و لم تطل أیام السفاح حتی مضی لسبیله و قد عهد بالأمر لأخیه المنصور(1) و هو ذلک الداهیة الذی اعطته التجارب درساً من التیقظ و جعلته یحذر أشد الحذر حتی من أقرب الناس الیه.
فقدم قام المنصور و الدولة لم ترتکز دعائمها علی أسس قویة فهی مهددة من نواح شتی: فالعلویون یرون العباسیین دعاتهم و أنصار دعوتهم و الأمة متجهة بأنظارها الیهم، و ان الأمر لهم دونهم، و قواد الثورة یرون ان قیام العباسیین بالأمر کحکومة مؤقتة یستطیعون أن یحولوا الأمر عنهم متی شاؤوا، و بقیة السیف من الأمویین یخشی علی الدولة من انتشارهم فی الآفاق.
و کان علماء المدینة یجهرون بالفتوی بأن بیعة العباسیین غیر صحیحة.
و من هذا و ذاک من الأمور التی تقف أمام المنصور فتکدر عیشه. و إن أهم شیء عنده أمر العلویین، و فی طلیعتهم جعفر بن محمد الصادق (ع) فکان یحذر منه أشد الحذر و یحاول زوال تلک العقبات بکل حیلة و لا یقف عند حد.
و المنصور عندما یلی الخلافة یرجع بتفکیره الی الوراء و یتذکر سالف أیامه و ماضیه المحزن، یوم کان جوالا، تتقاذفه أمواج الخوف، و تسوقه الحاجة و طلب العیش الی روایة الحدیث، و هو لا ینسی ضرب السیاط و ظلمة السجن فی عهد الدولة الأمویة، و لا ینسی استعطاف الناس بمدح آل محمد، و هو أحد رواة حدیث الغدیر(2) کل ذلک لا تنمحی صورته عن مخیلته فهو أمامه و معه.
1) هو عبدالله بن محمد بن علی بن عبدالله بن العباس و هو اکبر من اخیه السفاح و أمه أم ولد أسمها سلامة و کان اکبر من أخیه أبیالعباس بویع له بالخلافة سنة 136 ه و کانت خلافته 22 سنة و توفی سنة 158 ه.
2) تاریخ بغداد ج 12 ص 344.
