الحکومة تطلق علی الجراحات التی لم یکن لها أرش مقدر لأن الأرش یقسم الی مقدر و غیر مقدر. انظر: المهذب: 2 / 198 – بدائع الصنائع: 7 / 314، 323
تمهید:
اختلف الفقهاء فی الأجناس التی تؤخذ منها الدیة بسبب الجنایة علی النفس أو الجنایة علی الأعضاء علی أربعة مذاهب:
المذهب الأول: أن الدیة تؤخذ من ثلاثة أجناس هی (الابل و الذهب و الفضة) و به قال أبوحنیفة و المالکیة.(1)
المذهب الثانی: أن الدیة تؤخذ من الابل لا غیرها لأنها الأصل فی الدیة و به قال طاوس و ابنالمنذر و هو قول للشافعی و روایة عن أحمد.(2)
المذهب الثالث: أن الدیة تؤخذ من خمسة أجناس (الابل و الذهب و الورق و البقر و الغنم) و به قال سیدنا عمر و عطاء و فقهاء المدینة السبعة و الثوری و ابن أبیلیلی و جمهور فقهاء الحنابلة.(3)
المذهب الرابع: أن الدیة تؤخذ من ستة أجناس (الابل و الدنانیر و الدراهم و البقر و الغنم و الحلل) یتخیر الجانی منها ما شاء. و به قال أبویوسف و محمد بن الحسن من الحنفیة و الزیدیة و الامامیة.(4)
و بما أن الامام جعفر الصادق من أهل المدینة فانه أخذ برأی أمیرالمؤمنین سیدنا عمر رضی الله عنه الذی (قوم الدیة علی أهل القری فجعلها علی أهل الذهب ألف دینار و علی أهل الورق اثنی عشر ألف درهم).(5)
و یؤخذ من هذا الأثر أن الدنانیر و الدراهم أصلان فی الدیة لأن عمر رضی الله عنه قوم الدیة الکاملة مائة من الابل بألف دینار أو اثنی عشر ألف درهم بمحضر من الصحابة و کتب به الی الآفاق و لم یخالفه أحد، واستقرت هذه القیمة فلم تتغیر بتغییر الأسواق.(6)
و لهذا جعل الامام جعفر الصادق دیة الکسور فی الأعضاء تؤخذ مما اختص به أهل مکة و المدینة من مال و هی الدنانیر، و استنادا لرأی سیدنا عمر رضی الله عنه المتقدم.
و روی ذلک عن المالکیة فقالوا: ان الدیة تؤخذ من أهل کل بلد مما اختصوا به من مال و ما تعاملوا به و کثر وجوده عندهم و استدلوا أیضا بالأثر المتقدم و هو تقویم سیدنا عمر لأهل الذهب ألف دینار و لأهل الفضة باثنی عشر ألف درهم.
فیرون أن الابل یؤخذ من أهل البوادی و أن الدنانیر تؤخذ من أهل الشام و مصر و المغرب و مکة و المدینة، وأن الدراهم تؤخذ من أهل العراق و فارس و خراسان لأنها تغلب عندهم.(7)
و سیتبین لنا رأی الامام جعفر الصادق من خلال مسائل تقدیر الحکومات فی الأعضاء.
و خالف الظاهریة جمهور الفقهاء فذهبوا الی: عدم وجوب دیة الأطراف ما عدا دیة الأصابع لأنها و ردت بحدیث صحیح، و أن دیة الأعضاء
لم یرو فیها حدیث صحیح.(8)
المسألة السادسة: دیة الترقوة:(9)
مذهب الامام الصادق: ان فی کسر الترقوة أربعون دینارا، فان هشمت(10) فثلاثون دینارا و ان أوضحت(11) فخمسة و عشرون دینارا، و فی منقلتها(12) عشرون، و فی نافذتها عشرة.(13)
و روی ذلک عن: الباقر و الناصر و الشعبی و مجاهد.(14)
و قال بعض العلماء: ان دیة الترقوة بعیرین. و هو قول أحمد و قول للشافعی.
و قال سعید بن جبیر: ان فی الترقوة بعیرین. و قال قتادة: أربعة أبعرة. و قال أبوحنیفة و مالک و المشهور من قول الشافعی و علیه أصحابه: ان فیها حکومة.(15)
المسألة السابعة: دیة الضلع:
مذهب الامام جعفر الصادق: ان فی الضلع المخالط للقلب مائة
دینار، و فی کسر کل ضلع منه خمسة و عشرون دینارا و دیة صدعه اثنا عشر و نصف، و دیة أعصابه تسعة و نصف، و دیة موضحته و ثقبه ربع دیة کسره و فی کل ضلع مما یلی العضدین اذا کسر عشرة و صدعه سبعة، و المنقلتة تسعة، و لموضحته و ثقبه دیناران و نصف.(13)
و روی ذلک عن: الباقر و الناصر.(16)
و قال بعض الفقهاء: ان دیة الضلع بعیر. روی ذلک عن: سیدنا عمر و عبدالملک بن مروان و اسحاق و سعید بن جبیر و روایة عن قتادة و مجاهد، و الیه ذهب أحمد، و هو قول للشافعی.(17)
المسألة الثامنة: دیة الیدین و الرجلین و العضد و الساعد:
مذهب الامام جعفر الصادق: أن فی کسر الیدین أو الرجلین أو العضد مائة دینار، و فی موضحتها أو ثقبها خمسة و عشرون، و فی منقلتها خمسون، فان النصدعت فثمانون، و فی فکها ثلاثون، و فی المرفق کذلک و فی قصبتی الساعد اذا رضت خمسة و عشرون، و فی ثقبه اثنا عشر و نصف، و فی نافذته خمسون.(18)
و روی ذلک عن: الباقر و الناصر.(16)
و نقل غیر واحد الاجماع علی أن الید و الرجل اذا قطعت فیها نصف الدیة.(19)
المسألة التاسعة: دیة الورک و الرسغ و الفخذ و الرکبة و الساق:
مذهب الامام الصادق: أن فی کسر الورک مع انجباره مائة دینار و فی صدعه مائة و ستون، و فی موضحته خمسة و عشرون، و لمنقلته خمسون، و لفکه ثلاثون، و فی الرسغ اذا رض مائة دینار، و فی فکة مائة و ستون.
و فی کسر الفخذ مائة دینار و فی موضحتها خمسون و فی کسر الرکبة مائتان و فی صدعها مائة و ستون و فی موضحتها خمسون و فی کسر الساق مائتان.(18)
و روی ذلک عن: الباقر و الناصر.(16)
و ذهب جمهور الفقهاء الی أنه لا قصاص فی الکسور عموما الا فی السن. لعدم امکان المماثلة فیه و لاحتمال الحیف باستیفاء أکثر من حقه و لأنه لا ینضبط(20)
المسألة العاشرة: تقدیر أرش(21) ما دون الموضحة (السمحاق):(22)
لم یرد فی الشرع تقدیر ما دون الموضحة و هی السمحاق ثم
المتلاحمة(23) ثم الباضعة(24) ثم الدامیة(25) و لکن قدرها العلماء تقریبا عن الموضحة.(26)
و مذهب الامام جعفر الصادق: أن السمحاق فیها أربع من الابل(27) و روی ذلک عن: الباقر و الناصر و الامام یحیی و هو مذهب الزیدیة.(16)
و الحجة لهم:
أن سیدنا علیا رضی الله عنه قضی بذلک و لم ینکر.(16)
و قال أبوحنیفة: لا شیء فیما دون الموضحة مطلقا و هو ظاهر مذهب أحمد و وجه للشافعیة.
و قال مالک و أبویوسف و محمد: ان الجرح فیما دون الموضحة اذا برأ و عاد لهیئته فانما فیه أجر المداوی.(28)
1) بدائع الصنائع: 7 / 253 – المبسوط: 26 / 79 – الشرح الکبیر بحاشیة الدسوقی: 4 / 266، 267 – الشرح الصغیر مع بلغة السالک: 2 / 396 – الخرشی: 8 / 31 – تبصیر الحکام: 2 / 232 – بدایة المجتهد: 2 / 447.
2) الأم: 6 / 114 – المغنی مع الشرح: 9 / 481 – نهایة المحتاج: 7 / 303 – حاشیة الباجوری: 2 / 312.
3) المغنی مع الشرح: 9 / 481.
4) الهدایة: 4 / 178 – البدائع: 7 / 253 – الدراری المضیئة شرح الدرر البهیة للشوکانی: 2 / 250 – الروضة البهیة شرح اللمعة الدمشقیة: 2 / 129 – فقه المعاملات و الجنایات: 191، 192 – و أما الأطراف التی لم یرد فیها نص فانها تقاس علی التی و رد فیها نص. انظر: نیل الأوطار: 7 / 64.
5) موطأ الامام مالک بهامش المنتقی: 7 / 98.
6) المنتقی: 7 / 98.
7) الشرح الکبیر بحاشیة الدسوقی: 4 / 266 – الخرشی: 8 / 31.
8) انظر المحلی: 10 / 404.
9) الترقوة: العظم الذی بین ثغرة النحر و العاتق. انظر المصباح المنیر: 1 / 117.
10) الهاشمة: و هی التی تهشم العظم أی تکسره. البدائع: 7 / 296 – الاختیار: 5 / 53 – المهذب: 2 / 198 – حاشیة الباجوری: 2 / 209.
11) الموضحة: الشجة التی تخترق اللحم الی أن تصل الی العظم و سمیت موضحة لأنها تبین وضح العظم أی بیاضه.
12) المنقلة: و هی الجرح الذی یصل العظم و یؤثر فیه حتی تتطایر منه شظایا صغیرة. و قیل: هی التی تنقل العظم أی: تکسره انظر النهایة: 4 / 216، 172.
13) البحر الزخار: 6 / 285.
14) المصدر السابق – المحلی: 10 / 453.
15) الأشراف: 3 باب الترقوة – السنن الکبری (البیهقی): 8 / 99 – المغنی: 9 / 655 – المحلی: 10 / 452 – مختصر المزنی هامش الأم: 5 / 134 – بدایة المجتهد: 2 / 365 – الافصاح: 332 – الأم: 6 / 96.
16) المصدر السابق.
17) الأشراف: 3 باب ذکر الضلع – السنن الکبری (البیهقی): 8 / 99 – المغنی: 9 / 655 – المحلی: 10 / 452 – مختصر المزنی هامش الأم: 5 / 134.
18) البحر الزخار: 6 / 285، 286.
19) معالم السنن: 4 / 30 – المغنی: 9 / 620 – الافصاح: 333 – بدایة المجتهد: 2 / 362 – الهدایة: 4 / 133 – فتح الوهاب: 2 / 140 – شرح الدردیر: 2 / 350.
20) بدائع الصنائع: 7 / 297 – المغنی: 9 / 410 – المهذب: 2 / 187 – حاشیة اعانة الطالبین: 4 / 121 – فتح الباری: 12 / 224 – الهدایة: 4 / 166 – سبل السلام: 3 / 240 – الاشراف: 2 / 179 – بدایة المجتهد: 2 / 217 – السنن الکبری (البیهقی): 8 / 65 – حلیة العلماء: 7 / 478 – الأم: 6 / 180 – التشریع الجنائی الاسلامی: 2.
21) الأرش: هو اسم للواجب علی ما دون النفس. و قیل: هو دیة الجراحات و الشجاج. انظر تکملة البحر الرائق: 8 / 373 – أنیس الفقهاء: 295 – طلبة الطلبة: 335 المهذب: 2 / 198 – شرح ابنقاسم الغزی علی الباجوری: 2 / 211 – کفایة الأخیار: 2 / 102.
22) السمحاق: هو الجلد الرقیق الذی یفصل بین اللحم و العظم.
23) المتلاحمة: هی التی تنفذ الی اللحم و تشقه و تأخذ فیه کثیرا و لکن لا تبلغ السمحاق.
24) الباضعة: هی التی تنفذ التی الی اللحم و تشقه و لا تأخذ فیه کثیرا.
25) الدامیة: هی التی تحرص الجلد – أی تخدشه – و یظهر الدم و لکن لا یتقاطر. انظر السنن الکبری (البیهقی): 8 / 84 – المغنی: 9 / 657 – الهدایة: 4 / 134 – النهایة: 1 / 83، 217، و 2 / 31.
26) البحر الزخار: 6 / 293 – الأم: 6 / 68 – مصنف عبدالرزاق: 9 / 306.
27) البحر الزخار: 6 / 293.
28) المدونة: 11 / 64 – تبین الحقائق: 6 / 138 – شرح الدردیر: 2 / 348 – المغنی: 9 / 663 – بدایة المجتهد: 2 / 260 – مغنی المحتاج: 4 / 78.