قال بعض الفقهاء: ان انتفاع الضیف بدار مضیفه، و بعض فراشه و آنیته، و ما الیها هو من باب العاریة.. و رده صاحب الجواهر بأن هذا من الاذن بالتصرف، و اباحة الانتفاع، و لیس من العاریة فی شیء، لأن العاریة: «عقد یعتبر فیه انشاء الربط بین الایجاب و القبول، لا الایقاع الذی یکفی فیه الاذن بالانتفاع من المالک».
و عقد العاریة لا یشترط فیه شکل خاص، بل یتحقق بکل ما دل علی توافق الایجاب و القبول، و هو جائز من جانب المعیر و المستعیر، فان لکل منهما فسخ العقد و انهاءه متی شاء، سواء أکانت العاریة مطلقة، أو مؤقتة بأمد.
و بعد أن حکم الفقهاء بأن عقد العاریة جائز تکلموا و أطالوا الکلام فی حکم العاریة للرهن بعد وقوع الرهن علیها، و عاریة الحائط للجار، لیضع علیه اطراف خشب السقف، و عاریة الارض لدفن المیت، أو للبناء، و الغرس، و ما الی ذلک مما یتضرر المستعیر منه برجوع المعیر عن العاریة التی من شأنها الدوام و الاستمرار.
و یری أکثر الفقهاء أن عاریة الارض للدفن تکون لازمة بعد الدفن، و لا یجوز الرجوع عنها، لحرمة نبش القبر، و أیضا تکون لازمة اذا اعار عینا من أمواله
لیرهنها المستعیر، ولکن تکون مضمونة علی المستعیر الراهن، حتی ولو تلفت من غیر تعد أو تفریط، أما عاریة الأرض للبناء و الغرس فان للمعیر أن یرجع عنها، و یزیل البناء و الغرس بعد أن أعار أرضه لذلک، علی أن یضمن الضرر الذی یلحق المستعیر من الهدم و القلع.
و قال بعض الفقهاء: ان عقد العاریة ینقسم الی جائز، کعاریة الثوب و السیارة، و الی لازم، کالعاریة للرهن و الدفن، و ما الیه.. و رده صاحب الجواهر بأن هذا من غرائب الکلام، لأن التقاء عقد مع عقد آخر فی بعض الخصائص و الآثار لا یوجب ادخال بعض العقود فی بعض اذالعقد الجائز قد یعرض علیه ما یجعله لازما، کالعاریة للرهن و الدفن، ولکن هذا عارض خارجی لا یحول العقد عن طبیعته من الجواز الی اللزوم، کما أن العقد اللازم قد یعرض علیه ما یجعله جائزا، کالبیع بالخیار، و مع ذلک یبقی علی طبیعته من اللزوم.
و بتعبیر ثان أن عقد العاریة یستدعی أن یفسخه و یرجع عنه کل من المعیر و المستعیر، و لو قبل انقضاء الاجل المعین للعاریة.. و قد یوجد المعیر بارادته و اختیاره سببا یمنعه عن الفسخ، کما لو اذن للمستعیر ان یرهن العین المعارة مع علمه بأن الرهن لازم من جانب الراهن، أو یأذن له بایجارها، و هو یعلم أن الایجار لازم طوال المدة المعینة، أو یأذن بدفن میت فی أرضه مع علمه بحرمة نبش القبر، أو یأذن بالبناء و الغرس مع علمه بأن مثل هذه العاریة دائمة، و أنه لا عاقل یقدم علیها بلا دوام و استمرار، و هذا السبب الطاریء الذی منع المعیر من الفسخ لا یخرج عقد العاریة عن الجواز، و هذا ما أراده صاحب الجواهر بقوله: «ضرورة عدم امتناع فسخ الارتهان الواقع باذن المالک، و حرمة النبش، و الاضرار بالغیر برجوع العین لزوم العقد ضرورة امکان بقائه علی الجواز».