صاحب الحاجة

و کل من یحرص علی شهوته و قضاء حاجته الخاصة فهو عبد لها و أسیر، لا یقول و یفعل إلا بوحیها، ولا وزن عنده للحق والإیمان ولا للعدل والوجدان و إن خیّل إلیه أنه ذو دین و ضمیر و کرامة و شهامة، قال الإمام علی (ع): الأمانی تعمی البصائر، و فی الأمثال: «صاحب الحاجة أعمی لا یری إلا قضاءها» و ما رأیت أجبن و أحقر و أذل و أصغر من ضعیف الناس إذا احتاج، أما ضعیف فیبیع دینهم للشیطان حتی ولو کان أغنی الأغنیاء.

(واجعل الجنة نصب أعینهم…) إذا أحب الإنسان الدنیا بفطرته کما أشرنا، فمحال أن یترکها إلا إلی الأفضل والأکمل، ولا شیء کالجنة التی فیها ما یلذ الأعین، و تشتهی الأنفس. و فی نهج البلاغة: کل نعیم دون الجنة فهو محقور. و لذا سأل الإمام أن یعرّف سبحانه المجاهدین بحقیقة الجنة و نعیمها کما بشرهم بها کی یکونوا علی علم بقیمة الصفقة، و أنها المنفعتهم الذاتیة و للعلو من شأنهم دنیا و آخرة، فبذلوا الثمن بنفس راضیة تمام الرضا.

ألّلهمّ افلل بذلک عدوّهم، واقلم عنهم أظفارهم، و فرّق بینهم و بین أسلحتهم، واخلع وثائق أفئدتهم، و باعد بینهم و بین أزودتهم، و حیّرهم فی سبلهم، و ضلّلهم عن وجوههم؛ واقطع عنهم المدد، وانقص منهم العدد.

واملأ أفئدتهم الرّعب، واقبض أیدیهم عن البسط، واخزم ألسنتهم عن النّطق، و شرّد بهم من خلفهم، ونکّل بهم من ورائهم، واقطع بخزیهم أطماع من بعدهم.

بعد أن دعا الإمام (ع) للمجاهدین المدافعین عن الحریة والکرامة والأرواح والأموال والأوطان- دعا علی الأشرار الأقذار الذین یعتدون علی عباد الله و بلاده، و یثیرون الحروب والفتن، و ینهبون الأقوات، و یشردون الآمنین، دعا علیهم و إن انتسبوا إلی الإسلام، و قال: (أللهم افلل بذلک عدوهم) ذلک إشارة إلی ثبات أهل الثغور و صبرهم علی الجهاد و عدم فرارهم

من الزحف، وافلل: اهزم واکسر، و ضمیر الغائبین فی عدوهم یعود إلی المجاهدین المحقین (واقلم أظافرهم) إمنع أذاهم (و فرق بینهم و بین أسلحتهم) کنایة عن حصارهم والإحاطة بهم و منع الإمداد عنهم.

(واخلع وثائق أفئدتهم) املأ قلوبهم بالخوف من جیش المسلمین، و بالقنوط من النصر والنجاة (وباعد بینهم و بین أزودتهم): جمع زاد علی غیر قیاس، عطف تکرار علی فرق بینهم و بین أسلحتهم، أو عطف عام علی خاص، إن أرید بالأزودة مطلق الإمداد، و بالأسلحة المعنی الظاهر (و حیرهم فی سبلهم) بحیث لا یستطیعون حیلة، ولا یهتدون إلی النصر سبیلاً (وضللهم عن وجوههم) اعم أبصارهم و قلوبهم عما یضمرون و یقصدون (واقطع عنهم المدد) عطف تکرار علی باعد بینهم و بین أزودتهم (واملأ أفئدتهم الرعب) عطف تفسیر علی اخلع وثائق أفئدتهم (واقبض أیدیهم عن البسط) عطف تکرار علی أقدم أظافرهم (واخزم): اخرس وامنع (وشرد بهم)؛: اهزمهم (و نکل بهم): انزل بهم الکوارث والزلازل (واقطع بخزیهم أطماع من بعدهم) اجعلهم درساً نافعاً لمن یحدث نفسه بالعدوان علی عبادک و عیالک.

ألّلهمّ عقّم أرحام نسائهم، و یبّس أصلاب رجالهم، واقطع نسل دوابّهم و أنعامهم؛ لا تأذن لسمائهم فی قطرٍ، ولا لأرضهم فی نباتٍ.

ألّلهمّ وقوّ بذلک محال أهل الإسلام، وحصّن به دیارهم، و ثمّر به أموالهم،

و فرّغهم عن محاربتهم لعبادتک، و عن منابذتهم للخلوة بک، حتّی لا یعبد فی بقاع الأرض غیرک، ولا تعفّر لأحدٍ منهم جبهةٌ دونک.

ما زال الدعاء علی الذین یسعون فی الأرض فساداً سواء أکانوا ملحدین أم ینطقون باسم الله الکریم… و من کف أذاه عن الناس فهو حمی الشریعة الإلهیة المحمدیة حتی ولو کان جاحداً لأن حسابه علی خالقه الذی قال لنبیه الکریم: «ما علیک من حسابهم من شیء- 52 الأنعام… «إن إلینا إیابهم ثم علینا حسابهم- 65 الغاشیة» و فوق ذلک سمح الإسلام للمسلمین أن یحسنوا لمن یخالفهم فی العقیدة إذا هو کف شره و ضره کما فی الآیة 8 من الممتحنة و 193 من البقرة.

(عقم أرحام نسائهم و یبس أصلاب رجالهم) أصلاب: جمع صلب بضم الصاد، والمراد به سلسلة فقرات الظهر التی تمتد من أعلاه إلی أسفله، و دعا الإمام (ع) علیهم بالعقم نساء و رجالاً، لأن الحیة لا تلد إلا حیة «إنّک إن تذرهم یضلوا عبادک ولا یلدوا إلا فاجراً کفاراً- 27 نوح» (واقطع نسل دوابهم): جمع دابة، و هی لغة فی کل من و ما دب علی الأرض، ثم تغلبت علی ما یرکب و یحمل علیه فقط (والأنعام): الإبل والبقر والغنم، و کانت هذه الدواب من أهم الوسائل والأسباب للإنتاج والمواصلات، و دعا علیها الإمام (ع) لأنهم کانوا یستعینون بها و یتقوون فی الحرب والقتال.

(لا تأذن لسمائهم…) امنع عنهم برکات السموات والأرض (وقوّ بذلک) إشارة إلی نزول الکوارث والنکبات بالأعداء الطغاة (محال أهل الإسلام)

المحال بکسر المیم: إحکام التدبیر و بعد النظر، والقصد أن یجعل الله سبحانه ضعف الأشرار قوة للأخیار (و حصن دیارهم) عطف تکرار علی قوّ، لأن التحصین من مظاهر القوة (و ثمر أموالهم) زد الإنتاج أضعافاً کثیرة (و فرغهم عن محاربتهم لعبادتک) متعلق بفرغهم (و عن منابذتهم) عن مخالفتهم، والمعنی انصر المجاهدین فی سبیلک علی الطغاة المعتدین کی یتفرغوا للعمل من أجل حیاة أفضل… و إن قال قائل: لا شیء أفضل من الجهاد. قلنا فی جوابه: لیس الجهاد غایة فی نفسه، بل وسیلة لیعیش الناس فی إخاء وهناء لا فی حرب و شقاء، لیتعاونوا یداً واحدة علی ما فیه لله رضا، ولعباده خیر و صلاح.

ألّلهمّ اغز بکلّ ناحیةٍ من المسلمین علی من بإزائهم من المشرکین، و أمددهم بملائکةٍ من عندک مردفین… حتّی یکشفوهم إلی منقطع التّراب قتلاً فی أرضک و أسراً، أو یقروّ بأنّک أنت الله الّذی لا إله إلاّ أنت وحدک لا شریک لک.

ألّلهمّ واعمم بذلک أعداءک فی أقطار البلاد من الهند والرّوم والتّرک والخزر والحبش والنّوبة والزّنج والسّقالبة والدّیالمة و سائر أمم الشّرک الّذین تخفی أسماؤهم، و صفاتهم، وقد أحصیتهم بمعرفتک، و أشرفت علیهم بقدرتک.

(أللهم اغز بکل ناحیة من المسلمین علی من بإزائهم من المشرکین) الإزاء بکسر الهمزة: المقابل والمجاور، و من المعلوم أن المشرکین کانوا فی عهد الإمام السجاد (ع) أبغض الناس للإسلام و أشدهم علی أهله، یتربصون بهم الدوائر، و یبیتون لهم کم شر، والإمام یدعو الله سبحانه أن یسهل لأنصار الحق والعدل سبیل الغزو و الغلبة علی أعدائه و أعداء الإنسانیة جمعاء (حتی یکشفوهم إلی منقطع التراب قتلاً فی أرضک و أسراً) منقطع الشیء: نهایته، والمراد بالتراب هنا الأرض بقرینة قوله فی «أرضک» والمعنی انصر اللهم المحقین علی المبطلین حتی لا یبقی علی وجه الأرض من بدایتها إلی نهایتها- أحد فی أرضک من المعتدین والمفسدین (أو یقروا بأنک أنت…) أو یتوبوا و یکفوا عن الفساد والضلال.