فی ساعة من ساعات الفراغ آویت لمکتبتی، أروح النفس من عناء الدراسة الشاقة بمطالعة کتب السیر و التاریخ، و کل کتاب تناولته لم أجد فیه بغیتی و رغبت عن مطالعته من دون أن أعرف السبب الحقیقی لذلک، حتی وقعت علی مقدمة ابنخلدون بدون مقدمة، و کأنه کان هو المطلوب دون غیره.
فطالعته و ما کنت مستوفیاً أبحاثه من قبل، فراقنی أسلوبه و جذبنی تعبیره، و لم أستوف الغرض من مطالعته حتی فوجئت بهذه الکلمة القاسیة و القول المؤلم: «وشذ أهل البیت فی مذاهب ابتدعوها و فقه انفردوا به».
فأخذتنی الدهشة استغراباً، انها لجرأة علی مقام أهل البیت، و أصبحت عند ذلک «کالمستجیر من الرمضاء بالنار».
و هناک نسیت ترویح نفسی و تجردت عن العوامل التی دعتنی الی ملاقاة هذا الرجل و الاجتماع به، و شعرت أن الرجل کان منقاداً للعاطفة العمیاء فی هذه الجرأة، و جعلت أعلل نفسی فی البحث عن المذاهب الاسلامیة و تکوینها، و بیان مذهب أهل البیت و مکانته فی التشریع الاسلامی، و بقیت الفکرة تخامرنی و أنی لی بتحقیقها، و أنا تحت سلطة شواغل لا تعرف الرحمة، و لا تحلم بالعدل، ولکن اذا اراد الله شیئاً هیأ أسبابه، فتسلمت رسالة من صدیق فاضل من أهل الموصل هو الاستاذ هاشم زینالعابدین الصّراف الموصلی کنت قد اجتمعت به خارج النجف الأشرف، و اتصلت به اتصالا وثیقاً، و دارت بیننا أبحاث یطول ذکرها، و کان یطلب فی رسالته أن أذکر له شیئاًعن حیاة الإمام الصادق، لأنه لا یعرف عنه، إلا انه ابن محمد الباقر أستاذ أبیحنیفة. و هذا ما حفزنی علی نشر الحقیقة بالبحث عن حیاة الإمام الصادق علیهالسلام و بیان مذهب أهل البیت، وفقههم الذی انتشر فی عصره، و لا یتسنی لی الدخول فی هذا المضمار دون ان أتعرض لذکر المذاهب الإسلامیة و نشأتها و التعرف علی أئمتها بدراسة حیاتهم دراسة تاریخیة اظهاراًللحقائق، و خدمة للحق، فوضعت هذا الکتاب و قد منحته وقتاً من اوقاتی، بالرغم من تلک العراقیل الشائکة التی
کدستها الظروف فی طریق الوصول إلی الغایة، و واجهت المصاعب وجهاً لوجه، فجاء هذا المؤلف فی عدة أجزاء متتالیة و موسوعة کبیرة، و قد أعطیت فیها صورة واضحة عن تلک العصور التی لها أثرها فی ایجاد عوامل التفرقة بین المسلمین، و التی فسحت المجال لحصومهم فی التدخل بین صفوفهم بدافع التشفی و الانتقام لبث روح العداء و التباغض.
و لم أجهد نفسی فی ابزار الکتاب مؤنق العبارة رشیق اللفظ، و لئن فاتنی التفوق فی الإنشاء وسعة الخیال و مهارة الفن فی ابرازه فلن یفوتنی إخلاص النیة، و صدق القول و التثبت فی النقل و الاتزان فی الرد، فهو بهذا الشکل أتقدم به خدمة لأهل البیت علیهمالسلام بما استطعته، و ما توفیقی إلا بالله علیه توکلت و الیه أنیب.
النجف الأشرف
1375 هـ
1956 م
أسد حیدر