بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الّذی جعل النظر إلى السحاب و البرق و صوت الرعد إعتبارآ لأولى الألباب، و التفکّر فی کیفیّة تکوینها موجباً للاستبصار و مزیداً للثواب؛ و الصلاة و السلام على الحقیقة المحمّدیّة الّتی هی المرجع و المآب، و على آله و أهل بیته سیّما وصیّه الّذی قال: «علّمنی ألف باب من العلم فتح من کلّ بابٍ ألف باب»(1)
و بعد؛ فیقول العبد الراجی إلى سحاب رحمته الشاملة و أمطار رأفته الکاملة محمّد باقر بن السیّد محمّد من السادات الموسویّة: هذه اللمعة السادسة و الثلاثون من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة – علیه و على آبائه و أبنائه صلواتٌ غیر متناهیةٍ -.
وَ کَانَ مِنْ دُعَائِهِ – عَلَیْهِ السَّلاَمُ – إِذَا نَظَرَ إِلَى السَّحَابِ وَ الْبَرْقِ وَ سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ.
<و «السَحاب» - بالفتح -: الغیم، سواءٌ کان فیه ماءٌ أم لا، و لهذا یقال: سحابٌ جهامٌ أی: لاماء فیه. و أصله من السحب، و هو الجرّ، سمّی بذلک لجرّ الریح له. و الجمع: سُحُب -
بضمّتین -، أو: السحائب.
و «البرق»: لمعان السحاب و صوته. و إضافة «الصوت» إلیه من قبیل إضافة العامّ إلى الخاصّ>(2)؛ و قد تقدّم الکلام علیها مستوفىً فی اللمعة الثالثة.
اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَیْنِ ایَتَانِ مِنْ آیَاتِکَ، وَ هَذَیْنِ عَوْنَانِ مِنْ أَعْوَانِکَ، یَبْتَدِرَانِ طَاعَتَکَ بِرَحْمَةٍ نَافِعَةٍ أَوْ نَقِمَةٍ ضَارَّةٍ، فَلاَتُمْطِرْنَا بِهِمَا مَطَرَ السَّوْءِ، وَ لاَتُلْبِسْنَا بِهِمَا لِبَاسَ الْبَلاَءِ.
الظاهر انّ المشار إلیها ب- «هذین»: البرق و الرعد، أو السحاب و البرق، أو السحاب و الرعد.
و «الآیة»: العلامة الظاهرة.
و هما علامتان من علاماتک، لأنّهما دالّتان على المطر، و على وحدانیّته و قدرته -سبحانه، کما قال تعالى: (وَ مِنْ آیَاتِهِ یُرِیکُمُ الْبَرقَ خَوفاً وَ طَمَعاً)(3) -.
و «العون»: المعین و الظهیر، <أی: یعینانک على سوق السحاب مجازاً؛ أو: انّک جعلتهما من أعوان الناس على تحصیل الأرزاق، لما روی فی الحدیث من: «انّ الرعد صوت الملک، و البرق سوطه»(4)
قوله – علیه السلام -: «یبتدران طاعتک برحمةٍ» أی: یتسارعان إلیهما حال کونهما متلبّسین بالرحمة منک – و هی الإمطار ->(5) قال فی الصحاح: «ابتدر(6) القوم(7) السلاح:
تسارعوا إلى أخذه»(8)
و إن کان حالهما کما ذکرنا من الرحمة تارةً و من العقوبة أخرى «فلا» تجعلهما نقمتین علینا بأن «تمطرنا» بسببهما «مطر السوء»، و «تلبسنا» بسببهما «لباس البلاء» – کما فی قوم ثمود -.
ف- «الفاء» فی قوله: «فلاتمطرنا» فصیحةٌ. و قد صرّح أهل اللغة بأنّ «أمطر» فی السخط و العذاب، <و «مطر» فی الفضل و الرحمة(9) و کثیراً مّا یعدّی الأوّل ب- «على» دون الثانی>(5)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَنْزِلْ عَلَیْنَا نَفْعَ هَذِهِ السَّحَائِبِ وَ بَرَکَتَهَا، وَ اصْرِفْ عَنَّا أَذَاهَا وَ مَضَرَّتَهَا، وَ لاَتُصِبْنَا فِیهَا بِآفَةٍ، وَ لاَتُرْسِلْ عَلَى مَعَایِشِنَا عَاهَةً.
«و أنزل علینا» أی: أعطنا و أوصل إلینا برکة هذه السحاب من الخصب و الوسعة. و «السحاب» یؤنّث باعتبار المعنى – لأنّه جمع سحابة، و هی من الجموع الّتی ممتازةٌ عن مفردها بالتاء، کالبنان و البنانة -، و لهذا أنّث إسم الإشارة و أرجع ضمیر التأنیث إلیها – کما فی قوله تعالى: (وَ یُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ)، حیث أورد صفة الجمع – <و یذکّر باعتبار اللفظ.
و «البرکة»: ثبوت الخیر الإلهیّ فی الشیء، مأخوذٌ من: برکة البعیر: إذا ألقى برکه – أی: صدره – على الأرض. و تطلق علی کلّ نماءٍ و زیادةٍ غیر محسوسین، لکون الخیر الإلهیّ یصدر من حیث لایحسّ و على وجهٍ لایحصى.
و «صرَف» الله عنه السوء صرْفاً – من باب ضرب -: ردّه عنه.
و «الأذى» قیل: «المکروه الیسیر»(10)؛ و قیل: «ما یلحق الحیوان من ضررٍ فی نفسه أو
ماله».
و «المضرّة»: الضرر>(11)
و «أصبته» بمکروهٍ: أوقعته به.
و «الآفة»: عرضٌ یفسد ما أصابته.
و الضمیر فی «فیها» راجعٌ إلى «السحاب».
و «لاترسل» أی: لاتسلّط، و لذلک عدّاه ب- «على»، و إلّا فالأصل تعدیته ب- «إلى».
و «المعاش»: جمع المعیشة، و المراد بها: ما یتعیّش بها.
و «العاهة»: کالآفة وزناً و معنىً. و العائد فی هذه الجملة محذوفٌ، تقدیره: فاجعل أثرها فی المشرکین و الملحدین.
اللَّهُمَّ وَ إِنْ کُنْتَ بَعَثْتَهَا نِقْمَةً وَ أَرْسَلْتَهَا سَخْطَةً فَإِنَّا نَسْتَجِیرُکَ مِنْ غَضَبِکَ، وَ نَبْتَهِلُ إِلَیْکَ فِی سُوَالِ عَفْوِکَ، فَمِلْ بِالْغَضَبِ إِلَى الْمُشْرِکِینَ، وَ أَدِرْ رَحَى نَقِمَتِکَ عَلَى الْمُلْحِدِینَ.
<تصدیر الجملة بحرف الشکّ للإیذان باستواء الخوف و الطمع عنده من بعث هذه السحاب من غیر ترجیحٍ لأحدهما على الآخر.
و إنّما قال: «و إن کنت بعثتها» و لم یقل: و إن بعثها، للإشعار بتقدّم بعثها فی علمه -تعالى ->(12)
و «بعثتها… و أرسلتها» أی: وجّهتها؛
و «الفاء» من قوله: «فإنّا» للتعلیل.
و فی قوله: «فمل» للشرط المحذوف، أی: إذا کنّا نستجیرک من غضبک و نبتهل إلیک فی سؤال عفوک «فمل» به إلیها.
و «الإبتهال»: التضرّع.
و «المیل»: الإنحراف؛ و المعنى: اصرف القضاء عنّا إلى المشرکین.
<و «المشرک»: اسم فاعلٍ من: أشرک بالله أی: أثبت له شریکاً فی الألوهیّة.
و «أدر رحى نقمتک» أی: شدّد علیهم إنتقامک، من قولهم: دارت رحى الحرب أی: اشتدّ القتال. و یحتمل أن یکون المراد: أنزل بهم نقمتک، من قولهم: دارت علیه رحى الموت: إذا نزل به.
و «الملحد»: اسم فاعلٍ من ألحد أی: مال عن الحقّ>(13) – و قد مرّ -.
اللَّهُمَّ أَذْهِبْ مَحْلَ بِلاَدِنَا بِسُقْیَاکَ، وَ أَخْرِجْ وَحَرَ صُدُورِنَا بِرِزْقِکَ، وَ لاَتَشْغَلْنَا عَنْکَ بِغَیْرِکَ، وَ لاَتَقْطَعْ عَنْ کَافَّتِنَا مَادَّةَ بِرِّکَ، فَإِنَّ الْغَنِیَّ مَنْ أَغْنَیْتَ، وَ إِنَّ السَّالِمَ مَنْ وَقَیْتَ.
«المحْل» – بسکون الحاء المهملة، على وزن سهل -: القحط و انقطاع المطر.
<و «السُقیا» - بالضمّ، على وزن فُعلى -: اسمٌ من: سقاه الله الغیث: أنزله له؛ و منه حدیث الدعاء: «سقیا رحمةٍ لاسقیا عذابٍ»(14) -، أی: اسقنا غیثاً نافعاً بلاضررٌ و لاافسادٍ>(15)
و «الوَحَر» – بالحاء و الراء المهملة -: الغشّ و الوساوس و شدّة الغضب، قال الجوهریّ:
«هو بالتحریک مصدرٌ، و بالتسکین اسمٌ(16)»(17)؛ أی: اجعل صدورنا مطهّرةً من هذه اللعل بسعة رزقک، فانّ رزقک إذا کان واسعاً علینا لم تتدنّس قلوبنا بهذه العلل.
و «لاتشغلنا عنک بغیرک» أی: لاتشغلنا بغیرک غافلاً.
و «الکافّة»: الجمیع من الناس.
و «المادّة»: الزیادة المتّصلة.
و «البِرّ» – بالکسر -: الخیر و التوسّع فی الإحسان؛ أی: إجعل زوائد برّک لنا متّصلاً غیر منقطعٍ.
«فانّ الغنیّ من أغنیت».
«الفاء» للسببیّة، أو للترتیب الذکریّ.
و «وقیته» وقایةً: حفظته ممّا یؤذیه و یضرّه. و مفعولا «أغنیت» و «وقیت» محذوفان، أی: أغنیته و وقیته. و قد اطّرد حذف المفعول إذا کان ضمیراً عائداً إلى الموصول.
مَا عِنْدَ أَحَدٍ دُونَکَ دِفَاعٌ، وَ لاَبِأَحَدٍ عَنْ سَطْوَتِکَ امْتِنَاعٌ، تَحْکُمُ بِمَا شِئْتَ عَلَى مَنْ شِئْتَ، وَ تَقْضِی بِمَا أَرَدْتَ فِیمَنْ أَرَدْتَ.
«ما عند أحدٍ» إستینافٌ تعلیلیٌّ، کأنّ الله یقول: لم لایکون السالم إلّا من وقیت؟
أجاب: بانّه لیس دفاعٌ عند أحدٍ سواک، و لیس «امتناعٌ» مع «أحدٍ من سطوتک».
و «الباء» فی «بأحدٍ» للإستعانة، أو السببیّة، أو الآلة؛ أی: لیس لأحدٍ من العباد أن یمتنع عن سطوتک و بطشتک بإعانة أحدٍ، کما لایقدر أن یدفع سوءً عن نفسه بنفسه.
قوله – علیه السلام -: «تحکم بما شئت على من شئت» إستینافٌ آخر تعلیلیٌّ أیضاً – کالجملة السابقة -، کأنّ الله یقول: کیف علمت أن لیس عند أحدٍ دفاعٌ و لا امتناعٌ عن
سطوتی سوای؟
أجاب: بأنّک تحکم بما شئت على من شئت و تحکم بما أردت لمن أردت، لا رادّ لقضائک و لامعقّب لحکمک.
و قد تقدّم الکلام على «المشیّة» و «الإرادة»؛ فتذکّر!.
فَلَکَ الْحَمْدُ عَلَى مَا وَقَیْتَنَا مِنَ الْبَلاَءِ، وَ لَکَ الشُّکْرُ عَلَى مَا خَوَّلْتَنَا مِنَ النَّعْمَاءِ. حَمْداً یُخَلِّفُ حَمْدَ الْحَامِدِینَ وَرَاءَهُ، حَمْداً یَمْلاَُ أَرْضَهُ وَ سَمَاءَهُ.
أی: إذا کنت أنت الواقی للسالم و المغنی للغنیّ و لیس أحدٌ سواک «فلک الحمد على ما وقیتنا من البلاء» لغیرک.
و «لک الشکر على ما خوّلتنا» أی: ملّکتنا. <و تقدیم «الحمد» على «الوقایة من البلاء» على «الشکر على تخویل النعماء» لما تقرّر من أنّ دفع الضرر أهمّ من جلب النفع، و التخلیة مقدّمةٌ على التحلیة. و إیثار الشکر على(18) النعماء ظاهرٌ، لأنّه لایقال إلّا فی مقابلة نعمةٍ>(19)
و قوله: «حمداً»: مفعولٌ مطلق لفعلٍ مستنبطٍ من قوله: «فلک الحمد».
و «التخلیف»: جعل الشیء فی الخلف، نقیض القدّام. و لابدّ من التجرید لمکان قوله: «وراءه» أی: أحمدک حمداً یجعل جمیع الحامدین وراءه.
و قوله: «حمداً یملأ» بدلٌ عن «الحمد» السابق.
إِنَّکَ الْمَنَّانُ بِجَسِیمِ الْمِنَنِ، الْوَهَّابُ لِعَظِیمِ النِّعَمِ، الْقَابِلُ یَسِیرَ الْحَمْدِ، الشَّاکِرُ قَلِیلَ الشُّکْرِ، الُْمحْسِنُ الُْمجْمِلُ ذُو الطَّوْلِ، لاَإِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، إِلَیْکَ الْمَصِیرُ.
«إنّک المنّان»: إستینافٌ، کأنّ الله یقول: لم حمدتنی بتلک العظمة من الحمد؟
أجاب: لأنّک المنّان – أی: المنعم – «بجسیم المنن» أی: بعظیم النعم.
و قوله: «الوهّاب لعظیم النعم» عطف تفسیرٍ للأولى.
قوله: «القابل یسیر الحمد» أی: یقبل الحمد القلیل؛ و هذا نظیر قوله – علیه السلام -: «یا من یقبل القلیل و یجازی بالجلیل».
قوله – علیه السلام -: «الشاکر قلیل الشکر» أی: المجازی بالکثیر على الشکر القلیل.
و لمّا وصفه -تعالى – بالصفات المذکورة الّتی لایلیق إلّا بحضرته المقدّسة – و هو یقتضی التوحید و التفرید بالألوهیّة – فقال: «لا إله إلّا أنت».
و «المصیر»: المنقلب، أی: إلیک المرجع فحسب.
هذا آخر اللمعة السادسة و الثلاثین من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة، وفّق الله -تعالى – لإتمامها فی لیلة الخمیس غرّة شهر الشعبان سنة إحدى و ثلاثین و مأتین و ألفٍ من الهجرة النبویّة.
1) راجع: «الإرشاد» ج 1 ص 33 الحدیث 3، «إعلام الوری» ص 159، «الأمالی» – للصدوق -ص 636 الحدیث 6، «الخصال» ج 2 ص 572 الحدیث 1، و انظر: «بحارالأنوار» ج 22 ص461، «کشف الیقین» ص 431، «روضة الواعظین» ج 1 ص 75.
2) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 201، مع تغییرٍ یسیر.
3) کریمة 24 الروم.
4) راجع: «من لایحضره الفقیه» ج 1 ص 526 الحدیث 1497، و لم أعثر علیه فی غیره.
5) قارن: «نورالأنوار» ص 163.
6) المصدر: ابتدروا.
7) المصدر: – القوم.
8) راجع: «صحاح اللغة» ج 2 ص 586 القائمة 1.
9) و عن الجوهریّ: «و ناسٌ یقولون: مطرت السماء و أمطرت»؛ راجع: «صحاح اللغة» ج 2 ص818 القائمة 1.
10) و انظر: «المصباح المنیر» ص 13.
11) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 206.
12) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 207.
13) قارن: نفس المصدر أیضاً ص 208.
14) لم أعثر علیه، لا فی مصادرنا و لا فی مصادر العامّة. و لمترد العبارة فی النهایة أیضاً و إن کانتشبیهةً بعباراته، انظر: «النهایة» ج 2 ص 380.
15) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 209.
16) قال: «… وحر بالتسکین – مثل وغر -، و هو اسمٌ و المصدر بالتحریک».
17) راجع: «صحاح اللغة» ج 2 ص 844 القائمة 2.
18) المصدر: فی.
19) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 214.