سبق أن الواجب المالی یخرج من الأصل، و الواجب البدنی، و المتبرع به من الثلث بعد وفاء الواجبات المالیة، و علیه فاذا اجتمعت هذه الثلاثة فی وصیة
واحدة بدیء بالواجب المالی من الأصل(1) ثم ینظر الی ثلث الباقی فان وسع الواجب البدنی و المتبرع به، أو ضاق عنها و أجاز الوارث نفذت الوصایا بکاملها، و ان ضاق الثلث عنها، و لم یجز الوارث بدیء بالواجب البدنی الأئل فالأول حسب ما رتبه الموصی فی وصیته، فلو قال: استأجروا عنی سنة صلاة و شهر صیام بدیء بالصلاة، و لو قال: شهر صیام و سنة صلاة بدیء بالصیام.
و ان فضل شیء عن الواجب البدنی ینظر: فان جمع الموصی بینها فی کلام واحد، و قال هکذا: اعطوا جمالا و سلیمان ألفا، و کان الثلث 500 قسم هذا المبلغ بین الاثنین، و ان قدم و أخر، فقال: أعطوا جمالا 500 و سلیمان مثلها اعطی المبلغ للاول، و ألغیت الوصیة الثانیة، لأن الأولی استغرقت الثلث بکامله فلم یبق للثانیة من موضوع. قال صاحب الجواهر: «لأن الوصیة الأولی نافذة، لوقوعها من أهلها فی محلها، و تبقی المتأخرة بلا موضوع تتعلق بها، فتختص بالبطلان، لخبر حمران عن الامام الباقر أبیالامام جعفر الصادق علیهماالسلام فی رجل أوصی عند موته، و قال: اعتقوا فلانا و فلانا، حتی ذکر خمسة، فنظر فی ثلثه فلم یبلغ أثمان قیمة الممالیک الخمسة الذین أمر بعتقهم؟ قال الامام: ینظر الذین سماهم، و بدأ بعتقهم فیقومون، و ینظر الی ثلثه، و یعتق منه أول شیء ذکره، ثم الثانی ثم الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس، فان عجز الثلث کان ذلک – أی العجز و عدم النفاذ – فی الذی سمی أخیرا، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا یملک، فلا یجوز له ذلک».
و مورد الروایة و ان کان العتق الا أن الحکم عام و شامل لجمیع الوصایا
المتزاحمة من أی نوع یکون الموصی به بدلیل التعلیل الذی ذکره الامام، و هو قوله: «لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا یملک».
و علیه اذا أوصی بالثلث لشخص، ثم أوصی بالربع أو بالسدس لآخر صحت الوصیة الأولی و ألغیت الثانیة، اذ لا شیء للموصی الا الثلث الذی استبدت به الأولی، فلم یبق للثانیة شیء.
و تسأل: من الجائز أن تکون الثانیة رجوعا عن بعض الأولی بمقدار الربع أو السدس؟
الجواب: ننفی هذا الجواز و احتمال الرجوع باستصحاب بقاء الوصیة الأولی علی حالها، و متی ثبت موضوع الأولی بالاستصحاب لم یبق للثانیة من موضوع.
أجل، لو أوصی بالثلث لشخص، ثم أوصی به لآخر کانت الثانیة رجوعا عن الأولی، «للتضاد فی متعلق الوصیة الذی قد فرض اتحاده، و اختلاف الموصی له، فلیس الا الرجوع» علی حد تعبیر صاحب الجواهر.
1) اذا کان عنده عین خاصة تعلق بها حق الرهانة أو الخمس و الزکاة أو النذر و ما فی حکمه یقدم هذا الحق علی جمیع الحقوق حتی الکفن و ما الیه، ثم یخرج الکفن و ما یتوقف علیه تجهیز المیت الذی لا بد منه شرعا، ثم تخرج الواجبات المالیة و غیرها علی الترتیب المبین اعلاه.