و فیه سبع مسائل:
المسألة الأولی: رفع الیدین فی تکبیرة الاحرام:
لا خلاف بین العلماء فی مشروعیة رفع الیدین عند تکبیرة الاحرام. الا ما ذهب الیه الزیدیة من عدم مشروعیة ذلک(1)
و مذهب الامام جعفر الصادق: أنه یرفع یدیه أول ما یکبر للاحرام الی النحر(2)
نقل ذلک عنه القرطبی(3)
و روی ذلک عن: سیدنا علی و ابنعباس و محمد بن کعب(4)
و الحجة لهم:
قوله تعالی: «فصل لربک و انحر (2)»(5)
و خالف ذلک جماعة:
فقال أبوحنیفة: یرفعهما حیال أذنیه و یثبت مرفوعتین حتی یفرغ من التکبیر ثم یحطهما.
و قال مالک: السنة أن یرفع یدیه فی تکبیرة الاحرام حذو منکبیه، و به قال الشافعیة(6)
و قال جمهور العلماء: ان رفع الیدین فی تکبیرة الاحرام سنة.
و قال بعضهم: ان رفع الیدین فی تکبیرة الاحرام واجب. و هو رکن من أرکان الصلاة روی ذلک عن: الأوزاعی و داود الظاهری و الحمیدی و ابنخزیمة و هو قول ابنحزم و وجه الشافعیة و هو مروی عن أحمد(7)
المسألة الثانیة: دعاء استفتاح الصلاة و محله:
و فی هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: دعاء الاستفتاح:
دعاء الاستفتاح سنة من سنن الصلاة. و قال باستحبابه جمهور العلماء من الصحابة و التابعین و به قال أبوحنیفة و الشافعی و أحمد و الظاهریة و الزیدیة(8)
و قد وردت أحادیث کثیرة فی صیغة دعاء الاستفتاح.
مذهب الامام جعفر الصادق: أنه اختار من هذه الصیغ: قوله تعالی: «وجهت وجهی للذی فطر السموات و الأرض حنیفا و ما أنا من المشرکین (79)»- «ان صلاتی و نسکی و محیای و مماتی لله رب العالمین (162) لا شریک له و بذلک أمرت و أنا أول المسلمین (162)». «الحمدلله الذی لم یتخذ ولدا و لم یکن له شریک فی الملک و لم یکن له ولی من الذل».
نقل ذلک عنه صاحب البحر الزخار و غیره(9)
روی ذلک عن سیدنا علی و زید و الباقر و ابنعلی و الهادی و عبدالله بن الحسن. و هو قال الشافعی و ابنالمنذر و الزیدیة(10)
الحجة لهم:
ما روی عن علی أن رسول الله صلی الله علیه و سلم کان اذا استفتح الصلاة قال: «وجهت وجهی للذی فطر السموات و الأرض حنیفا مسلما و ما أنا من المشرکین ان صلاتی و نسکی و محیای و مماتی لله رب العالمین لا شریک له و بذلک أمرت و أنا اول المسلمین»(11)
الفرع الثانی: محله:
و روی عن الامام جعفر الصادق: أن محله أن یکون بعد الاحرام(12)
روی ذلک عن: زید و الباقر و ابنعلی و المؤید بالله و به قال الحنفیة و الشافعیة و الحنابلة(13)
و ذهب المالکیة الی: منع الاستفتاح بین التکبیر و القراءة، الا أن ابنحبیب منهم صرح بأنه یأتی به قبل تکبیرة الاحرام(14)
المسألة الثالثة: التعوذ قبل القراءة:
التعوذ هو قول القارئ للقرآن: أعوذ بالله من الشیطان الرجیم، أو أعوذ بالله السمیع العلیم من الشیطان الرجیم وردت هاتین الصیغتین(15)
ثم اختلف العلماء هل التعوذ واجب أو سنة.
و مذهب الامام جعفر الصادق: أنه لا بد قبل القراءة من التعوذ، و أما سائر الطاعات فانه لا یتعوذ فیها.
نقل ذلک عنه الفخر الرازی(16)
و القول بوجوب التعوذ قبل القراءة مروی عن: ابنمسعود و ابنعمر و عطاء و الثوری و داود و الأوزاعی و غیرهم و قول ابنحزم(17)
و الحجة لهم:
1- قوله تعالی: «فاذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشیطن الرجیم (98)»
(18)
وجه الدلالة:
ان هذا النص أمر من الله تعالی بالتعوذ عند ارادة القراءة و لا فرق بین القراءة فی الصلاة أو غیرها.
2- ان الحکمة فی التعوذ أن العبد قد ینجس لسانه بالکذب و الغیبة و النمیمة، فأمر الله تعالی العبد بالتعوذ لیصیر لسانه طاهرا فیقرأ بلسان طاهر کلاما أنزل
من رب طیب طاهر(19)
و قال أبوحنیفة و الشافعی و أحمد و غیرهم: الاستعاذة سنة: و أنکر مالک الاستعاذة أصلا الا فی قیام رمضان(20)
المسألة الرابعة: البسملة:
أجمع العلماء علی أن البسملة جزء من سورة النمل و هی قوله تعالی: «انه من سلیمن و انه بسم الله الرحمن الرحیم (30)» (21)
و اختلفوا فی البسملة فی أول الفاتحة هل هی آیة من الفاتحة أملا.
و مذهب الامام جعفر الصادق: أن البسملة لیست آیة من الفاتحة.
و قال البسملة تیجان السور. نقل ذلک عنه القرطبی. و قال: و هذا یدل علی أنها لیست بآیة من القرآن(22)
و الحجة له:
ما روی عن أبیهریرة قال: سمعت النبی صلی الله علیه و سلم یقول: «قال الله تعالی قسمت الصلاة بینی و بین عبدی نصفین، و لعبدی ما سأل فاذا قال العبد الحمدلله رب العالمین، قال الله تعالی: حمدنی عبدی، و اذا قال: (الرحمن الرحیم) قال تعالی: أثنی علی عبدی…. الحدیث»(23)
وجه الدلالة:
أن المراد بالصلاة فی الحدیث الفاتحة(24) و لو کانت البسملة آیة لذکرها و بدأ بها(25)
و قال النووی: و هذا الحدیث من أوضح ما احتج به القائلون بأن البسملة لیست من آیة الفاتحة و أن القرآن لا یثبت بالظن، و انما یثبت بالتواتر(26)
و قال بعض العلماء: ان البسملة لیست آیة من الفاتحة و لا من غیرها الا فی سورة النمل فانها بعض آیة منها.
روی ذلک عن: مالک و الأوزاعی و روایة عن أحمد. و هو قول لأبی حنیفة و أصحابه.
و قال بعضهم: ان البسملة آیة بین کل سورتین غیر الأنفال و البراءة و لیست هی من السورة و انما هی قرآن مستقل کسورة قصیرة. روی ذلک عن أحمد و بعض الحنفیة.
و قال الشافعی: البسملة آیة من الفاتحة و غیرها من السور الا براءة(27)
و الظاهر من آراء الفقهاء فی حکم البسملة عند التتبع. هذه المسألة مبنیة علیها مسألة الجهر بالبسملة.
فمن قال انها لیست من الفاتحة و هو ما ذهب الیه مالک و قال (لا یقرأ البسملة و لا جهرا)(28)
أما الذین قالوا هی من القرآن و هی آیة من الفاتحة و کل سورة ذکرت فی أولها. و هو ما ذهب الیه الشافعی قال: تقرأ فی الجهریة جهرا و فی السریة سرا(29)
و من قال انها مستقلة من القرآن نزلت للفصل بین السور و هو ما ذهب الیه أبوحنیفة و أحمد قال تقرأ سرا مطلقا(30)
أجمعت الأمة علی أنه لا یکفر من أثبتها و لا من نفاها، لاختلاف العلماء فیها بخلاف ما لو نفی حرفا مجمعا علیه أو أثبت ما لم یقل به أحد فانه یکفر بالاجماع(31)
المسألة الخامسة: التأمین:
مذهب الامام جعفر الصادق: أنه معنی آمین أی قاصدین الیک بالمد و التشدید.
نقل ذلک عنه ابنحجر(32)
و هذا یدل علی أن التأمین بعد الفاتحة مشروع فی الصلاة عند الامام جعفر الصادق رضی الله عنه. و هذا حکم عام للامام و المأموم.
و قال النووی: انها منکرة، و حاکها الواحدی و زیفها(33)
و قال جمهور آهل اللغة: أن آمین الدعاء یمد و یقصر، فتقول أمنت علی الدعاء تأمینا اذا قلت آمین.
و قد نقل الفقهاء فیه لغات عدیدة، نذکر أشهرها و هی:
المد، القصر، المد مع الامالة و التخفیف، و القصر مع التشدید و هی شاذة.
و کلها اسم فعل بمعنی استجب الا لغة القصر مع التشدید(34)
المسألة السادسة: التسبیح فی الرکوع.
و قد سبق الکلام عنها عند الاحتجاج بالکتاب.
المسألة السابعة: القنوت فی الصلوات المفروضة.
و قد سبق الکلام عنها عند الاحتجاج بالمطلق.
1) المغنی: 1 / 280؛ شرح مسلم للنووی: 4 / 95؛ الأوساط: 3 / 1173؛ رحمة الأمة: 29؛ البحر الزخار: 2 / 239؛ الروض النضیر: 1 / 435.
2) النحر: هو الصدر و قیل و هو أعلی الصدر. لسان العرب: 3 / 549، و قیل: موضع القلادة؛ مختار الصحاح: 649.
3) تفسیر القرطبی: 20 / 149.
4) المصدر نفسه.
5) سورة الکوثر: 2.
6) حلیة العلماء: 2 / 95؛ مغنی المحتاج: 1 / 152.
7) الاستذکار: 2 / 124؛ المحلی: 3 / 236؛ عون المعبود: 2 / 408؛ المجموع: 3 / 264؛ الأم: 1 / 90؛ الهدایة: 1 / 50؛ الافصاح: 1 / 124؛ المغنی: 1 / 280؛ شرح منح الجلیل: 1 / 155.
8) المغنی: 1 / 282؛ المجموع: 3 / 321؛ المحلی: 4 / 94؛ الروض النضیر: 2 / 5؛ الفتاوی الکبری: 1 / 76.
9) البحر الزخار: 2 / 234؛ الروض النضیر: 2 / 3.
10) المصدران السابقان؛ الأوسط: 3 / 86.
11) مسلم: 1 / 534؛ سنن أبیداود: 1 / 199؛ سنن البیهقی: 5 / 22.
12) البحر الزخار: 2 / 226.
13) حاشیة القلیوبی علی شرح المنهاج: 1 / 305؛ نهایة المحتاج و حاشیة الرشیدی: 1 / 453؛ المجموع: 3 / 318؛ الأذکار مع الفتوحات الربانیة: 2 / 183؛ شرح الاقناع: 1 / 362 – 310؛ حاشیة الشبراملسی علی نهایة المحتاج.
14) انظر المدونة: 1 / 62؛ فتح العزیز: 3 / 301؛ کفایة الطالب الربانی بحاشیة العدوی: 1 / 205؛ الدسوقی: 1 / 252؛ الرهونی: 1 / 425.
15) المجموع: 3 / 284.
16) تفسیر الفخر الرازی: 1 / 57.
17) المحلی: 3 / 250 – 247؛ المجموع: 3 / 284 – 283؛ الجامع لأحکام القرآن: 1 / 63.
18) سورة النحل: 98.
19) تفسیر الفخر الرازی: 1 / 75.
20) الأم: 1 / 93؛ المدونة: 1 / 64؛ بدائع الصنائع: 1 / 202؛ الهدایة 1 / 51؛ المغنی: 1 / 283؛ مغنی المحتاج: 1 / 156؛ الاختیار: 1 / 49؛ حاشیة ابنعابدین: 1 / 443؛ الانصاف: 2 / 119؛ الرهونی: 1 / 424.
21) سورة النمل: 30؛ انظر بدائع الصنائع: 1 / 203؛ الشرح الکبیر هامش المغنی: 1 / 519؛ نیل الأوطار: 3 / 35.
22) الجامع لأحکام القرآن للقرطبی: 1 / 92.
23) مسلم بشرح النووی: 4 / 101؛ النسائی: 2 / 136.
24) نیل الأوطار: 2 / 147.
25) المغنی: 1 / 286.
26) شرح مسلم: 4 / 103؛ المجموع: 3 / 292.
27) حلیة العلماء: 2 / 103؛ المجموع: 3 / 292؛ نیل الأوطار: 3 / 35؛ شرح معانی الآثار: 1 / 205؛ المغنی: 1 / 286؛ الانصاف: 2 / 48؛ مغنی المحتاج: 1 / 157؛ الاستذکار: 2 / 175؛ عمدة القارئ: 5 / 591 – 281؛ معالم السنن: 1 / 206.
28) القرطبی: 1 / 68؛ أسهل المدارک: 1 / 196؛ بدایة المجتهد: 1 / 120.
29) المجموع: 1 / 342؛ الروض النضیر: 2 / 14؛ حلیة العلماء: 1 / 104.
30) المغنی: 1 / 478؛ الهدایة: 1 / 48.
31) انظر نیل الأوطار: 2 / 208.
32) فتح الباری: 2 / 265 – 262.
33) تهذیب الأسماء و اللغات: 2 / 1 / 12.
34) انظر تهذیب الأسماء و اللغات للنوی: 2 / 2 / 12؛ المصباح المنیر: باب آمین؛ شرح الروض: 1 / 154.