قد تقع الاجارة باطلة منذ البدایة، و قد تقع صحیحة ثم یطرأ علیها البطلان لأحد الأسباب قبل انتهاء أمدها.. و اشرنا فیما سبق الی أن الاجارة تقع باطلة اذا کانت الاجرة مجهولة، و المنفعة مجهولة أو محرمة، و اجمع کلمة لموارد الاجارة الباطلة قول الامام الصادق علیهالسلام:
«أما وجوه الحرام من وجوه الاجارة فنظیر أن یؤجر الانسان علی حمل ما یحرم علیه أکله، أو شربه، أو یؤاجر نفسه فی صنعة ذلک الشیء، أو حفظه، أو لبسه، أو یؤاجر نفسه فی هدم مسجد ضرارا، و قتل النفس بغیر حل، أو عمل التصاویر – أی التماثیل المحرمة من ذوات الأرواح – و الأصنام و المزامیر و البرابط و الخمر، و الخنازیر و المیتة، أو شیء من وجوه الفساد الذی کان محرما علیه من غیر جهة الاجارة فیه، و کل أمر ینهی عنه من جهة من الجهات فمحرم علی الانسان اجارة نفسه فیه، أو له، أو شیء منه أو له الا لمنفعة من استأجرته، کالذی یستأجر الاجیر یجمل له المیتة ینحیها عن أذاه، أو اذی غیره، و ما أشبه ذلک».
و تبطل الاجارة بعد صحتها، و قبل انتهاء امدها للاسباب التالیة:
1 – اذا هلکت العین المستأجرة و تعذر استیفاء المنفعة المطلوبة منها، کالدار تستأجر للسکن فتنهدم، و الأرض للزراعة فتغرق، لانتفاء الموضوع الا اذا أسرع المؤجر الی اعادة العین المستأجرة الی ما کانت، بحیث لا یفوت شیء من المنفعة علی المستأجر.. و اذا استوفی بعض المنفعة، ثم هلکت العین صحت الاجارة فیما استوفاه، و بطلت فیما بقی، و توزع الاجرة بالنسبة.
و اذا استأجر أرضا للزرع، فهلک الزرع بآفة سماویة فلا تبطل الاجارة، و لا یحق للمستأجر الرجوع علی المؤجر بشیء، لأن الهلاک لحق بمال المستأجر لا بالعین المستأجرة، بل هی علی ما کانت لم یطرأ علیها شیء یوجب البطلان أو خیار الفسخ، فقد جاء فی کتاب مفتاح الکرامة: «لو اتفق هلاک الزرع فی الأرض المستأجرة للزراعة بحریق أو سیل أو جراد أو شدة حر أو برد، أو کثرة مطر أو مسیل سیل، بحیث حصل الغرق للزرع دون الأرض لم یکن للمستأجر الفسخ، و لا حط شیء من الأجرة، لأن الجائحة لحقت مال المستأجر، لا منفعة الأرض» أی أن الأرض بقیت علی أهلیتها للمنفعة.
2 – اذا استأجر سیارة، أو دابة معینة لنقل المتاع من بلد لآخر فهلکت الدابة، أو خربت السیارة انفسخت الاجارة، لانتفاء المحل، أما اذا استأجرها لنقل المتاع فی الذمة، أی علی أیة سیارة أو دابة تکون، ثم حمل الأجیر المتاع علی دابته أو سیارته فهلکت قبل الوفاء فان الاجارة تبقی علی ما هی، و علی الأجیر أن ینقل المتاع علی دابة أو سیارة أخری، و الفرق بین الصورتین أن الهلاک فی الأولی لحق العین المستأجرة بالذات، و فی الثانیة تعلق الهلاک بالفرد الذی أراد الأجیر أن یفی بالاجارة بواسطته. قال صاحب الجواهر. اذا وقعت الاجارة علی عین مشخصة تبطل الاجارة، أما اذا کانت کلیة، و قد دفع المؤجر فردا، فتلف عند
المستأجر فلا تنفسخ الاجارة، بل ینفسخ الوفاء، و یستحق علیه فرد آخر».
3 – سبق أنه اذا استأجره لقلع ضرس، فزال الألم قبل المباشرة بالقلع انفسخت الاجارة لانعدام الموضوع.. و کذا اذا استأجر امرأة لکنس المسجد فحاضت، حیث یحرم علیها الدخول الیه، و المانع الشرعی تماما کالمانع العقلی.
4 – اذا استأجر دابة، أو سیارة، لتوصله الی بلد معین، ثم مرض المستأجر، و لم یقدر علی الرکوب بطلت الاجارة، لتعذر استیفاء المنفعة التی استأجر العین من أجلها، و مجرد قابلیة العین للمنفعة فی نفسها غیر کاف فی صحة الاجارة، کما قال السید الحکیم فی المستمسک.
و بالأولی أن تبطل الاجارة اذا کان العذر عاما، مثل أن یستأجر السیارة للسفر الی بلد فیعم الثلج و تسد الطریق، أو یستأجر دارا فی بلد فتتوالی علیه الغارات، و یرحل أهله من الخوف، و ما الی ذاک مما هو أشبه بتلف العین التی یتعذر استیفاء منفعتها.
5 – اختلف الفقهاء فی ان موت المؤجر أو المستأجر: هل یبطل الاجارة أو لا؟ قال صاحب الجواهر: «المشهور بین الفقهاء المتأخرین أنها لا تبطل بموت أحدهما.. لعموم أوفوا بالعقود و الاستصحاب، و کون الاجارة من العقود اللازمة التی من شأنها عدم البطلان بالموت».
و هذا هو الحق، لأن موت أحد المتعاقدین لا یبطل العقد، و انما ینقل آثاره المترتبة علیه الی الورثة.. أجل، اذا استأجره بالذات، کمااذا اشترط علیه أن یبنی له بیتا معینا بیده فان الاجارة تبطل بموت الاجیر، لانتفاء المحل و انعدامه، و کذا تبطل الاجارة بموت المستأجر اذا کان الأجیر قد شرط أن یعمل له لا لغیره، أما اذا استأجره علی أن یبنی له بیتا کلیا و فی الذمة فلا تبطل الاجارة، و علی الورثة
أو الوصی أن یستأجر علی البناء و اتمامه.
6 – اذا باع المؤجر العین المستأجرة فلا تبطل الاجارة بالبیع، بل تنتقل العین الی المشتری مسلوبة المنفعة الی انتهاء أمد الاجارة.. و اذا کان المشتری عالما بالاجارة حین الشراء فلا خیار، و ان کان جاهلا فهو بالخیار بین فسخ البیع، و بین امضائه بلا منفعة مدة الاجارة.
و کل موضع تبطل فیه الاجارة تجب اجرة المثل عوضا عما استوفاه من المنفعة، لأن البطلان یستدعی رجوع کل شیء الی ما کان، فالمؤجر یرجع الاجرة المسماة الی المستأجر، و هذا بدوره یدفع للمؤجر بدل ما استوفاه من ملکه بحسب ما یقدره العرف، سواء ازاد علی المسمی، أو نقص عنه. قال صاحب الجواهر:
«کل موضع یبطل فیه عقد الاجارة تجب فیه اجرة المثل مع استیفاء المنفعة أو بعضها، سواء زادت عن المسمی أن نقصت عنه بلا خلاف أجده فیه فی شیء من ذلک، بل قد یظهر من ارسال الفقهاء ذلک ارسال المسلمات أنه من القطعیات مضافا الی قاعدة ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده الشاملة للمقام، و الی القاعدة احترام مال المسلم، و قاعدة من أتلف مال غیره، و قاعدة علی الید، و لا ضرر، و لا تأکلوا اموالکم بینکم بالباطل، و نحو ذلک مما یقضی بذلک، ضرورة أنه مع بطلان العقد یبقی کل من العوضین علی ملک صاحبه، فیجب علی کل منهما رده بعینه اذا کان موجودا، و رد بدله من المثل أو القیمة ان کان تالفا، لفساد الالتزام بالمسمی بفساد العقد».
و قال جماعة من الفقهاء: ان هذا یتم مع جهل المتعاقدین ببطلان عقد الاجارة، أما مع علمهما بالبطلان فلا یحق لأحدهما الرجوع علی الآخر لا بأجرة
المثل لما استوفاه من المنفعة، و لا بما دفعه بعنوان الأجرة المسماة، لأنه هو الذی أقدم علی هدر ماله، فکان متبرعا أو کالمتبرع بدفعه المال لمن یعلم بأنه غیر مستحق له.
و نحن علی رأی صاحب الجواهر الذی رد علی هؤلاء «بأن الشرع نهی عن تناول الحرام، و منه أخذ المال بالاجارة الفاسدة، فتکون الید علیه عادیة ظالمة، تماما کأخذ العوض عن المحرمات.. هذا، الی أن التبرع لیس فی قباله شیء.. أما الذی یدفع بعنوان معاملة فاسدة مشتملة علی الایجاب و القبول فلیس دفع ماله من التبرع فی شیء.. ثم قال صاحب الجواهر: «فمن الغریب بعد ذلک کله دعوی صیرورة الفرض، و هو الاقدام علی العقد الفاسد، کالهبة و العاریة و التبرع لأن مفروض الکلام ان یعامل المدفوع بالمعاملة الفاسدة معاملة الصحیحة دون أدنی فرق و علیه فلا وجه للهبة و التبرع».