یجب أولا، و قبل کل شیء رد المغصوب بالذات، فان تعذر لهلاک أو ضیاع فیجب رد المثل، فان لم یکن له مثل اطلاقا، أو کان ولکنه انقطع، و لم یوجد عند الوفاء فیجب رد القیمة، فالعین أولا مع الامکان، و الا فالمثل مع
الامکان أیضا، و الا فالقیمة. و هذا الترتیب واجب بالاتفاق. أما وجوب رد العین الی صاحبها مع الامکان فلأنه صاحبها، فالقضیة قیاسها معها، و أما وجوب رد المثل مع عدم امکان العین فلأن المثل مساو للعین فی الجنس و الصفات و المالیة فیکون أعدل و أبعد عن الضرر، و الی هذا یومیء، قوله تعالی: «فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم).(1) و قوله سبحانه: (و جزاء سیئة سیئة مثلها)(2) و قوله عزوجل: (و ان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به).(3).
و أما وجوب القیمة مع امکان المثل فلأنه السبیل الوحید لتفریغ الذمة و الخلاص من المسؤولیة.. بقی أن نعرف ما هو المثی و القیمی؟
المثلی ما تساوت اجزاؤه فی الجنس و الصفات و الآثار و الثمن، بحیث اذا اختلطت الاجزاء لا یمکن التمییز بینها، کالحبوب و النقود من صنف واحد.. و القیمی ما عدا ذلک: کالأرض و الشجر و الدار و الحیوان و نحوه مما لا نظیر له من کل الوجوه. قال صاحب الجواهر: «المراد بالمثلی فی کلام الفقهاء هو الذی له مثل، بمعنی أنه مساو له فی جمیع ماله مدخلیة فی مالیته من صفاته الذاتیة لا العرضیة.. و ما عداه قیمی».
و تجدر الاشارة الی أنه مع وجود المثل یجب علی الغاصب ارجاعه بالغا ما بلغ الثمن، و لو زاد اضعافا عما کان علیه یوم الغصب، کما أن علی المالک أن یقبل المثل و لا یحق له المطالبة بالقیمة، و لو نزل ثمنه اضعافا.
و اذا تعذر المثل بعد أن کان موجودا حین الغصب و حین تلف المغصوب،
ولکنه انقطع، و لم یقدر علیه الغاصب حین طالب به المالک، اذا کان کذلک سقط المثل عن الغاصب و وجبت القیمة لقبح التکلیف بمالا یطاق، و لأنه جمع بین الحقین. و هل تعتبر القیمة التی یقدر بها المثل یوم الغصب، أو یوم تلف المغصوب، أو یوم الاقباض و الاداء، أو أعلی القیم؟
اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر علی أنه یدفع قیمة المثل السوقیة حین الاقباض و الاداء، لأن الثابت فی الذمة هو المثل فتعتبر القیمة ساعة الوفاء و عملیة تفریغ الذمة، تماما کما لو استدان مثلیا، ثم فقد المثل فانه یدفع قیمته عند الاداء.
و اذا سقط المثل عن المالیة من الاساس بعد أن کان من الأموال حین الغصب فلیس للغاصب أن یلزم المالک بأخذ المثل، بل للمالک أن یلزمه بدفع القیمة، تماما کما لو تعذر وجوده، ولکن یدفع القیمة یوم سقوطه عن المالیة، لا یوم الاقباض و الوفاء، لأن الذمة تشتغل بالقیمة یوم السقوط، کما هو الشأن فی التلف.
هذا، اذا کان المغصوب مثلیا، أما اذا کان قیمیا کالحیوان و نحوه فعلی الغاصب أن یدفع قیمة المغصوب یوم تلفه لا قبله و لا بعده، و ان طال الامد، لأن یوم التلف هو الوقت الذی تشتغل فیه الذمة بالقیمة. قال صاحب الجواهر: «الأقوی وجوب القیمة حین التلف وفاقا للفاضل و الشهید و السبوری و الکرکی و الاردبیلی، بل هو المحکی عن القاضی، بل فی الدروس و الروضة نسبته الی الأکثر، و ذلک لأنه وقت الانتقال الی القیمة، و الا فقبله مکلف برد العین من غیر ضمان للنقص السوقی اجماعا».
و قال جماعة من الفقهاء: یدفع الغاصب أعلی القیم من حین الغصب الی حین الدفع عقابا علی عدوانه.
و یلاحظ بأن هذا مجرد استحسان، لأن الله هو الذی یشدد العقاب علی المجرمین غدا، لا الانسان.
هذا بالاضافة الی أن الفقهاء اجمعوا کلمة واحدة أن القیمة السوقیة لا تضمن مع وجود العین مهما زادت، و الاجماع علی ذلک اجماع علی عدم ضمان أغلی القیم من حین الغصب، حیث تکون عین المغصوب قائمة.. و اذا وجد المغصوب بعد ما فقد، و أخذ المالک عوضه من الغاصب یرجع المغصوب للمالک، و عوضه للغاصب.
1) البقرة: 194.
2) الشوری: 39.
3) النحل: 126.