بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الّذی غایة شکره الإعتراف بالتقصیر عن تأدیة شکره، و نهایة ذکره الإغتراف بالتبصیر من بحار النسیان عن ذکره؛ و الصلاة و السلام على نبیّه المعترف بالعجز عن ثنائه و شکره(1)، و على آله و أهل بیته السالکین مسلکه فی العجز عن حقّ شکره و
ذکره.
و بعد؛ فیقول العبد الراجی توفیق شکره و ذکره محمّد باقر بن السیّد محمّد – أجارهما الله تعالى من الشیطان و شرّه -: هذه اللمعة السابعة و الثلاثون من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة – علیه و على آبائه و أبنائه صنوف الآلآء و التحیّة -.
وَ کَانَ مِنْ دُعَائِهِ – عَلَیْهِ السَّلاَمُ – إِذَا اعْتَرَفَ بِالتَّقْصِیرِ عَنْ تَأْدِیَةِ الشُّکْرِ.
«اعترف» أی: أقرّ.
و «التقصیر» إمّا بمعنى: العجز، یقال: قصر عن الشیء قصوراً – من باب قعد – و: قصّر عنه تقصیراً أی: عجز عنه و لم یبلغه؛ و إمّا بمعنى: التوانی فی الأمر، یقال: قصّر فلانٌ فی
حاجتی تقصیراً: إذا توانى فیها. و الأوّل یتعدّی ب- «عن» و الثانی ب- «فی».
و «التأدیة»: مصدر أدّى الحقّ: إذا أوصله وافیاً، و الإسم: الأداء.
و «الشکر» قد مرّ معناه فی اللمعة الأولى. و عن ابن عبّاس انّه قال: «هو الطاعة بجمیع الجوارح لربّ العالمین فی السرّ و العلانیّة»(2) و هذا کما اشتهر على ألسنة الجمهور: انّه عبارةٌ عن صرف العبد جمیع ما أنعمه الله فیما خلق لأجله. و إلى نحوه ذهب بعض المشایخ فقال: «انّه أداء الطاعات فی الظاهر و الباطن»؛
و قال بعضهم: «اجتناب المعاصی ظاهراً و باطناً»؛
و قال غیره: «الإحتراس عن إختیار معاصی الله(3) – أی: تحترس على قلبک و لسانک و أرکانک حتّى لایعصی الله بشیءٍ من هذه الثلاثة -»؛
و قال آخر: «الشکر: تعظیم المنعم و عدم کفرانه»، فلو قیل: تعظیم المحسن على مقابلة إحسانه لیصحّ أن یکون من الله الشکر للعبد المحسن.
و قد علمت فیها انّه من جملة مقامات السالکین و منزلٌ من منازل أهل الدین(4)، و کلّ مقامٍ و منزلٍ لهم ینتظم من علمٍ وحالٍ و عملٍ؛ العلم هو الأصل، فیورث الحال، و الحال ثورت العمل.
أمّا العلم هیهنا فهو معرفة المنعم و إنعامه؛
و أمّا الحال فیه فهو الإبتهاج الحاصل بإنعامه؛
و أمّا العمل فیه فهو القیام بما هو مؤدٍّ إلى مقصود المنعم و غایة إنعامه. و یتعلّق ذلک العمل بالقلب و الجوارح و اللسان. و لابدّ من بیان جمیع ذلک لیحصل بمجموعه الإحاطة بحقیقة الشکر.
أمّا العلم فهو متعلّقٌ بثلاثة أمورٍ:
بعین النعمة و وجه کونها نعمةً فی حقّه؛
و بذات المنعم و وجود صفاته الّتی بها یتمّ الإنعام؛
و بصدور الإنعام منه علیه، فانّه لابدّ من منعمٍ و منعمٍ علیه یصل إلیه النعمة من المنعم بقصدٍ و إرادةٍ. فهذه الأمور لابدّ من معرفتها فی حقّ غیر الله، فأمّا فی حقّ الله فلایتمّ إلّا بأن یعرف انّ النعم کلّها منه و هو المنعم بالحقیقة، و الوسائط مسخّرون من جهته. و هذه المعرفة هی معرفة أن لامؤثّر فی الوجود إلّا الله، و هی توحید الأفعال.
و هذه المعرفة وراء التقدیس و التوحید فی الذات الواجبیّة، إذ دخل هذا التوحید و التقدیس فیها، بل الرتبة الأولى فی معارف الإیمان التقدیس؛
ثمّ إذا عرف ذاتاً مقدّسةً عن النقائص الإمکانیّة – فضلاً عن مثالب المادّیّة و المکانیّة – فیعرف انّه لامقدّس إلّا واحدٌ، و ما عداه غیر مقدّسٍ، و هو التوحید؛
ثمّ یعلم انّ کلّ فی العالم فهو موجودٌ من ذلک الواحد فقط، و الکلّ نعمةٌ منه، فیقع هذه المعرفة فی الرتبة الثالثة – أی: بعد المعرفتین الأولیین -. فینطوی فیها مع التقدیس و التوحید کمال القدرة و الإنفراد بالفعل. و عن هذا عبّر رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – حین قال: «من قال سبحان الله فله عشر حسنات، و من قال لا اله إلّا الله فله عشرون، و من قال الحمد لله فله ثلاثون حسنةً»(2)؛
و قال: «أفضل الذکر(5) لا اله إلّا الله، و أفضل الدعاء الحمد لله»(6)؛
و قال: «لیس شیءٌ من الأذکار یضاعف ما تضاعف الحمد»(7)
و لاتظننّ أنّ هذه الحسنات بإزاء تحریک اللسان بهذه الکلمات من غیر حصول معانیها
فی القلب، ف- «سبحان» کلمةٌ تدلّ على التقدیس، و «لا إله إلّا الله» کلمةٌ تدلّ على التوحید، و «الحمد لله» على معرفة النعمة من الواحد الحقّ؛ فالحسنات بازاء هذه المعارف الّتی هی من أنوار الإیمان.
و اعلم! أنّ تمام هذه المعرفة بنفی الشرک فی الأفعال؛ فمن أنعم علیه ملکٌ من الملوک بشیءٍ فان رأى المنعَم علیه لوزیره أو وکیله دخلاً فی تیسیر ذلک و إیصاله إلیه، فهو إشراکٌ به فی النعمة، فلایرى النعمة من الملک من کلّ وجهٍ، بل منه بوجهٍ، فیتوزّع فرحه علیها؛ فلایکون موحّداً فی حقّ الملک. نعم! لاینقص عن توحیده فی حقّ الملک و کمال شکر النعمة الواصلة إلیه بتوقیعه الّذی کتبه بقلمه و بالکاغذ الّذی کتبه علیه، فانّه لایفرح بالقلم و الکاغذ و لایشکرهما، لأنّه لایثبت لهما دخلاً من حیث هما موجودان بأنفسهما، بل من حیث هما مسخّران تحت قدرة الملک. و قد یعلم انّ الوکیل الموصل و الخازن أیضاً مضطرّان من جهة الملک فی الإیصال و انّه أورد الأمر إلیهما؛ و لو لم یکن من جهة الملک أمرٌ حتمٌ و قضاءٌ جزمٌ لما سلّما. فإذا عرف ذلک کان نظره إلى الخازن و الوکیل کنظره إلى القلم و الکاغذ، فلایورث ذلک شرکاً فی توحیده من إضافة النعمة إلى الملک.
فکذلک من عرف الله و عرف أفعاله علم انّ (الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ)(8) کالقلم مثلاً فی ید الکاتب؛ و انّ الحیوانات الّتی لها اختیارٌ مسخّراتٌ فی نفس إختیارها؛ فانّ الله -تعالى – هو المسلّط للدواعی علیه، شاء أو أبى – أی: فی حصول الداعی -، کالخازن المضطرّ الّذی لایجد سبیلاً إلى مخالفة الملک؛ و لوخلّی و نفسه لما أعطاک ذرّةً ممّا فی یده!. فکلّ من وصل إلیک نعمة الله على یده فهو مضطرٌّ إذ سلّط الله علیه الإرادة و هیّج الدواعی و ألقى فی قلبه أنّ خیره فی الدنیا و الآخرة هو أن یعطیک ما أعطاک. و بعد خلق الله له هذا الإعتقاد فلایجد سبیلاً إلى ترکه، فهو إذن إنّما یعطیک لغرض نفسه لالغرضک، و لو لم یکن غرضه فی العطاء لما أعطاک. فالمنعم علیک بالحقیقة هو الّذی سخّره
لک و ألقى فی قلبه من الإعتقادات و الإرادات ما صار به مضطرّاً إلى الإیصال إلیک.
فإن عرفت الأمور کذلک فقد عرفت الله و عرفت فعله، و کنت موحّداً و قدرت على شکره، بل کنت بهذه المعرفة بمجرّدها شاکراً؛ و لذلک قال موسى – علیه السلام – فی مناجاته: «إلهی! خلقت آدم بیدک و إذا سوّیته فنفخت فیه من روحک، و فعلت و فعلت، فکیف أشکرک؟
فقال: إذا تعلم انّ ذلک منّی فکانت معرفته شکراً»(9)
فاذن لاشکر إلّا بأن یعرف الکلّ منه، فان خالجک ریبٌ فی هذا لم تکن عارفاً إلّا بالنعمة لابالمنعم، فلاتفرح بالمنعم وحده بل بغیره. فبقدر نقصان معرفتک ینقص حالک فی الفرح، و بنقصان فرحک و ابتهاجک بالمنعم ینقص؛ فهذا بیان هذا.
و أمّا الحال المستثمر من أصل المعرفة – و هو الفرح بالمنعم مع هیئة الخشوع و التواضع -، و هذا أیضاً شکرٌ فی نفسه کما انّ المعرفة شکرٌ. و لکن انّما یکون شکراً إذا کان جامعاً لشروطٍ:
أحدها: أن یکون فرحک بالمنعم لا بالنعمة؛ مثاله: انّ الملک إذا أنعم بفرسٍ على إنسانٍ، تصوّر فرحه بالفرس من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن یفرح به من حیث إنّه فرسٌ و انّه مالٌ ینتفع به و مرکوبٌ یوافق غرضه و انّه جوادٌ نفیسٌ، و لو وجده فی صحراء و أخذه لکان فرحه مثل هذا الفرح؛
الثانی: أن یفرح من حیث إنّه یدلّ على عنایة الملک و شفقته علیه، حتّى انّه لو وجده فی صحراء لمیفرح به أصلا، لاستغنائه عنه أو لاستحقاره بالإضافة إلى ما هو مطلوبه من نیل المحلّ فی قلب الملک؛
الثالث: أن یفرح به لیرکبه و یخرج به فی خدمة الملک لینال بخدمته رتبة القرب منه و
یرتقی إلى درجة الوزارة من حیث إنّه لم یقنع بأن یکون محلّه فی قلب الملک أن یعطیه فرساً و لایکتفی بهذا القدر من العنایة، بل هو طالبٌ لأن لاینعم الملک على أحدٍ إلّا بواسطته؛ ثمّ انّه لایکتفی بالوزارة أیضاً، بل أراد مشاهدة الملک و القرب منه حتّى انّه لو خیّر بین الوزارة دون القرب و بین القرب دون الوزارة لاختارالقرب؛ فهذه ثلاث درجاتٍ.
فالأوّل لایدخل فیه معنى الشکر أصلا، لأنّ نظر صاحبه مقصورٌ على الفرس لابمعطی الفرس، فهذاحال کلّ من فرح بنعمةٍ من حیث إنّها لذیذةٌ و موافقةٌ لغرضه، فهو بعیدٌ من الشکر من حیث إنّه فرحٌ بالمنعم. و لکن لا من حیث ذاته، بل من حیث معرفته غایته الّتی یستحثّه على الإنعام فی المستقبل؛ و هذا حال الصالحین – الّذین یعبدون الله و یشکرونه خوفاً من عقابه و رجاءً لثوابه -. و إنّما الشکر التامّ فی الفرح الثالث، و هو أن یکون فرح العبد بنعم الله من حیث إنّه یقتدر بها على التوسّط إلى القرب منه و النزول فی جواره و النظر إلى وجهه على الدوام؛ فهذا هو الرتبة العلیا. و أمارته أن لایفرح من الدنیا إلّا بما هو مزرعة الآخرة(10) و معینةٌ علیها، و یحزن بکلّ نعمةٍ تلهیه عن ذکر الله و تصدّه عن سبیله، لأنّه لیس یرید النعمة لأنّها لذیذةٌ؛ و لذلک قال الشبلیّ: «الشکر رؤیة المنعم»(11)؛
و قال الخواصّ: «شکر العامّة على المطعم و الملبس، و شکر الخاصّة على واردات القلوب»(12) و هذه رتبةٌ لایدرکها کلّ من إنحصرت عنده اللذّات فی البطن و الفرج و مدرکات الحواسّ، و خلا عن لذّة القلب؛ فانّ القلب – أعنی: الروح – لایلتذّ فی حال الصحّة و السلامة إلّا بذکر الله و معرفته و لقائه، و إنّما یلتذّ بغیره إذا مرض بسوء العادات – کما یستلذّ بعض الناس بأکل الطین، و کما یستقبح بعض المرضى الأشیاء الحلوة و یستحلی
الأشیاء المرّة -. فاذن هذه شرائط الفرح بنعمة الله.
و أمّا العمل و هو صرف الجوارح و سائر النعم فی المصارف الّتی خلقها الله و أنعمها لأجلها، و ذلک لأمرین:
أحدهما: لدوام النعمة؛
و الثانی: لحصول الزیادة. فأمّا دوام النعمة فلأنّ الشکر قیدٌ للنعم، به تدوم و تبقى و بترکه تزول و تحوّل؛ لما علمت انّ کلّ نعمةٍ – بل کلّ عینٍ أو صفةٍ أو قوّةٍ – فهی مخلوقةٌ لأجل غایةٍ و فائدةٍ هی مصرفها، فإذا صرفت فی مصارفها دامت و إلّا زالت – کما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَیُغَیِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى یُغَیِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)(13)، و قال: (فَکَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ و الْخَوفِ)(14)، و قوله: (مَا یَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِکُمْ إِنْ شَکَرتُمْ وَ آمَنْتُمْ)(15)، و فی الحدیث انّه قال صلّى الله علیه و آله و سلّم: «انّ النعم أوابد کأوابد الوحوش، فقیّدوها بالشکر»(16) -.
و أمّا الزیادة فلأنّ الشکر لمّا کان قیداً للنعمة فهو یثمر الزیادة، و صرف الشیء فی مصرفه الطبیعیّ یوجب اشتداده و إزدیاده، کما قال -تعالى -: (لَئِنْ شَکَرْتُمْ لاََزِیدَنَّکُمْ)(17)، قوله: (وَ الَّذِینَ اهْتَدَوا زَادَهُمْ هُدىً)(18) ألاَ ترى انّ السیّد الحکیم إذا رأى العبد قد قام بحقّ نعمته یمنّ علیه بأخرى و یراه أهلاً لها، و إلّا فیقطع عنه ذلک!.
تکمیلٌ
فان قلت: فما موضع الشکر؟
قلنا: موضعه النعم الدنیویّة و الدینیّة مطلقاً.
و أمّا الشدائد و المصائب الدنیویّة فی النفس أو الأهل و المال(19)، فقال بعضهم: «لایلزم العبد الشکر علیها، و إنّما یجب علیها الصبر، و أمّا الشکر فهو على النعمة خاصّةً»؛
و قال بعضهم: «لاشدّة إلّا و فی جنبها نعم الله، فیلزم الشکر على تلک النعم المقترنة به دون نفس الشدّة»؛
و قال بعضهم – و هو الأولى! -: «انّ شدائد الدنیا ممّا یلزم العبد الشکر علیها، لأنّ تلک الشدائد نعمٌ بالحقیقة – لأنّها تعرض العبد بمنافع عظیمةٍ و مثوباتٍ جزیلةٍ و أعواضٍ کریمةٍ فی العاقبة تتلاشی فی جنبها مشقّة هذه الشدائد -. و مثال ذلک: من یسقیک دواءً کریهاً مرّاً للداء الشدید فیؤدّی ذلک إلى صحّة النفس و صفو العیش، فیکون إیلامه إیّاک بمرارة الدواء منّةٌ بالغةٌ بالحقیقة و إن کان فی صورةٍ مکروهةٍ.
فالحاصل من هذا الکلام یرجع إلى أنّ البلیّة و الشدّة یجب الشکر علیهما من حیث إنّهما نعمةٌ. فلاشکر على الشرور و الأعدام من حیث إنّها شرورٌ و أعدامٌ».
هذا هو التحقیق؛ و على هذا یحمل قوله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «الحمد لله على کلّ حالٍ»(20)
ثمّ انّ النعمة قسمان:
دنیویّةٌ؛
و دینیّةٌ.
فالدنیویّة ضربان:
نفعٌ؛
و دفعٌ.
فنعمة النفع – و هی المصالح و المنافع – ضربان:
الخلقة السویّة فی سلامتها و عافیتها و ما سلامة البدن موقوفةٌ علیها – من المطاعم و المشارب و الملابس و المناکح و غیرها من فوائدها -؛
و أمّا نعمة الدفع فهی أن صرّف عنک المفاسد و المضارّ؛ و هی ضربان:
أحدهما: فی النفس بأن سلّمک من زمانها و سائر آفاتها و عللها؛
و الثانی: دفع ما یلحقک من ضرّرٍ أو یقصدک بسوءٍ – من إنسٍ أو جنٍّ أو سباعٍ أو هوامٍّ و نحوها -.
و أمّا النعم الدینیّة فضربان:
نعمة التوفیق، و هی أن وفّقک الله أوّلاً للإسلام ثمّ للطاعة؛
و نعمة العصمة، و هی أن یعصمک الله أوّلاً عن الکفر و الشرک ثمّ عن البدعة أو الضلالة ثمّ عن سائر المعاصی. و تفصیل ذلک لایحیط به إلّا السیّد الحکیم الّذی أنعم علیک؛ کما قال – جلّ جلاله -: (وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَتُحْصُوهَا)(21)
تذییلٌ
فان قلت: هل لنا أن نشکر الخلق على إحسانهم إلینا النعم الواصلة إلینا من الله بأیدیهم – و قد ذکر انّ الوسائط مسخّرون و لاتأثیر لهم فی الإفادة أصلا – ؟!
قلنا: نعم! تأدّباً بأدب الله و أدب رسوله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، فانّ شکر المحسن على الإحسان و الدعاء له من شعار الصالحین و أخلاق العارفین. و ذلک منهم مع کمال توکّلهم على ربّهم و صفاء توحیدهم فی الأفعال و قطعهم النظر عن الأغیار و رؤیتهم النعم کلّها من المنعم الجبّار، فانّهم یفعلون ذلک اقتداءً برسول الله – صلّى الله علیه و آله و
سلّم، کما ورد فی کثیرٍ من الأخبار -.
و بیان ذلک: انّ الناس على ثلاثة أقسامٍ:
فالعامّة حجبوا عن الله بالخلق فی المنع و العطاء؛
و الصوفیّة السالکون فی الإبتداء حجبوا بالله عن الخلق و رأوا الأشیاء من الله حیث طالعوا ناصیة التوحید و خرقوا الحجاب الّذی منع الخلق عن صرف التوحید، فلم یثبتوا للخلق منعاً و لاعطاءً؛
و أمّا الکمّل من العلماء الإلهیّین فحیث ارتقوا إلى ذروة التوحید شکروا الخلق و أثبتوا لهم وجوداً و تأثیراً فی المنع و العطاء بعد أن رأوا و شاهدوا السبب الأوّل أوّلاً. و ذلک لسعة علمهم و قوّة معرفتهم بحیث یسع علمهم للجانبین و لایحجب نظرهم بأحدٍ من الخلق و الحقّ عن الآخر؛ فلایحجبهم الخلق عن الحقّ – کعامّة المسلمین الساکنین فی مقام التسلیم -، و لایحجبهم الحقّ عن الخلق – کأرباب الإرادة و المبتدئین من السالکین -؛ بل شاهدوا الحکمة و الترتیب و نفوذ نور الحقیقة فی مطاوی الممکنات و مکامن الماهیّات، فیشکرون الخلق لأنّهم الوسائط و الأسباب؛ روی عن رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – انّه قال: «أوّل من یدعى إلى الجنّة الحمّادون، الّذین یحمدون الله فی السرّاء و الضرّاء»(22)
اللَّهُمَّ إِنَّ أَحَداً لاَیَبْلُغُ مِنْ شُکْرِکَ غَایَةً إِلاَّ حَصَلَ عَلَیْهِ مِنْ إِحْسَانِکَ مَا یُلْزِمُهُ شُکْراً. وَ لاَیَبْلُغُ مَبْلَغاً مِنْ طَاعَتِکَ وَ إِنِ اجْتَهَدَ إِلاَّ کَانَ مُقَصِّراً دُونَ اسْتِحْقَاقِکَ بِفَضْلِکَ. فَأَشْکَرُ عِبَادِکَ عَاجِزٌ عَنْ شُکْرِکَ، وَ أَعْبَدُهُمْ مُقَصِّرٌ عَنْ طَاعَتِکَ.
التأکید لکمال الإهتمام و العنایة.
و «أحد» ذهب جماعةٌ انّ همزته أصلیّةٌ لابدلٌ من الواو، و لیس هو بمعنى: واحد؛ و منهم الفارسیّ. قال الرضیّ: «کأنّه لمّا لم یُرَ(23) فی نحو: «ما جاءنی أحدٌ» معنى الوحدة ارتکب کون الهمزة أصلا. و الأولى أن یقال(24): همزته فی کلّ موضعٍ بدلٌ من الواو، و معنى: ما جاءنی أحدٌ: ما جائنی واحدٌ، فکیف ما فوقه؟»(25)؛ انتهى.
و هو هنا یعمّ جنس الإنس بحیث لم یبق منهم أحدٌ، لأنّ النکرة الواقعة فی موضعٍ ورد فیه النفی بأن ینسحب علیها حکم النفی تکون للعموم و الإستغراق. و هی هنا کذلک فی المعنى، لأنّ المعنى: لایبلغ أحدٌ غایةً، و ذلک لإختصاص «أحد» بالنفی.
و قال ابن هشامٍ فی المغنی: «قولهم: «إنّ أحداً لایقول ذلک» إنّما أوقع(26) أحداً فی الإثبات لأنّه نفس الضمیر المستتر فی یقول، و الضمیر فی سیاق النفی، فکأنّ أحداً کذلک»(27)؛ انتهى.
فائدةٌ
قال الراغب: «أحد یستعمل على ضربین:
أحدهما: فی النفی فقط؛
و الثانی: فی الإثبات. أمّا الأوّل(28) فلاستغراق جنس الناطقین، و یتناول القلیل و الکثیر على طریق الإجتماع و الإفتراق – نحو: ما فی الدار أحدٌ أی: لاواحدٌ و لااثنان فصاعداً، لا مجتمعین و لامتفرّقین -. و لهذا المعنى لم یصحّ استعماله فی الإثبات، لأنّ نفی المتضادّین یصحّ و لایصحّ اثباتهما؛ فلو قیل: فی الدار أحدٌ(29) لکان فیه اثبات واحدٍ منفردٍ مع إثبات مافوق الواحد مجتمعین و متفرّقین(30)؛ و ذلک ظاهر الإحالة. و لتناول ذلک مافوق الواحد یصحّ أن
یقال: ما من أحدٍ فاضلین – کقوله تعالى: (فَمَا مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنهُ حَاجِزِینَ)(31) -؛
و أمّا الثانی – و هو(32) المستعمل فی الإثبات -: فعلى ثلاثة أوجه:
أحدها: أن یستعمل فی العدد مع العشرات(33)، نحو: أحد عشر، و أحد و عشرین؛
و الثانی: أن یستعمل مضافاً و مضافاً إلیه بمعنى الأوّل، کقوله -تعالى -: (أَمَّا أَحَدُکُمَا فَیُسْقِی رَبَّهُ خَمْراً)(34)، و قولهم: یوم الأحد أی: یوم الأوّل، لقولهم(35): یوم الإثنین؛
و الثالث: أن یستعمل مطلقاً وصفاً، و لیس ذلک إلّا فی وصف الله -تعالى -، نحو: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)(36) و أصله: وحدٌ(37)، لکن یستعمل فی غیره -تعالى -، کقول(38) النابغة:
عَلَى مُسْتَأْنسْ وَحَدِ(39)»(40)
هکذا ذکر الفاضل الشارح(41)
قوله – علیه السلام -: «إلّا حصل علیه» <إستینافٌ مفرّغٌ من أعمّ الأحوال محلّه النصب على الحالیّة من فاعل «یبلغ»، أی: لایبلغ أحدٌ غایةً من شکرک فی حالٍ من الأحوال إلّا حال کونه حاصلاً علیه من إحسانک ما یلزمه شکراً؛ و نظیره قوله -تعالى -: (وَ لاَیَأْتُونَکَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاکَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفسِیراً)(42) >(43) و عدّى «حصل»
ب-«على» – و المعروف تعدیته ب- «اللام» – لأنّه هنا بمعنى: ثبت علیه، کأنّ مایلزمه الشکر استعلى علیه و لزمه لزوم الراکب لمرکوبه.
و «یلزمه»: یحتمل أن یکون من باب «علم» – و حینئذٍ فنصب «شکراً» إمّا على التمییز، أو على المفعول له، و «ما» کنایةٌ عن العبادة، و «یلزمه» بمعنى: یجب علیه -؛
أو على «الإفعال» – على وزن یکره، ف- «یلزمه» بمعنى: یوجبه، و «شکراً» معفول ثانٍ -.
و «المبلغ» إمّا اسم مکانٍ من البلوغ، أو مصدرٌ میمیٌّ.
و «دون» إمّا نقیض الفوق، و إمّا بمعنى: عند؛ أی: لایبلغ أحدٌ درجةً من «طاعتک و إن اجتهد» فی الطاعة «إلّا کان مقصّراً»؛ أو أدنى و أقلّ من استحقاقک، فکیف بالطاعة اللائقة باستحقاقک؟! هذا إذا حمل «دون» بمعنى: الأدون؛
أو: کان مقصّراً عند استحقاقک، إذا حمل على معنى: عند.
و «الباء» من قوله: «بفضلک» للسببیّة. و هو إمّا متعلّقٌ ب- «الاستحقاق» – یعنی: انّ استحقاقک الشکر منه إنّما هو بسبب تفضّلک علیه -؛ و إمّا ب- «مقصّر» – یعنی: انّ تقصیره مع جدّه و اجتهاده فی الشکر إنّما هو بسبب توفیر نعمتک علیه، إذ لو کانت قلیلةً لأمکنه الشکر بإزائها -؛ و یحتمل أن یکون متعلّقاً ب- «اجتهد» – أی: المرتبة القلیلة الّتی حصلت منه من العبادة أیضاً بتفضّلک، لاباجتهاده -.
قوله – علیه السلام -: «فأشکر عبادک».
«الفاء» فصیحةٌ، أی: إذا کان المستدیم للشکر لایبلغ الغایة من شکرک و المجتهد فی الطاعة لایبلغ ما تستحقّه بسبب إحسانک علیه من طاعتک، فأشکر عبادک عاجزٌ و أعبدهم مقصّرٌ.
و الغرض من هذا الفصل من الدعاء أمران:
أحدهما: بیان العجز عن شکره؛
و الثانی: بیان العجز عمّا یستحقّه؛ فبیّن الأوّل بلزوم التسلسل – لأنّ نعمه تعالى متوالیةٌ متواترةٌ غیر متناهیةٍ فی کلّ الأنفاس، فإذا أحدث شکراً على نعمةٍ أحدث الله تعالى علیه
نعمةً أخرى یجب علیه شکرها، فیحتاج أن یشکرها کشکره للأولى. و هکذا إلى ما لایتناهى، و هی غیر مقدورٍ للعبد، کما قیل:
إِذَا کَانَ شُکْرِی نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةً++
مُجَدَّدَةً کَیْفَ السَّبِیلُ إِلَى الشُّکْرِ!(44)
أی: النعمة الأولى؛ و کما مرّ فی قصّة موسی علیه السلام؛ و کما قال السعدیّ الشیرازیّ باللسان الفارسیّ: «هر نفسى که فرو مى رود ممدّ حیاتست و چون بر مى آید مفرّح ذات، پس در هر نفسى دو نعمت موجود است و بر هر نعمتى شکرى واجب؛
از دست و زبان که بر آید++
کِز عهده شکرش بدر آید»(45)
و لذلک أجمع العقلاء على أنّ تمام الشکر لله تعالى لایبلغه العباد حتّى انّ الأنبیاء عنه قاصرون و الأوصیاء مقصّرون! -؛
و أمّا الثانی فبیّنه بذکر سبب استحقاقه -تعالى – للعبادة و الطاعة، و هو فضله الّذی لانهایة له، لأنّ عبادة العباد و طاعتهم بقدر إحسان المعبود و فضله علیهم لیس فی طاقة أحدٍ، لعدم تناهی إحسانه و فضله، فأین المتناهی من غیر المتناهی؟.
فتبیّن انّ العبد و إن اشتدّ على الطاعة حرصه و طال فی العبادة إجتهاده لم یکن بالغاً ما یستحقّه الله -سبحانه – منها بفضله و نعمته علیه، فکیف بمن تطغیه النعمة و تبطره الدعة حتّى یستعین بنعمته على مصیبته؟. فإذن کلّ طاعةٍ و عبادةٍ قاصرةٌ عمّا یستحقّه هو فی نفسه – قال الله تعالى: (وَ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)(46) فالعجز عن المعرفة معرفةٌ و العجز عن العبادة عبادةٌ و العجز عن الشکر شکرٌ؛ فتبصّر!. قال السعدیّ:
بنده همان به که ز تقصیر خویش++
عذر به درگاه خداى آورد
ور نه سزاوار خداوندیش++
کس نتواند که بجاى آورد(47)
لاَیَجِبُ لاَحَدٍ أَنْ تَغْفِرَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَ لاَ أَنْ تَرْضَى عَنْهُ بِاسْتِیجَابِهِ. فَمَنْ غَفَرْتَ لَهُ فَبِطَوْلِکَ، وَ مَنْ رَضِیتَ عَنْهُ فَبِفَضْلِکَ.
«لایجب» إستینافٌ، <کأنّه قیل: کیف تراهم مع العجز عن الشکر و التقصیر عن الطاعة فی استحقاق المغفرة و استیجاب الرضا؟
فقال – علیه السلام -: «لایجب لأحدٍ -… إلى آخره -».
و تأخیر «الرضا» عن «المغفرة»>(48) مع انّه فوق المغفرة – کأنّ السیّد قد یغفر ذنب عبده و لیس براضٍ عنه، کما ورد فی الدعاء: «اغفر لی خطیئتی و ارض عنّی، فإن لم ترض عنّی فاعف عنّی و قد یعفو السیّد عن عبده و لیس براضٍ عنه»(49) – لرعایة أسلوب الترقّی إلى الأعلى.
و هذه الفقرة دلّت صریحةً على <أنّ قبول التوبة إنّما هی من باب التفضّل و الرحمة، لا من باب الوجوب - کما زعمه جماعة المعتزلة(50) -(51) ->(52)
لایقال: مذهبکم انّ المؤمنین بأجر العمل یدرکون الجنّة – کما قال خالق الإنس و الجِنّة:
(إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَ اتُوا الزَّکَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ)(53) -… إلى غیر ذلک من الآیات الکثیرة -؛
لأنّا نقول: إعطاء الثواب الدائم الغیر المنقطع بإزاء العمل المنقطع تفضّلٌ و منّةٌ کثیرةٌ – کما لایخفى على ذوی البصیرة -، فلاینافی إعطاء الأجر التفضّل و الرحمة.
و «الفاء» من قوله – علیه السلام -: «فمن غفرت له» للترتیب الذکریّ؛ أو فصیحةٌ.
و «الطول» و «الفضل» بمعنىً واحد.
تَشْکُرُ یَسِیرَ مَا شَکَرْتَهُ، وَ تُثِیبُ عَلَى قَلِیلِ مَا تُطَاعُ فِیهِ حَتَّى کَأَنَّ شُکْرَ عِبَادِکَ الَّذِی أَوْجَبْتَ عَلَیْهِ ثَوَابَهُمْ وَ أَعْظَمْتَ عَنْهُ جَزَاءَهُمْ أَمْرٌ مَلَکُوا اسْتِطَاعَةَ الاِمْتِنَاعِ مِنْهُ دُونَکَ فَکَافَیْتَهُمْ، أَوْ لَمْ یَکُنْ سَبَبُهُ بِیَدِکَ فَجَازَیْتَهُمْ.
«تشکر» إستینافٌ، کأنّ الله -تعالى – یقول: هذا حال غفرانی و رضوانی بالنسبة إلیهم، فما حال شکری و ثوابی لأعمالهم؟
أجاب: بأنّک تشکر – أی: تثنی – الیسیر الّذی أثنیته من شکر عبادک و تجازی.
<قیل: «المراد من وصفه -تعالى - ب- «الشکر»: مجازاته على الیسیر من الطاعة بالکثیر من الثواب»؛
و قیل: «المراد به قبول الیسیر من الطاعة و الثناء على فعلها و فاعلها».
و قد وصف نفسه ب- «الشکور» فی غیر موضعٍ من القرآن المجید، قال الطبرسیّ: «أی(54): شکورٌ للطاعات یعامل عباده معاملة الشاکر فی توفیة الحقّ حتّى کأنّه ممّن وصل إلیه النفع، فشکره»(55)؛
و قال القاضیّ: «أی: یعطی الجزیل بالقلیل»(56) >(57)؛
و قال فی النهایة: «الشکور: هو الّذی یزکو عنده القلیل من أفعال العباد فیضاعف لهم الجزاء، فشکره لعباده مغفرةٌ(58) لهم»(59)
و قوله – علیه السلام -: «شکرته» – بفتح الشین المعجمة و الکاف و تاء الخطاب -، بالمعلوم کما فی النسخ المشهورة، و المعنى: تشکر یسیر ما قبلته من العمل و «تثیب علیه» – أی: تجازی بالکثیر علیه -. و فی نسخة ابن إدریس بصیغة المجهول، و هو أظهر فی المعنى و أنسب بما بعده.
و قیل: «تشکر یسیر ماشکرته یحتمل معانی:
أحدها: أن تکون «ما» مصدریّةً، أی: تجازیهم على قلیل شکرهم إیّاک؛
و ثانیها: أن تکون موصولةً، و حینئذٍ فنسبة الشکر إلیه باعتبار أنّ منه الأسباب و الأدوات، فکان الشکر القلیل الّذی صدر من(60) الناس و جازاهم علیه هو منه -تعالى -، لامنهم؛
و ثالثها: أن تکون موصولةً أیضاً، یعنی: تجازی القلیل الّذی جازیتهم علیه. و حاصله: انّ ذلک الشکر مع قلّته لم تغفل عنه و لم تنسه، بل جازیتهم علیه»(61)
<و «أثابه» إثابةً: أعطاه ثواب عمله - أی: جزاءه؛ و منه قوله -تعالى -: (فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ)(62) -. و أکثر استعماله فی المحبوب، و قد یستعمل فی المکروه على الاستعارة - کاستعمال البشارة فیه -، و منه قوله -تعالى -: (فَأَثَابَکُمْ غَمّاً بِغَمٍّ)(63)
و قوله: «فیه» ظرفیّةٌ مجازیّةٌ، أی: تعطی الثواب على قلیل العمل فیه. جعل «العمل» کأنّه
ظرفٌ و محلٌّ للطاعة(64) >(65)
و «حتّى» حرف ابتداءٍ، و الجملة بعدها مستأنفةٌ لامحلّ لها من الإعراب. خلافاً للزجّاج زعم أنّها فی محلّ جرٍّ ب- «حتّى»؛ و یردّه: انّ الحرف الجارّة لاتدخل عاملةً إلّا على مفردٍ أو مأوّلٍ به. و فائدة «حتّى» هنا التعظیم؛ قال الرضیّ: «فائدة حتّى(66) الإبتدائیّة إمّا التحقیر – کقوله(67):
فَوَاعَجَباً حَتَّى کُلَیْبٍ تَسُبُّنِی(68) –
أو التعظیم – کقوله:
فَمَا زَالَتِ الْقَتلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا++
بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءِ دِجلَةَ أَشکَلُ(69)»(70)
قلت: و وجهه انّها غایةٌ لما قبلها، إمّا فی نقصٍ أو زیادةٍ، فجاء من النقص التحقیر و من الزیادة التعظیم.
و «علیه» و «عنه» متعلّقان بالمصدرین بعدهما – کقول کعبٍ:
فِی خَلْقِهَا عَنْ بَنَاتِ الْفَحْلِ تَفْضِیلُ –
هکذا ذکره الفاضل الشارح(71)
و قوله – علیه السلام -: «الّذی أوجبت» صفة «الشکر».
و ضمیر «علیه» راجعٌ إلیه.
و ضمیر «ثوابهم» للعباد؛ و على هذا القیاس ضمیر «عنه» و «جزائهم».
و قوله: «أمرٌ»: خبر «کان»، و هو لفظٌ عامٌّ یطلق على الأفعال و الأقوال کلّها – و منه: (یُرْجَعُ الاَمْرُ کُلَّهُ)(72) -.
<و «ملَکت» الشیء أملِکه - من باب ضرب - ملْکاً و ملَِکاً - بالفتح و الکسر -: تمکّنت من التصرّف فیه من غیر مانعٍ. و الجملة فی محلّ رفعٍ نعتٌ ل- «أمر».
و «الإستطاعة»: استفعالةٌ من الطوع، و هو: الإنقیاد. فهی فی الأصل بمعنى: طلب إنقیاد الشیء و تأتّیه، ثمّ استعملت فی القدرة التامّة الّتی یتمکّن بها الإنسان ممّا یریده. و عرّفت بأنّها عرضٌ یخلقه الله فی الإنسان یفعل به الأفعال الإختیاریّة>(73) <أی: کأنّه لم یکن واجباً علیهم، بل کانوا مخیّرین فیه و فی ترکه، فلمّا فعلوه جازیتهم - لأنّ من فعل شیئاً لم یکن واجباً علیه استحقّ المکافات و الجزاء، بخلاف ما إذا صنع مایجب علیه؛ فانّ السیّد حینئذٍ مخیّرٌ بین التفضّل علیه و عدمه -. و یجوز أن یکون معناه: انّک قد هیّأت لهم أسباب الشکر و منحتهم الألطاف حتّى کأنّهم بحیث صاروا لایقدرون على الترک - لأنّ المعلول یجب وجوده عند وجود علّته ->(52)
قال الفاضل الشارح: «دون بمعنى: التجاوز – کما مرّ مراراً -، فهی ظرفٌ مستقرٌّ وقع حالاً من ضمیر «العباد» فی «ملکوا»؛ أی: ملکوا استطاعة الإمتناع منه حال کونهم متجاوزین لک أی: مستبدّین بها من غیر أن یکون لک مدخلٌ فی حصولها لهم»(74)؛ انتهى.
و «الفاء» من قوله: «فکافیتهم» فصیحةٌ، أی: إذا کان الحال هذه فجازیتهم بفعلهم و شکرهم أحسن الجزاء.
و قوله – علیه السلام -: «أو لم یکن» عطفٌ على «ملکوا» فی محلّ رفعٍ، وصفٌ لموصوفٍ محذوفٍ؛ و التقدیر: أو أمرٍ لم یکن سببه بیدک، أی: کان شکر عبادک أمراً لمیکن سبب هذا الأمر بیدک «فجازیتهم» بهما – أی: بإیجاب الثواب و إعظام الجزاء لذلک -، فانّ المتعارف فیما
بین العباد انّه إذا کان سبب شیءٍ بیدهم أن لایجاوزوا غیرهم، بل یرتکبونه بأنفسهم، و إنّما یجازوا إذا لم یکن سببه بیدهم.
فان قیل: المفهوم من هذا الکلام انّ العباد لایستطیعون الإمتناع من الشکر، و هذا جبرٌ باطلٌ على المذهب الحقّ!،
قلت: هم لایستطیعون الإمتناع من دون مشیّته -تعالى -، فأمّا مع مشیّته فهم یستطیعون. و لیس ذلک جبراً، بل و هذا عین الحقّ. و التحقیق ما عرفته مراراً من أنّ الممکن لیسٌ صرفٌ و لاشیء محضٌ فی حدّ ذاته، فوجوده و متفرّعات وجوده من غیره – و هو الواجب تعالى -، فقدرته على الفعل أیضاً من جوده -تعالى – لا لذاته، و معذلک فقد جعل -سبحانه – ثوابهم على طاعته ثواباً واجباً و أجراً مستحقّاً، فأشبه شکرهم و طاعتهم أمراً استقلّوا لذواتهم و کانوا یستطیعون أن لایوجدوه و أن یمتنعوا منه فاستوجبوا بذلک الثواب و استحقّوا به الجزاء. و لیس الأمر کذلک، بل هو -سبحانه – الّذی أقدرهم على ذلک و وفّقهم له، <فأنّى لهم الاستقلال و الاستبداد فی نسبته إلیهم؟؛ و من هنا قال موسى - علیه السلام -: «إلهی! أمرتنی بالشکر على نعمک و شکری إیّاک نعمةٌ من نعمک!»(75)، و علیه قوله -تعالى -: (یَمُنُّونَ عَلَیکَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لاَتَمُنُّوا عَلَیَّ إِسْلاَمَکُمْ بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَدَاکُمْ لِلاِْیمَانِ إِنْ کُنتُمْ صَادِقِینَ)(76) >(77) و قد تقدّم تحقیق هذا المطلب مستوفىً؛ فتذکّر!.
بَلْ مَلَکْتَ – یَا إِلَهِی! – أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَنْ یَمْلِکُوا عِبَادَتَکَ، وَ أَعْدَدْتَ ثَوَابَهُمْ قَبْلَ أَنْ یُفِیضُوا فِی طَاعَتِکَ، وَ ذَلِکَ أَنَّ سُنَّتَکَ الاِْفْضَالُ، وَ عَادَتَکَ الاِْحْسَانُ، وَ سَبِیلَکَ الْعَفْوُ. فَکُلُّ الْبَرِیَّةِ مُعْتَرِفَةٌ بِأَنَّکَ غَیْرُ ظَالِمٍ لِمَنْ
عَاقَبْتَ، وَ شَاهِدَةٌ بِأَنَّکَ مُتَفَضِّلٌ عَلَى مَنْ عَافَیْتَ، وَ کُلٌّ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّقْصِیرِ عَمَّا اسْتَوْجَبْتَ.
قیل: «بل ملکت عطفٌ بحسب المعنى على ما قبله، أی: لم یملکوا استطاعة الإمتناع منه بل ملکت أمرهم قبل أن یملکوا عبادتک، فلایملکون عبادتک من دون مشیّتک، فکیف یملکون استطاعة الإمتناع منها دونها؟»؛ انتهى.
و هو کما ترى!.
و الظاهر انّه حرف إضرابٍ، أی: و لیس الأمر کذلک -: من أنّ لهم الاستطاعة و لم یکن الأمر بیدک -، بل تملیکک إیّاهم الإستطاعة و إقدارک لهم علیها و توفیقک إیّاهم لها بمحض التفضّل، و إلّا لما استطاعوا فعلها، إذ کلّ موجودٍ سواه -تعالى – فهو فی تصریف قدرته و مشیّته قبل وجوده و بعده – کما عرفت فیما سبق -.
و «الإعداد»: التهیأة.
و «أفاض» فی الأمر إفاضةً: دخل فیه. و قیل: «الإفاضة: الدفع بسرعةٍ أو کثرةٍ – قال تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ)(78) أی: دفعتم فی السیر و أسرعتم الرکض -»؛ انتهى. و مضمون هذه الفقرة تقریرٌ لما قبلها، إذ إعدادک الثواب لهم قبل أن یتوجّهوا إلى طاعتک قاضٍ بأنّ قضاءک قد جرى بتوفیقهم للدخول فی الطاعة قبل دخولهم فیها، و بأنّ لطفک قد أخذ بعنان مشیّتهم إلیها، و إلّا لم تکن لإعداد الثواب فائدةٌ.
و «الواو» من قوله – علیه السلام -: «و ذلک» للإستیناف و الإشارة إلى المذکور من «الشکر على الیسیر و الإنابة على القلیل»؛ بناءً على أنّ «سنّتک» و طریقتک «الإفضال و الإحسان».
و إذا کان شأنک الغفران لکلّ أحدٍ من غیر استحقاقٍ و الرضوان منه من غیر استجابةٍ و الإنابة على القلیل، «فکلّ البریّة» و الخلائق «معترفةٌ بأنّک غیر ظالمٍ» لکلّ من «عاقبته».
ف- «الفاء» من قوله: «فکلّ البریّة» فصیحةٌ. و فی هذه الفقرات إشارةٌ إلى أنّ فیضه و جوده و کرمه -سبحانه – على عباده غیر موقوفٍ على الاستحقاق، ردّاً لمن زعم انّ الثواب مترتّبٌ على العمل – ترتّب الشبع على الأکل -.
و قیل: «إسم الإشارة مبتدءٌ و خبره «انّ سنّتک الإفضال»، أی: لأنّ سنّتک، أو: بأنّ سنّتک؛ و التقدیر: و ذلک واقعٌ لأجل انّ سنّتک الإفضال، أو: بسبب انّ سنّتک الإفضال. و حذف الجارّ مع أنْ و أنّ المصدریّتین قیاسٌ مطّردٌ».
قوله – علیه السلام -: «و کلٌّ مقرٌّ على نفسه بالتقصیر عمّا استوجبت» أی: من الطاعة و العبادة إقراراً بألسنتهم القولیّة و الحالیّة و الفعلیّة؛ لأنّه قد سبق آنفاً انّهم و إن بالغوا و اجتهدوا کانوا مقصّرین و لم یبلغوا کنه عبادتک أو أدنى درجة طاعتک – کما قال خاتم الأنبیاء صلّى الله علیه و آله و سلّم: «ما عرفناک حقّ معرفتک و ما عبدناک حقّ عبادتک»(79) -.
فَلَوْلاَ أَنَّ الشَّیْطَانَ یَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طَاعَتِکَ مَا عَصَاکَ عَاصٍ، وَ لَوْلاَ أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ الْبَاطِلَ فِی مِثَالِ الْحَقِّ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِیقِکَ ضَالٌّ.
«الفاء» فصیحةٌ، أی: إذا کان حالهم کما ذکرناه -: من الإعتراف و الشهادة و الإقرار – «فلولا أنّ الشیطان» -… إلى آخره -. و هذا إعتذارٌ منه – علیه السلام – عنّا -: معاشر العصاة – باظهار الباعث لنا على المعصیة.
قال الفاضل الشارح: «لولا حرفٌ لامتناع(80) وجود الشیء لوجود غیره، و الممتنع هو الجواب و الوجود هو وجود الإسم الواقع بعدها. و «أنّ» و معمولاها فی عبارة الدعاء فی محلّ رفعٍ على الإبتداء عند الجمهور؛ فقیل: «و الخبر کونٌ مطلقٌ محذوفٌ وجوباً، و التقدیر:
لولا اختداع الشیطان لهم کائنٌ أو ثابتٌ»؛
و قال سیبویه: «لاحاجة إلى الخبر، لاشتمال صلة «أنّ» على المسند و المسند إلیه»؛
و ذهب المبرّد و الزجّاج و الکوفیّون إلى الرفع على الفاعلیّة ل- «ثبت» محذوقاً، أی: لولا ثبت أنّ الشیطان یختدعهم.
و ما وقع لبعضهم من أنّ «أنّ» و مابعدها فی تأویل مصدرٍ مرفوعٍ بالإبتداء و جملة «یختدعهم» الخبر و حیث لم یکن التعلیق على نفس الشیطان – بل على اختداعه – لم یستغن عن الخبر و لم یجب حذفه؛
خبطٌ صریحٌ! ناشٍ عن فهمٍ قریحٍ!!، فانّ المأوّل بالمصدر المرفوع بالإبتداء هو اسم «انّ» و خبرها معاً – أعنی: الشیطان و جملة یختدعهم، و التأویل: و لولا اختداع الشیطان -. فکیف تکون جملة «یختدعهم» خبراً له، و هل یصدر مثل هذا الکلام إلّا عن ذهنٍ مؤوفٍ! – نسأل الله العافیة -»(81)؛ انتهى.
فَسُبْحَانَکَ مَا أَبْیَنَ کَرَمَکَ فِی مُعَامَلَةِ مَنْ أَطَاعَکَ أَوْ عَصَاکَ!، تَشْکُرُ لِلْمُطِیعِ مَا أَنْتَ تَوَلَّیْتَهُ لَهُ، وَ تُمْلِی لِلْعَاصِی فِیما تَمْلِکُ مُعَاجَلَتَهُ فِیهِ. أَعْطَیْتَ کُلّاً مِنْهُمَا مَا لَمْ یَجِبْ لَهُ، وَ تَفَضَّلْتَ عَلَى کُلٍّ مِنْهُمَا بِمَا یَقْصُرُ عَمَلُهُ عَنْهُ.
«الفاء» فصیحةٌ.
و «سبحانک» للتعجّب من ظهور کرمه -تعالى – فی معاملته مع من أطاعه و من عصاه.
و «ما أبین» أیضاً للتعجّب.
<و «ما» فیه اسمٌ فی محلّ رفعٍ على الإبتداء. و اختلفوا هل هی نکرةٌ تامّةٌ بمعنى: شیء و ابتدىء بها لتضمّنها معنى التعجّب و مابعدها خبرها - فموضعه رفعٌ؟ -، أو هی موصولةٌ
بمعنى: الّذی، فهی و مابعدها صلتها فلامحلّ لها من الإعراب و الخبر محذوفٌ وجوباً؟ – و التقدیر: الّذی أبین کرمک شیءٌ عظیمٌ – >(82)، أی: أنا أتعجّب تعجّباً عظیماً من جودک و کرمک!، لأنّ من أطاعک أو عصاک یدرکه جودک و کرمک.
قوله: «تشکر للمطیع ما أنت تولّیته» جملةٌ مستأنفةٌ بیانٌ للمعاملة، أی: أنت تجازی المطیع بالکثیر على العمل الّذی «أنت تولّیته» – أی: قمت به لأجله -، یقال: ولّیت الأمر و تولّیته أی: قمت به. و التعجّب من ظهور الکرم انّه -سبحانه – هو الّذی أقدر المطیع على الطاعة و وفّق العابد على العبادة، و مع هذا شکره و تعطی جزاءه على طاعته و عبادته!؛ هذا منتهى الکرم و غایة الجود!. و فی نسخةٍ: «یشکر» – بالیاء المثنّاة من تحتٍ -، أی: أنت الّذی حاسبت المطیع فی زمرة الشاکرین و جازیته مجازاتهم مع أنّ فعل الشکر – الّذی صدر منه بحولک و بتولیتک – فعلک لافعل العبد و معذلک تعطى أجره.
<و «الإملاء»: التأخیر و الإمهال، یقال: أملیت له: إذا أنظرته و أمهلته - و منه قوله تعالى: (وَ أَمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِی مَتِینٌ)(83) ->(84)، أی: و تمهل العاصی و لاتأخذه سریعاً – و أنت قادرٌ على معاجلته و عدم إمهاله – إحساناً إلیه و کرماً و جوداً له لعلّه یتوب، بل تعذره و تشکره! – کما قیل:
کرم بین و لطف خداوندگار++
گنه بنده کرده است و او شرمسار(85)
قوله – علیه السلام -: «أعطیت» بدلٌ عن قوله: «تشکر».
و ضمیر «منهما» لل- «مطیع» و «العاصی». و فصّل هذه الجملة عمّا قبلها لکمال الإتّصال بینهما. و یحتمل أن یکون إستینافاً ثانیاً أیضاً على التعلیل لبیان کرمه فی معاملة من أطاعه أو عصاه.
قوله: «ما لم یجب له» أی: لکلّ واحدٍ منهما من الشکر فأمهلته.
قوله: «تفضّلت على کلٍّ منهما» من الثواب و العفو «بما یقصر عمله عنه» أی: بالقدر الّذی یقصر عمله عنه.
فان قیل: هذا بالنسبة إلى المطیع ظاهرٌ، فکیف بالنسبة إلى العاصی؟!
قلت: العفو للعاصی أیضاً فی مقابلة العمل من مثل التوبة و الحسنات – على ما قاله خالق البریّات: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئَاتِ)(86) -.
وَ لَوْ کَافَأْتَ الْمُطِیعَ عَلَى مَا أَنْتَ تَوَلَّیْتَهُ لاََوْشَکَ أَنْ یَفْقِدَ ثَوَابَکَ، وَ أَنْ تَزُولَ عَنْهُ نِعْمَتُکَ، وَ لَکِنَّکَ بِکَرَمِکَ جَازَیْتَهُ عَلَى الْمُدَّةِ الْقَصِیرَةِ الْفَانِیَةِ بِالْمُدَّةِ الطَّوِیلَةِ الْخَالِدَةِ، وَ عَلَى الْغَایَةِ الْقَرِیبَةِ الزَّائِلَةِ بِالْغَایَةِ الْمَدِیدَةِ الْبَاقِیَةِ.
قال الفاضل الشارح: «المکافأة: مفاعلةٌ من الکفؤ، و هو المثل و المساوی؛ فأصل: کافأته: ساویته.ثمّ اتّسع فیه فاستعمل بمعنى: المجازاة؛ قال الزمخشریّ فی الأساس: «کافأته: ساویته، و هو مکافىءٌ له، و کافأته بصنعه: جازیته جزاءً مکافئأً لما صنع»(87)، أی: مساویاً له.
و لمّا کان ماتولّاه -سبحانه – لایقتضی مکافاةً بالثواب علیه – لأنّ الإنسان لایستحقّ بعمل غیره ثواباً – کان معنى المکافات علیه: عدم الإثابة به، لأنّ معنى المکافات المساواة بمقابلة الفعل بالفعل و عدمه بعدمه؛ فمعنى قوله – علیه السلام -: «لو کافأت المطیع على ما أنت تولّیته»: لو لم تثبه على ما أنت تولّیته بل کافأته علیه بعدم الإثابة علیه لعدم قیامه به و صدوره عنه «لأوشک أن یفقد ثوابک».
و ما وقع لأکثر الأصحاب فی ترجمه هذه العبارة بانّ المعنى: لو جازیت المطیع على مجرّد عمله دون ما أنت تولّیته أو فیما أنت تولّیته؛
بمعزلٍ عن مدلولها! و إن کان معنىً صحیحاً فی نفسه»(88)؛ انتهى کلامه.
أقول: قوله – علیه السلام – «و لکنّک بکرمک جازیته» صریحٌ فیما ذکره أکثر الأصحاب؛ فتبصّر!.
قال: «و «اللام» من قوله: «لأوشک» لام جواب لو، لا جواب قسمٍ مقدّرٍ، خلافاً لابنجنّی(89)
و «أوشک» فعل ماضٍ من أفعال المقاربة الدالّة على قرب ثبوت خبرها لاسمها، فمعنى: أوشک زیدٌ أن یقوم: قارب زیدٌ القیام، أو: قرب زیدٌ من القیام. و إذا بنی أوشک على اسمٍ قبله – کعبارة الدعاء – جاز فیه وجهان:
أحدهما: إسناده إلى ضمیره، فیکون اسماً له، و جعل أن و الفعل فی موضع نصبٍ على أنّه خبرٌ له؛
و الثانی: تفریغه عن الضمیر و إسناده إلى أن و الفعل، فیکون أن و الفعل اسماً مؤوّلاً مکتفىً به عن الخبر، و محلّه الرفع على الفاعلیّة. و یکون أوشک على الأوّل فعلاً ناقصاً، و على الثانی فعلاً تامّا؛ و تقدیر عبارة الدعاء على الأوّل: لأوشک المطیع أن یفقد ثوابک؛ و على الثانی: لأوشک فقدان المطیع ثوابک – أی: لقرب و دنا فقدانه لثوابک -.
و استشکل الأوّل بأنّ أن و الفعل فی تأویل المصدر، فیلزم الإخبار بالحدث عن الذات؛
و أجیب: بأنّه من باب زیدٌ صومٌ، و عدلٌ؛ أو على تقدیر مضافٍ، کانّه قیل: لأوشک أمر المطیع أن یفقد. و الأولى ما ذهب إلیه سیبویه – على ما نقله عنه ابن مالک – من أنّ أن و الفعل لیس خبراً، بل هو مفعولٌ به منصوبٌ على نزع الخافض و الفعل تامٌّ بمعنى: قرب؛ و التقدیر فی عبارة الدعاء: لقرب المطیع من أن یفقد ثوابک، ثمّ حذف الجارّ توسّعاً؛ أو یجعل
الفعل بمعنى: قارب، فلاحذف؛ و المعنى: قارب المطیع فقدان ثوابک.
و فی عبارته – علیه السلام – شاهدین على أمرین:
أحدهما: ورود أوشک بصیغة الماضی، و فیه ردٌّ على الأصمعیّ و أبی علیٍّ حیث أنکرا ذلک – کما حکاه عنهما ابن مالک و غیره -. و شاهده أیضاً من الشعر قول الشاعر:
وَ لَوسُئِلَ النَّاسُ التُّرَابَ لاََوشَکُوا++
إِذَا قِیلَ هَاتُوا أَنْ یَمَلُّوا وَ یَمْنَعُوا(90)
الثانی: کون أوشک للمقاربة بمعنى: کاد، و هو مذهب أکثر المتأخّرین و جماعةٍ من المتقدّمین. و فیه ردٌّ على الشلّوبین و تلامذته حیث ذهبوا إلى انّه للترجّی بمعنى: عسى، فانّ الترجّی لایلائم عبارة الدعاء»(91)؛ انتهى کلامه.
و هو طولٌ بلاطائلٍ قد قضى وطره کتب النحو!.
و قیل: «إنّما قال: «لأوشک» لما أشرنا إلیه من أنّه یقع فی مقابلة طاعته شیءٌ من نعمه الدنیاویّة، فلایزول کلّها؛ و لکن لمّا لم یکن للنعمة الواقعة فی مقابلة الطاعة قدرٌ محسوسٌ قرب أن یزول کلّها»؛ انتهى.
و التحقیق ما ذکرناه لک من انّه لااستقلال للمطیع فی فعله و لایکون جبراً محضاً، فله مدخلٌ فی الجملة؛ ولذا قال: «أوشک».
قوله: «على المدّة القصیرة» أی: على الطاعة فیها، و هی مدّة العمر أو بعضها.
و المراد ب- «المدّة الطویلة»: الجزاء على العمل و الطاعة فیها بالثواب علیه فی المدّة الطویلة، فهو من باب إطلاق اسم المظروف على الظرف؛ و هو شائعٌ فی الإستعمال.
قوله: «على الغایة» أی: و على الطاعة إلى الغایة القریبة، یعنی: جازیته على العمل ذی الغایة القریبة الفانیة الأخرویّة بالثواب ذی الغایة المدیدة الباقیة الدنیویّة؛ و فی الکافی(92) عن
أبی عبدالله – علیه السلام – انّه قال: «إنّما خلّد أهل النار فی النار لأنّ نیّاتهم کانت فی الدنیا أن لوخلّدوا فیها أن یعصوا الله أبداً، و إنّما خلّد أهل الجنّة فی الجنّة لأنّ نیّاتهم کانت فی الدنیا أن لوبقوا فیها أن یطیعوا الله أبداً، فبالنیّات خلّد هؤلاء و هؤلاء. ثمّ تلا قوله -تعالى -: (قُلْ کُلٌّ یَعمَلُ عَلَى شَاکِلَتِهِ)(93)، قال: على نیّته».
و قد مرّ هذا الحدیث فی مبحث النیّة فی اللمعة العشرین، و انّ المراد من «النیّة»: الملکة الراسخة؛ فتذکّر!.
و اعلم! أنّ «الغایة» بمعنى: المسافة، فشبّه الزمان بالمسافة. و إنّما عبّر عنها ب- «الغایة» على سبیل المشاکلة لوقوعها فی صحبة ذی الغایة، و إلّا فلاغایة له – بدلیل وصفها بالبقاء، فانّ البقاء الأخرویّ لاغایة له -.
ثُمَّ لَمْ تَسُمْهُ الْقِصَاصَ فِیما أَکَلَ مِنْ رِزْقِکَ الَّذِی یَقْوَى بِهِ عَلَى طَاعَتِکَ، وَ لَمْ تَحْمِلْهُ عَلَى الْمُنَاقَشَاتِ فِی الالاَتِ الَّتِی تَسَبَّبَ بِاسْتِعْمَالِهَا إِلَى مَغْفِرَتِکَ، وَ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِکَ بِهِ لَذَهَبَ بِجَمِیعِ مَا کَدَحَ لَهُ وَ جُمْلَةِ مَا سَعَى فِیهِ جَزَاءً لِلصُّغْرَى مِنْ أَیَادِیکَ وَ مِنَنِکَ، وَ لَبَقِیَ رَهِیناً بَیْنَ یَدَیْکَ بِسَائِرِ نِعَمِکَ، فَمَتَى کَانَ یَسْتَحِقُّ شَیْئاً مِنْ ثَوَابِکَ؟ لاَ! مَتَى؟! هَذَا – یَا إِلَهِی! – حَالُ مَنْ أَطَاعَکَ، وَ سَبِیلُ مَنْ تَعَبَّدَ لَکَ.
«ثمّ» هنا للتراخی فی الرتبة، لا من التراخی فی الوجود.
و «تسمه» بمعنى: تلزمه و ترده.
<و «القصاص»: مصدر: قاصه مقاصّةً و قصاصاً - من باب قاتل -، أی: حبسه(94)؛ قال
الزمخشریّ: «قاصصته بما کان لی قبله أی: حبست عنه مثل ذلک(95)، مأخوذٌ من مقاصّة ولیّ القتیل القاتل»(96) فمعنى عبارة الدعاء: لم تحبس علیه من الجزاء مثل «ما أکل من رزقک».
و «المناقشة»: الإستقصاء فی الحساب.
و «الآلآت»: جمع آلة، و هی الأداة الّتی یعمل بها؛ و قال فی القاموس: «هی(97) ما اعتملت به من أداةٍ، یکون واحداً و جمعاً(98) بلاواحدٍ، و جمعها: آلات»(99)؛ انتهى. و عرّفت بأنّها ما یؤثّر الفاعل فی منفعله القریب بواسطته.
و «تسبّبت» إلى الشیء: توصّلت إلیه بسببٍ، و تسبّبت بکذا إلى کذا: جعلته سبباً إلى الوصول إلیه>(100)
و المراد من «الآلآت» هنا: ما کان له سببیّةٌ فی وجود الطاعات، سواءٌ کان أموراً خارجیّةً عن المطیع – کالزاد و الراحلة فی الحجّ، و الماء و الستر فی الصلاة -، أو داخلیّةً – کالأعضاء و الجوارح و القوى الظاهرة و الباطنة -؛ و بالجملة ما له مدخلٌ فی القیام بالعمل من جوهرٍ وعرضٍ. و المعنى: انّک لم تلزمه بالمناقشة و لم تستقص فی محاسبته على الآلآت الّتی توصل بسبب إستعمالها إلى فوزه بمغفرتک مع أنّ الآلآت من مخلوقاتک لامدخل لعمله فیها، و لولاها لم یمکنه التوصّل إلى معرفتک.
و «الکدح»: التعب و السعی و الکسب.
<و «جزاءً» - بالنصب -: یحتمل المصدریّة، و الحالیّة، و المفعول لأجله.
و «الصغرى»: مؤنّث الأصغر، من الصغر باعتبار القدر و المنزلة.
و «الأیادی»: جمع یدٍ بمعنى: النعمة>(101)؛ و المعنى: لوحبست ما أغنیت به المطیع من
الآلآت الّتی لها دخلٌ فی تحصیل العبادات و ناقشت معه فی الحساب – بأن نقصت من أجره بازاء الآلة الّتی أعطیتها، أو طلبت منه الأعمال الصافیة عن الشوب – لذهب بجمیع ثواب أعماله الّتی فعلها بالمشقّة و جملة ما سعى فیه!.
«جزاءً للصغرى من» نعمک و عطایاک یعنی: لذهب جمیع عباداته جزاءً لنعمک الصغرى و بقیت النعم الکبرى تفضّلاً علیه.
و «الرهن»: الحبس، و لذلک کان معناه شرعاً: حبس الشیء بحقٍّ یمکن أخذه منه – کالدین -، و یقال لما یوضع وثیقةً للدین؛ أی: لوناقشت معه لذهب ذلک الفعل بجمیع عباداته الّتی حصّلها بالمشقّة و بقی مرهوناً فی إزاء النعم الباقیة الّتی لیس بإزائها شیءٌ.
و قوله: «بین یدیک» أی: بحضرتک بحیث لایمکنه فکاک نفسه بوجهٍ.
و «بین الیدین» مستعارٌ ممّا بین الجهتین المساسین لیدی الإنسان. و هو من باب التمثیل؛ و قد تقدّم الکلام علیه.
قوله – علیه السلام -: «فمتى کان یستحقّ شیئاً من ثوابک؟ لا! متى؟!».
«الفاء» فصیحةٌ، أی: إذا کان الأمر هکذا متى کان یستحقّ – أی: فی أیّ زمانٍ یستحقّ – شیئاً من ثوابک؟. و هذا استفهامٌ و لکن لیس على حقیقته، بل الغرض منه استبعاد کونه مستحقّاً للثواب حینئذٍ و نفیه – کقوله تعالى: (أنَّى لَهُمُ الذِّکْرَى)(102) فی استبعداد الاتّعاظ -.
قوله: «لا! متى» تأییدٌ لقوله: «متى کان».
<و «لاؤه» نافیةٌ، و مفادّها إمّا النفی الصریح لما أفهمه الکلام السابق من نفی الاستحقاق لزوماً - فانّ الإستفهام عن زمان الشیء یستلزم الجهل بزمانه، و الجهل به یستلزم استبعاد وقوعه، لأنّ ما هو قریب الوقوع ینبغی أن یکون معلوماً، فلاداعی إلى الإستفهام عنه و استبعاد وقوع الشیء یستلزم نفیه -؛ و إمّا للإحتراز عمّا قد یتوهّم أو یسبق إلى الذهن من أنّ الإستفهام على صرافته، فجاء بالنفی نصّاً على المقصود. و التقدیر على الوجهین: لا!
لم یکن یستحقّ من ثوابک شیئاً. و إنّما حذف المنفیّ رأساً، لأنّ «لا» من الحروف الّتی تؤدّی معنى الجملة و تحذف معها فی الغالب، و نظیره قول بعضهم فی قوله -تعالى -: (لاَأُقْسِمُ بِیَومِ الْقِیَامَةِ)(103): «انّ لا نافیةٌ، و منفیّها إنکار العبث المعهود من الکافرین، کأنّهم أنکروا البعث فقیل: لا، أی: لیس الأمر کذلک. ثمّ استونف القسم فقیل: أقسم بیوم القیامة؛ کقولک: لا و الله! انّ البعث حقٌّ»(104) >(105)
و «متى» استفهام إنکارٍ مستأنفٍ، أی: متى کان یستحقّ؛ و مفادّه تقریر النفی السابق و تأکیده. و هو الّذی یسمّى الإنکار الإبطالیّ، لأنّه یقتضی أنّ ما بعده منفیٌّ غیر واقعٍ، و انّ مدّعیه کاذبٌ؛ و التقدیر: متى کان یستحقّ – أی: إن لم یکن یستحقّ! -. و إنّما آثر تقریر النفی ب- «متى» لیکون بوجهٍ برهانیٍّ – و هو الإستدلال بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم -، و بیانه: انّ استحقاق شیءٍ من الثواب یستلزم زماناً ضرورةً، و هو معدومٌ – إذ لوکان موجوداً لکان معلوماً غیر مجهولٍ فلم یحتج إلى الإستفهام عنه -، فإذا لم یکن له زمانٌ وجب أن لایکون له وجودٌ أصلا، إذ لابدّ لکلّ حادثٍ من زمانٍ یقع فیه؛ و هذا معنى قولهم: الإنکار ب- «متى» و «أین» بمعنى انّه لیس، لأنّ زمانه و مکانه لیس؛ فهو إنکارٌ على وجهٍ برهانیٍّ.
و إنّما حدف الجملة بعد «متى» لدلالة ما قلبله علیه(106)؛ هکذا ذکره الفاضل الشارح.
و قال السیّد السند الداماد: «الوقف على کلٍّ من «ثوابک» و «لا» و «متى» موروث السماع مأثور الروایة المأخوذةٌ عن المشیخة؛ و بالجملة انّ المواضع الثلاثة مواقف یحسن الوقوف علیها»(107)؛ انتهى.
أقول: و یکتب علیه رقم «ط»(108)؛ و قد تقدّم الکلام علیه.
قوله: «هذا» أی: المذکور من وقوع جمیع طاعة من أطاعک فی مقابلة أیسر شیءٍ من
نعمک و عدم استحقاقه بالطاعة سائر النعم، و من تفضّلک على المطیع و مسامحتک له -… إلى آخر ما فصّله علیه السلام -؛
«حال من أطاعک» و طریقة من طلب العبودیة؛ و أمّا حال من تمرّد و لم یطعک فسیذکره فیما بعد.
قوله – علیه السلام -:
فَأَمَّا الْعَاصِی أَمْرَکَ وَ الْمُوَاقِعُ نَهْیَکَ فَلَمْ تُعَاجِلْهُ بِنَقِمَتِکَ لِکَیْ یَسْتَبْدِلَ بِحَالِهِ فِی مَعْصِیَتِکَ حَالَ الاِنَابَةِ إِلَى طَاعَتِکَ، وَ لَقَدْ کَانَ یَسْتَحِقُّ فِی أَوَّلِ مَا هَمَّ بِعِصْیَانِکَ کُلَّ مَا أَعْدَدْتَ لِجَمِیعِ خَلْقِکَ مِنْ عُقُوبَتِکَ. فَجَمِیعُ مَا أَخَّرْتَ عَنْهُ مِنَ الْعَذَابِ وَ أَبْطَأْتَ بِهِ عَلَیْهِ مِنْ سَطَوَاتِ النَّقِمَةِ وَ الْعِقَابِ تَرْکٌ مِنْ حَقِّکَ، وَ رِضىً بِدُونِ وَاجِبِکَ. فَمَنْ أَکْرَمُ – یَا إِلَهِی! – مِنْکَ، وَ مَنْ أَشْقَى مِمَّنْ هَلَکَ عَلَیْکَ؟ لاَ! مَنْ؟.
«الفاء» للعطف و الترتیب الذکریّ.
و «أمّا» حرفٌ متضمّنٌ لمعنى الشرط و فعله، و لذلک یجاب ب- «الفاء». و فائدته تأکید ما صدّر به و تفضیلٌ فی نفس المتکلّم من الأقسام – نحو: هؤلاء فضلاء، أمّا زیدٌ ففقیهٌ، و أمّا عمروٌ فمتکلّمٌ، و أمّا بکرٌ فمحدّثٌ -. ثمّ قد تذکر الأقسام جمیعاً – کالمثال -، و قد یقتصر على واحدٍ منها استغناءً بکلامٍ یذکر بعدها أو قبلها فی موضع التقسیم(109)؛
فالأوّل کقوله -تعالى -: (هُوَ الَّذِی أَنْزَلَ عَلَیکَ الْکِتَابَ مِنهُ آیَاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَ أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةَ وَ ابْتِغَاءَ تَأْوِیلِهِ وَ مَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)(110)، فاستغنى بقوله: (وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلمِ) عن ذکر قسیم (فَأَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ
زَیْغٌ)، کأنّه قیل: (وَ) أمّا (الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ)؛
و الثانی: کعبارة الدعاء، فانّ ذکر حال المطیع قبل «أمّا» أغنى عن ذکر قسیم مابعدها. و قد یستغنى بذکر أحد القسمین عن الآخر – کقوله تعالى: (فَأمَّا الَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَیُدْخِلُهُمْ فِی رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ)(111) أی: و أمّا الّذین کفروا بالله فلهم کذا و کذا(112)؛ هکذا ذکره الفاضل الشارح.
و «عصیان» الأمر: ترک الإنفیاد له.
و «واقع» الذنب: ارتکبه، أی: التارک لأمرک المرتکب لنهیک.
«فلم تعاجله» -: ذلک العاصی – «بنقمتک» أی: بعقوبتک لیصیر سبباً لأن یطلب بدل حاله فی معصیتک حالةً فی «الإنابة»، أی: لیرجع من المعصیة إلى طاعتک.
ف- «اللام» من «لکی» تعلیلیّةٌ.
و «کی» مصدریّةٌ بمنزلة أن المصدریّة معنىً و عملاً – لصحّة حلول أن محلّها -.
<قوله: «و لقد کان یستحقّ» جملةٌ مستأنفةٌ سبقت لتقریر مضمون ماقبلها من إمهاله -تعالى - لعبده العاصی و عدم معاجلته له بالإنتقام.
و «اللام» جوابٌ لقسمٍ محذوفٍ، أی: و بالله لقد کان؛ و تصدیرها بالقسم لزیادة تحقیق مضمونها.
«فی أوّل ما همّ» أی: فی ابتداء همّه؛ ف- «ما» مصدریّةٌ و هی و صلتها فی محلّ جرٍّ على الإضافة.
و «کلّ ما أعددت» أی: جمیع ما هیّأته؛ ف- «ما» إمّا نکرةٌ موصوفةٌ، أو موصولةٌ؛ و الجملة بعدها إمّا صفةٌ أو صلةٌ. و یقع فی بعض نسخ الصحیفة کتابة «کلّ» متّصلةً ب- «ما»، و هو غلطٌ من النسّاخ. و قاعدتهم انّ «ما» إنّما توصل ب- «کلّ» إذا لم یعمل فیها ما قبلها – نحو:
(کُلَّمَا دَخَلَ عَلَیْهَا زَکَرِیَّا الِْمحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً)(113) -، فانّها تکون حینئذٍ ظرفاً منصوباً بما بعدها، فإن عمل ما قبل کلّ فیها فصّلت عنها – نحو: (وَ آتَاکُمْ مِنْ کُلِّ مَا سَأَلُْتمُوهَ)(21) -؛ و منه عبارة الدعاء. ف- «ما» حینئذٍ إسمٌ مضافٌ إلیه.
و «من» فی قوله: «من عقوبتک» لبیان «ما» المضاف إلیها «کلّ».
و «الفاء» من قوله: «فجمیع ما أخّرت» سببیّةٌ>(114)
و «الباء» فی قوله: «و أبطأت به» للتعدیة، و الضمیر عائدٌ إلى العاصی المذکور، و کذا ضمیر «علیه»؛ أی: کلّ ما أخّرته من العاصی و أبطأت به من العذاب و سطوات النقمة.
و قیل: «ضمیر «به» راجعٌ إلى «ما»، و «علیه» إلى «أوّل ما همّ».
و «البطؤ»: خلاف السرعة. و أصله تأخّر الإنبعاث فی السیر، ثمّ استعمل فی مطلق التأخّر، یقال: ما أبطأه بک عنّا أی: ما أخّرک. و فی نسخةٍ: «بطّأت به علیه»، و هی – من باب قرب – لغةٌ فی أبطأ؛ قال فی الأساس: «یقال: ما أبطأ بک عنّا، و ما بطّأه – بالتثقیل(115) -»(116)
و «السطوة»: القهر بالبطش.
قوله: «فمن أکرم – یا إلهی! – منک».
«الفاء» فصیحةٌ؛ و الإستفهام للتعظیم، أو لإنکار أنّ یکون أحدٌ أکرم منه.
و قس علیه قوله: «و من أشقى ممّن هلک علیک؟ لا! من؟!»؛ إلّا أن حمل الإستفهام هنا أوّلاً على التهویل و التخویف و ثانیاً على الإنکار أنسب، بشهادة الذوق.
فظهر من تضاعیف الکلام سرّ التعجّب من ظهور کرمه -تعالى – فی معاملته مع المطیع و العاصی. فقوله: «فمن أکرم – یا إلهی! – منک» تذکارٌ لما سبق.
و وجه تعدیة «الهلاک» ب- «على» قد مرّ فی اللمعة الأولى؛ فتذکّر!.
و «لا! من؟!» من قبیل «لا! متى» تأکیدٌ ل- «من أشقى»، أو له و ل- «من أکرم». ف- «لا» نافیةٌ، و «من» بعدها للإنکار أیضاً تقریراً لما قبلها و بیاناً لاستحالة کون أحدٍ أکرم منه، أو کون أحدٍ أشقى؛ أی: أ لیس أحدٌ أشقى ممّن هلک علیک؟، مَن الّذی أشقى منه؟.
و قیل: «أی: لایهلک أحدٌ علیک»؛
و هذا غیر صحیحٍ و خارجٌ عن المقصود!. و هذا یسمّى فی علم البدیع «صنعة الإکتفاء»(117)، و من أمثلته قوله -تعالى -: (وَ لَو أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ)(118)، و جواب «لو» محذوفٌ، أی: لکان خیراً لهم؛ و قوله-تعالى -: (کَلاَّ لَوتَعْلَمُونَ عِلْمَ الْیَقِینِ)(119) -(120)
ثمّ انّ الوقف على «علیک» و «لا، من» حسنٌ.
فَتَبَارَکْتَ أَنْ تُوصَفَ إِلاَّ بِالاِْحْسَانِ، وَ کَرُمْتَ أَنْ یُخَافَ مِنْکَ إِلاَّ الْعَدْلُ، لاَیُخْشَى جَوْرُکَ عَلَى مَنْ عَصَاکَ، وَ لاَیُخَافُ إِغْفَالُکَ ثَوَابَ مَنْ أَرْضَاکَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ هَبْ لِی أَمَلِی، وَ زِدْنِی مِنْ هُدَاکَ مَا أَصِلُ بِهِ إِلَى التَّوْفِیقِ فِی عَمَلِی، إِنَّکَ مَنَّانٌ کَرِیمٌ.
<«الفاء» سببیّةٌ(121)
و «البرکة»: النماء و الزیاة – حسّیّةً کانت أو عقلیّةً -.
و «أن توصف» أی: عن أن توصف، و حذف الجارّ مع أن و أنّ – المخفّفة و المثقّلة – مطّردٌ
إذا أمن اللبس. و الإستثناء مفرّغٌ، و التقدیر: تبارکت أن توصف بشیءٍ إلّا بالإحسان>(122)؛ أی: أنت منزّهٌ من کلّ نقصٍ و إساءةٍ إلّا الإتّصاف بصفات الکمال.
و «کرمت» أی: تنزّهت و تقدّست؛ یقال: کرُم زیدٌ عن السوء یکرُم – بالضمّ فیهما – و تکرّم و تکارم أی: تنزّه.
و المراد ب- «العدل»: المساواة فی المکافاة.
و ب- «الإحسان»: أن یقابل الخیر بأکثر منه و الشرّ بأقلّ منه؛ و قد تقدّم الکلام علیه. أی: تنزّهت و تعالیت من أن یکون شیءٌ من الأشیاء مخوفاً منک إلّا عدلک، فانّه الّذی لابدّ أن یخاف منه؛ و أمّا جورک فلیس ممّا یخشى منه بالنسبة إلى العصاة، لأنّک مستغنٍ بالعدل عن الجور. فانّک کلّما عذّبتنا فإنّا مستحقّون له، فلاتخرج عن العدالة – کما قال صاحب هذه الصحیفة فی سجدة الشکر فی دعاءٍ أوّله: «إلهی و عزّتک و جلالک و عظمتک لو انّی منذ بدعت فطرتی»… إلى أن قال: «و لو أنّک – إلهی! – عذّبتنی بعد ذلک بعذاب الخلائق أجمعین و عظمت للنار خلقی و جسمی و ملأت طبقات جهنّم منّی حتّى لایکون فی النار معذّبٌ غیری و لایکون لجهنّم حطبٌ سوای لکان ذلک بعدلک علیّ قلیلاً فی کثیر ما استوجبته من عقوبتک»(123) -.
و لیس «إغفالک» أیضاً ممّا یخاف منه، لأنّ الغفلة علیک محالٌ.
و قیل: «المعنى: إنّا واثقون منک بأنّک تعاملنا بالعدل لا الجور، و لابدّ من أن تعدل لولا أن تتفضّل، و انّ الجور محالٌ علیک لأنّک حکیمٌ رحیمٌ غنیٌّ عن الجور و القبیح. و لمّا کان إغفال الثواب على المطیع فی حکم الجور و عظم العنایة به خصّه بالذکر بعد ما نفى الجور عنه -تعالى -. و بالجملة لایجوز علیک و حکمتک و کرمک إلّا العدل لا غیره، کما لاتتّصف إلّا
بالإحسان؛ و قد أمر الله بها عباده فی کتابه الکریم، فکیف یترکهما؟!. أو المعنى: انّ ما یخاف منک هو العدل، فانّه لو عاملتنا بالعدل – لا الفضل – لهلکنا، و أمّا الجور و إغفال الثواب فلیسا ممّا یخاف منک. و یقال: غفل عنه و أغفله أی: ترکه و سهى عنه»؛ انتهى.
و «ثواب» مفعول «إغفالک».
و «الفاء» من قوله: «فصلّ على محمّدٍ» فصیحةٌ، أی: إذا کان حالک فی التفضّل إلیّ هذه المرتبة الرفیعة «فصلّ على محمّدٍ -… إلى آخره -».
هذا آخر اللمعة السابعة و الثلاثین من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادّیة، وفّق الله -تعالى – لإتمامها و اقتباس لمعةٍ من أنوارها عصر یوم الجمعة لتسعٍ مضین من شهر شعبان المعظّم سنة إحدى و ثلاثین و مأتین بعد الألف من الهجرة النبویّة.
1) إشارةٌ إلى قوله – علیه السلام -: «ما عبدناک حقّ عبادتک»؛ راجع: «بحارالأنوار» ج 68ص 23.
2) لم أعثر علیه، لا فی مصادرنا و لا فی مصادر العامّة.
3) هذا قول الجنید، راجع: «الرسالة القشیریّة» ص 277.
4) و هو الباب الثالث من أقسام قسم الأخلاق حسب ترتیب الأنصاری للمنازل و المقامات،راجع: «شرح منازل السائرین» للعارف الکاشانی ص 210.
5) المصدر: الکلام.
6) راجع: «مستدرک الوسائل» ج 5 ص 363 الحدیث 6092.
7) لم أعثر علیه أیضاً، لا فی مصادرنا و لا فی مصادر العامّة.
8) کریمة 54 الأعراف.
9) لم أعثر علیه، و مضى ما یقربه من محادثة داود – علیه السلام – مع الله – سبحانه و تعالى – بهذاالشأن.
10) إشارةٌ إلى قوله – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «الدنیا مزرعة الآخرة»؛ راجع: «عوالی اللئالی» ج ص 267 الحدیث 66، «مجموعة ورّام» ج 1 ص 183.
11) راجع: «الرسالة القشیریّة» ص 277.
12) هذا القول نقلها القشیریّ بنصّ العبارة عن أبی عثمان، و الظاهر انّه أبوعثمان المغربیّ؛ راجع: نفس المصدر.
13) کریمة 11 الرعد.
14) کریمة 112 النحل.
15) کریمة 147 النساء.
16) لم أعثر علیه، و روی عن أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: «النعم وحشیّةٌ فقیّدوها بالمعروف»؛راجع: «شرح نهج البلاغة» ج 20 ص 312 الحدیث 589.
17) کریمة 7 إبراهیم.
18) کریمة 17 محمّد.
19) لتفصیل الکلام راجع: «المحجّة البیضاء» ج 7 ص 224، «جامع السعادات» ج 3 ص 303.
20) راجع: «الکافی» ج 2 ص 97 الحدیث 19، «وسائل الشیعة» ج 3 ص 247 الحدیث 3535،«مستدرک الوسائل» ج 5 ص 315 الحدیث 5969، «الأمالی» – للطوسیّ – ص 49 الحدیث64، «بشارة المصطفى» ص 97، «جامع الأخبار» ص 182.
21) کریمة 34 إبراهیم.
22) راجع: «مکارم الأخلاق» ص 307، «مستدرک الوسائل» ج 5 ص 312 الحدیث 5954،«بحارالأنوار» ج 90 ص 215.
23) شرح الکافیة: لم یرد.
24) شرح الکافیة: نقول.
25) راجع: «شرح الرضی على الکافیة» ج 3 ص 285.
26) مغنی اللبیب: ذلک فأوقع.
27) راجع: «مغنی اللبیب» ج 2 ص 888.
28) المصدر: فأمّا المختصّ بالنفی.
29) المصدر: واحدٌ.
30) المصدر: مفترقین.
31) کریمة 47 الحاقّة.
32) المصدر: – الثانی و هو.
33) المصدر: الأوّل فی الواحد المضموم إلى العشرات.
34) کریمة 41 یوسف.
35) المصدر: – لقولهم.
36) کریمة 1 الإخلاص.
37) المصدر: + و.
38) المصدر: نحو قول.
39) تمامه: کَأَنَّ رَحلِی وَ قَدْ زَالَ النَّهَارُ بِنَا++بِذِی الْجَلِیلِ عَلَى مُسْتَأْنسٍ وَحدِراجع: «دیوانه» ص 31.
40) راجع: «مفردات ألفاظ القرآن» ص 67 القائمة 1.
41) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 229.
42) کریمة 33 الفرقان.
43) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 230.
44) حکى أبوهلال العسکری قطعةً لمحمود الورّاق تشتمل على أربعة أبیات، صدرها: إِذَا کانَ شُکرِی نِعمةَ اللَّهِ نِعمَةًعَلَیَّ لَهُ فِی مِثلِهَا یَجِبُ الشُّکرُراجع: «الصناعتین» ص 238. و الظاهر انّ الموجود فی المتن هو تصحیفٌ أو روایةٌ أخرى من هذاالبیت.
45) راجع: «گلستان» – فی کلّیات سعدی – ص 28.
46) کریمة 91 الأنعام / 74 الحج / 67 الزمر.
47) راجع: نفس المصدر.
48) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 237.
49) راجع – مع تغییرٍ یسیر -: «بحارالأنوار» ج 92 ص 368، «البلد الأمین» ص 315، «فلاح السائل» ص 115، «المصباح» – للکفعمی – ص 374، «مهج الدعوات» ص 281.
50) المصدر: من المتکلّمین.
51) کما قال القوشجیّ: «ذهب بعض المعتزلة إلى انّه یجب على الله -تعالى – أن یسقط العقاب بالتوبة، حتّى قالوا: انّ العقاب بعد التوبة ظلمٌ…»؛ راجع: «شرح تجرید الإعتقاد» ص 390، وانظر أیضاً: «المغنی فی أبواب العدل و التوحید» ج 14 ص 337، «اللوامع الإلهیّة» ص 447.
52) قارن: «نورالأنوار» ص 164.
53) کریمة 277 البقرة.
54) مجمع البیان: + غفورٌ للسیّئات.
55) راجع: «مجمع البیان» ج 9 ص 50.
56) راجع: «تفسیر البیضاوی» ص 742.
57) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 238.
58) المصدر: مغفرته.
59) راجع: «النهایة» ج 2 ص 493.
60) المصدر: منه.
61) هذا قول محدّث الجزائری، راجع: «نورالأنوار» ص 164.
62) کریمة 85 المائدة.
63) کریمة 153 آل عمران.
64) المصدر: محلّه الطاعة.
65) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 239.
66) شرح الکافیة: – حتّى.
67) شرح الکافیة: کما فی قوله.
68) البیت للفرزدق، و تمامه: کَأَنَّ أَبَاهَا نَهْشَلٌ أَو مجَاشِعُ راجع: مصدر العبارة.
69) البیت لجریر، راجع: نفس المصدر أیضاً.
70) راجع: «شرح الرضی على الکافیة» ج 4 ص 278.
71) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 239.
72) کریمة 123 هود.
73) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 240.
74) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 240.
75) لم أعثر علیه، و قریبٌ منه ما روی من مخاطبة الله – سبحانه – داود النبیّ – علیه السلام -،راجع: «إرشاد القلوب» ج 1 ص 122، «بحارالأنوار» ج 14 ص 40.
76) کریمة 17 الحجرات.
77) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 241.
78) کریمة 198 البقرة.
79) راجع: «بحارالأنوار» ج 68 ص 23، «عوالی اللئالی» ج 4 ص 132 الحدیث 227.
80) المصدر: الإمتناع.
81) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 246.
82) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 249.
83) کریمة 183 الأعراف.
84) قارن: نفس المصدر و المجلّد أیضاً ص 250.
85) من أشهر أبیات الشیخ السعدی، راجع: «گلستان» – فی «کلّیات سعدى» – ص 29.
86) کریمة 114 هود.
87) راجع: «أساس البلاغة» ص 546 القائمة 2.
88) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 251.
89) قال ابن هشام: «و زعم أبوالفتح انّ اللام بعد لو… جواب قسمٍ مقدّرٍ»؛ راجع: «مغنی اللبیب»ج 1 ص 310.
90) لم یعلم قائله، و انظر: «أمالی» ثعلب ص 433، «أمالی» الزجّاجی ص 126.
91) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 252.
92) راجع: «الکافی» ج 2 ص 85 الحدیث 5، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 1 ص 50 الحدیث 96،«تفسیر العیّاشی» ج 2 ص 316 الحدیث 158، «علل الشرائع» ج 2 ص 523 الحدیث 1، وانظر أیضاً: «نورالأنوار» ص 164.
93) کریمة 84 الإسراء.
94) المصدر: – أی: حسبه.
95) هیهنا حذف المصنّف قطعةً من کلام الزمخشریّ.
96) راجع: «أساس البلاغة» ص 510 القائمة 2.
97) القاموس: – هی.
98) القاموس: + أو هی جمعٌ.
99) راجع: «القاموس المحیط» ص 887 القائمة 1.
100) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 256.
101) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 258.
102) کریمة 13 الدخان.
103) کریمة 1 القیامة.
104) و انظر: «تفسیر الکشّاف» ج 4 ص 189.
105) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 259.
106) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 260.
107) هذا تحریر کلامه – قدّس سرّه -، راجع: «شرح الصحیفة» ص 308.
108) و لتفصیله راجع: «نورالأنوار» ص 164.
109) المصدر: القسیم.
110) کریمة 7 آل عمران.
111) کریمة 175 النساء.
112) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 260.
113) کریمة 37 آل عمران.
114) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 262.
115) قال: «و ما أبطأ بک عنّا؟ و ما بطّأ بک؟ و ما بطّاک؟».
116) راجع: «أساس البلاغة» ص 42 القائمة 1.
117) لتفصیل ما یتعلّق بهذه الصنعة راجع: «أنوار الربیع» ج 3 ص 71، «خزانة الأدب» – لابن حِجّة – ص 157.
118) کریمة 59 التوبة.
119) کریمة 5 التکاثر.
120) هذا مأخوذٌ من کلام المحقّق الداماد، راجع: «شرح الصحیفة» ص 310، و انظر: «نور الأنوار»ص 164.
121) المصدر: مبیّنةٌ.
122) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 264.
123) راجع: «بحارالأنوار» ج 91 ص 90، «الأمالی» – للصدوق – ص 299 الحدیث 15، و انظر: «مفتاح الفلاح» ص 315.