جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

اللمعة الثانیة و الثلاثون فی شرح الدعاء الثانی و الثلاثین

زمان مطالعه: 74 دقیقه

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله الّذی فرض على نفسه غفران الذنب لمن اعترف به و ندم عنه کرماً و جوداً، و أنزل على رسوله (وَ مِنَ اللَّیلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَکَ عَسَى أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَاماً مَحْمُوداً)(1) و الصلاة و السلام على الحقیقة المحمّدیّة الّتی جعلها على العالمین ظلّاً ممدوداً، و على آله و أهل بیته الّذین جعل فضائلهم على العالمین مشهوداً.

و بعد؛ فیقول المقرّ بذنبه عند ربّه، السائل عنه – سبحانه – التوفیق لعبادته من واجباته و سننه سیّما صلاة اللیل الحقیقیّة، محمّد باقر بن السیّد محمّد من السادات الموسویّة: هذه اللعمة الثانیة و الثلاثون من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة – صلّى الله علیه و على آبائه و أبنائه صلاةً غیر متناهیةٍ -.

وَ کَانَ مِنْ دُعَائِهِ – عَلَیْهِ السَّلاَمُ – بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلاَةِ اللَّیْلِ لِنَفْسِهِ فِی الاِعْتِرَافِ بِالذَّنْبِ.

<«صلاة اللیل» فی الأخبار تطلق تارةً على الرکعات الثمان، و أخرى على الإحدى عشر بإضافة رکعتی الشفع و الوتر، و أخرى على الثلاث عشرة بإضافة نافلة الفجر؛ و على

هذا فیحتمل قراءة الدعاء بعد کلٍّ منها و إن جزم شیخنا البهائیّ بالأخیر فی المفتاح(2) >(3)تبعاً للشیخ فی المصباح(4) فلونذر قرائته أو قراءة غیره بعد صلاة اللیل برءت ذمّته بعد کلٍّ منها ما لم یقصد معیّناً.

و «اعترف بذنبه» اعترافاً: أقرّ به. و قد تقدّم توجیه إعتراف المعصومین – علیهم السلام – بالذنوب؛ فتذکّر!.

اللَّهُمَّ یَا ذَا الْمُلْکِ الْمُتَأَبِّدِ بِالْخُلُودِ. وَ السُّلْطَانِ الْمُمْتَنِعِ بِغَیْرِ جُنُودٍ وَ لاَأَعْوَانٍ. وَ الْعِزِّ الْبَاقِی عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ وَ خَوَالِی الأَعْوَامِ وَ مَوَاضِی الأَزمَانِ وَ الأَیَّامِ.

«أللهمّ» قد تقدّم الکلام فیه.

و «ذا الملک» أی: صاحبه. و وزن «ذو»: <فَعَل - بفتح الفاء و العین -، بدلیل مؤنّثه و هو ذات، و أصلها: ذوات - کنواة - لقولهم فی مثنّاها: ذواتا، فحذفت العین فی «ذات» لکثرة الإستعمال. و اللام محذوفةٌ فی جمیع متصرّفات «ذو» إلّا فی ذوات و ذواتا. و لامه یاءٌ، لأنّ عینه واوٌ - بدلیل ذوات -؛ و باب طویت أکثر من باب القوّة، و الحمل على الأغلب أولى>(5) فما قاله الخلیل من انّ وزن «ذا»: فعْل – بسکون العین(6) -؛

فاسدٌ!، لأنّه لو کانت کذلک لکانت زیه کطیه. و الفرق بین ذو و صاحب: انّ ذو تقتضی

تعظیم ما أضیفت إلیه و الموصوف بها، بخلاف صاحب فیها.

و «الملک» یطلق على السلطنة؛ و على المملکة. و مملکته -تعالى – عبارةٌ عن العالم و سلطنته -تعالى – علیه ظاهرٌ، لأنّه معلولٌ له مقهورٌ تحت تصرّفه – جلّ شأنه -.

و «المتأبّد» – بالباء الموحّدة، الّذی هو اسم فاعلٍ من باب التفعیل، یقال: تأبّد الشیء تأبّداً: بقی على الأبد – بکسر الدال: صفةٌ لل- «ملک»، و بفتحها: صفةٌ ل- «ذا» بمعنى: صاحب. <و فی روایةٍ: «المتأبَّد» - بفتح الباء، اسم مفعولٍ من تأبّده تأبّداً بمعنى: أبّده تأبیداً -. قال الفارابیّ: «من وجوه باب تفعّل مایکون(7) داخلاً على التفعیل، کالتقسّم بمعنى التقسیم، و التقطّع بمعنى التقطیع؛ قال الله -تعالى -: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَینَهُمْ)(8)»(9) و فی الصحاح: «تقسّمهم الدهر فتقسّموا أی: فرّقهم فتفرّقوا، و التقسیم: التفریق»(10)؛ انتهی.

و ما وقع فی بعض الحواشی(11) – من: انّه بالفتح اسم مکانٍ، أی: موضع الأبد و الأبدیّة -؛

فلایخفى ما فیه!>(12)؛ على أنّ الفتح لیس فی نسخة الأمّ، فلااعتبار به.

و «الخلود»: دوام البقاء، قال الزمخشریّ: «الخلد: الثبات و الدوام و البقاء اللازم الّذی لاینقطع، قال الله -تعالى -: (وَ مَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِن قَبْلِکَ الْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ)(13)»(14)؛ انتهى. و قد تقدّم الکلام فیه.

و «الباء» للملابسة، أی: متلبّساً بالخلود.

فان قلت: ظاهر هذه الفقرة یدلّ على تأبید الملک و خلوده، و یلزم منه قدم الحوادث و تأبیدها؛ فما التوجیه فی ذلک؟

و أیضاً: ما المراد ب- «الملک المتأبّد بالخلود»؟ أ معنى السلطنة أم معنى الملکة؟

قلنا: قد حقّقنا لک سابقاً انّ ذاته -تعالى – حقیقة الوجود بلاحدٍّ، و حقیقة الوجود لایشوبه عدمٌّ، فلابدّ أن یکون بها وجود کلّ الأشیاء و أن یکون هو وجود الأشیاء کلّها، إذ لوکانت تلک الذات وجود الشیء بعینه أو الأشیاء بأعیانها و لم یکن وجود شیءٍ آخر أو أشیاء أخرى لم یکن حقیقة الوجود؛ و قد فرضناها حقیقة الوجود – إذ حقیقة الشیء و صرفه لایتعدّد. کالانسان مثلاً، فانّه لایمکن أن یتعدّد من حیث هو إنسانٌ، و لیس التعدّد فی زیدٍ و عمروٍ إلّا بأمرٍ خارجٍ عن حقیقة الإنسانیّة -. فحقیقة الوجود لایتعدّد إلّا بشیءٍ خارجٍ. و لکن الخارج لیس إلّا العدم – إذ المعانی و المهیّات ثابتةٌ -، و العدم لیس بشیءٍ ثابتٍ؛ فثبت أن لاتعدّد فی الوجود إلّا من جهة الأعدام و النقائص. فاذن لمّا کان واجب الوجود محض حقیقة الوجود الصرف الّذی لا أتمّ منه فلاخارج عنه إلّا النقائص العدمیّة و الأعدام، فهو کلّ الذوات و لاتشذّ عنه شیءٌ من الموجودات من حیث کونه موجوداً، بل من حیث کونه ناقصاً أو معدوماً؛ فهو -سبحانه – کلّ الوجود و کلّه الوجود. فکلّ ما یوجد فی غیره ففیه على وجهٍ أعلى و أشرف – کما عرفت مراراً -.

و کثرة الأشیاء و اختلافاتها النوعیّة و العددیّة إنّما هی لأجل النقائص و القصورات، فلوفرض انّ الأشیاء بلغت إلى کمالاتها و غایاتها صارت کلّها واحدةً محضةً. فهو مع غایة أحدیّته لم یخرج منه شیءٌ.

فکما لایوجب کثرة الأشیاء کثرةً فیه -تعالى – فکذلک لایلزم من تغیّرها تغیّرٌ فیه -سبحانه -، فملکه دائمٌ و سلطنته أبدیٌّ؛ و لایلزم شیءٌ من المفاسد.

و قد عرفت مراراً کثیرةً انّ الحقیقة الواحدة تختلف آثارها و أحکامها بحسب المواطن و المواقف المتعدّدة، و انّ ما هو بحسب کلّ موقفٍ و موطنٍ مقصورٌ علیه مسلوبٌ عن الآخر، فان أردت بالملک و السلطنة ما هو بحسب عالم الشهادة فهو مسلوبٌ عنه -تعالى – بالضرورة فی المرتبة الألوهیّة، و إن أردت ما هو بحسب المرتبة الألوهیّة فهو ثابتٌ له بالضرورة الأزلیّة. و سیجیء عن قریبٍ تحقیق القول فی «أنّ العالم یسبقه عدمٌ زمانیٌّ»

ماذا؟؛ هکذا یجب أن یحمل کلامه – علیه السلام -، لا على ما حمله الشارحون!.

قال الفاضل الشارح: «فان قلت: ما المراد ب- «الملک المتأبّد بالخلود؟»، أ معنى السلطنة أم معنى المملکة؟

قلت: کلٌّ من المعنیین محتملٌ، فإن حملناه على معنى السلطنة فوجه اتّصافها بالخلود أنّ سلطنته -تعالى – بعلمه و قدرته على الممکنات عند أصحاب العصمة -علیهم السلام، سواءٌ أوجد الممکنات أم لا -، فهی لم تزل و لاتزال؛ و إن حملناه على معنى المملکة فخلودها باعتبار انّه -تعالى – لمّا لم یکن زماناً و لازمانیّاً و لامکاناً و لامکانیّاً و لاامتداد فیه کانت نسبته إلى ملکه – و هو الموجودات العینیّة – قبل إنشائها و بعد فنائها نسبةً واحدةً لاتقدّم و لاتأخّر فیها، بل کلّها حاضرةٌ عنده لا باعتبار انّها کانت فی الأزل أو تکون معه فیما لایزال – لبطلان ذلک -، بل باعتبار انّه لایجری فیه زمانٌ و أحکامه، و انّ نسبته إلى الأزل و الأبد و الوسط واحدةٌ. فالعقل الصحیح إذا تجرّد عن شبهات الأوهام و لواحق الزمان و لاحظ انّه لاامتداد فی قدس وجود الحقّ یحکم حکماً جازماً بأنّه -تعالى – لایخلو من الملک قبل إنشائه و بعد فنائه.

هکذا قرّره بعض المحقّقین من أصحابنا المتأخّرین فی بیان قول أمیرالمؤمنین – علیه السلام – فی خطبته الطالوتیّة: «و لاکان خلوّاً من الملک قبل إنشائه و لایکون خلوّاً منه بعد ذهابه»(15) -(16)

ثمّ ذکر من بعض أرباب العرفان تقریراً آخر فی بیان ذلک بما حاصله: «انّ المکان و المکانیّات بأسرها بالنسبة إلیه -تعالى – کنقطةٍ واحدةٍ فی معیّة الوجود، و الزمان و الزمانیّات بآزالها و آبادها کان واحدٌ عنده، و الموجودات کلّها -: شهادیّاتها و غیبیّاتها – کموجودٍ واحدٍ فی الفیضان عنه، (مَا خَلْقُکُمْ وَ لاَبَعْثُکُمْ إِلاَّ کَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ)(17)، و إنّما التقدّم

و التأخّر و التجدّد و التصرّم و الحضور والغیبة فی هذه کلّها بقیاس بعضها إلى بعضٍ؛ و فی مدارک المحبوسین فی مطمورة الزمان المسجونین فی سجن المکان، لاغیر!.

و لعلّ من لم یفهم بعض هذه المعانی فیصول و یرجع فیقول: کیف یکون وجود الحادث فی الأزل؟، أم کیف یکون المتغیّر فی نفسه ثابتاً عند ربّه؟، أم کیف یکون الأمر المتکثّر المتفرّق وحدانیّاً جمعیّاً؟، أم کیف یکون الأمر الممتدّ – أعنی: الزمان – واقعاً فی غیر الممتدّ – أعنی: الأزمان – مع التقابل الظاهر بین هذه الأمور؟

فلنمثّل بمثالٍ حسّیٍّ یکسر سورة استبعاده، فانّ مثل هذا المعترض لم یتجاوز بعد درجة الحسّ و المحسوس!. فلیأخذ شیئاً ممتدّاً کحبلٍ أو خشبٍ مختلف الأجزاء فی اللون، ثمّ لی مرره فی محاذات نملةٍ أو نحوها – ممّا تضیق حدقته عن الإحاطة بجمیع ذلک الإمتداد -، فانّ تلک الألوان المختلفة متعاقبةٌ فی الحضور لدیها تظهر لها شیئاً فشیئاً واحدٌ بعد آخر لضیق نظرها و متساویةٌ فی الحضور لدیه، یراها کلّها دفعةً لقوّة إحاطة نظره و سعة حدقته؛ (وَ فَوقَ کُلِّ ذِی عِلْمٍ عَلِیمٌ)(18)»(19)؛ انتهى کلام بعض أرباب العرفان بما نقله الفاضل الناقل.

و هو ماذکره القوم فی باب علم الله بالجزئیّات بما هو جزئیٌّ؛ و قد ذکره صاحب المحاکمات(20)؛ و ردّه المحقّق الخوانساریّ فی حاشیته على شرح الإشارات، فقال: «فیه انّه مجرّد خیالٍ و محض هوسٍ لاحقیقة له أصلا!، لأنّ ألوان الحبل و الأمکنة أمورٌ موجودةٌ معاً، بخلاف أجزاء الزمان و ماوقع فیها، لأنّها لیست بموجودةٍ، بل یعدم و یوجد.

فان قلت: مامعنى لإنعدام(21) أجزاء الزمان و ما وقع فیها إلّا انّها لیست موجودةً فی أجزاء أخرى – لا أنّها لیست موجودةً فی الواقع، إذ وجودها فی الواقع متحقّقٌ ألبتّة و لایمکن أن یرتفع منه، فلیس عدمها إلّا أنّها لیست فی الأجزاء الأخرى؛ کما انّ المکان أیضاً لیس فی

مکانٍ آخر -؛

قلت: نعلم بدیهةً انّ الأجزاء الماضیة و المستقبلة من الزمان معدومةٌ فی الواقع، و مایقال فی مقابله – کالشبهة الّتی فی الضروریّات – لایستحقّ الإلتفات إلیه!. کیف و لوکان عدمها مجرّد ما ذکرته(22) لکان یجب أن لانرى أجزاء الزمان و ماوقع فیها الّذی کنّا موجوداً فیه و الزمان الّذی نکون موجوداً فیه معاً کلّاً فی وقته!؛ غایة الأمر أنّا لانرى(23) أجزاء الزمان الّذی لم نکن(24) موجوداً فیه. و الباری -تعالى – لمّا کان موجوداً أزلاً و أبداً کان یرى(25) أجزاء الزمان من أوّله إلى آخره – إذ نسبتنا إلى الزمان الّذی هو ظرف وجودنا کنسبته -تعالى – إلى جمیع الأزمنة -؛ فلم لانرى جمیع أجزاء الزمان کلّاً فی وقته.

و لو قیل: هذا کما انّا لانرى أجزاء الأمکنة جمیعاً لأنّا مکانیّون، بخلافه -تعالى، لأنّه لتجرّده عن المکان یرى جمیعه -.

قیل: ما معنى کوننا زمانیّاً؟ إن(26) أرید به انطباقنا على الزمان – کالحرکة – فلیس کذلک!؛

و إن(27) أرید مقارنتنا معه فی الوجود فی الواقع فذلک حاصلٌ فی حقّه -تعالى – أیضاً!؛

أو أرید انّ للزمان مدخلاً فی وجودنا فظاهرٌ انّ هذا المعنى لایستلزم أن لانشاهد أجزاءه کلّاً فی وقته؛

و بالجملة الحکم ببطلان ذلک ضروریٌّ لاینبغی الإلتفات إلى ما قیل فیه أو یقال»(28)؛ انتهى کلامه.

و سیجیء زیادة بسطٍ فی ذلک فی الزمان؛ و التحقیق ما ذکرناه إن کنت من أهله؛ فتأمّل!.

قوله – علیه السلام -: «و السلطان الممتنع بغیرجنودٍ».

«سلطان»: مصدرٌ – کغفران -، و معناه: التسلّط؛ و منه قوله -تعالى -: (وَ مَنْ قُتِلَ

مَظلُوماً فَقَدْ جَعَلنَا لِوَلِیِّهِ سُلطَاناً)(29)، أی: تسلّطاً على القصاص أو أخذ الدیة.

<و «الممتنع»: القویّ فی نفسه، من: امتنع: إذا منع نفسه و حمى جانبه.

و «الجنود»: جمع جند، و هو العسکر و الأنصار.

و «الأعوان»: جمع عَون – بالفتح -، و هو: الظهیر و المعین على الأمر>(30)؛ و المعنى: هو صاحب التسلّط على المعلولات الممتنع عن المغلوبیّة بذاته المقدّسة.

و قیل: «الممتنع من مغلوبیّة أولیائه بلاجنودٍ، بل هو الذات المحامی عنهم – کقوله علیه السلام فی الدعاء: «و هزم الأحزاب وحده»(31) -؛ انتهى.

و التحقیق انّ الإحتیاج إلى الجنود و الأعوان للعجز و النقصان، و الله -تعالى – منزّهٌ عنهما، لأنّهما من صفات الحوادث و خواصّ الأکوان.

قوله: «و العزّ الباقی على مرّ الدهور» عطفٌ على: «الملک».

و «العزّ»: خلاف الذلّ.

و «على» قال الفاضل الشارح: «بمعنى: مع، نحو: (إِنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ)(32)، أی: مع ظلمهم»(33)

أقول: لا داعی لهذا المعنى، و «على» بمعناه؛ و المعنى: یا صاحب العزّ الباقی مسلّطاً على مرّ الدهور.

و «الدهور»: جمع دهر بمعنى: الزمان الطویل، و جمعه باعتبار أجزائه الّتی کلّ واحدٍ منها زمانٌ؛ و قد تقدّم الکلام علیه.

و «خوالی الأعوام»: جمع خالیة – من خلا بمعنى: مضى -. و هو من إضافة الصفة إلى

الموصوف؛ و قس على هذه الفقرة: «و مواضی الأزمان و الأیّام»، أی: الأزمان الماضیة و الأیّام المارّة.

«الأزمان»: جمع زمن – کسبب و أسباب -، و هو اسمٌ لقلیل الوقت و کثیره – کالزمان -.

و قال الحکماء: «هو مقدار حرکة الفلک الأعظم»(34) و ینقسم إلى الأعوام و الشهور و الأسابیع و الأیّام و الساعات و الدقائق.

و «الأیّام»: جمع یوم، أصله أیوام – کعون و أعوان – قلبت الواو یاءً و أدغمت فیها الیاء. و هو جزءٌ من الزمان أوّله طلوع الفجر الثانی إلى غروب الشمس(35)؛ هکذا ذکره الفاضل الشارح.

لمعةٌ عرشیّةٌ

اعلم! أنّ مسألة الزمان من أعظم المسائل المعظمة الّتی حارت فیها جماهیر الحکماء السالفة؛ و قد ألهمنی الله -تعالى – من ألطافه الشاملة فهم هذه المسألة، و (ذَلِکَ فَضْلُ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ)(36)

فنقول: الشیء إذا کان عدمه مع وجود شیءٍ آخر فإذا صار موجوداً کان ذلک الشیء متقدّماً علیه باعتبار اقترانه مع عدم هذا الحادث و معه باعتبار إقترانه مع وجوده، فتقدّم الشیء المتقدّم لیس باعتبار نفس ذاته و لا باعتبار وصفٍ لازمٍ لذاته، لأنّ ذاته قد یوجد مع ذات المتأخّر – کالأب بالقیاس إلى الإبن -، فاذن قبلیّته زائدةٌ على ذاته و لازمةٌ لذاته، و لا نفس المتأخّر، إذ قد یکون بعد وجوده أیضاً؛ و لا باعتبارٍ مرکّبٍ من اعتبار نفس وجود المتقدّم و اعتبار نفس عدم التأخّر، إذ قد یتحقّق هذه الهیئة الترکیبیّة بعد – کما إذا فرضنا وجود الأب مع العدم الحاصل لإبنه، بل متأخّرٌ عنه -؛ و لا ذات الفاعل فانّه قد یکون قبل

و مع و بعد.

و بالجملة لابدّ لعروض القبلیّة و البعدیّة من أمرٍ یکون عروضها له لذاته – إذ کلّ صفةٍ یتّصف بها شیءٌ أو أشیاء لا بالذات فلابدّ أن ینتهی إلى ما یتّصف بها بالذات، لاستحالة التسلسل -. و لایجوز أن یکون المعروض بالذات للقبلیّة و البعدیّة أموراً متفاضلةً غیر منقسمةٍ یقتضی کلٌّ منها لذاته سبقاً على لاحقه و لحوقاً بسابقه، إذ لوفرضنا متحرّکاً یقطع بحرکته مسافةً یکون لامحالة بین إبتداء حرکته و إنتهائها قبلیّاتٌ و بعدیّاتٌ متصرّمةٌ و متجدّدةٌ على سبیل الإتّصال و الإنطباق لأجزاء المسافة و الحرکة؛ فیجب أن یکون المعروض بالذات لکلّ القبلیّات و البعدیّات أمراً لایزال یتصرّم و یتجدّد على الإتّصال – إتّصال المسافة و الحرکة – بحیث یستحیل علیه إنفکاک التصرّم و التجدّد عنه، و یکون جزءٌ منه لذاته قبل و جزءٌ منه لذاته بعد. و یمتنع لذاته صیرورة القبل منه بعداً و البعد منه قبلاً. و هذا هو المعنى من الزمان.

و أیضاً: إذا فرضنا حرکةً فی مسافةٍ معیّنةٍ بقدرٍ من السرعة و البطؤ و أخرى فی تلک المسافة بذلک القدر من السرعة، فإن توافقتا فی الأخذ و الترک – بأن بدأتا معاً و انتهیتا – فلامحالة تقطعان المسافة معاً؛

و إن تخالفتا فی الأخذ و الترک فبالضرورة تقطع الثانیة أقلّ من الأولى؛

و کذا إن توافقتا فی الأخذ و الترک و کانت إحداهما أبطأ فانّها تقطع أقلّ، فبین أخذ السریعة الأولى و ترکها إمکان قطع مسافةٍ معیّنةٍ بسرعةٍ معیّنةٍ و إمکان قطع مسافةٍ أقلّ منها ببطؤٍ معیّنٍ، و بین أخذ السریعة الثانیة و ترکها إمکانٌ أقلّ من الإمکان الأوّل – لکونه جزءً من ذلک الإمکان -؛ فهناک أمرٌ مقداریٌّ – أی: قابلٌ للزیادة و النقصان بالذات – تقع فیه الحرکة و تتفاوت بتفاوته، ضرورة انّ قبول التفاوت ینتهی إلى مایکون قبوله إیّاه بالذات؛ و هو الّذی عبّرنا عنه بالإمکان. و هو متّصلٌ واحدٌ، لأنّه لوکان منقسماً إلى أمورٍ غیر منقسمةٍ لأدّى ذلک إلى ترکّب المسافة، و لیس هو نفس شیءٍ من المسافة و الحرکة و السرعة و البطؤ – لأنّ کلّ واحدةٍ منها یختلف مع الإتّفاق فیه و یتّفق مع الإختلاف فیه -.

و هو غیر ثابتٍ، إذ لاتوجد أجزاؤه معاً و إلّا لکان إمّا مقداراً للمسافة أو لمادّة المتحرّک؛ و کلٌّ منهما باطلٌ، إذ على الأوّل یلزم کون جمیع الحرکات الواقعة فی مسافةٍ واحدةٍ أو مسافاتٍ متساویةٍ متساویةً فی ذلک الإمکان، و لیس کذلک؛ و على الثانی یلزم کون زیادة المادّة بزیادته و نقصانها بنقصانه، و یلزم کون الأصغر جسماً أسرع حرکةً و أکبر أبطأ!.

و إذا ثبت انّه مقدارٌ و انّه متّصلٌ واحدٌ و انّه غیر مجتمع الأجزاء فی الوجود، فلیس هو شیءٌ سوى الزمان، إذ هو المعنى منه؛ فهو إذاً موجودٌ.

و لقبوله الزیادة و النقصان مع اتّصاله الغیر القارّ إمّا مقدارٌ جوهریٌّ مادّیٌ غیر مراتب الذات بل متجدّد الحقیقة؛ أو مقدار تجدّده و عدم قراره؛ و بالجملة إمّا مقدار حرکةٍ أو ذی حرکةٍ یتقدّر به من جهة اتّصاله و یتعدّد من جهة انقسامه الوهمیّ إلى متقدّمٍ و متأخّرٍ. فهذا النحو من الوجود له ثباتٌ و اتّصالٌ، و له أیضاً تجدّدٌ و انقضاءٌ.

فکأنّه شیءٌ بین صرافة القوّة و محوضة الفعل. فمن جهة وجوده و دوامه یحتاج إلى فاعلٍ حافظٍ، و من جهة حدوثه و تصرّمه یحتاج إلى قابلٍ یقبل إمکانه و قوّة وجوده، فلامحالة یکون جسماً أو جسمانیّاً؛

و أیضاً له وحدةٌ اتّصالیّةٌ و کثرةٌ تجدّدیّةٌ، فمن جهة کونه أمراً واحداً یجب أن یکون له فاعلٌ واحدٌ و قابلٌ واحدٌ – إذ الصفة الواحدة تستحیل أن تکون إلّا لموصوفٍ واحدٍ من فاعلٍ واحدٍ -، و من جهة کونه ذا حدوثٍ و تجدّدٍ و انقضاءٍ و تصرّمٍ ففاعله القریب المباشر له یجب أن یکون له تجدّدٌ و تصرّمٌ؛ و کذا قابله یجب أن یکون ممّا یلحقه الأکوان تجدّدیّةً على نعت الاتّصال و الوحدة، ففاعله على الإطلاق لابدّ و أن یکون أمراً ذا اعتبارین. و له جهتان:

جهة وحدةٍ عقلیّةٍ؛

و جهة کثرةٍ تجدّدیّةٍ؛

فبجهة وحدته یفعل الزمان بهویّته الاتّصالیّة، و نسبته إلى أجزائه المتقدّمة و المتأخّرة نسبةٌ واحدةٌ، و یفعله و ما معه فعلاً واحداً. و هو علّة حدوثه و علّة بقائه معاً – إذ الشیء

التدریجیّ الغیر القارّ بقاؤه عین حدوثه -؛

و بجهة تجدّده ینفعل تارةً و یفعل أخرى بحسب هویّات أبعاضه المخصوصه.

و لمّا ثبت – بالبیان الّذی ذکرنا – انّ الزمان هو شیءٌ واحدٌ متّصلٌ لیس فیه حدودٌ بالفعل فالحرکة المتقدّرة به الحافظة له یجب أن یکون مثله فی الاتّصال الواحد؛ فما هی بالحرکات المستقیمة الأینیّة و لا الکمّیّة و لا الکیفیّة، لأنّها متوجّهةٌ إلى غایةٍ مّا ثمّ راجعةٌ عنها – لتناهی الأبعاد المکانیّة و استلزام الکمّیّة و الکیفیّة للأینیّة -. فلایتّصل شیءٌ منها بعضها ببعضٍ بحیث یصیر المجموع حرکةً واحدةً، فهی لامحالة متکثّرةٌ غیر وحدانیّةٍ.

و یجب أن تکون أسرع الحرکات و أظهرها فعلیّةً، لأنّ الزمان المستحفظ بها أظهر المقادیر أنّیّةً و أوسعها إحاطةً؛ و لأنّه کمّیّة سائر الحرکات و عددها و مقدارها المضبوطة هی به و ما یکال به سائر الأشیاء المکیلة؛ و بعد ینبغی أن یکون أقلّ کمّیّةً و أکثر کیفیّةً و معنىً و أقربها إلى الوحدة و الإنضباط و أبعدها من عروض التکثّر و الإنتشار.

فهی إذن إمّا الحرکة المستدیرة الوضعیّة الّتی لاتکون فی المستدیرات أسرع منها – و هی الحرکة الیومیّة الّتی بها یتقوّم الأیّام و الساعات و الشهور و السنوات، و بمقدار ما یقول أحدٌ: واحد، یقطع المتحرّک بها خمسة آلاف و مأة و ستّة و تسعین میلاً من محدّب الفلک الثامن!، کما ورد فی الحدیث(37) -؛

و إمّا الحرکة فی الطبائع الجوهریّة الّتی لیست فی الوجود أسرع منها، و من فرط سرعتها لاینالها الحسّ!، سیّما طبیعة الجرم الأعلى المحیط بالأجرام کلّها. لکن الحرکة الوضعیّة الیومیّة من توابع الحرکة فی الجوهر و فروعها – لما تقرّر انّ الحرکة فی العرض فرع الحرکة فی الجوهر-، فتعیّن الحرکة الجوهریّة الّتی للطبائع لذلک.

و أیضاً: هذا الّذی یتّصف بالأوصاف المذکورة لایکون إلّا الصورة النوعیّة المتعلّقة بالمادّة الّتی یقال لها: «الطبیعة الساریة فی المادّة» الّتی لایخلوا عنها جسمٌ من الأجسام، و

هی المبدء القریب لسائر الحرکات و السکونات لما هی فیه بالذات؛ و ذلک لأنّ مایتصحّح منه التغیّر و التجدّد لایکون عقلاً و لا نفساً من حیث ذاتیهما – إذ لاتغیّر فی شیءٍ منها -، و لا المادّة الأولى نفسها – لأنّ لها القبول و الإستعداد فقط -، و لا الأعراض کلّها – لأنّ وجودها تابعٌ لوجود ما هی فیه -.

و أیضاً: انّا قد بیّنا انّ الطبیعة ذات جهتین:

جهة وحدةٍ عقلیّةٍ ثابتةٍ؛

و جهة کثرةٍ تجدّدیّةٍ ذائلةٍ؛ و انّها مشتملةٌ على مادّةٍ شأنها القبول، و بالجملة لها کلّما لابدّ منه فی فاعل الزمان و قابله من الصفات الّتی ذکرناها.

فإذا ثبت انّ الزمان لابدّ له من محلٍّ و حافظٍ على الصفات المذکورة، و ثبت انّ الطبائع الجوهریّة کذلک و لیس شیءٌ آخر بهذه المثابة إلّا بتبعیّتها، فلیکن هو هی؛ فالزمان هو مقدار الطبیعة من جهة تقدّمها و تأخّرها الذاتیّین، کما انّ الثخن مقدارها من جهة قبولها الأبعاد الثلاثة. فللطبیعة إمتدادان:

أحدهما تدریجیٌّ زمانیٌّ یقبل الإنقسام الوهمیّ إلى متقدّمٍ أو متأخّرٍ زمانیّین؛

و الآخر دفعیٌّ مکانیٌّ یقبل الإنقسام إلى متقدّمٍ أو متأخّرٍ مکانیّین.

و لیس اتّصال الزمان غیر اتّصال الطبیعة من جهة الإنقضاء و التجدّد – أعنی: الحرکة – کما لیس اتّصال الثخن غیر اتّصالها من جهة الإمتداد المکانی – أعنی: کونها ذات أبعاد -؛ بل هیهنا شیءٌ واحدٌ من حیث هویّتها الإتّصالیّة الغیر القارّة یسمّى حرکةً، و من حیث تعیّنه المقداریّ یسمّى زماناً؛ کما انّ هناک شیئاً واحداً یتعدّد بالإعتبار.

فحال الزمان مع الصورة الطبیعیّة ذات الإمتداد الزمانیّ کحال الثخن مع الصورة الجرمیّة ذات الإمتداد المکانیّ.

و هذه الطبیعة و إن کانت لجمیع الأجسام و الأنفس إلّا انّ القائمة منها بالجرم الأعلى المحیط من حیث اشتماله على الکلّ هی الأحرى بأن تستحفظ بها الزمان، لأنّه المتقدّم على الکلّ؛ و هو بما فیه کوجودٍ واحدٍ له نفسٌ واحدةٌ و عقلٌ واحدٌ – کما تبیّن فی محلّه -. و لأنّ

الطبائع العنصریّة لاتخلو عن التضادّ و التفاسد – بسیطةً کانت أو مرکّبةً – فلیس فی واحدٍ منها دوامٌ إتّصالیٌّ. و المجتمع من الحرکات المقطّعة بوجود الأشخاص المتعاقبة على الدوام لایکفی فی تحدید الزمان، لأنّه مقدارٌ متّصلٌ لاحدود فیه؛ فمحدّد الجهات و الأمکنة هو بعینه محدّد المدد و الأزمنة – على النحو المذکور -.

ثمّ اعلم! أنّ الزمانیّات تحتاج فی عروض التقدّم و التأخّر و المعیّة بها إلى الزمان و أجزاء الزمان، فهی بنفس ذاتها متقدّمةٌ و متأخّرةٌ و معٌ لابشیءٍ آخر، و تقدّمها و تأخّرها عین معیّتها فی الوجود، لأنّها عین نحو وجودها و لایتصوّر لها وجودٌ غیر هذا – لضعفها و قصورها -. فهی و إن کانت متشابهةً إلّا انّ اختلافها بالتقدّم و التأخّر، لأنّ حقیقة الزمان اتّصال أمرٍ متجدّدٍ متقضٍّ لذاته. فأجزاؤه لایمکن أن یکون لذواتها إلّا متقدّمةً و متأخّرةً، و ظرف وجوداتها أنفسها، فهی قبلیّةٌ و بعدیّةٌ و بعدٌ، و معیّةٌ و معٌ باعتبارین.

وصلٌ

«الآن» له معنیان:

أحدهما: ما یتفرّع على الزمان، و هو أطرافه و نهایاته الغیر المنقسمة المفروضة فیه. و هو فاصلٌ للزمان باعتبارٍ و واصلٌ له باعتبارٍ آخر؛

أمّا کونه فاصلاً، فلأنّه یفصل الماضی عن المستقبل. و هو بهذا الإعتبار واحدٌ بالذات اثنان بالإعتبار، فانّ مفهوم کونه نهایةً للماضی غیر مفهوم کونه بدایةً للمستقبل؛

و أمّا کونه واصلا، فلأنّه حدٌّ مشترکٌ بین الماضی و المستقبل، و لأجله یکون الماضی متّصلاً بالمستقبل. و هو بهذا واحدٌ بالذات و الإعتبار جمیعاً، لأنّه باعتبارٍ واحدٍ یکون مشترکاً بین القسمین، لأنّه جهة اشتراکهما.

و المعنى الثانی مایتفرّع علیه الزمان، و هو الّذی یفعل الزمان المتّصل بسیلانه؛ و یقال له: الآن السیّال. و الفرق بینه و بین المعنى الأوّل: انّ اعتبار الآن فی ذاته غیر اعتبار کونه فاعلاً بحرکته و سیلانه للزمان – کالنقطة بالنسبة إلى الخطّ، و الحرکة التوسّطیّة بالإضافة إلى

الأکوان الدفعیّة -.

فحدوث الأشیاء الزمانیّة على ثلاثة أنحاءٍ، لأنّها إمّا أن تحدث دفعةً فی آنٍ من الآنات، فینطبق حدوثها لامحالة على ذلک الآن – کالوصول و المماسّة و الإنطباق و نحوها -،

و إمّا أن تحدث فی مجموع زمانٍ معیّنٍ على نحو الإنطباق علیه بحیث ینفرض من الأجزاء فی ذلک الزمان، فیکون وجود کلّ جزءٍ منها فی جزءٍ معیّنٍ من الزمان – کالحرکة بمعنى القطع -، بل بأن یوجد فی کلّ جزءٍ ینفرض فی ذلک الزمان. و یلزم أن یکون لمثل هذا الحادث أن یکون أوّل آنات وجوده، و الحدوث لایستلزم ذلک – فانّ الحادث مایکون زمان وجوده مسبوقاً بزمان عدمه، سواءٌ کان لحدوثه أوّلٌ آنیٌّ أو لا -. و من هذا القبیل وجود الحرکة بمعنى التوسّط – کما مر-.

و کذا الآن السیّال الّذی هو الموجود من الزمان و حدوث الزاویة و أشباهها. و قیاس العدم الحادث کقیاس الوجود فی تثلیث الأقسام؛ لکن لیس نحو عدم کلّ حادثٍ کنحو حدوثه، فانّ وجود الآن الّذی هو ظرف الزمان على النحو الأوّل و عدمه على النحو الثالث؛ و کذا اللاوصول و اللامماسّة و اللانطباق و الفساد و أمثالها.

ثمّ اعلم! أنّ الحادث – زمانیّاً کان أو ذاتیّاً – یستلزم المسبوقیّة بالعدم أو اللاوجود؛

أمّا الزمانیّ فظاهرٌ؛و أمّا الذاتیّ: فلأنّ مایکون وجوده من غیره لایکون موجوداً قبل أن یوجده ذلک الغیر، فلایکون موجوداً لو انفرد، و حال الشیء باعتبار ذاته متخلّیاً من غیره قبل حاله من غیر قبلیّةٍ بالذات، فاذن یکون وجوده مسبوقاً بعدمه أو لاوجوده. و هذا مثل ماتقول: حرّکت یدی فتحرّک المفتاح، أو ثمّ تحرّک المفتاح؛ و لاتقول: تحرّک المفتاح فتحرّکت یدی و إن کانا معاً فی الزمان. أو تقول: الشعاع من النیّر، و لاتقول: النیّر من الشعاع و إن لم ینفکّ أحدهما عن الآخر بحسب الزمان.

و ما لایدخل تحت الزمان لایتّصف بالعدم و الحدوث الزمانیّین، فلافرد للقدیم الزمانیّ، لما مرّ من حدوث کلّما یدخل تحت الزمان بحسب الزمان.

تتمّةٌ

انّ(38) ما توهّمته طائفةٌ من الغاغة: انّ بین الباری -تعالى – و بین أوّل العالم عدماً موهوماًأزلیّاً سیّالاً ممتدّاً بتمادیه الوهمیّ فی جهة الأزل إلى لانهایة و منتهیاً فی جهة الأبد عند حدوث أوّل العالم؛

فمن تکاذیب أوهامهم الظلمانیّة و تلاعبها!، إذ لایتصوّر فی العدم الصریح الساذج و اللیس الصرف الباتّ حدٌّ و حدودٌ و تصرّمٌ و تجدّدٌ و فواتٌ و لحوقٌ و امتدادٌ و انقضاءٌ و تمادٍّ و سیلانٌ و نهایةٌ و لانهایةٌ.

على انّه لوصحّ ذلک لکان هو الزمان بعینه أو الحرکة بعینها، إذ کان متکمّماً سیّالاً کلّه أزید لامحالة من بعضه، و أبعاضه متعاقبةً غیر مجتمعةٍ؛

و للزم أن یکون الباری -تعالى سبحانه – واقعاً فی حدٍّ بعینه من ذلک الإمتداد العدمیّ -تعالى عن ذلک – و العالم فی حدٍّ آخر بخصوصه حتّى یصحّ تخلّل ذلک الإمتداد الموهوم بینه -سبحانه – و بین العالم، و یتصحّح تأخّر العالم و تخلّفه عنه فی الوجود؛ فإذا کان غیر متناهی التمادی – کما فرضوه – لزم أیضاً أن یکون غیر المتناهی محصوراً بین حاصرین هما حاشیتاه و طرفاه؛

و أیضاً: فانّ حدود ذلک الإمتداد متساویةٌ متشابهةٌ – إذ لااختلاف فی العدم و لامخصّص من استعدادٍ أو حرکةٍ أو غیر ذلک -؛ فلم اختصّ العالم بهذا الحدّ و لم یکن حدوثه فی حدٍّ آخر قبله؟!؛

و أیضاً: فانّ المتقدّس عن الغواشی و العلائق یکون له مع أیّ إمتدادٍ فرض و مع کلّ

جزءٍ من أجزائه و کلّ حدٍّ من حدوده معیّةٌ غیر متقدّرةٍ على سبیلٍ واحدٍ، و یکون محیطاً بجمیع أجزائه و حدوده على نسبةٍ واحدةٍ؛ فلایتمیّز تأخّره و تخلّفه عن الباری الحقّ -سبحانه – أصلا، فانّه إذا کان امتداد الزمان الموجود بالقیاس إلیه -سبحانه – على هذا السبیل فالزمان الموهوم أجدر بذلک(39)

ثمّ(40) اعلم! أنّ قول القائل: «انّ العالم یسبقه عدمٌ زمانیٌّ»، إن أراد به ماذکرنا فی معنى الحدوث فی الطبائع و النفوس فله وجهٌ وجیهٌ – کما بیّنا -، و إلّا لم یمکنه الإعتراف به، لأنّ العالم جملة ما سوى الله، فالزمان من العالم؛ فکیف یتقدّم علیه حتّى یکون تقدّم العدم علیه تقدّماً زمانیّاً؛

و إن قال: «انّه کان وقتٌ لم یکن العالم فیه»، فهو مخالفٌ لمدّعاه!، إذ لیس قبل العالم وقتٌ؛

و إن قال: «انّه لیس بأزلیٍّ»، یستفسر الأزلیّ و عاد التردید أو المحذور المذکور؛

و إن قال: «الّذی فی الذهن متناهٍ»، نسلّم له انّ القدر الّذی فی ذهنه من أعداد الحرکات متناهٍ، و لکن لایلزم من ذلک توقّف وجود العالم على غیر ذات الباری، ثمّ إذا فرض له مجموعٌ مّا فهو أیضاً حادثٌ؛

و إن قال: «أعنی بالحدوث: انّه کان معدوماً فوجد»، إن أراد بمفهوم «کان»: السبق الزمانی، فهو کونه مناقضاً یخالف مدّعاه – لاستدعائه وجود الزمان قبل العالم، و هو من جملة العالم -؛

و إن أراد السبق الذاتیّ فهو الحدوث الذاتیّ؛

و إن قال: «انّ الباری -تعالى – مقدّمٌ على العالم بحیث بینه و بین العالم زمانٌ»، فلیس هذا مذهبه، إذ لیس قبله شیءٌ غیر ذات الباری، و لم یکف فی وجود ذاته و صفاته؛ و هو کما

ترى شرکٌ محضٌ لایتفوّه به مؤمنٌ! – (تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ)(41) -.

عَزَّ سُلْطَانُکَ عِزّاً لاَحَدَّ لَهُ بِأَوَّلِیَّةٍ، وَ لاَمُنْتَهَى لَهُ بِآخِرِیَّةٍ. وَ اسْتَعْلَى مُلْکُکَ عُلُوّاً سَقَطَتِ الاَشْیَاءُ دُونَ بُلُوغِ أَمَدِهِ. وَ لاَیَبْلُغُ أَدْنَى مَا اسْتَأْثَرْتَ بِهِ مِنْ ذَلِکَ أَقْصَى نَعْتِ النَّاعِتِینَ.

«عزّ سلطانک -… إلى آخره -» أی: غلب سلطانک غلبةً لا أوّل لسلطانک – فهو أزلیٌّ – و لا آخر له – فهو أبدیّ -.

و قد مرّ معنى «الحدّ» و «الأوّلیّة» و «الآخریّة»، فلانعیده.

<و «استعلى» الشیء: علا - أی: ارتفع -، فالاستفعال هنا بمعنى: الفعل.

و «علوّاً»: مصدرٌ جارٍ على غیر الفعل، فهو نائبٌ عن استعلاء – نحو: (وَ اللَّهُ أَنْبَتَکُمْ مِنَ الاَرْضِ نَبَاتاً)(42)، (وَ تَبَتَّلْ إِلَیهِ تَبْتِیلاً)(43) >(44)

<و «سقطت الأشیاء دون بلوغ أمده»، المراد «بالأشیاء» هنا: العقول و آلات الإدراک.

و «الأمد»: جاء بمعنى: المسافة، و بمعنى: الغایة و النهایة>(45)؛ و حاصله: انّ العقول و الأوهام قد کلّت و حسرت قبل البلوغ إلى ساحة عظمتک؛ و قد سبق تحقیق ذلک فی اللمعة الأولى.

قوله – علیه السلام -: «و لایبلغ أدنى ما استأثرت به».

«أقصى» فاعلٌ ل- «یبلغ»، أی: لایصل إلى أقلّ مرتبة الشیء الّذی اخترته لنفسک أقصى مدح المادحین، لأنّک العلّة و غیر متناهى الحضرة و المادحین معلولون و متناهون، فلایمکنهم مدحک و نعتک کما هو شأنک!.

ضَلَّتْ فِیکَ الصِّفَاتُ، وَ تَفَسَّخَتْ دُونَکَ النُّعُوتُ، وَ حَارَتْ فِی کِبْرِیَائِکَ لَطَائِفُ الاَْوْهَامِ. کَذَلِکَ أَنْتَ اللَّهُ الأَوَّلُ فِی أَوَّلِیَّتِکَ، وَ عَلَى ذَلِکَ أَنْتَ دَائِمٌ لاَتَزُولُ.

«ضَلّ» – بفتح الضاد المعجمة -: العدول عن الطریق؛ یقال: <ضلَّ الرجل یضِلّ - من باب ضرب - ضلالاً و ضلالةً: عدل عن الطریق فلم یهتد إلیه. و الضلال فی الدنیا(46): العدول عن الحقّ. و لم یعطف الجملة على ماقبلها لما بینهما من کمال الاتّصال>(47)؛ <أی: ضاعت و عدمت، فیکون إشارةً إلى سلب الصفات الزائدة على الذات - کما قال علیه السلام: «و کمال توحیده نفی الصفات عنه»(48) -؛

أو یکون معناه: انّ الواصفین و إن وصفوک بکلّ ما قدروا علیه فهم لایبلغون(49) غایةً إلّا کانت فوقها غایةٌ؛

أو انّ الصفات تحیّرت فیک حتّى أنّه لایقدر أحدٌ أن یصفک بصفةٍ تناسب کمال جبروتک.

و «تفسّخت دونک النعوت» أی: تقطّعت و بطلت عند تصوّر عظمتک أو قبله «النعوت» و الأوصاف؛ أو یکون «دون» بمعنى: أدون، یعنی: انّه لایطاق نعت من هو أدنى منک فیک، کیف یطاق نعتک؟! – کقول أبی عبدالله علیه السلام لعاصم بن حمید و قد سأله عن الرؤیة: «إنّ الشمس جزءٌ من سبعین جزءً من نور الکرسی، و الکرسیّ جزءٌ من سبعین جزءً من نور العرش، و العرش جزءٌ من سبعین جزءً من نور الحجاب، و الحجاب جزءٌ من سبعین جزءً من نور الستر؛ فان کانوا صادقین فلیملؤوا أعینهم من نور الشمس لیس دونها

سحابٌ»(50) -.

و فی بعض النسخ: «اللغات» موضع: «النعوت»؛ و هو یحتمل ما فهمه الکلینیّ – قدّس سرّه – فی قول أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: «کَلّ دون صفاته تحبیر اللغات»(51) حیث قال: «نفى – علیه السلام – بهذه الفقرة أقاویل(52) المشبّهة حیث شبّهوه بالسبیکة و البلورة و غیر ذلک من أقاویلهم من الطول و الإستواء»(53)

«لطائف الأوهام» أی: الأوهام اللطیفة الدقیقة.

و المراد ب- «الأوهام»: ما یشمل العقول، فانّ الفرق إصطلاحٌ طارٍ>(45)

و یمکن إرادة المصطلح بخصوصه، و یکون الفائدة فی التخصیص الإشارة إلى انّ العقول لشرافتها و معرفتها بعدم الوصول لاتحوم حول السیر إلیه، و إنّما یفعله الوهم الّذی من شأنه إختراع ما لاحقیقة له و لاوجود – کإنسانٍ ذی رأسین و جناحین -؛ هکذا ذکره الفاضل التستریّ(54)

أقول: قد مرّ الکلام على نظیر هذا الفصل من الدعاء فی اللمعة الأولى بما لامزید علیه؛ فلیرجع إلیه.

قوله: «کذلک أنت الله -… إلى آخره -» کلامٌ مستأنفٌ، أی: کما ذکرنا من الصفات و النعوت. و ما فیه من معنى البُعد للإشعار ببُعد مرتبته فی الشرف و العلوّ؛ أی: کنت کذلک فی لم یزل و تکون على ذلک فیما لایزال، لأنّ صفات الواجب واجبةٌ و صفات القدیم قدیمةٌ.

و الجارّ و المجرور فی محلّ رفعٍ على أنّه خبرٌ.

و «أنت» مبتدءٌ، و التقدیم لإفادة القصر.

و «الله» الأوّل بیانٌ على جهة المدح – ک- (الْبَیْتَ الْحَرَامَ) من قوله تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْکَعبَةَ الْبَیتَ الْحَرَامَ)(55) -.

و «فی أوّلیّتک» حالٌ، أی: على نحو هذه الصفة أنت کائناً فی أوّلیّتک قبل وجود الممکنات. و على ذلک «أنت» بیانٌ لثبوته له أبداً.

ف- «أنت» مبتدءٌ؛

و «على ذلک» خبرٌ.

و «دائمٌ» عطف بیانٍ أو بدلٌ – ک- (أَحَد) من (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)(56) -.

و جملة «لاتزول» نعتٌ ل- «دائم» یقتضی توکیده – ک- (نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ)(57) – لدفع توهّم کون المراد بالدوام طول البقاء – لاشتهار ذلک عرفاً، نحو قولهم: أدام الله عزّک -.

و قیل: «قوله: «أنت» مبتدءٌ، و «الله» خبره، و «الأوّل» صفةٌ له».

و قوله: «کذلک» حالٌ، و العامل نسبة المبتدء إلى الخبر؛ أی: أنت الله الأوّل فی أوّلیّتک لکونک کما ذکرنا.

و کذلک قوله: «أنت» مبتدءٌ و «دائم» خبره، و «لاتزول» خبرٌ بعد خبرٍ، و قوله: «على ذلک» حالٌ؛ أی: أنت لاتزول حال کونک على ما ذکرنا من الصفات. و قد تقدّم الکلام على الأوّلیّة مستوفىً؛ فتذکّر!.

وَ أَنَا الْعَبْدُ الضَّعِیفُ عَمَلاً، الْجَسِیمُ أَمَلاً، خَرَجَتْ مِنْ یَدِی أَسْبَابُ الْوُصُلاَتِ إِلاَّ مَا وَصَلَهُ رَحْمَتُکَ، وَ تَقَطَّعَتْ عَنِّی عِصَمُ الامَالِ إِلاَّ مَا أَنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِکَ.

<«الواو» للاستیناف.

و «عملاً» و «أملاً» تمییزان رافعان إجمال نسبةٍ، محوّلان عن الفاعل؛ و الأصل: الضعیف عمله و الجسیم أمله، فحوّل الإسناد إلى الضمیر و نصبا على التمییز مبالغةً و توکیداً، لأنّ ذکر الشیء مبهماً ثمّ مفسَّراً أوقع من ذکره من أوّل الأمر مفسَّراً>(58)؛ یعنی: انّ العبد من حیث العمل ضعیفٌ و من حیث الأمل قویٌّ؛ أی: عملی قلیلٌ و أملی برحمتک کثیرٌ. و «ضعف العمل» یعمّ الکمّیّة و الکیفیّة.

قوله – علیه السلام -: «خرجت من یدی أسباب الوصلات» جملةٌ مستأنفةٌ.

و «الوُصْلات» – بضمّ الواو و سکون الصاد المهملة -: جمع وُصلة – بالضمّ على وزن غرفة -، <و هی: ما یتوصّل به إلى المطلوب. و حاصله: انّه قد فاتتنی الأسباب الّتی یتوصّل بها إلى السعادات إلّا السبب الّذی هو رحمتک، فانه لایفوت من أحدٍ - لأنّها (وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ)(59) -.

و «العِصَم»: جمع عِصمة – بالکسر -، و هی الوقایة و الحفظ>(60)؛ أی: بعُد عنّی ما أتمسّک به فی ذیل مرادی و الوصول إلى منیتی إلّا عفوک الّذی أنا معتصمٌ به.

قَلَّ عِنْدِی مَا أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَاعَتِکَ، و کَثُرَ عَلَیَّ مَا أَبُوءُ بِهِ مِنْ مَعْصِیَتِکَ وَ لَنْ یَضِیقَ عَلَیْکَ عَفْوٌ عَنْ عَبْدِکَ وَ إِنْ أَسَاءَ، فَاعْفُ عَنِّی.

«أبوء» – بالباء الموحّدة و آخره همزةٌ – بمعنی: أقرّ و أرجع، من: باء یبوء بوءً أی: رجع؛ قال الفارابیّ فی دیوان الأدب: «باء بإثمه(61): إحتمله(62)؛ و باءوا بغضبٍ أی: رجعوا؛ و باء بحقّه أی: أقرّ»(63) و المعنى: ما أرجع به من معصیتک کثیرٌ علیّ. و فی نسخةٍ بدل «علیّ»: «عندی».

قوله – علیه السلام -: «و لن یضیق».

<«الواو» عاطفةٌ، أو للاستیناف.

و «لن» لنفی المستقبل ک- «لا»، غیر انّ النفی بها أبلغ من النفی ب- «لا»، فهی لتأکید النفی.

و «ضاق» علیه الأمر: شقّ علیه>(64)؛ أی: عفو ذنوب عبدک لیس شاقّاً علیک و إن أساء ذلک العبد و کثر ذنوبه.

قوله – علیه السلام -: «فاعف عنّی». «الفاء» فصیحةٌ، أی: إذا لم یکن غفران ذنوب العبد شاقّاً علیک فاعف عنّی. و عدل عن الغیبة – و لم یقل: فاعف عنه – إیثاراً لما هو أدلّ على المقصود من طلب العفو لنفسه، و تنبیهاً على أنّه هو المراد بذلک العبد المسیء فی قوله: «عن عبدک».

اللَّهُمَّ وَ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى خَفَایَا الاَْعْمَالِ عِلْمُکَ، وَ انْکَشَفَ کُلُّ مَسْتُورٍ دُونَ خُبْرِکَ، وَ لاَتَنْطَوِی عَنْکَ دَقَائِقُ الاُْمُورِ، وَ لاَتَعْزُبُ عَنْکَ غَیِّبَاتُ السَّرَائِرِ.

«علمک» فاعلٌ ل- «أشرف»، یعنی: علمک مشرفٌ على الأعمال الخفیّة و محیطٌ بها.

و «الخُبر» – بالضمّ، على وزن قُفْل -: العلم – و منه: صدق الخَبَر الخُبْر -؛ أی: کلّ خفیٍّ عند علمک ظاهرٌ بیّنٌ، لأنّ المفعول لایغیب عن علّته.

و «الإنطواء»: اللفّ و الإلتواء.

<و «دقائق الأمور»: غوامضها، من: دقّ الشیء فهو دقیقٌ: إذا لم یتّضح؛ أو جمع: دقیقة: خلاف الجلیلة. و حاصل المعنى: لاتخفى عن علمک الأمور الدقیقة، للعلّة المذکورة.

و «تعزب» – بالعین المهملة و الزاء المعجمة -: بمعنى الغیب؛ و «الغیّبات» – بالتشدید -: جمع غیّبة: مؤنث غیّب – على وزن فیعِل، بکسر العین – بمعنى: الغائب – کطیّبات و طیّبة -. و الغیب – بالتخفیف – بمعنى: الغائب مخفّفٌ منه، بحذف الیاء الثانیة أو الأولى لإجتماع یائین و

کسرةٍ.

و «السرائر»: جمع سریرة، و هی السرّ. و إضافة «الغیّبات» إلی «السرائر» بیانیّةٌ، أی: الغائبات من السرائر>(65) و فی هذه الفقرة إشارةٌ إلى قوله -تعالى -: (وَ مَا یَعْزُبُ عَن رَبِّکَ مِنْ مِثقَالِ ذَرَّةٍ فِی الاَرضِ وَ لاَ فِی السَّمَاءِ)(66)

و کرّر – علیه السلام – بیان إحاطة علمه -تعالى – بذلک دفعاً للأوهام الفاسدة و الآراء الکاسدة الّتی نشأت لبعض الأنام؛ و هی: انّه لاعلم له -سبحانه – بالأشیاء قبل وجودها!، و انّه لاعلم له بالجزئیّات و المخفیّات!.

و التحقیق فی ذلک: انّا قد ذکرنا سابقاً انّ علمه -سبحانه – بالأشیاء – لکونه حقیقة العلم – لایجوز أن یعزب عنه شیءٌ، فلوکان بشیءٍ دون شیءٍ لم یکن حقیقة العلم الصرف البسیط، بل مشوباً مرکّباً من علمٍ و جهلٍ – کعلم ماسواه -.

و هذه المسألة بعینها کمسألة الوجود، و وزان کلٍّ منهما وزان الآخر؛ بل علمه -تعالى – عین الوجود. فکما انّ الوجود ذو مراتب کثیرةٍ فکذلک العلم. قال بعض العرفاء فی کتابه المسمّى بزبدة الأصول: «إنّ الموجودات مستفادٌ من ذاته و علمه محیطٌ بکلّ شیءٍ – کما قال: (أَحَاطَ بِکُلِّ شَیْءٍ عِلْماً)(67) -. و الحقّ انّه الکثیر و الکلّ، فانّ ماعداه هو الواحد و الجزء، لا! بل کلّ ماعداه فلیس بواحدٍ و لاجزءٍ أیضاً! إلّا من الوجه الّذی یلی کلّیّته و کثرته. و خذ لهذا الکلام الغامض فی نفسه مثالاً على قدر علمک، و اعلم! أنّ الشمس و إن کانت واحدةً و الشعاعات الفائضة عنها کثیرةٌ فالحقّ أن یقال: انّ الشمس هی الکثیرة و الشعاعات هی الواحدة. و إذا کان العلم المستفادّ من وجود المعلوم یسمّى علماً – و هو علم الخلق – فکیف لایسمّى الصفة الإلهیّة – الّتی هی ینبوع الوجودات کلّها – علماً؟!؛ بل انّ الحقّ أن لایطلق اسم «العلم» إلّا علیه -تعالى -، فان أطلق على غیره فبالمجاز المحض و

التوسّع البعید و الإشتراک الصرف عند العرف»(68)؛ انتهى کلامه.

و الحقّ انّ کلّ من رجع إلى وجدانه و انصف یعلم من نفسه انّ الّذی أبدع الأشیاء و أوجدها من العدم إلى الوجود یعلم تلک الأشیاء بحقائقها و صورها الخارجیّة و الذهنیّة کلّها قبل إیجادها من نفسه، و لایستفید بسبب شیءٍ علماً لم یکن له فی حدّ نفسه. فإذن وجب أن یکون علمه أمراً واحداً هو عین ذاته و مع وحدته علماً بکلّ شیءٍ.

و کثرة المعلومات لاتقدح فی وحدة علمه، إذ لیست وحدته من باب الأعداد، بل وحدته هی کوحدة حقیقة الوجود، بل عینها بشرط التجرّد عن الغواشی المادّیّة – کما عرفت فی تحقیقنا للوحدة -.

و لایلزم من کثرة المعلومات کثرةٌ فی الذات الأحدیّة، إذ کثرتها لیست بأنّها أمورٌ تحلّ فی ذاته -تعالى – لیصیر ذاته محلّاً لأشیاء کثیرةٍ و یلزم أن لایکون علمه سابقاً علیها؛ و لا بأنّها مباینةٌ لذاته – کما علمت فساده -؛ و لا بأنّها أجزاء ذاته لیلزم الترکیب فی ذاته و کون ذاته متحصّلة القوام بالمعلومات الّتی منها الممکنات – و ذلک أمحل المحالات! -، بل بنحوٍ آخر لایعلمه إلّا الراسخون فی العلم. و هو: انّ المعلومات کلّها موجودةٌ بوجودٍ واحدٍ إلهیٍّ و کونٍ واحدٍ إجمالیٍّ عقلیٍّ على وجهٍ أعلى و أشرف من سائر الأکوان العقلیّة و النفسانیّة و الطبیعیّة و المادّیّة.

و إن شئت البرهان على أنّ علمه -سبحانه – بالأشیاء قبل کونها هو بعینه علمه بها بعد کونها و معها فنقول لک: انّه -تعالى – لایعلم الأشیاء من الأشیاء حتّى یلزم التغیّر فی علمه، کما انّا نعلم قبل وجود زیدٍ ان زیداً معدومٌ فإذا وجد نعلم انّه کان موجوداً، فقد تغیّر علمنا بتغیّر المعلوم. و منشأ ذلک على انّ علمنا زمانیٌّ لأنّه مستفادٌّ من الموجودات و أحوالها؛ و لیس یجوز أن یکون واجب الوجود یعلم الأشیاء من الأشیاء من وجوهٍ:

أحدها: انّه یلزم أن یستفید علمه من غیره و یکون لولا أمورٌ من خارجٍ لم یکن عالماً، و

هومحال!؛ و یکون له حالٌ و صفةٌ لم یلزم عن ذاته، بل عن غیره، فیکون لغیره تأثیرٌ فی ذاته، و الأصول الإلهیّة تبطل هذا و ما أشبهه؛

و الوجه الثانی: لایجوز أن یکون عالماً بهذه المتغیّرات من حیث تغیّرها علماً زمانیّاً، لأنّه لوکان کذلک لکان یعلم تارةً أنّها موجودةٌ غیر معدومةٍ و یعلم تارةً أخرى أنّها معدومةٌ غیر موجودةٍ، و یکون لکلّ واحدٍ من الأمرین صورةٌ عقلیّةٌ على حدةٍ، و لا واحدةٌ من الصورتین تبقى مع الثانیة، فیکون واجب الوجود متغیّراً!؛

و ثالثها: إنّ الفاسدات إن علمت بالمهیّة المجرّدة و مایتبعها ممّا یتشخّص لم یعلم بما هی شخصیّةٌ و فاسدةٌ؛ و إن أدرکت بما هی مقارنةٌ لمادّةٍ ذات وضعٍ و عوارض مادّیّةٍ و وقتٍ مخصوصٍ لمیکن معقولةً، بل محسوسةٌ أو متخیّلةٌ، و کلّ إحساسٍ أو تخیّلٍ من حیث انّه إحساسٌ أو تخیّلٌ لایمکن إلّا بآلةٍ جزئیّةٍ جسمانیّةٍ.

فثبت انّ الأوّل -سبحانه – لایعلم الأشیاء من الأشیاء، بل من ذاته یعلم کلّ شیءٍ کلّیٍّ أو جزئیٍّ بنحو الّذی ذکرناه؛ فتبصّر و لاتکن من الغافلین!.

وَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَیَّ عَدُوُّکَ الَّذِی اسْتَنْظَرَکَ لِغَوَایَتِی فَأَنْظَرْتَهُ، وَ اسْتَمْهَلَکَ إِلَى یَوْمِ الدِّینِ لاِضْلاَلِی فَأَمْهَلْتَهُ. فَأَوْقَعَنِی وَ قَدْ هَرَبْتُ إِلَیْکَ مِنْ صَغَائِرِ ذُنُوبٍ مُوبِقَةٍ، وَ کَبَائِرِ أَعْمَالٍ مُرْدِیَةٍ.

«استحوذ علیه» الشیطان: غلبه و استماله إلى مایریده منه(69)؛ قال الجوهریّ: «و هذا جاء بالواو على أصله کما جاء استروح و استصوب؛ و قال أبوزیدٍ: هذا الباب کلّه یجوز أن یتکلّم به على الأصل، تقول العرب: استصاب و استصوب، و استجاب و استجوب؛ و هو قیاسٌ مطّردٌ عندهم. و قوله: (أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَیْکُمْ)(70) أی: أ لم نغلب على أمورکم و نستول

على مودّتکم»(71)؛ انتهى.

و فی إطّراد ذلک خلافٌ، و الصحیح الّذی علیه الجمهور المنع من القیاس مطلقاً. و فصّل ابن مالکٍ فقال فی التسهیل: «و ربّما صحّح الإفعال و الإستفعال و فروعهما و لایقال على ذلک مطلقاً – خلافاً لأبیزیدٍ -، بل إذا أهمل الثلاثی – کاستنوق -»؛ انتهى.

و هو قولٌ ثالثٌ فی المسألة. و نصّ سیبویه على أنّ استحوذ من الشواذّ الّتی لم یسمع أعلاها(72) و قال فی شرح التسهیل: «انّه من المصحّح»(73)؛ هکذا ذکره الفاضل الشارح(74)

و «استنظرک» أی: طلب المهملة منک، یقال: استنظرته أی: طلبت إنظاره و تأخیره. و الإسم منه: النظرة – على وزن کلمة -؛ و منه: (فَنَظِرَةٌ إِلَى مَیْسَرَةٍ)(75) أی: فتأخیرٌ و إمهالٌ.

و «استمهلک -… إلى آخره -» عطف تفسیرٍ للفقرة الأولى؛ و «استمهلته» أی: طلبت إمهاله فأمهلنی. و فیهما إشارةٌ إلى قوله -تعالى – فی سورة الأعراف حکایةً عن إبلیس: (قَالَ انْظِرْنِی إِلَى یَومَ یُبعَثُونَ – قَالَ إِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ – قَالَ فَبِما أَغوَیتَنِی لاََقعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَکَ الْمُستَقِیمَ)(76) -… الآیة -، و فی سورة الحجر: (قَالَ رَبِّ فَانْظِرْنِی إِلَى یَومِ یُبعَثُونَ – قَالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنظَرِینَ – إِلَى یَومِ الْوَقْتِ الْمَعلُومِ).(77)

جمهور المفسّرین على أنّه یوم القیامة(78)؛ و فی العلل(79) عن الصادق – علیه السلام – انّه

سئل عنه؟ فقال: «(یَومِ الْوَقتِ الْمَعلُومِ): (یَومَ یُنفَخُ فِی الصُّورِ)(80) نفخةً واحدة فیموت إبلیس مابین النفخة الأولى و الثانیة»؛

و العیّاشی(81) عنه – علیه السلام – انّه سئل عنه؟ فقال: «لاتحسب(82) انّه یوم یبعث فیه الناس، إنّ الله أنظره إلى یوم یبعث فیه قائمنا، فإذا بعث الله قائمنا کان فی مسجد الکوفة و جاء إبلیس حتّى یجثو بین یدیه على رکبتیه، فیقول: یا ویله من هذا الیوم! فیأخذ بناصیته فیضرب عنقه، فذلک یومٌ هو الوقت المعلوم»؛

و القمّیّ(83) عنه – علیه السلام – قال: (یَومِ الْوَقتِ الْمَعلُومِ): یوم یذبحه رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – على الصخرة الّتی فی بیت المقدّس» – أقول: یعنی عند الرجعة -.

و ذهب بعض المعتزلة إلى أنّ المراد ب- (یَومِ الْوَقتِ الْمَعلُومِ): وقت موته و هلاکه فی علم الله، لایوم القیامة.

و کلّ مکلّفٍ من الجنّ و الإنس منظرٌ إلى وقتٍ معلومٍ عند الله؛ و الدلیل على ذلک: انّ إبلیس مکلّفٌ و المکلّف لایجوز أن یعلم أجله – لما فیه من الإغراء بالقبیح، لأنّه إذا علم أجله أقدم على المعصیة بقلبٍ فارغٍ حتّى إذا قرب أجله تاب فتقبّل توبته! -.

و أجیب بأنّ من علم الله -تعالى – من حاله انّه یموت على الطهارة و العصمة – کالأنبیاء – أو على الکفر و المعصیة – کإبلیس – فانّ إعلامه بوقتٍ لایکون إغراءً على القبیح، لأنّه یتفاوت حاله بسبب ذلک التعریف و الإعلام.

<و أمّا سبب إمهاله فهو قول الصادق - علیه السلام -: «انّه عبدالله -سبحانه - فی

السماء الرابعة فی الرکعتین ستّة الآف سنةً!، و کان إنظار الله إیّاه إلى (یَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) بما سبق من(84) العبادة»(85) >(86)

«فأوقعنی -… إلى آخره -»، «الفاء» عاطفةٌ للجملة على «استحوذ».

و «وقع» وقوعاً: سقط؛ و: أوقعه غیره إیقاعاً: أسقطه.

و جملة قوله: «و قد هربت» حالیّةٌ، أی: أوقعنی و الحال انّی قد هربت – أی: حال هربی – إلیک.

لمعةٌ عرشیّةٌ

اعلم! أنّ الحکمة فی إیجاد مثل الشیطان و تسلّطه على أفراد الإنسان – حتّى أغوى کثیراً منهم و أهلکهم و أوقعهم فی سخط الله و غضبه! – کثیرةٌ لایحیط بها إلّا الله؛

و من جملتها: انّه کما ینتفع الإنسان من إلهام الملک فقد ینتفع من وسوسة الشیطان، فانّ أتباع الشیطان و أهل الظلال کلّهم تبعة الوهم و الخیال. و لو لم یکن أوهام المعطّلین و خیالات المتفلسفین و الدهریّین و سائر أولیاء الطاغوت و مراتب جریرتهم و فنون إعوجاجاتهم و ضلالاتهم و انحرافاتهم و خیالاتهم لما انبعث أولیاء الله فی طلب البراهین لبیان علّة حدوث العالم على نهج الکشف و الیقین.

و هکذا فی الأعمال لو لم یکن اغتیاب المغتابین و تجسّس المتجسّسین من الناس لم یجتنب الإنسان – کلّ الإجتناب – من العیوب الخفیّة الّتی قد لایراها إلّا صدقاً!؛ و انّما یظهر لهم تحقّقها من تدقیقات الأعداء و فحصهم و التماسهم ظهورها علیه و على غیره. فکم من عدوٍّ انتفع العبد من عداوته أکثر ممّا ینتفع من محبّة الصدیق!، فانّ المحبّة ممّا یورث الغفلة عن

عیوب المحبوب و العمى عن رؤیة نقائصه و الصمم عن سماع مثالبه – کما قیل: «حبّ الشیء یعمی و یصم»(87) -.

و من هیهنا ظهر انّ لوجود الأفاعیل الشیطانیّة – کاظهار العداوة و البغضاء و الحسد و الغدر من الأعداء – فوائد کثیرة، معظمها الفرار إلى الله -تعالى – امتثالاً لقوله: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)(88)؛

خلق را با تو بد و(89) بدخو کند++

تا تو را ناچار رو آن سو کند(90)

و من جملتها امتیاز النور من النار و الجمال من الجلال.

قال صدر الحکماء و المحقّقین فی مفاتیح الغیب: «المشهد السادس: فی الإشارة إلى مبدء وجود الملک و الشیطان. اعلم! أنّ لله -تعالى – صفتی لطفٍ و قهرٍ، و رحمةٍ و غضبٍ. و من الواجب أن یکون الملک(91) – خصوصاً ملک الملوک – کذلک، إذ کلٌّ منهما من أوصاف الکمال. کیف و الفردانیّة فی الإلهیّة و التوحّد فی غایة العظمة کما أوجب إفاضة الوجود و الرحمة على من سواه فکذلک أوجب أن (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ)(92)، و لا لأحدٍ فی حریم کبریائه و عظمته طریقٌ؛ فلابدّ لکلٍّ من الوصفین من مظهرٍ. فالملائکة و من ضاهاهم من الأخیار مظاهر اللطف و الرحمة، و الشیاطین و من والاهم من الأشرار مظاهر القهر و الغضب؛ و مظاهر اللطف هم أهل الجنّة و أهل القرب و الأعمال المستعقبة لها، و مظاهر القهر هم أهل النار و أهل البعد و الأعمال المثمرة إیّاها.

ثمّ لااعتراض علیه فی تخصیص کلٍّ من الفریقین بما خصّصوا به، فانّه لو عکس الأمر لکان الإعتراض بحاله!. و هیهنا تظهر حقیقة السعادة و الشقاوة، (فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَ سَعِیدٌ –

فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ)(93) -… الآیة -. و إذا تؤمّل فیما ذکرنا ظهر أن لاوجه بعد ذلک لإسناد أسباب الظلم و القبائح إلیه -تعالى -، لأنّ هذا الترتیب و التمییز من لوازم الوجود و الإیجاد؛ و سیجیء لک أنّ الله لایولّی أحداً من الفریقین إلّا ما ولّاه، و انّ (کُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ)(94)

فان قلت: فما فائدة بعثة الرسل و إنزال الکتب؟

قلنا: لمّا تبیّن انّه -تعالى – (یَفْعَلُ مَا یَشَاءُ)(95) و (یَحْکُمُ مَا یُرِیدُ)(96)، فکیف یبقى للمعترض أن یقول: لم جعل الله الشیء الفلانیّ سبباً و واسطةً لحصول الشیء الفلانیّ؟، کما انّه لیس له أن یقول مثلاً: لم جعل الشمس سبباً لإنارة وجه الأرض؟!؛ غایة ما فی الباب أن یقول: إذا علم الله أنّ الکافر لایؤمن فلم أمره بالإیمان و بعث إلیه النبیّ؛

فنقول: فائدة البعثة و الرسالة و الإنزال یرجع بالحقیقة إلى المؤمنین حیث جعل الله أنوار الکتب و الرسل سبباً لإنارة قلوبهم و واسطةً لاهتدائهم فی ظلمات هذه الدار إلى دار النعیم؛ (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ مَنْ یَخْشَاهَا)(97)، کما انّ فائدة نور الشمس تعود(98) إلى أصحاب العیون الصحیحة. و أمّا فائدة ذلک بالنسبة إلى المختوم(99) قلوبهم فکفائدة نور الشمس إلى الأکمه تزیدهم حیرةً و ضلالةً!، (وَ أَمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ مَاتُوا وَ هُمْ کَافِرُونَ)(100)

غایة ذلک إلزام الحجّة و إقامة البیّنة علیهم (لِئَلاَّ یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ)(101)، (وَ لَو أَنَّا أَهْلَکْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَولاَ أَرْسَلْتَ إِلَیْنَا رَسُولاً)(102)؛ و هو بالحقیقة النعی علیهم بأنّهم فی أصل الخلقة أشقیاء مطرودون عن باب الله طرد

الخفافیش و الظلمات عن حضرة النور! (سَوَاءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَیُؤْمِنُونَ)(103)

فالإنذار و التخویف لاینجح معهم، لأنّ نفعه مختصٌّ بالمؤمنین و إن کان نور الهدایة و الرحمة نازلةً(104) على العالمین، (وَ مَا أَرْسَلْنَاکَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِینَ)(105) إلّا أنّ نصیب النفوس الکدرة و الأوهام العسوفة منه لیس إلّا الوحشة و العمى و الظلمة و الضلال و الخسران و الوبال؛ و علیه جرى القلم و نفذ حکم القضاء الحتم و القدر المبرم؛ لقوله: (وَ لِذَلِکَ خَلَقَهُمْ)(106)،(وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لاَمُبَدِّلَ لِکَلِمَاتِهِ)(107)؛ و قوله: (وَ لَوشِئْنَا لاَتَینَا کُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَ لَکِنْ حَقَّ الْقَولُ مِنِّی لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ)(108)»(109)؛ انتهى کلامه…. إلى غیر ذلک من الحکم الّتی لاتحصى.

اعلم! أنّا قد ذکرنا لک فیما سبق انّ کلّ ما کان فی العالم الأکبر فنظیره فی العالم الأصغر، فکما انّ فی العالم الأکبر آدم و حوّاء و إبلیس، کذلک فی العالم الأصغر؛ و کما انّ فی الأکبر سباعاً و بهائم و شیاطین و ملائک، فکذلک فی الأصغر. فالعقل بمنزلة آدم فی العالم الأصغر، و الجسم بمنزلة حوّاء، و الوهم بمنزلة إبلیس، و الشهوة بمنزلة الطاووس، و الغضب بمنزلة الحیّة، و الذنب و الخطیئة بمنزلة الشجرة المنهیّة، و الأخلاق الحسنة بمنزلة الجنّة، و الأخلاق الردیّة بمنزلة النار؛ و لااعتبار بالصورة و انّما الإعتبار بالصفة. فالکلب لیس خسیساً مطروداً بحسب الصورة و انّما هو مطرودٌ بحسب صفة الإیذاء و الأذیّة، و کذلک الخنزیر انّما هو مطرودٌ بسبب الحرص و الشره، و کذلک الشیطان مطرودٌ بحسب الإفساد و الإغواء؛ و کذلک الملک محمودٌ بصفة الإنقیاد و الإطاعة. فالإنسان مع صفة الإیذاء کلبٌ، و مع صفة الحرص و الشره خنزیرٌ، و مع صفة الإفساد و الإغواء شیطانٌ، و مع صفة الإطاعة و

الإنقیاد ملکٌ!. قال بعض العرفاء: «إنّ الإنسان اصطحب فی ترکیبه و خلقته أربع شوائب، فلذلک اجتمعت علیه أربعة أنواعٍ من الأوصاف، و هی الصفات السبعیّة و البهیمیّة و الشیطانیّة و الربّانیّة؛ فهو من حیث سلّط علیه الغضب یتعاطی أفعال السباع، و من حیث سلّطت علیه الشهوة یتعاطی أفعال البهائم – من الشره و الحرص والشقب و غیره -، و من حیث انّه فی نفسه أمرٌ ربّانیٌّ – کما قال تعالى: (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی)(110) – فانّه یدّعی لنفسه الربوبیّة و کلّ الأوصاف الجمالیّة و الجلالیّة.

و من حیث یختصّ عن البهائم بالتمیّز مع مشارکته لها فی الغضب و الشهوة حصلت فیه شیطانیّةٌ، فصار شرّیراً یستعمل التمییز فی إستنباط وجوه الحیل و الشرّ و یتوصّل إلى الأغراض بالمکر و الحیلة و الخداع و یظهر الشرّ فی معرض الخیر؛ و هذه أخلاق الشیاطین. فکلّ إنسانٍ فیه(111) شوبٌ من هذه الأصول الأربعة ففی إهاب الإنسان خنزیرٌ و کلبٌ و شیطانٌ و حکیمٌ؛ فالخنزیر هو الشهوة؛ و الکلب هو الغضب؛ و الشیطان هو المکر و الإغواء؛ و لایزال یهیّج شهوة الخنزیر و غیط السبع و یغری أحدهما بالآخر و یحسن لهما ما هما مجبولان علیه. و الحکیم – الّذی هو مثال العقل – مأمورٌ بأن یرفع کید الشیطان و مکره بأن یکشف عن تلبیسه ببصیرته النافذة و نوره المشرق الواضح، و أن یکسر شره هذا الخنزیر بتسلیط الکلب علیه، إذ بالغضب یکسر سورة الشهوة و یدفع ضراوة الکلب بتسلیط الخنزیر علیه؛ و یجعل الکلّ مقهوراً تحت سیاسةٍ. فان فعل ذلک و قدر علیه اعتدل الأمر و ظهر العدل فی مملکة البدن و جرى الکلّ على الصراط المستقیم. و إن عجز عن قهرها قهرته و استخدمته، فلایزال فی استنباط الحیل و تدقیق الفکر یشبع الخنزیر و یرضی الکلب، فیکون دائماً فی عبادة کلبٍ أو خنزیرٍ؛ و هذا حال أکثر الناس مهما کان أکثر همّهم البطن و الفرج و مناقشة الأعداء!»(112)؛ انتهى.

ثمّ اعلم! أنّ الأشرار من الناس أخسّ رتبةً و أنزل مرتبةً من سائر الأشرار!، فانّ الحیوانات و إن کانت أشراراً خسیسةً دنیّةً و الشیاطین و إن کانت خبیثةً ضالّةً عن طریق طلب الحقّ لکن لیست لها استعداد الإرتقاء إلى مقارنة الحقّ الأعلى و مجاورة مقرّبیه و طبقات جنانه و ملکوته، و أمّا هؤلاء فانّهم کانوا بحسب أصل الفطرة و میثاق عهد الربوبیّة مستعدّین لسلوک سبیل الله و الحشر إلى جناب رحمته؛ لما عرفت سابقاً انّ التطوّر فی الأطوار و قوّة الإنسلاک فی سلک الأبرار و الأشرار مرکوزٌ فی جبلّة الإنسان.

فان قلت: دعوى عدم الإستعداد رأساً للإرتقاء إلى عالم السماء فی الحیوانات الصامّة و إن کان مسلّماً معلوماً إلّا انّ عدم استعداد إدراک المعارف فی الشیطان غیر معلومٍ، لأنّه کان واعظاً للملائکة معلّماً لهم!

قلت: هذا عند أهل الله أمرٌ محقّقٌ ثابتٌ، و لهم فی ذلک شواهد کشفیّة و دلائل قرآنیّة؛

منها: اعتراضه على الحقّ و تمرّده عن سجدة آدم، فهذا یدلّ على انّ إدراکه من باب التخیّلات و الأوهام غیر بالغٍ إلى حدّ التعقّل و الإدراک التامّ؛

و منها: قصور فهمه عن إدراک حقیقة الإنسان و فضیلة ذاته الأصلیّة – إن لم تصبها آفةٌ – على سائر الأقران باعتبار جامعیّته للنشأتین و استحقاقه لخلافة الله فی العالمین؛

و منها: وقوعه فی الغلط الفاحش و القیاس المغالط المبتنی على الإشتباه بین مادّة الشیء و صورته، حیث لم یتفطّن بأنّ رتبة الإنسان لیست من جهة البنیة العنصریّة الأرضیّة، بل بحسب جوهر الروح؛ فکأنّه لم یکن عارفاً بوجود المجرّدات العقلیّة؛

و منها: فعلیّة جوهره و غلبة الناریّة على ذاته و عدم العجز و الإنکسار و الآفات البدنیّة فیه، فانّ منشأ استحقاق الإنسان للإرتقاء إلى عالم القدس و الرضوان انّما کان من غایة عجزه و إنکساره و افتقاره و تقلّب ذاته من طورٍ إلى طورٍ و کثرة آفاته و أمراضه و ضعف طبیعته فی أوّل النشأة – کما قال: (خُلِقَ الاِنْسَانُ ضَعِیفاً)(113) -، و السالک متى لم یمت

عن نشأته الّتی فیها لم یحیى بحیاة نشأةٍ أخرى فوقها؛

و منها: انّه لوکان فی ذاته إمکان الترقّی إلى مشاهدة الحقائق الإلهیّة و التفطّن بالعلوم الربّانیّة لکان بالغاً إلى شیءٍ منها فی المدد المتتاولة الّتی مضت علیه مع کثرة الشواهد و الآیات الدالّة على حقّیّة وجود الباری و کیفیّة صفاته و آثاره و حقّیّة أسرار المبدء و المعاد، و انتفاء التالی یدلّ على انتفاء المقدّم؛

أمّا الملازمة فواضحةٌ؛

و أمّا انتفاء التالی فلأنّ أقلّ المراتب فی معرفة المبدء من علم الآفاق الإیمان بقدرة الباری و وجوب عبودیّته و إمتثال أمره و نهیه، و أدنى المراتب فی معرفة المعاد من علم الأنفس الإذعان بوجود النشأة الباقیة للإنسان و فضیلته على سائر المکوّنات؛ و معلومٌ انّ هذا القدر من المعرفة لم یکن حاصلاً له و لو على وجه التقلید و الظنّ الحاصلین لأکثر العوامّ من أهل الإسلام؛ و منه قوله -تعالى -: (أَسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْعَالِینَ)(114)، فانّه کاشفٌ عن خسّة ذاته و قصور جوهره من أن یکون من العالّین – و هم سکّان عالم القدس المرتفعة بحسب کمالهم العلمیّ عن سوافل عالم الغواشی المادّیّة الموجبة للجهالة -، فمن لم یکن من العالّین بحسب جوهره و ذاته فلایصل إلى مقامهم – لابالفعل و لابالقوّة -، فانّ التعلیم و التهذیب لایظهران إلّا ما هو کامنٌ فی جبلّة الشخص و ذاته؛

و منها: انّه خالف إجماع الملائکة فی سجود آدم، و هذا دالٌّ على غایة خباثة باطنه و سوء فطنته حیث استبدّ برأیه و استنکف عن الموافقة مع أهل الله و إخوان التجرید و أولیاء الله؛

و منها: انّه لمّا خاطبه الله خطاب الإمتحان لجوهر ذاته – لیظهر به حجّة الله علیه و استحقاقه اللعن و البعد – و قال: (مَا مَنَعَکَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرتُکَ)، فلو کان ذا بصیرةٍ لقال: منعنی تقدیرک و قضاؤک و مشیّتک الأزلیّة؛ فلمّا کان أعمىً بالعین الّتی ترى أحکام الله و تقدیره و هویّته و بصیراً بالعین الّتی ترى أنانیّته فقال: (أَنَا خَیْرٌ مِنْهُ)، أی: منعنی کونی

خیراً منه أن أسجد لمن هو دونی؛

و منها: استدلاله فی مقابلة النصّ على کونه خیراً بقوله: (خَلَقْتَنِی مِنْ نَارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِینٍ)(115)، یعنی: انّ النار علویّةٌ نورانیّةٌ لطیفةٌ، و الطین سفلیٌّ ظلمانیٌ کثیفٌ، فهی خیرٌ منه.

فأخطأ اللعین فی الجواب و فی الإستدلال و القیاس من وجوهٍ؛ و قد قرّرنا خطأه فی الجواب، فأمّا فی القیاس فأحد الوجوه:

انّا لوسلّمنا انّ النار أفضل و أشرف و أعلى من الطین من حیث الظاهر و الصورة لکن من حیث الحقیقة و الغایة الطین أفضل و أشرف، لأنّ من خواصّ الطین الإنبات و النشو و النموّ، و لهذا السرّ کان تعلّق الروح به لیصیر قابلاً للترقّی، و النار من خاصیّتها الإحراق و الإفناء؛

که آدم را ز ظلمت صد مدد شد++

ز نورْ ابلیس معلون ابد شد

و ثانیها: انّ فی الطّین لزوجةً و إمساکاً، فإذا استفاد الروح منه بالتربیة هذه الخاصیّة یصیر ممسکاً للفیض الإلهیّ – إذ لم یکن ممسکاً فی عالم الأرواح، و لهذا السرّ کان آدم مسجود الملائکة -؛ و فی النار خاصیّة الإتلاف و هو ضدّ الإمساک؛

و ثالثها: انّه مرکّبٌ من الماء و التراب، و الماء مطیّة الحیاة – لقوله تعالى: (وَ جَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ کُلَّ شَیْءٍ حَیٍّ)(116) -، و التراب مطیّة النفس النباتیّة، و إذا امتزجا تتولّد النفس الحیوانیّة – و هی الروح الحیوانیّ -، و هو مطیّة الروح الإنسانیّة للمناسبة الروحیّة بینهما، و فی النار ضدّ هذا من الإهلاک و الإفساد.

هذا؛ مع أنّ شرف مسجودیّة آدم و فضیلته على ساجدیه لم یکن بمجرّد خواصّه الطینیّة الّتی هی جهة القبول و الصلوحیّة و إن تشرّفت طینته بشرف التخمیر من غیر واسطةٍ – لقوله: (مَا مَنَعَکَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِیَدَیَّ)(114)، و لقوله علیه السلام: «خمّر طینة آدم بیده

أربعین صباحاً»(117) -؛ و انّما کانت فضیلته علیهم لاختصاصه بنفخ الروح و التشرّف بالإضافة إلى الحضرة فیه من غیر واسطةٍ – کما قال: (وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی)(118) -، و لاختصاصه بالتجلّی فیه عند نفخ الروح – کما قال صلّى الله علیه و آله و سلّم: «إنّ الله خلق آدم فتجلّى فیه»(119) -. و قد مرّ انّ الملعون خلط بین المادّة و جهة الصورة و شرافة آدم بصفة الإنسانیّة و صورته الذاتیّة. و لهذا السرّ ما أمر الله الملائکة بالسجود بعد تسویة قالب آدم من الطین، بل أمرهم به بعد نفخ الروح فیه – کما قال تعالى: (إِنِّی خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِینٍ – فَإِذَا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِینَ)(120) -. و ذلک لأنّ آدم بعد أن نفخ فیه الروح صار مستعدّاً للتجلّی لما حصل فیه من لطافة الروح و نورانیّته الّتی یستحقّ بها للتجلّی و من امساک الطین الّذی یقبل الفیض الإلهیّ. فاستحقّ سجود الملائکة لأنّه صار قلبه کعبةً حقیقیّةً مطافاً للقوى العلویّة و السفلیّة.

و لاتکوننّ کالشیطان أعمى القلب عن مطالعة هذه الحقائق و المتکبّر عن الإیمان بها فتخرج عن جنّة هذه المعارف و روضة هذه العواطف و تخاطب بقوله -تعالى -: (فَاهْبِطْ مِنهَا فَمَا یَکُونُ لَکَ أَنْ تَتَکَبَّرَ فِیهَا فَاخْرُجْ إِنَّکَ مِنَ الصَّاغِرِینَ)(121) !.

و منها: کفره – لقوله تعالى: (وَ کَانَ مِنَ الْکَافِرِینَ)(122) -، و الکفر عین الجهل.

و اختلف الفقهاء فی أنّ کفره أ هو قبل الإباء عن السجدة أم بعده؟؛ قولان:

الأوّل: انّه کان إبلیس عند اشتغاله بالعبادة منافقاً کافراً؛ و فی هذا وجهان:

أحدهما: ما حکى محمّد بن عبدالکریم الشهرستانی فی أوّل کتاب الملل و النحل(123) عن شارح الأناجیل الأربعة، و هی المذکورة فی التوراة متفرّقةً على شکل مناظرةٍ بینه و بین

الملائکة بعد الأمر بالسجود و الإمتناع منه؛

و ثانیهما: قول أصحاب الموافات، و هو انّ الإیمان یوجب إستحقاق الثواب الدائم و الکفر یوجب استحقاق العذاب الدائم، و الجمع بینهما محالٌ، و القول بالإحباط باطلٌ؛ فلم یبق إلّا أن یقال: انّ هذا الفرض محالٌ. و شرط حصول الإیمان فی وقتٍ أن لایصدر الکفر عنه بعده، فإذا کانت الخاتمة على الکفر علمنا انّ الّذی یصدر عنه أوّلاً ما کان إیماناً!. و على هذا شواهد أخرى طوینا ذکرها لأنّه یؤدّی إلى التطویل؛ و فیما ذکر کفایةٌ للمتأمّل المهتدی سواء السبیل، فلنرجع إلى مناظرة الشیطان و الملائکة.

قال إبلیس: «إنّی سلّمت انّ الباری -تعالى، إلهی و إله الخلق – عالمٌ قادرٌ، و انّه مهما أراد شیئاً (قَالَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ)(124)، و هو حکیمٌ فی فعله. إلّا انّه تتوجّه على مساق حکمته أسؤلةٌ سبعةٌ:

أحدها: انّه علم قبل خلقی انّه أیّ شیءٍ یصدر عنّی و تحصل منّی، فلم خلقنی أوّلاً و ما الحکمة فی خلقه إیّای؟!؛

و ثانیها: إذ خلقنی على مقتضى إرادته و مشیّته فلم کلّفنی بمعرفته و طاعته؟ و ما الحکمة فی التکلیف بعد أن لاینتفع بطاعةٍ و لایتضرّر بمعصیةٍ؟!؛

و ثالثها: إذ خلقنی و کلّفنی فألزمت تکلیفه بالمعرفة و الطاعة فعرفت و أطعت، فلم کلّفنی بطاعة آدم و السجود له؟، و ما الحکمة فی هذا التکلیف على الخصوص بعد أن لایزید ذلک فی معرفتی و طاعتی؟!؛

و الرابع: إذ خلقنی و کلّفنی على الإطلاق و کلّفنی بهذا التکلیف على الخصوص فإذا لمأسجد فلم لعننی و أخرجنی من الجنّة؟، و ما الحکمة فی ذلک بعد أن لم أرتکب قبیحاً إلّا قولی: لاأسجد إلّا لک؟!؛

و الخامس: إذ خلقنی و کلّفنی مطلقاً و خصوصاً فلم أطع فلعننی و طردنی، فلم طرّقنی

إلى آدم حتّى دخلت الجنّة ثانیاً و غرّرته بوسوستی، فأکل من الشجرة المنهیّ عنها و أخرجه من الجنّة معی؟، و ما الحکمة فی ذلک بعد إذ لومنعنی من دخول الجنّة استراح منّی آدم و بقی خالداً فیها؟!؛

و السادس: إذ خلقنی و کلّفنی عموماً و خصوصاً و لعننی ثمّ طردنی من الجنّة و کانت الخصومة بینی و بین آدم فلم سلّطنی على أولاده حتّى أراهم من حیث لاترونی و تؤثّر فیهم وسوستی؟، و ما الحکمة فی ذلک بعد أن لوخلقهم على الفطرة – دون من یحتالهم عنها فیعیشون طاهرین سامعین مطیعین – کان أحرى بهم و ألیق بالحکمة؟!؛

و السابع: سلّمت هذا کلّه، خلقنی و کلّفنی مطلقاً و مقیّداً!، فإذا لم أطع لعننی و طردنی و إذا أردت دخول الجنّة مکّننی و طردنی و إذا عملت عملی أخرجنی ثمّ سلّطنی على بنی آدم، فلم إذا استمهلته أمهلنی؟ – فقلت: (فَأَنْظِرْنِی إِلَى یَومِ یُبْعَثُونَ – قَالَ فَإِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرِینَ – إِلَى یَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(125) -، و ما الحکمة فی ذلک بعد أن لو أهلکنی فی الحال استراح الخلق منّی و ما بقی شرٌّ مّا فی العالم!، أ لیس بقاء العالم على الخیر خیراً من امتزاجه بالشرّ؟!.

قال اللعین: فهذه حجّتی على ما ادّعیته».

قال شارح الأناجیل الأربعة: «فأوحى الله إلى الملائکة -علیهم السلام -: قولوا له: انّک فی تسلیمک الأوّل -: انّی إلهک و إله الخلق – غیر صادقٍ و لا مخلصٍ!، إذ لوصدقت انّی إله العالمین ما حکمت علیّ ب- «لِمَ»، فأنا الله لا إله إلّا أنا لاأسأل عمّا أفعل و الخلق مسؤولون»(126)

قال الفخر الرازی: «لو اجتمع الأوّلون و الآخرون من الخلائق لم یجدو عن هذه الشبهات مخلصاً و من هذه الإشکالات مهرباً إلّا الجواب الإلهیّ!»(127)

قال صدر الحکماء و المحقّقین: «غرض الفخر إثبات مذهب أصحابه من القول بالفاعل

المختار و نفی التخصیص فی الأعمال، و قد علمت انّ ذلک ممّا ینسدّ به باب إثبات المطالب بالبراهین، کإثبات الصانع و صفاته و أفعاله، و إثبات البعث و الرسالة، إذ مع تمکین هذه الإرادة الجزافیّة لم یبق اعتمادٌ على شیءٍ من الیقینیّات؛ فیجوز أن یخلق الفاعل المختار – الّذی یعتقدونها هؤلاء الجدلیّون – فینا أمراً یرینا الأشیاء لا على ما هی علیها!.

فنقول: انّ لکلٍّ من هذه الشبهات الّتی أوردها اللعین جواباً برهانیّاً حقّاً ینتفع به من له قلبٌ سلیمٌ (أَو أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِیدٌ)(128)، و لاینفع المریض النفس و الجدلیّ الّذی غرضه لیس إلّا المماراة و المجادلة، فلایمکن إلزامه إلّا بضربٍ من الجدل؛ و لهذا أجیب اللعین من قبل الله -تعالى – بما یسکته، و هو بیان حاله و ما علیه من کفره و ظلمة جوهره من إدراک الحقّ کما هو؛ و أن لیس غرضه فی إبداء هذه الشبهات إلّا الإعتراض و إغواء من یتبعه من الجهّال الناقصین أو الغاوین الّذین هم من جنود إبلیس أجمعین. فقیل له: انّک لست بصادقٍ فی دعواک معرفة الله و ربوبیّته، و لوصدقت فیها لم تکن معترضاً على فعله و لکنت عرفت انّه لالمّیّة لفعله المطلق إلّا ذاته، فانّ إیجاده للأشیاء لیس له سببٌ و لاغایةٌ إلّا لنفس ذاته بذاته من غیر قصدٍ زائدٍ و لامصلحةٍ و لاداعٍ و لامعینٍ و لاصلوح وقتٍ و لاشیءٍ آخر – أیّ شیءٍ کان – إلّا الذات الأحدیّة. فانّ علمه بذاته – الّذی هو عین ذاته – یوجب علمه بما یلزم خیریّة ذاته من الخیرات الصادرة، فیجب صدورها عنه على الوجه الّذی علمها؛ و هو بعینه إرادته لها. فثبت أن لالمّیّة لفعله (وَ لاَیُسْئَلُ عَمَّا یَفْعَلُ) فعلاً مطلقاً. و إنّما ثبت الغایة للأفاعیل المخصوصة الصادرة عن الوسائط و سائر الفاعلین – کما مرّ -؛ و هو قوله فی القرآن: (وَ هُمْ یُسْأَلُونَ)(129)؛ و فی الحدیث: «و الخلق مسؤولون»(130)

و المعلوم عند أرباب البصائر الثاقبة و أصحاب الحکمة المتعالیة انّ الموجودات الصادرة

منه على الترتیب من الأشرف فالأشرف و الأقرب فالأقرب إلى الأخسّ فالأخس و الأبعد فالأبعد حتّى انتهى إلى أخسّ الأشیاء – و هی الهاویة و الظلمة -؛ و العائدة إلیه -تعالى – على عکس ذلک الترتیب من الأخسّ فالأخسّ و الأبعد فالأبعد إلى الأشرف فالأشرف و الأقرب فالأقرب إلى أن ینتهی إلیه -سبحانه -، کما أشیر إلیه بقوله: (یُدَبِّرُ الاَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الاَرْضِ ثُمَّ یَعْرُجُ)(131)، و قوله: (کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ)(132) فلکلٍّ منها غایةٌ مخصوصةٌ ینتهی إلیها، و لغایته أیضاً غایةٌ أخرى فوقها،… هکذا حتّى ینتهی إلى غایةٍ لا غایة بعدها کما ابتدءت من مبدءٍ لامبدء قبله.

و أمّا الأجوبة الحکمیّة عن تلک الشبهات على التفصیل لمن هو أهلها و مستحقّها، فهی هذه:

أمّا الشبهة الأولى – و هی السؤال عن الحکمة و الغایة فی خلق إبلیس -، فالجواب عنه: انّه من حیث إنّه من جملة الموجودات على الإطلاق فمصدره و غایته لیست إلّا ذاته -تعالى – الّذی تقتضی وجود کلّ ما یمکن وجوده و یفیض عنه الوجود على کلّ قابلٍ و منفعلٍ؛ و أمّا حیثیّة کونه موجوداً ظلمانیّاً و ذاشریرةٍ و جوهراً خبیثاً فلیس ذلک بجعل جاعلٍ، بل هو من لوازم هویّته النازلة فی آخر مراتب النفوس، و هی المتعلّقة بما دون الأجرام السماویّة – و هی جرم النار الشدید القوّة -؛ فلاجرم غلبت علیه الأنانیّة و الإستکبار و الإفتخار و الإباء عن الخضوع و الإنکسار.

و أمّا الشبهة الثانیة – و هی السؤال عن حکمة التکلیف بالمعرفة و الطاعة و الغایة، و کذا ما یتوقّف علیه التکلیف من بعث الأنبیاء و الرسل و إنزال الوحی و الکتب -، فالجواب عنه: إنّ الحکمة و الغایة فی ذلک تخلیص النفوس من إسر الشهوات و حبس الظلمات و نقلها من الحدود البهیمیّة و السبعیّة إلى الحدود الإنسانیّة و الملکیّة و تطهیرها و تهذیبها بنور العلم و قوّة العمل عن درن الکفر و المعصیة و رجس الجهل و الظلمة. و لاینافی عموم

التکلیف عدم تأثیره فی النفوس الجاسیة و القلوب القاسیة، کما انّ الغایة فی إنزال المطر إخراج الحبوب و إنبات الثمار و الأقوات منها، و عدم تأثیره فی الصخور القاسیة و الأراضی الخبیثة لاینافی عموم النزول. و الله أجلٌّ من أن تعود إلیه فائدةٌ فی هدایة الخلائق – کما فی إعطائه أصل خلقه -، بل هو (الَّذِی أَعْطَى کُلَّ شَیْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)(133) من غیر غرضٍ أو عوضٍ فی فضله و جوده.

و أمّا الشبهة الثالثة – و هی السؤال عن فائدة تکلیف إبلیس بالسجود لآدم و الحکمة فیه -، فالجواب عنها:

أوّلاً انّه ینبغی أن یعلم انّ لله فی کلّ ما یفعله أو یأمره به حکمةً، بل حکماً کثیرةً، لأنّه -تعالى – منزّهٌ عن فعل العبث و الإتّفاق و الجزاف و إن خفی علینا وجه الحکمة فی کثیرٍ من الأمور على التفصیل بعد أن علمنا القانون الکلّیّ فی ذلک على الإجمال. و خفاء الشیء علینا لایوجب إنتفاؤه. و هذا یصلح للجواب عن مثل هذه الشبهة و نظائرها؛

و ثانیاً: انّ التکلیف بالسجدة کان عامّاً للملائکة و کان إبلیس معهم فی ذلک الوقت و عمّه الأمر بها تبعاً و بالقصد الثانی، لکنّه لمّا تمرّد و عصى و استکبر و أبى بعد ما اعتقد بنفسه انّه من المأمورین صار مطروداً ملعوناً؛

و ثالثاً: انّ الأوامر الإلهیّة و التکالیف الشرعیّة ممّا یمتحن به جواهر النفوس و یعلن بواطنهم و یبرز ما فی مکامن صدورهم من الخیر و الشرّ و السعادة و الشقاوة و یتمّ به الحجّة و یظهر به المحجّة، (لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَةٍ)(134)

و أمّا الشبهة الرابعة – و هی السؤال عن لمّیّة تعذیب الکفّار و المنافقین و إیلامهم بالعقوبة و تبعیدهم عن دار الرحمة و الکرامة -، فالجواب عنها: انّ العقوبات الأخرویّة من الله -تعالى – لیس باعثها الغضب و الإنتقام أو إزالة الغیظ و نحوها -تعالى عن ذلک علوّاً کبیراً!-، و إنّما هی لوازم و تبعاتٌ ساق إلیها أسبابٌ داخلیّةٌ نفسانیّةٌ و أحوالٌ باطنیّةٌ انتهت

إلى التعذیب بنتائجها – من الهویّ إلى الهاویة و السقوط فی أسفل درک الجحیم، و من مصاحبة المؤذیات و العقارب و الحیّات و غیرها من المؤلمات -؛ و مثالها فی هذا العالم: الأمراض الواردة على البدن الموجبة للأوجاع و الآلآم بواسطة نهمةٍ سابقةٍ، فکما انّ وجع البدن لازمٌ من لوازم ما ساق إلیه الأحوال الماضیة و الأفعال السابقة – من کثرة الأکل و إفراط الشهوة و نحوهما – من غیر أن یکون هیهنا معذّبٌ خارجیٌّ، فکذلک حال العواقب الأخرویّة و مایوجب العذاب الدائم لبعض النفوس الجاحدة للحقّ المعرضة عن الآیات؛ و هی (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ – الَّتِی تَطَّلِعُ عَلَى الاَفْئِدَةِ)(135)

و أمّا الّتی دلّت علیها الآیات و الأخبار الواردة على بدن المسیء – على ما یوصف فی التفاسیر – فهی أیضاً منشؤها أمورٌ باطنیّةٌ و هیئاتٌ نفسانیّةٌ برزت من الباطن إلى الظاهر و تصوّرت بصورة النیران و العقارب و المقامع من حدیدٍ و غیرها. هکذا یکون حصول صور الأجسام و الأشکال و الأشخاص فی الآخرة کما حقّق فی مباحث المعاد الجسمانیّ و کیفیّة تجسّم الأعمال، و دلّ علیه کثیرٌ من الروایات، مثل قوله -تعالى -: (وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَُمحِیطَةٌ بِالْکَافِرِینَ)(136)، و قوله: (وَ بُرِّزَتِ الْجَحِیمُ لِمَنْ یَرَى)(137)، و قوله: (کَلاَّ لَوتَعْلَمُونَ عِلمَ الْیَقِینِ – لَتَرَوُنَّ الْجَحِیمَ – ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَیْنَ الْیَقِینِ)(138)، و قوله: (إِذَا بُعْثِرَ مَا فِی الْقُبُورِ – وَ حُصِّلَ مَا فِی الصُّدُورِ)(139)

ثمّ إذا سلّم معاقبٌ من خارجٍ فانّ فی ذلک مصلحةٌ عظیمةٌ، لأنّ التخویف بالعقوبة نافعٌ فی أکثر الأشخاص، و الإیفاء بذلک التخویف بتعذیب المجرم المسیء تأکیدٌ للتخویف و مقتضٍ لإزدیاد النفع.

ثمّ هذا التعذیب و إن کان شرّاً بالقیاس إلى الشخص المعذّب لکنّه خیرٌ بالقیاس إلى أکثر

أفراد النوع، فیکون من جملة الخیر الکثیر الّذی یلزمه الشرّ القلیل – کما فی قطع العضو لإصلاح البدن و باقی الأعضاء -.

أمّا الشبهة الخامسة – و هی السؤال عن فائدة تمکین الشیطان من الدخول إلى آدم فی الجنّة حتّى غرّه بوسوسته، فأکل ما نهى عن أکله فأخرج به من الجنّة -، فالجواب عنه: إنّ الحکمة فی ذلک و المنفعة فیه عظیمةٌ، فانّه لوبقى فی الجنّة أبداً لکان بقی هو وحده فی منزلة الّتی کان علیها فی أوّل الفطرة من غیر استکمالٍ و اکتساب فطرةٍ أخرى فوق الأولى، و إذا هبط إلى الأرض خرج من صلبه أولادٌ لایحصى یعبدون الله و یطیعونه إلى یوم القیامة و یرتقی منهم عددٌ کثیرٌ فی کلّ زمانٍ إلى درجات الجنان بقوّتی العلم و العبادة؛ و أیّ حکمةٍ و فائدةٍ أعظم و أجلّ و أرفع و أعلى من وجود الأنبیاء و الأولیاء و من جملتهم سیّد المرسلین و أولاده الطاهرین – صلوات الله علیه و علیهم أجمعین و على سائر الأنبیاء و المرسلین -؟!. و لو لم یکن هبوطه إلى الأرض مع إبلیس إلّا لابتلائه مدّةً فی الدنیا و اکتسابه درجة الإصطفاء لکانت الحکمة عظیمةً و الخیر جلیلاً!.

و أمّا الشبهة السادسة – و هی السؤال عن وجه الحکمة فی تسلیط الشیطان، و هو العدوّ المبین على ذرّیّة آدم بالإغواء و الوسوسة بحیث یراهم من حیث لایرونه -، فالجواب عن ذلک: انّ نفوس أفراد البشر فی أوّل الفطرة ناقصةٌ بالقوّة، و مع ذلک بعضها خیّرةٌ نورانیّةٌ شریفةٌ بالقوّة مائلةٌ إلى الأمور القدسیّة عظیمة الرغبة إلى الآخرة، و بعضها خسیسة الجوهر ظلمانیّةٌ شریرةٌ بالقوّة مائلةٌ إلى الجسمانیّات عظیمةٌ فی إیثار الشهوة و الغضب؛ و لیس سلطان الشیطان على هذا القسم لقوله -تعالى -: (إِنَّ عِبَادِی لَیْسَ لَکَ عَلَیْهِمْ سُلْطَانٌ)(140) -: وسوسة الشیاطین – (إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِینَ یَتَوَلَّونَهُ)(141) (وَ هُمْ نَائِمُونَ)(142)

و مع ذلک فلو لم تکن فی الوجود وسوسة الشیاطین بالإغواء و إطاعة النفس و الهوى لکان

ذلک منافیاً للحکمة، لبقائهم على طبقةٍ واحدةٍ من نفوسٍ سلیمةٍ ساذجةٍ، فلایتمشّی عمارة الدنیا بعدم النفوس الجاسیة الغلاظ العمّالة فی الأرض لأغراضٍ دنیّةٍ عاجلةٍ. ألاَ ترى إلى ما روی من قوله -تعالى – فی الحدیث القدسیّ: «إنّی جعلت معصیة آدم سبباً لعمارة العالم»(119) !، و ما روی أیضاً فی الخبر: «لولا انّکم تذنبون لذهب الله بکم و جاء بقومٍ یذنبون»(143) !.

و أمّا الشبهة السابعة – و هی السؤال عن الفائدة فی إمهال إبلیس فی الوسوسة لأولاد آدم إلى یوم البعث -، فالجواب بمثل ماذکرناه، فانّ بقاؤه تابعٌ لبقاء النوع البشریّ بتعاقب الأفراد – و هو مستمرٌّ إلى یوم القیامة -، فکذلک وجب استمراره و دوامه لأجل إدامة الفائدة – الّتی ذکرناها فی وجود وسوسته – إلى یوم الدین.

و قوله: «أ لیس بقاء العالم على الخیر خیراً من امتزاجه بالشرّ؟»؛

قلنا: فاذن لم یکن الدنیا ممزوجةً بالشرور، لکنّها جسرٌ یعبّر به الناس إلى الآخرة. و لوکان کلّها شرّاً و لکن وسیلةً إلى الخیر الأخرویّ الدائم لکان وجود هذا خیراً من عدمه؛ و العالم الّذی لایتطرّق إلى الشرور و الآفات عالمٌ آخر إلیه رجعى الطاهرات من نفوسنا.

و هذا اللعین مع اشتهاره بالعلم، فی غایة الجهل المرکّب بالعناد! – کما یظهر من إیراده هذه الشبهات -. و کلّ من له مرتبةٌ متوسّطةٌ فی الحکمة یعلم دفعها و حلّها، فضلاً عن الراسخ القدم فی الحکمة المنشرح الصدر بنور الإیمان و المعرفة.

و مع ذلک قال الفخر الرازی إمام المشکّکین ما نقلنا عنه من: «انّه لواجتمع الخلائق کلّهم لم یجدوا مخلصاً عن هذه الشبهات» إلّا بما سمّاه: «الجواب الإلهیّ» – من القول بإبطال الحکمة و إنکار الغایة و نفی المرجّح و السبب الذاتیّ لوجود الأشیاء – شغفاً بمذهب أصحابه و ترویجاً له من القول بالفاعل المختار و الإرادة الجزافیّة. و ذلک لقصوره و قصورهم عن إدراک الحکمة المتعالیة و فهمهم الأنوار العلمیّة و عجزهم عن دفع الأوهام و الشبهات الواردة فی کلّ بابٍ

عقلیٍّ، لأنّ ذلک لایتیسّر إلّا بترک الرغبة إلى الدنیا و مالها و جاهها و الشهرة عند أربابها. و أنّى یتیسّر الوصول إلى نیل الغوامض الإلهیّة و فهم الأسرار الیقینیّة مع هذه الدواعی و الأمراض النفسانیّة و الأغراض الدنیویّة؛ (وَ اللَّهُ یَهْدِی مَنْ یَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ)(144)»(145)؛ انتهى کلام صدر الحکماء.

و أمّا الإضافة فی قوله – علیه السلام -: «لغوایتی و إضلالی» فوجهها ماذکرناه لک مراراً من أنّ له – علیه السلام – مقاماتٍ عدیدةٍ و مراتب کثیرةً؛ کالوجود المنبسط، بل هو عین الوجود المنبسط من حیث الحقیقة – کما مرّ غیر مرّةٍ؛ فتذکّرتفهم! -.

حکایةٌ لطیفةٌ

ظهر إبلیس لعیسى بن مریم – على نبیّنا و علیه السلام – فقال له: «أ لست تقول: لن یصیبک إلّا ما کتب الله لک(146) ؟،

قال: بلى!،

قال: فارم نفسک من ذروة هذا الجبل، فان قدّر لک السلامة تسلم!،

فقال له: یا معلون! الله -تعالى – یختبر عباده و لیس للعبد أن یختبر ربّه!»(147)

و قد بسطنا الکلام فی هذا المقام لأنّه من المهامّ؛ و فیما ذکرنا غنیّةٌ لذوی الألباب من الأنام.

حَتَّى إِذَا قَارَفْتُ مَعْصِیَتَکَ، وَ اسْتَوْجَبْتُ بِسُوءِ سَعْیِی سَخْطَتَکَ، فَتَلَ عَنِّی عِذَارَ غَدْرِهِ، وَ تَلَقَّانِی بِکَلِمَةِ کُفْرِهِ، وَ تَوَلَّى الْبَرَاءَةَ مِنِّی، وَ أَدْبَرَ مُوَلِّیاً عَنِّی، فَأَصْحَرَنِی لِغَضَبِکَ فَرِیداً، وَ أَخْرَجَنِی إِلَى فِنَاءِ نَقِمَتِکَ طَرِیداً. لاَشَفِیعٌ یَشْفَعُ لِی إِلَیْکَ، وَ لاَخَفِیرٌ یُوْمِنُنِی عَلَیْکَ، وَ لاَحِصْنٌ یَحْجُبُنِی عَنْکَ، وَ لاَمَلاَذٌ أَلْجَأُ إِلَیْهِ مِنْکَ.

«قارف» الذنب: خالطه و قاربه و اکتسبه.

«فتل» – بالفاء و التاء المثنّاة -، أی: صرف.

و «العذار»: ما یقع على خدّ الفرس من اللجام و الرسن. و الکلام إستعارةٌ مکنیّةٌ مع الترشیح، شبّه «العذار» بالشخص أو الدابّة بجامع قبول التصرّف و الإنقیاد و أثبت له عذاراً، و رشّح ذلک ب- «الفتل» لملائمته. و یجوز أن یکون أحدهما إستعارةً تخییلیّةً؛ و المعنى: إنّ الشیطان بعد أن أوقفنی فی الذنوب صرف عنّی عنان فرسه و تولّى لإظلال غیری.

و «تلقّانی بکلمة کفره» أی: ناولنی و لاقانی بکلمة کفره؛ إشارةٌ إلى ما حکاه -سبحانه – عنه بقوله -تعالى -: (کَمَثَلِ الشَّیطَانِ إِذْ قَالَ لِلاِْنسَانِ اکْفُرْ فَلَمَّا کَفَرَ قَالَ إِنِّی بَرِیءٌ مِنْکَ)(148) -(149)، و أیضاً إشارةٌ إلى قوله -تعالى – حکایةً عن الشیطان: (إِنِّی کَفَرْتُ بِمَا أَشْرَکْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ)(150) -(151)

و قیل: «کلمة کفره هو قوله للانسان: (اکُْفرْ)».

«فاصحرنی» بمعنى: أخرجنی إلى الصحراء؛ و المراد هنا: جعلنی تائهاً فی بیداء الضلالة متصدّیاً لحلول غضبک علیّ(152) <و هو إستعارةٌ بالکنایة، شبّه نفسه بشخصٍ أخرج إلى

الصحراء فی عدم تمکّنه من الاستتار بشیءٍ یقیه، و جعل إثبات الإصحار له تنبیهاً على ذلک.

و قوله: «فریداً» حالٌ من ضمیر المتکلّم، أی: مؤاخذاً و معاقباً لما قارفته دون غیری.

قوله – علیه السلام -: «و أخرجنی إلى فناء نقمتک طریداً».

«الفِنآء» – بالکسر و المدّ -: السعة أمام الدار؛ و قیل: «ما امتدّ من جوانبها، و منه: فناء الکعبة».

و «النَقِمَة» – مثل کلمة، و تخفّف مثلها -: اسمٌ من نقمت منه – من باب ضرب – و انتقمت أی: عاقبت.

و «الطرد»: الإبعاد، و نصبه على الحال.

قوله – علیه السلام -: «لاشفیع یشفع لی إلیک» جملةٌ حالیّةٌ، أو مستأنفةٌ.

و «لا» لنفی الجنس. و روی فیما بعدها فی الفقرات الأربع على جواز الإلغاء عند التکرار، و على الإعمال – کلیس -، و الفتح على الأصل من جعلها فی المواضع کلّها لنفی الجنس، فیکون مبنیّاً.

و جملة: «یشفع لی» خبر «لا».

قوله – علیه السلام -: «و لاخفیر یؤمننی علیک».

«الخفیر»: المجیر؛ أی: لامحام و مانع یعطی الأمان من العذاب على جنابک، أو: حال کونه مستعلیاً علیک>(153)

قوله – علیه السلام -: «و لاحصن یحجبنی عنک» أی: و لاحصار یمنعنی عن عذابک.

و «لاملاذ ألجأ إلیه منک».

«الملاذ»: الملجأ، یقال: لاذ به أی: لجأ إلیه – کعاذ به -، أی: و لاشخص أو موجودٌ ألتجؤ إلیه من غضبک و عقابک. و مفهوم هذه الفقرة أعمّ من السابقة، لأنّ «الحصن» عدیم الشعور

و «الملاذ» أعمّ منه؛ ففیها الترقّی و المبالغة فی عدم الخلاص بشفاعة الغیر إلّا ماشاء الله.

قال الفاضل الشارح: «و مفاد هذه الفقرات تأکید نفی الاستطاعة عن نفسه و بیان عجزه عن معنى انّ الله -تعالى – إن أراد عذابه لم یکن له شفیعٌ یدرأ عنه العذاب و لامجیر یجیره منه، و لایصحّ أن یکون له حصنٌ یمنعه عنه و لاملاذ یعتصم به منه؛ و هو معنى قوله -تعالى -: (قُلْ إِنِّی لَنْ یُجِیرَنِی مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)(154)»(155)؛ انتهى

کلامه.

فَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِکَ، وَ مَحَلُّ الْمُعْتَرِفِ لَکَ، فَلاَ یَضِیقَنَّ عَنِّی فَضْلُکَ، وَ لاَیَقْصُرَنَّ دُونِی عَفْوُکَ، وَ لاَأَکُنْ أَخْیَبَ عِبَادِکَ التَّائِبِینَ، وَ لاَأَقْنَطَ وُفُودِکَ الامِلِینَ. وَ اغْفِرْ لِی، إِنَّکَ خَیْرُ الْغَافِرِینَ.

«الفاء» للدلالة على ترتّب ما بعدها على ما قبلها.

و «العوذ»: الإعتصام.

و «الإعتراف»: الإقرار. و حذف المعترف به للتعمیم و الإختصار؛ أی: إذا کان الأمر على ماذکرت فمقامی مقام الشخص العائذ بجنابک. یعنی: ینبغی لصاحب هذا الحال أن یلتجىء إلیک، و هذا المحلّ «محلّ المعترف لک» و مقام المقرّ بالتقصیرلک حتّى ترحمه و تغفره، لأنّه لامفرّ له منک إلّا إلیک!.

و «الفاء» من قوله: «فلایضیقنّ» فصیحةٌ.

و «لا» دعائیّةٌ، و أصلها النهی.

و «الضیق»: خلاف الاتّساع.

و «الفضل»: الإحسان.

و «دون» هنا بمعنى: عند، أی: لایقصرنّ عندی عفوک، لأنّ رحمتک وسعت کلّ شیءٍ(156)

و «لا أکن» فیه استعمال «لا» فی فعل المتکلّم، و هو و إن کان نادراً لکن کلامه – علیه السلام – حجّةٌ، فانّه أفصح الفصحاء؛ على أنّه ورد فی کلام الفصحاء. و هی فی هذا تحتمل النهی و الدعاء. و قال الفاضل الشارح: «دون هنا نقیض الفوق. و الکلام فی هذه الفقرات من باب توجیه النهی إلى المسبّب و المراد النهی عن السبب بأبلغ وجهٍ على أسلوب الکنایة. و الأصل: لاتمنعنی واسع فضلک فیضیق عنّی، و لاعفوک فیقصر دونی، و لاتردّنی و تجبهنی فأکون أخیب عبادک التائبین، و لاتحرمنی وفدک فأکون أقنط وفودک الآملین. فعدل عن ذلک إلى توجیه النهی(157) إلى الجرح عن أن یکون فی صدره، و إلى نفسه عن أن یراه. قال النیشابوریّ: «توجیه النهی إلى الحرج کقولهم: لاأرینّک هنا، و المراد نهیه عن کونه بحضرته، فانّ ذلک سبب رؤیته -… إلى آخر کلامه -»(158) -»(159)

و لایخفى انّه طولٌ بلاطائلٍ!.

و «لاأقنط» مأخوذٌ من القنوط، و هو الیأس.

و «الوفود»: جمع وفد بمعنى: جماعةٍ بتوجّهون إلى موضعٍ یرجى نیل مرادهم منه.

و المقصود من أفعل التفضیل هنا <أصل الفعل، لا الزیادة، إذ لیس فی عباده التائبین خائبٌ و لا فی وفود الآملین قانطٌ، فهو کقولهم: «نصیب أشعر الحبشة» أی: شاعرهم، إذ لاشاعر فیهم غیره.

و قوله – علیه السلام -: «و اغفر لی إنّک خیر الغافرین» تعلیلٌ و مزید استدعاءٍ للإجابة>(160)

اللَّهُمَّ إِنَّکَ أَمَرْتَنِی فَتَرَکْتُ، وَ نَهَیْتَنِی فَرَکِبْتُ.

قیل: «أی: انّک – یا إلهی! – جعلتنی مأموراً بالعبادة فترکت تلک العبادة المأمور بها، و جعلتنی منهیّاً عن المعصیة فارتکبت تلک المعصیة المنهیّ عنها».

و قال الفاضل الشارح: «تأکید الجملة لغرض کمال قوّة اعترافه بمضمونها. و لم یتعرّض لمتعلّق الأمر و الترک و لاالنهی و الرکوب، إمّا لظهور انّ المراد: أمرتنی بالخیر و الإحسان فترکت ما أمرتنی و نهیتنی عن الفحشاء و المنکر فرکبت ما نهیتنی عنه – بدلیل: (إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدلِ وَ الاِحسَانِ وَ إِیتَاءِ ذِی الْقُربَى وَ یَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ الْبَغْیِ)(161) -، و إمّا لأنّ المراد: وجد منک الأمر و النهی لی(162) فوجد منّی الترک و الرکوب – کقولهم: أمرته فعصانی -. قال الزمخشریّ: «المأمور به فی هذا الکلام غیر مدلولٍ علیه و لامنویٍّ، لأنّ من یتکلّم بهذا الکلام فانّه لاینوی لأمره(163) مأموراً به، و کأنّه یقول: کان منّی أمرٌ فلم تکن منه طاعةٌ؛ کما انّ من یقول: فلانٌ یعطی و یمنع و یأمر و ینهی غیر قاصدٍ إلى مفعولٍ»؛ انتهى. و هذا الوجه أولى»(164)؛ انتهى کلامه.

أقول: الظاهر انّ عدم التعرّض لمتعلّق الأمر و الترک و النهی لیعمّ المأمور و المنهیّ و المتروک التکلیفیّة و غیرها؛ فتبصّر!.

وَ سَوَّلَ لِیَ الْخَطَاءَ خَاطِرُ السُّوءِ فَفَرَّطْتُ.

مأخوذٌ من «التسویل» بمعنى: التزیین؛ و فی القاموس: «سوّلت له نفسه کذا: زیّنت، و سوّل له الشیطان: أغواه»(165)

و «الخَطَأ» – بفتحتین -: ضدّ الصواب.

و «الخاطر»: ما یمرّ بالبال، و لمّا کان ینقسم إلى حسنٍ و قبیحٍ – کما سبق الکلام علیه –

قیّده – علیه السلام – بالإضافة إلى «السوء»، و هو فاعلٌ ل- «سوّل»؛ أی: السوء الّذی خطر ببالی. و تقدیم المفعول – أعنی: الخطأ – علیه للإهتمام به من حیث إنّه نصب عینیه و إنّ إلتفات خاطره إلیه أشدّ.

«ففرّطت» أی: فصار سبباً لتقصیری فی إمتثال المأمورات.

وَ لاَأَسْتَشْهِدُ عَلَى صِیَامِی نَهَاراً، وَ لاَأَسْتَجِیرُ بِتَهَجُّدِی لَیْلاً، وَ لاَتُثْنِی عَلَیَّ بِإِحْیَائِهَا سُنَّةٌ حَاشَا فُرُوضِکَ الَّتِی مَنْ ضَیَّعَهَا هَلَکَ.

«الواو» عاطفةٌ.

<و «التهجّد»: تفعّلٌ من الهجود؛ قال الجوهریّ: «هجد و تهجّد أی: نام لیلاً، و هجد و تهجّد أی: سهر، و هو من الأضداد. و منه قیل لصلاة اللیل: التهجّد»(166) و هو مطابقٌ لقول علیّ بن إبراهیم: «التهجّد: صلاة اللیل»(167) >(168)

و قوله: «نهاراً» منصوبٌ <إمّا على المفعولیّة ل- «أستشهد» أو لل- «صیام»، و مفعول الفعل محذوفٌ؛ أی: لاأستشهد الملائکة أو الرسل على أنّی صمت نهاراً(169) و قد عرفت شهادة الأیّام فیما تقدّم>(86)

و کذلک قوله: «لیلاً» متعلّقٌ ب- «تهجّدی»، أی: و لاتهجّدت لیلاً تهجّداً مقبولاً فأستجیر به.

و قیل: «کلٌّ من «النهار» و «اللیل» مفعولٌ به لا ظرفٌ، و التقدیر: لاأستشهد نهاراً على صیامی و لا أستجیر لیلاً بتهجّدی، أی: لاأطلب من نهارٍ أن یشهد لی على صیامی فیه و لا أطلب من لیلٍ أن یجیرنی بسبب تهجّدی فیه».

و قال الفاضل الشارح: «و العبارة تحتمل معنىً آخر لم یتعرّض له أحدٌ، و لعلّه أنسب ممّا ذکر؛ و هو: أن یکون المراد بقوله – علیه السلام -: «لاأستشهد» و «لاأستجیر»: لایکون منّی استشهادٌ و لااستجارةٌ، تنزیلاً للمتعدّی منزلة اللازم من غیر اعتبار تعلّقه بمستشهدٍ و مستجارٍ عامٍّ أو خاصٍّ – على حدّ قولهم: «من یسمع یخل»، أی: یکن منه خیلةٌ أو ظنٌّ -. و «نهاراً» و «لیلاً» منصوبان على الظرفیّة لل- «صیام» و «التهجّد»، و المعنى: لایکون منّی استشهادٌ على صیامی فی نهارٍ و لایکون منّی استجارةٌ بسبب تهجّدی فی لیلٍ. و غرضه نفی الصیام و التهجّد مطلقاً من باب نفی الشیء بلازمه، أی: لاصیام لی فی نهارٍ فأستشهد علیه و لاتهجّد لی بلیلٍ فأستجیر بسببه – کقوله:

وَ لاَتَرَى الضّبَّ بِهَا یَنجَحِرُ

أی: لاضبّ و لاانحجار -.

فان قلت: الصیام لایکون إلّا نهاراً و التهجّد لایکون إلّا لیلاً، فما فائدة حملهما على الظرفیّة؟

قلت: فائدته الدلالة على البعضیّة من حیث الإفراد بما فیهما من التنکیر الدالّ على البعضیّة، فانّ قولک: رکبت نهاراً و سرت لیلاً یفید بعضیّة زمان سیرک من الأیام و اللیالی؛ ألاَ ترى انّ المحقّقین من المفسّرین قالوا فی قوله -تعالى -: (سُبحَانَ الَّذِی أَسْرَى بِعَبدِهِ لَیْلاً)(170): «إنّ قوله: (لَیْلاً) مع أنّ الإسراء إنّما یکون لیلاً لإفادة قلّة زمان الإسراء بما فیه من التنکیر الدالّ على البعضیّة من حیث الأجزاء و دلالته على البعضیّة من حیث الأفراد؛ فانّ قولک: سرت لیلاً کما یفید بعضیّة زمان سیرک من اللیالی یفید بعضیّةً من فردٍ واحدٍ منها، بخلاف ما إذا قلت: سرت اللیل، فانّه یفید استیعاب السیر له جمیعاً، فیکون معیاراً للسیر لا ظرفاً له(171)؛ و الله أعلم!»(172)؛ انتهى کلامه.

و لایخفى بعده!.

قوله – علیه السلام -: «و لاتثنی علیّ بإحیائها سنّةٌ» من «الثناء»، و هو: المدح؛ و فاعله: «سنّةٌ»؛ و ضمیر «إحیائها» راجعٌ إلى «السنّة»، و الإضمار قبل الذکر لفظاً دون رتبةً جائزٌ.

و «الباء» للسببیّة – أی: بسبب إحیائها -، و تقدیمه على الفاعل للغایة و الإهتمام. و إسناد «الثناء» إلى «السنّة» مجازٌ عقلیٌّ من باب إسناد الشیء إلى سببه؛ أو إستعارةٌ بالکنایة.

قوله – علیه السلام -: «حاشا فروضک الّتی من ضیّعها هلک».

«حاشا» عند سیبویه حرفٌ لا غیر بمنزلة إلّا، لکنها تجرّ المستثنى؛ و عند المازنیّ و المبرّد و الأخفش قد یکون فعلاً متعدّیاً جامداً – لتضمّنه معنى «إلّا» – فینصب(173)؛ و من قرء «فروضَک» – بالنصب، کما فی بعض النسخ(174) – فقد بنى على مذهبهم. و المعنى: لم أحیى سنةً مع إمکان إحیائها فکیف یمکننی إحیاء فروضک الّتی هی مستغنیةٌ عن الإحیاء، بل لازمٌ وجودها بحیث من ضیّعها هلک – یعنی: من ترکها صار من الهالکین -.

وَ لَسْتُ أَتَوَسَّلُ إِلَیْکَ بِفَضْلِ نَافِلَةٍ مَعَ کَثِیرِ مَا أَغْفَلْتُ مِنْ وَظَائِفِ فُرُوضِکَ، وَ تَعَدَّیْتُ عَنْ مَقَامَاتِ حُدُودِکَ إِلَى حُرُمَاتٍ انْتَهَکْتُهَا، وَ کَبَائِرِ ذُنُوبٍ اجْتَرَحْتُهَا، کَانَتْ عَافِیَتُکَ لِی مِنْ فَضَائِحِهَا سِتْراً.

«أتوسّل» أی: أتقرّب، من: توسّل إلى ربّه بعملٍ: تقرّب إلیه به.

<و «الفضل»: الزیادة، و هو خلاف النقص. و یطلق على الکمال و الشرف و الدرجة

الرفیعة – کالفضیلة -.

و «النافلة»: من النفل، و هو لغةً: الزیادة؛ و شرعاً: اسمٌ لما شرّع زیادةً فی العبادات على المفروضات، و یسمّى: مندوباً و مستحبّاً و تطوّعاً. و تنوینها للتفخیم؛ أی: نافلةٍ یعتدّ بها.

«مع» ظرفٌ متعلّقٌ ب- «أتوسّل».

و «أغفلت» الشیء إغفالاً: ترکته من غیر نسیانٍ، و المفعول محذوفٌ، أی: أغفلته.

و «من» بیانیّةٌ.

و «الوظائف»: جمع وظیفة. و هی ما یقدّر من عملٍ و رزقٍ و نحو ذلک، و تطلق على الشرط – کما فی القاموس(175) -، و لعلّه المراد هنا بقرینة استثناء الفروض سابقاً، فیکون المراد آدابها و شرائط قبولها>(176) و إن جعلت الإضافة للبیان فاحمل قوله – علیه السلام -: «حاشا فروضک» على عدم الترک رأساً.

و «تعدّیت» الشیء: تجاوزته إلى غیره. و إنّما عدّاه ب- «عن» لتضمینه معنى الإعراض و الصدّ.

و «المقامات»: جمع مقامة، و هی بالفتح: القیام و موضعه، و بالضمّ: الإقامة و موضعها؛ و الروایة فی الدعاء وردت بالوجهین.

و المراد ب- «الحدود» هنا: الواجبات، و إنّما سمّیت الواجبات بحدود الله لأنّها حدودٌ و نهایاتٌ لیس لأحدٍ التجاوز عنها. و إضافة «المقامات» إلیها إمّا بمعنى المصدر – من قام الأمر و أقامه: إذا حفظه و لم یضیّعه -، أو بمعنى: الموضع – أی: مواضع قیامها، أو إقامتها -.

و قوله – علیه السلام -: «إلى حرماتٍ انتهکتها» <متعلّقٌ ب- «تعدّیت»، یقال: تعدّیت هذا الأمر إلى غیره أی: جاوزته إلیه.

و «الحرمات»: جمع حُُرُْمة – بالضمّ و بضمّتین -، و هی: ما لایحلّ انتهاکه. و «حرمات الله» قیل: «فروضه»؛

و قیل: «ما وجب القیام به و حرم التفریط فیه»(177)؛

و قیل: «ما حرّمه و أمر باجتنابه، من: حرُم الشیء – بالضمّ -: إذا امتنع فعله. و هی فی الأصل اسمٌ من الإحترام – کالفرقة من الإفتراق -».

و «انتهک الحرمة»: تناولها بما لایحلّ، و أصله من: النهک – و هو المبالغة فی کلّ شیءٍ، فکأنّ المنتهک للحرمة بالغ فی خرق محارم الشرع و إتیانها ->(178)

أقول: الظاهر انّ المراد من «الحرمة» المعنى الأعمّ، فیشمل کلّ حرامٍ جعله الله حدّاً من حدوده و مقاماً لایجوز التعدّی عنه – کتزویج الأربع و ما أشبهه -، قال الله -تعالى -: (تِلکَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَتَعتَدُوهَا)(179)، و منه الحدود (فَلاَتَقرَبُوهَا)(180)، فمن قرب منها فقد تعدّى عن مقامٍ أمر بالوقوف علیه – و هو ما دون القرب -.

و «اجترح» الذنب: اکتسبه، أخذاً من الجوارح – أی: أعضاء الإنسان الّتی یکتسب بها، لأنّه یعمل بجوارحه -. ف- «کبائر ذنوبٍ اجترحتها» أی: اکتسبتها، عطفٌ على «حرمات».

و قوله: «کانت عافیتک لی من فضائحها» جملةٌ فی محلّ الجرّ صفةٌ أخرى ل- «کبائر الذنوب».

و «العافیة» بمعنى: العفو – کالخاتمة بمعنى الختم، و الکذبة بمعنى الکذب -.

و «الفضائح»: جمع فضیحة، و هی کشف المساوی و المعایب.

و کلمة «لی» متعلّقةٌ ب- «العافیة».

<و «من فضائحها» یحتمل تعلّقه بها أیضاً، و هو الظاهر؛ و یحتمل أن یکون متعلّقاً

بقوله: «ستراً»، و هو و إن کان اسماً لما یستر به إلّا أنّه یصحّ التعلّق به لتأوّله بساتر المشبّه للفعل>(181)

و قد قدّمنا فی اللمعات السابقة وجه صدور هذه الکلمات عن أهل بیت العصمة؛ فلیرجع إلیها.

وَ هَذَا مَقَامُ مَنِ اسْتَحْیَا لِنَفْسِهِ مِنْکَ، وَ سَخِطَ عَلَیْهَا، وَ رَضِیَ عَنْکَ، فَتَلَقَّاکَ بِنَفْسٍ خَاشِعَةٍ، وَ رَقَبَةٍ خَاضِعَةٍ، وَ ظَهْرٍ مُثْقَلٍ مِنَ الْخَطَایَا وَاقِفاً بَیْنَ الرَّغْبَةِ إِلَیْکَ وَ الرَّهْبَةِ مِنْکَ. وَ أَنْتَ أَوْلَى مَنْ رَجَاهُ، وَ أَحَقُّ مَنْ خَشِیَهُ وَ اتَّقَاهُ، فَأَعْطِنِی – یَا رَبِّ! – مَا رَجَوْتُ، وَ آمِنِّی مَا حَذِرْتُ، وَ عُدْ عَلَیَّ بِعَائِدَةِ رَحْمَتِکَ، إِنَّکَ أَکْرَمُ الْمَسْؤُولِینَ.

أی: مقامی هذا مقام من استحیا منک – یا إلهی! – لشماتة نفسه بسبب وقوعها فی القبائح، و غضب على نفسه الخاطئة لسقوطها فی ورطة المعصیة، لأنّ استحیاءه لنفسه منه -سبحانه – عبارةٌ عن زجره لها و کفّها عن ارتکاب ما لایرضاه.

«فتلقّاک»، و فی نسخة الشهید -رحمه الله – ب- «الواو»، أی: استقبلک ذلک الشخص القائم بین یدیک بکلّیّته إلیک «بنفسٍ خاشعةٍ» متذلّلةٍ خاضعةٍ، و «رقبةٍ» متطامنةٍ متواضعةٍ، و «ظهرٍ» قد أثقلته «الخطایا» و المعاصی المفضحة حالکونه متوقّفاً «بین الرغبة إلى» ثوابک – نظراً إلى رحمتک – و «الرهبة من» عقابک – نظراً إلى أعماله.

و الحاصل أن یکون متوقّفاً بین الخوف و الرجاء بحیث لایزید هذا على ذلک و لاذاک على هذا. قال بعض العارفین: «الرجاء و الخوف کجناحی الطائر؛ إذا استویا استوى الطائر فتمّ طیرانه، وإذا نقص أحدهما کان جاذباً له فسقط على رأسه، و إذا ذهب هلک الطائر»(182)؛

و قال أبوعثمان المغربیّ: «من حمل نفسه على الرجاء تعطّل، و من حمل نفسه على الخوف قنط؛ و لکن ینبغی أن یخاف العبد راجیاً و یرجو خائفاً»(183)؛

و قال الشیخ عبدالله الأنصاریّ: «الرجاء على ثلاث درجاتٍ:

الدرجة الأولى: رجاءٌ یبعث العامل على الإجتهاد، و یولّد التلذّذ بالخدمة، و یوقظ الطباع بالسماحة(184) بترک المناهی؛

الدرجة(185) الثانیة: رجاء أرباب الریاضات أن یبلغوا موقفاً تصفو فیه همّهم(186) برفض الملذوذات و لزوم شرط العلم و استقصاء حدود الحمیّة؛

الدرجة(185) الثالثة: رجاء أرباب القلوب؛ و هو رجاء لقاء الحقّ، الباعث على الإشتیاق، المنغّض للعیش، المزهّد فی الخلق»(187)؛

و فی الحسن عن أبی عبدالله – علیه السلام – قال: «کان أبی یقول: ما(188) من عبدٍ مؤمنٍ إلّا و فی قلبه نوران: نور خیفةٍ و نور رجاءٍ، لو وزن هذا لم یزد على هذا ولو وزن هذا لم یزد على هذا»(189)

قال بعض العرفاء: «الخوف خوفان: خوف العقاب، و خوف الجلال. و الأوّل نصیب أهل الظاهر، و الثانی نصیب أهل القلب. و الأوّل یزول و الثانی لایزول».

أقول: و هکذا ینقسم الرجاء إلى: رجاء الثواب، و رجاء الله؛ و الأوّل نصیب أهل الحجاب، و الثانی نصیب أهل الیقین. أمّا خوف اهل القلب فهو قوله -تعالى -: (إِنَّمَا یَخشَى

اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(190)، و قوله: (ذَلِکَ لِمَنْ خَشِیَ رَبَّهُ)(191)، و قوله: (وَ یُحَذِّرُکُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)(192)، و قوله: (وَ إِیَّایَ فَاتَّقُونِ)(193)؛

و أمّا خوف أهل الظاهر فقوله: (ذَلِکَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِی وَ خَافَ وَعِیدِ)(194)؛

و أمّا رجاء أهل الیقین فقوله: (یَرجُوا اللَّهَ وَ الْیَومَ الاخِرَ)(195)؛

و أمّا رجاء أهل الظاهر فقوله: (وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاَمْرِ اللَّهِ)(196)؛

و قد جمع رسول الله – صلّى الله علیه و آله و سلّم – بین خوف العقاب و خوف الجلال و خوف الجمال و مقابل کلٍّ منها فی دعائه حیث کان یقول: «أللهمّ إنّی أعوذ بعفوک من عقابک، و برضاک من سخطک، و بک منک»(197) تنبیهاً على منازل الخلق و تفاوت أحوالهم فی الرغبة و الرهبة.

و اعلم! أنّ الرجاء ینشأ من الجمال، و الخوف من الجلال؛ و لمّا کان الإنسان مظهراً لهما بحسب الفطرة الإنسانیّة فیجب أن یکونا مجتمعین فی القلب غیر منفکٍّ أحدهما عن صاحبه. فمن آیات الخوف قوله -سبحانه -: (وَ إِیَّایَ فَارْهَبُونِ)(198)، و قوله: (وَ إِیَّایَ فَاتَّقُونِ)(193)، و قوله: (أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاکُمْ عَبَثاً وَ أَنَّکُمْ إِلَینَا لاَتُرجَعُونَ)(199)، و قوله: (أَ یَحْسَبُ الاِنسَانُ أَنْ یُترَکَ سُدىً)(200)، و قوله: (أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لاَیُفتَنُونَ)(201) -… إلى غیر ذلک من الآیات -؛

و من آیات الرجاء قوله: (لاَتَقْنَطوُا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً)(202)، (وَ مَنْ یَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ)(203)، (غَافِرِ الذَّنبِ وَ قَابِلِ التَّوبِ)(204)، (وَ هُوَ الَّذِی یَقبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ یَعفُوا عَنِ السَّیِّئَاتِ)(205)، (کَتَبَ رَبُّکُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(206)، (وَ رَحْمَتِی وَسِعَتْ کُلَّ شَیْءٍ)(207)؛

و قال سهل التستریّ: «الخوف ذکرٌ و الرجاء أنثى» – أی: منهما یتولّد حقائق الإیمان -.

قوله – علیه السلام -: «و أنت أولى من رجاه» حالٌ بعد حالٍ، أی: و أنت – یا إلهی ! – من بین المرجوّین أولى بالرجاء، لأنّ رجاء المرجوّین منک.

و «أحقّ من خشیه» الخاشون و «اتّقاء» المتّقون، لأنّ خشیة الخاشین و اتّقاء المتّقین منک. و هذه بمنزلة التفسر للجملة السابقة.

و «الفاء» من قوله: «فاعطنی» سببیّةٌ، أی: إذا کنت متوقّفاً بین الخوف و الرجاء فاعطنی – یا ربّ! – مارجوت – أی: ما رجوته منک، بحذف العائد -.

و «آمنّی ما حذرت» أی: اجعلنی مأموناً ممّا حذرته.

و «العائدة»: العطف و المنفعة، أی: تکرّم علیّ بمکرمتها و منفعتها.

و الجملة من قوله – علیه السلام -: «إنّک أکرم المسؤولین» تعلیلٌ للدعاء و مزید استدعاءٍ للإجابة.

اللَّهُمَّ وَ إِذْ سَتَرْتَنِی بِعَفْوِکَ، وَ تَغَمَّدْتَنِی بِفَضْلِکَ فِی دَارِ الْفَنَاءِ بِحَضْرَةِ الاَکْفَاءِ فَأَجِرْنِی مِنْ فَضِیحَاتِ دَارِ الْبَقَاءِ عِنْدَ مَوَاقِفِ الاَشْهَادِ مِنَ الْمَلاَئِکَةِ الْمُقَرَّبِینَ، وَ الرُّسُلِ الْمُکَرَّمِینَ، وَ الشُّهَدَاءِ وَ الصَّالِحِینَ، مِنْ جَارٍ

کُنْتُ أُکَاتِمُهُ سَیِّئَاتِی، وَ مِنْ ذِیرَحِمٍ کُنْتُ أَحْتَشِمُ مِنْهُ فِی سَرِیرَاتِی. لَمْ أَثِقْ بِهِمْ رَبِّ فِی السِّتْرِ عَلَیَّ، وَ وَثِقْتُ بِکَ رَبِّ فِی الْمَغْفِرَةِ لِی، وَ أَنْتَ أَوْلَى مَنْ وُثِقَ بِهِ، وَ أَعْطَى مَنْ رُغِبَ إِلَیْهِ، وَ أَرْأَفُ مَنِ اسْتُرْحِمَ، فَارْحَمْنِی.

«إذ» للتعلیل – کقوله تعالى: (وَ إذِ اعْتَزَلُتمُوهُمْ وَ مَا یَعبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْکَهْفِ)(208) -.

و فی أنّها <حرفٌ بمنزلة لام العلّة أو ظرفٌ - و التعلیل مستفادٌ من قوّة الکلام لا من اللفظ - قولان، الأوّل منسوبٌ إلى سیبویه. و استشکل الثانی بأنّ «إذ» لما مضى من الزمان و قوله: «فأجرنی» - فی عبارة الدعاء - و قوله: (فَأْوُوا) - فی الآیة - مستقبلٌ؛ و هما متنافیان لایجتمعان!.

و حمل الرضیّ ذلک على إجراء الظرف مجرى کلمة الشرط؛ قال: «و أمّا قوله -تعالى -: (وَ إِذْ لَمْ یَهتَدُوا بِهِ فَسَیَقُولُونَ)(209)، و قوله: (وَ إِذِ اعْتَزَلُْتمُوهُمْ وَ مَا یَعبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْکَهْفِ)(210)، و قوله: (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تَابَ اللَّهُ عَلَیکُمْ فَأَقِیمُوا الصَّلاَةَ)(211) فلإجراء الظرف مجرى کلمة الشرط – کما ذکره سیبویه فی نحو(212): زیدٌ حین لقیته فأنا أکرمه(213) -، و هو(214) فی إذا مطّردٌ»(215)؛ قال: «و یجوز أن یکون من باب (وَ الرُّجزَ فَاهْجُرْ)(216) – أی: ما أضمر فیه أمّا -. و إنّما جاز إعمال المستقبل – الّذی هو (فَسَیَقُولُونَ)، و(أوُوا)، و (أَقِیمُوا) – فی الظرفیّة الماضیة – الّتی هو (إِذْ لَمْ یَهتَدُوا)، و (إِذِ اعْتَزَلُتمُوهُمْ)، و (إِذْ لَمْ تَفعَلُوا) – و إن کان وقوع

المستقبل فی الزمن الماضی محالاً، لما ذکرنا فی نحو «أمّا زیدٌ فمنطلقٌ» من: انّ الغرض المعنویّ هو قصد الملازمة حتّى کأنّ هذه الأفعال المستقبلة وقعت فی الأزمنة الماضیة و صارت لازمةً لها، کلّ ذلک لقصد المبالغة»(217)؛ انتهى.

و قال أبوالبقاء فی إعراب قوله -تعالى -: (فَإِذْ لَمْ تَفعَلُوا وَ تَابَ اللَّهُ عَلَیکُمْ): «قیل: إذ بمعنى: إذا؛ و قیل: هی بمعنى: إن؛ و قیل: هی على بابها ماضیةٌ، و المعنى: انّکم ترکتم ذلک فیما مضى فتدارکوه بإقامة الصلاة»؛ انتهى>(218)

و «الباء» من قوله: «بعفوک» تحتمل الاستعانة، و السببیّة، و الملابسة(219)؛ هکذا ذکر

الفاضل الشارح.

قوله – علیه السلام -: «و تغمّدتنی» من: الغمد بمعنى: الغلاف، و المراد: الستر فی دار الفناء – یعنی دار الدنیا، لما عرفت من عدم ثباتها و قرارها -.

و «الباء» من قوله: «بحضرة الأکفاء» ظرفیّةٌ.

و «الأکفاء»: جمع کفؤ – مثل قفل -، و هو: المثل و النظیر و المساوی؛ أی: بحضور الأمثال و الأشباه.

و «دار البقاء» أی: الآخرة – لما عرفت أیضاً من ثباتها و قرارها و دوامها -.

و «الأشهاد»: جمع شهید – کشریف و أشراف -، و هو فعیلٌ بمعنى فاعلٍ، من شهدت المجلس أی: حضرته؛ أی: عند مواضع وقوف الحاضرین. یعنی: کما سترت عیوبی فی الدنیا الفانیة من الأمثال و الأقران و لم تفضحنی و تجاوزت عنّی من غیر استحقاقٍ منّی فکذا خلّصنی و احفظنی من فضائح الآخرة على رؤوس الأشهاد فی المحشر.

ثمّ بیّن – علیه السلام – الأشهاد – و هم الشاهدون – فی القیامة بقوله: «من الملائکة المقرّبین».

ف- «من» بیانیّةٌ.

و «المقرّبون» إمّا صفةٌ لمجرّد المدح – على أنّ المراد بالملائکة مطلقهم، لأنّهم جمیعهم مقرّبون، لتجرّدهم عن المادّة و المادّیّات و تنزّههم عن الجسم و الجسمانیّات و قربهم من خالق البریّات -؛ و إمّا للتوضیح – على أنّ المراد بهم نوعٌ خاصٌّ، کما عرفت سابقاً من أنّهم أنواعٌ کثیرةٌ و قبائل مختلفةٌ أولاها الملائکة المقرّبون، کما قال تعالى: (لَنْ یَسْتَنْکِفَ الْمَسِیحُ أَنْ یَکُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لاَ الْمَلاَئِکَةُ الْمُقَرَّبُونَ)(220)، و المراد بهم هم الملائکة المهیّمون -.

و «المکرّمین» بصیغة اسم المفعول من باب التفعیل، أو باب الإفعال؛ یقال: کرّمه تکریماً أو أکرمه إکراماً: <عظّمه و خصّه بفضیلةٍ دون غیره.

و «الشهداء»: جمع شهید، و هو: من قتله الکفّار فی الحرب – و قد تقدّم -.

و «الصالحین»: جمع صالح>(221)، و هو المقیم بما یلزمه من حقوق الله -سبحانه – و حقوق الناس.

قوله – علیه السلام -: «من جارٍ کنت أکاتمه سیّئاتی»، <قال بعضهم: «هو و ما بعده بیانٌ لل- «أکفاء»، و کونه لل- «صالحین» غیر مناسبٍ لمقام عموم الصالحین و ماقبله. و تعلّقه ب- «فضیحات» - بمعنى: أجرنی من فضیحاتی من الجار و مابعده - محتملٌ على بعدٍ»؛ انتهى.

و قول بعضهم: «إنّ «من» للتعلیل»؛

أبعد!. و الظاهر>(222) انّه یمکن أن یکون بیاناً لل- «أکفاء» أو لل- «صالحین»، أو متعلّقاً بقوله: «فضیحات» أی: فضیحاتٌ لحقتنی من جهة جارٍ.

قوله – علیه السلام -: «أکاتمه» أی: کنت أکتم سیّئاتی منه و هو یکتم سیّئاته منّی فی دار الدنیا.

و «أحتشم منه فی سریراتی» أی: استحیی من اطّلاعه على خفیّات حالی.

قوله – علیه السلام -: «لم أثق بهم – ربّ! – فی الستر علیّ» یعنی: لم أعتمد بالجارّ و الأقرباء فی ستر المعایب علیّ، بل خفت منهم أن یظهروا أسراری. فالضمیر من «بهم» عائدٌ إلى المعنى، لأنّ المراد بالجارّ و ذی الرحم الجنس، و لو أعید إلى الملفوظ به لثنّاه.

قوله: «و وثقت بک – ربّ! – فی المغفرة لی» أی: و اعتمدت على عفوک و غفرانک لی.

قوله – علیه السلام -: «و أنت أولى من وثق به» أی: و أنت أولى الموثّقین من بینهم، لأنّ وثوق الموثّقین منک.

و «أعطى من رغب إلیه» أی: <أکثر من سئل و رجی عطاءً. و فیه شاهدٌ على بناء أفعل التفضیل من أفعل مع کونه ذا زیادةٍ، و هو قیاسٌ عند سیبویه(223) قال الرضیّ: «و یؤیّده کثرة الإستعمال - کقولهم: هو أعطاهم للدینار و أولاهم للمعروف، و أنت أکرم لی من فلانٍ -»(224) و هو عند غیر سیبویه سماعیٌّ مع کثرته»>(225)

قوله: «و أرؤف من استُرحِمَ» – بصیغة المجهول -، أی: من یطلب منه الرحم.

و «الرأفة»: أشدّ الرحمة. و قیل: «الرحمة أکثر من الرأفة و الرأفة أقوى منها فی الکیفیّة، لأنّها عبارةٌ عن إیصال النعم صافیةً عن الألم، و الرحمة إیصال النعم مطلقاً»(226)

و «الفاء» من قوله: «فارحمنی» للسببیّة، أی: إذا کنت کذلک فارحمنی.

اللَّهُمَّ وَ أَنْتَ حَدَرْتَنِی مَاءً مَهِیناً مِنْ صُلْبٍ مُتَضَایِقِ الْعِظَامِ، حَرِجِ الْمَسَالِکِ إِلَى رَحِمٍ ضَیِّقَةٍ سَتَرْتَهَا بِالْحُجُبِ، تُصَرِّفُنِی حَالاً عَنْ حَالٍ. حَتَّى انْتَهَیْتَ بِی إِلَى تَمَامِ الصُّورَةِ، وَ أَثْبَتَّ فِیَّ الْجَوَارِحَ کَمَا نَعَتَّ فِی کِتَابِکَ: نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عَظْماً ثُمَّ کَسَوْتَ الْعِظَامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْتَنِی

خَلْقاً آخَرَ کَمَا شِئْتَ.

«الإحدار»: الحرکة من العلو إلى السفل بالتدریج؛ و فی الصحاح: «حدرت السفینة أحدرها حدراً(227): أرسلتها إلى السفل؛ و لایقال: أحدرتها»(228)

و «ماءً» نصب على الحال.

و «المَهین» – بفتح المیم -: فعیلٌ من: مهُن الشیء – بالضمّ – مهانةً أی: حقر و ضعف.

و «الصلُْب» – بسکون اللام و ضمّها -: الظهر. و قیل: «عظمٌ یبتدىء من حدّ عظم الرأس المؤخّر و ینتهی إلى عظم العصعص»(229)

<قال صاحب الکامل: «و عظم الصلب ینقسم إلى أربعة أجزاء:

أحدها: العنق، و هو الرقبة؛

و الثانی: الظهر؛

و الثالث یقال له: القطن؛

و الرابع: العجز، و هو العظم العریض. أمّا العنق فمرکّبٌ من سبع فقراتٍ؛ و أمّا الظهر فمرکّبٌ من إثنتی عشرة فقرة؛ و أمّا الحقو فمرکّبٌ من خمس فقرات؛ و أمّا العجز فمرکّبٌ من جزئین: أحدهما یسمّى: خاصّة عظم العجز – و هو عظمٌ عریضٌ یتّصل بالفقرة الآخرة من فقار الحقو -، و الثانی یقال له: العصعص، و هو مؤلّفٌ من ثلاثة عظامٍ شبیهةٍ بالغضروف»؛ انتهى ملخّصاً.

و سمّی «الصلب» صلباً لصلابته. قال الشیخ الرئیس فی القانون: «انّ الصلب خلق لیکون مبنىً لجمیع عظام البدن، مثل الخشبة الّتی تهیّأت فی نجر السفینة أوّلاً ثمّ یرکّز فیها و

یربط بها سائر الخشب ثانیاً، و لذلک خلق الصلب صلباً»(230)؛ انتهى.

و «المتضائق»: اسم فاعلٍ من التضایق، قال الجوهریّ: «تضائق القوم: إذا لم یتّسعوا فی خُلُقٍ أو مکانٍ»(231) و المراد ب- «تضائق العظام من الصلب»: اتّصال فقراته کلٍّ منها بالآخر – أی: اتّصالاً مفصلیّاً – و دخول کلّ واحدةٍ منها فی حفرةٍ معمولةٍ فی الأخرى – کما شرح فی علم التشریح -. فکأنّ العظام ضائقٌ بعضها بعضاً لتلاصقها و انتظامها حتّى کأنّها عظمٌ واحدٌ>(232)

و «الحَرِج» – بالحاء المهملة المفتوحة و الراء المکسورة و آخره جیمٌ، على وزن کَتِف -: صفةٌ مشبهة من الحَرَج – بفتحتین -، و هو الضیق.

و «المسالک»: جمع مسلک، و هو الطریق. و المعنى: اسقطتنی حال کونی ماءً ذلیلاً من الظهر الّذی فقراته متطابقةٌ ضیّقةٌ طرقها.

قال الفاضل الشارح: «إسناد «الحدر» إلى الله -تعالى – من باب إسناد الفعل إلى سببه الأوّل، إذ کان -تعالى – هو الأوّل فی وجوده و وجود سائر أسبابه. و کون الماء من الصلب إمّا باعتبار انّ مبدء ماء الرجل من صلبه – لأنّ مادّته من النخاع الآتی من الدماغ و ینحدر فی فقرات الصلب إلى العصعص، کما ذهب إلیه جمٌّ غفیرٌ -، و أمّا باعتبار کون الدماغ أعظم الأعضاة معونةً فی تولید المنیّ و ممرّه من الصلب. قال الرئیس فی القانون: «أبقراط یقول ما معناه: انّ جمهور مادّة المنیّ هو من الدماغ، و انّه ینزل فی العرقین اللّذین خلف الأذنین و لذلک یقطع فصدها النسل و یورث العقر. و یکون دمه لیّناً(233) و وصلا بالنخاغ لئلّا یبعدا عن الدماغ – و ما یشبهه – مسافةً طویلةً فیتغیّر مزاج ذلک الدم(234)، بل یصبّان إلى النخاع ثمّ إلى

الکلیة ثمّ إلى العروق الّتی تأتی الأنثیین»(235)؛ انتهى. فیکون الصلب ممرّاً للمنیّ لا مبدءً له. وتخصیصه بالذکر على هذا لکونه عمود البدن – کما تقدم -؛ و الله أعلم!»(236)؛ انتهى کلام

الفاضل الشارح.

أقول: قد حقّقنا سابقاً انّ شأن الأشیاء لیس إلّا الإعداد و التهیئة، و أن لامؤثّر فی الوجود إلّا الله -تعالى -. فإسناد «الحدر» إلى الله على سبیل الحقیقة.

و أمّا قوله: «و کون الماء من الصلب إمّا باعتبار انّ -… إلى آخره -» فالتحقیق فیه: انّه قد اختلفت الحکماء و الأطبّاء فی أنّ إنفصال المنیّ عن جمیع الأعظاء؟ أو عن الأنثیین فقط؟، و انّ المنیّ متشابه الأجزاء أو مختلف الأجزاء؟؛

فأرسطو و شیعته ذهبوا إلى تشابه أجزائه – لانفصاله عن الأنثیین -؛

و ذهب أبقراط و شیعته إلى أنّه لیس متشابه الأجزاء، لأنّه یخرج عن کلّ البدن، فیخرج من اللحم شبیهٌ به، و من العظم شبیهٌ به، و هکذا من جمیع الأعضاء. فأجزائه غیر متشابهة الحقیقة، بل حقائقها مختلفةٌ حسب اختلاف حقائق ما تنفصل عنها. فهو غیر متشابه الأمشاج بل متشابه الإمتزاج متّصلٌ عند الحسّ.

و لکلٍّ من الطرفین حججٌ کثیرةٌ مسطورةٌ فی کتبٍ مطوّلةٍ؛

و أمّا ما تمسّک به أبقراط فی تصحیح مذهبه:

فمنها: عموم اللذّة لجمیع البدن؛

و منها: المشاکلة الکلّیّة، فلولا انّ کلّ عضوٍ یرسل قسطاً لکانت المشابهة بحسب عضوٍ واحدٍ؛

و منها: مشاکلة عضو الولد لعضوٍ ناقصٍ من والدیه أو عضوٍ ذی سآمةٍ أو زیادةٍ.

و قدح أرسطو فی هذا المذهب، و أبطله بوجوهٍ:

أحدها: انّ المشابهة یقع فی الظفر و الشعر و لیس یخرج منها شیءٌ؛

و ثانیها: انّ المنیّ لایرسله الأعضاء إلّا لأجل المشابهة فیها؛

و ثالثها: لزوم کون المولود فی الرحم إنسانین؛

و رابعها: جواز تکوّن الولد من منیّ المرأة وحدها – لانفصاله من جمیع إجزائها -؛

و خامسها: انّ الحیوان قد یسفد سفاداً واحداً فیتولّد منه أکثر من واحدٍ، فلو لم یکن منیّه متشابه الأجزاء لم یتولّد منه إلّا واحدٌ؛

و سادسها: مشابهة الولد لجدٍّ بعیدٍ لا لوالدیه – و قد حکى أبوعلیٍّ فی حیوان الشفاء: «انّ واحدةً ولدت من حبشیٍّ بنتاً بیضاء ثمّ هی ولدت بنتاً سوداء!»(237) -؛

و سابعها: کثیرٌ من الحیوانات یلد من غیر جنسه؛

و ثامنها: لزوم کون المنیّ حیواناً صغیراً.

فهذه حجج الفریقین؛ و فی الکلّ نظرٌ ذکره یؤدّی إلى التطویل.

قوله – علیه السلام -: «إلى رحمٍ ضیّقةٍ» متعلّقٌ ب- «حدرتنی».

و «الرحم» قد تقدّم الکلام علیها. و وصفها ب- «الضیّق» لأنّ مقدارها على ما قاله جماعةٌ من أرباب التشریح أقلّ مایکون ستّ أصابع إلى أحد عشر إصبعاً و ما بین ذلک. و قد یقصر و یطول باستعمال الجماع و ترکه.«سترتها» أی: أخفیتها.

و «الحجب»: جمع حجاب – ککتب و کتاب -. و هو: الجسم الساتر. و المراد بها الأغشیة المحیطة بها، و قیل: «أراد بالحجب الثلاثة:

أحدها: المشیمة؛

و الثانی: الرحم؛

و الثالث: البطن»؛

و هو بعیدٌ!. و الجملة فی محلّ خفضٍ نعت ثانٍ لل- «رحم».

قوله – علیه السلام -: «تصرّفنی» أی: تقلّبنی.

و «حالاً عن حالٍ» أی: مجاوزاً إیّای عن حالٍ تحتها.

و «حتّى انتهیت بی إلى تمام الصورة» متعلّقٌ ب- «تصرّفنی».

«انتهیت بی» أی: ابلغتنی إلى تمام الصورة – أی: الهیئة -.

<و «الواو» من قوله - علیه السلام -: «و أثبتّ فیّ الجوارح» عاطفةٌ من باب عطف الشیء على لاحقه - نحو: (کَذَلِکَ یُوحِی إِلَیکَ وَ إِلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ)(238) -، لأنّ الإنتهاء إلى تمام الصورة لایکون إلّا بعد إثبات الجوارح. و کأنّ تخصیصها بالذکر لمزید الانتفاع بها و شدّة الإفتقار إلیها، فهو من قبیل ذکر الشیء اهتماماً بشأنه.

قوله – علیه السلام -: «کما نعتّ فی کتابک».

الظرف فی محلّ النصب على انّه نعتٌ لقوله – علیه السلام -: «حالاً عن حالٍ»، أو نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ – أی: تصریفاً مماثلاً لنعتک – >(239)

قوله – علیه السلام -: «نطفةً ثمّ علقةً»، قال شیخنا البهائیّ -رحمه الله – فی المفتاح: «نصب النطفة و المعطوفات علیها إمّا على حکایة ما وقع فی القرآن المجید، أو على إضمار عاملٍ – کخلقتنی و نحوه -»(240)؛ انتهى. و علی الأوّل فهی و ما عطف علیها فی محلّ نصبٍ على المفعولیّة.

<و الحال کثیراً مّا تحذف إذا کانت قولاً أغنى عنها المقول - نحو: (الْمَلاَئِکَةُ یَدخُلُونَ عَلَیْهِمْ مِنْ کُلِّ بَابٍ - سَلاَمٌ عَلَیکُمْ)(241) أی: قائلین ذلک -.

و «النطفة»: من النطف بمعنى: الصبّ، لأنّها تصبّ فی الرحم؛ یقال: نطفت الماء أی: صببته، و نطفت الماء: إذا سال سیلاً تامّاً.

و قیل: «من: نطف الماء: إذا قطر قلیلاً قلیلاً»؛ قال فی النهایة: «سمّی المنیّ نطفةً لقلّته»(242)

و «المنیّ» هو فضلة الهضم الرابع.

و «العلقة»: قطعةٌ جامدةٌ من الدمّ. و هی أوّل ما تستحیل إلیه النطفة.

و «المُضغة» – بالضمّ – فی الأصل: مقدار ما یمضغ، و المراد بها هنا: قطعةٌ من اللحم مستحیلةٌ من العلقة>(243) «ثمّ عظماً» بتصلیب بعض أجزاء العلقة. و الإتیان بصیغة الجمع لاختلاف العظام فی الهیئة و الصلابة.

«ثمّ کسوت العظام لحماً» أی: ممّا بقی من المضغة، أو من لحمٍ جدیدٍ.

«ثمّ أنشأتنی خلقاً آخر» باتمام صورة البدن و نفخ الروح فیه. و فی هذا الکلام منه – علیه السلام – إشارةٌ إلى ما تضمّنه قوله -سبحانه -: (لَقَدْ خَلَقْنَا الاِنسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِینٍ – ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِی قَرَارٍ مَکِینٍ – ثُمَّ خَلَقنَا النُّطفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقنَا الْعَلَقَةَ مُضغَةً فَخَلَقنَا الْمُضغَةَ عِظَاماً فَکَسَونَا الْعِظَامَ لَحماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِینَ)(244)

قال بعضهم فی تفسیر هذه الآیة: «(مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِینٍ) هو آدم – علیه السلام -، (ثُمَّ جَعَلنَاهُ نُطفَةً فِی قَرَارٍ مَکِینٍ)، و هی نشأة الأبناء فی الأرحام -: مساقط النطف و مواقع النجوم -، فکنّى عن ذلک ب- «القرار المکین»، (فَکَسَونَا الْعِظَامَ لَحماً) و قد تمّ البدن علی التفصیل، فانّ اللحم یتضمّن العروق و الأعصاب؛

وَ فِی کُلِّ طَورٍ لَهُ آیَةٌ++

تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُفْتَقَرٌ

ثمّ أجمل خلق النفس الناطقة الّتی هو بها إنسانٌ فی هذه الآیة فقال: (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً

آخَرَ) عرّفک بذلک انّ المزاج لاأثر له فی لطیفتک و إن لم یکن نصّاً لکن هو ظاهرٌ؛ و أبین منه قوله: (فَسَوَّاکَ فَعَدَلَکَ)(245)، و هو ما ذکره فی التفصیل من الأطوار؛ فقال: (فِی أَیِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَکَّبَکَ)(246)، فقرّنه بالمشیّة، فالظاهر انّه لو اقتضى المزاج روحاً خاصّاً معیّناً ما قال: (فِی أَیِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَکَّبَکَ)، و «أیّ» حرف نکرةٍ مثل «ما»، فانّه حرفٌ یقع على کلّ شیء. فأبان لک انّ المزاج لایطلب صورةً بعینها. و لکن بعد حصولها یحتاج إلى هذا المزاج و ترجع به، فانّه بما فیه من القوى الّتی لایدبّره إلّا بها – کالآلآت لصانع النجّار أو البنّاء مثلاً – إذا هیّأت و أتقنت و فرغ منها بطلت بذاتها، و حالها صانعاً یعمل بها ما صنعت له و ما تعیّن شخصٌ بعینه»؛ انتهى.

لمعةٌ عرشیّةٌ

فانظر أیّها الناظر فی الأنفس و الآفاق إلى النطفة – و هی ماءٌ قذرٌ لوترکت ساعةً و یصل الهواء إلیها لتغیّر مزاجها و فسدت – کیف أخرجها ربّ الأرباب من بین الصلب و الترائب و حفظها عن التبدّد و الإفتراق!، ثمّ کیف جعلها – و هی مشرقةٌ بیضاء – علقةً حمراء!، ثمّ کیف جعلها مضغةً!، ثمّ کیف قسّم أجزاء النطفة – و هی متشابهةٌ متساویةٌ – إلى العظام و الأعصاب و العروق و الأوتار و اللحم!، ثمّ کیف رکّب من هذه الأجزاء و الأعضاء البسیطة الأعضاء المرکّبة – من الرأس و الید و الرجل و غیرها – و شکّلها بأشکالٍ مختلفةٍ مناسبةٍ لها بحسب جواهرها و أفاعیلها – کما یستعلم من قواعد التشریح و غیره -!. و لونظر أحدٌ حقّ النظر فی حقیقة الإنسان و دبّر فی ذاته حقّ التدبّر لوجدها مشتملةً على جمیع طبقات الموجودات بحسب طبایعها و مهیّاتها دون أشخاصها و هویّاتها، و وجدها متصاعدةً فی استکمالاتها من أخسّ المراتب إلى أشرف الغایات حیث کان الإنسان قبل تکوّن بدنه أوّلاً لاشیئاً محضاً مشارکاً للمعدومات بلااسمٍ و رسمٍ، ثمّ مادّةً هیولانیّةً و نطفةً

قذرةً فی غایة ضعف الوجود – حیث تنفسد صورتها بأقلّ مضادٍّ من بردٍ أو حرٍّ أو غیرهما -؛ ثمّ تدرّج فی الإستکمال قلیلاً قلیلاً بعنایة الله -تعالى – و قدرته، فأفاض علیها صورةً نباتیّةً!. فلابدّ للنبات من ملکٍ یزید فی أقطاره الثلاثة على نسبةٍ لائقةٍ محفوظةٍ إلى أن یبلغ إلى کمال النشو، و من ملکٍ یقطع فضلته من مادّته لیکون مبدءً لشخصٍ آخر. و لمّا توقّف الفعل الأوّل على التغذّی و لابدّ من أملاکٍ أخر یخدمونه من جاذبةٍ للغذاء إلى الأطراف و ماسکةٍ له و هاضمةٍ و دافعةٍ للثقل؛ و فی الثانی لابدّ من مغیّرةٍ للفضلة و مهیّئةٍ لأجزائها لقبول الصور المخصوصة.

و أمّا واهب الصور – و هو الله سبحانه – بتوسّط الحقیقة العقلیّة الّتی هی ربّ نوع النفس النباتیّة فمخدومٌ لهذه الأملاک جمیعاً کما فی سائر الأفاعیل؛ قال الله -تعالى -: (هُوَ الَّذِی یُصَوِّرُکُمْ فِی الاَرحَامِ کَیفَ یَشَاءُ)(247)، و قال: (أَ فَرَأَیْتُمْ مَا تُمنُونَ – ءَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحنُ الْخَالِقُونَ)(248)

و ورد فی وصف ملک الأرحام: «انّه یدخل فی الرحم فیأخذ النطفة فی یده ثمّ یصوّرها جسداً فیقول: یا ربّ! أ ذکرٌ أم أنثى؟، أ سویٌّ أم معوجٌ؟، فیقول الله مایشاء و یخلق الملک»(249) ثمّ قد احتاجت الصور النباتیّة إلى التغذّی من وجهٍ آخر غیر النموّ، و ذلک لأنّ الجسم النامیّ- و سیّما الحیوان منه – أبداً فی التحلّل و الذوبان، لاستیلاء الحرارة الغریزیّة علیه الحاصلة فیه من نار الطبیعة الکائنة فی مرکّبات هذا العالم، شأنها النضج و التحلیل – کمثال نار الجحیم فی قوله تعالى: (کُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَیرَهَا)(250) -.

و قد تستولى الحرارة الغریبة أیضاً علیه فتحلّله. و الحرکات البدنیّة و النفسانیّة أیضاً محلّلةٌ جدّاً، فلابدّ إذن من أن یتخلّف بدل ما یتحلّل عنه آناً فآناً و لحظةً فلحظةً؛ و ما ذاک إلّا

بالتغذّی. فالاحتیاج إلى التغذّی باقٍ إلى آخر العمر. و إمّا إلى النامیّ، فلیس إلّا البلوغ إلى کمال النشو. و شأن الأوّل أن یأتی بکلّ عضوٍ من الغذاء قدر عظمه و صغره، ویلصق به منه بمقدارٍ یناسب له على السواء. و أمّا الثانی فیسلب جانباً من البدن من الغذاء ما یحتاج إلیه لزیادة فی جهةٍ أخرى، فیلصقه بتلک الجهة لیزید تلک الجهة فوق زیادة جهةٍ أخرى. فالمتغذّی فی أوّل الأمر یقوی على تحصیل مقدارٍ أکثر ممّا یتحلّل لصغر الجثّة و کثرة الأجزاء الرطبة الأصلیّة فیها، فیعمل النامی فیما فضل عن الغذاء؛ ثمّ یعجز المتغذّی عن ذلک لکبر الجثّة و زیادة الحاجة – لنفاد أکثر الرطوبات الأصلیّة الصالحة لتغذیة الحرارة الغریزیّة -، فیصیر ما یحصله مساویاً لما یتحلّل؛ و حینئذٍ یقف النامی. و عند القرب من تمام النموّ یتفرّغ النفس للتولید، فیقوی المولد حیناً من الدهر. ثمّ إذا عجز المتغذّی عن إیراد ما یتحلّل – بحیث لم یفضل شیءٌ یتصرّف المولد فیه – أو إنحرف المزاج بسبب الإنحطاط المفرط – فصار المادّة غیر مستعدّةٍ لذلک – وقف المولد أیضاً، و یبقى المتغذّی عمّالاً إلى أن یعجز فیتحلّل لأجل سرعة تحلّل الأجزاء و انحراف المزاج عن الإعتدال و إنطفاء الحرارة الغریزیّة – لعدم غذائها و وجود ما یضادّها -.

ثمّ المرکب العنصریّ – لمّا استوفى درجات النبات – تخطّى خطوةً أخرى إلى جانب القدس إن کان من أهل السلوک على صراط الله بأن کان ناقصاً ضعیف الفعلیّة جدّاً، کأنّه یتضرّع فی فکاک رقبته من النقصان – کالأجنّة فی بطون أمّهاتها – ممّا لها نفوسٌ نباتیّةٌ و لم تصر حیواناً بعد(251)؛ فإذا کان کذلک فیتقرّب إلى الله -تعالى – بالتوجّه إلیه تقرّباً مّا، فیتقرّب الله -سبحانه – إلیه ضِعف تقرّبه – کما هو سنّته تعالى -. فیهب له بدل صورته الناقصة صورةً کمالیّةً حیوانیّةً ذات نفسٍ ملکوتیّةٍ حسّاسةٍ درّاکةٍ متحرّکةٍ بالإرادة، فیصدر عنها ببساطتها کلّ ما یصدر من النبات، و یزید علیه بأفعالٍ مخصوصةٍ. فیوکّل الله بها مع تلک الملائکة – الّتی کانت له أوّلاً – ملائکةً أخرى أرفع درجةً منهم بها یدرک و

یتحرّک بالإرادة؛ و هذا هو الحیوان.

فإن کان کاملاً فی الحیوانیّة – بأن تقوی أثر النفس فیه و ممّن شأنه أن یدخل فی نشئات الملکوت و یصیر حیّاً بالذات متنقّلاً فی تلک النشأة – أفاض الله -سبحانه – علیه مع قوّیته للحرکة – أعنی: الفاعلة للحرکة، و الباعثة لها المنقسمة إلى الشهویّة و الغضبیّة – عشر حواسٍ للإدراک، خمساً لنشأته الظاهرة – و هی: اللامسة، و الذائقة، و الشامّة، و الباصرة، و السامعة -، و خمساً لنشأته الباطنة – و هی مدرک الصور المسمّى بالحسّ المشترک، و حافظها المسمّى بالخیال، و مدرک المعانی المسمّى بالوهم، و حافظها المسمّى بالحافظة، و المتصرّف فیها بترکّب بعضها عن بعضٍ و تفضیل بعضها من بعضٍ المسمّى بالمتصرّفة -؛ فیصیر بهذه العشر ذاقدمین یکون له قدمٌ فی هذه النشأة و أخرى فی تلک النشأة.

فیأخذ فی تکمیل النشأتین مبدوّاً بالأولى الفانیة حتّى یبلغ فی تکمیلها إلى حدّ ما یمکن له أن یجعلها آلةً لتکمیل الأخرى. ثمّ یأخذ فی تکمیل الأخرى متوجّهاً إلى الله -سبحانه – و عالم الآخرة توجّهاً غریزیّاً و سلوکاً ذاتیّاً – کما أشیر إلیه فی قوله تعالى مخاطباً لأشرف أنواعه: (یَا أَیُّهَا الانْسَانُ إِنَّکَ کَادِحٌ إِلَى رَبِّکَ کَدْحاً فَمُلاَقِیهِ)(252) -. فتکامل ذاته یوماً فیوماً بالتدریج باستعداداتٍ یکتسبها من النشأة الأولى و أخلاقٍ و هیئاتٍ، إمّا فی سعادةٍ أو فی شقاوةٍ. حتّى یستقلّ فی النشأة الأخرى و یصیر فیها بالفعل، و یبطل عنه القوّة الإستعدادیّة فیمسک عن تحریک و یرفض هذه النشأة الفانیة – استغناءً عنها – و یرتحل إلى الآخرة إرتحالاً طبیعیّاً، و هذا هو الموت الطبیعیّ للحیوان الکامل؛ و هو بعینه ولادةٌ و حیاةٌ فی النشأة الأخرى.

و مبناه استقلال النفس بحیاتها الذاتیّة و ترک استعمالها الآلآت البدنیّة على التدریج حتّى تنفرد بذاتها و تخلع البدن بالکلّیّة و تصیر بالفعل من جمیع الجهات و الحیثیّة. و هذه الفعلیّة لاتنافی الشقاوة الأخرویّة، إذ ربّما یصیر شیطاناً بالفعل أو على شاکلة ما غلبت علیه

من صفاته الردیّة.

و إن کان ناقصاً فی الحیوانیّة – بأن یضعف أثر النفس فیه و لم یکن من شأنه الدخول فی الملکوت و الصیرورة من أهله – أفاض الله -سبحانه – علیه بعض الحواسّ دون بعضٍ، أمّا قویّةً أو ضعیفةً، على اختلاف مراتب الحیوانات، أو کلّها و لکن ضعیف الباطنیّة و خصوصاً حسّ الخیال؛ فیعیش فی هذه النشأة مدّةً مّا حیوةً عرضیّةً بقوّة الملکوت حیث إنّ ملئکتها و قواها من تلک النشأة. ثمّ إذا مات فات – کالنبات – لعدم تعیّنه و استقلاله فی تلک النشأة، فلم یبق منه إلّا ربّ نوعه الّذی کان به حیاته و قوامه، و فنى هو فیه و رجع إلیه – کما قال تعالى: (وَ مَا مِنْ دَابَّةٍ فِی الاَرضِ وَ لاَطَائِرٍ یَطِیرُ بِجِنَاحَیهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُکُمْ مَا فَرَّطْنَا فِی الْکِتَابِ مِنْ شَیْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ یُحْشَرُونَ)(253)

تکملةٌ

و ممّا یدلّ من الأخبار عن أهل بیت الأطهار على <ابتداء الخلق إلى الکمال: ما روی عنهم -علیهم السلام - من: «انّ الله -تعالى - إذا أراد أن یخلق النطفة الّتی أخذ علیها المیثاق فی صلب آدم أوقعها فی الرحم، و بعث ملکاً فأخذ من التربة الّتی یدفن فیها فماثّها فی النطفة؛ فلایزال قلبه یحنّ إلیها. فیکون أربعین یوماً نطفةً، ثمّ یصیر مضغةً أربعین یوماً. فإذا کمل أربعة أشهر بعث الله ملکین خلّاقین فیقتحمان فی بطن المرأة من فِیها(254) فیصلان إلى الرحم، و فیها الروح القدیمة المنقولة فی أصلاب الرجال و أرحام النساء، فینفخان فیها روح الحیاة و البقاء و یشتقّان له السمع و البصر و سائر الجوارح. ثمّ یوحی إلى الملکین: اکتبا علیه قضائی و قدری و اشترطا لی البداء فیما تکتبان، فیرفعان رؤوسهما، فإذاً اللوح یقرع جبهته و فیه صورته و رؤیته و أجله و میثاقه شقیّاً أو سعیداً و جمیع شأنه، فیملی أحدهما على صاحبه فیکتبان جمیع ما فی اللوح، و یختمان الکتاب و یجعلانه بین عینیه. ثمّ یقیمان قائماً

فی بطن أمه، و ربّما عتی فانقلب و لایکون إلّا فی عاتٍ أو ماردٍ. فإذا بلغ أوان خروجه تامّاً أو غیر تامٍّ أوحى الله إلى ملکٍ یقال له «زاجر»، فیزجره زجرةً یفزع منها فینقلب فیخرج باکیاً من الزجرة و ینسی المیثاق»(255)

و عن أبی جعفرٍ – علیه السلام -: «إنّ النطفة تتردّد فی بطن المرأة تسعة أیّامٍ فی کلّ عرقٍ و مفصلٍ منها. و للرحم ثلاثة أقفالٍ: قفلٌ فی أعلاها مما یلی أعلى السرّة من الجانب الأیمن، و القفل الآخر وسطها، و القفل الآخر أسفل الرحم. فیوضع بعد تسعة أیام فی القفل الأعلى فیمکث فیه ثلاثة أشهرٍ، فعند ذلک یصیب المرأة خبث النفس و التهوّع؛ ثمّ ینزل إلى القفل الأوسط فیمکث فیه ثلاثة أشهر، و صرّة الصبیّ فیها مجمع العروق عروق المرأة کلّها منها یدخل(256) طعامه و شرابه من تلک العروق؛ ثمّ ینزل إلى القفل الأسفل فیمکث فیه ثلاثة أشهر؛ فذلک تسعة أشهر. ثمّ تطلق المرأة، فکلّما طلقت انقطع عرقٌ من صرّة الصبیّ فأصابها ذلک الوجع و یده على صرّته»(257) >(258)

حَتَّى إِذَا احْتَجْتُ إِلَى رِزْقِکَ، وَ لَمْ أسْتَغْنِ عَنْ غِیَاثِ فَضْلِکَ، جَعَلْتَ لِی قُوتاً مِنْ فَضْلِ طَعَامٍ وَ شَرَابٍ أَجْرَیْتَهُ لاَمَتِکَ الَّتِی أَسْکَنْتَنِی جَوْفَهَا، وَ أَوْدَعْتَنِی قَرَارَ رَحِمِهَا.

«حتّى» حرف ابتداءٍ لاعمل له عند الجمهور.

و «إذا احتجت» شرطٌ، و جزاؤه: «جعلت لی».

<و «الغِیاث» - بالکسر -: اسمٌ من: أغاثه الله برحمته: إذا کشف شدّته.

و «الفضل» هنا بمعنى: الإفضال و الإحسان>(259) و لایخفى حسن استعارة «الغیاث» لل-

«فضل»، لأنّه متضمّنٌ لاضطرارنا و إرزاقه -تعالى – على طریق التفضّل لاباستحقاقنا إیّاها – سواءٌ کانت أرزاقاً روحانیّةً أو جسمانیّةً -.

و «القُوت» – بالضمّ -: ما یقوم به بدن الإنسان من الغذاء – کما مرّ -.

<«من فضل طعامٍ». «الفضل» بمعنى: الفضلة و الزیادة؛ أی: من زیادة طعامٍ و شرابٍ. و المراد به هنا دم الحیض، فانّ بعضه یصیر غذاء الحمل مادام فی الرحم، و بعضه یصعد إلى الثدیین و یستحیل لبناً لیصیر غذاءً له إذا خرج>(260)

«قرار رحمها» أی: قعرها – کما یقال: قرار البئر أی: قعرها -.

و فی لفظ «أودعتنی» إیماءٌ لطیفٌ إلى حفظ النطفة و راحتها فی الرحم، لأنّ الله -سبحانه – وضعها هنا أمانةً.

وَ لَوْتَکِلْنِی – یَا رَبِّ! – فِی تِلْکَ الْحَالاَتِ إِلَى حَوْلِی، أَوْ تَضْطَرُّنِی إِلَى قُوَّتِی لَکَانَ الْحَوْلُ عَنِّی مُعْتَزِلاً، وَ لَکَانَتِ الْقُوَّةُ مِنِّی بَعِیدَةً.

<«وکَلت» الأمر إلیه وکْلاً - من باب وعد - و وکولاً: فوّضته إلیه و ترکته بقوّته(261) >(262)

و «الحول»: الحیلة، أو القوّة.

و «تضطرّنی» أی: تلجأنی.

و «اعتزل» عنه و اعتزله: تنحّى عنه جانباً، من: عزلت الشیء عن غیره – من باب ضرب -: نحّیته عنه؛ یعنی: لووکّلتنی فی تلک الحالات – من أحوال الجنینیّة و الطفولیّة – إلى حیلتی أو قوّتی لکان الحول عنّی معتزلاً، لأنّه لم یکن لی فی تلک الحالات حولٌ و لاقوّةٌ.

و «لکانت القوّة منّی بعیدةً» عطف تفسیرٍ للفقرة السابقة.

فَغَذَوْتَنِی بِفَضْلِکَ غِذَاءَ الْبَرِّ اللَّطِیفِ، تَفْعَلُ ذَلِکَ بِی تَطَوُّلاً عَلَیَّ إِلَى غَایَتِی هَذِهِ، لاَأَعْدَمُ بِرَّکَ، وَ لاَیُبْطِئُ بِی حُسْنُ صَنِیعِکَ، وَ لاَتَتَأَکَّدُ مَعَ ذَلِکَ ثِقَتِی فَأَتَفَرَّغَ لِمَا هُوَ أَحْظَى لِی عِنْدَکَ. قَدْ مَلَکَ الشَّیْطَانُ عِنَانِی فِی سُوءِ الظَّنِّ وَ ضَعْفِ الْیَقِینِ، فَأَنَا أَشْکُو سُوءَ مُجَاوَرَتِهِ لِی، وَ طَاعَةَ نَفْسِی لَهُ، وَ أَسْتَعْصِمُکَ مِنْ مَلَکَتِهِ.

<«الفاء» للترتیب الذکریّ، و مفادّها کون مابعدها کلاماً مرتّباً على ماقبلها، لا أنّ مضمون مابعدها عقیب مضمون ماقبلها فی الزمان.

و «غذاء» منصوبٌ على المصدر النوعیّ – کقوله تعالى: (فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِیزٍ مُقْتَدِرٍ)(263) ->(264)، أی: فغذوتنی بفضلک لاباستحقاقٍ فی تلک الحالات غذاءَ الطیّب الطاهر «اللطیف» دون الغلیظ، لأنّ لبن الأمّ أطیب و ألطف و أحلى غذاءً للطفل.

<و جملة قوله - علیه السلام -: «تفعل ذلک بی تطوّلاً» مستأنفةٌ مبیّنةٌ لوجه جعل القوت له فی تلک الحالة و غذائه إیّاه>(265)

«غذاء البرّ اللطیف» أی: فعلت ذلک بی تفضّلاً علیّ من غیر استحقاقٍ منّی لذلک الغذاء الطیّب اللطیف.

و قوله: «إلى غایتی هذه» متعلّقٌ ب- «تفعل» أو ب- «تطوّلا»، أو مستقرٌّ صفةٌ لل- «تطوّل»؛ یعنی: هذا الفعل أو التطوّل مستمّرٌ من أوان رضاعی إلى هذه الأوان الّتی أنا فیها.

و «لایبطىء بی حسن صنیعک» أی: إنّی «لاأعدم برّک و لایبطىء بی حسن صنیعک»، بل یسرع إلیّ حسن معروفک و إفضالک – و فی نسخةٍ «صنعک»(266) بدل: «صنیعک» – و

اعتمادی بإرزقاک إیّای.

«فأتفرّغ» من: تفرّغ للشیء: تخلّى عمّا یشغله عنه؛ أی: فیصیر هذا الإعتماد سبباً لتطلّبی فراغاً لعبادتک الّتی هی أوفر حظّاً و أوفى نصیباً لی عندک من سائر المحظوظات. فالحاصل: انّ عدم تفرّغی للعبادة نتیجةٌ لعدم تأکید ثقتی.

و قوله – علیه السلام -: «قد ملک الشیطان عنانی» قیل: «حالٌ عن فاعل «لاتتأکّد»، أی: لاتتأکّد ثقتی حال کون الشیطان قد ملک عنانی الحاصل فی سوء الظنّ بک فی إرزاقک إیّای و ضعف الیقین به، و إذا کان کذلک فأنا أشکو إلیک سوء مجاورة الشیطان»؛ انتهى.

و هذا کما ترى!. و الظاهر انّها مستأنفةٌ استینافاً بیانیّاً، کأنّه سئل: کیف لایتأکّد مع ذلک ثقتک؟

فقال: قد ملک الشیطان عنانی، کنایةً عن قدرته علیه و تمکّنه منه، فهی استعارةٌ تمثیلیّةٌ أو مکنیّةٌ مرشّحةٌ.

و «فی» من قوله: «فی سوء الظنّ» للظرفیّة المجازیّة، متعلّقةٌ ب- «ملک».

و «الفاء» من قوله: «فأنا أشکو» للسببیّة.

و «استعصمک» أی: أسألک العصمة و الحفظ.

«من مَلَکَته» – بالفتحات – أی: تملّکه إیّای، مصدر: ملکت الشیء؛ قال فی القاموس: «ملکه یملکه ملکاً – مثلّثةً – و ملکةً – محرّکةً(267) -: احتواه قادراً على الاستبداد به»(268)؛ انتهى. یعنی: و أطلب – یا إلهی! – العصمة و الحفظ من مالکیّة الشیطان و سلطنته.

وَ أَتَضَرَّعُ إِلَیْکَ فِی صَرْفِ کَیْدِهِ عَنِّی. وَ أَسْأَلُکَ فِی أَنْ تُسَهِّلَ إِلَى رِزْقِی سَبِیلاً، فَلَکَ الْحَمْدُ عَلَى ابْتِدَائِکَ بِالنِّعَمِ الْجِسَامِ، وَ إِلْهَامِکَ الشُّکْرَ عَلَى

الاِحْسَانِ وَ الاِنْعَامِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ سَهِّلْ عَلَیَّ رِزْقِی، وَ أَنْ تُقَنِّعَنِی بِتَقْدِیرِکَ لِی، وَ أَنْ تُرْضِیَنِی بِحِصَّتِی فِیما قَسَمْتَ لِی، وَ أَنْ تَجْعَلَ مَا ذَهَبَ مِنْ جِسْمِی وَ عُمْرِی فِی سَبِیلِ طَاعَتِکَ، إِنَّکَ خَیْرُ الرَّازِقِینَ.

«التضرّع»: الإبتهال و التذلّل.

و «سهّل» الله الشیء – بالتشدید -: جعله سهلاً غیر صعبٍ.

و «السبیل» إمّا بمعنى: الطریق، أو بمعنى: السبب و الصلة – و منه قوله تعالى: (یَا لَیْتَنِی اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِیلاً)(269)، قال الجوهریّ: «أی: سبباً و وصلةً»(270) -. و فی نسخةٍ: «سبیلی». أی: أسأل منک بالتضرّع أن تیسّر لی طرق رزقی و السبب و الوصلة إلى رزقی حتّى أصل إلیه بالسهولة؛ و لایخفى انّ «الرزق» یعمّ الرزق الصوریّ و المعنویّ.

و «الفاء» من قوله: «فلک الحمد» للترتیب الذکریّ – نحو: (فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ)(271) -.

و «النعم»: جمع نعمة.

و «الجسام»: العظام؛ أی: من نعمة خلقتک إیّای الّتی جمیع النعم متفرّعةٌ علیها و نعمة أرزاقک لی.

و «إلهامک» عطفٌ على «ابتدائک»؛ أی: و لک الحمد أیضاً على إلهامک إیّای الشکر على الإحسان و الإنعام، فانّ هذا الإلهام أیضاً نعمةٌ – و هکذا إلى غیر النهایة -. کما وقع هذا الخاطر لداود – على نبیّنا و علیه السلام – حیث قال: «کیف أشکرک و شکری لک أیضاً نعمةٌ منک یستدعی شکراً آخر؟!»(272) – و قد ذکرناه فی فواتح الکتاب -.

و إذا کان إنعامک و إحسانک یصیر سبباً لشکری إیّاک «فصلّ على محمّدٍ و آله، و

سهّل»- أی: یسّر – «علیّ رزقی» حتّى أشکر على هذا أیضاً.

قوله – علیه السلام -: «و أن تقنّعنی» عطفٌ على «سهّل» بحسب المعنى، أی: أسألک أن تسهّل «علیّ رزقی و أن تقنّعنی بتقدیرک لی»، أی: بما قدّرته و قسّمته لی من رزقک.

و «أن ترضینی بحصّتی» و نصیبی الکائن «فیما قسّمت لی» من رزقک.

<قوله - علیه السلام -: «و أن تجعل -... إلى آخره -» أی: بأن تبدّل الذنوب الّتی اکتسبتها فی ذلک العمر بذلک الجسم بالحسنات - کقوله تعالى: (فَأُولَئِکَ الَّذِینَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)(273) -. و یجوز أن یکون الماضی هنا بمعنى المستقبل، و یکون نکتة العدول التحقّق و الوقوع>(260)

«إنّک خیر الرازقین» تعلیلٌ لما تقدّم من السؤال.

و هو «خیر الرازقین» لأنّه خالق الأرزاق و معطیها بلاعوضٍ.

اللَّهُمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِکَ مِنْ نَارٍ تَغَلَّظْتَ بِهَا عَلَى مَنْ عَصَاکَ، وَ تَوَعَّدْتَ بِهَا مَنْ صَدَفَ عَنْ رِضَاکَ، وَ مِنْ نَارٍ نُورُهَا ظُلْمَةٌ، وَ هَیِّنُهَا أَلِیمٌ، وَ بَعِیدُهَا قَرِیبٌ.

یقال: غلظ على خصمه و تغلّظ علیه: تشدّد – و منه: (یَا أَیُّهَا النَّبِیُّ جَاهِدِ الْکُفَّارَ وَ الْمُنَافِقِینَ وَ اغْلُظْ عَلَیْهِمْ)(274) -، أی: جعلتها غلیظةً شدیدةً على من خالف أمرک.

و «توعّدت» أی: تهدّدت.

و «صدف» عنه یصدف صدوفاً: أعرض.

و «الباء» فی الموضعین مثلها فی: کتبت بالقلم، و قطعت بالسکّین؛ أی: جعلت وعیداً بتلک النار على من أعرض من مرضیّاتک.

و «من نارٍ نورها ظلمةٌ»، قد مرّ معنى «النور» و «الظلمة». و هذا الوصف لأجل امتیازها عن نیران الدنیا الّتی لها نورٌ و ضیاءٌ. و فی هذا إشارةٌ إلى ما روی من: «انّ جهنّم احترقت حتّى احمرّت!، ثمّ احترقت حتّى ابیضّت!، ثمّ احترقت حتّى اسودّت!، فهی سوداءٌ مظلمةٌ!!»(275)

و «هیّنها ألیمٌ» أی: و ضعیفها فی غایة الشدّة و الإیلام، فکیف بالقویّ منها.

و «بعیدها» فی الإحراق و الإیلام «قریبٌ» أی: مثل القریب فی الإحراق و الإیلام؛ یعنی: لشدّة حرّها و إحراقها لایتفاوت بالنسبة إلى من قرب منها أو بعد عنها.

وَ مِنْ نَارٍ یَأْکُلُ بَعْضَهَا بَعْضٌ، وَ یَصُولُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ. وَ مِنْ نَارٍ تَذَرُ الْعِظَامَ رَمِیماً، وَ تَسْقِی أَهْلَهَا حَمِیماً، وَ مِنْ نَارٍ لاَتُبْقِی عَلَى مَنْ تَضَرَّعَ إِلَیْهَا، وَ لاَتَرْحَمُ مَنِ اسْتَعْطَفَهَا، وَ لاَتَقْدِرُ عَلَى التَّخْفِیفِ عَمَّنْ خَشَعَ لَهَا وَ اسْتَسْلَمَ إِلَیْهَا؛ تَلْقَى سُکَّانَهَا بِأَحَرِّ مَا لَدَیْهَا مِنْ أَلِیمِ النَّکَالِ وَ شَدِیدِ الْوَبَالِ!.

«بعضٌ» فاعل ل- «یأکل» مؤخّرٌ عن المفعول، أی: و أعوذ بک من نارٍ من غایة الشدّة و الصولة یأکل بعض تلک النار بعضها الأخرى. و هذا یدلّ على کمال حرارتها و شدّتها، لما روی من: «انّ وادیاً فی جهنّم یسمّى ب-: «القلق» یوقد علیه ألف سنةً لم یتنفّس، فإذا تنفّس أحرق جمیع النیران»(276)؛ و عن النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم – اّنه قال: «اشتکت النار إلى ربّها فقالت: ربّ! أکل بعضی بعضاً، فجعل لها تنفّسین: نفساً فی الشتاء و نفساً فی الصیف؛ فشدّة ما تجدون من البرد من زمهریرها و شدّة ما تجدون من الحرّ من سمومها!»(277)

و «یصول» أی: یحمل، من: صال على قرنه یصول صولاً: حمل علیه و سطا به.

<و «رمّ» العظم یرمّ - من باب ضرب -: إذا بلى، فهو رمیمٌ. و قال الزمخشریّ فی الکشّاف: «الرمیم اسمٌ لما بلی من العظام غیر صفة، کالرمّة و الرفات»(278)

و «الحمیم»: الماء الحارّ الشدید الحرارة.

و «من نارٍ لاتبقى» أی: لا ترحم؛ قال ابن الأثیر فی النهایة: «فی حدیث الدعاء: لاتبقى على من یضرع إلیها، یعنی: النار، یقال: أبقیت علیه أبقى إبقاءً: إذا رحمته و أشفقت علیه؛ و الإسم: البقیا»(279) >(280) و قیل: «أی: لاتجعله باقیاً بحیث لاتحرقه».

و «لاترحم من استعطفها» أی: طلب العطوفة منها.

و «قدر» على الشیء یقدر – من باب ضرب -: قوى علیه و تمکّن منه.

و «خشع» له یخشع خشوعاً: ذلّ و خضع؛ أی: تلک النار لاقدرة لها فی تخفیف العذاب عن شخصٍ خشع و خضع و استسلم و انقاد لها.

<و الجملة من قوله: «تلقى سکّانها» مستأنفةٌ استینافاً بیانیّاً، کأنّه سئل: کیف لاتبقى على من تضرّع إلیها؟، فقال: تلقى سکّانها بأحرّ ما لدیها.

و «النَکال» – بالفتح -: العقوبة الّتی ینکل الناس عن فعل ما جعلت له جزاءً، من: نکل عن الأمر: إذا احجم و امتنع>(281) و قیل: «العقوبة الّتی معها عبرةٌ – کالمثلة -».

و «الوبال»: الوخامة و الثقل؛ و فی القاموس: «الوبال: الشدّة و الثقل»(282)

و «من» هنا للتبیین و بیانٌ ل- «ما». وحاصل المعنى: انّ تلک النور تؤلم ساکنیها بأشدّ الألم و العذاب. قال الفاضل الشارح: «تکریر ذکر «النار» مع أنّ المراد بها نارٌ واحدةٌ للإیذان بأنّ کلّ واحدةٍ من الصفات المذکورة صفةٌ هائلةٌ خطیرةٌ جدیرةٌ بأن یفرد لها موصوفٌ مستقلٌّ،

و لاتجعل کلّها لموصوفٍ واحدٍ»(283)؛ انتهى کلامه.

أقول: کأنّه لم یصل إلى نظره الحدیث المرویّ عن أبی جعفرٍ – علیه السلام -: «انّ الله جعل للنار سبع درجات -… الحدیث -»(284)؛

و ماروی عن علیٍّ – علیه السلام -: «انّ النیران بعضها فوق بعضٍ -… الحدیث -»(285)؛ کما مرّ ذکرهما؛ فتذکّر!.

وَ أَعُوذُ بِکَ مِنْ عَقَارِبِهَا الْفَاغِرَةِ أَفْوَاهُهَا، وَ حَیَّاتِهَا الصَّالِقَةِ بِأَنْیَابِهَا، وَ شَرَابِهَا الَّذِی یُقَطِّعُ أَمْعَاءَ وَ أَفْئِدَةَ سُکَّانِهَا، وَ یَنْزِعُ قُلُوبَهُمْ، وَ أَسْتَهْدِیکَ لِمَا بَاعَدَ مِنْهَا، وَ أَخَّرَ عَنْهَا.

«العقارب»: جمع عقرب، و هی دویبةٌ من ذوات السموم معروفةٌ.

و «الفاغرة» – بالفاء و الغین المعجمة و الراء – أی: الفاتحة، یقال فغر فوه فغراً – من باب نفع -: انفتح، و فغر فاه: فتحه، یتعدّی و لایتعدّی.

و «أفواهُها» – بالرفع -: فاعل «الفاغرة»، فیکون لازماً؛ أو بالنصب لیکون مفعولاً، روی على الوجهین. و روی: «انّ فیها العقارب کالبغال المعلّقة یلسعن أحدهم فیجد حموتها أربعین خریفاً»(286) و فی نسخةٍ: «بأفواهها»، فیکون «الفاغرة» من المتعدّی و «الباء» زائدةً، أی: الفاتحة أفواهها.

و «الحیّات»: جمع حیّة، و هو اسمٌ یطلق على الذکر و الأنثى، فإن أردت التمییز قلت: هذه حیّةٌ أنثى.

و «الصالقة» – بالصاد المهملة و القاف – أی: الصائحة بالصوت الشدید، من: صَلَق

صَلْقاً- من باب ضرب -: صوّت صوتاً شدیداً.

و «الباء» من قوله: «بأنیابها» للملابسة، أی: حال کونها متلبّسةً بأنیابها. و فی نسخةٍ: «الصالغة» – بالصاد المهملة و الغین المعجمة – أی: الحیّات الظاهرة البارزة بأنیابها.

و «بأنیابها» أی: بأسنانها. روی: «انّ لجهنّم سبعة أبوابٍ على کلّ بابٍ سبعون ألف جبلٍ فی کلّ جبلٍ سبعون ألف حیّة طول کلّ حیّةٍ مسیرة ثلاثة أیّامٍ أنیابها کالنخل الطوال!، تأتی ابن آدم فتأخذ بأشفار عینیه و شفتیه فیکشط کلّ لحمٍ على عظمه و هو ینظر، فیهرب منها فیقع فی نهرٍ من أنهار جهنّم یذهب بسبعین خریفاً!»(287)؛

و فی روایةٍ: «إنّ لجهنّم ساحلاً کساحل البحر فیه هوامٌّ حیّات کالبخت، و عقارب کالبغال الدلم»(288)؛ نعوذ بالله منها!.

و «شرابها» – و هوالحمیم – «الّذی یقطّع أمعاء سکّانها»، فالمضاف إلیه محذوفٌ – کما فی قولهم:

یَا تَیمُ تَیمَ عَدِیٍّ(289) -.

<و «الأمعاء»: جمع «معِی» - بالکسر -، و قصره أشهر من المدّ. و ألفه یاءٌ، لأنّ مثنّاه: معیان. و تذکیره أکثر من التأنیث، فیقال: هو المعا؛ و جمع الممدود: أمعیة - کحمار و أحمرة ->(290)، و هو ما ینتقل إلیه الطعام بعد الإنحدار من المعدة. قیل: «و لعلّ المراد بها هنا ما یشمل المعدة».

و «الأفئدة»: جمع فؤاد، و هو القلب.

و «نزعته» من موضعه نزعاً – من باب ضرب -: قلعته. قال الفاضل الشارح: «قوله

– علیه السلام -: «یقطّع أمعاء و أفئدة سکّانها» من باب إضافة المفردین إلى اسمٍ ظاهرٍ بجعل الأوّل مضافاً فی النیّة دون اللفظ و الثانی فی اللفظ و النیّة معاً، نحو: غلام و ثوب زیدٍ. و هو کثیرٌ فی کلامهم نثراً و نظماً، و شاهده من الحدیث قول النبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: «تحیَّضی(291) فی علم الله ستّة أو سبعة أیامٍ»(292)؛ و فی کلام العرب نثراً قول بعضهم: قطع الله ید و رجل من قالها؛ و قولهم: خذ ربع و نصف ما حصل؛ و من الشعر قوله:

یَا مَنْ رَأَى عَارِضاً أُسَرُّ بِهِ++

بَینَ ذِرَاعَیْ وَ جَبْهَةِ الاَسَدِ(293)

و ذهب المبرّد و أکثر المتأخّرین إلى أنّ ذلک کلّه على حذف المصاف إلیه من الأوّل لفظاً لانیّةً، لدلالة الثانی علیه؛ و لذلک قال بعضهم: «انّ هذه المسألة لها شبهٌ بباب التنازع، فانّ المضافین یتنازعان المضاف إلیه، فأعمل الثانی لقربه و حذف معمول الأوّل لأنّه فضلةٌ». و اشترط الفرّاء فیها اصطحاب المضافین، کالأمعاء و الأفئدة فی عبارة الدعاء، و الستّة و السبعة فی الحدیث، و الید و الرجل و الربع و النصف و الذراع و الجبهة، بخلاف غلام و ثوب زیدٍ. و ذهب سیبویه إلى انّ ذلک من باب الفصل بین المضافین و المضاف إلیه؛ و الأصل فی نحو: خذ ربع و نصف ما حصل: خذ ربع ما حصل و نصفه، ثمّ أقحم «و نصفه» بین المضاف و المضاف إلیه فصار ربع و نصفه ما حصل، ثمّ حذف الهاء إصلاحاً للفظ فصار: ربع و نصف ما حصل. قال الرضیّ: «و مذهب المبرّد أقرب، لما یلزم سیبویه من الفصل بین المضاف و المضاف إلیه فی السعة»(294)

و مضمون هذه العبارة من الدعاء نطق به القرآن المجید فی مواضع؛ منها قوله -تعالى – فی سورة محمّدٍ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -: (وَ سَقَوا مَاءً حَمِیماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ)(295)، و قوله

-سبحانه – فی سورة الحجّ: (یُصَبُّ مِنْ فَوقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِیمُ – یُصْهَرُ بِهِ مَا فِی بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ)(296) أی: یذاب بذلک الحمیم ما فی بطونهم من الأمعاء و الأحشاء. روی: «انّه یصبّ على رؤوسهم الحمیم فینفذ إلى أجوافهم فیسلت ما فیها»(297) -(298)؛ انتهى کلامه.

و تفسیر هذه الآیة على طریقة أهل الباطن هو: أنّ (یصب مِنْ فَوقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِیمُ) أی: حمیم الهوى و حبّ الدنیا الغالب علیهم، أو حمیم الجهل المرکّب و الإعتقادات الفاسدة المستعلی على جهتهم العلویّة الّتی تلی الروح فی صورة القهر الإلهیّ مع الحرمان عن المراد المحبوب المعتقد فیه.

قوله – علیه السلام -: «و استهدیک لما باعد منها و أخّر عنها» أی: و أطلب الهدایة منک – یا إلهی! – إلى شیءٍ یبعّدنی من النار و یؤخّرنی عنها؛ و هو عطفٌ على قوله: «أعوذ بک». و فی صیغة المفاعلة مبالغةٌ فی طلب البعد منها، فانّ النار إذا بعدت عنّا و نحن بعدنا عنها حصل بونٌ بعیدٌ فی غایة البعد بیننا و بینها.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَجِرْنِی مِنْهَا بِفَضْلِ رَحْمَتِکَ، وَ أَقِلْنِی عَثَرَاتِی بِحُسْنِ إِقَالَتِکَ، وَ لاَتَخْذُلْنِی یَا خَیْرَ الُْمجِیرِینَ. اللَّهُمَّ إِنَّکَ تَقِی الْکَرِیهَةَ، وَ تُعْطِی الْحَسَنَةَ، وَ تَفْعَلُ مَا تُرِیدُ، وَ أَنْتَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ.

«أجرنی» أی: أعذنی و آمنّی من تلک النار بمحض «فضل رحمتک»، لابعملی و استحقاقی.

<و «العثرات»: جمع عثرة. و هی فی الأصل المرّة من: عثر الرجل یعثر - من باب قتل - أی: کبا و سقط؛ و المراد بها هنا: الخطیئة و الزلّة - لأنّها سقوطٌ فی الإثم ->(299)

و أصل «الإقالة»: إزالة القول – لأنّ الهمزة للإزالة، کما فی همزة الإعراب على قولٍ -. و

المراد: اغفر ذنوبی بحسن مغفرتک. و قیل: «المعنى: افسخ عنّی عثراتی، ف- «عثراتی» بدلٌ عن مفعول «اقلنی». و عدم جواز اسم الظاهر بدلاً عن غیر الضمیر الغائب فی بدل الکلّ عن الکلّ، لا فی بدل الإشتمال، و هذا من قبیل الإشتمال. و فائدة الإضافة إلى المتکلّم – مع أنّ الظاهر أن یقال: أقل عثرتی – للإشارة إلى أنّ المتکلّم صار نفس الذنوب».

قوله – علیه السلام -: «إنّک تقی الکریهة» تعلیلٌ للدعاء و مزید استدعاءٍ للإجابة. و قیل: «جملةٌ مستأنفةٌ، کأنّ الله -سبحانه – یقول: لم طلبت منّی الإجارة و الإقالة؟، أجاب: بأنّک تقی الکریهة، و أیّ کریهةٍ أشدّ من النار!»؛

و هو کما ترى!.

و «الوقایة»: الحفظ.

و «الکریهة»: النازلة و الشدّة.

و «الحسنة»: ضدّ السیّئة؛ أی: انّک تحفظ من الأمور الشدیدة المکروهة و تعطی الحسنة – لأنّ الحسنات کلّها منک -. و لااعتبار بنسخة «تعطی الجسیمة».

قوله – علیه السلام -: «و أنت على کلّ شیءٍ قدیرٌ» مقرّرٌ لما قبله، لأنّه -سبحانه – إذا کان على کلّ شیءٍ قدیراً فکان قادراً على المذکورات.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ إِذَا ذُکِرَ الاَبْرَارُ، وَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ مَا اخْتَلَفَ اللَّیْلُ وَ النَّهَارُ، صَلاَةً لاَیَنْقَطِعُ مَدَدُهَا، وَ لاَیُحْصَى عَدَدُهَا، صَلاَةً تَشْحَنُ الْهَوَاءَ، وَ تَمْلاَُ الاَْرْضَ وَ السَّمَاءَ. صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ حَتَّى یَرْضَى، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ بَعْدَ الرِّضَا، صَلاَةً لاَحَدَّ لَهَا وَ لاَمُنْتَهَى، یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ.

<«إذا» ظرفٌ لزمان المستقبل متضمّنةٌ معنى الشرط، و جوابها هنا محذوفٌ وجوباً للاستغناء عنه - لدلالة قوله: «صلّ على محمّدٍ و آله -؛ و التقدیر: إذا ذکر الأبرار فصلّ على محمّدٍ و آله. و إنّما لم یجعل المتقدّم جواباً لأنّ للشرط صدر الکلام، فلم یجز تقدیم جوابه علیه

و إن ذهب الکوفیّون إلى أنّ الجواب هو المتقدّم. و ذهب ابن عصفور إلى أنّ «إذا» الشرطیّة تفید التکرار ک- «کلّما»، فإذا قلت: إذا جاءک زیدٌ فأکرمه أفادت انّ کلّما جاءک زیدٌ فأکرمه. فعلى هذا تقدیر العبارة: صلّ على محمّدٍ و آله کلّما ذکر الأبرار>(300) إشارةً إلى دوام الصلاة على النبیّ المصطفى و آله المصطَفَین الأخیار – علیهم الصلاة و السلام -، لأنّ الکلام فی قوّة قولنا: صلّ على محمّدٍ و آله مادام ذکرالأبرار، و الأبرار لایزالون مذکورین فصلّ علیه دائماً أبداً.

قوله – علیه السلام -: «ما اختلف اللیل و النهار».

«ما» مصدریّةٌ ظرفیّةٌ – أی: مدّة اختلاف اللیل و النهار -. و قد تقدّم الکلام على «اللیل» و «النهار» تحقیقاً و تأویلاً. و المراد ب- «اختلافهما» إمّا تعاقبهما بأن یجیء اللیل عقیب النهار و النهار عقیب اللیل، و إمّا زیادة أحدهما و نقصان الآخر، و إمّا ما اختلفتا بالنور و الظلام.

قوله – علیه السلام -: «صلاةً لاینقطع مددها» أی: صلاةً بعد صلاةٍ إلى غیر النهایة، کأنّ صلاةً تمدّ الصلاة الّتی قبلها.

«تشحن الهواء» – بالشین المعجمة و الهاء المهملة – بمعنى: تملاً؛ أی: تجعل الهواء مملوّاً – من معاملة المعقول معاملة المحسوس -.

قوله – علیه السلام -: «حتّى یرضى». إنّما فصّله عمّا قبله لاختلافهما خبراً و إنشاءً بحسب اللفظ و إن کان الثانی دعاءً أیضاً بحسب المعنى. و قال الفاضل الشارح: «جملةٌ منقطعةٌ ممّا قبلها لفظاً مستأنفةٌ إستئنافاً نحویّاً. و «حتّى» للغایة، أی: إلى أن یقول: رضیت. و لمّا کان الغایة تستلزم الإنتهاء – لأنّ کلّ شیءٍ إذا بلغ غایته انتهى و وقف عندها – لم یرض – علیه السلام – بذلک، بل سأل أن تکون الصلاة علیه بعد الرضا أیضاً، فقال: «و صلّى الله علیه و آله بعد الرضا» لتکون الصلاة علیه جاریةً مستمرّةً أبداً لاتقف عند حدٍّ و لاتنتهی

عند غایةٍ؛ ثمّ بیّن ذلک بقوله: «صلاةً لاحدّ لها و لامنتهىً»(301)؛ انتهى کلامه.

أقول: لایخفى ما فیه!.

و قال شیخنا البهائیّ: «حتّى یرضى بصیغة الغائب و الضمیر للنبیّ – صلّى الله علیه و آله و سلّم -. و فیه إشارةٌ إلى ما وعده ربّه(302) بقوله – جلّ شأنه -: (وَ لَسَوفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرضَى)(303) و فی بعض الأحادیث الواردة(304) عن أصحاب العصمة – سلام الله علیهم -: «انّه – صلّى الله علیه و آله و سلّم – لایرضى و واحدٌ من أمّته فی النار!»(305)، و: «انّ هذه الآیة أبلغ فی الرجاء من آیة: (لاَتَقنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ)(202)»(306)؛ انتهى.

و التحقیق فی الصلاة ماذکرناه لک سابقاً من أنّ المصلّی فی الحقیقة هو الله -تعالى – جمعاً و تفصیلاً، فلاحدّ لها و لامنتهى؛ فتذکّر تفهم!.

قوله – علیه السلام -: «یا أرحم الراحمین» کلمة استعطافٍ ختم بها الدعاء مبالغةً فی طلب الإجابة و مناسبةً للصلاة الجمعیّة التفصیلیّة.

هذا آخر اللمعة الثانیة و الثلاثین من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة – علیه و على آبائه و أبنائه صلاةٌ غیر محصورةٍ -. و قد وفّقنی الله -تعالى – لإتمامها و إقتباس لمعاتها فی عصر یوم الأربعاء من العشر الأوّل من شهر رجب المرجّب سنة إحدى و ثلاثین و مأتین و ألفٍ من الهجرة.


1) کریمة 79 الإسراء.

2) إشارةٌ إلى قوله: «و ینبغی أن یتدعو بعد فراغک من صلاة اللیل – أعنی: الثلاث عشرة رکعة -بما کان یدعو به سیّد العابدین»، ثمّ ذکر هذا الدعاء؛ راجع: «مفتاح الفلاح» ص 345.

3) قارن: «نورالأنوار» ص 154، مع تغییرٍ یسیر.

4) قال: «و من دعاء علیّ بن الحسین – علیه السلام – بعد صلاة اللیل فی الإعتراف بذنبه…»؛راجع: «مصباح المتهجّد» ص 188.

5) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 12.

6) کما عن الرضی: «و قال الخلیل: و زن «ذو» فعل بالسکون، و اللام محذوفةٌ فی جمیع متصرّفات«ذو» إلّا فی ذات و ذوات»؛ راجع: «شرح الرضی على الکافیة» ج 2 ص 276.

7) دیوان الأدب: و منها ما یکون.

8) کریمة 53 المؤمنون.

9) راجع: «دیوان الأدب» ج 2 ص 466 القائمة 1.

10) راجع: «صحاح اللغة» ج 5 ص 2011 القائمة 2.

11) إشارةٌ إلى قول محقّق الداماد، راجع: «شرح الصحیفة» ص 289.

12) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 13.

13) کریمة 34 الأنبیاء.

14) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 1 ص 261.

15) راجع: «بحارالأنوار» ج 28 ص 239، و انظر أیضاً: «الکافی» ج 1 ص 88 الحدیث 3.

16) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 14.

17) کریمة 28 لقمان.

18) کریمة 76 یوسف.

19) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 15.

20) راجع: «الإلهیّات من المحاکمات» ص 398، «المحاکمات» المطبوع بذیل شرح الطوسی على الإشارات و التنبیهات ج 3 ص 308.

21) المصدر: إنعدام.

22) المصدر: ذکر.

23) المصدر: أن لانرى.

24) المصدر: لم یکن.

25) المصدر: + جمیع.

26) المصدر: أ.

27) المصدر: أو.

28) راجع: «الحاشیة على شروح الإشارات» للمحقّق الآقا حسین الخوانساری ج 2 ص 680.

29) کریمة 33 الإسراء.

30) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 17.

31) راجع: «الکافی» ج 4 ص 225 الحدیث 3، «التهذیب» ج 2 ص 106 الحدیث 170، «وسائل الشیعة» ج 6 ص 472 الحدیث 8473، «مستدرک الوسائل» ج 10 ص 238 الحدیث12134، «بحارالأنوار» ج 21 ص 105.

32) کریمة 6 الرعد.

33) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 18.

34) و انظر: «الحکمة المتعالیة» ج 3 ص 143، ج 7 ص 305 الحاشیة 2.

35) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 19.

36) کریمة 54 المائدة / 21 الحدید / 4 الجمعة.

37) لم أعثر علیه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 55 ص 109.

38) و للحکیم الخواجوئی رسالةٌ مفردةٌ فی إبطال الزمان الموهوم، ردّ فیها على المحقّق العلّامةجمال‌الدین الخوانساری، راجع: «منتخباتى از آثار حکماى إلهى ایران» ج 4 ص 233؛ وانظر: أیضاً «مرآت الأزمان» للحکیم الفسائی.

39) إلى هنا تحریر کلام محقّق الداماد، راجع: «القبسات» ص 31.

40) هذا تحریر کلام صدرالمتألّهین، راجع: «الحکمة المتعالیة» ج 3 ص 160.

41) کریمة 63 النمل.

42) کریمة 17 نوح.

43) کریمة 8 المزمّل.

44) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 22.

45) قارن: «نورالأنوار» ص 154.

46) کذا فی النسختین، و فی المصدر: الدین.

47) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 25.

48) راجع: «نهج البلاغة» الخطبة الأولى ص 39، و انظر: «الکافی» ج 1 ص 140 الحدیث 6،«بحارالأنوار» ج 54 ص 166، «شرح نهج البلاغة» ج 1 ص 77.

49) المصدر: + فیک.

50) راجع: «الکافی» ج 1 ص 98 الحدیث 7، «بحارالأنوار» ج 55 ص 161، «التوحید» ص108 الحدیث 3.

51) راجع: «بحارالأنوار» ج 4 ص 369، «التوحید» ص 41 الحدیث 3، «الغارات» ج 1 ص 98.

52) الکافی: فنفى – علیه السلام – أقاویل.

53) راجع: «الکافی» ج 1 ص 136 ذیل الحدیث 1.

54) راجع: نفس المصدر ص 155.

55) کریمة 97 المائدة.

56) کریمة 1 الإخلاص.

57) کریمة 13 الحاقّة.

58) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 30.

59) کریمة 156 الأعراف / 7 غافر.

60) قارن: «نورالأنوار» ص 155.

61) المصدر: + أی.

62) هیهنا حذف المصنّف قطعةً من المصدر.

63) راجع: «دیوان الأدب» ج 4 ص 200 القائمة 1.

64) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 39.

65) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 45.

66) کریمة 61 یونس.

67) کریمة 12 الطلاق.

68) لم أعثر على هذا الکتاب.

69) و انظر: «شرح الصحیفة» ص 291.

70) کریمة 141 النساء.

71) راجع: «صحاح اللغة» ج 2 ص 563 القائمة 2.

72) قال: «و ذلک نحو قولهم:… استحوذ…، فکلّ هذا فیه اللغة المطّردة إلّا انّا لم‌نسمعهم»؛ راجع: «الکتاب» ج 4 ص 346.

73) لم أعثر على هذا الکتاب، و لا على متنه الّذی نقل المصنّف قطعةً منه قبل سطرین.

74) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 45.

75) کریمة 280 البقرة.

76) کریمات 14 / 15 / 16 الأعراف.

77) کریمات 36 / 37 / 38 الحجر.

78) کما قال الطبرسیّ فی تفسیر الکریمة: «أی: یبعث الخلق من قبولهم للجزاء»؛ راجع: «مجمع البیان» ج 4 ص 226.

79) راجع: «علل الشرائع» ج 2 ص 402 الحدیث 2، و انظر: «بحارالأنوار» ج 96 ص 32.

80) کریمة 73 الأنعام / 102 طه / 87 النمل / 18 النبأ.

81) راجع: «تفسیر العیاشی» ج 2 ص 424 الحدیث 14، و انظر: «بحارالأنوار» ج 52 ص 376.

82) المصدر: أ تحسب.

83) راجع: «تفسیر القمّی» ج 2 ص 245، و انظر أیضاً: «بحارالأنوار» ج 60 ص 244،«القصص» – للجزائریّ – ص 37.

84) مصدر الحدیث: + تلک.

85) راجع: «تفسیر العیّاشی» ج 2 ص 241 الحدیث 13، «بحارالأنوار» ج 60 ص 254.

86) قارن: «نورالأنوار» ص 156.

87) هذا القول حکاه ابن أبی الحدید فی عداد النبویّات، راجع: «شرح نهج البلاغة» ج 11ص 78.

88) کریمة 50 الذاریات.

89) المصدر: با تو چنین.

90) راجع: «مثنوی معنوی» ج 3 ص 98 البیت 3.

91) المصدر: + و.

92) کریمة 11 الشورى.

93) کریمتان 105 / 106 هود.

94) کریمة 53 المؤمنون / 32 الروم.

95) کریمة 40 آل عمران / 18 الحج.

96) کریمة 1 المائدة.

97) کریمة 45 النازعات.

98) المصدر: یعود.

99) المصدر: + على.

100) کریمة 125 التوبة.

101) کریمة 165 النساء.

102) کریمة 134 طه.

103) کریمة 6 البقرة / 10 یس.

104) المصدر: نازلٌ.

105) کریمة 107 الأنبیاء.

106) کریمة 119 هود.

107) کریمة 115 الأنعام.

108) کریمة 113 السجدة.

109) راجع: «مفاتیح الغیب» ج 1 ص 242.

110) کریمة 85 الإسراء.

111) المصدر: و کلّ إنسانٍ ففیه.

112) هذا کلام محقّق الفیض، راجع: «المحجّة البیضاء» ج 5 ص 18، مع اختصارٍ.

113) کریمة 28 النساء.

114) کریمة 75 ص.

115) کریمة 12 الأعراف.

116) کریمة 30 الأنبیاء.

117) لم أعثر علیه. و انظر: «الکافی» ج 2 ص 7 الحدیث 2، «بحارالأنوار» ج 5 ص 257.

118) کریمة 72 ص / 29 الحجر.

119) لم أعثر علیه، لا فی مصادرنا و لا فی مصادر العامّة.

120) کریمتان 71، 72 ص.

121) کریمة 13 الأعراف.

122) کریمة 34 البقرة / 74 ص.

123) راجع: «الملل و النحل» ج 1 ص 23.

124) کریمة 59 آل عمران.

125) کریمات 36، 37، 38 الحجر.

126) راجع: «الملل و النحل» ج 1 ص 25.

127) لم أعثر على هذه العبارة بین آثاره المطبوعة الحکمیّة و التفسیریّة.

128) کریمة 37 ق.

129) کریمة 23 الأنبیاء.

130) لم أعثر علیه. نعم، قال المفید: «و قد نطق القرآن بأنّ الخلق مسؤولون»؛ راجع: «تصحیح الإعتقاد» ص 59، و انظر أیضاً: «بحارالأنوار» ج 5 ص 101.

131) کریمة 5 السجدة.

132) کریمة 29 الأعراف.

133) کریمة 50 طه.

134) کریمة 42 الأنفال.

135) کریمتان 6، 7 الهمزة.

136) کریمة 49 التوبة / 54 العنکبوت.

137) کریمة 36 النازعات.

138) کریمات 5، 6، 7 التکاثر.

139) کریمتان 9، 10 العادیات.

140) کریمة 42 الحجر / 65 الإسراء.

141) کریمة 100 النحل.

142) کریمة 97 الأعراف / 19 القلم.

143) لم أعثر علیه أیضاً.

144) کریمة 142 البقرة / 213 البقرة / 46 النور.

145) لم أعثر على القطعة بین آثار صدرالمتألّهین، و هو – قدّس سرّه – یذکر هذه الشبه بین حینٍ وحینٍ، فراجع: «تفسیر القرآن الکریم» ج 2 ص 265، ج 4 ص 256. و من الغریب انّ العبارةالّتی نقلها عن الرازی و أخذ فیها علیه ذکرها هو أیضاً من غیر ردٍّ علیه، راجع: نفس المصدرج 5 ص 275.

146) تلمیح إلى کریمة 51 التوبة.

147) لم أعثر علیه.

148) کریمة 16 الحشر.

149) هذا مفادّ کلام المحقّق البهائی، راجع: «مفتاح الفلاح» ص 278.

150) کریمة 22 إبراهیم.

151) و هذا مفادّ کلام العلّامة المدنی، راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 56.

152) هذا أیضاً کلام الشیخ البهائی، راجع: «مفتاح الفلاح» ص 278.

153) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 59.

154) کریمة 22 الجن.

155) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 60.

156) تلمیحٌ إلى کریمة 156 الأعراف.

157) هیهنا حذف المصنّف قطعةً واسعةً من المصدر.

158) راجع: «غرائب القرآن» ج 2 ص 119.

159) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 61.

160) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 63.

161) کریمة 90 النحل.

162) المصدر: – لی.

163) المصدر: + ما.

164) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 63.

165) راجع: «القاموس المحیط» ص 936 القائمة 1.

166) راجع: «صحاح اللغة» ج 1 ص 552 القائمة 1.

167) لم أعثر علیه فی «تفسیر القمّی».

168) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 66.

169) و انظر: «شرح الصحیفة» ص 292.

170) کریمة 1 الإسراء.

171) کما قال الزمخشریّ: «فان قلت: الإسراء لایکون إلّا باللیل، فما معنى ذکر «اللیل»؟، قلت: أرادبقوله: «لیلاً» بلفظ التنکیر تقلیل مدّة الإسراء، و انّه أسری به بعض اللیل…؛ و ذلک انّالتنکیر فیه قد دلّ على معنى البعضیّة»؛ راجع: «الکشّاف» ج 2 ص 436.

172) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 67.

173) لتفصیل تلک الأقوال راجع: «مغنی اللبیب»، الوجه الثالث من وجوه «حاشا» ج 1 ص 165.

174) انظر: «شرح الصحیفة» ص 293.

175) قال فی مادّة «وظف»: «و کسفینة: ما یقدّر لک فی الیوم من طعامٍ أو رزقٍ و نحوه، و العهد والشرط»؛ راجع: «القاموس المحیط» ص 794 القائمة 1.

176) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 71.

177) کما عن الفیروزآبادیّ، راجع: «القاموس المحیط» ص 1008 القائمة 2.

178) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 73.

179) کریمة 229 البقرة.

180) کریمة 187 البقرة.

181) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 74.

182) هذا قول أبی علیٍّ الرودباری، راجع: «الرسالة القشیریّة» ص 222.

183) راجع: نفس المصدر ص 223.

184) المصدر: للسماحة.

185) المصدر: و الدرجة.

186) المصدر: هممهم.

187) راجع: «شرح منازل السائرین» للعارف الکاشانی ص 134.

188) المصدر: لیس.

189) راجع: «الکافی» ج 2 ص 67 الحدیث 1، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 15 ص 216 الحدیث20311، «مستدرک الوسائل» ج 11 ص 224 الحدیث 12807، «تحف العقول» ص 375.

190) کریمة 28 فاطر.

191) کریمة 8 البیّنة.

192) کریمة 28 / 30 آل عمران.

193) کریمة 41 البقرة.

194) کریمة 14 إبراهیم.

195) کریمة 21 الأحزاب / 6 الممتحنة.

196) کریمة 106 التوبة.

197) راجع – مع تغییرٍ یسیر -: «الکافی» ج 3 ص 469 الحدیث 7، «التهذیب» ج 3 ص 185الحدیث 1، «وسائل الشیعة» ج 8 ص 106 الحدیث 10182، «بحارالأنوار» ج 95 ص 417.

198) کریمة 40 البقرة.

199) کریمة 115 المؤمنون.

200) کریمة 36 القیامة.

201) کریمة 2 العنکبوت.

202) کریمة 53 الزمر.

203) کریمة 135 آل عمران.

204) کریمة 3 غافر.

205) کریمة 25 الشورى.

206) کریمة 54 الأنعام.

207) کریمة 156 الأعراف.

208) کریمة 16 الکهف.

209) کریمة 11 الأحقاف.

210) شرح الکافیة: – و قوله… الکهف.

211) کریمة 13 المجادلة.

212) شرح الکافیة: + قولهم.

213) شرح الکافیة: + على ما مرّ فی الجوازم.

214) شرح الکافیة: ذلک.

215) راجع: «شرح الرضی على الکافیة» ج 4 ص 475.

216) کریمة 5 المدّثر.

217) راجع: نفس المصدر، مع تغییرٍ یسیر.

218) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 78.

219) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 79.

220) کریمة 173 النساء.

221) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 81.

222) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 82.

223) کما عن الرضی: «و هو عند سیبویه قیاسٌ من باب أفعل مع کونه ذا زیادةٍ»؛ راجع: «شرح الرضی على الکافیة» ج 3 ص 451.

224) راجع: نفس المصدر.

225) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 83.

226) هذا نصّ کلام السیّد نورالدین الجزائریّ، راجع: «فروق اللغات» ص 133.

227) المصدر: + إذا.

228) راجع: «صحاح اللغة» ج 2 ص 625 القائمة 1.

229) هذا قول محقّق المدنی، راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 84، و انظر: «القاموس المحیط» ص111 القائمة 1.

230) راجع: «القانون»، الجملة الأولى فی العظام، الفصل السادس فی منفعة الصلب، الفائدة الثالثة،ج 1 ص 28.

231) راجع: «صحاح اللغة» ج 4 ص 1511 القائمة 1.

232) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 84.

233) «القانون»: لبنیّاً.

234) «القانون»: + و یستحیل.

235) راجع: «القانون»، الفنّ العشرون، المقالة الاولى، فصلٌ فی سبب المنی ج 2 ص 534.

236) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 86.

237) لم أعثر على العبارة فی الشفاء، نعم قال الشیخ: «و اعلم! انّ المشابهة مقتضاه التولید، فانّ التولید إیجاد شیءٍ هو شبیهٌ بالمولود…. فالعامّة أن تکون مشابهةً فی الإنسانیّة أو الترکیّة أوالحبشیّة»؛ راجع: «الشفاء»، الحیوان ص 422. و ذکر فی الکتاب بعض ما شاهده من غرائب الولادات، راجع: نفس المصدر صص 422، 180.

238) کریمة 3 الشورى.

239) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 89.

240) راجع: «مفتاح الفلاح» ص 355.

241) کریمتان 23، 24 الرعد.

242) راجع: «النهایة» ج 5 ص 75.

243) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 90.

244) کریمات 12، 13، 14 المؤمنون.

245) کریمة 7 الإنفطار.

246) کریمة 8 الإنفطار.

247) کریمة 6 آل عمران.

248) کریمتان 58، 59 الواقعة.

249) لم أعثر علیه بألفاظه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 5 ص 154، «علل الشرائع» ج 1 ص 95الحدیث 4.

250) کریمة 56 النساء.

251) هکذا العبارة فی النسختین.

252) کریمة 6 الإنشقاق.

253) کریمة 38 الأنعام.

254) المصدر: فم المرأة.

255) راجع – مع تغییرٍ واسع -: «الکافی» ج 6 ص 13، «بحارالأنوار» ج 57 ص 344.

256) المصدر: – یدخل.

257) راجع: «الکافی» ج 1 ص 15 الحدیث 5، «بحارالأنوار» ج 57 ص 363.

258) قارن: «نورالأنوار» ص 157.

259) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 97.

260) قارن: «نورالأنوار» ص 158.

261) کذا فی النسختین، و فی المصدر: ترکته یقوم به.

262) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 98.

263) کریمة 42 القمر.

264) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 98.

265) قارن: نفس المصدر أیضاً ص 99.

266) کما حکاه العلّامة المدنی، انظر: نفس المصدر ص 101.

267) المصدر: + و مملکةً بضمّ المیم أو یتثلّث.

268) راجع: «القاموس المحیط» ص 878 القائمة 2.

269) کریمة 27 الفرقان.

270) راجع: «صحاح اللغة» ج 5 ص 1724 القائمة 1.

271) کریمة 48 الذاریات.

272) لم أعثر علیه بألفاظه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 68 ص 36، «إرشاد القلوب» ج 1 ص 122،«عدّة الداعی» ص 239، «مجموعة ورّام» ج 2 ص 17.

273) کریمة 70 الفرقان.

274) کریمة 73 التوبة / 9 التحریم.

275) لم أعثر علیه بألفاظه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 8 ص 280، «إرشاد القلوب» ج 1 ص 106،«تفسیر القمّی» ج 2 ص 81، «روضة الواعظین» ج 2 ص 506. و انظر: «نورالأنوار»ص 158.

276) لم أعثر علیه، و انظر: «نورالأنوار» ص 159.

277) لم أعثر علیه بألفاظه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 8 ص 283، «علل الشرائع» ج 1 ص 247الحدیث 1.

278) راجع: «تفسیر الکشّاف» ج 3 ص 331.

279) راجع: «النهایة» ج 1 ص 147.

280) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 111.

281) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 112.

282) راجع: «القاموس المحیط» ص 984 القائمة 2.

283) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 113.

284) لم أعثر علیه بألفاظه، و انظر: «تفسیر القمّی» ج 1 ص 376.

285) راجع: نفس المصدر ج 2 ص 426، «بحارالأنوار» ج 8 ص 245.

286) راجع – مع تغییرٍ -: «روضة الواعظین» ج 2 ص 508، و انظر: «نورالأنوار» ص 159.

287) راجع: نفس المصدرین أیضاً.

288) لم أعثر علیه بألفاظه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 8 ص 241، «الفضائل» ص 31.

289) البیت لجریر، و تمامه: یَا تَیمُ تَیمَ عَدِیٍّ لاَ أَبَا لَکُمُ++لاَ یُوقِعَنَّکُمُ فِی سُوءَةٍ عُمَرُراجع: «دیوانه» ص 285.

290) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 115.

291) مصدر الحدیث: + فی کلّ شهرٍ.

292) راجع: «الکافی» ج 3 ص 86 الحدیث 1، «التهذیب» ج 1 ص 381 الحدیث 6، «وسائل الشیعة» ج 2 ص 288 الحدیث 2159.

293) البیت للفرزدق، راجع: «دیوانه» ص 215.

294) راجع: «شرح الرضی على الکافیة» ج 2 ص 259.

295) کریمة 15 محمّد.

296) کریمتان 19، 20 الحج.

297) راجع: «بحارالأنوار» ج 8 ص 252.

298) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 115.

299) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 119.

300) قارن: نفس المصدر.

301) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 121.

302) المصدر: به.

303) کریمة 5 الضحى.

304) المصدر: – الواردة.

305) لم أعثر علیه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 16 ص 143، ج 83 ص 91، و انظر أیضاً: «نورالأنوار» ص 160.

306) راجع: «مفتاح الفلاح» ص 358.