اثنان معهما درهمان، فقال أحدهما لصاحبه: هما لی، و لیس لک فیهما شیء. و قال الآخر: هما بینی و بینک، لک درهم، ولی درهم، و لم یصطلحا علی شیء و رفعا الأمر الی الحاکم، فعلی الحاکم أن یعطی درهما و نصف الدرهم لمدعیهما معا، و نصف درهم لمن یدعی أحدهما استنادا الی أن الامام الصادق علیهالسلام سئل عن ذلک؟ فأجاب: أما الذی قال: هما بینی و بینک فقد أقر بأن أحد الدرهمین لیس له فیه شیء، و أنه لصاحبه، و یقسم الدرهم الثانی بینهما نصفین.
و وجه العدل و الانصاف فی هذه القسمة أنه لا سبیل الی غیرها، اذ لو أعطینا
کلا منهما درهما لعملنا بقول من یدعی المناصفة، و أهملنا قول مدعیهما معا، و لو لم نعط مدعی المناصفة شیئا لعملنا بقول مدعیهما دون قول الآخر، و کلاهما ترجیح بلا مرجح.. فلم یبق الا أن یختص مدعیهما معا بدرهم، لاعتراف صاحبه بأنه لا حق له فیه، و انما التنازع بینهما فی درهم واحد، و کل منهما یدعیه لنفسه دون الآخر، فیقسم بینهما بالسویة، و تکون النتیجة أن یأخذ مدعی الدرهمین درهما و نصفا، و مدعی المناصفة نصف درهم.
و تجدر الاشارة الی ان الحاکم انما یجری القسمة مع عدم البینة لأحد المتنازعین، و بعد أن یحلف مدعی الدرهمین ان صاحبه لا یستحق فیهما شیء، و یحلف أیضا مدعی المناصفة أن الآخر لا یستحق جمیع الدرهمین.. أما اذا وجدت البینة لأحدهما دون الآخر فیتعین العمل بها، و اذا حلف أحدهما، و نکل الآخر أخذ بقوله.. و تجری القسمة التی ذکرناها اذا أقام کل منهما بینة، و لا رجحان لاحدهما عن الأخری، أو حلفا معا، أو نکلا معا.
و لا یختص هذا الحکم فی الدرهمین فقط، بل یجری کذلک فی کل عین ادعی أحد المتخاصمین أنها له وحده، وادعی الآخر أنها مناصفة، مع اثبات ید الاثنین علی العین.
و مثل ذلک ما اذا استودع رجل آخر درهمین، ثم استودعه ثان درهما واحدا، فوضعه مع الدرهمین، و صادف ان تلف درهم من الثلاثة من غیر تفریط، أو تعد من المستودع، فیعطی درهم و نصف الدرهم لصاحب الدرهمین، و نصف درهم لصاحب الدرهم، فقد جاء عن الامام الصادق علیهالسلام أنه قضی فی مثل هذه المسألة لصاحب الدینارین بدینار و نصف، و لصاحب الدینار نصف دینار، و بینا الوجه فی ذلک مفصلا فی کتاب أصول الاثبات فصل علم الحاکم فقرة «القضاء
علی خلاف العلم».
مثال آخر: اذا کان لشخص ثوب قیمته عشرون درهما، و لآخر ثوب قیمته ثلاثون، ثم اشتبه الثوبان، و لم یعرف أحدهما من الثانی، و لم یصطلح صاحبا الثوبین علی شیء، اذا کان کذلک یباع الثوبان و یأخذ صاحب الثوب الأغلی من الثمن ثلاثة أخماس، و صاحب الثوب الآخر خمسین، فقد سئل الامام الصادق علیهالسلام عن رجل یبضعه الرجل ثلاثین درهما فی ثوب، و أخر عشرین درهما فی ثوب، فبعث بالثوبین الیهما، ولکن لم یعرف هذا ثوبه، و ذاک ثوبه؟ قال الامام علیهالسلام: یباع الثوبان، و یعطی الأول ثلاثة أخماس الثمن، و الآخر خمسی الثمن. قال السائل: ان صاحب العشرین قال لصاحب الثلاثین: اختر أیهما شئت. قال الامام: قد انصفه.