من شیعته تطالبه بالنهوض(2) و قد مر جواب الإمام (علیه السّلام) فی البحوث السابقة بما حاصله أن الکثرة المزعومة و ذلک العدد الذی لا یستهان به لهو أحوج إلى الاخلاص و رسوخ العقیدة فی النفوس فلا یمکن للإمام أن یخوض المعرکة بالطریقة التی یفکر بها فضل الکاتب أو سهل الخراسانی و غیرهم، فإن المغامرة من هذا النوع و الدخول فی اللعب السیاسیة استغلالا للظرف سیؤول إلى نتائج لم یدرکها هؤلاء إذ تشکل تجربة کأداء تعطل المخطط الالهی الذی التزمه الإمام (علیه السّلام) حتى فی حالة نجاح الإمام (علیه السّلام) و تسلمه مقالید الحکم.
1) روضة الکافی: 229 و عنه فی بحار الأنوار: 47/ 297، وسائل الشیعة: 11/ 37.
2) الکافی: 8/ 274.