و قد وافانا استاذ السید عفیفی المحامی الشرعی بمصر، و محرر مجلة المحاماة الشرعیة، بقصة من دون سند و هی تتکفل تعیین أم الامام و شخصیتها و إلیک نصها:
یقول الاستاذ السید عفیفی عند ذکره لوالد أبیحنیفة: هو ثابت بن النعمان بن المرزبان، و کان ثابت هذا یرجع الی دین و عقل و مروءة، تصدر عن جد، فقد روی أنه کان فی شبابه ورعاً زاهداً، و کان یوماً یتوضأ من جدول فجاءت تفاحة فی الماء فأمسکها و أکلها بعد الفراغ من الوضوء، ثم بصق فرأی بصاقه دماً فقال فی نفسه: لعل ما أکلته حرام، و إلا لما تغیر بصاقی
فتبع رأس الجدول، فوجد شجرة تفاحها مثل ما أکل، فطلب صاحبها وقص علیه القصة و أعطاه درهماً و قال: إجعلها فی حل، فلما رأی صاحب التفاحة ورعه و صلابته فی دینه أحبه، و قال لا أرضی بدرهم و لا بألف درهم و لا بأکثر.
فقال ثابت: فبم ترضی؟ قال إن لی ابنة لا تری و لا تنطق، و لا تسمع و لا تمشی، فان تزوجتها أجعلها فی حل، و إلا اخاصمک یوم السؤال و الحساب. فلبث ثابت فی التفکر ساعة، ثم قال فی نفسه: عذاب الدنیا أسهل و ینقضی، و عذاب الآخرة أشد و أبقی، و تزوج بها فلما دخل علیها تقبلته بقبول حسن، فاشتبه علی ثابت الأمر، لأنه وجدها حسناء سمیعة بصیرة ناطقة، فقالت له: أنا زوجتک بنت فلان. قال: وجدتک علی خلاف ما وصفک أبوک، قالت: نعم فانی کنت من سنین لم أطأ خارج البیت، و لم أنظر الأجانب و لم أسمع کلامهم و لم یسمعوا کلامی، فعرف ثابت الحال و قال: (الحمدلله الذی أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شکور).
یقص علینا الاستاذ المحامی هذه القصة غیر ملتفت الی المؤاخذات التی یؤاخذ بها بصفته مثقفاً من أبناء القرن العشرین و یتولی مهنة المحاماة الشرعیة.
فیعلق علیها بقوله: هیهات لا یأتی الزمان بمثل ثابت، و لا بمثل صاحبته فلا عجب أن یتولد منهما ولد فی صورة الانسان و سیرة الملک، و یحیی الله به دینه القویم، و یشیع مذهبه فی الأقطار، و علمه فی الأمصار و یقول:
من هذا الوالد الورع الزاهد، و هذه الأم الطاهرة، ولد الامام الأعظم أبوحنیفة النعمان فی مدینة الکوفة فی سنة 80 من الهجرة النبویة فی عصر الدولة الأمویة فی خلافة عبدالملک بن مروان.
و یقول بعد ذلک أن إسمه النعمان و هو منقول من إسم جنس و قیل انه الدم و قیل انه الروح، فیکون اتفاقاً حسناً لأن اباحنیفة روح الفقه و قوامه و منه منشأه و نظامه.
و نحن نسائل الاستاذ المحامی عن الأسباب التی دعته لنقل هذه الاسطورة فی مقدمة کتابه «حیاة الامام ابیحنیفة» أکان انتصاراً للامام لیعلن بفضله و فضل أبیه و أمه؟ و هل ضاقت علیه المسالک فیمناقب أبیحنیفة فالتجأ الی أساطیر العجائز فی لیالی الشتاء؟ ولیته ترک هذه الاسطورة، و هو المثقف الذی یحمل شهادة المحاماة، و المفروض بالمحامی أن یحمل عقلیة قویة و فکراً واسعاً یستطیع به أن یتوغل الی اعماق معقولات القوانین.
و نسائله أیضاً لو قدر للشیخ عفیفی حضور تشاجر الفلاح مع ثابت و طلب کل منهما حکمه فی الأمر، أکان یحکم علی ثابت بأنه مذنب و یلزمه بارضاء الفلاح بکل صورة؟ و هل فی وسع الشیخ أن یحکم بصحة ما ذهب الیه ثابت من أن التفاحة کانت حراماً لذلک تحولت الی دم؟ و کیف یکون ذلک من الوجهة الطبیة و البیولوجیة.
أنا لا أدری و لعل الاستاذ محبالدین الخطیب یدری، لأنه قدم الکتاب و عرفه للقراء.