بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الّذی ذکر التوبة من عنده، و طلبها و توفیقها من لطفه؛ و الصلاة و السلام على حبیبه المبعوث على الورى بأمره، و على أهل بیت نبیّه الهادین لخلقه.
و بعد؛ فیقول العبد المذنب الملتجی إلى الحضرة الأحدیّة لتوفیق التوبة الحقیقیّة محمّد باقر بن السیّد محمّد من السادات الموسویّة: هذه اللمعة الحادیة و الثلاثون من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة – علیه و على آبائه و أبنائه صلواتٌ و سلامٌ غیر متناهیةٍ -.
وَ کَانَ مِنْ دُعَائِهِ – عَلَیْهِ السَّلاَمُ – فِی ذِکْرِ التَّوْبَةِ وَ طَلَبِهَا.
«الذکر»: هو حضور معنى الشیء فی النفس. ثمّ تارةً یکون باللسان، و تارةً بالقلب؛ و قد تقدّم الکلام علیه مستوفىً.
و «طلَب» الشیء طلَباً – بالتحریک -: حاول وجوده و أخذه. قیل: «المراد ب- «طلب التوبة»: التوفیق لها، أو طلب قبولها؛ ففی الکلام إضمارٌ»؛
و قال الفاضل الشارح: «و یحتمل عود الضمیر إلى نفس التوبة من غیر إضمارٍ على طریقة الإستخدام – الّذی هو من محسّنات البدیع -؛ إذ التوبة بالمعنى اللغویّ – و هو الرجوع – تنسب تارةً إلى العبد – و معناها الرجوع عن المعصیة إلى الطاعة -، و تارةً تنسب
إلى الله -سبحانه، و معناها الرجوع عن العقوبة إلى اللطف و التفضّل -؛ فتکون التوبة المضاف إلیها الذکر بالمعنى المنسوب إلى العبد أو بالمعنى الإصطلاحی – و هو الندم على الذنب – لقبحه(1) و أعاد الضمیر علیها مراداً بها المعنى المنسوب إلى الله -عزّ و جلّ -. و هذا معنى الإستخدام، لأنّهم قالوا: «هو أن یؤتى بلفظٍ له معنیان فأکثر مراداً به أحد معانیه ثمّ یؤتى بضمیرٍ مراداً به المعنى الآخر»(2)، کقوله:
إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرضِ قَومٍ++
رَعَینَاهُ وَ إِنْ کَانُوا غَضَاباً(3)
المراد(4) ب- «السماء»: الغیث، و بالضمیر العائد من «رعیناه»: النبت»(5)؛ انتهى.
و الحقّ انّ الضمیر یرجع إلى نفس التوبة من غیر إضمارٍ – على النهج الّذی ذکرنا فی اللمعة التاسعة؛ فتذکّر! -.
و قد تقدّم تحقیق الکلام فی حقیقة التوبة و أقسامها و خواصّها و لوازمها بما لامزید علیه فی اللمعة المذکورة؛ فلیرجع إلیها.
و المفهوم من الأحادیث المعصومیّة انّ للتوبة درجاتٍ و مراتب و فوائد مختلفة – کالخلاص من الخلود فی النیران، و کعدم دخولها رأساً، و کالوصول إلى أدنى مراتب الجنان إلى أن یترقّى فیها إلى أعالیها -؛ و على الفرد الکامل یحمل ما روی عن أمیرالمؤمنین – علیه السلام – فی نهج البلاغة(6) من: «أن قائلاً قال بحضرته – علیه السلام -: أستغفر الله!
فقال – علیه السلام -: ثکلتک أمّک! أ تدری ما الاستغفار؟! انّ الاستغفار درجة العلّیّین، و هو اسمٌ واقعٌ على ستّة معانٍ:
أوّلها: الندم على ما مضى؛
و الثانی: العزم على ترک العود إلیه أبداً؛
و الثالث: أن تؤدّی إلى المخلوقین حقوقهم حتّى تلقى الله -سبحانه – أملس لیس لأحدٍ(7) علیک تبعةٌ؛
و الرابع: أن تعمد إلى کلّ فریضةٍ علیک ضیّعتها فتؤدّی حقّها؛
و الخامس: أن تعمد إلى اللحم الّذی نبت على السحت فتذیبه بالأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم و ینشأ بینهما لحمٌ جدیدٌ؛
و السادس: أن تذیق الجسم ألم الطاعة کما أذقته حلاوة المعصیة».
اللَّهُمَّ یَا مَنْ لاَیَصِفُهُ نَعْتُ الْوَاصِفِینَ، وَ یَا مَنْ لاَیُجَاوِزُهُ رَجَاءُ الرَّاجِینَ، وَ یَا مَنْ لاَیَضِیعُ لَدَیْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنِینَ، وَ یَا مَنْ هُوَ مُنْتَهَى خَوْفِ الْعَابِدِینَ، وَ یَا مَنْ هُوَ غَایَةُ خَشْیَةِ الْمُتَّقِینَ.
<«الوصف» و «النعت» مترادفان، و فرّق بعضهم بینهما بأنّ الوصف ما کان بالحال المنتقلة - کالقیام و القعود - و النعت بما کان فی خَلقٍ أو خُلقٍ - کالبیاض و الکرم(8) ->(9)
و «النعت» فاعلٌ لیصفه؛ و المعنى: لایفی بوصفه نعت الواصفین، لأنّه أکبر من أن یوصف؛ إذ کما أنّه لایجوز لغیره -سبحانه – الإحاطة بمعرفة کنه ذاته -تعالى – فکذلک لایجوز له الإحاطة بمعرفة کنه صفاته -تعالى -، و إنّما له إدراک صفاته -تعالى – لأجل ما أعطاه الله -تعالى – من الصفات. فالصفات الخاصّة هی الّتی لیست لغیره -سبحانه، کوجوب الوجود و الغنى الذاتیّ – فلایمکن للغیر إدراکه؛ قال مولانا الباقر – علیه السلام -: «هل سمّی عالماً و
قادراً إلّا لأنّه وهب العلم للعلماء و القدرة للقادرین؟، و کلّ ما میّزتموه بأوهامکم فی أدقّ معانیه فهو مخلوقٌ مصنوعٌ مثلکم مردودٌ إلیکم!، و الباری -تعالى – واهب الحیاة و مقدّر الموت. و لعلّ النمل الصغار تتوهّم انّ لله زبانیتین!، فانّهما کمالها و تتوهّم انّ عدمهما نقصانٌ لمن لایکونان له!؛ هکذا حال العقلاء فیما یصفون الله -تعالى -»(10)
و قد تقدّم الکلام فی هذه المسأله فی أوائل اللمعة الأولى؛ فلیرجع إلیه.
«و یا من لایجاوزه رجاء الراجین»، <یقال: جاوزت الشیء و تجاوزته: تعدّیته.
و «الرجاء» لغةً: الأمل(11)؛ و عرفاً: تعلّق القلب بحصول محبوبٍ فی المستقبل>(12) و قد ذکروا فی معنى هذه الفقرة وجوهاً:
منها: انّ الخلائق إذا آیسوا فی آمالهم و مطالبهم من الناس رفعوها إلیه، فلایتعدّونه و لایتجاوزونه؛
و منها: انّ الناس مختلفة الرجاء و الآمال، فبعضهم یرجوا الجنّة و یطلبها و بعضهم یطلب الخلاص من النار، و أمّا المقرّبون فلایرجون و لایطلبون إلّا رضاه – کما اشار إلیه أمیرالمؤمنین علیه السلام فی الحدیث المشهور(13) -؛
و منها: انّ الرجاء بالأخرة منتهٍ إلیه، فکلّ من یرجو إذا أعطى فالمعطی الحقیقیّ هو -سبحانه -، و سائر الناس آلاتٌ و أدواتٌ لإیصال نعمه -تعالى – إلى الخلائق؛ هذا ما ذکروه.
و الحقّ <انّه -تعالى - غایة کلّ رجاءٍ لامرجوّ فوقه فیتعدّی إلیه رجاء الراجین؛
بخلاف من سواه من المرجوّین، إذ لامرجوّ سواه إلّا و فوقه مرجوٌّ یتجاوزه إلیه الرجاء حتّى ینتهی إلیه -سبحانه – فیقف عنده، إذ لاغایة وراءه – کما قال تعالى: (وَ فَوقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ)(14) ->(12)
و تحقیق ذلک ما مرّ من أنّه -سبحانه – غایة کلّ شیءٍ – کما أنّه فاعل کلّ شیءٍ -، لأنّه خیرٌ محضٌ یطلبه کلّ شیءٍ طبعاً و إرادةً. و هذا مرکوزٌ فی جبلّة العالم – جزئیّاته و کلّیّاته، محسوساته و معقولاته -، إذ ما من شیءٍ إلّا و له عشقٌ و شوقٌ غریزیٌّ إلى مافوقه و إلى ما هو أشرف منه. و هو فی بعض الأشیاء مشاهدٌ معلومٌ بالضرورة و فی بعضها یعلم بالاستقراء، و فی الکلّ یعلم بالحدس الصائب و بضربٍ من البرهان؛ و هو: انّ الوجود لذیذٌ و کمال الوجود ألذّ و آثر، فکلّ موجودٍ سافلٍ إذا تصوّر الموجود العالی فلامحالة یشتاقه و یطلبه طبعاً و اختیاراً – إذ کلّ شیءٍ إذا أشعر بنقصه و تحقّق له أن شیئاً من الأشیاء یفید الخیر و الکمال و یوجب الاقتراب إلیه زیادةً فی الفضیلة و الشرف فانّه لامحالة یعشقه و یطلبه بطبعه أوّلاً و بالذات، و لکلّ ما یتوسّط بینه و بین ذلک الوجود ممّا هو أعلى منه و أقرب إلى ذلک من الخیرات ثانیاً و بالعرض، لأنّ الوصول إلیه لایمکن له إلّا بالوصول إلیها و مروره علیها – إلى أن یصل إلى المطلوب الّذی لاأکمل منه – و هو الله سبحانه -؛ فعند ذلک یطمئنّ قلبه و یسکن شوقه.
قوله – علیه السلام -: «و یا من لایضیع لدیه أجر المحسنین»، إشارةٌ إلى قوله -تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ لاَیُضِیعُ أَجْرَ الُْمحْسِنِینَ)(15) و هذا لأنّ إضاعة الأجر إنّما یکون للعجز، أو للجهل، أو للبخل، و کلّ ذلک ممتنعٌ على الله -تعالى -؛
و لأنّ المحسن فی الحقیقة هو الله لیس إلّا، فلایضیع أجر نفسه؛ فتأمّل تفهم!.
قوله – علیه السلام -: «و یا من هو منتهى خوف العابدین -… إلى آخره -»، قیل: «انّ
الخشیة أخصٌّ من الخوف فی عرف أهل الحقّ، لأنّه خوفٌ ناشٍ من التأمّل فی عظمته و هیبته -تعالى – و قصور العبد عن القیام بحقّ طاعته و شکره و تمجیده، و لذا خصّ بالعلماء فی قوله -تعالى -: (إنِمَّا یَخْشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(16)».
و قال الإمام الراغب: «الخشیة خوفٌ یشوبه تعظیمٌ. و أکثر ما یکون(17) عن علمٌ بما یخشى منه، و لذا خصّ العلماء بها»(18) ثمّ ذکر الآیات المذکورة فیها لفظ الخشیة و معنى المراد منها؛ و قد تقدّم الکلام على الفرق بینهما مفصّلاً؛ فتذکّر!.
و «التقوى» قد مرّ مراراً. و قد ذکروا فیها أیضاً وجوهاً:
الأوّل: إنّهم یخافونه أشدّ من کلّ شیءٍ؛
و الثانی: إنّهم إذا خافوا من شیءٍ فهو فی الحقیقة خوفٌ منه؛
و الثالث: إنّهم إذا خافوا من غیره و أتوا إلى بابه ارتفع عنهم الخوف(19)؛
و الرابع: إنّ خوف العابدین و خشیة المتّقین منه لا من غیره، لأنّ المعبود بالحقّ هو لاغیره، و المجازی و المکافی لیس إلّا هو -سبحانه -(20)
هذا ماذکروه؛ و لایخفى رکاکتها!. و التحقیق ماذکرناه من أنّه -تعالى – غایة کلّ شیءٍ؛ فالمعنى: انّ خوفهم و خشیتهم ینتهیان إلیه؛ فتبصّر!.
هَذَا مَقَامُ مَنْ تَدَاوَلَتْهُ أَیْدِی الذُّنُوبِ، وَ قَادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطَایَا، وَ اسْتَحْوَذَ عَلَیْهِ الشَّیْطَانُ، فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْرِیطاً، وَ تَعَاطَى مَا نَهَیْتَ عَنْهُ تَغْرِیراً. کَالْجَاهِلِ بِقُدْرَتِکَ عَلَیْهِ، أَوْ کَالْمُنْکِرِ فَضْلَ إِحْسَانِکَ إِلَیْهِ.
«تداولته الأیدی» أی: تناوبته و أخذته هذه مرّةً و تلک أخرى. <و لایخفى ما فیه من
الإستعارة المکنیّة و التخییلیّة و الترشیحیّة>(21)، فانّه <شبّه الذنوب بالقوم - بجامع التصرّف - و أثبت لها الأیدی تخییلاً و رشّح ذلک بالتداول>(22)؛ أی: هذا المقام – الّذی قمت فیه – مقام من تناولته و تناوبته أیدی المعانی، یعنی: شأنی و مقامی شأن من کان مبتلىً بالذنوب.
<و «قاد» البعیر قوداً - من باب قال - و قِیاداً - بالکسر -: جرّه خلفه.
و «الأزمّة»: جمع زمام، و هو ما یوضع فی أنف الدابّة من حبلٍ و غیره للإطاعة و الإنقیاد. و إضافتها إلى «الخطایا» کإضافة «الأیدی» إلى «الذنوب»، فالکلام استعارةٌ مکنیّةٌ. کأنّ کلّ خطیئةٍ وضع فی أنفه زماماً و هی(23) تقوده بزمامها>(24)
و «استحوذ» بمعنی: غلب و استولى. و فی روایةٍ: «فیما»، بدل: «عمّا».
و «تفریطاً» بمعنى: تقصیراً؛ و هو حالٌ أو تمییزٌ أو مفعولٌ مطلقٌ من غیر لفظ الفعل. و أصل التفریط: ترک الفعل الّذی ینبغی أن یفعل، کما انّ الإفراط: إرتکاب الفعل الّذی ینبغی أن یترک.
و «تعاطى» أی: أخذ و فعل؛ قال فی محکم اللغة: «التعاطی: تناول ما لایحقّ، و تعاطى أمراً قبیحاً: رکبه»(25)
و «التغریر»: ایقاع الشیء فی الغرر – أی: الغرامة و النقصان -. و انتصابه إمّا على المصدریّة – أی: معاطاةً تغریراً -، أو على المفعول لأجله – أی: لأجل التغریر بنفسه -؛ و المعنى: تناول منهیّاتک من جهة المخاطرة و الغفلة عن عاقبة الأمر. و فی بعض النسخ: «و تعامى عمّا نهیت»(26)
و قوله – علیه السلام -: «کالجاهل» <فی محلّ النصب على الحالیّة؛ أی: مماثلاً للجاهل
بقدرتک علیه>(27) و هو إمّا تمثیلٌ، أو تنظیرٌ، لأنّه إن قلنا انّ ذلک الشخص المقصّر و المتعاطی جاهلٌ کان مثالاً، و إن قلنا انّه عالمٌ کان نظیراً، لأنّه لمّا لم یعمل بعلمه و لم یترتّب علیه ثمرة العلم فهو و الجاهل سواءٌ! – و فی کلام أمیرالمؤمنین علیه السلام فی خطبةٍ له فی نهج البلاعة(28): «و إنّ العالم العامل بغیر علمه کالجاهل الّذی لایستفیق من جهله، بل الحجّة علیه أعظم و الحسرة له ألزم و هو عند الله ألوم!» -.
و قوله – علیه السلام -: «أو کالمنکر فضل إحسانک إلیه» مثل الأوّل فی المثالیّة و التنظیر و المنصوبیّة على الحالیّة – أی: مماثلاً للمنکر زیادة إحسانک إلیه -.
حَتَّى إِذَا انْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَى، وَ تَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الْعَمَى، أَحْصَى مَا ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ، وَ فَکَّرَ فِیما خَالَفَ بِهِ رَبَّهُ. فَرَأَى کَبِیرَ عِصْیَانِهِ کَبِیراً وَ جَلِیلَ مُخَالَفَتِهِ جَلِیلاً.
«حتّى» غایةٌ لقوله: «فقصّر».
و الإضافة فی قوله: «بصر الهدى» إمّا لامیّةٌ، أو بیانیّةٌ.
و «تقشّعت» أی: تفرّقت و انکشفت؛ یقال: تقشّع السحاب: إذا أقلع و انکسف.
و «السحائب» بالهمزة، و بالیاء نسخةٌ أیضاً. و جمعه لمبالغةٍ فی عماه.
و المراد ب- «العمى» هنا: عمى البصیرة المشار إلیه بقوله: (فَإِنَّهَا لاَتَعْمَى الاَبصَارُ وَ لَکِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ)(29) و هو استعارةٌ حسنةٌ، إذ «العمى» حقیقةً عبارةٌ عن عدم ملکة البصر، و وجه المشابهة انّ الأعمى کما لایهتدی لمقاصده المحسوسة بالبصر – لعدمه – کذلک أعمى البصیرة لایهتدی لمقاصده المعقولة لاختلال بصیرته و عدم عقله
لوجوه رشده. فإضافة «السحائب» إلى «العمى» من قبیل إضافة المشبّه به.
و «أحصى» الشیء: عدّه و ضبطه؛ و هو جزاء الشرط.
و «ما ظلم به نفسه» عبارةٌ عن المعاصی الّتی أقدم علیها، فانّه عرض نفسه للعقاب باقترافها.
و «التفکّر» قد تقدّم الکلام علیه مفصّلاً. سئل عن بعض الحکماء عن «الفکرة» و «العبرة»، فقال: «الفکرة أن تجعل الغائب حاضراً، و العبرة أن تجعل الحاضر غائباً».
و فی التعرّض لعنوان «الربوبیّة» مزید تعظیمٍ لما ارتکبه من المعاصی.
و «الفاء» من قوله «فرأى» للسببیّة. و المراد ب- «الرؤیة» هنا: العلم؛ أی: فعلم کبیر عصیانه کبیراً، فیتعدّی إلى مفعولین، بخلاف الرؤیة بمعنى: البصر، لأنّ أفعال الحواسّ إنّما تتعدّی إلى مفعولٍ واحدٍ. و فی روایة ابن ادریس: «کثیر عصیانه کثیراً» – بالثاء المثلّثة فی الموضعین(30) -. و الفرق بین «الکبیر» و «الکثیر»: انّ الکبیر – بالموحّدة – بحسب الشأن و الخطر – کالجلیل و العظیم -، و الکثیر – بالمثلّثة – بحسب الکمّیّة و العدد؛ أیضاً: الکبیر نقیض الصغیر، و الکثیر نقیض القلیل(31) و المعنى: انّه رأى العصیان الکبیر فی الواقع الّذی کان مستوراً بالسحائب کبیراً فی نظره عند رفع تلک الموانع؛ و یجوز أن یکون الإضافة بیانیّةً.
لمعةٌ عرشیّةٌ
اعلم! أنّ دار الآخرة لیست من جنس هذه الدار الفانیة، بل هذه دار الشهادة و هی عالم الغیب، و هیهنا دار موت الأرواح و غمورها و الآخرة دار حیاتها و ظهورها و بروزها؛ (إِنَّ الدَّارَ الاخِرَةَ لَهِیَ الْحَیَوَانُ لَو کَانُوا یَعلَمُونَ)(32) و الإنسان إذا انقطع عن دارالدنیا و
تجرّد عن لباس مشاعر هذا الأدنى و کشف عن بصره الغطاء و قویت بصیرته و تکحّلت عین قلبه بنور الهدایة و التوفیق من ربّه کانت رؤیته الباطنیّة قویّةً؛ و کذا الغیب بالقیاس إلیه حینئذٍ شهادةٌ، (فَکَشَفْنَا عَنکَ غِطَائَکَ فَبَصَرُکَ الْیَومَ حَدِیدٌ)(33)
و للتنبیه على أنّ هذه الحیاة الدنیا الدنیّة الفانیة مانعةٌ عن الوصول إلى تلک الحیاة العلیّة الباقیة و انّ الإنسان ما لم یمت عن هذه الحیاة بالموت الطبیعیّة أو الإرادیّة لم یحیى بحیاة الآخرة الأبدیّة قال الله -سبحانه -: (أَ وَ مَنْ کَانَ مَیْتاً فَأَحْیَینَاهُ وَ جَعَلنَا لَهُ نُوراً یَمشِی بِهِ فِی النَّاسِ کَمَنْ مَثَلُهُ فِی الظُّلُمَاتِ لَیسَ بِخَارِجٍ مِنهَا)(34)؛ فعند غلبة سلطان الآخرة على باطن الإنسان بنور التوفیق و الهدایة ینقلب العلم فی حقّه عیناً و الغیب شهادةً و السرّ معاینةً و الخبر علانیّةً، و یرى الأشیاء کما هی – کما وقع فی دعاء رسول الله صلّى الله علیه و آله و سلّم فی قوله: «ربّ أرنی الأشیاء کما هی»(35) -.
فکلّ أحدٍ یکون بعد کشف غطائه و رفع حجابه و حدّة بصره مبصراً لنتائج أعماله و علومه مشاهداً لآثار أفعاله قارئاً لصفحة کتابه مطالعاً لوجه ذاته مطّلعاً على حساب حسناته و سیّئاته – کما فی قوله تعالى: (وَ کُلُّ إِنْسَانٍ أَلْزَمنَاهُ طَائِرَهُ فِی عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ یَومَ الْقِیَامَةِ کِتَاباً یَلقَاهُ مَنشُوراً – إِقْرَأْ کِتَابَکَ کَفَى بِنَفْسِکَ الْیَومَ عَلَیْکَ حَسِیباً)(36) فاذاً یطّلع على الظلم الّذی فعله فی حقّ نفسه فیرى کبیر عصیانه کبیراً و جلیل مخالفته جلیلاً -… إلى آخر ما ذکره علیه السلام -.
هکذا یجب أن یحمل هذه الفصول من الأدعیة، لا على ما حمله الشارحون؛ فتبصّر!.
فَأَقْبَلَ نَحْوَکَ مُوَمِّلاً لَکَ مُسْتَحْیِیاً مِنْکَ، وَ وَجَّهَ رَغْبَتَهُ إِلَیْکَ ثِقَةً بِکَ، فَأَمَّکَ
بِطَمَعِهِ یَقِیناً، وَ قَصَدَکَ بِخَوْفِهِ إِخْلاَصاً، قَدْ خَلاَ طَمَعُهُ مِنْ کُلِّ مَطْمُوعٍ فِیهِ غَیْرِکَ، وَ أَفْرَخَ رَوْعُهُ مِنْ کُلِّ مَحْذُورٍ مِنْهُ سِوَاکَ.
«فأقبل» أی: توجّه ذلک المقصّر المتعاطی نهیک.
«نحوک» أی: جانبک. و «النحو» فی الأصل مصدرٌ بمعنى: القصد؛ یقال: نحوت نحوک أی: قصدت قصدک، و لکن استعملته العرب بمعنى الجهة و الجانب، و هو المراد هنا.
<و «أملته» أملاً من باب طلب، و هو: ضدّ الیأس؛ و أمّلته تأمیلاً مبالغةٌ و تکثیرٌ، و هو أکثر استعمالاً من المخفّف>(37)؛ أی: حالکونه راجیاً قاصداً لک طالباً للحیاء من حضرتک.
و «مستحییاً» من استحییت – بالیائین – هو الأصل و لغة الحجاز – و بها ورد التنزیل، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَیَسْتَحْیِی أَنْ یَضرِبَ مَثَلاً)(38) -، و استحیت بالیاء الواحدة، أسقطوا الیاء و ألقوا حرکتها على الحاء، و هی لغة تمیمٍ. قال الواحدیّ: «قال أهل اللغة: أصل الاستحیاء من الحیاء، و استحیاء الرجل من قوّة الحیاء(39) لشدّة علمه بمواقع عیبه(40)»(41) فالحیاء من قوّة الحسّ و لطفه و قوّة الحیاة؛ و قد تقدّم الکلام علیه.
و «وجّهت» الشیء إلى کذا: جعلته إلى جهته.
و «الرغبة»: مصدر رغبت فی الشیء: إذا أردته؛ و «الهاء» لتأنیث المصدر.
و «ثقةً» أی: اعتماداً، من وثِق به یثِق – بالکسر فیهما – ثقةً: اعتمد على وفائه. و نصبه على المصدریّة أو الحالیّة أو المفعولیّة لأجله – أی: توجّه ثقةً أو واثقاً أو للثقة -؛ أی: توجّه بقلبه و إرادته إلى جنابک ثقةً بک، لأنّه تیقّن بأنّ الرجاء من الغیر منقطعٌ.
<و «أمّه» أمّاً - من باب قتل -: قصده.
و «الطمع»: تعلیق النفس بما یظنّ من النفع، و أکثر ما یستعمل فیما یقرب حصوله.
و «الباء» من قوله: «بطمعه» للملابسة، أی: متلبّساً به.
و «الیقین» لغةً: العلم الّذی لا شکّ فیه(42)؛ و عرفاً: اعتقادٌ مطابقٌ ثابتٌ لایمکن زواله. و هو فی الحقیقة مؤلّفٌ من علمین: العلم بالمعلوم، و العلم بأنّ خلاف ذلک العلم محالٌ. و عند أهل الحقیقة: رؤیة العیان بقوّة الایمان لا بالحجّة و البرهان.
و قیل: «مشاهدة الغیوب بصفاء القلوب و ملاحظة الأسرار بمحافظة الأفکار»>(43)؛ أی: قصدک من حیث الیقین فی إجابتک متلبّساً بطمعه فی رحمتک و تفضّلک، لأنّ إنقطاع الرجاء من غیر الله -تعالى – صار سبباً للتوجّه إلیه.
«و قصدک بخوفه إخلاصاً». هذه الفقرة مثل الأولى من حیث الترکیب، أی: قصدک متلبّساً بخوفه من عقوبتک من حیث الإخلاص لایشرک فی هذا القصد غیرک، لأنّ الإخلاص صار سبباً للخوف، کما انّ الیقین صار سبباً للطمع. لأنّ من تیقّن أنّ الله -تعالى – قادرٌ على کلّ شیءٍ و لامهرب لأحدٍ من ملکه و هو الله الّذی هو منبعٌ لجمیع الخیرات رجع و توجّه إلیه مخلصاً، طامعاً ثوابه خائفاً عقابه؛ قال الله -تعالى -: (یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوفاً وَ طَمَعاً)(44)
قوله: «و قد خلا» حالٌ من «أمّک بطمعه».
<و «قد» هنا للتحقیق، أی: تحقّق خلوّ طمعه.
و «خلا» بمعنى: برىء، من قولهم: خلا من العیب خلوّاً أی: برىء منه، فهو خلیٌّ.
و «غیرک» بالجرّ فی الروایة المشهورة: صفةٌ ل- «مطموع»، و بالنصب فی روایةٍ أخرى على الإستثناء، لأنّ «غیراً» إذا وقعت استثناءً أعربت إعراب الإسم التالی ل- «إلّا». و المعنى على الأوّل: قد خلا طمعه من کلّ مطموعٍ فیه مغایرٍ لک؛ و على الثانی: من کلّ مطموعٍ فیه إلّا
أنت(45)
و قس على ذلک قوله – علیه السلام -: «کلّ محذورٍ سواک»، إلّا انّ الإعراب فی «سواک» مقدّرٌ>(43)
قوله: «و أفرخ» حالٌ عن «قصدک بخوفه»؛ و هو فعلٌ لازمٌ بمعنى: ذهب و انکشف.
و «الرَّوع» – بالفتح -: الفزع، یقال: أرخ الروح: إذا ذهب الفزع، و: لیفرخ روعک أی: لیخرج فزعک کما یخرج الفرخ عن البیضة.
فَمَثَلَ بَیْنَ یَدَیْکَ مُتَضَرِّعاً، وَ غَمَّضَ بَصَرَهُ إِلَى الاَْرْضِ مُتَخَشِّعاً، وَ طَأْطَأَ رَأْسَهُ لِعِزَّتِکَ مُتَذَلِّلاً.
<«مثل» بالتخفیف أی: قام، و بالتشدید - بالحمرة - أی: مثّل نفسه و صیّرها شخصاً ممثّلاً>(21)؛ و نسخة مُثِلَ – مجهولاً – مجهولةٌ!.
<و «بین الیدین» عبارةٌ عن الأمام، لأنّ ما بین یدی الإنسان أمامه.
و «متضرّعاً» حالٌ من فاعل «مثل».
و «التضرّع»: التذلّل.
و «غمّض بصره» تغمیضاً، و أغمضه إغماضاً: أطبق أجفانه؛ و عدّاه ب- «إلى» لتضمینه معنى الإمالة؛ أی: غمّض بصره ممیلاً له إلى الأرض – أی: ضمّ بصره حالکونه ممیلاً له إلى الأرض ->(46)
و «الخشوع»: الخضوع. و قیل: «الخشوع قریبٌ من الخضوع، إلّا انّ الخضوع فی البدن و الخشوع فی الصوت و البصر(47)، کقوله -تعالى -: (خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ)(48)، و قوله: (وَ
خَشَعَتِ الاَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ)(49)»(50)
و «طأطأ رأسه»: صوّبه و خفضه.
و «العزّ»: خلاف الذلّ.
<و «التذلّل»: الاستکانة و الخضوع. و لما کانت الهیئات المذکورة فی الفقرات الثلاث من لوازم الطامع الخائف، جعلها - علیه السلام - مترتّبةً على ما قبلها من قصر طمعه و خوفه علیه -تعالى ->(51)
وَ أَبَثَّکَ مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خُضُوعاً، وَ عَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَا أَنْتَ أَحْصَى لَهَا خُشُوعاً، وَ اسْتَغَاثَ بِکَ مِنْ عَظِیمِ مَا وَقَعَ بِهِ فِی عِلْمِکَ وَ قَبِیحِ مَا فَضَحَهُ فِی حُکْمِکَ، مِنْ ذُنُوبٍ أَدْبَرَتْ لَذَّاتُهَا فَذَهَبَتْ، وَ أَقَامَتْ تَبِعَاتُهَا فَلَزِمَتْ.
و «أبثّک» أی: أظهر و نشر لک من سرّه؛ یقال: بثّ السرّ بثّاً: أذاعه و نشره، و بثثته سرّی و أبثثته – بالألف -: أظهرته له و اطّلعته علیه.
<و «السرّ»: ما یکتم، و هو خلاف الإعلان.
و «من» فی قوله: «من سرّه» و «من ذنوبه» مبیّنةٌ ل- «ما» فی الموضعین، قدّمت على المبهم المبیّن جوازاً – نحو: عندی من المال ما یکفینی -.
و «خضوعاً» و «خشوعاً» منصوبان على المصدریّة لبیان نوع العامل؛ أو على المفعولیّة لأجله تصریحاً بفائدة ابثات سرّه عند من هو أعلم به منه و تعدید ذنوبه لدى منه هو أحصى له منه.
و «أحصى»: أفعل تفضیلٍ بمعنى: أضبط، من: أحصاه إحصاءً بمعنى: ضبطه. و فیه شاهدٌ
على بناء أفعل التفضیل من أفعل الرباعیّ – کما هو مذهب سیبویه و أکثر المحقّقین(52) -.
و مفضول(53) «أحصى» محذوفٌ مع «مِن» – أی: أحصى له منه – لدلالة قوله: «ما أنت أعلم به منه» علیه. و نظیره من التنزیل قوله -تعالى -: (أَنَا أَکْثَرُ مِنکَ مَالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً)(54)
و «استغاث به»: طلب إغاثته، أی: إعانته و نصره.
و «وقع به»: أهلکه و أوهنه؛ من قولهم: وقعت بالقوم وقیعةً: إذا قتلتهم و أثخنتهم – أی: أوهنتهم بالجراحة و أضعفتهم -. و هی لغة الحجاز، و تمیمٌ تقول: أوقعت بهم – بالألف(55) – >(56)
و «فی علمک» متعلّقٌ بالوقوع.
و «الباء» للسببیّة، أی: الذنوب الّتی أوقعتها فی علمک و صار محیطاً بها. و یجوز أن یکون ظرفاً ل- «عظیم»، أی: العظیم من الذنوب فی علمک الأزلیّ؛ أو: جزاء تلک الذنوب الّتی قرّرتها فی علمک، و حینئذٍ ف- «العلم» هنا بمعنى المعلوم. و إضافة «عظیم» إلى «ما» من باب إضافة الصفة إلى الموصوف بجعلها نوعاً مضافاً إلى الجنس. و قس على ذلک قوله – علیه السلام -: «و قبیح ما فضحه فی حکمک».
<و «الحکم» إمّا بمعنى المحکوم - فانّ الدنیا و الآخرة اللتین هما ظرفان للفضیحة محکومتان له تعالى و هو الحاکم فیهما و علیهما -، و إمّا بمعناه المصدریّ. و «فی» حینئذٍ للسببیّة، أی: الفضیحة بسبب حکمک علیه بالإساءة و الذنب. و یجوز تعلّق الظرف ب- «قبیح»، و یزید على ذینک المعنیین کون الحکم هنا بمعنى الأمر و النهی. و فی نسخةٍ «حلمک»، و هو أبلغ من الأصل، فانّ الحلیم لایفضح من أساء إلیه إلّا إذا عظمت الإساءة و قبح الحلم عنها، فانّ التحلّم(57) فی بعض المواضع سفهٌ!>(21)
قوله – علیه السلام -: «من ذنوبٍ أدبرت -… إلى آخره -».
«من» مبیّنةٌ ل- «ما وقع به» و «ما فضحه».
و «أدبر» الشیء إدباراً: ولى.
و «اللذّات»: جمع لَذّة – بالفتح -: اسمٌ من ألذّ الشیء یلذّ – من باب تعب – لذاذاً و لَذاذةً – بالفتح – أی: صار شهیّاً. و عرّفوا اللذّة ب-: «أنّها إدراک الملائم من حیث انّه ملائمٌ»(58) و قید الحیثیّة للاحتراز عن الالتذاذ بالدواء المرّ النافع من حیث انّه نافعٌ لا من حیث انّه مرٌّ؛ أی: إذا صارت لذّات الذنوب مدبرةً فذهبت تلک اللذّات – لأنّ الذهاب لازمٌ للإدبار -.
و «أقام» بالمکان: سکن به و لم ینتقل عنه.
و «التبعات»: جمع تبعة، و هی الوزر و الوبال و العقوبة.
و «اللزوم»: الثبوت، أی: ثبتت تلک التبعات و ذهبت تلک اللذّات.
لاَیُنْکِرُ – یَا إِلَهِی! – عَدْلَکَ إِنْ عَاقَبْتَهُ، وَ لاَیَسْتَعْظِمُ عَفْوَکَ إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَ رَحِمْتَهُ، لاَنَّکَ الرَّبُّ الْکَرِیمُ الَّذِی لاَیَتَعَاظَمُهُ غُفْرَانُ الذَّنْبِ الْعَظِیمِ.
«یُنکِرُ» بالمعلوم من باب الإفعال، من: أنکرته إنکاراً: جهلته، و الإنکار: الجحود أیضاً، و أنکر علیه فعله إنکاراً أیضاً: عابه؛ و هذان المعنیان یحتمل إرادتهما أیضاً هنا. و فی روایةٍ بالمجهول. و على کلتا الروایتین حالٌ من الأفعال المذکورة من قوله – علیه السلام -: «مثل -… إلى آخره -».
و رفع «عدلک» على أنّه مفعول ما لم یسمّ فاعله؛ أو نصب على أنّه مفعولٌ، و مثله روی فی «یستعظم عفوک».
<و جملة جواب الشرط محذوفةٌ و جوباً لدلالة المتقدّم علیه؛ و التقدیر: إن عاقبْتَه فلاینکر عدلک. و لیس المتقدّم بجوابٍ عند جمهور البصرییّن، لأنّ أداة الشرط لها صدر
الکلام، فلایتقدّم علیها الجواب؛ و ذهب الکوفیّون و المبرّد إلى أنّه لاحذف، و المتقدّم هو الجواب>(59)
و قس على ذلک قوله – علیه السلام -: «إن عفوت عنه و رحمته».
و «لایستعظم» بالمعلوم و المجهول.
و «استعظم» الشیء: رآه عظیماً.
و «عفوک» بالنصب و الرفع. <و نفی استعظام عفوه -تعالى - إنّما هو بالنظر إلى عظیم عفوه و سعة رحمته، لا من جهة انّه فی نفسه غیر عظیمٍ؛ و لذلک علّله بقوله - علیه السلام -: «لأنّک الربّ الکریم -... إلى آخره -». و التعرّض لعنوان «الربوبیّة» المنبأة عن تبلیغ الشیء إلى کماله للإیذان بعلّیّته للعفو عنه والرحمة له، کما یؤذن بذلک التعرّض لعنوان «الکرم»>(60) و قد مرّ سابقاً انّ الربّ مأخوذٌ من التربیة، فهو المربّی لجمیع الموجودات و المنعم علیهم فی الأرزاق الجسمانیّة و الروحانیّة، لأنّ کلّ وجودٍ و کلّ کمال وجودٍ فائضٌ عنه – کما قال: (رَبَّنَا وَسِعْتَ کُلَّ شَیْءٍ رَحمَةً وَ عِلْماً)(61) -؛ «فلایتعاظمه غفران الذنب العظیم»، أی: مغفرة الذنوب العظیمة لیس عنده بعظیمٍ!. و فی بعض النسخ: «لایتعاظمک غفران الذنوب العظیمة».
اللَّهُمَّ فَهَا أَنَا ذَا قَدْ جِئْتُکَ مُطِیعاً لاَمْرِکَ فِیما أَمَرْتَ بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ، مُتَنَجِّزاً وَعْدَکَ فِیما وَعَدْتَ بِهِ مِنَ الاِْجَابَةِ إِذْ تَقُولُ: ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ.
«ها» للتنبیه، و مدخولها ضمیر الرفع المخبر عنه باسم الإشارة أصالةً.
و «أنا» مبتدءٌ و «ذا» خبره. و جملة «قد جئتک» بیانٌ، کأنّه لمّا قال: «ها أنا ذا» قیل له: کیف أنت؟ فقال: «قد جئتک». و لک أن تجعلها مبیّنةً من غیر تقدیر سؤالٍ.
و قیل: «الجملة فی محلّ نصبٍ على الحال، و العامل فیها معنى التنبیه، أو الإشارة»؛
و قیل: «مستأنفةٌ مبیّنةٌ للجملة الأولى».
«متنجّزاً» أی: طالباً لسرعة قضائه، لأنّ الإنجاز: الإیفاء بالوعد و إیصال الشیء معجّلاً من غیر تعلیقه على أمرٍ. <و نصب «متنجّزاً» على الحال کما انتصب علیها «مطیعاً»، إلّا انّ «مطیعاً» حالٌ من فاعل «جئتک» و «متنجّزاً» حالٌ من الضمیر فی «مطیعاً»؛ و هو العامل فیها. و هذه هی الحال المسمّاة بالمتداخلة. و معنى التداخل أن یکون الحال الثانیة حالاً من ضمیرٍ فی الحال الأولى؛ هذا عند من منع تعدّد الحال مع اتّحاد عاملها و صاحبها قیاساً على الظرف - و هو الفارسیّ و ابن عصفور و جماعةٌ -. و أجازه الأخفش و ابن جنّیٍّ، و وافقهما جمهور المتأخّرین، فلاتداخل. غیر أنّ «متنجّزاً» على کلّ تقدیرٍ حالٌ مقدّرةٌ، و هی المستقبلة بمعنى انّ زمان عاملها قبل زمانها. و «مطیعاً» حالٌ مقارنةٌ لعاملها، لأنّ «الإطاعة» مقارنةٌ لل- «مجیء»>(62)
قوله – علیه السلام -: «إذ تقول: (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ)(63)
«إذ»: اسم زمانٍ للماضی، و هو هنا ظرفٌ للأمر و الوعد من قوله: «أمرت به» و «وعدت به»، فهما العاملان فیها على التنازع؛ و الفعل المستقبل بعدها ماضٍ فی المعنى، أی: إذا قلت جاء بصیغة الاستقبال لحکایة الحال الماضیة لاستحضار صورتها حتّى کأنّ الأمر و الوعد وقعا الآن بحضرته. و مثله فی التنزیل کثیرٌ، کقوله -تعالى -: (وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِی أنْعَمَ اللَّهُ عَلَیهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَیهِ)(64)، (إِذْ یُغَشِّیکُمُ النُّعَاسَ)(65)، (إِذْ یَعِدُکُمُ اللَّهُ)(66)، (وَ إِذْ یَرْفَعُ إِبْرَاهِیمُ الْقَوَاعِدَ)(67) فالفعل فی کلّ ذلک مستقبلٌ لفظاً لا معنىً.
و جملة «تقول» فی محلّ جرٍّ بإضافة «إذا» لها. و الجملة المحکیّة بالقول – أعنی: (أَسْتَجِبْ
لَکُمْ) – فی محلّ نصبٍ ب- «تقول». و الآیة فی سورة المؤمن.
و اتّفق انّ المحکیّ بالقول منها هنا وقع محکیّاً بالقول فی الایة أیضاً، و هی قوله -تعالى -: (وَ قَالَ رَبُّکُمُ ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِی سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ)(63) و قد وقع فیها الأمر بالدعاء و الوعد بالإجابة معاً>(68)
و «الاستجابة» بمعنى: الإجابة؛ و قال تاج القرّاء: «الإجابة عامّةٌ و الاستجابة خاصّةٌ باعطاء المسؤول»؛ هکذا ذکره الفاضل الشارح(69) ثمّ نقل عن السیّد السند الداماد: «انّه ینبغی فی نظائر هذه المقامات – مراعاةً لجادّة سنن الآداب – إمّا الوقف على «تقول» ثمّ البدء بقوله – عزّ من قائل -: (أُدْعُونِی)، و إمّا الوصل مع إظهار الهمزة المضمومة على سبیل الحکایة من غیر إسقاطها فی الدرج و إن لم تکن هی همزة قطعٍ، لینفصل کلام الخالق عن کلام المخلوق و لایتّصل تنزیله الکریم بعبارة البشر و ألفاظ الآدمیّین»(70)
ثمّ ردّه بقوله: «أمّا ما ذکره من الوقف على «تقول» ثمّ الإبتداء بما بعده فانّما کان یلزم لو أدّى الوصل إلى إیهام انّ کلام الخالق من جملة کلام المخلوقین(71)، أو إشتباه أحدهما بالآخر؛ کما لزم الوقف على (قَولُهُمْ) من قوله -تعالى -: (فَلاَیَحْزُنْکَ قَولُهُمْ إِنَّا نَعلَمُ مَا یُسِرُّونَ وَ مَا یُعْلِنُونَ)(72)، إذ لو وصل الکلام و لم یوقف على (قَولُهُمْ) لأوهم انّ مابعده مقول الکفّار. أمّا إذا کان کلامه -تعالى – محکیّاً بعد القول فلاداعی إلى الوقف أصلا – لعدم تصوّر فسادٍ فی الوصل -.
على أنّ لزوم الوقف لیس مخصوصاً بهذه الصورة، بل هو حیث کان الوصل مغیّراً للمرام و مشنّعاً للکلام. ألا ترى أنّ الوقف لازمٌ على «مؤمنین» من قوله -تعالى -: (وَ مَا هُمْ بِمُؤْمِنِینَ – یُخَادِعُونَ اللَّهَ)، إذ لو وصل بقوله: (یُخَادِعُونَ اللَّهَ) توهّم انّ الجملة صفةٌ
لقوله: (بِمُؤْمِنِینَ)، فانتفى الخداع عنهم و تقرّر الإیمان خالصاً عن الخداع، کما تقول: ما هو بمؤمنٍ مخادعٍ؛ حتّى لوتعمّد التالی الوصل و قصد هذا المعنى کفر!.
فتحقّق انّ ما استحسنه – قدّس سرّه – من الوقف على «تقول» لاوجه له، بل هو داخلٌ فی قسم الوقف الّذی نصّ القرّاء على قبحه، لعدم تمام الکلام عنده. قال ابن الجزریّ: «الوقف ینقسم إلى اختیاریٍّ، و اضطراریٍّ؛ لأنّ الکلام إمّا یتمّ أو لا، فان تمّ کان اختیاریّاً، و إن لم یتم کان اضطراریّاً. و هو المسمّى بالقبیح، لایجوز تعمّد الوقف علیه إلّا لضرورةٍ – من انقطاع نفسٍ و نحوه – لعدم الفائدة، أو لفساد المعنى»(73)؛ انتهى ملخّصاً.
فان قلت: «هذا إنّما یجری فی تلاوة القرآن المجید، و لم ینصّ أحدٌ على اطّراده فی کلّ کلامٍ!»؛
قلت: بل هو جارٍ فی کلّ کلامٍ فصیحٍ لاسیّما الحدیث و الخطب و الأدعیة المأثورة عن أرباب العصمة -علیهم السلام -، إذ بمراعاة ذلک تظهر بلاغة الکلام و نظمه و سلاسته و رونقه، و بعدمها خلاف ذلک»(74)؛ انتهى کلام الفاضل الشارح.
أقول: الحقّ مع السیّد السند، لأنّه فرقٌ بین کلام المخلوق الّذی حکاه الله -تعالى – فی تنزیله، و بین کلام الله الّذی حکاه المخلوق فی کلامه. فما ذکره و نقله من القرّاء جارٍ فی الأوّل دون الثانی، لأنّ الأوّل له حیثیّتان:
حیثیّة کونه کلاماً للخالق؛
و حیثیّة کونه کلاماً للمخلوق؛
فمن حیث انّه کلامٌ للخالق لافرق بینهما فی الوجود الخارجیّ، بخلاف حیثیّة کونه کلاماً للمخلوق فانّه بمجرّد الاعتبار الذهنیّ، بخلاف الثانی؛ و کلامه – قدّس سرّه – فی الثانی دون الأوّل. على أنّه – قدّس سرّه – قال: «مراعاةً لسنن الآداب»(75)؛ فتأمّل!.
اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ الْقَنِی بِمَغْفِرَتِکَ کَمَا لَقِیتُکَ بِإِقْرَارِی، وَ ارْفَعْنِی عَنْ مَصَارِعِ الذُّنُوبِ کَمَا وَضَعْتُ لَکَ نَفْسِی، وَ اسْتُرْنِی بِسِتْرِکَ کَمَا تَأَنَّیْتَنِی عَنِ الاِنْتِقَامِ مِنِّی.
«الفاء» فصیحةٌ، أی: إذا کان أمری على ما ذکرت «فصلّ على محمّدٍ و آله».
و «ألقنی»: أمرٌ من باب علم یعلم.
و «الباء» للملابسة، أی: متلبّساً «بمغفرتک کما لقیتک» ملتبساً «بإقراری» بالذنوب؛ و قیل: «باقراری بالواحدانیّة»؛
و هو کما ترى!.
<و «الکاف» إمّا للتعلیل عند من اثبته، أی: للقائی إیّاک بإقراری - کقوله تعالى: (وَ اذْکُرُوهُ کَمَا هَدَاکُمْ)(76) -؛ أو للتشبیه، أی: ألقنی بمغفرتک لقاءً شبیهاً بلقائی لک بإقراری. و وجه الشبه حینئذٍ التخصیص، أو التحقّق، و إلّا لزم کون المشبّه به دون المشبّه، و هو باطلٌ. و یحتمل کونها للمقارنة - و هی الّتی تکون بمعنى مقارنة الفعلین بوجود الفعلین، نحو: أدخل کما یسلّم الإمام، و: کما قام زیدٌ قعد عمروٌ -. و عبّر ابن هشام عن هذا المعنى ب- «المبادرة»؛ قال: «و ذلک إذا اتّصلت ب- «ما» فی نحو: سلّم کما تدخل، و صلّ کما یدخل الوقت»(77) >(78)
و «المصارع»: جمع مصرع، اسم مکانٍ من صرعه صرعاً – من باب نفع -: إذا طرحه بالأرض. و اشتهر فی موضع سقوط القتیل، یقال: هذه مصارع القوم أی: مواضع سقوطهم قتلى. و لکن إضافتها إلی «الذنوب» لیست بهذا المعنى، بل من باب إضافة المکان إلى من أوقع فیه الفعل – نحو: مجالس القوم -، أی: المواضع الّتی تصرع فیه الذنوب أربابها. و جعل
«المصرع» مصدراً میمیّاً تکلّفٌ!.
«کما وضعت» أی: کما حططت لک نفسی؛ قال رسول الله- صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «من تواضع لله رفعه الله»(79)
و «استرنی بسترک» – بکسر السین و فتحها – أی: استر عیوبی و ذنوبی فی الدنیا و الآخرة حتّى لاأکون فضیحاً عند خلقک.
«کما تأنّیتنی». «الکاف» للتشبیه.
<و «تأنّى» فی الأمر تأنّیاً: تمهّل و تمکّث و لم یعجّل، و الإسم منه: الإناة - على وزن حصاة -. و تعدیته ب- «عن» لتضمینه معنى التجاوز؛ أی: تأنّیتنی متجاوزاً عن الإنتقام منّی>(80)
اللَّهُمَّ وَ ثَبِّتْ فِی طَاعَتِکَ نِیَّتِی، وَ أَحْکِمْ فِی عِبَادَتِکَ بَصِیرَتِی، وَ وَفِّقْنِی مِنَ الاَْعْمَالِ لِمَا تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الْخَطَایَا عَنِّی، وَ تَوَفَّنِی عَلَى مِلَّتِکَ وَ مِلَّةِ نَبِیِّکَ مُحَمَّدٍ – عَلَیْهِ السَّلاَمُ – إِذَا تَوَفَّیْتَنِی.
«الثبوت» فی اللغة یجیء على معنیین:
الدوام و الاستقرار، یقال: ثبت الشیء یثبت ثبوتاً: دام و استقرّ، فهو ثابتٌ؛
و الصحّة، یقال: ثبت الامر أی: صحّ. و یعدّى بالهمزة فیقال: أثبته و ثبّته تثبیتاً؛ و الإسم: الثَبات – بالفتح -.
و «النیّة»: العزم و القصد؛ و قد تقدّم الکلام علیه مستوفىً فی اللمعة العشرین. و المراد ب- «تثبیت النیّة» على المعنى الأوّل: إدامتها و استقرارها حتّى تصیر ملکةً للنفس؛ و على المعنى
الثانی: تصحیحها بجعلها خالصةً لله -تعالى -؛ و لذلک ذهب کثیرٌ من علماء الخاصّة و العامّة إلى بطلان العبادة إذا نوى بفعلها تحصیل الثواب أو الخلاص من العقاب(81)
و «أحکم» – بصیغة الأمر من باب الإفعال، من: أحکمت الشیء إحکاماً -: أتقنته و منعته من الفساد.
و «البصیرة» للباطن بمثابة البصر للظاهر – کما مرّ -؛ أی: أتقن فی العبادة لک عقلی و رأیی.
و «وفّقنی» أی: اهدنی و سدّدنی.
و «اللام» فی «لما» صلةٌ؛ و «ما» موصولةٌ؛ و «من الأعمال» بیانیّةٌ قدّمت على مبیّنها – کما تقدّم بیانه -.
و «الأعمال»: جمعٌ محلّىً باللام، فیستغرق کلّ عملٍ.
و «الدَنَس» – محرّکةً -: الوسخ، و هو هنا استعارةٌ لآثار الذنوب بجامع القبح و الکراهیّة. و ذکر «الغسل» – الملائم للدَنَس – ترشیحٌ؛ أی: وفّقنی لعملٍ صالحٍ تغسل به وسخ الذنوب عنّی – لقولک: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ یُذْهِبنَ السَّیِّئَاتِ)(82) -. <هذا إذا کانت الذنوب بین العبد و بین ربّه، فان کانت بینه و بین العباد فیعوّضهم عن ظلاماتهم و یمحو آثار تبعاتهم لدیه>(83)
و «توفّنی على ملّتک و ملّة نبیّک» أی: أمِتنی حالکونی على ملّتک الّتی أنت المرسل بها و على الملّة الّتی أرسلت رسولک بها.
و «الملّة»: الدین؛ و منه: «لایتوارث أهل ملّتین»(84) أی: دینین – کالإسلام و الیهودیّة -.«محمّد» – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: عطف بیانٍ لل- «نبیّ».
و «إذا توفّیتنی»، «إذا» ظرفٌ للمستقبل متضمّنٌ معنى الشرط؛ و الجواب هنا محذوفٌ وجوباً لتقدّم ما هو جوابٌ من حیث المعنى علیه.
اللَّهُمَّ إِنِّی أَتُوبُ إِلَیْکَ فِی مَقَامِی هَذَا مِنْ کَبَائِرِ ذُنُوبِی وَ صَغَائِرِهَا، وَ بَوَاطِنِ سَیِّئَاتِی وَ ظَوَاهِرِهَا، وَ سَوَالِفِ زَلاَّتِی وَ حَوَادِثِهَا، تَوْبَةَ مَنْ لاَیُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِیَةٍ، وَ لاَیُضْمِرُ أَنْ یَعُودَ فِی خَطِیئَةٍ.
أکّد – علیه السلام – الحکم بتوبته ب- «انّ» الّتی لتأکید النسبة و تحقیقها للإیذان بأنّها عن إعتقادٍ جازمٍ ثابتٍ و نیّةٍ صحیحةٍ سلیمةٍ.
<و «المَُقام» بالفتح: موضع القیام؛ و بالضمّ: موضع الإقامة؛ و قد وردت الروایة بالوجهین>(85)
و إضافة «الکبائر» إلى «الذنوب» و کذا إضافة «الصغائر» إلى الضمیر الراجع إلیها من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
و «الکبیرة»: ما توعّد علیه بخصوصه – کالزنا و شرب المسکر -. و قیل: «الکبیرة ما هی لایزول عقابه إلّا بالتوبة»؛
و قیل: «هی سبعٌ»؛
و قیل: «بل أحد عشر»؛
و قیل: «ثمانیة عشر»؛
و قیل: «سبعون»؛
و عن ابن عبّاس: «إلى سبعمأة»؛
و قیل: «إنّ الذنوب کلّها کبائر!، لأنّ الجرأة واحدٌ، و صغر الذنب و کبره بالإضافة إلى مافوقه و إلى ما تحته. و أکبر الکبائر: الشرک، و أصغر الصغائر: حدیث النفس، و بینهما
وسائط یصدق علیه الأمران»؛ و قد تقدّم الکلام على ذلک مبسوطاً(86)
و «بواطن سیّئاتی» أی: سیّئاتی الباطنة – کالحقد و الحسد -. و قال الفاضل الشارح: «فیه تلمیحٌ إلى قوله -تعالى -: (وَ ذَرُوا ظَاهِرَ الاِثْمِ وَ بَاطِنَهُ)(87)»(88)
قیل: «المراد: ما أعلنتم و ما أسررتم»(89)؛
و قیل: «ما عملتم و ما نویتم»؛
و قیل: «ظاهر الإثم: أفعال الجوارح، و باطنه: أفعال القلوب من الکبر و الحقد و الحسد و إرادة الشرّ للمسلمین(90) و یدخل فیه الإعتقاد و الجزم و الظنّ و التمنّی و الندم على أفعال الخیرات. و یؤخذ علیه انّ ما یوجد فی القلب قد یؤاخذ به و إن لم یقترن به عملٌ».
<و فی تفسیر علیّ بن ابراهیم(91) قال: «الظاهر من الإثم: المعاصی، و الباطن: الشرک و الشکّ فی القلب». و هو راجعٌ إلى ماقبله.
و «السیّئات»: جمع سیّئة، و هی: ما نهى عنه الشارع؛ و یقابلها الحسنة، و هی: ما ندب إلیه.
و «سوالف زلّاتی» أی: عثراتی السالفة>(92)
و «حوادثها» أی: متجدّداتها.
<و «حدّث نفسه» بالشیء: أخطره بباله.
و «أضمر» الشیء إضماراً: عزم علیه بضمیره – أی: قلبه و باطنه.
و «بمعصیته» أی: بشیءٍ من المعاصی؛ و کذلک القول فی «خطیئته»، أی: فی شیءٍ من
الخطایا، لأنّ النکرة فی سیاق النفی ظاهرةٌ فی الإستغراق، فهو کقوله -تعالى -: (وَ مَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِینَ)(93)، أی: ما یرید شیئاً من الظلم لأحدٍ من خلقه.
و تعدیة «العود» ب- «فی» مع أنّ المعروف تعدیته ب- «إلى» لتضمینه معنى الدخول؛ أی: لایضمر بأن یعود إلى فسخ التوبة داخلاً فی خطیئةٍ>(94)
وَ قَدْ قُلْتَ – یَا إِلهِی! – فِی مُحْکَمِ کِتَابِکَ إِنَّکَ تَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِکَ، وَ تَعْفُو عَنِ السَّیِّئَاتِ، وَ تُحِبُّ التَّوَّابِینَ، فَاقْبَلْ تَوْبَتِی کَمَا وَعَدْتَ، وَ اعْفُ عَنْ سَیِّئَاتِی کَمَا ضَمِنْتَ، وَ أَوْجِبْ لِی مَحَبَّتَکَ کَمَا شَرَطْتَ.
<«محکم کتابک» إمّا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف - أی: کتابک المحکم، کقوله تعالى: (کِتَابٌ أُحْکِمَتْ آیَاتُهُ)(95) -، و إمّا من إضافة النوع إلى جنسه، فانّ من القرآن ما هو محکمٌ و منه ما هو متشابهٌ، قال -تعالى -: (هُوَ الَّذِی أَنزَلَ عَلَیْکَ الْکِتَابَ مِنهُ آیَاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَ أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)(96)
و قوله: «إنّک تقبل التوبة و تعفو عن السیّئات» إشارةٌ إلى قوله -تعالى -: (وَ هُوَ الَّذِی یَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ یَعْفُوا عَنِ السَّیِّئَاتِ وَ یَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)(97) >(98)
قیل فی تفسیره: «الملوک قد لایقبلون الکرائم و العظائم من حیث الغنى و التکبّر، و قد یقبلون الیسیر الصغیر من حیث الکرم!»؛
و قیل: «الطاعة لاتستغرب من المطیعین و کذلک الزهد من الزاهدین، و إنّما الغریب التوبة من العاصین، و الکریم یقبل الحقیر ممّن لاشیء له غیره. و حکی عن بعض الأعراب انّه کان قاصداً إلى بعض الملوک یستمنحه، فاستطاب الماء فی بعض المناهل فی الطریق فملأ
مِطهرته من ذلک الماء و حمل إلى ذلک الملک، فلمّا أدخل علیه قال: جئتک بشیءٍ لیس لأحدٍ مثله، و عرض ذلک الماء و إذ هو متغیّرٌ لطول مکثه؛ فقال الملک: املؤوا مطهرته دنانیر!؛ فقال ندماؤه فیه؟!؛ فقال: جائنا الأعرابیّ بما لم یکن له غیره و لنا من هذه الدنانیر غیر ما أعطیناه، فالید له!».
و قیل: «(یَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) تأمیلٌ و بشارةٌ، و (یَعْفُوا عَنِ السَّیِّئَاتِ) ترجیةٌ بصریح عبارةٍ، و قوله: (وَ یَعلَمُ مَا تَفعَلُونَ) تهدیدٌ بإشارةٍ؛ فعزیزٌ لایخوفک حتّى یقدم علیه مایوجب حسن الرجاء ترى یحرقک؟ هیهات و کلّا؟!»؛
و قیل: (یَعفُوا عَنِ السّیِّئَاتِ) أراد به الظالمین، و (یَستَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا)(99) للمقتصدین، و (یَزِیدُهُمْ مِنْ فَضلِهِ) للسابقین؛ بقی جهنم فهو للکافرین!»(100)
و فی المجمع(101): «عن ابن عبّاس: انّ رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – حین قدم المدینة و استحکم الإسلام قالت الأنصار فیما بینهم: نأتی رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – و نقول: انّه تعرک أمورٌ، فهذه أموالنا تحکم فیها غیر حرجٍ و لامحظورٍ علیک، فأتوه فی ذلک، فنزلت: (قُلْ لاَأَسْئَلُکُمْ)(102) -… الآیة -، فقرأها علیهم و قال: تؤدّون قرابتی من بعدی. فخرجوا من عنده مسلمین لقوله؛ فقال المنافقون: إنّ هذا لشیءٌ افتراه فی مجلسه!، أراد یذلّلنا لقرابته من بعده!!؛ فنزلت: (أَمْ یَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ کَذِباً)(103)، فأرسل إلیهم فتلاها علیهم، فبکوا و اشتدّ علیهم؛ فأنزل الله: (وَ هُوَ الَّذِی یَقبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ)(97) -… الآیة -، فأرسل فی إثرهم، فبشّرهم و قال: (وَ یَستَجِیبُ الَّذِینَ آمَنُوا) – و هم الّذین
سلّموا لقوله -».
قوله – علیه السلام -: «و یحبّ التوّابین» إشارةٌ إلى قوله -تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ التَّوَّابِینَ وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ)(104) <و «التوّاب» صیغة مبالغةٍ، و هی إمّا باعتبار الکیفیّة - فیکون معناه: من لایعود إلى الذنب بعد التوبة أبداً -، و إمّا باعتبار الکمّیّة - فیکون معناه: کثیر التوبة، أی: کلّما جدّد ذنباً جدّد توبةً ->(105) قال ابن عطا: «یحبّ التوّابین من أفعالهم و المتطهّرین من أحوالهم، و هم القائمون مع الله بلاعلاقةٍ و لاسببٍ»؛
و قال محمّد بن علیٍّ: «التوّابین من توبتهم و المتطهّرین على طهارتهم»؛
و قال أبویزید: «التوبة من الذنب واحدٌ و من الطاعة ألفٌ!»؛
و قال بعض العرفاء: «توبة العوام من الذنوب، و توبة الخواصّ من غفلة القلوب(106)، و توبة خواصّ الخواصّ من کلّ شیءٍ سوى المحبوب؛ فشتّان(107) بین تائبٍ من الزلّات و بین تائبٍ من الغفلات و بین تائبٍ من رؤیة الحسنات. و هذا معنى قولهم: «حسنات الأبرار سیّئات المقرّبین»(108)
و قیل: «معنى: (إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ التَّوَّابِینَ وَ یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ): إنّه یحبّ التوّابین من النجاسات الباطنة و یحبّ المتطهّرین من النجاسات الظاهرة»؛
و قیل: «(یُحِبُّ التَّوَّابِینَ) من الکبائر، و (یُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِینَ) من الصغائر».
و الحقّ انّ التطهیر صفة تقدیسٍ و تنزیهٍ، و هی صفته -تعالى -. و تطهیر العبد هو أن یمیط عن نفسه کلّ أذىً لایلیق به أن یرى فیه و إن کان ذلک محموداً بالنسبة إلى غیره و هو
مذمومٌ شرعاً بالنسبة إلیه؛ فإذا طهّر نفسه من ذلک أحبّه الله -تعالى -.
قوله: «فأقبل توبتی کما وعدت».
«الفاء» فصیحةٌ، أی: إذا کان هذا قولک فأقبل توبتی کما وعدت.
و «الکاف» إمّا للتعلیل، أو للتشبیه؛ و قد تقدّم نظیر ذلک، فتذکّر!.
و على ذلک قوله – علیه السلام -: «کما ضمنت»، و: «کما شرطت» بقولک: (إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ التَّوَّابِینَ). و إنما قال: <«کما شرطت» و لم یقل: «کما قلت» أو «کما أخبرت»، إیذاناً بلزوم الجزاء و الزاماً بالإنجاز و الوفاء، إذا کان الجزاء لازماً للشرط و الشرط ملزوماً له.
فان قلت: لم قال: «و أوجب لی محبّتک» و لم یقل: و أحبّنی – کما قال: «فأقبل توبتی و اعف عن سیّئاتی» – ؟، و من أین فهم إیجاب شرطه -تعالى – لمحبّته للتوّابین حتّى عبّر بذلک؟
قلت: فهم الإیجاب من تأکید النسبة و تحقیق الحکم ب- «إنّ» المؤکّدة فی قوله -تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ التَّوَّابِینَ) إذا کان التأکید بها مؤذناً بتحقیق مضمونها و موجباً للجزم بحصوله و انّه واجبٌ ثابتٌ لامحالة>(109)
وَ لَکَ – یَا رَبِّ! – شَرْطِی أَلاَّ أَعُودَ فِی مَکْرُوهِکَ، وَ ضَمَانِی أَنْ لاَأَرْجِعَ فِی مَذْمُومِکَ، وَ عَهْدِی أَنْ أَهْجُرَ جَمِیعَ مَعَاصِیکَ.
«الواو» إمّا إبتدائیّةٌ، أو حالیّةٌ.
و «شرطی» مبتدءٌ.
و «لک» خبرٌ مقدّمٌ علیه لإفادة التخصیص. و الإعتراض بالنداء بین المبتدء و خبره للمبالغة فی التضرّع و إظهار کمال الخضوع.
و قوله – علیه السلام -: «ألّا أعود» بیانٌ للشرط.
و تعدیة «العود» و «الرجوع» ب- «فی» إمّا لمرادفتها «إلى» – نحو قوله تعالى: (فَرَدُّوا أَیْدِیَهُمْ فِی أَفْوَاهِهِمْ)(110)، أی: إلى أفواههم -، أو لتضمینها معنى التمکّن، أو الدخول – أی: متمکّناً أو داخلاً فی مکروهک -.
و «فی» من قوله – علیه السلام -: «فی مذمومک» <قال الرضیّ: «قیل: «فی»(111) بمعنى «إلى» فی قوله -تعالى -: (فَرَدُّوا أَیْدِیَهُمْ فِی أَفْوَاهِهِمْ)، و الأولى أن یقال(112): هی بمعناها و المراد التمکّن»(113)؛ انتهى.
و المراد ب- «العهد» هنا: الیمین؛ أو الموثق – أی: ما یوثق به -.
و «هجَرت» الشیء هجْراً – من باب قتل -: ترکته و رفضته>(114)؛ و المعنى ظاهرٌ.
اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَعْلَمُ بِمَا عَمِلْتُ فَاغْفِرْ لِی مَا عَلِمْتَ، وَ اصْرِفْنِی بِقُدْرَتِکَ إِلَى مَا أَحْبَبْتَ.
أی: انّک أعلم بما عملت من المعاصی منّی، فاغفر لی ما علمت أنت؛ هذا نظیر قول علیٍّ – علیه السلام -: «أللهمّ اغفر لی ما أنت أعلم به منّی»(115)
و «صرَفته» عن الشیء و إلیه صرْفاً – من باب ضرب -: رددته؛ أی: اجعلنی موفّقاً لما تحبّه أنت من الأعمال الصالحة و الأخلاق المرضیّة.
اللَّهُمَّ وَ عَلَیَّ تَبِعَاتٌ قَدْ حَفِظْتُهُنَّ، وَ تَبِعَاتٌ قَدْ نَسِیتُهُنَّ، وَ کُلُّهُنَّ بِعَیْنِکَ
الَّتِی لاَتَنَامُ، وَ عِلْمِکَ الَّذِی لاَ یَنْسَى، فَعَوِّضْ مِنْهَا أَهْلَهَا، وَ احْطُطْ عَنِّی وِزْرَهَا، وَ خَفِّفْ عَنِّی ثِقْلَهَا، وَ اعْصِمْنِی مِنْ أَنْ أُقَارِفَ مِثْلَهَا.
«تبعات»: جمع تبعة، أی: وزوٌ و بالٌ و طلبات یطلبها المظلوم عند الظالم؛ سمّیت بذلک لاتّباع صاحبها بها.
«قد حفظتهنّ» أی: تلک التبعات. و الجملة فی محلّ رفعٍ صفةٌ ل- «تبعات».
و مثلها «قد نسیتهنّ»، أی: و تبعاتٌ أخر قد نسیتهنّ.
و «کلّهن» أی: کلّ التبعات – محفوظةً أو منسیّةً -، لأنّ «کلّاً» کما تفید استغراق أفراد التنکیر – نحو: (کُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوتِ)(116) – تفید استغراق أفراد المعرّف المجموع – نحو: (کُلُّهُمْ آتِیهِ یَومَ الْقِیَامَةِ فَرْداً)(117) -.
و «الباء» من قوله: «بعینک» للملابسة، أی: متلبّسةً.
«بعینک الّتی لاتنام» أی: بمرأىً منک و ظاهرةٌ بیّنةٌ عندک، و ذلک لأنه -سبحانه – (لاَتَأْخُذُهُ سِنَةْ وَ لاَنَومٌ)(118)، و لانسیان (وَ مَا کَانَ رَبُّکَ نَسِیّاً)(119) و غیر ذلک من أسباب الغفلة – لتنزّهه عنها -.
و «لایَُنسى» بفتح الیاء و ضمّها.
«فعوّض منها أهلها» أی: عوّض من تلک التبعات الّتی لاأتمکّن من الخروج عنها إلى أصحابها، إمّا للعجز أو للنسیان؛ کما ورد فی الحدیث: «إنّ من کانت علیه مظلمةٌ و لم یمکنه ردّها على صاحبها و التحلّل منه و سأل الله -تعالى – أن یقضیها عنه قضاها الله -تعالى – عنه و أرضى صاحبها عنه»(120)
قوله – علیه السلام -: «و احطط عنّی وزرها».
«الحطّ»: الإسقاط، و المراد هنا: العفو – کما قال الله تعالى: (وَ قُولُوا حِطَّةٌ)(121) -.
<و مثله قوله - علیه السلام -: «و خفّف عنّی ثقلها»، و معنی «تخفیف ثقلها» أن لایکون علیه ثقلٌ. قال بعضهم: «و إنّما سمّیت الذنوب أوزاراً و أثقالاً لما یستحقّ علیها من العقاب العظیم»>(122) و هذه الفقرة تأسیسٌ، لأنّ المراد من الوزر فی الأولى مایترتّب على تلک التبعات من الإثم و القصاص؛ و بالثقل فی الفقرة الثانیة ما غمّه و همّه من أمرها، و العرب تجعل الهمّ ثقیلاً. و هو أحد الوجوه الّتی فسّر بها قوله -تعالى -: (وَ وَضَعنَا عَنکَ وِزْرَکَ)(123) -(124)
قیل: «و یحتمل أن یکون فی هذه الفقرة و الّتی قبلها إشارةٌ إلى حقّ الله -تعالى -».
و اعلم! أنّ الحقوق على خمسة أنواعٍ:
إمّا حقّ الله فقط – کشرب الخمر و ترک الصلاة -؛
أو حقّ الناس فقط – کأخذ مال الناس من غیر حقٍّ -؛
أو مشترکٌ؛
و القسم الأخیر على ثلاثة أقسامٍ:
إمّا الغالب هو حقّ الله؛
أو حقّ الناس؛
أو متساویان. و قیل: «لایکون حقّ الناس فقط، لأنّ کلّ حقٍّ یکون فیه مخالفة حکم الله. و فی النظر الدقیق لیس حقّاً إلّا حقّ الله، لأنّ حقّیّة الغیر لأجله».
قوله: «و اعصمنی من أن أقارف» أی: أکتسب مثلها.
و المراد ب- «العصمة منها»: حسم أسبابها.
اللَّهُمَّ وَ إِنَّهُ لاَوَفَاءَ لِی بِالتَّوْبَةِ إِلاَّ بِعِصْمَتِکَ، وَ لاَ اسْتِمْسَاکَ بِی عَنِ الْخَطَایَا إلاَّ عَنْ قُوَّتِکَ، فَقَوِّنِی بِقُوَّةٍ کَافِیَةٍ، وَ تَوَلَّنِی بِعِصْمَةٍ مَانِعَةٍ.
الضمیر فی «إنّه» للشأن. و السرّ فی تصدیر الجملة به التنبیه من أوّل الأمر على فخامة مضمونها، مع ما فیه من زیادة التحقیق و التقدیر؛ کأنّه قیل: إنّ الشأن الخطیر هذا – أی: لاوفاء لی بالتوبة إلّا بعصمتک… إلی آخره – لأنّ نفسی (لاََمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(125)، فلو لم تحفظنی أعد إلى المعصیة و إن کنت تائباً عنها!.
و قوله – علیه السلام -: «و لااستمساک بی عن الخطایا إلّا عن قوّتک» أی: لایجیء منّی حفظ نفسی الأمّارة بالسوء عن الوقوع فی المعصیة إلّا بحفظک و قوّتک؛ لما قد عرفت فیما سبق من أنّه لاحول و لاقوّة إلّا بالله العلیّ العظیم.
و قوله: «لی» و «بی» متعلّقٌ کلٌّ منهما بمحذوفٍ – و هو الخبر -، أی: لاوفاء کائنٌ لی.
و «لااستمساک بی» أی: لا أفی بالتوبة و لاأستمسک عن الخطایا. و الإستثناء فی الفقرتین مفرّغٌ من حالٍ عامّةٍ، و التقدیر: لا وفاء لی بالتوبة فی حالٍ من الأحوال إلّا فی حال تلبّسی بعصمتک، و لااستمساک بی عن الخطایا فی حالٍ من الأحوال إلّا حال صدوره عن قوّتک.
قوله – علیه السلام -: «فقوّنی بقوّةٍ کافیةٍ».
«الفاء» للسببیّة، أی: قوّة یکون کافیةً فی الاجتناب عن المعاصی.
و «تولّنی بعصمةٍ مانعةٍ» أی: کن لی ولیّاً فی حفظی عن الوقوع فی مهالک الذنوب؛ و قد مرّ سابقاً الحدیث المرویّ عن أبی جعفرٍ – علیه السلام – قال: «انّ الله -عزّ و جلّ – أوحى إلى داود – علیه السلام – أن ائت عبدی دانیال -… إلى أن قال -: فوعزّتک و جلالک إن لم تعصمنی لعصیتک!، ثمّ لعصیتک!، ثمّ لعصیتک!»(126)؛ فتذکّر!.
قیل: «لایذهب علیک! انّ أمثال هذه العبارات لتعلیم الأمّة، فلاتنافی العصمة»؛
أقول: التحقیق ما ذکرناه لک فی أوّل الدعاء؛ فتذکّر!.
اللَّهُمَّ أَیُّمَا عَبْدٍ تَابَ إِلَیْکَ وَ هُوَ فِی عِلْمِ الْغَیْبِ عِنْدَکَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ، وَ عَائِدٌ فِی ذَنْبِهِ وَ خَطِیئَتِهِ، فَإِنِّی أَعُوذُ بِکَ أَنْ أَکُونَ کَذَلِکَ، فَاجْعَلْ تَوْبَتِی هَذِهِ تَوْبَةً لاَأَحْتَاجُ بَعْدَهَا إِلَى تَوْبَةٍ. تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ، وَ السَّلاَمَةِ فِیما بَقِیَ.
<«أیّ»: اسم شرطٍ - کما تقدّم -، و هو مبتدءٌ و مابعدها مزیدةٌ لتأکید إبهامٍ - أی: و شیاعها -.
و «عبد» مجرورٌ بإضافة «أیّ» إلیه.
و جملة «تاب إلیک» الخبر، کما هو مختار الأندلسیّ؛ قال ابن هشام: «و هو الصحیح، لأنّ اسم الشرط تامٌّ و جملة الشرط مشتملةٌ على ضمیره. و إنّما توقّفت الفائدة على الجواب من حیث التعلیق فقط، لا من حیث الخبریّة»(127)
و قیل: «الخبر هو جملة الجزاء، و هو المشهور، لأنّ الفائدة بها تمّت. و لإلتزامهم عود ضمیرٍ منها على الأصحّ»؛
و قیل: «الشرط مع جزائه هو الخبر، لصیرورتهما بسبب کلمة الشرط کالجملة الواحدة».
و «الواو» من قوله: «و هو فی علم الغیب» حالیّةٌ، و «هاؤه» بالضمّ و السکون.
و «فی علم الغیب» متعلّقٌ ب- «فاسخ».
و «عندک» بدلٌ منه.
و «الغیب» إمّا مصدرٌ وصف به الغیب مبالغةً – کالشهادة فی قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَیبِ وَ الشَّهَادَةِ)(128) -، أو فیعلٌ خفّف – کمیت و میّت، و هین و هیّن ->(129) و على أیّ تقدیرٍ هو
مایکون غائباً عن عالم الشهادة و عن مدرکات الحاسّة. و هو ینقسم إلى:
ما علیه دلیلٌ؛
و إلى ما لیس علیه دلیلٌ و برهانٌ؛ و هو الّذی أرید بقوله -سبحانه -: (وَ عِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَیبِ لاَیَعلَمُهَا إِلاَّ هُوَ)(130) فللإنسان أن یعلم من الغیوب ما علیه برهانٌ بأن یهدیه الله -تعالى – إلیه بإقامة الدلائل و البراهین، أو یلهمه علیه بنور الحدس الشدید؛ کیف و قد شاع عند العلماء: «انّ الإستدلال بالشاهد على الغائب أحد أقسام الأدلّة».
و قیل: «لفظ «الغیب» لایستعمل إلّا فیما یجوز علیه الحضور»؛
و هو فاسدٌ!، لأنّ المتکلّمین یقولون: «هذا من باب الخلق الغائب بالشاهد» و یرویدون ب- «الغائب»: ذات الله و صفاته.
و المراد بالغیب هنا هو الثانی، و لذلک قیّده بقوله: «عندک».
و «فسخ» البیع و العهد فسخاً – من باب نفعه -: نقضه.
و «الفاء» من قوله: «فإنّی» رابطةٌ لجواب الشرط، لکونه جملةً اسمیّةً.
و «أن» مصدریّةٌ؛ و هی مع مسبوکها فی محلّ جرٍّ بمن محذوفةٍ؛ و التقدیر: أعوذ بک من أن أکون. <و حذف الجارّ مطرّدٌ مع «أن». و بعضهم یقول: «انّ نحو ذلک منصوبٌ بنزع الخافض»؛
و رجّحه الرضیّ بضعف حرف الجرّ من أن یعمل مضمراً(131)، و الأوّل هو رأی سیبویه.
و «کذلک» إشارةٌ إلى العبد المتّصف بالصفات المذکورة>(132) و ما فیها من معنى البُعد للإیذان ببعد منزلته فی الخذلان و سوء الحال؛ و المعنى: إنّی أعوذ بک من أن أکون غیر موفٍّ بالتوبة. و هذا یدلّ على شناعة الرجوع إلى المعصیة بعد التوبة.
و «الفاء» من قوله – علیه السلام -: «فاجعل» سببیّةٌ.
و «اجعل» بمعنى: صیِّر. و المنصوبان بعده مفعولان.
و جملة «لاأحتاج» فی محلّ نصبٍ صفةٌ ل- «توبة»؛ و هی ثانی مفعولی «اجعل»، و التوبة الثانیة بدلٌ من الأولى – بدل کلٍّ – أو عطف بیانٍ – عند من یرى انّه یکون بلفظ الأوّل، و هم الجمهور، خلافاً لابن مالک(133) -.
و «موجبة» من: أوجبت الشیء إیجاباً: إذا جعلته واجباً – أی: لازماً -، أی: توبةً مستمرّةً ثابتةً غیر مفسوخةٍ موجبةً لمحو ما سلف من المعاصی، لأنّه إذا کان التائب راسخاً فی توبته فانّ الله (یَقْبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبَادِهِ)(134)، و (یُحِبُّ التَّوَّابِینَ)(104)، و «التائب من الذنب کمن لاذنب له»(135)
و «السلامة» بالجرّ عطفٌ على «المحو»، و بالفتح(136) على مجموع الجارّ و المجرور؛ أی: توبةً موجبةً للسلامة، أو: موجبةً للسلامة من الذنوب فیما بقی من العمر.
اللَّهُمَّ إِنِّی أَعْتَذِرُ إِلَیْکَ مِنْ جَهْلِی، وَ أَسْتَوْهِبُکَ سُوءَ فِعْلِی، فَاضْمُمْنِی إِلَى
کَنَفِ رَحْمَتِکَ تَطَوُّلاً، وَ اسْتُرْنِی بِسِتْرِ عَافِیَتِکَ تَفَضُّلاً.
<«الإعتدار»: محو أثر الذنب؛ و قال الراغب: «المعتذر هو(137) المظهر لما یحمو به الذنب. و جمیع المعاذیر لاینفکّ من ثلاثة أوجهٍ:
إمّا أن یقول: لم أفعل؛
أو یقول: فعلت لأجل کذا – فیبیّن ما یخرجه عن کونه ذنباً -؛
أو یقول: فعلت و لاأعود. فمن أنکر و بیّن(138) کذب ما نسب إلیه فقد برءت ساحته، و إن فعل و جحد فقد یعدّ التغابی عنه کرماً؛ و إیاه قصد الشاعر بقوله:
تغابى وَ مَا بِکَ مِنْ غَفْلَةٍ++
لِفَرطِ الْحَیَاءِ وَ فَرطِ(139) الْکَرَمِ(140)
و من(141) أقرّ فقد استوجب العفو لحسن(142) ظنّه بک(143) !، و إن قال: فعلت فعلت و لاأعود فهذا هوالتوبة»(144)؛ انتهى.
و المراد ب- «الجهل» هنا: ما یدعو إلى ارتکاب الذنب – و هو عدم التفکّر فی العاقبة -. و سمّی «جهلاً» من حیث عدم استعمال صاحبه ما معه من العلم بالعقاب و الثواب، فکأنّه الجهل الّذی هو عدم العلم؛ و بذلک فسّر قوله -تعالى -: (إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِینَ یَعمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)(145)
قال أکثر المفسّرین: «کلّ من عصى الله فهو جاهلٌ، و فعله جهالةٌ»(146)؛
و قال قتادة: «اجتمع أصحاب رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، فرأوا انّ کلّ ذنبٍ أصابه العبد فهو بجهالةٌ – عمداً کان أو خطأً»(147)
قال أمین الإسلام الطبرسیّ: «و هذا المعنى هو المرویّ عن أبی عبدالله – علیه السلام -، فانّه قال: کلّ ذنبٍ عمله عبدٌ و إن کان عالماً فهو جاهلٌ حین خاطر بنفسه معصیة ربّه. فقد حکى الله -سبحانه – قول یوسف فی إخوته: (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلتُمْ بِیُوسُفَ وَ أَخِیهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ)(148)، فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم فی معصیة الله»(149) -(150) >(151)؛ انتهى.
و قیل: «الجهل هنا بمعنى: سوء الفعل، و الإعتذار منه لایأوّل کما انّ استیهاب سوء الفعل یأوّل»؛ و قد تقدّم الکلام علیه.
و «استوهبته» الشیء: سألته هبته – أی: إعطاؤه بلاعوضٍ -.
و «السوء» – بالضمّ -: اسمٌ من ساء الشیء یسوء: إذا قبح؛ أو من: ساء یسوؤه: إذا فعل به ما یکرهه. و لفظ «الاستیهاب» یدلّ على أنّ الغرض سؤال عفوه -تعالى – عن قبیح الفعل أو مکروهه من غیر استحقاقٍ – لأنّ طلب الهبة من الجواد لیس ببعیدٍ -.
و «الکَنَف» – بفتحتین -: الجانب و الناحیة. و فی شرح جامع الأصول: «کنف الإنسان: ظلّه و حماه الّذی یأوی إلیه الخائف»(120) و الکلام استعارةٌ تمثیلیّةٌ، أو تصریحیّةٌ. و حاصل المعنى: اجعل مأوای فی ظلّ رحمتک و حمایتک تفضّلاً من غیر استحقاقٍ.
و نصب «تطوّلاً» و «تفضّلاً» یحتمل المصدریّة و الحالیّة و المفعول لأجله – کما مرّ نظیر ذلک -.
اللَّهُمَّ وَ إِنِّی أَتُوبُ إِلَیْکَ مِنْ کُلِّ مَا خَالَفَ إِرَادَتَکَ، أَوْ زَالَ عَنْ مَحَبَّتِکَ مِنْ
خَطَرَاتِ قَلْبِی، وَ لَحَظَاتِ عَیْنِی، وَ حِکَایَاتِ لِسَانِی، تَوْبَةً تَسْلَمُ بِهَا کُلُّ جَارِحَةٍ عَلَى حِیَالِهَا مِنْ تَبِعَاتِکَ، وَ تَأْمَنُ مِمَا یَخَافُ الْمُعْتَدُونَ مِنْ أَلِیمِ سَطَوَاتِکَ.
«أو أزال عن محبّتک» أی: أتوب من کلّ ما خالف، أو أزال عن مقام محبّتک، أو بعد عن محبّتک.
«من خطرات قلبی».
«من» بیانیّةٌ.
و «الخطرات»: جمع خطرة، و هی ما یخطر و یرد على القلب ممّا لیس للعبد فیه تعمّلٌ، و یسمّى: الخاطر. قیل: «المراد من «الخطرات»: هو الإعتقادات الفاسدة و سوء الظنّ فی حقّ الناس و الحقد و الحسد و غیر ذلک من ذمائم النفوس»؛
و قیل: «الخاطر على أربعة أقسامٍ:
ربّانیٌّ، و هو أوّل الخواطر، و هو لایخطىء أبداً. و قد یعرف بالقوّة و التسلّط و عدم الإندفاع بالدفع؛
و ملکیٌّ، و هو الباعث على مندوبٍ أو مفروضٍ، و بالجملة کلّ ما فیه صلاحٌ، و(152) یسمّى إلهاماً؛
و نفسانیٌّ، و هو ما فیه حظٌّ للنفس، و یسمّى هاجساً؛
و شیطانیٌّ، و هو ما یعدو إلى مخالفة الحقّ، قال الله -تعالى -: (الشَّیطَانُ یَعِدُکُمُ الْفَقرَ وَ یَأْمُرُکُمْ بِالْفَحشَاءِ)(153)، و قال النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «لمّة الشیطان تکذیبٌ بالحقّ و إیعادٌ بالشرّ»(154)، و یسمّى وسواساً. و یعیّر بمیزان الشرع، فما فیه قربةٌ فهو من
الأوّلَین، و ما فیه کراهةٌ أو مخالفةٌ شرعاً(155) فهو من الآخرین. و یشتبه فی المباحات، فما هو
أقرب إلى مخالفة النفس فهو من الأوّلَین، و ما هو أقرب إلى هوىً و موافقة النفس فهو من الآخرین. و الصادق الصافی القلب الحاضر مع الحقّ سهل علیه الفرق بینهما بتیسیر الله و توفیقه»(156)؛ انتهى.
أقول: قد بسطنا الکلام على تحقیق هذا المرام فی أوّل الکتاب؛ فلیرجع إلیه.
<و «لحظات»: جمع لحظة، و هی المرّة من: لحظه و لحظ إلیه لحظاً - من باب نفع - أی: رآه. و قیل: «هو النظر بمؤخّر العین»(157) و المراد بها ما کان خارجاً عن حدود الشریعة - کالنظر إلى غیر محرمٍ، أو خائبة الأعین -.
و «حکایات اللسان»: جمع حکایة، من: حکى عنه الحدیث حکایةً أی: نقله. و المراد بها ما تجاوز من القول حدود الله>(158) – کالکذب و البهتان و الغیبة و الردّة و أمثال ذلک -. و تخصیص «العین» و «اللسان» بالذکر لکثرة ذلّاتهما.
<و «توبةً» مفعولٌ مطلقٌ مبیّنٌ لنوع عامله.
و «تسلم» بمعنى: تخلص.
و «الجارحة»: واحدة الجوارح، و هی الأعضاء الّتی یعمل بها.
و «على حِیالها» – بالکسر – أی: بانفرادها.
و «من تبعتک» ظرفٌ لغوٌ متعلّقٌ ب- «تسلم»>(159)؛ و المعنى: توبةً تسلم بسببها کلّ عضوٍ من أعضائی بإنفراده من تبعاتک. و هذا یدلّ على أنّ المراد من المعاصی عامٌّ لجمیع الحواسّ و المشاعر و الأعضاء؛ و بالجملة صرف العبد جمیع أعضائه و مشاعره و مدارکه و قواه فی
غیر ما خلق لأجله و ما هو رضاء ربّه معصیةً و مخالفةً لخالقه و موجده، فلیتوسّل بتوفیقه و لیتضرّع إلى تفضّله و جوده حتّى یعصمه من ذنوبه.
<و «الأمن»: عدم توقّع مکروهٍ فی الزمان الآتی؛ و فی المصباح: «أمن زیدٌ الأسد أمناً، و أمن منه: مثل سلم وزناً و معنىً»(160)
و «المعتدون»: المتجاوزون لحدود الله.
و «ألیم سطواتک» أی: مولمها>(161) و «السطوات»: جمع سطوة، من: سطا علیه و سطا به یسطو سطواً و سطوةً أی: صال علیه و قهره و اذلّه، و هو البطش – و هو الأخذ بعنفٍ و شدّةٍ -؛ أی: و تسلم کلّ جارحةٍ ممّا یخاف عنه المتجاوزون عن حدود الله من بطشک المولم و عذابک المبرم».
أقول: مدار هذا الفصل من الدعاء على کمال علمه و معرفته – علیه السلام – بإحاطة علم الله -تعالى – على أفعاله و أعماله و على خفایا ضمیره و خطرات قلبه و لحظات عینه، فانّ من تیقّن بأنّه یشاهد أفعاله و أعماله یجتهد فی الإعتذار و التوبة، بل من له قدمٌ راسخٌ فی المحبّة آثر أنواع المحنة، فکیف بمن شأنه العصمة! بل مرتبة جمع الجمعیّ!!، و هو – علیه السلام – فی مراتب الیقین فی أعلى الدرجة و فی مقام الشهود و فی منتهى المرتبة، و فی المحبّة بلغ النهایة.
اللَّهُمَّ فَارْحَمْ وَحْدَتِی بَیْنَ یَدَیْکَ، وَ وَجِیبَ قَلْبِی مِنْ خَشْیَتِکَ، وَ اضْطِرَابَ أَرْکَانِی مِنْ هَیْبَتِکَ، فَقَدْ أَقَامَتْنِی – یَا رَبِّ! – ذُنُوبِی مَقَامَ الْخِزْیِ بِفِنَائِکَ، فَإِنْ سَکَتُّ لَمْ یَنْطِقْ عَنِّی أَحَدٌ، وَ إِنْ شَفَعْتُ فَلَسْتُ بِأَهْلِ الشَّفَاعَةِ.
<«الفاء» للترتیب فی الذکر.
و «وحدتی» أی: إنفرادی.
و «بین یدیک» أی: تِجاهک. و الکلام تمثیلٌ – کما مرّ مراراً -، أی: کن رحیماً على کونی وحیداً متفرّداً عندک.
و «وجیب قلبی». «وجب» القلب وجباً و وجیباً: اضطرب و خفق؛ أی: ارحم اضطراب قلبی و خفقانه من خوفک.
و «الإضطراب»: التحرّک، و أصله: اضتراب، إلّا أنّ «تاء» الإفتعال إذا تلت الضاد قلبت طاءً>(162)؛ أی: و ارحم اضطراب جوارحی من مهابتک و سلطنتک.
و «الفاء» من قوله: «فقد» للسببیّة، بمعنى انّ مابعدها سببٌ لما قبلها – کقوله تعالى: (فَاخْرُجْ مِنهَا فَإِنَّکَ رَجِیمٌ)(163) -. و المعنى: ارحم وحدتی -… إلى آخره – بسبب إقامة «الذنوب لی مقام الخزی بفنائک».
و «المَُقام» بفتح المیم و ضمّها، کما مرّ فی غیر هذا المقام.
و «الخزی»: الذلّ و الهوان للندامة و الفضیحة.
و «الفِنآء» – بالکسر و المدّ -: ما اتّسع أمام البیت؛ و قیل: «ما امتدّ من جوانبه»(164)؛ و المراد: ساحة کبریائه. و الکلام استعارةٌ تمثیلیّةٌ.
<و «سکَت» سکوتاً - من باب قعد -: صمت.
و «شفعت» فی الأمر شفعاً و شفاعةً – من باب منع -: طالبت بوسیلةٍ أو ذمامٍ>(165) و فی غیر نسخة الأمّ: «تشفّعت»، و هو أربط بحسب المعنى؛ أی: إن طلبت الشفاعة فلست قابلاً للشفاعة، لکثرة ذنوبی الشنیعة.
أقول: مدار هذا الفصل من الدعاء على کمال الإیقان بعظمة الله و قدرته، لأنّ من أیقن بعظمته و کمال قدرته کان فی مقام الخوف و الدهشة و الخشوع و الخشیة، کما أنّ رسول الله
– صلّى الله علیه و آله و سلّم – من شدّة خضوعه و خشوعه لله -تعالى – إذا مشى یظنّ أنّه یسقط على الأرض!(166)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ شَفِّعْ فِی خَطَایَایَ کَرَمَکَ، وَ عُدْ عَلَى سَیِّئَاتِی بِعَفْوِکَ، وَ لاَتَجْزِنِی جَزَائِی مِنْ عُقُوبَتِکَ، وَ ابْسُطْ عَلَیَّ طَوْلَکَ، وَ جَلِّلْنِی بِسِتْرِکَ، وَ افْعَلْ بِی فِعْلَ عَزِیزٍ تَضَرَّعَ إِلَیْهِ عَبْدٌ ذَلِیلٌ فَرَحِمَهُ، أَوْ غَنِیٍّ تَعَرَّضَ لَهُ عَبْدٌ فَقِیرٌ فَنَعَشَهُ.
«شفّعت» إلیه فی فلانٍ فشفّعنی فیه تشفّعاً أی: أمضى شفاعتی فیه و قبلها. و فی نسخةٍ: «و اشفع».
و «کرمَک» – بالنصب -: مفعول الفعل السابق؛ و فی نسخةٍ: «بکرمک».
و «ابسط علیّ طولک» أی: وسّع علیّ رحمتک و احسانک.
و «جلّلنی بسترک»، فی الصحاح: «جلّل الشیء تجلیلاً أی: عمّ»(167) و المعنى: أکسنی بستر رحمتک عیوبی.
<و «افعل بی فعل عزیزٍ» أصلها: افعل بی فعلاً مثل فعل عزیزٍ، فحذف الموصوف ثمّ حذف المضاف من الصفة و أناب المضاف إلیه مناب الموصوف - على حدّ قولهم فی ضربته ضرب الأمیر -.
و «العزیز»: فعیلٌ من العزّة – و هی الرفعة ->(168)؛ أی: افعل بی مثل فعل السلطان العزیز بالنسبة إلى العبد الذلیل.
«أو غنیٍّ تعرّض له عبدٌ فقیرٌ فنعشه» أی: افعل بی فعلاً مثل فعل الغنیّ الّذی إذا صار عبدٌ
محتاجٌ فقیرٌ متعرّضاً له بالسؤال جبر فقره.
أقول: قد تقدّم وجه صدور أمثال ذلک عنه – علیه السلام -، فلانعیده خوفاً للإطالة.
اللَّهُمَّ لاَخَفِیرَ لِی مِنْکَ فَلْیَخْفُرْنِی عِزُّکَ، وَ لاَشَفِیعَ لِی إِلَیْکَ فَلْیَشْفَعْ لِی فَضْلُکَ، وَ قَدْ أَوْجَلَتْنِی خَطَایَایَ فَلْیُوْمِنِّی عَفْوُکَ.
«الخفیر»: المجیر.
<و الظرف مستقرٌّ، و هو خبر اسم «لا».
و «منک» متعلّقٌ بمحذوفٍ، و التقدیر: لاخفیر لی یخفر منک، فحذف عامله لذکر مثله و حسنه و دفع(169) التکرار. و لاتتوهّم انّه متعلّقٌ ب- «خفیر» المذکور، لأنّه لوکان متعلّقاً به وجب تنوینه، و الروایة إنّما جاءت بغیر تنوینٍ>(170)؛ أی: لامستخلص و لامنقذ لی من عذابک، فلیخلّصنی عزّک و لاشفیع لی إلیک فلیشفع لی فضلک».
و «وجِل» وجَلا – من باب تعب -: خاف، و یتعدّی بالهمزة فیقال: أوجله.
و «أمنه»: أذهب خوفه، یعنی: إنّ خطایای قد خوّفتنی منک، فعفوک یجعلنی مأموناً من عقابک.
و مدار هذه الفقرات على الفرار من الله إلى الله؛ و قد تقدّم الکلام علیه؛ فتذکّر!.
فَمَا کُلُّ مَا نَطَقْتُ بِهِ عَنْ جَهْلٍ مِنِّی بِسُوءِ أَثَرِی، وَ لاَنِسْیَانٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ ذَمِیمِ فِعْلِی، لَکِنْ لِتَسْمَعَ سَمَاوُکَ وَ مَنْ فِیهَا وَ أَرْضُکَ وَ مَنْ عَلَیْهَا مَا أَظْهَرْتُ لَکَ مِنَ النَّدَمِ، وَ لَجَأْتُ إِلَیْکَ فِیهِ مِنَ التَّوْبَةِ. فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ بِرَحْمَتِکَ یَرْحَمُنِی لِسُوءِ مَوْقِفِی، أَوْ تُدْرِکُهُ الرِّقَّةُ عَلَیَّ لِسُوءِ حَالِی فَیَنَالَنِی مِنْهُ بِدَعْوَةٍ هِیَ أَسْمَعُ لَدَیْکَ مِنْ دُعَائِی، أَوْ شَفَاعَةٍ أَوْکَدُ عِنْدَکَ
مِنْ شَفَاعَتِی تَکُونُ بِهَا نَجَاتِی مِنْ غَضَبِکَ وَ فَوْزَتِی بِرِضَاکَ.
«فما کلّ ما نطقت». لمّا کان المناسب لعظیم الجرم هو السکوت، تدارکه – علیه السلام – بأنّ هذا النطق إنّما هو لتحصیل الشفعاء، لاأنّه من باب الجهالة و التعامی عمّا وقع من الذنب.
و «لانسیان» أی: و لاذلک ناشٍ من نسیانٍ و غفلةٍ منّی لما تقدّم من فعلی الذمیم، بل ما ذکرت من سیّئات أعمالی إنّما ذکرتها «لتسمع سماؤک و من فیها» من الملائکة المقرّبین، و «أرضک و من علیها» من عبادک الصالحین. <و إسناد «السمع» إلى «السماء» و «الأرض» و عطف «من فیها» و «من علیها» علیهما ممّا یدلّ على أنّ السمع متصوّرٌ منهما حقیقةً، إذ لو حمل إسناده إلیهما على المجاز و إلى المعطوف على کلٍّ منهما على الحقیقة لزم استعمال اللفظ فی المعنى المجازیّ و الحقیقیّ معاً، و هو ممّا لامساغ له عند المحقّقین>(171) و قد عرفت سابقاً – فی اللمعة الأولى – انّ لکلّ موجودٍ حیاةً و إدراکاً یلیق به و بحسبه؛ و سیجیء زیادة تحقیقٍ لهذا فی دعاء الهلال – إنشاء الله تعالى -.
<و إنّما قال - علیه السلام -: «و أرضک و من علیها» و لم یقل: و من فیها، لیخرج من لایتصوّر منه السماع - و هم الأموات، فأنّهم فی الأرض و لیسوا علیها، قال تعالى: (وَ مَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ)(172) -. و المراد ب- «سماعهم» لذلک: سماعهم له حال اتّصاله بهم، فلایشکل باستحالته حال الدعاء.
و «ما» من قوله: «ما أظهرت لک من الندم» موصولةٌ، و هی فی محلّ نصبٍ مفعولاً به ل- «تسمع».
و «من» بیانیّةٌ.
و «لجأ» إلیه لجأً و لجاءً – مهموزین، من باب نفع و تعب -: لاذ به و اعتصم؛ أی: >(173) لجأت إلیک بسببه، و ذلک الشیء هو التوبة. و قیل: «المعنى: لجأت إلیک فی أن تحفظ توبتی
من النقض و الهدم».
و یجوز أن یکون المعنى: و لجأت إلیک من التوبة فی ذلک الذنب – أی: لطلب التوبة عنه -.
«فلعلّ بعضهم» أی: بعض أهل السماء و الأرض؛
«برحمتک» أی: بفضلک و إنعامک «یرحمنی لسوء موقفی»؛ فالمراد من رحمة الله غایة الرحمة – من الإشفاق و الفضل -، و المراد من رحمة ذلک البعض معناها الحقیقیّ – أعنی: رقّة القلب -؛ أو انّه سمّی إنعامه و إفضاله -تعالى – بالرحمة من باب المشاکلة.
«أو تدرکه الرقّة» أی: یلین قلب ذلک البعض «علیّ لسوء حالی».
قوله – علیه السلام -: «فینالنی منه بدعوةٍ هی أسمع لدیک من دعائی».
«الفاء» سببیّةٌ.
و «ینالَنی» – بنصب اللام -: جوابٌ للترجّی بعد الفاء؛ و: نلته بخیرٍ أناله – من باب تعب – نیلاً: أصبته.
<و «الدعوة»: المرّة من الدعاء.
و «أسمع»: أفعل تفضیلٍ، یجوز أن یکون للفاعل، و بناؤه من ذی الزیادة قیاسٌ عند سیبویه – کما تقدّم -؛ و یجوز أن یکون للمفعول – کأشهر و أشغل، أی: أشدّ مسموعیّةً لدیک -. و مجیئه للمفعول مقصورٌ على السماع، فیکون من جملة الألفاظ المسموعة فیه، لأنّه – علیه السلام – أفصح العرب فی زمانه، و یکون من الشاذّ الفصیح. و الجملة من قوله: «هی أسمع» فی محلّ جرٍّ صفةٌ ل- «دعوة».
و «أو» لأحد الأمرین.
و «لدیک» أی: عندک؛ و هی هنا للقرب المعنویّ.
و «أوکد» أی: أقوى و أثبت، من: وکد الأمر یکد وکوداً أی: قوى و ثبت. و ضمّه فی الروایة المشهورة على أنّه خبر مبتدءٍ محذوفٍ – أی: شفاعةٌ هی أوکد -، و بفتح الدال صفة
«شفاعة»، لأنّه غیر منصرفٍ>(174)
و الجملة من قوله – علیه السلام -: «تکون بها نجاتی من غضبک» إمّا استینافیّةٌ لامحلّ لها من الإعراب – کأنّه سئل: ما یکون بتلک الدعوة أو الشفاعة إذا نلت بها؟ فقال: تکون بها نجاتی.
و وحّد الضمیر فی «بها» و لم یقل بهما، لأنّ «أو» لأحد الشیئین، کأنّه قیل: تکون بإحداهما نجاتی، کقوله تعالى: (وَ مَنْ یَکْسِبْ خَطِیئَةً أَو إِثْماً ثُمَّ یَرمِ بِهِ بَرِیئاً)(175)، و قوله تعالى: (وَ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَو نَذَرْتُمْ مِن نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ یَعْلَمُهُ)(176)، (وَ إِذَا رَأَوا تِجَارَةً أَو لَهْواً انفَضُّوا إِلَیهَا)(177)، فوحّد الضمیر لاتّحاد المرجع بناءً على کون العطف بأو؛ لکنّه راعى فی الآیتین الأولیین القرب فأعاد الضمیر مذکّراً، و فی الآیة الأخیرة الأوّلیّة فأعاده مؤنّثاً. و أمّا قوله تعالى: (إِنْ یَکُنْ غَنِیّاً أَو فَقِیراً فَاللَّهُ أَولَى بِهِمَا)(178)؛ فقال الزمخشریّ فی الکشّاف: «فان قلت: لمثنّى الضمیر فی (أَولَى بِهِمَا) و کان حقّه أن یوحّد – لأنّ قوله: (إِنْ یَکُنْ غَنِیّاً أَو فَقِیراً) فی معنى: إن یکن أحد هذین؟ –
قلت: قد رجع الضمیر إلى ما دلّ علیه قوله: (إِنْ یَکُنْ غَنِیّاً أَو فَقِیراً)، لا إلى المذکور، فلذلک ثنّى و لم یفرد، و هو جنس الغنیّ و جنس الفقیر، کأنّه قال: فالله أولى بجنس الغنیّ و الفقیر، أی: بالأغنیاء و الفقراء»(179)؛ انتهى.
لکن قال صاحب التقریب: «فیه نظرٌ! لأنّ سؤال التثنیة باقٍ، إذ التقدیر حینئذٍ: إن یکن أحد هذین الجنسین»؛
و أجاب صاحب الکشف: «إنّ أو غیر داخلةٍ على الجنسین حتّى یبقى السؤال» -؛
و إمّا نعتیّةٌ فتکون فی محلّ جرٍّ نعتاً ل- «دعوة» أو «شفاعة» – أی: لإحداهما -، لمکان
العطف ب- «أو»، کأنّه قیل: فینالنی بواحدةٍ منهما تکون نجاتی بها(180)؛ هکذا ذکره الفاضل الشارح.
و أنت إذا تذکّرت ما قلناه لک فی أوّل الدعاء قدرت على دفع ما یتوهّم من انّ هذا الفصل من الدعاء غیر لائقٍ بمن شأنه العصمة؛ فتبصّر!.
اللَّهُمَّ إِنْ یَکُنِ النَّدَمُ تَوْبَةً إِلَیْکَ فَأَنَا أَنْدَمُ النَّادِمِینَ، وَ إِنْ یَکُنِ التَّرْکُ لِمَعْصِیَتِکَ إِنَابَةً فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنِیبِینَ، وَ إِنْ یَکُنِ الاِسْتِغْفَارُ حِطَّةً لِلذُّنُوبِ فَإِنِّی لَکَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِینَ.
«الندم» قیل: «تمنّی الإنسان أنّ ما وقع منه لم یقع، و یقال بالفارسیّ: «پشیمانى»؛
و قیل: «ندم یندم ندماً و ندامةً: إذا فعل شیئاً ثمّ کرهه»؛ و فی الحدیث: «الندم توبةٌ»(181)
و «الإنابة»: الرجوع إلى الله بالتوبة.
و «المنیبین» أی: التائبین المقبلین علیک.
<و «حِطّة» - بالکسر -: فعلةٌ من الحطّ بمعنى: الوضع - کالجلسة من الجلوس، و الرکبة من الرکوب -؛ و فی النهایة فی قوله - علیه السلام -: «من ابتلاه الله فی جسده فهو له حِطّةٌ»(182): «أی: تحطّ عنه خطایاه و ذنوبه، و هی فعلةٌ من حطّ الشیء یحطّه: إذا أنزله و ألقاه»(183)
فان قلت: «إن الشرطیّة تختصّ بالمستقبل المشکوک وقوعه – نحو: إن تکرمنی أکرمک -، و کون الندم للتوبة توبةً و الترک للمعصیة إنابةً و الاستغفار حطّةً أمرٌ مجزومٌ مقطوعٌ به، فما وجه هذا الشرط؟
قلت: قد تستعمل إن الشرطیّة فی مقام الجزم أیضاً لنکتةٍ، قال الطیبیّ فی التبیان: «قد تستعمل إن فی الجزم إمّا للإحتیاط – کما إذا سُئل العبد عن سیّده هل هو فی الدار؟ و هو یعلم انّه فیها، فیقول: إن کان فیها أخبرک، فیحتاط بالتجاهل خوفاً من السیّد -؛ و إمّا لتقریر وقوع الجزاء و تحقّقه – نحو قول السلطان لمن هو تحت قهره: إن کنت سلطاناً انتقمت منک -»(184)؛ انتهى کلامه ملخّصاً. و النکتة فی عبارة الدعاء إمّا الإحتیاط – و هو ظاهرٌ -، و إمّا تقریر وقوع الجزاء و تحقّقه حیث علّق ندمه و إنابته و استغفاره بکینونة الندم توبةً و ترک المعصیة إنابةً و الاستغفار حطّةً، و ذلک أمرٌ محقّقٌ ثابتٌ بالنصّ و الإجماع، فکان المعلّق بها محقّقاً ثابتاً مثلها>(185)
قال بعض أرباب القلوب: «التائبون المنیبون على أنواعٍ: تائبٍ یتوب من الذنوب و السیّئات؛ و تائبٍ یتوب من الزلل و الغفلات؛ و تائبٍ یتوب من رؤیة الحسنات و مشاهدة الطاعات!».
اللَّهُمَّ فَکَمَا أَمَرْتَ بِالتَّوْبَةِ، وَ ضَمِنْتَ الْقَبُولَ، وَ حَثَثْتَ عَلَى الدُّعَاءِ، وَ وَعَدْتَ الاِْجَابَةَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اقْبَلْ تَوْبَتِی، وَ لاَتَرْجِعْنِی مَرْجِعَ الْخَیْبَةِ مِنْ رَحْمَتِکَ، إِنَّکَ أَنْتَ التَّوَّابُ عَلَى الْمُذْنِبِینَ، وَ الرَّحِیمُ لِلْخَاطِئِینَ الْمُنِیبِینَ.
و «حثثت» أی: رغّبت و حرّصت «على الدعاء».
و «وعدت الإجابة» بقولک: (أُدْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ)(186)
یقال: «رجع» یرجع رجوعاً – من باب ضرب – أی: انصرف، و یتعدّی بنفسه فی اللغة الفصحى، فیقال: رجعته عن الشیء رجعاً و مرجعاً – کمقعد و منزل – أی: صرفته و رددته؛
و بها جاء التنزیل، قال الله -تعالى -: (فَإِنْ رَجَعَکَ اللَّهُ). و هذیلٌ تعدّیه بالألف فتقول: أرجعته. أی: لاتردّنی رجوع «الخیبة» و الحرمان «من رحمتک» الّتی (وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ)(187)
«إنّک أنت التوّاب» أی: قابل التوبة، لأنّ المبالغة لایتصوّر هناک إلّا مع قبول التوبة على المذنبین بالتضمین، أی: أنت قابل التوبة حالکونک متفضّلاً على العاصین.و «الرحیم» صفة مشبهةٍ مبنیّةٍ، أو صیغة مبالغةٍ؛ و قد تقدّم الکلام علیه فی اللمعة الأولى.
«للخاطئین المنیبین» أی: المقصّرین الراجعین إلیک. قیل: «و هذا لایدلّ على عدم العفو و التفضّل على غیر الراجعین، لأنّ إثبات الشیء لاینفى ماعداه؛ أو الرحمة للراجعین على سبیل الوجوب – أی: عدم انفکاک القبول من التوبة – و العفو و الرحمة لغیر التائب على سبیل التفضّل، و کان فی مشیّته – کما قال الله تعالى: (وَ آخَرُونَ مُرْجَونَ لاَمرِ اللَّهِ إِمَّا یُعَذِّبُهُمْ أَو یَتُوبُ عَلَیهِمْ)(188)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، کَمَا هَدَیْتَنَا بِهِ، وَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، کَمَا اسْتَنْقَذْتَنَا بِهِ، وَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، صَلاَةً تَشْفَعُ لَنَا یَوْمَ الْقِیَامَةِ وَ یَوْمَ الْفَاقَةِ إِلَیْکَ.
«الصلاة» من الله -تعالى – الرحمة.
و «الکاف» تعلیلیّةٌ، أو تشبیهیّةٌ.
و المراد ب- «الهدایة» هنا: الدعوة إلى الحقّ؛ أی: ارحم على محمّدٍ و آله – صلوات الله علیه و علیهم – بدلاً عن هدایته إیّانا.
و «کما استنقذتنا به» أی: مثل ما خلّصتنا و نجّیتنا بوسیلة هدایته – صلّى الله علیه و آله
و سلّم – عن ظلمة الکفر.
و «یوم الفاقة إلیک» أی: یوم الإحتیاج إلیک.
فان قیل: إنّ إحتیاج الممکن إلى الواجب فی کلّ آنٍ – لما قد عرفت سابقاً من أنّ الممکن کما یحتاج إلى العلّة الموجدة فکذلک یحتاج إلى العلّة المبقیة فی کلّ آنٍ -، فالتخصیص ب- «یوم الإحتیاج» لماذا؟
قلت: لأنّ بعض الأیّام فی بادىء الرأی اشدّ إحتیاجاً من بعضٍ آخر؛
و یحتمل أن یکون المراد من «الیوم»: الوقت و الحین، فانّ العرب قد تطلق الیوم و ترید الوقت و الحین.
إِنَّکَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ، وَ هُوَ عَلَیْکَ یَسِیرٌ.
هذه جملةٌ مستأنفةٌ لتعلیل الدعاء، فانّ کمال قدرته على جمیع الأشیاء موجبٌ لقدرته -عزّ و جلّ – على إجابة دعائه و إنجاح مأموله و رجائه.
و «هو علیک یسیرٌ» أی: ما ذکرنا – من الرحمة و الشفاعة – فی حقّنا علیک سهلٌ یسیرٌ، لاصعبٌ عسیرٌ.
هذا آخر اللمعة الحادیة و الثلاثین من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة؛ قد وفّقنی الله -تعالى – لإتمامها فی یوم الأحد لإحدى عشرةٍ خلت من جمادى الثانی سنة إحدى و ثلاثین و ألفٍ من الهجرة النبویّة – علیه آلآف التحیّة -.
1) المصدر: الإصطلاحی الآتی بیانه.
2) هذا أحد معنیی الإستخدام، و له معنىً آخر أیضاً، و لتفصیله راجع: «أنوار الربیع» ج 1ص 307. و انظر أیضاً: «تحریر التحبیر» ص 275، «نهایة الإرب» ج 7 ص 143.
3) البیت لمعاویة بن مالک بن جعفر، راجع: «المفضّلیّات» ص 359.
4) المصدر: أراد.
5) راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 379.
6) راجع: «نهج البلاغة» الحکمة 417 ص 549، «شرح ابن أبی الحدید» علیه ج 20 ص 56.
7) المصدر: – لأحدٍ.
8) هذا نصّ کلام نورالدین الجزائری، راجع: «فروق اللغات» ص 218، و انظر: «الفروق اللغویّة» ص 18.
9) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 387.
10) لم أعثر علیه بتمامه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 66 ص 292.
11) راجع: «صحاح اللغة» ج 6 ص 2352 القائمة 2، و انظر: «القاموس المحیط» ص 1183القائمة 1.
12) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 389.
13) إشارةٌ إلى قوله – علیه السلام -: «إلهی ما عبدتک خوفاً من عقابک و لا طمعاً فی ثوابک»؛راجع: «بحارالأنوار» ج 41 ص 14، «عوالی اللئالی» ج 2 ص 11 الحدیث 18، «نهج الحقّ»ص 248.
14) کریمة 76 یوسف.
15) کریمة 120 التوبة.
16) کریمة 28 فاطر.
17) المصدر: + ذلک.
18) راجع: «مفردات ألفاظ القرآن» ص 283 القائمة 2.
19) هذه الثلاثة منقولةٌ من کلام محدّث الجزائری، راجع: «نورالأنوار» ص 152.
20) هذا منقولٌ من کلام علّامة المدنی، راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 391.
21) قارن: «نورالأنوار» ص 152.
22) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 392.
23) المصدر: فهی.
24) قارن: نفس المصدر، مع تغییرٍ یسیرٍ.
25) راجع: «المحکم فی اللغة» ج 2 ص 224.
26) کما حکاه المحدّث الجزائری، راجع: «نورالأنوار» ص 152.
27) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 395.
28) راجع: «نهج البلاغة» الخطبة 110 ص 164، و انظر: «شرح ابن أبی الحدید» علیه ج 7ص 221.
29) کریمة 46 الحج.
30) کما حکاه المحدّث الجزائری، انظر: «نورالأنوار» ص 152.
31) هذا نصّ کلام السیّد نورالدین، راجع: «فروق اللغات» ص 198. و أبوهلال لم ینعقد لهما باباًفی کتابه.
32) کریمة 64 العنکبوت.
33) کریمة 22 ق.
34) کریمة 122 الأنعام.
35) راجع: «الأنوار الساطعة» ج 1 ص 144، و انظر: «الحکمة المتعالیة» ج 8 ص 306.
36) کریمتان 13 / 14 الإسراء.
37) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 398.
38) کریمة 26 البقرة.
39) المصدر: + فیه.
40) المصدر: العیب.
41) کما حکاه النووی عنه، راجع: «تهذیب الأسماء و اللغات» / القسم الثانی ج 1 ص 79القائمة 2.
42) و انظر: «مفردات ألفاظ القرآن» ص 892 القائمة 2.
43) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 399.
44) کریمة 16 السجدة.
45) و انظر: «نورالأنوار» ص 152.
46) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 401.
47) و انظر: «المحکم فی اللغة» ج 1 ص 68.
48) کریمة 7 القمر.
49) کریمة 108 طه.
50) راجع: «فروق اللغات» ص 122.
51) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 402.
52) قال الرضی: «و هو عند سیبویه قیاسٌ من باب أفعل مع کونه ذا زیادةٍ»؛ راجع: «شرح الرضی على الکافیة» ج 4 ص 451.
53) المصدر: مفعول.
54) کریمة 34 الکهف.
55) المصدر: بالأنف.
56) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 403.
57) المصدر: الحلم.
58) راجع: «الحکمة المتعالیة» ج 4 ص 117.
59) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 406.
60) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 407.
61) کریمة 7 غافر.
62) قارن: نفس المصدر و المجلّد أیضاً ص 409.
63) کریمة 60 غافر.
64) کریمة 37 الأحزاب.
65) کریمة 11 الأنفال.
66) کریمة 7 الأنفال.
67) کریمة 127 البقرة.
68) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 410.
69) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 411.
70) راجع: «شرح الصحیفة» ص 284، و انظر أیضاً: «نورالأنوار» ص 152.
71) المصدر: المخلوق.
72) کریمة 76 یس.
73) راجع: «النشر فی القراءآت العشر» ج 1 ص 225.
74) راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 411.
75) راجع: «شرح الصحیفة» ص 284.
76) کریمة 198 البقرة.
77) و المعنى نقله ابن هشامٍ عن ابن خبّاز و السیرافی و غیرهما، ثمّ قال: «و هو غریبٌ جدّاً»؛راجع: «مغنی اللبیب» ج 1 ص 237.
78) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 415.
79) راجع: «الکافی» ج 2 ص 122 الحدیث 3، «وسائل الشیعة» ج 25 ص 274 الحدیث31895، «مستدرک الوسائل» ج 17 ص 27 الحدیث 20650، «الأمالی» – للطوسیّ – ص182 الحدیث 306.
80) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 416.
81) مضى هذا البحث تفصیلاً.
82) کریمة 114 هود.
83) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 418.
84) راجع: «الکافی» ج 7 ص 142 الحدیث 1، «من لایحضره الفقیه» ج 4 ص 335 الحدیث5723، «التهذیب» ج 9 ص 367 الحدیث 12، «الإستبصار» ج 4 ص 191 الحدیث 12،«وسائل الشیعة» ج 26 ص 15 الحدیث 32389.
85) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 420.
86) و لتفصیل ذلک انظر: «نورالأنوار» ص 152، حیث عدّد المحدّث الجزائریّ عشرة أقوال فیماهیّة الکبیرة.
87) کریمة 120 الأنعام.
88) راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 420.
89) هذا قول قتادة و مجاهد و الربیع، راجع: «مجمع البیان» ج 4 ص 149.
90) هذا قول الجبائیّ، راجع: نفس المصدر. و انظر أیضاً: «تفسیر القرطبی» ج 7 ص 74.
91) راجع: «تفسیر القمّی» ج 1 ص 215.
92) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 421.
93) کریمة 108 آل عمران.
94) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 422.
95) کریمة 1 هود.
96) کریمة 7 آل عمران.
97) کریمة 25 الشورى.
98) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 426.
99) کریمة 26 الشورى.
100) لم أعثر على هذه الأقوال بین کتب المفسّرین، فانظر مثلاً: «تفسیر الکشّاف» ج 3 ص 469،«مجمع البیان» ج 9 ص 50، «التفسیر الکبیر» ج 27 ص 168، «التبیان» ج 9 ص 160.
101) راجع: «مجمع البیان» ج 9 ص 49، مع تغییرٍ یسیر.
102) کریمة 23 الشورى.
103) کریمة 24 الشورى.
104) کریمة 222 البقرة.
105) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 428.
106) قال القشیریّ: «و سئل ذوالنون المصری عن التوبة؟ فقال: توبة العوام من الذنوب و توبةالخواصّ من الغفلة»؛ راجع: «الرسالة القشیریّة» ص 173، و انظر: «عوارف المعارف»ص 487.
107) من هذه اللفظة إلى آخر العبارة قول عبدالله بن علیّ التمیمی، راجع: نفس المصدر ص 174.
108) انظر: «الفتوحات المکّیّة» ج 2 ص 136.
109) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 429.
110) کریمة 9 إبراهیم.
111) شرح الکافیة: هی.
112) شرح الکافیة: نقول.
113) راجع: «شرح الرضی على الکافیة» ج 4 ص 279.
114) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 430.
115) راجع: «نهج البلاغة» الکلمة 78 ص 104، «شرح ابن أبی الحدید» علیه ج 6 ص 176،«المصباح» – للکفعمی – ص 301، «بحارالأنوار» ج 91 ص 229.
116) کریمة 185 آل عمران / 35 الأنبیاء / 57 العنکبوت.
117) کریمة 95 مریم.
118) کریمة 255 البقرة.
119) کریمة 64 مریم.
120) لم أعثر علیه.
121) کریمة 58 البقرة / 161 الأعراف.
122) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 439.
123) کریمة 2 الشرح.
124) و انظر: «مجمع البیان» ج 10 ص 387.
125) کریمة 53 یوسف.
126) راجع: «الکافی» ج 2 ص 435 الحدیث 11، «مستدرک الوسائل» ج 12 ص 137 الحدیث13716، «بحارالأنوار» ج 70 ص 361 الحدیث 200، و انظر: «نورالأنوار» ص 154.
127) هذه مختاراتٌ من کلام ابن هشام فی «تنبیه» ذکره بعد بیان «إعراب أسماء الشرط والإستفهام»، راجع: «مغنی اللبیب» ج 2 ص 608.
128) تکرّرت هذه الکریمة 10 مرّات فی القرآن الکریم، فانظر مثلاً 73 الأنعام.
129) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 443.
130) کریمة 59 الأنعام.
131) راجع: «شرح الرضی على الکافیة» ج 4 ص 35.
132) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 445.
133) انظر: «شرح ابن عقیل على الألفیّة» ج 2 ص 221.
134) کریمة 104 التوبة / 20 الشورى.
135) راجع: «الکافی» ج 2 ص 435 الحدیث 10، «وسائل الشیعة» ج 16 ص 74 الحدیث21016، «مستدرک الوسائل» ج 12 ص 131 الحدیث 13710، «بحارالأنوار» ج 90ص 281.
136) و هذا ضبط نسخة ابن إدریس، انظر: «نورالأنوار» ص 154.
137) الذریعة: فهو.
138) الذریعة: أنبأ عن.
139) الذریعة: فضل.
140) البیت لابن الرومی، انظر: «محاضرات الأدباء» ج 1 ص 231.
141) الذریعة: إن.
142) الذریعة: بحسن.
143) هیهنا حذف المصنّف قطعةً من المصدر.
144) راجع: «الذریعة إلى مکارم الشریعة» ص 333.
145) کریمة 17 النساء.
146) کما قال الطبرسیّ فی أحد وجوه معنى الآیة: «انّ کلّ معصیةٍ یفعلها العبد جهالةٌ»؛ راجع: «مجمع البیان» ج 3 ص 42.
147) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 43.
148) کریمة 89 یوسف.
149) راجع: «القصص» – للجزائریّ – ص 168، و انظر: «بحارالأنوار» ج 6 ص 32، «تفسیرالعیّاشی» ج 1 ص 228 الحدیث 62.
150) راجع: نفس المصدر أیضاً.
151) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 447.
152) المصدر: – و.
153) کریمة 268 البقرة.
154) لم أعثر علیه بألفاظه، و انظر: «مستدرک الوسائل» ج 11 ص 360 الحدیث 13261،«بحارالأنوار» ج 50 ص 39، «قوت القلوب» ج 1 ص 113.
155) المصدر: شرعٍ.
156) هذا کلام العارف الکاشانی، راجع: «اصطلاحات الصوفیّة» ص 130 الإصطلاح 485.
157) کما عن الجوهریّ: «لحظه و لحظ إلیه أی: نظر إلیه بمؤخّر عینیه»؛ راجع: «صحاح اللغة» ج 3ص 1178 القائمة 2.
158) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 453.
159) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 454.
160) راجع: «المصباح المنیر» ص 33.
161) قارن: نفس المصدر أیضاً.
162) قارن: نفس المصدر و المجلّد أیضاً.
163) کریمة 34 الحجر / 77 ص.
164) کما عن الفیومی: «و هو سعة أمام البیت، و قیل: ما امتدّ من جوانبه»؛ راجع: «المصباح المنیر»ص 660.
165) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 456.
166) راجع: «المحجّة البیضاء» ج 4 ص 159، «مکارم الأخلاق» ج 1 صص 12، 22.
167) راجع: «صحاح اللغة» ج 4 ص 1660 القائمة 2.
168) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 458.
169) المصدر: و حسنه رفع.
170) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 460.
171) قارن: نفس المصدر و المجلّد أیضاً ص 464.
172) کریمة 22 فاطر.
173) قارن: نفس المصدر أیضاً ص 466.
174) قارن: المصدر نفسه أیضاً ص 469.
175) کریمة 112 النساء.
176) کریمة 270 البقرة.
177) کریمة 11 الجمعة.
178) کریمة 135 النساء.
179) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 1 ص 570.
180) راجع: «ریاض السالکین» ج 4 ص 470.
181) لم أعثر علیه، و انظر: «عیون أخبار الرضا» ج 1 ص 137 ذیل الحدیث 35.
182) لم أعثر علیه، لا فی مصادرنا و لا فی مصادر العامّة.
183) راجع: «النهایة» ج 1 ص 402.
184) لم أعثر على هذا الکتاب.
185) قارن: «ریاض السالکین» ج 4 ص 472.
186) کریمة 60 غافر.
187) کریمة 156 الأعراف / 7 غافر.
188) کریمة 106 التوبة.