صدر هذا الجزء و هو الأول من کتابنا (الإمام الصادق و المذاهب الأربعة) فکان الاقبال علیه یبعث علی التشجیع و مواصلة البحث، و المضی فی خوض هذا الموضوع الشائک الذی یتطلب دراسة عمیقة، و تحمل مصاعب، بعزیمة لا تستکین لصعوبة، و لا یحد من قوتها ملل.
و إن موضوع البحث عن المذاهب قد احیط بغموض و ملابسات، و کان من وراء ذلک حصول مشاکل فی المجتمع الإسلامی، تحتاج الی حل و عمل جدی، و تفکیر صحیح، لیزول ما خلفته تلک العصور من ترسبات، و ما أودعت فی المجتمع من أفکار، نتیجة للتعصب، مما أدی الی وقوع حوادث مؤلمة، جرت علی الأمة بلاء الفرقة، إذ اتسعت فیها شقة الخلاف، و وجد أعداء الاسلام مجادلا واسعاً،لبث روح التباغض بین طوائف المسلمین، و أصبحت المفاهیم معکوسة، و عندها توارت الحقیقة وراء سحب الخصومات، من جراء النعرات الطائفیة.
و قد تکفل هذا الجزء لبیان الکثیر من ذلک، بآراء حرة، و بیان مستفیض عما نجم من وراء ما أحدثته الخلافات من خطر علی الجامعة الإسلامیة.
و مهما تکن أهمیة هذا الموضوع فقد تناولته – قدر الاستطاعة و الامکان – بدراسة واقعیة، مستفیضة الجوانب، تزیل اللبس، و ترفع الغموض، فطالما رافق اللبس و الغموض أکثر الدراسات التی صدرت فی هذا الموضوع؛ لأنها لم تکن خالیة من نزعة التعصب، الذی جرّ علی هذه الأمة ویلات الدمار، و عوامل الانهیار.
و انی أجد فیما لقیه الکتاب من اقبال و اهتمام لدی الکتاب و القراء جانباً یکشف أنی قد وفقت الی ما صبوت الیه.
و کان من عنایة الله و توفیقه أن یصدر من هذا الکتاب – فی فترات متتالیة – ستة أجزاء، تتکفل بالبحث عن المذاهب الإسلامیة، و نشأتها و عوامل انتشارها، و التعرف علی شخصیات رؤسائها، عن طریق الواقع مع
اعطاء صورة عن الخلافات المذهبیة، و الآراء الفقهیة و الحوادث التاریخیة، و غیر ذلک مما له صلة بالموضوع.
و قد نفد الجزء الأول و الثانی حتی آخر نسخة منهما، قبل اکمال السلسلة فأصبح من اللازم اعادة الطبع مع کثرة الطلب، و شدة الإلحاح، من مختلف الجهات.
و هذا هو الجزء الأول أقدمه للقراء الکرام بطبعته الثانیة مع زیادة و تنقیح، راجیاً منهم التنبیه علی ما یقفون علیه من خطأ، فانی لا أضمن لنفسی السلامة، مما لا یخلو منه مؤلف، والله الموفق و منه أطلب حسن القبول و علیه الإتکال و هو حسبی و نعم الوکیل.
النجف الأشرف
أسد حیدر