اذا تم البیع، و لم یدفع المشتری الثمن، و لا قبض المبیع، ثم هلک فی ید البائع، فهل یهلک من مال المشتری، أو من مال البائع؟
لقد اتفق الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر و المسالک ان المبیع اذا تلف بعد الایام الثلاثة ذهب من مال البائع، و اختلفوا اذا هلک فی اثنائها، و قبل مضیها، فذهب المشهور الی أنه من مال البائع أیضا، و قیل: بل من مال المشتری.
و قبل أن نذکر الدلیل علی الحق الذی ذهب الیه المشهور نمهد بالاشارة الی قواعد ثلاث:
القاعدة الأولی:«کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه». و اصل هذه القاعدة حدیث نبوی مشهور.
القاعدة الثانیة: و اصلها حدیث نبوی مشهور أیضا، و هی: «الخراج بالضمان» أی أن من له ثمرة الشیء و نتیجته فعلیه ضمانه و خسارته، فاستحقاق الثمرة فی مقابل تحمل الخسارة.
القاعدة الثالثة:«تلف المبیع بعد قبضه من مال من لا خیار له». و اصل هذه القاعدة الاجماع علی ما قیل.
و اذا قارنا بین القاعدة الثالثة، و بین القاعدة الاولی ظهر لأول و هلة وجود التنافی بین القاعدتین اذا اردنا تطبیقهما علی ما نحن فیه، لأن الأولی تستدعی أن
یکون تلف المبیع بعد الثلاثة من مال البائع، لا من مال المشتری، سواء أکان هناک خیار لاحدهما، أو لهما، أو لا خیار من الاساس، و القاعدة الثالثة تستدعی أن یکون التلف بعد الثلاثة من مال المشتری، لا من مال البائع، لأنها تقول: ان تلف المبیع فهو من مال من لا خیار له، سواء أکان بائعا أو مشتریا، و معلوم أن الذی لا خیار له فی مسألتنا هو المشتری، أما البائع فله الخیار، و علیه ینبغی أن یکون التلف من مال المشتری، لا من مال البائع.
و لکن بالنظر و الرویة یرتفع هذا التنافی، و ذلک أن القاعدة الأولی مختصة بغیر المقبوض، و الثالثة مختصة بالمقبوض، فاین المنافاة؟ هذا، الی أن الثالثة لا تشمل جمیع افراد الخیار، بل هی مختصة بخیار المجلس و الشرط و الحیوان، عند الشیخ الانصاری، و یأتی الکلام و التحقیق فی فصل احکام الخیار.
و اذا قارنا بین القاعدة الاولی، و هی کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، و القاعدة الثانیة، و هی الخراج بالضمان – بدا لأول وهلة التنافی بین القاعدتین، لأن الثانیة تقول: من کانت له ثمرة الشیء فعلیه ضمانه، سواء أکان مقبوضا فی یده أو لم یکن مقبوضا، و علی هذا یکون تلف المبیع قبل قبض المشتری من ماله، لا من مال البائع، لان خراجه للمشتری، لا للبائع، و الأولی تقول: ان تلف المبیع قبل قبضه من مال البائع، لا من مال المشتری، حتی ولو کان الخراج له، و هذا هو التنافی بعینه.
و لکن لما کانت الاولی مختصة بالتلف قبل القبض، و الثانیة تعم التلف قبل القبض و بعده، و الخاص مقدم علی العام ترتفع المنافاة، و لا یبقی لها من أثر، و تکون نتیجة الجمع بین القاعدتین، و عطف أحدهما علی الأخری هکذا: الخراج بالضمان الا اذا تلف المبیع الذی خراجه للمشتری، و هو ما زال فی ید
البائع فانه یتلف و الحال هذی، من مال البائع، لا من مال المشتری.
فتحصل مما قدمنا أن المبیع اذا تلف فی الأیام الثلاثة، أو بعدها یکون التلف من مال البائع، للقاعدة السالمة عن کل معاوض، و الدالة بنحو الشمول و العموم علی أن کل مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه سواء أکان هناک خیار، أو لم یکن، و سواء أتلف المبیع فی زمن الخیار، أو قبله أو بعده، و سواء أکان الخیار للبائع أو للمشتری.
و مما یدل علی أن التلف من مال البائع قبل القبض ما روی عن الامام الصادق علیهالسلام أنه سئل عن رجل اشتری من آخر متاعا، و اوجبه له، غیر أنه ترک المتاع عنده، و لم یقبضه، و قال: آتیک غدا ان شاء الله تعالی، فسرق المتاع، من مال من یکون؟ قال الامام: من مال الذی هو فی بیته، حتی یقبض المتاع، و یخرجه من بیته.