جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

اللمعة الرابعة و الثلاثون فی شرح الدعاء الرابع و الثلاثین

زمان مطالعه: 12 دقیقه

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله الّذی من ابتلى بفضیحةٍ ستره، و من وقع فی ذنبٍ غفره؛ و الصلاة و السلام على نبیّه الّذی فی کلّ الأمور نصره، و على آله و أهل بیته التابعین له فی کلّ ما أمره.

و بعد؛ فهذه اللمعة الرابعة و الثلاثون من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة – صلوات الله علیه و على آبائه و أبنائه المصطفین من کلّ البریّة -، إملاء المبتلی بفضیحة النفس الأمّارة المرتجی إصلاحها من تفضّلاته السنیّة محمّد باقر بن السیّد محمّد من السادات الموسویّة – ستر الله عیوبهما الظاهریّة و الباطنیّة، و غفر الله ذنوبهما الجسمانیّة و الروحانیّة، بمحمّدٍ و أهل بیته الطاهرة -.

وَ کَانَ مِنْ دُعَائِهِ – عَلَیْهِ السَّلاَمُ – إِذَا ابْتُلِیَ أَوْ رَأَى مُبْتَلىً بِفَضِیحَةٍ بِذَنْبٍ.

«ابتُلی» – بالبناء للمفعول – أی: امتحن؛ و قد تقدّم الکلام علیه مستوفىً.

و «الفضیحة»: اسمٌ من: فضحه فضحاً – من باب منع -: إذا کشف مساویه و بیّنها للناس.

و «الباء» من قوله: «بذنبٍ» للسببیّة، أو للإستعانة متعلّقٌ ب- «فضیحةٍ»؛ فعلى الأوّل یکون سبباً للفضیحة، و على الثانی آلةً لها.

اللَّهُمَّ لَکَ الْحَمْدُ عَلَى سِتْرِکَ بَعْدَ عِلْمِکَ، وَ مُعَافَاتِکَ بَعْدَ خُبْرِکَ، فَکُلُّنَا قَدِ اقْتَرَفَ الْعَائِبَةَ فَلَمْ تَشْهَرْهُ، وَ ارْتَکَبَ الْفَاحِشَةَ فَلَمْ تَفْضَحْهُ، وَ تَسَتَّرَ بِالْمَسَاوِئِ فَلَمْ تَدْلُلْ عَلَیْهِ.

تعریف «الحمد» للتعمیم، و تخصیص الخبر للتخصیص.

و «السِتر» بالکسر: ما یستر به، و جمعه: الستور، و: الأستار؛ و بالفتح: مصدر سترت الشیء استره: إذا غطّیته. و المعنى على الأوّل: الحمد على الستر الّذی أرخیته دون عیوبی بحیث لایراها الناظرون؛ و على الثانی: الحمد على تغطیتک عیوبی من عیون الناظرین.

و «المعافاة»: مصدر قولهم: عافاه الله، و الإسم: العافیة؛ و هی دفاع الله عن العبد؛ قال فی القاموس: «عافاه الله من المکروه(1) معافاةً و عافیةً: وهب له العافیة من العلل و البلایا(2)، کأعفاه»(3)؛ و قال الرضیّ فی شرح الشافیة فی «باب ما جاء من فاعلٍ بمعنى فعل»: «عافاک الله أی: جعلک ذا عافیةٍ»(4)؛ انتهى.

و «الخُبر» – بالضمّ -: العلم، لکن إذا أضیف إلى الخفایا الباطنة، فهو أخصّ من مطلق العلم.

قوله: «فکلّنا قد اقترف -… إلى آخره -».

«الفاء» للترتیب الذکریّ، و هو عطف مفصّلٍ على مجملٍ؛

و قیل: «جزاءٌ لشرطٍ محذوفٍ، أی: إذا کان شأنک و دأبک ذلک فلابدّ أن یکون کلّنا…»؛

و قیل: «هذا الفاء بمعنى: اللام یدخل على ما هو فی حکم السبب و العلّة؛ أی: لأنّ کلّنا».

و «الإقتراف»: الإکتساب.

و «العائبة»: مصدرٌ جاء على فاعلة – کالعافیة و العاقبة -، و هی الخصلة الّتی توجب

لصاحبها العیب(5)؛ و قیل: «العائبة: اسم فاعلٍ صفةٌ لمحذوفٍ، أی: الأعمال العائبة – أی: ذات العیب -».

و «الشُهرة» – بالضمّ -: وضوح الأمر.

و «الفاحشة»: کلّ سوءٍ جاوز حدّه.

و «تستّر»: استتر، أی: تغطّى و اختفى.

و «الباء» للملابسة.

و «المَساوئ» – بفتح المیم -: الذمائم و القبائح؛ أی: تستّر حال کونه متلبّساً بالقبائح و السیّئات.

کَمْ نَهْیٍ لَکَ قَدْ أَتَیْنَاهُ، وَ أَمْرٍ قَدْ وَقَفْتَنَا عَلَیْهِ فَتَعَدَّیْنَاهُ، وَ سَیِّئَةٍ اکْتَسَبْنَاهَا، وَ خَطِیئَةٍ ارْتَکَبْنَاهَا.

«کم» یحتمل الخبریّة و الإستفهامیّة، فیکون ممیّزها مجروراً على الأوّل و منصوباً مفرداً على الثانی. و على التقدیرین یکون مرفوعاً مبتدءً و ما بعده خبره، لأنّ مابعده و إن کان فعلاً لکنّه مشتغلٌ عنه بضمیره.

و «لک» تعظیمٌ لل- «نهی».

و «أتیناه» أی: تعاطیناه، و إیثار صیغة المتکلّم مع الغیر هنا – و فی سائر الأفعال الآتیة – للإشعار باشتراک سائر الموحّدین له فی ذلک.

و «أمرٍ» عطفٌ على «نهیٍ». قیل: «هو طلب وجود الفعل على جهة الإستعلاء»؛

و قیل: «طلب فعلٍ غیر کفٍّ»؛

و قیل: «استدعاء الفعل بالقول بمن هو دونه»؛

و قال الراغب: «هو(6) التقدّم بالشیء، سواءٌ کان ذلک بقولهم: إفعل و لیفعل، أو کان ذلک

بلفظ خبرٍ – نحو: (الْمُطَلَّقَاتُ یَتَرَبَّصْنَ)(7) -، أو کان بإشارةٍ، أو غیر ذلک. ألاَ ترى انّه قد سمّى ما رأى إبراهیم – علیه السلام – فی المنام من ذبح إبنه «أمراً» حیث قال: (یَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)(8) ؟»(9)

و «وقفتنا علیه» أی: اطّلعتنا علیه، من: وقفته على ذنبه أی: اطّلعته علیه؛ أو: أمرتنا بالوقوف عنده لانتعدّاه و لانتجاوزه. و حاصل المعنى الأوّل التفریط، و الثانی الإفراط. و علیه یکون الفعل اللازم بمعنى المتعدّی، و لایحتاج إلى تقدیر «عن»، و على الأوّل بمعناه مع تقدیر «عن»؛ و الأوّل أنسب ب- «أتیناه»، و الثانی ب- «تعدّیناه». <و فی نسخةٍ «أوقفتنا» - بالألف -، و هی لغةٌ فی «وقفتنا». و أنکرها بعضهم، و الصحیح ثبوتها - کما نصّ علیه صاحب القاموس(10) -.

و «تعدّیناه» أی: تجاوزناه إلى غیره.

و «السیّئة»: ضدّ الحسنة.

و «الخطیئة»: الذنب؛ و قیل: «الکبیرة»؛

و قیل: «الفرق بینهما: انّ الأولى تطلق على ما یقصد بالذات، و الثانیة تغلب على ما یقصد بالعرض، لأنّها من الخطأ، کمن رمى صیداً فأصاب انساناً، أو شرب مسکراً فجنى جنایةً فی سکره»(11)

و «ارتکب» الذنب: فعله>(12)

کُنْتَ الْمُطَّلِعَ عَلَیْهَا دُونَ النَّاظِرِینَ، وَ الْقَادِرَ عَلَى إِعْلاَنِهَا فَوْقَ الْقَادِرِینَ،

کَانَتْ عَافِیَتُکَ لَنَا حِجَاباً دُونَ أَبْصَارِهِمْ، وَ رَدْماً دُونَ أَسْمَاعِهِمْ.

«کنت المطّلع علیها» أی: على تلک الخطیئة، حالٌ عن مفعول «إرتکبناها». و إنّما أفرد الضمیر و المذکور شیئان، لأنّ المراد: سیّئاتٌ و خطیئاتٌ کثیرةٌ – کما یدلّ علیه «کم» -.

و «دون الناظرین» أی: تحتهم، أی: کنت حائلاً بیننا و بین الناظرین فاطّلعت و لم یطّلعوا.

و «کانت عافیتک» حالٌ عن فاعل «کنت».

و قوله: «لنا» متعلّقٌ ب- «حجاباً»، أی: کنت المطّلع علیها دونهم حال کون دفاعک إطّلاعهم علینا حجاباً لنا – أی: لانتفاعنا -، فتقدیم الظرف لإفادة الحصر.

<«الردم»: السدّ. و قال الزمخشریّ فی قوله -تعالى -: (فَأَعِینُونِی بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَیْنَکُمْ وَ بَینَهُمْ رَدْماً)(13): «أی: حاجراً حصیناً موثقاً. و الردم أکبر من السدّ و أوثق(14)، من قولهم: ثوبٌ مردّمٌ أی(15): رقاعٌ فوق رقاعٍ»(16)؛ انتهى. و لمّا کان الحجاب بمعنى الستر قد لایمنع السمع من السماع آثر لفظ «الردم» فی جانب الأسماع، لأنّه حاجزٌ حصینٌ و برزخٌ متینٌ>(17)

و یحتمل أن یکون «دون» فی الموضعین بمعنى: القرب، یقال: هذا دون ذلک أی: أقرب منه.

فَاجْعَلْ مَا سَتَرْتَ مِنَ الْعَوْرَةِ، وَ أَخْفَیْتَ مِنَ الدَّخِیلَةِ وَاعِظاً لَنَا، وَ زَاجِراً عَنْ سُوءِ الْخُلُقِ، وَ اقْتِرَافِ الْخَطِیئَةِ، وَ سَعْیاً إِلَى التَّوْبَةِ الْمَاحِیَةِ، وَ الطَّرِیقِ الْمَحْمُودَةِ. وَ قَرِّبِ الْوَقْتَ فِیهِ، وَ لاَتَسُمْنَا الْغَفْلَةَ عَنْکَ، إِنَّا إِلَیْکَ رَاغِبُونَ، وَ مِنَ الذُّنُوبِ تَائِبُونَ.

أی: إذا سترت و دفعت فاجعل ما سترت «من العورة». و هی کلّ ما یستره الإنسان

أنفةً أو حیاءً. و قیل: «کلّ ما یستحیى منه إذا ظهر، و أصلها من العار، و ذلک لما یلحق فی ظهورها من العار – أی: المذمّة -»(18)

و «الدخیلة» هنا بمعنى: الدَخَل – بالتحریک -، و هو: العیب. و قیل: «هی ما داخلک من فسادٍ فی عقلٍ أو جسمٍ».

«واعظاً لنا» أی: ناصحاً مذکِّراً بالعواقب لنا بأن تلحقنا خوفاً یکون سبباً لتذکّرنا عاقبتنا – هل هی محمودةٌ أم لا؟ -. و من کان هذا شأنه یزجر عن سوء الخلق و اکتساب السیّئة.

<و «الخُلق»: کیفیّةٌ نفسانیّةٌ تصدر عنها الأفعال بسهولةٍ، فان کان الصادر عنها الأفعال الجمیلة عقلاً و شرعاً سمّیت الکیفیّة: خلقاً حسناً، و إن کان الصادر عنها الأفعال القبیحة سمّیت الکیفیّة الّتی هی المصدر: خلقاً سیّئاً. و المعنى: اجعل ذلک سبباً لاتّعاظنا و انزجارنا>(19)؛ یقال: وعظه یعظه وعظاً و عظةً و موعظةً: أمره بالطاعة و وصّاه بها.

و قیل: «الموعظة مصدرٌ میمیٌّ من: وعظ الناس: إذا رغّبهم و حذّرهم و خوّفهم، أو اسمٌ لکلامٍ یتضمّن هذه الأشیاء»؛

و قال بعض العرفاء: «الموعظة هی الّتی تلین القلوب القاسیة و تذلّل النفوس العاصیة و تدمع العیون الجامدة و تصلح الأعمال الفاسدة»؛

و قال بعض الأکابر: «هی التذکیر بالخیر و التحذیر عن الضیر بما یرقّ له القلب و تحنّ به النفس»؛

و قال صوفیٌّ: «هی تصفیة الفؤاد و تنقیة الإعتقاد»؛

و قال عارف: «الموعظة تقویة القلوب للوصل إلى المحبوب، و النصیحة ترفیة العاقل و تنبیه الغافل»؛

و قال فقیهٌ: «الموعظة تطهیر القلوب عن أحداث الذنوب، و النصیحة تحصیل السعادة بالإخلاص فی العبادة»؛

و قال فاضلٌ: «الموعظة هی الأمر بالمأمورات و النهی عن المحظورات»؛

و قال واعظٌ: «هی تبشیر الأرواح و تطهیر الأشباح، و النصیحة التعریض على التوسّل و التنفیر عن التکسّل»؛

و قال طبیبٌ روحانیٌّ: «الموعظة مداواة الأمراض الشهوانیّة و معالجة الأعراض النفسانیّة بدواء الأغراض الروحانیّة و غذاء الأخلاق الرحمانیّة، و النصیحة الأمر بالاحتماء عن ذمائم الخصال و الاغتذاء بمحامد الأوصاف و محاسن الأعمال».

حکی انّه قال ملکٌ لزاهدٍ: «عظنی!

قال: إعط فی النهار من یسألک و اسئل فی اللیل من یعطیک! حتّى یرضی منک الخلائق و یرتضیک الربّ الخالق فیتمّ أمر معاشک و یکمل صلاح معادک».

و من المواعظ البالغة و النصائح البلیغة الّتی تلیق أن ترسم بأشعّة النور على أوراق خدود الحور ما روی عن علیٍّ – علیه السلام – انّه کتب إلى عثمان بن حنیف الأنصاریّ – و کان عامله على البصرة و قد بلغه انّه ذهب إلى ولیمةٍ -:

«أمّا بعد؛ یابن حنیف! فقد بلغنی انّ رجلاً من فتیة أهل البصرة دعاک إلى مأدبةٍ فأسرعت إلیها تستطاب لک الألوان و تنقل إلیک الجفان، و ما ظننت أنّک تجیب إلى طعم قومٍ عائلهم مجفوٌّ و غنیّهم مدعوٌّ. فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم! فما اشتبه علیک علمه فالفظه و ما أیقنت بطیب وجوهه فنل منه.

ألاَ و إنّ لکلّ مأمومٍ إماماً یقتدی به و یستضیء بنور علمه…. ألاَ و إنّکم لاتقدرون على ذلک و لکن أعینیونی بورعٍ و اجتهادٍ و عفّةٍ و سدادٍ. فو الله ما کنزت من دنیاکم تبراً و لاادّخرت من غنائمها وفراً، و لاأعددت لبالی ثوبی طمراً…. بلى! کانت فی أیدینا فدکٌ من کلّ ما أظلّته السماء فشحّت علیها نفوس قومٍ و سخت عنها نفوس آخرین – و نعم الحکم الله! -. و ما أصنع بفدکٍ و غیر فدکٍ، و النفس مظانّها فی غدٍ جدثٌ تنقطع فی ظلمته آثارها

و تغیب أخبارها، و حفرةٌ لو زید فی فسحتها و أوسعت یدا حافرها لأضغطها الحجر و المدر و سد فرجها التراب المتراکم. و إنّما هی نفسی أروضها بالتقوی لتأتی آمنةً یوم الخوف الأکبر و تثبت على جوانب المزلق. و لوشئت لاهتدیت الطریق إلى مصفّى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القزّ. و لکن هیهات أن یغلبنی هوای و یقودنی جشعی إلى تخیّر الأطمعة؛ و لعلّ بالحجاز و الیمامة من لاطمع له فی القرص و لا عهد له بالشبع، أو أبیت مبطاناً و حولی بطونٌ غرثى و أکبادٌ حرّى، أو أکون کما قال القائل:

وَ حَسبُکَ دَاءً أَنْ تَبِیتَ بِبِطْنَةٍ++

وَ حَولکَ أَکبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

أ أقنع من نفسی بأن یقال: هذا أمیرالمؤمنین و لا أشارکهم فی مکاره الدهر أو أکون أسوةً لهم فی جشوبة العیش! فما خلقت لیشغلنی أکل الطیّبات کالبهیمة المربوطة، همّها علفها أو المرسلة شغلها تقمّمها، تکترش من أعلافها و تلهو عمّا یراد بها، أو أترک سدىً أو أهمل عابثاً أو أجرّ ذیل الضلالة، أو أعتسف طریق المتاهة.

و کأنّی بقائلکم یقول: إذا کان هذا قوت ابن أبی طالبٍ فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران و منازلة الشجعان؛ ألا و إنّ الشجرة البرّیّة أصلب عوداً و الرواتع الخضرة أرقّ جلوداً، و النابتات العذیة أقوى وقوداً و أبطا خموداً. و أما من رسول کالضوء من الضوء، و الذراع من العضد. و الله لو تظاهرت العرب على قتالی لما ولّیت عنها، و لوأمکنت الفرص من رقابها لسارعت إلیها. و سأجهد فی أن أطهّر الأرض من هذا الشخص المعکوس و الجسم المرکوس، حتّى تخرج المدرة من بین حبّ الحصید.

إلیک عنّی یا دنیا! فحبلک على غاربک قد انسللت من مخالبک، و أفلتّ من حبائلک و اجتنبت الذهاب فی مداحضک، أین القرون الّذین غررتهم بمداعبک؟، أین الأمم الّذین فتنتهم بزخارفک؟!. فها هم رهائن القبور، و مضامین اللحود. و الله! لو کنت شخصاً مرئیّاً و قالباً حسّیّاً لأقمت علیک حدود الله فی عباد غررتهم بالأمانی، وأممٍ ألقیتهم فی المهاوی، و ملوکٍ أسلمتهم إلى التلف و أوردتهم موارد البلاء. إذ لا ورد و لا صدر!. هیهات! مَن وطىء دحضک زلق، و من رکب لججک غرق، و من ازورّ عن حبائلک وفّق، و السالم منک لایبالی

إن ضاق به مناخه، و الدنیا عنده کیومٍ حان انسلاخه!.

اعزبی عنّی! فوالله لا أذلّ لک فتستذلّینی، و لا أسلس لک فتقودینی. و أیم الله – یمیناً أستثنی فیها بمشیّة الله! – لأروضنّ نفسی ریاضةً تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت علیه مطعوماً، و تقنع بالملح مأدوماً، و لأدعنّ مقلتی کعین ماءٍ نضب معینها، مستفرغةً دموعها، أمتلىء السائمة من رعیها فتبرک و تشبع الربیضة من عشبها فتربض، و یأکل علیٌّ من زاده فیهجع؟!. قرّت إذاً عینه إذا اقتدى بعد السنین المتطاولة بالبهیمة الهاملة، و السائمة المرعیّة!.

طوبى لنفسٍ أدّت إلى ربّها فرضها، و عرکت بجنبها بؤسها، و هجرت فی اللیل غمضها، حتّى إذا غلب الکرى علیها افترشت أرضها، و توسّدت کفّها فی معشرٍ أسهر عیونهم خوف معادهم، و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم، و همهمت بذکر ربّهم شفاههم، و تقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم، (أُولَئِکَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(20) فاتّق الله یابن حنیف، و لتکفف أقراصک لیکون من النار خلاصک»(21)؛ انتهى کلامه – صلوات الله علیه و سلامه -.

بیانٌ: «المأدبة» – بالباء الموحّدة -: طعامٌ صنع لدعوةٍ أو لعرسٍ. و «القَرَم» – محرّکةً -: شدّة شهوة اللحم. و «العائل»: الفقیر. و «القضم»: الأکل. و «علمه» أی: علم حلّه و حرمته. و «التِبر» – بالکسر -: الذهب و الفضّة؛ أو هما قبل أن یصاغا، فإذا صیغا فهما ذهبٌ و فضّةٌ؛ أو ما أخرج من المعدن قبل أن یصاغ، و مکسور الزاج، و کلّ جوهرٍ یستعمل من النحاس و الصفر. و «الوفر»: الغنى، و من المال و المتاع: الکثیرالواسع. و «الطِمر» – بالکسر-: الثوب الخلق، أو الکساء البالی من غیر الصوف. و «الشَُِحّ» – مثلّثةً -: البخل و الحرص. و «سنح» فی الحفر و السیر: أمعن. و أراد ب- «النفوس الّتی سخت عنها»: بنی هاشم. و «الجَدَث» – محرّکةً -: القبر. و «إنّما هی نفسی» أی: و إنّما حاجتی نفسی و ریاضتها. و «ریاضة النفس» مأخوذةٌ من ریاضة البهیمة، و هی منعها عن الإقدام على حرکاتٍ غیر

صالحةٍ. و تخصیصه – علیه السلام – بهذین الطعامین – أی: العسل و الحنطة – لأنّهما عند أهل مکّة و الحجاز من ألذّ الأطعمة و أطیبها، و کمال رغبتهم بأکل الهریسة و العسل. و «القمح»: الحنطة. و «الجشع»: أشدّ الحرص على الطعام. و «المبطان»: عظیم البطن من کثرة الأکل. و «غرثى»: جائعةٌ. و «حرى»: عطشى. و «التقمّم»: تتبّع القمامة، و هی الکناسة. و «الإکتراش»: ملأ الکرش، و «الکرش» فی الحیوان بمنزلة المعدة للإنسان. و «المتاهة»: موضع التیه و الحیرة. و «المناضلة»: المغالبة، یقال: ناضله أی: غالبه؛ و فی القاموس: «ناضله مناضلةً و نضالاً و نیضالاً: باراه فی الرمی»(22) و «الروائع»: الأشجار الّتی تروع و تعجب بنضارتها. و «العذبة»: الّتی لایسقیها إلّا المطر. و «الصنوان»: نخلتان یجمعهما أصلٌ واحدٌ. و شبّه نفسه ب- «الذراع» من العضد لکونه فرعاً من رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – و ملازماً له فی المعاونة و المعاضدة. و «تظاهرت»: تعاونت. و أراد – علیه السلام – ب- «الشخص المعکوس»: معاویة. و جعله مجرّد جسمٍ خالٍ عن النفس الإنسانیّة منکوساً، لإلتفاته عن المطالب العالیة إلى اللذّات الجسمانیّة. و «المداحض»: المزالق. و «ازورّ»: أخذ جانباً. و «شرق» بریقه و بالماء أی: غصّ. و «اعزبی»: ابعدی. و استعار لفظ «المضامین» للموتى، لتشبّههم فی اللحود بالأجنّة فی بطون أمّهاتها. و «المهاوی»: المساقط. و «الدحض»: موضع الزلق. و «نهش» من: هشّ إلى کذا: إذا انطلق وجهه. و «الهشاشة»: طلاقة الوجه. و «المعین»: الماء الجاری. و «نضب» الماء نضوباً: غار. و «أ یمتلی السائمة» استفهامٌ للتوبیخ و الإنکار. و «الهاملة»: الإبل بلاراعٍ. و «عرکت» بجنبها: کنایةٌ عن الصبر على الشدائد، یقال: عرک فلانٌ بجنبه الأذى: إذا أغضى عمّن یؤذیه و صبر علیه. و «تجافت»: خلت و تجانبت.

قوله – علیه السلام -: «و سعیاً» أی: اجعله سبباً لسعینا إلى توبةٍ. و إنّما لم یقل «ساعیاً» لأنّ ما ستر و أخفى لیس ساعیاً إلیها، بل الساعی نحن و لکن هو سببٌ لسعینا إلیها.

و «الماحیة»: <المزیلة للذنب، من: المحو، و هو: إزالة الأثر؛ و من کلامهم: «التوبة تمحو

الحوبة».

و «الطریق»: السبیل الّذی یطرق بالأرجل – أی: یضرب -، یذکّر و یؤنّث، ثمّ استعیر لکلّ مسلکٍ یسلکه الإنسان فی فعلٍ – محموداً کان أو مذموماً -.

و «القرب»: خلاف البعد، و یستعمل فی الزمان و المکان.

و «الوقت»: مقدارٌ من الزمان مفروضٌ لأمرٍ مّا؛ و لهذا لایکاد یستعمل إلّا مقیّداً – نحو قولهم: وقتٌ کذا -.

و الضمیر من «فیه» عائدٌ إلى «السعی».

و «فی» للظرفیّة المجازیّة، جعل «السعی» ظرفاً للوقت مجازاً>(23) – کما یقال: اصرف وقتک فی الطاعة -. أی: اجعل الوقت قریباً فی السعی إلى التوبة الماحیة و الطریق المحمودة؛ و قد مرّ المعنى فی: «لاتسمنا» فی «دعاء الاستخارة».

قوله: «إنّا إلیک راغبون» إستینافٌ، کأنّ الله -سبحانه – یقول: لم طلبت المذکورات منّی؟.

وَ صَلِّ عَلَى خِیَرَتِکَ – اللَّهُمَّ! – مِنْ خَلْقِکَ مُحَمَّدٍ وَ عِتْرَتِهِ الصِّفْوَةِ مِنْ بَرِیَّتِکَ الطَّاهِرِینَ، وَ اجْعَلْنَا لَهُمْ سَامِعِینَ وَ مُطِیعِینَ کَمَا أَمَرْتَ.

<«الخِیَْرة» - بکسر الخاء، و سکون الیاء و فتحها، کغیبة(24) -: اسمٌ من الإختیار، أی: الإصطفاء>(25)

و «من خلقک» متعلّقٌ ب- «خیرتک»، أی: مختارک و مصطفاک من خلقک.

و «عترة» الرجل: نسله، و قیل: «رهطه الأدنون»؛ و یقال: «أقرباؤه»(26)؛ و قال

الزمخشریّ فی الفائق: «العترة: العشیرة، سمّیت بالعترة و هی المرزنجوشة(27) لاتنبت إلّا شعباً

متفرّقةً»(28) و هی عطفٌ على «محمّدٍ»؛ و یحتمل أن یکون معطوفاً على «خیرتک».

و «الصفوة» مثلّثة الفاء – صفةٌ لل- «عترة»، و هی: ما صفى من الشیء و خلص من الشوب و الکدر.

و «البریّة»: الخلق، فعیلةٌ بمعنى مفعولةٍ، من: برء الله الخلق یبرأهم أی: خلقهم. قال الجوهریّ: «و قد ترکت العرب همزته(29)، قال الفرّاء: و إن أخذت البریّة من البری – و هو التراب – فأصلها غیر الهمز»(30)؛ تقول منه: برءه الله یبرؤه برواً أی: خلقه. و المعنى: المصطفاة من بریّتک.

و «الطاهرین» صفةٌ لل- «عترة»، أی: المنفیّین من دنس المولد و العمل البریئین من صغائر الذنوب و کبائرها؛ قال -تعالى -: (إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذهِبَ عَنکُمُ الرِّجسَ أَهلَ الْبَیتِ وَ یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً)(31)

و «اجعلنا سامعین» أی: مجیبین لأمرهم منقادین لحکمهم.

قوله – علیه السلام -: «کما أمرت» أی: فی قوله: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَ أَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِى الاَمْرِ مِنْکُمْ)(32) فانّ المراد ب- (أُولِی الاَمْرِ): الأئمّة المعصومون -علیهم السلام – بالعقل و النقل؛

أمّا العقل: فلأنّ الأمر بمتابعة غیر المعصوم قبیحٌ عقلاً – کما تقرّر فی محلّه -؛ فبمقتضى

الآیة الکریمة یجب وجود المعصوم فی الأمّة و إلّا لزم الأمر بإطاعة غیر متحقّق الوجود، و هو باطلٌ. و بالاتّفاق العصمة من غیر علیٍّ – علیه السلام – منفیّةٌ، فلایکون المراد من أولى الأمر إلّا علیّاً – علیه السلام – و الأئمّة من ولده؛

و أمّا النقل فلقول الصادق – علیه السلام -: «إیّانا عنی خاصّةً، أمر جمیع المؤمنین إلى یوم القیامة بطاعتنا»(33)؛

و فی حدیث جابر بن عبدالله: لمّا نزلت هذه الآیة قلت: یا رسول الله! – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، عرفنا الله و رسوله، فمن أولوا الأمرالّذین قرن الله طاعتهم بطاعتک؟

فقال: «هم خلفائی یا جابر! و أئمّة المسلمین من بعدی؛ أوّلهم علیّ بن أبی طالبٍ، ثمّ الحسن، ثمّ الحسین، ثمّ علیّ بن الحسین، ثمّ محمّد بن علیٍّ – المعروف فی التوراة بالباقر، و ستدرکه یا جابر فإذا لقیته فاقرأه منّی السلام! -، ثمّ الصادق جعفر بن محمّدٍ، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علیّ بن موسى، ثمّ محمّد بن علیٍّ، ثمّ علیّ بن محمّدٍ، ثمّ الحسن بن علیٍّ، ثمّ سمیّی محمّدٌ و کنیّی حجّة الله فی أرضه و بقیته فی عباده ابن الحسن بن علیٍّ، ذاک الّذی یفتح الله على یدیه مشارق الأرض و مغاربها، ذاک الّذی یغیب عن شیعته و أولیائه غیبةً لایثبت فیها على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإیمان.

قال جابر: فقلت له: یا رسول الله! – صلّى الله علیه و آله و سلّم -، فهل لشیعته الإنتفاع به فی غیبته؟

فقال: إی و الّذی بعثنی بالنبوّة!، إنّهم یستضیؤون بنوره و ینتفعون بولایته فی غیبته کانتفاع الناس بالشمس و إن تجلّاها سحابٌ. یا جابر! هذا من مکنون سرّ الله و مخزون علم الله، فاکتمه إلّا عن أهله!»(34)

و فی التوحید(35) عن أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: «اعرفوا الله بالله و الرسول بالرسالة و أولی الأمر بالمعروف و العدل و الإحسان».

و فی العلل(36) عنه – علیه السلام -: «لاطاعة لمن عصى الله، إنّما الطاعة لله و لرسوله و لولاة الأمر. إنّما أمر الله بطاعة الرسول لأنّه معصومٌ مطهّرٌ لایأمر بمعصیةٍ، و إنّما أمر بطاعة أولی الأمر لأنّهم معصومون مطهّرون لایأمرون بمعصیةٍ».

هذا آخر اللمعة الرابعة و الثلاثین من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة، قد وفّقنی الله -تعالى – لإتمامها عصر یوم الجمعة لستٍّ بقین من رجب المرجّب سنة إحدى و ثلاثین و مأتین و ألفٍ من الهجرة.


1) المصدر: + عفاءً و.

2) المصدر: البلاء.

3) راجع: «القاموس المحیط» ص 1206 القائمة 2.

4) راجع: «شرح الرضی على الشافیة» ج 1 ص 99.

5) و انظر: «نورالأنوار» ص 162.

6) المصدر: – هو.

7) کریمة 228 البقرة.

8) کریمة 102 الصافّات.

9) راجع: «مفردات ألفاظ القرآن» ص 88 القائمة 2.

10) قال: «وقفته… کوقّفته و أوقفته»؛ راجع: «القاموس المحیط» ص 794 القائمة 1.

11) هذا نصّ کلام السیّد نورالدین الجزائریّ، راجع: «فروق اللغات» ص 121.

12) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 167.

13) کریمة 95 الکهف.

14) الکشّاف: – و أوثق.

15) الکشّاف: – أی.

16) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 2 ص 499.

17) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 168.

18) هذا قول العلّامة المدنی، راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 169.

19) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 170.

20) کریمة 22 المجادلة.

21) راجع: «نهج البلاغة» الکتاب 45 ص 416.

22) راجع: «القاموس المحیط» ص 981 القائمة 1.

23) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 170.

24) المصدر: کعنبة.

25) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 172.

26) کما عن الخلیل: «و عترة الرجل: أقرباؤه من ولده»؛ راجع: «ترتیب کتاب العین» ج 2 ص1133 القائمة 2.

27) المصدر: + لأنّها.

28) لم یذکر الزمخشریّ مادة «عتر» فی باب العین مع التاء، و قال فی خاتمته: «و العترة فی «فل» -کذا فی المطبوعة -، راجع: الفائق ج 2 ص 392. و ذکر هذه العبارة فی مادّة «ثقل» مذیّلاً علی قول النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: خلّفت فیکم الثقلین کتاب الله و عترتی»؛ راجع: «الفائق» ج 1 ص 170.

29) المصدر: همزه.

30) راجع: «صحاح اللغة» ج 1 ص 36 القائمة 1.

31) کریمة 33 الأحزاب.

32) کریمة 59 النساء.

33) راجع: «الکافی» ج 1 ص 276 الحدیث 1، «تأویل الآیات» ص 140. أمّا القطعة الأولى فتوجد فی کثیرٍ من المصادر، راجع: «تفسیر فرات الکوفی» ص 275 الحدیث 374، «تفسیرالعیّاشی» ج 1 ص 246 الحدیث 153، «بشارة المصطفى» ص 193.

34) راجع – مع تغییرٍ فی بعض الألفاظ -: «بحارالأنوار» ج 23 ص 289، «اعلام الورى» ص397، «العدد القویّة» ص 85، «عوالی اللئالی» ج 4 ص 89 الحدیث 120، «إکمال الدین» ج1 ص 253 الحدیث 3.

35) راجع: «التوحید» ص 285 الحدیث 3، و انظر: «الکافی» ج 1 ص 85 الحدیث 1،«بحارالأنوار» ج 25 ص 141، «روضة الواعظین» ج 1 ص 30.

36) راجع: «علل الشرائع» ج 1 ص 123 الحدیث 1، و لم‌یوجد فیه قوله – علیه السلام -: «لاطاعة لمن عصى الله». و انظر: «وسائل الشیعة» ج 27 ص 129 الحدیث 33398، «الخصال»ج 1 ص 139 الحدیث 158.