جستجو
این کادر جستجو را ببندید.

اللمعة التاسعة و الثلاثون فی شرح الدعاء التاسع و الثلاثین

زمان مطالعه: 22 دقیقه

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله الّذی هو الجدیر بطلب العفو و الرحمة، و البصیر بتجاوز الذنب و النقمة؛ و الصلاة و السلام على نبیّه الّذی هو المبعوث بالرحمة و العطوفة، و على آله و أهل بیته الّذین بولائهم یدفع العقوبة.

و بعد؛ فیقول العبد المحتاج إلى الرحمة و الرأفة من الحضرة الأحدیّة محمّد باقر بن السیّد محمّد من السادات الموسویّة: هذه اللمعة التاسعة و الثلاثون من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة – علیه و على آبائه و أبنائه صلواتٌ غیر متناهیةٍ -.

وَ کَانَ مِنْ دُعَائِهِ – عَلَیْهِ السَّلاَمُ – فِی طَلَبِ الْعَفْوِ وَ الرَّحْمَةِ.

«العفو»: هو التجاوز عن الذنب و ترک العقوبة.

و «الرحمة»: هی رقّة القلب و العطوفة؛ و قد تقدّم الکلام علیهما فی اللمعات السابقة.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اکْسِرْ شَهْوَتِی عَنْ کُلِّ مَحْرَمٍ، وَ ازْوِ حِرْصِی عَنْ کُلِّ مَأْثَمٍ، وَ امْنَعْنِی عَنْ أَذَى کُلِّ مُوْمِنٍ وَ مُوْمِنَةٍ، وَ مُسْلِمٍ وَ مُسْلِمَةٍ.

و «اکسر»: أمرٌ، یقال: کسرت الرجل عن مراده: صرفته عنه، و أصله من: کسر العود و

نحوه؛ أی: اصرف شهوتی عن کلّ ما حرمته حتّى لاأرتکبه.

<و «الشهوة»: نزوع النفس إلى ما تریده. و عرّفت بأنّها قوّةٌ نفسانیّةٌ باعثةٌ على جلب النفع، و یقابلها الغضب>(1) و قد تقدّم أنّها أصعب القوى النفسانیّة مداواةً و إصلاحاً، فانّ قمعها و کسرها عسرٌ جدّاً، لأنّها أقدم القوى وجوداً فی الإنسان و أشدّها به تشبّثاً و أکثرها منه تمکّنا!. فانّها تولد معه و توجد فیه قبل قوّة الغضب و قبل قوّة الفکر و النطق و التمییز؛ و لذلک بدأ – علیه السلام – بسؤال کسرها و صرفها عن کلّ محرمٍ.

و «ازْوِ» – بسکون الزاء و کسر الواو، من باب ضرب، لفیفٌ مقرونٌ ناقصٌ یائیٌّ محذوف الیاء من صیغة الأمر – أی: اقبض؛ و فی الصحاح: «زویت الشیء: جمعته و قبضته»(2) ثمّ استعمل مجازاً فی التحنیة و الصرف؛ و منه حدیث الدعاء: «و مازویت عنّی ممّا أحبّ»(3)، أی: صرفته و نحیته.

و «المأثم»: مصدرٌ میمیٌّ وضع موضع الإسم بمعنى: الإثم، و هو: الذنب.

و «الإیمان» و «الإسلام» قد مرّ معناهما فیما تقدّم؛ و عطف «المسلم» على «المؤمن» من باب التتمیم – بناءً على أنّ الإسلام دون الإیمان -.

اللَّهُمَّ وَ أَیُّمَا عَبْدٍ نَالَ مِنِّی مَا حَظَرْتَ عَلَیْهِ، وَ انْتَهَکَ مِنِّی مَا حَجَزْتَ عَلَیْهِ، فَمَضَى بِظُلاَمَتِی مَیِّتاً، أَوْ حَصَلَتْ لِی قِبَلَهُ حَیّاً فَاغْفِرْ لَهُ مَا أَلَمَّ بِهِ مِنِّی، وَ اعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّی، وَ لاَتَقِفْهُ عَلَى مَا ارْتَکَبَ فِیَّ، وَ لاَتَکْشِفْهُ عَمَّا اکْتَسَبَ بِی.

<و «أیّ»: اسم شرطٍ مرفوعٌ بالإبتداء.

و «ما» إمّا زائدةٌ لتأکید الإبهام فی «أیّ» و «عبد» مخفوضٌ بإضافة «أیّ» إلیه، و إمّا نکرةٌ و «عبد» بدلٌ منها>(4)

و الخبر هو جملة «نال منّی»؛ و قیل: «هو جملة الجزاء – و هو قوله: «فاغفر له» -»؛

و قیل: «الشرط مع جزائه هو الخبر»؛ و قد تقدّم الکلام علیه فی اللمعة الحادیة و الثلاثین.

قوله: «نال منّی» أی: أصاب من قبلی، من: نال الشیء یناله نیلاً: أصابه.

قوله: «ما حظرت علیه» أی: ما حرمته علیه. و أصل «الحظر»: المنع، و عدّی ب- «على» لتضمینه معنى: التحریم. و مفعول «حظرت» محذوفٌ إطّراداً؛ أی: حظرته علیه.

و «انتهک» أی: تناول بما لایحلّ.

و «الحجر»: المنع. و فی نسخةٍ بالزاء المعجمة(5)، و هو من «الحجز» بمعنى: الفصل، و یرجع إلى معنى المنع أیضاً.

و «الضُلامة» – بالضمّ -: اسمٌ لما یطلبه المظلوم عند الظالم – کالمظلمة(6) -.

و «میّتاً»: نصب على الحال عن فاعل «مضى».

و «أو» لأحد الأمرین.

و «حصل» الشیء حصولاً – من باب قعد – و حصل لی علیه کذا: ثبت و وجب.

و «القِبَل» – على وزن العنب – بمعنى: عند؛ قال الفارابیّ فی دیوان الأدب: «یقال: لی قبل فلانٍ حقٌّ أی: عنده»(7)؛ أی: ثبت لی ظلامتی عنده حال کونه حیّاً. و قول بعضهم: «قبله أی: من جانبه»؛

تمحّلٌ لاداعی إلیه إلّا عدم اطّلاعه على ورود قِبَل بمعنى: عند(8) !. هکذا ذکره الفاضل الشارح.

أقول: لاتمحّل فی معنى القبل بمعنى الجانب أیضاً؛ فتبصّر!.

و «ألمّ به» أی: نزل به و قصده منّی. و قیل: «ألمّ بالذنب إلماماً: فعله»(9)

و «منّی» أی: من ظلمی؛ و فی الصحاح: «ألمّ الرجل: من اللمم، و هی(10): الذنوب الصغار»(11) و على هذا ففاعل «ألمّ» هو الشخص المسیء، و العائد إلى «ما» هو ضمیر «به»؛ أی: اغفر له ما باشر و أتى به فیّ و من قبلی من الذنب الصغیر؛ فحسن مقابلتها بالجملة الثانیة الّتی تضمّنت الإدبار.

و قوله – علیه السلام -: «عمّا أدبر به عنّی» أی: عمّا أذهبه عنّی؛ یقال: أدبر بالشیء: ذهب به.

و «لاتقفه على ما ارتکب فیّ» أی: لاتطّلعه علیه لئلّایصیر سبباً لإنفعاله. و فیه دلالةٌ على نهایة صفحه و کرمه – علیه و على آبائه و أولاده المعصومین الصلاة و السلام -. قال الجوهریّ: «وقفته على ذنبه: اطلعته علیه»(12) و أصله من الوقوف، و منه: یا واقف السرّ و

الخطیئات.

قیل: «و یحتمل أن یکون المجرّد بمعنى المزید، فقوله: «لاتقفه» بمعنى: لاتوقفه؛ و فی الحدیث: «من کان له ثواب سبعین نبیّاً و فی ذمّته درهمٌ من حقّ الناس یوقفونه و لاینفعه ذلک الثواب حتّى یؤدّی ما فی ذمّته»(13) و لهذا قال – علیه السلام -: لاتوقفه بسبب ما

ارتکبه من المظلمة فی حقّی. ف- «على» هنا للتعلیل(14) – مثلها فی قوله تعالى: (وَ لِتُکَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاکُمْ)(15)، و قوله سبحانه: (إِذَا اکْتَالُوا عَلَى النَّاسِ یَسْتَوفُونَ)(16)، أی: للناس، إمّا بمعنى الباء السببیّة، أو اللام»؛ انتهى.

و هو کما ترى!.

<و «فیّ» أی: بسببی - کقوله علیه السلام: «إنّ إمرأةً دخلت النار فی هرّةٍ حبستها»(17) -. و ترجع إلى الظرفیّة، کأنّ السبب متضمّنٌ للمسبّب تضمّن الظرف للمظروف>(18)

و «عن» فی قوله – علیه السلام -: «عما اکتسب» أیضاً للتعلیل – کما فی قوله تعالى: (إِلاَّ عَنْ مَوعِدَةٍ)(19)، و: (مَا نَحْنُ بِتَارِکِی آلِهَتِنَا عَنْ قَولِکَ)(20) -.

قوله – علیه السلام -: «بی» أی: بسببی.

وَ اجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِهِ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَ تَبَرَّعْتُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَیْهِمْ أَزْکَى صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِینَ، وَ أَعْلَى صِلاَتِ الْمُتَقَرِّبِینَ. وَ عَوِّضْنِی مِنْ عَفْوِی عَنْهُمْ عَفْوَکَ، وَ مِنْ دُعَائِی لَهُمْ رَحْمَتَکَ حَتَّى یَسْعَدَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِفَضْلِکَ، وَ یَنْجُوَ کُلٌّ مِنَّا بِمَنِّکَ.

«السماحة»: الجود؛ یقال: سمح بکذا یسمح سماحاً و سماحةً: جاد و أعطى، <و سامحه بکذا: أعطاه و تسامح. و أصله الاتّساع، و منه یقال: فی الحقّ مسمحٌ، أی: متّسعٌ و مندوحةٌ عن الباطل>(21)

و «العفو»: التفضّل و الإغماض و الستر.

و لمّا کان المراد من کلمة «أیّما» لیس الوحدة بل الکثرة و التعدّد، أورد ضمیر «عنهم» جمعاً، و فی نسخةٍ «عنه» باعتبار لفظة «أیّ».

<و «تبرّع» بالأمر: فعله غیر طالبٍ عوضاً.

و «الصدقة»: هی ما یخرجه من ماله على وجه القربة کالزکاة، لکن الصدقة فی الأصل یقال للمتبرّع به و الزکاة للواجب.

و «الزکآء» – بالمدّ -: النماء و الزیادة؛ یقال: أزکى الزرع: إذا حصل منه نموٌّ و زیادةٌ، و منه الزکاة لما یخرجه الإنسان من حقّ الله -سبحانه – إلى الفقراء، لأنّه سببٌ یرجى به الزکاء و البرکة>(22) و هو مفعول ثانٍ ل- «اجعل».

و «أعلى» أی: أشرف و أفضل، و هو عطفٌ على «أزکى».

و «الصلات»: جمع صِلة – بالکسر -. و أصله: وصل، حذفت الواو و عوّض منها هاءٌ فی آخرها؛ یقال: وصله وصلاً و صلةً – من باب وعد -. و أصله من اتّصال الأشیاء بعضها من بعضٍ، ثمّ استعمل فی العطاء فقیل: وصله بألف دینارٍ أی: أعطاه. و سمّوا العطیّة: صلةً وضعاً للمصدر موضع الإسم، و علیه عبارة الدعاء؛ أی: أشرف عطایا المتقرّبین.

و «عوّضه» تعویضاً: أعطاه عوض ما أخذ منه، أی: اجعل عفوک عنّی عوضاً من عفوی عنهم و رحمتک عوضاً من دعائی لهم بالغفران.

و «حتّى» إمّا بمعنى: کی – أی: کی یسعد کلٌّ منا -، و إمّا بمعنى: إلى؛ و المعنى: حتّى صار کلّ واحدٍ منّا من أهل السعادة، أمّا الظالم علیّ فلعفوک عنّی عوض عفوی عنه.

و «النجاة»: الخلاص.

و «المنّ»: الإنعام.

و لمّا فرغ – علیه السلام – من عفو ظلامته فی ذمّة الناس شرع فی استبراء حقّ الناس

فی ذمّته؛ فقال:

اللَّهُمَّ وَ أَیُّمَا عَبْدٍ مِنْ عَبِیدِکَ أَدْرَکَهُ مِنِّی دَرَکٌ، أَوْ مَسَّهُ مِنْ نَاحِیَتِی أَذىً، أَوْ لَحِقَهُ بِی أَوْ بِسَبَبِی ظُلْمٌ فَفُتُّهُ بِحَقِّهِ، أَوْ سَبَقْتُهُ بِمَظْلِمَتِهِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَرْضِهِ عَنِّی مِنْ وُجْدِکَ، وَ أَوْفِهِ حَقَّهُ مِنْ عِنْدِکَ.

«أدرکه» إدراکاً: أی: لحقه.

و «الدَرَک» – بفتحتین -: اسمٌ منه، ثمّ أطلق على ما فیه إثمٌ و تبعةٌ؛ أی: لحقه منّی لحاقٌ و شینٌ یوجب سخطک.

«أو لحقه بی» – أی: منّی – «أو بسببی» تبعةٌ أو ضررٌ ینبغی الخروج عن عهدتها، و منه الدَرَک فی البیع؛ و فی کلام أمیرالمؤمنین – علیه السلام -: «فما أدرک هذا المشتری من درکٍ -… إلى آخره -»(23)

ف- «أو» بمعنى: الواو حینئذٍ.

و «مسّه» الأذى: ناله و أصابه.

و «من ناحیتی» أی: من جانبی.

و قوله: «أو لحقه بی أو بسببی ظلمٌ» الأوّل إذا کان لحوق الظلم إیّاه منه بدون واسطةٍ، و الثانی إذا کان بواسطةٍ.

و «الباء» من قوله: «ففتّه بحقّه» للتعدیة، أی: کنت مفوّتاً لحقّه؛ یقال: فاته الأمر أی: ذهب عنه. و إذا تعدّی بالیاء کان بمعنى: أذهب حقّه. و قیل: «فتّته بحقّه أی: سبقته و ذهبت بحقّه، من: فاتنی فلانٌ أی: ذهب عنّی و فات منّی، و فاتنی فلانٌ بحقّی: ذهب عنّی متلبّساً بحقّی. و فی معناه قوله – علیه السلام -: «أو سبقته بمظلمته» أی: متلبّساً بمظلمته»(24)

و قوله: «أو سبقته بمظلمته» قیل: «انّه تأکیدٌ لما قبله»؛ و الظاهر انّه تأسیسٌ لاتأکیدٌ

بحمل «الحقّ» فی الفقرة الأولى على «الدین» و «المظلمة» فی الثانیة على «العین»؛ أو بحمل الأولى على الفوت بحقّه فی دار الدنیا – بأن یکون قد مات، أو یکون بعید الدار فلایمکنه استرداد حقّه، أو یکون ضعیفاً عن استرداده – و الثانیة على السبق بالمظلمة إلى الدار الآخرة.

و «المظلمة» بمعنى: الظلامة.

و «من وُجدک» – بالضمّ – أی: من سعة عطیّتک و غناک؛ أی: اعطه من غناک و سعتک حتّى یرضى عنّی فلایطالبنی بحقّه.

و «أوفه حقّه من عندک» أی: اعطه إیّاه وافیاً من فضلک، أو تفضّلاً من عندک.

ثُمَّ قِنِی مَا یُوجِبُ لَهُ حُکْمُکَ، وَ خَلِّصْنِی مِمَّا یَحْکُمُ بِهِ عَدْلُکَ، فَإِنَّ قُوَّتِی لاَتَسْتَقِلُّ بِنَقِمَتِکَ، وَ إِنَّ طَاقَتِی لاَتَنْهَضُ بِسُخْطِکَ، فَإِنَّکَ إِنْ تُکَافِنِی بِالْحَقِّ تُهْلِکْنِی، وَ إِلاَّ تَغَمَّدْنِی بِرَحْمَتِکَ تُوبِقْنِی.

«قنی»: فعل أمرٍ من الوقایة، أی: احفظنی ممّا یوجب حکمک من عذاب الظالمین و عقاب العاصین، لأنّ عفو المظلوم عن الظالم لایکفی فی إسقاط العذاب عن الظالم. إذ مذهب الحقّ انّ <ظلم العباد یتضمّن محظورین:

أحدهما: الذهاب بحقّ الخلق؛

و الثانی: معصیة الخالق بعدم الإجتناب لما نهى عنه>(25)، لأنّ من أخذ حقّ الناس خالف أمر الله. فلکلٍّ منهما مکافاةٌ و جزاءٌ برأسه و عقوبةٌ و مؤاخذةٌ بانفراده؛ و لذا سأل – علیه السلام – أوّلاً إسقاط حقّ خصمه و إرضاءه عنه، ثمّ التجاوز عمّا یوجبه التعدّی لحکمه -تعالى -. و إنّما قدّم الأوّل و عقّبه بالثانی، لأنّ حقوق الناس مبناها على الضنّة و الضیق، و حقوق الله -تعالى – مبناها على المسامحة؛ و لذلک جاء بکلمة التراخی إیذاناً

بفرط رحمته -تعالى – و مسامحته فی حقوقه. و على هذا ف- «اللام» من قوله: «یوجب له» للتعلیل؛ و الضمیر عائدٌ إلى «الظلم».

قوله: «فانّ قوّتی لاتستقلّ بنقمتک» أی: لاطاقة لی لتحمّل عذابک، یقال: فلانٌ یستقلّ بهذا الأمر أی: یقوی علیه و یطیقه.

و «نِقْمَة» – على وزن سرقة -: العذاب.

و «الطاقة»: القدرة.

و «النهوض»: القیام؛ أی: و إنّ طاقتی لاتقوم مع غضبک؛ فهذه الفقرة کالعطف التفسیریّ للأولى.

قوله – علیه السلام -: «فإنّک إن تکافنی بالحقّ» أی: تجازنی کما هو حقّ الجزاء.

قوله: «إلّا تغمدّنی» أی: إن لم تسترنی و تجلّلنی، استعارةٌ من غمد السیف.

و «إلّا» کلمتان: «إن» الشرطیّة و «لا» النافیة.

و «تغمّدنی»: فعلٌ مضارعٌ حذفت من أوّله أحد التائین، و الأصل: تتغمّدنی.

قوله: «توبقنی» أی: تهلکنی، جزاء الشرط؛ و فی الحدیث: «لیس أحدٌ(26) یدخل الجنّة بعمله؛

قیل: و لا أنت یا رسول الله؟!

قال: و لا أنا!، إلّا أن یتغمّدنی الله برحمته»(27)

اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَوْهِبُکَ – یَا إِلَهِی! – مَا لاَیُنْقِصُکَ بَذْلُهُ، وَ أَسْتَحْمِلُکَ مَا لاَیَبْهَظُکَ حَمْلُهُ. أَسْتَوْهِبُکَ – یَا إِلَهِی! – نَفْسِیَ الَّتِی لَمْ تَخْلُقْهَا لِتَمْتَنِعَ بِهَا مِنْ سُوءٍ، أَوْ لِتَطَرَّقَ بِهَا إِلَى نَفْعٍ، وَ لَکِنْ أَنْشَأْتَهَا إِثْبَاتاً لِقُدْرَتِکَ عَلَى

مِثْلِهَا، وَ احْتِجَاجاً بِهَا عَلَى شَکْلِهَا.

«استوهبک» أی: أطلب منک هبة «ما لاینقصک بذله».

و «الهبة»: العطاء من غیر عوضٍ.

<و «النقص»: الخسران فی الحظّ، و هو لازمٌ و متعدٍّ إلى مفعولٍ واحدٍ و مفعولین؛ یقال: نقص الشیء أی: ذهب منه شیءٌ بعد تمامه، و نقصت المال أی: أذهب منه شیئاً، و نقصت زیداً حقّه، و منه عبارة الدعاء؛ أی: ما ینقصک شیئاً. و حذف المفعول الثانی لمجرّد الإختصار مع قیام القرینة، لأنّ بذل الشیء لایوجب نقصاً فی الذات و إنّما یوجب نقص شیءٍ من ملک الباذل>(28)

قوله: «و أستحملک» أی: أطلب منک حمل ما لایثقلک حمله؛ و حاصله طلب الرفع و التخفیف، لأنّ العالم – و أضعاف أمثاله! – بالنسبة إلى جودک و کرمک لیس له قدرٌ، فلایثقل علیک ما أطلب من فیض جودک.

قال الفاضل الشارح: «و هذا من باب التمثیل. مثّل حال سؤاله -تعالى – محو ذنوبه – الّتی قد فدحته – و عفوه عنها بحال من یسأل قویّاً قادراً أن یحمل عنه ما قد أثقله من الحمل، إذ کان لایثقله و لایبهظه حمله؛ من غیر ذهابٍ إلى جهة حقیقةٍ بالنسبة إلى الله -تعالى، کما یذهب إلیه المجسّمة -؛ أو مجازٌ بأن یراد بال- «استحمال»: طلب العفو و الإغضاء – من قولهم: حملت ما کان منه أی: عفوت و أغضیت عنه -؛ و ب- «البهظ»: ضیق الصدر و کرب النفس و نحو ذلک. و إنّما المراد بالمفردات حقائقها فی نفسها – کما فی قولهم: «أراک تقدّم رجلاً و تؤخّر أخرى» -، و لکن لابالنسبة إلى الممثّل له بل بالنسبة إلى الممثل به. و هذا النوع من التمثیل قد یعبّر عنه بالتخییل، و هو تمثیلٌ خاصٌّ لإیقاعه فی الخیال تصویر المعانی العقلیّة بصور الأعیان الحسّیّة لکونها أظهر حضوراً و أکثر خطوراً. و هو بابٌ جلیلٌ فی علم البیان علیه یحمل کثیرٌ من متشابهات القرآن و السنّة»(29)؛ انتهى.

أقول: قولهم: «أراک تقدّم رجلاً و تؤخّر أخرى» مثلٌ مشهورٌ مورده ما حکی: انّه کتب الولید بن یزید لمّا بویع إلى مروان بن محمّد – و قد بلغه انّه متوقّفٌ فی البیعة له -: «أمّا بعد؛ فانّی أراک تقدّم رجلاً و تؤخّر أخرى، فإذا أتاک کتابی هذا فاعتمد على أیّتهما شئت!؛ و السلام».

و مضربه کلّ متردّدٍ فی أمرٍ لایستقرّ رأیه على شیءٍ واحدٍ من فعله أو ترکه. و وجه التمثیل فی قولهم للّذی لایثبت على رأیٍ واحدٍ: «أراک تقدّم رجلاً و تؤخّر أخرى»: انّه مثّلت حاله فی تحیّره و عدم ترجیحه أحد الرأیین على الآخر و المضی على أحدها بحال من یتردّد فی ذهابه، فلایجمع رجلیه للمضی فی وجهه و یتذبذب.

مثّل أهل البیان بهذا المثَل للإستعارة التمثیلیّة؛ فقالوا: المجاز المرکّب هو اللفظ المستعمل فیما شبّه بمعناه الأصلیّ تشبیه التمثیل، و هو مایکون وجهه منتزعاً من متعدّدٍ مبالغةً فی التشبیه، و هو الإستعارة التمثیلیّة. و ذلک بأن یشبه إحدى الصورتین المنتزعتین من متعدّدٍ بالأخرى ثمّ یدّعى انّ الصورة المشبّهة من جنس الصورة المشبّه بها. فیطلق على الصورة المشبّهة اللفظ الدالّ بالمطابقة على الصورة المشبّه بها، کما یقال للمتردّد فی أمرٍ: «انّی أراک تقدّم رجلاً و تؤخّر أخرى».

و هو من کلام القدماء على الأصحّ، و انّما استعمله الولید على طریق التضمین و التمثیل به، حیث شبّه صورة تردّد مروان فی المبایعة بصورة تردّد من قام لیذهب فی أمرٍ، فتارةً یرید الذهاب فیقدّم رجلاً و تارةً لایرید فیؤخّر أخرى؛ فاستعمل الکلام الدالّ على هذه الصورة فی تلک. و وجه الشبه – و هو الإقدام تارةً و الإحجام أخرى – منتزعٌ من عدّة أمورٍ؛ کماترى.

و فی هذا المثل إشکالٌ مشهورٌ؛ و هو: انّ المتردّد الّذی یقدّم رجلاً لایؤخّر أخرى، بل تلک الرجل الأولى؛ نعم! یخطوا خطوةً إلى قدّام و خطوةً إلى خلفٍ.

و الجواب: تقدّم رجلاً مرّةً و تؤخّره مرةً أخرى، فالرجل مرّةً توصف بالتقدّم و مرّةً أخرى بالتأخّر. و قد ذکروا فیه وجوهاً أخر لانطول الکتاب بذکرها.

و المَثَل فی أصل کلامهم بمعنى: المثل – و هو: النظیر -، فیقال: مثل و مثّل و مثل و مثل شبه و شبیه؛ ثمّ قیل للقول السائر الممثّل مضربه بمورده: مَثَلٌ. و لم یضربوا مثلاً و لارأوه أهلاً للتشبیه و لاجدیراً بالتداول و القبول إلّا قولاً فیه غرابةٌ و حسنٌ و ملاحةٌ من بعض الوجوه. و من ثمّ حوفظ علیه و حمی عن التغیّر. و لأنّه فی الحقیقة استعارةٌ، فلو غیّر لما کان لفظ المشبّه به بعینه، فلایکون استعارةً، فلایکون مثلاً.

و قال المیدانیّ: «المَثَل فی اللغة بمعنى: المِثْل، ثمّ سمّیت هذه الجملة المرسلة بذاتها المشتهرة بالتداول مثَلاً، لأنّ المحاضر بها یجعل موردها مثلاً و نظیراً لمضربها؛ فاذا قلت مثلاً لمن یطلب شیئاً قد فاته على نفسه ففرط الحاجة فی وقت إمکانها ثمّ طلبه فی وقت فواتها: «بالصیف ضیّعتِ اللبن» فقد جعلت قصّة بنت لقیط مثل قصّته و نزلتهما منزلةً واحدةً، و لهذا قالوا: «التاء» من «ضیّعتِ» مکسورةٌ أبداً على کلّ حالٍ -: سواءٌ کان المخاطب به مذکّراً أو مؤنّثاً، أو إثنین أو جماعةً -؛ و هکذا الحکم فی جمیع الأمثال، فلایجوز تغیّرها و یجب أداؤها کما هی»(30)

و قال المبرّد: «المَثَل مأخوذٌ من المثال، و هو قولٌ سائرٌ یشبّه به حال الثانی بالأوّل؛ و الأصل فیه التشبیه»(31)؛

و قال ابن السکّیت: «المثل لفظٌ یخالف لفظ المضروب له و یوافق معناه معنى ذلک اللفظ، شبّهوه بالمثال الّذی یعمل علیه غیره»(32)؛

و قال أبوحیّان: «سمّیت الحکم القائم صدقها فی العقول أمثالاً، من: المثول، و هو: الانتصاب؛ لأنّها منتصبة الصور فی العقول»(33)

و المَثَل قد یکون کلاماً منثوراً، و قد یکون مصراعاً، أو بیتاً بتمامه. و الأمثال فی الأکثر تتضمّن حکماً و مواعظ و نصائح و آداباً و نکاتٍ و تجارباً و لطائف و نحوها.

و روی عن ابن عبّاس – رضی الله عنه – انّه قال: «ما تکلّم رسول الله بشیءٍ إلّا و صار مثلاً لم یسبقه أحدٌ إلیه»(13)؛

فمن ذلک قوله(34) – علیه السلام – فی مجالس عدیدة: «لایلدغ المؤمن من حجرٍ مرّتین»(35)؛

«لاتجنی على المرء إلّا ید القوّة»؛

«الشدید من غلب نفسه الهوى(36)»(37)؛

«لیس الخبر کالمعاینة»؛(38)

«الشاهد یرى ما لایرى الغائب»(39)؛

«ساقی القوم آخرهم شرباً»(40)؛

«الحرب خدعةٌ»(41)؛

«إبدأ بنفسک ثمّ تقول(42)»(43)؛

«المسلم مرآة المسلم»؛

«المؤمن مرآة المؤمن»(44)؛

«الناس سواءٌ کأسنان المشط»(45)؛

«الناس کإبلٍ مأة لاتجد فیها راحلة»(46)؛

«الغنى غنى النفس لاغنى المال»(47)؛

«ترک الشرّ صدقةٌ»(48)؛

«سیّد القوم خادمهم»(49)؛

«انّ من الشعر لحکمةً و انّ من البیان لسحراً»(50)؛

«استعینوا على قضاء الحوائج بالکتمان»(51)؛

«المستشار مؤتمن فلینصح(52)»(53)؛

«من لایَرحم لایُرحم»(54)؛

«العائد فی هبته کالعائد فی قیئه»(55)؛

«الدالّ على الخیر کفاعله»(56)؛

«کلّ معروفٍ صدقةٌ»(57)؛

«مطل الغنیّ ظلمٌ»(58)؛

«السفر قطعةٌ من السقر(59)»(60)؛

«المسلمون عند شروطهم»(61)؛

«الناس مسلّطون على أموالهم»(62)؛

«من حفر بئراً لأخیه وقع فیها»(63)؛

«من هتک حجاب غیره انکشف عورته»(64)؛

«کما تدین تدان»(65)؛

«من نسی(66) زلّة نفسه استعظم زلّة غیره»(67)؛

«من استغنى بعقل نفسه ضلّ»(68)؛

و «من تکبّر على الناس زلّ»(69)؛

و «من تعمّق فی العمل ملّ»؛

و «من فخر على الناس ذلّ»؛

و «من سفه علیهم شتم»؛

و «من خاصم الأوباش لطم»؛

و «من صاحب الأراذل حقر»؛

و «من جالس العلماء وقّر»(70)؛

و «من دخل مدخل(71) السوء اتّهم»(72)؛

و «من تهاون بالدین ارتظم(73)»(74)؛

و «من اغتنم أموال الناس افتقر»؛

و «من جهل موضع قدمه مسیءٌ فی الندامة»(75)؛

و «من لم یجرّب الأمور خدع»(76)؛

و «من راقب أجله قصر أمله»(77)؛

«لا سرور إلّا مع الأمن»؛

و «لالذّة إلّا مع العافیّة»؛

«کلام العاقل أکثره مالٌ و کلام الجاهل أکثره وبالٌ»؛

«الألسن الفصیحة أحسن من الوجوه الصحیحة»؛

«نِعم الکنز القناعة»(78)

و من الأمثال السائرة المنسوبة بعضها إلى باب مدینة العلم علیٍّ – علیه السلام -:

«بالعدل قامت السماوات و الأرض»(79)؛

«العدل لامعةٌ آیاته عالیةٌ رایاته»؛

«إذا أقبلت الدولة خدمت العقول الشهوات»؛

«لکلّ دورٍ أسبابٌ»؛

و «لکلّ دورٍ أبوابٌ»؛

«بالرأی ینال ماینال»؛

و «تخرب الدولات بشراب العشیّات و نومة الغدوات»؛

«النفس تؤمّل و المنیّة تضحک»؛

«لکلّ داخلٍ دهشةٌ و لکلّ قادمٍ عزّةٌ»(80)؛

«غانم العجلة آخره الندامة»؛

«الکذوب قد یصدق، و الصدوق قد یکذب»(81)؛

«الدنیا دار المکافاة و دیر المخافات، و موضع القبض و البسط و موقع الخیر و الشرّ»؛

«إذا نفد منهم القضاء فعلیک بهدف الرضا»؛

«ربّ سلامٍ أبغض من ملامٍ، و ربّ ملامٍ أحبّ من إکرامٍ»؛

«الشهرة بلاءٌ و الخمول غناءٌ»؛

«الشهرة آفةٌ و کلّ أحدٍ یتولّاها و الخمول نعمةٍ و کلّ الناس یتوقّاها»(82)؛

«شرّ السلاطین من خافه البریة»؛

و «شرّ البلاد ما(83) لیس فیه خصبٌ و لا أمنٌ»(84)؛

… إلى غیر ذلک من الأمثال الّتی لاتحصى، فلانطول الکتاب بذکرها؛ و فیما ذکر کفایةٌ للبصیر و الجرعة تدلّ على الغدیر.

قوله – علیه السلام -: «استوهبک – یا إلهی! – نفسی» بیانٌ ل- «استوهبک» المذکور سابقاً.

و «تطرّقت» بالشیء إلى کذا: جعلته طریقاً إلیه – کما یقال: تسبّبت أی: جعلته سبباً -. و الأصل بتائین – لأنّه فعلٌ مضارعٌ، فحذف إحدى التائین تخفیفاً -؛ أی: لم تخلقها لغرضٍ یعود إلیک من دفع ضرٍّ أو جلب نفعٍ، لأنّک لاتحتاج إلى أحدٍ.

«و لکن أنشأتها» أی: أحدثتها و أوجدتها.

«إثباتاً لقدرتک» أی: لأن تعلم الخلائق انّک قادرٌ على خلق مثل هذا الجوهر المجرّد الّذی لیس جسماً و لاجسمانیّاً و لامکانیّاً و لازمانیّاً، من هذّبها صار أفضل من الملائکة و من أهملها یلحق بالأنعام – بل یکون أضلّ منهم!، کما أشار إلى هذا فی قوله: (قَدْ أَفلَحَ مَنْ زَکَّاهَا – وَ قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)(85)، و: (إِنْ هُمْ إِلاَّ کَالاَْنعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلاً)(86) -، و تقریراً على إنشاء مثلها و احتجاجاً بها إلى جعلها حجّةً و دلیلاً «على» خلق «شکلها» – أی: مثلها – فی الهیئة، لأنّ من أنشأ مثلها کان قادرا حکیماً علیهاً.

وَ أَسْتَحْمِلُکَ مِنْ ذُنُوبِی مَا قَدْ بَهَظَنِی حَمْلُهُ، وَ أَسْتَعِینُ بِکَ عَلَى مَا قَدْ فَدَحَنِی ثِقْلُهُ.

«و استحملک» قد مرّ معناه.

و «من ذنوبی» مبیّنةٌ ل- «ما»، و قد مرّ مراراً وجه تقدیمها علیه؛ أی: عصیتک مقداراً یثقلنی حمله.

و «الاستعانة»: طلب المعونة.

و «فدحنی» أی: أثقلنی؛ یقال: فدحنی الأمر فدحاً – من باب منع – أی: أثقله، و فوادح الدهر: خطوبه و حوادثه و شدائده، و أفدح الأمر: وجده فادحاً – أی: مثقلاً متبعاً صعباً -، و الفادحة: النازلة.

فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ هَبْ لِنَفْسِی عَلَى ظُلْمِهَا نَفْسِی، وَ وَکِّلْ رَحْمَتَکَ بِاحْتِمالِ إِصْرِی، فَکَمْ قَدْ لَحِقَتْ رَحْمَتُکَ بِالْمُسِیئِینَ، وَ کَمْ قَدْ شَمِلَ عَفْوُکَ الظَّالِمِینَ.

«الفاء» من قوله – علیه السلام -: «فصلّ على محمّدٍ و آله» فصیحةٌ، أی: إذا کان کذلک فصلّ.

«و هب لنفسی» لأجل ظلمٍ صدر من نفسی على نفسی؛ أو: هب لنفسی معاصیها حال کونها راکبةً على ظلمها؛ أو: مع کونها ظالمةً. ف- «على» بمعنى: مع – مثلها فی قوله تعالى: (وَ إِنَّ رَبَّکَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ)(87)، و: (آتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ)(88) -. <و کیف لاتکون ظالمةً و قد مرّ قوله - علیه السلام -: «أعدى عدوّک نفسک الّتی بین جنبیک»(89) !. فلاتفعل عنها، و أوثقها بقید التقوى و أکترثها(90) بثلاثة أشیاء:

الأوّل: منع الشهوات، فانّ الدابّة الحرون تلین إذا نقص من علفها!؛

الثانی: تحمّل أثقال العبادات، فانّ الدابّة الجموح إذا ثقل حملها انقادت!؛

الثالث: الاستعانة بالله و التضرّع إلیه بأن یعینک(91)؛ أو لاترى إلى قول الصدّیق -علیه السلام -: (إِنَّ النَّفسَ لاََمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّی)(92) ؟. فإذا واظبتها(93) على هذه الأمور إنقادت لک باذن الله -سبحانه -. فحینئذٍ تقدر على أن تملکها و تلجمها و تأمن شرّها؛ و کیف تأمنها(94) و تسلم مع إهمالها ما یشاهد من سوء اختیارها و رداءة أحوالها، أ لست تراها و هی فی حال الشهوة بهیمةٌ و فی حال الغضب سبعٌ و فی حال المعصیة طفلٌ و فی حال النعمة فرعونٌ!، و فی حال الشبع تراها مختالةً و فی حال الجوع تراها مجنونةً!، إن أشبعتها بطرت و إن جوّعتها صاحت و جرعت!، فهی کحمار السوء إن علّفته رمح و إن جوّعته نهق!>(95)

و حکی انّه سمع أبوالعینا محدّثاً یروی: «أعدى عدوّک نفسک الّتی بین جنبیک»، فقال: «و أعدى منها نفسک الّتی بین فخذیک!»؛

و روی: «انّ نبیّاً ناجى فقال: یا ربّ! کیف أصل إلیک؟

فأوحى الله -تعالى – إلیه: تصل إلیّ بالهرب من نفسک»(96)

و قال عارفٌ: «یستقیل غیری من شرّ الناس و أنا من شرّ نفسی!».

و قیل لربیع بن خثیم: «ما نراک تغتاب أحداً؟!

فقال: لست من نفسی راضیاً فاتفرّغ لذمّ الناس!».

و قیل: «انّ الحلّاج کان یصیح فی بغداد و یقول: یا أهل الإسلام! أغیثونی من الله فلایترکنی و نفسی فآنس بها و لایأخذنی من نفسی فأستریح منها!، و هذا دلّالٌ لاأطیقه!»(97)؛ و من شعره:

کَانَتْ لِنَفْسِیَ(98) أَهوَاءٌ مُفَرَّقَةٌ++

فَاسْتَجمَعَتْ – إذْ(99) رَأَتْکَ الْعَینُ – أهوَائِی

فَصَارَ یَحْسِدُنِی مَن کُنتُ أَحْسُدُهُ++

وَ صِرتُ مَولَى الْوَرَى مُذ صِرتَ مَولاَئِی

تَرَکْتُ لِلنَّاسِ دُنیَاهُم وَ دِینَهُمُ++

شُغْلاً بِذِکرِکَ(100) یَا دِینِی وَ دُنیَائِی(101)

و قال بعضٌ: «أوّل وصال العبد للحقّ هجرانه لنفسه، و أوّل هجران العبد للحقّ مواصلته لنفسه!»؛

و قال بعض العلماء: «لمّا رأت أمّ ربیع بن الخثیم ما یلقى الربیع من البکاء و السهر قالت له: یا بنیّ! لعلّک قتلت قتیلاً؟

قال: نعم یا أمّاه!

قالت: و من هو حتّى أذهب إلى أهله فیعفوا عنک؟ فو الله لو یعلمون ما أنت فیه لرحموک و عفوا عنک!

فقال: یا أمّاه! هی نفسی!».

قال بعض الفضلاء العارفین: «البسلمة تسعة عشر حرفاً یحصل لها النجاة من شرور القوى التسع عشرة الّتی فی البدن – أعنی: الحواسّ العشر الظاهرة و الباطنة و القوّة الشهوانیّة و الغضبیّة -، و السبع الطبیعیّة الّتی هی منبع الشرور و سائر الظنون؛ و لهذا جعل -سبحانه – خزنة النار تسعة عشر بازاء تلک القوى، فقال: (عَلَیْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)(102) و أیضاً: النهار و اللیل أربعٌ و عشرون ساعةً منها خمسٌ بازاء الصلوات الخمس و یبقى تسع عشرة ساعةً یستعاذ من شرّ ما ینزل فیها، لکلّ ساعةٍ حرفٌ».

و من تفسیر القاضی فی قوله -تعالى -: (إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُکُمْ أَنْ تَذبَحُوا بَقَرَةً)(103) -… الآیات – قال: «من أراد أن یعرف أعدى عدوّه الساعی فی إماتته الموت الحقیقیّ فطریقه أن

یذبح بقرة نفسه الّتی هی القوّة الشهویّة حین زال عنها شره الصبى و لم یلحقها ضعف الکبر و کانت معجبةً رائعة المنظر غیر مذلّلةٍ فی طلب الدنیا مسلمة عن دنسها لاسمة بها من مقابحها بحیث یصل أثره إلى نفسه فیحیى حیاةً طیّبةً و تعرب عمّا به ینکشف الحال و یرتفع ما بین العقل و الوهم من التدارىء و النزاع»(104)؛ هذا.

ثمّ اعلم! أنّ هذه النفس الظالمة الکافرة هی النفس الأمّارة الّتی تأمر باللذّات و الشهوات الحسّیّة و تجذب القلب إلى الجهة السفلیّة، و هی مأوى الشرّ و منبع الأخلاق الردیّة و الأفعال الدنیّة؛ و هی المرادة من قوله -سبحانه -: (إِنَّ النَّفْسَ لاََمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(92)

و تحقیقه ما عرفت سابقاً من أنّ النفس الناطقة الإنسانیّة إن کانت مسخّرةً للقوّة البهیمیّة مائلةً إلى الطبیعة البدنیّة سمّیت بالنفس الأمّارة، فهی مرتبةٌ من مراتب النفس الناطقة الإنسانیّة؛ فتذکّر!.

و فی خالصة الحقائق(105) – للفارابیّ -: «اختلف العلماء فی أنّ النفس هل هی واحدةٌ أم ثلاثٌ؟؛

فذهب بعضهم إلى أنّها ثلاث أنفس:

نفسٌ مطمئنّةٌ؛

و نفسٌ لوّامةٌ؛

و نفسٌ أمّارةٌ. و التحقیق انّها نفسٌ واحدةٌ و لها صفاتٌ تسمّى باعتبار کلّ صفةٍ؛ فالمطمئنّة باعتبار طمأنینتها إلى ربّها بعبودیّته و محبّته و الإنابة إلیه و التوکّل علیه و الرضى و الأنس به و السکون إلیه، و هی المخاطبة فی: (یَا أَیَّتُهَا النَّفسُ الْمُطْمَئِنَّةُ – ارْجِعِی إِلَى رَبِّکِ رَاضِیَةً مَرضِیَّةً)(106)؛

و أمّا اللوامّة فهی الّتی أقسم بها فقال: (لاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)(107) فقیل: هی الّتی لاتثبت على حالٍ واحدةٍ، فاعتبروا اللفظ من التلوّم – و هو التردّد -، و الأصحّ انّها من اللوم؛ و من هنا قال بعض السلف: «لایرى المؤمن إلّا لائماً نفسه دائماً، بخلاف الشقیّ»؛

و أمّا النفس الأمّارة فهی المذمومة الّتی تأمر بالشرّ، و من طبیعتها هذا؛ و هی المخبر عنها فی: (إِنَّ النَّفسَ لاََمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّی)(92)

فالمجموع هی نفسٌ واحدةٌ تکون أمّارةً ثمّ لوّامةً ثمّ مطمئنّةً، و هی غایة کمالها کما انّ الأمّارة غایة ضعفها»؛ انتهى.

و «الفاء» من قوله – علیه السلام -: «فکم» سببیّةٌ، و «کم» فی أمثال ذلک المقام خبریّةٌ.

و «لحقت رحمتک بالمسیئین» أی: أدرکتهم و أصابتهم، أی: إنّما طلبت منک لأنّ رحمتک کثیراً مّا لحقت بالمسیئین، و عفوک قد «شمل» المذنبین «الظالمین».

فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْعَلْنِی أُسْوَةَ مَنْ قَدْ أَنْهَضْتَهُ بِتَجَاوُزِکَ عَنْ مَصَارِعِ الْخَاطِئِینَ، وَ خَلَّصْتَهُ بِتَوْفِیقِکَ مِنْ وَرَطَاتِ الْمُجْرِمِینَ، فَأَصْبَحَ طَلِیقَ عَفْوِکَ مِنْ إِسَارِ سُخْطِکَ، وَ عَتِیقَ صُنْعِکَ مِنْ وَثَاقِ عَدْلِکَ.

«الفاء» فصیحةٌ، أی: إذا کانت رحمتک لحقت بالمسیئین و عفوک شمل الظالمین «فصلّ»

و «الأُِسوة» بکسر الهمزة و ضمّها، و هو: من یقتدى به؛ أی: اجعلنی قدوة من قد أقمته عن مواضع صرعهم و سقوطهم بسبب تجاوزک عن سیّئاته.

و «الورطات»: جمع ورطة، و هو الهلاک؛ أی: هلکات المجرمین. و الجارّ و المجرور متعلّقٌ ب-«خلّصته».

و «الفاء» من قوله: «فأصبح» للتعقیب.

و «أصبح» هنا فعلٌ ناقصٌ بمعنى صار، أی: فصار بسبب الإنهاض و التخلیص «طلیق

عفوک»، و هو الأسیر الّذی أطلق «إساره» و خلّی سبیله فانطلق – أی: ذهب – فی سبیله.

و «الإسار» – ککتاب -: ما یشدّ و یوثق به، أی: من حبل غضبک.

و «الصنع»: الإحسان – کالصنیعة -.

و «الوَِثاق» – بالفتح و الکسر – بمعنى: الإسار، و هو ما یشدّ به.

و «العدل» قد مرّ معناه؛ أی: من محکم حبل عدلک.

إِنَّکَ إِنْ تَفْعَلْ ذَلِکَ – یَا إِلَهِی! – تَفْعَلْهُ بِمَنْ لاَیَجْحَدُ اسْتِحْقَاقَ عُقُوبَتِکَ، وَ لاَیُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنِ اسْتِیجَابِ نَقِمَتِکَ. تَفْعَلْ ذَلِکَ – یَا إِلَهِی! – بِمَنْ خَوْفُهُ مِنْکَ أَکْثَرُ مِنْ طَمَعِهِ فِیکَ، وَ بِمَنْ یَأْسُهُ مِنَ النَّجَاةِ أَوْکَدُ مِنْ رَجَائِهِ لِلْخَلاَصِ، لاَأَنْ یَکُونَ یَأْسُهُ قُنُوطاً، أَوْ أَنْ یَکُونَ طَمَعُهُ اغْتِرَاراً، بَلْ لِقِلَّةِ حَسَنَاتِهِ بَیْنَ سَیِّئَاتِهِ، وَ ضَعْفِ حُجَجِهِ فِی جَمِیعِ تَبِعَاتِهِ.

«إنّک إن تفعل» إستینافٌ، کأنّ الله -سبحانه – یقول: لمأفعل ذلک بک و انّک ممّن یستحقّ عقوبتی و تستوجب نعمتی؟

أجاب: انّی و إن کنت مستحقّاً لذلک لکن لست ممّن یجحد باستحقاق ذلک، فانّک إن تفعل ذلک عمّن لایجحد استحقاق عقوبتک….

و «تفعلْه»: مجزومٌ فی جواب الشرط.

و «الجحود»: الإنکار، یقال: <جحدت الأمر جحداً و جحوداً: أنکرته، قالوا: و لایکون إلّا على علمٍ من الجاحد له>(108)

و «برء» یبرء – مهموزاً، من باب تعب یتعب -: التنزّه؛ و برّأته من العیب – بالتشدید -: جعلته بریئاً منه.

و «تفعلُ» – بالضمّ على النسخ المشهورة -: إستینافٌ، <و فی نسخةٍ قدیمةٍ بزیادة «بل»

الإبتدائیّة، و معناه الإنتقال من غرضٍ إلى غرضٍ آخر>(109) و قیل: «قوله: تفعل ذلک بدلٌ عن قوله: تفعله».

و المشار إلیه ب- «ذلک»: العفو و المغفرة.

و «الیأس»: انقطاع الرجاء و الطمع، یقال: یئس ییأس – من باب تعب – یأساً.

و «القنوط» أخصّ من الیأس.

ثمّ اعلم! أنّ الیأس على قسمین:

أحدهما: ما بلغ حدّ القنوط بأن یزول عنه الرجاء بالکلّیّة؛

و الآخر: ما یوجد معه رجاءٌ.

و کذلک الرجاء على قسمین:

أحدهما: مابلغ حدّ الإغترار و الغفلة، و هو ما لایکون معه بأسٌ؛

و الآخر: ما یوجد معه بأسٌ فی الجملة. و لمّا ذکر – علیه السلام – انّ معه بأساً و طمعاً و خوفاً و رجاءً فربّما توهّم انّ بأسه بلغ إلى حدّ القنوط، أو طمعه إلى حدّ الإغترار و الغفلة – و إن کان بعیداً – أکّد ما علم سابقاً بقوله: لا أن یکون بأسه قنوطاً أو أن یکون طمعه اغتراراً؛ أی: غفلةً من نفسه أو خدعةً من الشیطان. و تقدیر: «لا أن یکون»: لا لأن یکون، بلام التعلیل، لما مرّ مراراً من أنّ حذف الجارّ مع أن المصدریّة مطّردٌ.

قوله: «بل لقلّة حسناته» أی: بل هو لأجل قلّة حسناته و کثرة سیّئاته، و کون «حججه» – أی: ما یحتجّ به على فعل السیّئات – ضعیفةً. و فیه تنبیهٌ على أنّ مرتکب سیّئةٍ إنّما یرتکبها مع حجّةٍ، لکن حجّةً ضعیفةً.

و «التبعات»: جمع تبعة – على وزن کلمة -، و هی: ما یتبع الإنسان و یلحقه من الإثم.

فان قیل: إعترافه – علیه السلام – بکون خوفه أکثر من طمعه و یأسه أوکد من رجائه مخالفٌ لما روی عن الباقر – علیه السلام – انّه قال: «لیس من عبدٍ مؤمنٍ إلّا و فی قلبه

نوران: نور خیفةٍ و نور رجاءٍ، لو وزن هذا لم یزد على هذا»(110) !

قلت: خوفه – علیه السلام – خوف الحجاب و الأنّیّة، و هو غیر الخوف الّذی یجب أن یکون مساویاً للرجاء، و هما بقایا الإحساس بالأحکام البشریّة و الأوصاف الإنسانیّة؛ و قد حقّقنا لک فیما سبق انّ مراتبهم و مقاماتهم – علیهم السلام – متفاوتةٌ، فصاحب الصحیفة الشریفة فی مقامٍ أعلى من إبنه – علیه السلام – فی التکلّم بهذه الفقرة؛ فلامنافاة بین کلامیهما؛ فتبصّر!. فلاتصغ إلى ما قیل: «انّ مساواتهما إنّما هی بالنسبة إلى غیر الإمام»؛

أو: «انّ المقام هنا – و هو الخضوع و التذلّل – یقتضی ذلک»؛

أو: «انّ مساواة النورین لایستلزم مساواة الخوف و الرجاء»؛

أو: «انّ الخوف یزید بمخاطبة المخوف منه و مشاهدته».

فَأَمَّا أَنْتَ – یَا إِلَهِی! – فَأَهْلٌ أَنْ لاَیَغْتَرَّ بِکَ الصِّدِّیقُونَ، وَ لاَیَیْأَسَ مِنْکَ الْمُجْرِمُونَ، لاَنَّکَ الرَّبُّ الْعَظِیمُ الَّذِی لاَیَمْنَعُ أَحَداً فَضْلَهُ، وَ لاَیَسْتَقْصِی مِنْ أَحَدٍ حَقَّهُ.

هذا حالی و حال العباد بالنسبة إلى أعمالی و أعمالهم؛ و أمّا حالی و حالهم بالنظر إلیک فینبغی «أن لایغترّ» و لایخدع بسببک «الصدّیقون» إتّکالاً على أعمالهم، و «لاییأس منک المجرمون» قنوطاً من رحمتک.

و «الصدّیقون»: جمع صِدِّیق – بالکسر و التشدید -، و هو: الملازم للصدق؛ و قال ابن الأثیر: «هو فعّیلٌ للمبالغة فی الصدق، و یکون للّذی(111) یصدّق قوله بالفعل(112)»(113)؛

و قیل: «بل لمن لم یکذّب قطّ»؛

و قیل: «بل لم یتأتّ منه الکذب لتعوّده الصدق»؛

و قیل: «بل لمن صدّق بقوله و اعتقاده و حقّق صدقه بفعله».

<و قال بعضهم: «لا واسطة بین الصدّیق و النبیّ، قال الله -تعالى - فی صفة إبراهیم: (کَانَ صِدِّیقاً نَبِیّاً)(114)، و قال: (فَأُولَئِکَ مَعَ الَّذِینَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ وَ الصِّدِّیقِینَ)(115)، یعنی: إن ترقّیت أنت من الصدّیقین وصلت إلى النبیّین، و إن نزلت من النبیّین وصلت(116) إلیهم»(117) >.

و قوله – علیه السلام -: «لایمنع» صلة «الّذی».

و ضمیر «فضله» راجعٌ إلى «الربّ»؛ و یحتمل أن یرجع إلى «أحداً» و یکون الإضافة لأدنى ملابسةٍ.

<قوله - علیه السلام -: «لأنّک الربّ العظیم -... إلى آخره -» تعلیلٌ لکونه أهلاً لأن لاییأس منه المجرمون، لالمضمون الفقرتین معاً>(109)

و «الاستقصاء» قیل: «طلب الأقصى، و هو: النهایة؛ أی: لایطلب نهایة حقّه من أحدٍ»

أقول: فی قوله: «طلب الأقصى، و هو: النهایة» مسامحةٌ!، لأنّ النهایة هی القصوى و القصیا، و «الأقصى» أفعل تفضیلٍ منه؛ و فی القاموس: «استقصى فی المسألة، و تقصّى: بلغ النهایة(118)»(119)؛ انتهى. و یقال: استقصى حقّه: أخذه کلّه و لم یترک منه شیئاً.

تَعَالَى ذِکْرُکَ عَنِ الْمَذْکُورِینَ، وَ تَقَدَّسَتْ أَسْمَاوُکَ عَنِ الْمَنْسُوبِینَ، وَ فَشَتْ نِعْمَتُکَ فِی جَمِیعِ الْمَخْلُوقِینَ، فَلَکَ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِکَ – یَا رَبَّ الْعَالَمِینَ! -.

<«تعالى» من العلو، و صیغة التفاعل للمبالغة. و هو إنشاءٌ فی صورة الخبر، لأنّ الغرض منه استعظام ذکره و تنزیهه عن مساواته لذکر «المذکورین»>(116)؛ أی: تقدّس و تنزّه و أرتفع ما یذکرلک من الصفات عمّا یذکر من الصفات للمذکورین ممّن سواک، و عن النسبة الّتی تکون بین أسماء من سواک و مسمّیاتها. فالمراد ب- «المنسوبین»: الّذین یکون لأسمائهم نسبةٌ إلى مسمّیاتهم؛ أی: لیس صفاتک من جنس صفات المخلوقین، و لاأسمائک من باب أسمائهم – کما مرّ تحقیق ذلک فیما سبق مستوفىً -.

و «فشت» أی: انتشرت و شاعت «نعمتک فی جمیع المخلوقین» بحیث لایخلو منها خلقٌ من مخلوقک، لأنّ نعمة الوجود ساریةٌ فی الکلّ؛ فکیف بسائر النعم الّتی هی فرع الوجود!.

و «الفاء» من قوله: «فلک الحمد» فصیحةٌ، أی: إذا کان کذلک فلک الحمد.

هذا آخر اللمعة التاسعة و الثلاثین من لوامع الأنوار العرشیّة فی شرح الصحیفة السجّادیّة، وفّقنی الله -تعالى – لإتمامها و اقتباس أنوارها عصر یوم الأحد من العشر الأوسط من شهر شعبان المعظّم سنة إحدى و ثلاثین و مأتین و ألفٍ من الهجرة النبویّة.


1) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 304.

2) راجع: «صحاح اللغة» ج 6 ص 2369 القائمة 1.

3) راجع: «بحارالأنوار» ج 69 ص 331، «مهج الدعوات» ص 186.

4) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 306.

5) و هذه هی النسخة المشهورة، کما جعلناها فی المتن.

6) و انظر: «شرح الصحیفة» ص 315.

7) راجع: «دیوان الأدب» ج 1 ص 265 القائمة 2.

8) راجع: «ریاض السالکین» ج 5 ص 307.

9) هذا قول العلّامة المدنی، راجع: نفس المصدر ص 307.

10) المصدر: هو.

11) راجع: «صحاح اللغة» ج 5 ص 2032 القائمة 1.

12) راجع: «صحاح اللغة» ج 4 ص 1440 القائمة 1.

13) لم أعثر علیه، لا فی مصادرنا و لا فی مصادر العامّة.

14) و انظر: «نورالأنوار» ص 165.

15) کریمة 185 البقرة.

16) کریمة 2 المطفّفین.

17) راجع: «مسند أحمد» ج 2 ص 507، و لم أعثر علیه فی مصادرنا.

18) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 308.

19) کریمة 114 التوبة.

20) کریمة 53 هود.

21) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 309.

22) قارن: نفس المصدر و المجلّد ص 310.

23) راجع: «الأمالی» – للصدوق – ص 311 الحدیث 10، «روضة الواعظین» ج 2 ص 446.

24) هذا قریبٌ من قول محقّق الداماد، راجع: «شرح الصحیفة» ص 316.

25) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 315.

26) المصدر: ما من الناس أحدٌ.

27) راجع: «بحارالأنوار» ج 7 ص 11، و لم أعثر علیه فی غیره.

28) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 317.

29) راجع: نفس المصدر و المجلّد ص 318.

30) لم أعثر على العبارة. و المیدانیّ عقد فصلاً فی مبتدء کتابه لبیان معنى المثل، و قال فی مفتتحه: «و هذا فصلٌ یشتمل على معنى المَثَل و ما قیل فیه»؛ راجع: «مجمع الأمثال» ج 1 ص 5، والعبارة لم‌توجد فیه.

31) راجع: نفس المصدر، و حکاه عنه ابن منظور أیضاً، راجع: «لسان العرب» ج 11 ص 612القائمة 1.

32) لم أعثر علیه فی «ترتیب إصلاح المنطق» – فانظر: ص 343 القائمة 2، ثمّ ص 101 القائمة 1 -،و انظر أیضاً: «مجمع الأمثال» ج 1 ص 6.

33) کما أورده المیدانیّ من غیر إسناده إلى أبی حیّان، راجع: نفس المصدر.

34) هذه الأحادیث قد عثرت على بعضها فذکرت مصادرها، و بعضها الآخر لم أعثر علیها.

35) راجع: «مشکاة الأنوار» ص 319، «القصص» – للجزائریّ – ص 179، «الصراط المستقیم»ج 1 ص 114.

36) المصدر: – الهوى.

37) راجع: «من لایحضره الفقیه» ج 4 ص 378 الحدیث 5787، «وسائل الشیعة» ج 15 ص162 الحدیث 20212.

38) راجع: «من لایحضره الفقیه» ج 4 ص 378 الحدیث 5788.

39) راجع: «الکافی» ج 8 ص 348 الحدیث 547، «من لایحضره الفقیه» 2 ص 296 الحدیث2505، «بحارالأنوار» ج 22 ص 167.

40) راجع: «مستدرک الوسائل» ج 1 ص 215 الحدیث 395، «بحارالأنوار» ج 18 ص 43، «کنزالفوائد» ج 1 ص 169.

41) راجع: «التهذیب» ج 6 ص 162 الحدیث 1، «وسائل الشیعة» ج 15 ص 133 الحدیث20150، «بحارالأنوار» ج 42 ص 187.

42) المصدر: – ثمّ تقول.

43) راجع: «عوالی اللئالی» ج 1 ص 287 الحدیث 138.

44) راجع: «بحارالأنوار» ج 71 ص 268، «جامع الأخبار» ص 85.

45) راجع – مع تغییرٍ -: «من لایحضره الفقیه» ج 4 ص 379 الحدیث 5798، «مستدرک الوسائل» ج 8 ص 327 الحدیث 9568، «بحارالأنوار» ج 58 ص 65، «العلل» – لابن أبی حاتم – ج 2 ص 111.

46) راجع: «بحارالأنوار» ج 58 ص 66.

47) راجع – مع تغییرٍ -: «بحارالأنوار» ج 74 ص 162، «اعلام الدین» ص 159، «تحف العقول»ص 57.

48) راجع: «بحارالأنوار» ج 74 ص 162، «تحف العقول» ص 57، «کشف الخفاء» ج 1ص 360.

49) راجع: «من لایحضره الفقیه» ج 4 ص 378 الحدیث 5791، «بحارالأنوار» ج 73 ص 273،«مکارم الأخلاق» ص 251.

50) راجع: «من لایحضره الفقیه» 4 ص 379 الحدیث 5805، «الصوارم المهرقة» ص 334،«وسائل الشیعة» ج 7 ص 405 الحدیث 9700.

51) راجع: «بحارالأنوار» ج 74 ص 166، «عوالی اللئالی» ج 1 ص 285 الحدیث 133،«مجموعة ورّام» ج 1 ص 127.

52) المصدر: – فلینصح.

53) راجع: «عوالی اللئالی» ج 1 ص 104 الحدیث 39.

54) راجع: «من لایحضره الفقیه» ج 4 ص 380 ح 5810، «التهذیب» ج 2 ص 32 الحدیث 47،«وسائل الشیعة» ج 3 ص 281 الحدیث 3656.

55) راجع: «من لایحضره الفقیه» 4 ص 380 الحدیث 5808، «وسائل الشیعة» ج 19 ص 241الحدیث 24502، «مستدرک الوسائل» ج 14 ص 72 الحدیث 16130.

56) راجع: «الکافی» ج 4 ص 27 الحدیث 4، «من لایحضره الفقیه» ج 2 ص 55 الحدیث 1682،«وسائل الشیعة» ج 16 ص 123 الحدیث 21145.

57) راجع: «الکافی» ج 4 ص 26 الحدیث 1، «من لایحضره الفقیه» ج 2 ص 55 الحدیث 1682،«وسائل الشیعة» ج 9 ص 459 الحدیث 12495.

58) راجع: «من لایحضره الفقیه» 4 ص 380 الحدیث 5819، «وسائل الشیعة» ج 18 ص 333الحدیث 23791، «مستدرک الوسائل» ج 3 ص 397 الحدیث 15713.

59) المصدر: العذاب.

60) راجع: «من لایحضره الفقیه» ج 2 ص 300 الحدیث 2515، «مستدرک الوسائل» ج 8 ص233 الحدیث 9330، «الجعفریّات» ص 170.

61) راجع: «الکافی» ج 5 ص 404 الحدیث 8، «من لایحضره الفقیه» ج 4 ص 379 الحدیث5804، «دعائم الإسلام» ج 2 ص 44 الحدیث 106.

62) راجع: «بحارالأنوار» ج 2 ص 272، «عوالی اللئالی» ج 3 ص 208 الحدیث 59، «نهج الحقّ» ص 572.

63) راجع: «مستدرک الوسائل» ج 12 ص 102 الحدیث 13633، «بحارالأنوار» ج 72 ص321، «تحف العقول» ص 88.

64) راجع: «بحارالأنوار» ج 74 ص 238، «تحف العقول» ص 88، «مجموعة ورّام» ج 2 ص 39.

65) راجع: «الکافی» ج 5 ص 554 الحدیث 4، «وسائل الشیعة» ج 17 ص 329 الحدیث22687، «عوالی اللئالی» ج 3 ص 548 الحدیث 13.

66) المصدر: استصغر.

67) لم أعثر علیه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 75 ص 201، «العدد القویّة» ص 151، «کشف الغمّة»ج 2 ص 157.

68) لم أعثر علیه، و انظر: «تحف العقول» ص 88، «بحارالأنوار» ج 1 ص 160، «کنز الفوائد»ج 1 ص 200.

69) راجع: «الکافی» ج 8 ص 18 الحدیث 4، «بحارالأنوار» ج 74 ص 236، «العدد القویّة» ص357، «مجموعة ورّام» ج 2 ص 39.

70) راجع: «کنز الفوائد» ج 1 ص 319، و انظر: «بحارالأنوار» ج 1 ص 205، «اعلام الدین»ص 84.

71) المصدر: مداخل.

72) لم أعثر علیه، و انظر: «وسائل الشیعة» ج 12 ص 37 الحدیث 15578، «بحارالأنوار» ج 75ص 204، «تحف العقول» ص 88.

73) المصدر: هان.

74) لم أعثر علیه أیضاً، و انظر: «غرر الحکم» ص 68 الحدیث 939.

75) لم أعثر علیه، و انظر: «غرر الحکم» ص 75 الحدیث 1174، ص 233 الحدیث 4673.

76) لم أعثر علیه، و انظر: «بحارالأنوار» ج 74 ص 422، «الإرشاد» ج 1 ص 300.

77) لم أعثر علیه، و انظر: «غرر الحکم» ص 163 الحدیث 3142.

78) لم أعثر علیه، و انظر: «غرر الحکم» ص 391 الحدیث 9002، 9003.

79) راجع: «عوالی اللئالی» ج 4 ص 102 الحدیث 150.

80) لم أعثر علیه، و انظر: «غرر الحکم» ص 435 الحدیث 9947، ص 438 الحدیث 10034.

81) لم أعثر علیه أیضاً، و انظر: «کشف الغمّة» ج 2 ص 26.

82) لم أعثر علیه، و انظر: «إرشاد القلوب» ج 1 ص 100.

83) المصدر: بلدٌ.

84) راجع: «غرر الحکم» ص 447 الحدیث 10255.

85) کریمتان 9، 10 الشمس.

86) کریمة 44 الفرقان.

87) کریمة 6 الرعد.

88) کریمة 177 البقرة.

89) راجع: «بحارالأنوار» ج 67 ص 36، «عدّة الداعی» ص 314، «عوالی اللئالی» ج 4 ص118 الحدیث 187، «مجموعة ورّام» ج 1 ص 59.

90) المصدر: أکسرها.

91) المصدر: + علیها.

92) کریمة 53 یوسف.

93) المصدر: وطنتها.

94) المصدر: تأمن.

95) قارن: «نورالأنوار» ص 166.

96) لم أعثر علیه.

97) لم أعثر علیه أیضاً.

98) المصدر: لقلبی.

99) المصدر: مذ.

100) المصدر: بحبّک.

101) راجع: «دیوان الحلّاج»، فصل «ما ینسب إلیه و إلى غیره من الشعراء» ص 81.

102) کریمة 30 المدّثر.

103) کریمة 67 البقرة.

104) راجع: تفسیر البیضاوی ص 15.

105) کذا، ولم أعثر على هذه الرسالة، و أظنّ أنّها لم‌تطبع بعد.

106) کریمتان 27، 28 الفجر.

107) کریمة 2 القیامة.

108) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 326.

109) قارن: نفس المصدر.

110) راجع: «الکافی» ج 2 ص 67 الحدیث 1، «وسائل الشیعة» ج 15 ص 216 الحدیث20311، «مستدرک الوسائل» ج 11 ص 224 الحدیث 12807، «تحف العقول» ص 375،«مشکاة الأنوار» ص 119.

111) المصدر: الّذی.

112) المصدر: بالعمل.

113) راجع: «النهایة» ج 3 ص 18.

114) کریمة 41 مریم.

115) کریمة 69 النساء.

116) قارن: «ریاض السالکین» ج 5 ص 333.

117) کما قال العارف الکاشانیّ بعد ذکر الآیة الأخیرة: «فلم یجعل – سبحانه وتعالى – بین مرتبتی النبوّة و الصدّیقیّة مرتبةً أخرى تتخلّلهما»، راجع: «لطائف الاعلام» ص 354الإصطلاح 837.

118) المصدر: الغایة.

119) راجع: «القاموس المحیط» ص 1216 القائمة 2.