لیس من المبالغة و الخروج عن الواقع وصف مدرسة الامام الصادق بأنها جامعة اسلامیة، خلفت ثروة علمیة و خرجت عدداً وافراً من رجال العلم، و أنجبت خیرة المفکرین و صفوة الفلاسفة و جهابذة العلماء، و قد عدت أسماء تلامذته و المتخرجون من مدرسته فکانوا أربعة آلاف رجل، و قد صنف الحافظ أبوالعباس بن عقدة کتاباً جمع فیه رجال الصادق و رواة حدیثه و أنهاهم الی أربعة آلاف.
قال الشیخ المفید فی الارشاد: «إن أصحاب الحدیث قد جمعوا الرواة عن الصادق من الثقات علی اختلافهم فی الآراء و المقالات فکانوا أربعة آلاف».
و قال الشیخ محمد بن علی الفتال: «و قد جمع أصحاب الحدیث أسماء الرواة من الثقات علی اختلافهم فی الآراء و المقالات فکانوا اربعة آلاف».
و قال السید علی بن عبدالحمید النیلی فی کتاب الانوار: «و مما اشتهر بین العامة و الخاصة ان اصحاب الحدیث جمعوا اسماء الرواة عنه فکانوا أربعة آلاف».و قال الشیخ الطبرسی فی أعلام الوری: «و لم ینقل عن أحد من سائر العلوم ما نقل عنه، فان أصحاب الحدیث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات فکانوا أربعة آلاف رجل، و قال فی القسم الثالث: «و روی عن الصادق من أهل العلم أربعة آلاف انسان».
و قال ابن شهر آشوب فی المناقب: «نقل عن الصادق من العلوم مالا ینقل عن أحد، و قد جمع أصحاب الحدیث أسماء الرواة من الثقات علی اختلافهم فی الآراء فکانوا أربعة آلاف».
و قال المحقق فی المعتبر فی جملة کلامه عن الصادق: «فانه انتشر عنه من العلوم الجمة ما بهر به العقول و روی عنه جماعة من الرجال ما یقارب أربعة آلاف رجل».
و قال الشهید فی الذکری: إن أباعبدالله جعفر بن محمد الصادق کتب من أجوبة مسائل أربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف، و دون من رجاله المعروفین أربعة آلاف رجل من أهل العراق و الشام و الحجاز».
و قال الشیخ حسین والد العلامة البهبهانی فی ذکر الصادق: «و دون العامة و الخاصة ممن تبرز بعلمه من العلماء و الفقهاء أربعة آلاف».
و علی أی حال فان مدرسة الامام الصادق، کانت مصدراً للعلم و ینبوعاً یفیض علی الامة بالعلوم و المعارف الاسلامیة، و اغدقت علی العالم الاسلامی بخدماتها الجلیلة، فی بث تلک التعالیم القیمة فی عصر ازدهر فیه العلم، و اقبل المسلمون علی انتهاله.
و لو تسنی لمدرسة الامام الصادق علیهالسلام الظهور التام لأدت رسالتها علی أحسن ما یتطلبه واقع المسلمین و ما هم فیه من الحاجة الی نشر التعالیم القیمة فی بث روح الأخوة الاسلامیة، و العدالة الاجتماعیة، و محو المعتقدات الفاسدة و الآراء الشاذة.
ولکن بمزید الأسف أن السلطة الحاکمة قد اتخذت جمیع التدابیر لمحاربة تلک المدرسة، لأن شهرة الامام الصادق علیهالسلام فی العالم الاسلامی کانت تقض مضاجعهم، و تبعث فی قلوبهم الوجل من نشاطه العلمی الی جانب ما لأهل بیته من النشاط السیاسی، و لهذا فقد کانوا یضعون الخطط التی یأملون فیها الوصول الی غلق أبواب تلک المدرسة و القضاء علی الامام الصادق بکل وسیلة، لأن الانظار أصبحت متجهة الیه، و کانت وفود رجال الامة و طلاب العلم تتسابق الی الحضور عنده، و الاستماع منه حتی کان ذکره حدیث الرکبان، و کانت أندیة العلم فی العواصم الاسلامیة تلهج بذکره، و ینتهی الاحتجاج فی الاستشهاد بقوله.
«و الحقیقة، أن مدرسة الإمام جعفر الصادق الفکریة قد أنجبت خیرة المفکرین، و صفوة الفلاسفة و جهابذة العلماء، و اذا کانت هناک حقیقة یجب أن تقال فهی: أن الحضارة الاسلامیة و الفکر العربی مدیناًن لهذه المدرسة الفکریة بالتطور و الرقی و الخلود، و لعمیدها الصادق بالمجد العلمی و التراث الثمین».
کما انها وجهت الأمة الی قواعد الاستنباط و نقد الحدیث و بعثت علی النشاط فی مجال التألیف و تبویب الأحکام فکانت ملتقی العلماء، و مجمعاً لطلابه رغم تلک المحاولات التی تبذل فی طریق شهرتها و الوقوف أمام انتشار ذکرها.
و أود بأن اسارع هنا فأشیر الی ما یأتی فیما بعد: بأن مدرسة الامام الصادق علیهالسلام: کان طابعها التی طبعت علیه و منهجها الذی اختصت به، هو استقلالها الروحی، و عدم خضوعها لنظام السلطة، و لم تفسح المجال لولاة
الأمر بأن یتدخلوا فی شؤونها، أو تکون لهم ید فی توجیهها و تطبیق نظامها لذلک لم یتسن لذوی السلطة استخدامها فی مصالحهم الخاصة، أو تتعاون معهم فی شؤون الدولة، و من المستحیل ذلک – و ان بذلوا جهدهم فی تحقیقه – فهی لا تزال منذ نشأتها الاولی تحارب الظالمین، و لا ترکن الیهم کما لا ترتبط و إیاهم بروابط الالفة، و لم یحصل بینها و بینهم انسجام، و بهذا النهج الذی سارت علیه، و الطابع الذی اختصت به أصبحت عرضة للخطر، فکان النزاع بینها و بین الدولة، یشتد و العداء یتضخم، الأمر الذی جعل المدرسة عرضة للخطر.
و رغم ذلک کله فقد صمدت لتلک الهجمات التی توجهها الدولة لتمحوها من صفحة الوجود، و قد عانت من بطش الجبارین و عسف الظالمین مالا یحیط به البیان.
و علی کل حال فان مدرسة الامام الصادق علیهالسلام کانت بعیدة عن التأثر بآراء الحکام الذین یفرضون ارادتهم علی العلم و العلماء، و یحاولون أن تکون لهم السلطة الدینیة الی جانب السلطة التنفیذیة.
و قد بذل المنصور کل ما فی وسعه لجلب رضا الامام الصادق علیهالسلام و الفوز بمسایرته له، ولکنه لم یفلح، فقد أعلن علیهالسلام مقاطعته، و أوعز الی اصحابه ذلک، فسارت مدرسته علی ذلک الاستقلال الروحی، و نالت تلک الشهرة العظیمة، و خلفت ذلک التراث الثمین و المجد العلمی، و ان الحضارة الاسلامیة مدینة لها بالتطور و الخلود. و سیأتی فی الاجزاء القادمة مزید بیان لذلک.