قدمنا أن المقبرة من الاوقاف العامة، کالمسجد، و ان الامامیة لا یجیزون بیع
الاوقاف العامة بحال، حتی ولو خربت و اندرست. و رأیت من المفید أن أخص المقبرة بهذه الفقرة، لأمرین:
الأول: لمکان الحاجة الی بیان الحکم، فان کثیرا من مقابر المسلمین قد هجرت، و استعیض عنها.
الثانی: أن للمقبرة حالا تغایر بقیة الأوقاف – فی الغالب – و تتبین هذه الحال المغایرة مما یلی:
لو علمنا أن انسانا وقف أرضه مقبرة، و استعملت للدفن جری علیها حکم الوقف العام، و کانت من الاوقاف التی لا یجوز بیعها، حتی و لو اندرست رسومها، و انمحت آثارها، و بلیت عظام موتاها.
واذا علمنا ان هذه القطعة کانت مواتا، و لم یملکها مالک من قبل، ثم اتخذها أهل القریة مقبرة، کما هی الحال – فی الغالب – فلن تکون وقفا من الاساس، لا عاما و لا خاصا، و انما تبقی علی ما کانت مشاعا یحوزها من سبق، فاذا دفن میت فی جزء منها لم یجز لغیره نبشه، أو استعماله بما یستدعی الهتک.. ولکن لای انسان أن یحیی أی جزء شاء من هذه القطعة بالذات، یحییه بالعمارة، أو الزراعة، اذا کان خالیا من القبور، أو کان فیه قبر قدیم، و قد صارت عظام صاحبه ترابا، أو کالتراب.. یجوز له ذلک تماما کما جاز له أن یحیی أرضا أعرض عنها، أو هجرها من کان قد أحیاها، حتی عادت الی ما کانت علیه قبل الاحیاء.
و اذا جهلنا الحال، و لم نعلم بأن هذه القطعة التی استعملت مقبرة: هل کانت مملوکة، ثم وقفها المالک، حتی تکون الآن وقفا، و تأخذ حکمه، أو أنها کانت فی الأصل مواتا، ثم جعلها أهل القریة مقبرة لموتاهم، اذا کان الأمر کذلک فلا تأخذ حکم الوقف، لأن الاصل عدم الوقف، حتی یثبت العکس بالبینة الشرعیة.
و تقول: ان الوقف یثبت بالشیاع، فلماذا لا نثبت به وقف المقبرة؟
و جوابنا أنه اذا حصل الشیاع بأن هذه المقبرة هی وقف، کأن یتناقل جیل عن جیل أن فلانا وقفها مقبرة، اذا کان هکذا فانا نثبت الوقف قطعا.. أما مجرد الشیاع بأن هذه مقبرة فلا یجدی شیئا، اذا المفروض أنا نعلم بالوجدان أنها مقبرة، و أنه لم ینازع فی ذلک منازع، ولکن مجرد العلم بأنها مقبرة لا یثبت الوقفیة، اذ قد تکون مقبرة، و لا تکون وقفا، بل تکون مشاعا، و معلوم ان الخاص لا یثبت بوجود العالم.