من الألفاظ المتداولة فی کتب الفقه المال المجهول المالک و رد المظالم، و اعراض المالک عن ملکه، و اللقطة، بضم اللام، و فتح القاف، و قد یقع الاشتباه، و عدم تمییز بعضها عن بعض بالنظر الی أن کلا من المظالم و اللقطة و المال المجهول المالک لا یعرف صاحبه، کما أن المال الضائع – أی اللقطة – و الذی اعرض عن صاحبه یجوز أخذه. لذا رأینا من المفید قبل أن نتکلم عن اللقطة التی نحن بصددها أن نمهد بالاشارة الی ما أراده الفقهاء من الأسماء الثلاثة، و حکم کل منها لیتضح الفرق بینها و بین اللقطة من جهة، و لأن الفقهاء لم یتکلموا عنها بعنوان مستقل، و انما تعرضوا لها استطرادا للمناسبات.
و المال المجهول المالک یفسر نفسه بنفسه، حیث لا یعرف له مالکا، و هو اما ضائع، و اما غیر ضائع، و الضائع یدخل فی باب اللقطة، و غیر الضائع، و هو الذی عناه الفقهاء من المال المجهول المالک، لا یجوز أخذه و حیازته، ولکن قد یقع فی یدک غفلة و خطأ، کما لو کنت فی فندق مع شخص تجهل هویته، فیختلط بعض أمتعته بأمتعتک، ثم یذهب الی سبیله، و لا تعرف عنه شیئا. و من المجهول المالک أن تستدین مالا من شخص، أو یضع عندک أمانة، ثم یغیب عنک غیبة منقطعة، و تنسی اسمه، و لا تعرف من یرشدک الیه. أو یصل الی یدک مال من الغاصب و السارق دون أن تعرف له صاحبا، أو تلبس قبعة غیرک أو تأخذ محفظته، أو عصاه ظنا و اشتباها أنها قبعتک، أو محفظتک، أو عصاک.
و حکم المال المجهول المالک اذا وقع تحت یدک أن تتصدق به عن
صاحبه بعد ألیاس من معرفته و معرفة من یقوم مقامه، فقد سئل الامام الصادق علیهالسلام عمن وجد متاع شخص معه، و لم یعرف صاحبه؟ قال: اذا کان کذلک فبعه و تصدق به.
و اذا ظهر صاحبه بعد التصدق به فلا ضمان علی المتصدق، لأن اذن الشارع بالصدقة یتنافی مع الحکم بالتغریم، هذا، الی أن النص لم یشر من قریب أو بعید الی ضمان هذا المتصدق، بل قال السید الحکیم فی الجزء السادس من المستمسک ص 596 طبعة 1369 ه ما نصه بالحرف: «ان النصوص الآمرة بالتصدق بمجهول المالک ظاهرة فی خلاف الضمان». و قال الشیخ النائینی تعلیقا علی المسألة 33 من باب الخمس فی کتاب العروة الوثقی: «الاقوی عدم الضمان».
أما رد المظالم فقال صاحب مفتاح الکرامة: «ان رد المظالم و مجهول المالک شیء واحد علی المشهور». و عن الشیخ الأردبیلی أن رد المظالم هو المال الحرام المختلط بالحلال، مع العلم بقدره، و الجهل بصاحبه.
و لیس من شک أن المظالم هی الأموال التی تدخل علی الانسان من غیر وجه شرعی، و ان علی الظالم أن یردها الی صاحبها أو من یقوم مقامه ان کانت عینها قائمة، و ان یرد البدل من المثل أو القیمة ان تلفت، و ان جهل صاحبها و من یقوم مقامه تصدق بها عنه.
أما الاعراض فهو أن یترک الانسان عینا من أمواله مع نیة الاعراض، و اذا ترکها للخوف، أو لأی سبب من غیر أعراض تبقی علی ملک مالکها الأول لا یجوز التعرض لها الا اذا کانت بمعرض التلف، فیأخذها بقصد الحفظ و الصیانة، و تکون فی ید الآخذ أمانة شرعیة، لا یضمنها الا مع التعدی أو التفریط، و متی
ترک العین صاحبها بنیة الاعراض أصبحت کسائر المباحات، و جاز لغیره حیازتها و تملکها، و اذا طالب بها المالک الأول لا یجب دفعها الیه ان کانت عینها قائمة، و بالاولی أن لا یضمن العوض، مع التلف.
و فی ذلک روایات عن أهلالبیت علیهمالسلام، منها ما رواه عبدالله بن سنان فی الصحیح عن الامام الصادق علیهالسلام: «من أصاب مالا أو بعیرا فی فلاة من الأرض قد کلت، و قامت، و سیبها صاحبها، لما لم تتبعه، فأخذها غیره، فأقام علیها، و أنفق نفقة، حتی أحیاها من الکلال، و من الموت فهی له، و لا سبیل له – أی للأول – علیها، و انما هی مثل الشیء المباح».
و قد اتفق الجمیع علی صحة هذه الروایة، و وصفها صاحب مفتاح الکرامة فی باب اللقطة بأنها الأصل فی الحکم، و بأن روایة السکونی عاضدة و مؤیدة لها، و هی: «اذا غرقت السفینة و ما فیها، فأصابه الناس، فما قذف به البحر علی ساحله فهو لأهله، و هم – أی أصحاب السفینة – أحق به، و ما غاص علیه الناس، و ترکه صاحبه فهو لهم». أی هو لمن استخرجه من البحر.
و روایة ابنسنان هی اوضح الروایات دلالة علی الاعراض، و علی تملک الشیء المعرض عنه، أما دلالتها علی الاعراض فلاشتمالها علی لفظة «سیبها» الظاهرة فی العین التی لا مالک لها. قال صاحب مجمع البحرین: «کان العربی یقول: اذا رجعت من سفری فناقتی سائبة، و سئل الامام علیهالسلام عن السائبة؟ فقال: هو الرجل یعتق غلامه فیقول له: اذهب حیث شئت، لیس لی من أمرک شیء».
و قال صاحب الجواهر: «ان مورد الروایة الترک و الاعراض، لا خصوص الاعراض، و لا خصوص الترک».
أما تملک الآخذ للشیء الذی أعرض عنه صاحبه فیدل علیه صراحة قول
الامام علیهالسلام: «هی له، و لا سبیل للمالک الأول علیها، و هی مثل الشیء المباح».. و من ملیکة الثانی الذی حاز العین نستکشف زوال ملکیة الأول عنها، و الا لزم اجتماع ملکین علی شیء واحد، و بدیهة أن اجتماع المثلین محال، کاجتماع الضدین.. ولکن لابد من الجزم و الیقین بأن الأول اعرض و صرف النظر، و مع الشک فی أنه اعرض أو لم یعرض تبقی العین علی ملکه، حتی ولو ترکها، لأن الترک أعم من الاعراض، کما صرح بذلک صاحب الجواهر أکثر من مرة فی باب اللقطة.
و اذا زالت ملکیة الأول عن العین التی اعرض عنها صاحبها، و ثبتت ملکیة الثانی لها بالحیازة بحکم الامام علیهالسلام و قوله: «هی له و لا سبیل للأول علیها»، اذا کان کذلک لا یبقی موضوع للضمان لو طالب بها المالک الأول. قال صاحب الجواهر فی باب اللقطة عند کلامه عن القسم الثانی، و هو التقاط الحیوان، قال ما نصه بالحرف: «أما عدم الضمان، فلا ریب فیه و لا اشکال ضرورة ظهور الأدلة فی تملکه المنافی للضمان».(1)
و اللقطة بضم اللام، و فتح القاف هی لغة و عرفا کل مال ضائع، أخذ و لا ید لأحد علیه. ولکن توسع الفقهاء فی معناها، و عمموها للملقوط الآدمی، حیث قسموا الشیء الملقوط الی ثلاثة أقسام: انسان، و حیوان، و مال غیر حیوان، ولکل من هذه الثلاثة أحکام تخصه، و یسمی الآدمی الملقوط لقیطا و منبوذا، لأن أهله ترکوه و نبذوه خوف الفقر و العار، و سنتکلم عن کل واحد من هذه الثلاثة
بعنوان مستقل تجنبا للاشتباه و الخلط بینها.
و فی اللقطة روایات کثیرة عن أهلالبیت علیهمالسلام، منها قول الامام الصادق علیهالسلام: تعرف سنة قلیلا کان – المال – أو کثیرا، و ما دون الدرهم فلا یعرف.
1) من أحب التوسع فی مسألة الاعراض فلیرجع الی المجلد السادس و الاخیر من کتاب الجواهر باب اللقطة القسم الثانی، و أول کتاب نخبة الاحادیث للشیخ الکرباسی، و رأینا الذی أوضحناه مع دلیله یتفق مع صاحب الجواهر.