و علی أی حال فقد تغلب المذهب الجعفری علی سائر الأقطار الإسلامیة فکانت له فی بغداد من القوة و النشاط ما استطاع أن یقاوم الدولة التی ما برحت تطارد الشیعة و تناصر خصومهم، ولکنهم ثبتوا فی وجه الطغیان بکل ثبات، و أقاموا شعائرهم الدینیة بدون خفاء و تکتم، و کانت الدولة تعد هذا التظاهر
تهدیداً لها و خطراً علیها.
و فی أیام المأمون کانت الغلبة للمذهب الجعفری فی جمیع الأقطار بل امتدت دعوة التشیع الی رجال الدولة أنفسهم، فکان منهم الوزراء و الأمراء و قواد الجیش و الکتاب، و رؤساء الدواوین، الأمر الذی دعا المأمون الی التظاهر بالتشیع، و المیل الی العلویین، لأنه خشی علی زوال ملکه فدعا الامام علی بن موسی الرضا علیهالسلام الی البیعة، و التنازل عن العرش، ولکن الامام رد هذه الدعوة علماً منه بأنها مفتعلة، ولکنه تفادی إیقاع نفسه فی التهلکة بقبول ولایة العهد قبولا شکلیا لا أکثر و لا أقل.
و قبل ولایة العهد بعد أخذ ورد، و أکثر المأمون عقد المجالس للمناظرة فی الإمامة، و قد نجح بما دبره فی سیاسته و دهائه، إذ استمال قلوب الشیعة و أمن ثورة العلویین المتوقعة، و فاخر علماء الادیان الاخری بالرضی و علوم الرضا علیهالسلام.
و فی أیام المعتصم التجأ الشیعة الی التکتم نوعاً ما، و نراهم یخرجون علی الدولة بعدة کاملة، و قوة لم تستطع الدولة معارضتها، و ذلک عندما استخرجوا جنازة الامام الجواد علیهالسلام فی سنة 220 ه عندما حاول دفنه سراً، و لا یسمح لأحد فی تشییعه، ولکن الشیعة خرجوا بذلک الموکب المهیب الذی یربو عددهم علی اثنی عشر الف و السیوف علی عواتقهم، فشیعوا جنازة الامام رغم معارضة السلطة.