(واعمم بذلک أعدائک فی أقطار البلاد…) یشیر الإمام (ع) بقوله هذا إلی حدیث جده الرسول الأعظم (ص) الذی رواه العشرات من رجال الشیعة و أکثر من مئة من رجال السنة بمذاهبهم الأربعة(1) و هو: «لو لم یبق من الدنیا إلا یوم واحد لبعث الله عز و جل رجلاً من أهل بیتی یملأها- أی یملأ الدنیا- عدلاً کما ملئت جوراً».
و فی العدید من الروایات: إن الله سبحانه یخرج من ذریة محمد (ص) رجلاً یسهل له کل عسیر، و یذلل له کل صعب، و یقرب به کل بعید، و یقهر به کل جبار عنید، و یسوق به برکات السموات والأرض، ولا یظلم أحد أحداً، ولا یخاف شیء من شیء، ولا یراق محجمة دم، و تستوی الأرزاق بین الناس، و یقتسمون بالسویة، و یکون الجمیع علی أحسن حال، و إذا سافر إنسان إلی مکان بعید لا یصحب معه زاداض ولا مالاً… إلی کل ما لا عین رأت ولا أذن سمعت. أنظر کتاب الشجرة المبارکة للشیخ علی الیزدی والبحار للمجلسی ج 13 و علی والقرآن للمؤلف.
و ربّ قائل: هذا کلام حلو و جمیل، ولکنه مجرد حلم و وهم، و هل یمکن أن تقوم للبشر حیاة علی غیر حرب و نهب و حسد و حقد و تکاثر و تفاخر؟ الجواب: أجل، یمکن بکل توکید، و إن ذلک لواقع لا محالة ولو بعد مئة حین و حین، أولاً لأن دوام الحال من المحال، و بخاصة فی الأحوال الإجتماعیة. ثانیاً: لأنه من صنع الإنسان، و هو قادر علی التحویل والتغییر، فکم من أمة خرجت من الظلمات إلی النور، من الغار إلی أرقی الحضارات، فوحدت الصفوف بعد الشتات والتفتیت، و أصبحت قوة ترجی و تخشی فی العالم کله بعد أن کانت لا شیء یذکر.
و هل من عاقل علی وجه الأرض یستطیع القول والجزم بأن کرامة الإنسان لن تقوم لها- بعد الیوم- قائمة، و إن الثورات الإصلاحیة قد ذهبت إلی غیر رجعة؟… و ما خروج المهدی المنتظر إلا ثورة علی الفساد فی الأرض و علی کل ضارٍ و مفترس یعیش أو یحاول العیش علی دماء المستضعفین. و إذن فأین الخرافة والسخافة؟ و علام الهجمات والحفلات بالدس والافتراء والسخریة والاستهزاء؟
ألّلهمّ اشغل المشرکین بالمشرکین عن تناول أطراف المسلمین، وخذهم بالنّقص عن تنقّصهم، وثبّطهم بالفرقة عن الإحتشاد علیهم.
ألّلهمّ أخل قلوبهم من الأمنة، و أبدانهم من القوّة، و أذهل قلوبهم عن الإحتیال، و أوهن أرکانهم عن منازلة الرّجال، و جبّنهم عن مقارعة الأبطال؛ وابعث علیهم جنداً من ملائکتک ببأسٍ من بأسک کفعلک یوم بدرٍ، تقطع به داربرهم، و تحصد به شوکتهم؛ و تفرّق به عددهم.
(أللهم اشغل المشرکین عن تناول أطراف المسلمین) المراد بالمشرکین هنا الزمرة القذرة الباغیة التی تخل بالأمن، و تعکر صفو الحیاة بالسلب والنهب و إثارة الفتن والحروب… ولا سبیل- فی الحیاة الدنیا- علی من کف أذاه عن عباد الله و عیاله کائناً من کان، لأن الدعاء مختص بمن یحاول الاعتداء علی المسلمین، و لقوله تعالی: «فإن انتهوا فلا عدوان إلا علی الظالمین»- 193 البقرة.
والخلاصة أن اتفاق الأشرار شر و نقمة علی العالمین حتی ولو نطقوا بکلمة التوحید، واختلافهم خیر و رحمة علی الناس أجمعین.
(وخذهم بالنقص عن تنقصهم) تقول: نقص الإنتاج هذه السنة،
أی قلّ عما هو المعتاد والمعهود. و تقول: تنقص ماء البئر، أی یذهب ماؤه شیئاً فشیئاً، والمعنی أن الطغاة ملأوا الدنیا فساداً و عدواناً، فخذهم یا إلهی بالنقص والتنقص من الأموال والأنفس کی یأمن العباد والبلاد من شرهم وجورهم (وثبطهم بالفرقة عن الاحتشاد علیهم) یقال: ثبطه عن لأمر إذا أقعده و صرفه عنه، والمعنی أوقع العداوة والبغضاء بین العتاة المعتدین، واشغلهم بأنفسهم عن الحشد والجمع لحرب الآمنین.
(أللهم اخل قلوبهم من الأمنة) واملأها بالفزع والهلع من قوة المسلمین وهیبتهم… والآیة الیوم معکوسة، فالمسلمون هم الذین یخافون أن یتخطفهم الذئاب و کل ذی ناب، لا لشیء إلا لأنهم عصوا الله فی نصحه و قوله: «ولا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ریحکم- 46 الأنفال» و فی نهج البلاغة: اعطو الله طاعتکم… أو لینقلن الله عنکم سلطان الإسلام، ثم لا ینقله إلیکم أبداً حتی یرجع الأمر إلی غیرکم (و أبدانهم من القوة) والقوة الیوم للعلم والمخترعات لا للسواعد والعضلات.
(و أذهل قلوبهم عن الاحتیال) عن التجسس والتآمر والدعایات الکاذبة (و أوهن أرکانهم عن منازلة الرجال…) کنایة عن القوة بشتی مظاهرها حیث لا منازلة الیوم بین الرجال والأبطال، بل بین القواعد العسکریة والأساطیل البحریة والجویة والأسلحة الجهنمیة کما تقدم (و تقطع به دابرهم): آخرهم حتی لا یبقی منهم أحد (و شوکتهم): قوتهم.
1) وضع علماء الشیعة الإمامیة العدید من المؤلفات فی المهدی المنتظر، و تتبعوا رواة فی هذا الباب، و قال صاحب البحار: إن بعض علماء الشیعة وضع کتاباً سماه کشف المخفی فی مناقب المهدی، روی فیه مئة و سبعة أحادیث فی خروج المهدی من طرق رجال المذاهب الأربعة، ذکرها بألفاظها و أسانیدها. انظر المجلد الـ 13 من کتاب بحارالأنوار للمجلسی، والقسم الثالث من الجزء الرابع من أعیان الشیعة للسید الأمین.